Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يونان

مرماهي

مرماهي: مرماهي: (مكونة من كلمتين مر ثعبان ما هي سمك) (فارسية) (ابن البيطار 1: 66 d، 68 ابن جزلة- انظر سمك، باين سميث 1125). وحين نضيف اللاحقة التي تفيد التصغير يقال مرماهيج (كازيري 1: 320 a باين سميث 1125 انظر مارماهي: انقليس، وانكليس (يونانــي معرب).

أَرْدَبِيلُ

أَرْدَبِيلُ:
بالفتح ثم السكون، وفتح الدال، وكسر الباء، وياء ساكنة، ولام: من أشهر مدن أذربيجان، وكانت قبل الإسلام قصبة الناحية، طولها ثمانون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلاث وثلاثون دقيقة، طالعها السماك، بيت حياتها أول درجة من الحمل، تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، وهي في الإقليم الرابع، وقال أبو عون في زيجه: طولها ثلاث وسبعون درجة ونصف، وعرضها ثمان وثلاثون درجة، وهي مدينة كبيرة جدا، رأيتها في سنة سبع عشرة وستمائة، فوجدتها في فضاء من الأرض فسيح، يتسرّب في ظاهرها وباطنها عدّة أنهار كثيرة المياه، ومع ذلك فليس فيها شجرة واحدة من شجر جميع الفواكه، لا في ظاهرها ولا في باطنها، ولا في جميع الفضاء الذي هي فيه، وإذا زرع أو غرس فيها شيء من ذلك لا يفلح، هذا مع صحة هوائها وعذوبة مائها وجودة أرضها، وهو من أعجب ما رأيته، فإنه خفيّ السّبب، وإنما تجلب إليها الفواكه من وراء الجبل من كل ناحية مسيرة يوم وأكثر وأقلّ، وبينها وبين بحر الخزر مسيرة يومين، بينهما غيضة أشبة، إذا دهمهم أمر التجأوا إليها، فتمنعهم وتعصمهم ممن يريد أذاهم، فهي معقلهم، ومنها يقطعون الخشب الذي يصنعون منه قصاع الخلنج والصّواني، وفي المدينة صنّاع كثيرة برسم إصلاحه وعمله، وليس المجلوب منه من هذا البلد بالجيّد، فإنه لا توجد منه قط قطعة خالية من عيب مصلحة، وقد حضرت عند صنّاعه والتمست منهم قطعة خالية من العيب فعرّفوني أن ذلك معدوم، إنما الفاضل من هذا المجلوب من الريّ، فإنّي حضرت عند صنّاعه أيضا فوجدت السليم كثيرا، ثم نزل عليها التتر وأبادوهم بعد انفصالي عنها، وجرت بينهم وبين أهلها حروب، ومانعوا عن أنفسهم أحسن ممانعة، حتى صرفوهم عنهم مرّتين، ثم عادوا إليهم في الثالثة فضعفوا عنهم فغلبوا أهلها عليها وفتحوها عنوة، وأوقعوا بالمسلمين وقتلوهم، ولم يتركوا منهم أحدا وقعت عينهم عليه، ولم ينج منهم إلا من أخفى نفسه عنهم، وخرّبوها خرابا فاحشا ثم انصرفوا عنها، وهي على صورة قبيحة من الخراب وقلّة الأهل، والآن عادت إلى حالتها الأولى وأحسن منها، وهي في يد التتر، قيل: إن أول من أنشأها فيروز الملك، وسمّاها باذان فيروز، وقال أبو سعد: لعلّها منسوبة إلى أردبيل بن أرميني بن لنطي بن يونان، ورطلها كبير، وزنه ألف درهم وأربعون درهما، وبينها وبين سراو يومان، وبينها وبين تبريز سبعة أيام، وبينها
وبين خلخال يومان، ينسب إليها خلق كثير من أهل العلم في كل فنّ.

علم الأسطرلاب

علم الأسطرلاب
هو علم يبحث فيه عن: كيفية استعمال آلة معهودة، يتوصل بها إلى معرفة كثير من الأمور النجومية، على أسهل طريق، وأقرب مأخذ، مبين في كتبها كارتفاع الشمس، ومعرفة الطالع، وسمت القبلة، وعرض البلاد، وغير ذلك.
أو عن: كيفية وضع الآلة على ما بين في كتبه، وهو من فروع علم الهيئة، كما مر.
وأصطرلاب: كلمة يونانــية، أصلها بالسين، وقد يستعمل على الأصل، وقد تبدل صادا لأنها في جوار الطاء، وهو الأكثر، يقال معناها: ميزان الشمس، وقيل: مرآة النجم، ومقياسه.
ويقال له بالــيونانــية أيضا: أصطرلافون، وأصطر: هو النجم، ولافون: هو المرآة، ومن ذلك سمي: علم النجوم: أصطريوميا، وقيل: إن الأوائل كانوا يتخذون كرة على مثال الفلك، ويرسمون عليها الدوائر، ويقسمون بها النهار والليل، فيصححون بها المطالع، إلى زمن إدريس - عليه السلام -.
وكان لإدريس ابن يسمى: لاب، وله معرفة في الهيئة، فبسط الكرة، واتخذ هذه الآلة، فوصلت إلى أبيه فتأمل، وقال: من سطره؟ فقيل: سطر لاب، فوقع عليه هذا الاسم.
وقيل: أسطر، جمع: سطر، ولاب: اسم رجل.
وقيل: فارسي معرب، من أستاره ياب، أي: مدرك أحوال الكواكب.
قال بعضهم: هذا أظهر وأقرب إلى الصواب، لأنه ليس بينهما فرق إلا بتغيير الحروف.
وفي (مفاتيح العلوم) الوجه هو الأول.
وقيل: أول من وضعه: بطلميوس، وأول من عمله في الإسلام: إبراهيم بن حبيب الفزاري.
ومن الكتب المصنفة فيه: (تحفة الناظر)، و(بهجة الأفكار)، و(ضياء الأعين).

العرب

العرب
وهم فرقتان: بائدة، وباقية.
والبائدة: كانت أمما كعاد وثمود، انقرضوا، وانقطع عنا أخبارهم.
والباقية: متفرعة من: قحطان وعدنان، ولهم حال الجاهلية، وحال الإسلام.
فالأولى: منهم: التبابعة، والجبابرة، ولهم مذهب في أحكام النجوم، لكن لم يكن لهم عناية بأرصاد الكواكب، وبحث عن شيء من الفلسفة.
وأما سائر العرب بعد الملوك، فكانوا أهل مدر ووبر، فلم يكن فيهم عالم مذكور، ولا حكيم معروف، وكانت أديانهم مختلفة، وعلمهم الذي كانوا يفتخرون فيه به: علم لسانهم، ونظم الأشعار، وتأليف الخطب، وعلم الأخبار، ومعرفة السير والأعصار.
قال الهمداني: ليس يوصل إلى حد خبر من أخبار العرب والعجم إلا بالعرب.
وذلك أن من سكن بمكة أحاطوا بعلم العرب العاربة، وأخبار أهل الكتاب، وكانوا يدخلون البلاد للتجارات، فيعرفون أخبار الناس.
وكذلك من سكن الحيرة، وجاور الأعاجم، علم أخبارهم، وأيام حمير، ومسيرها في البلاد.
وكذلك من سكن الشام: خبر بأخبار الروم، وبني إسرائيل، والــيونان.
ومن وقع في البحرين وعمان: فعنه أتت أخبار السند، والهند، وفارس.
ومن سكن اليمن: علم أخبار الأمم جميعا، لأنه كان في ظل الملوك السيارة.
والعرب: أصحاب حفظ ورواية، ولهم معرفة بأوقات المطالع والمغارب، وأنواء الكواكب وأمطارها، لاحتياجهم إليه في المعيشة، لا على طريق تعلم الحقائق، والتدرب في العلوم.
وأما علم الفلسفة، فلم يمنحهم الله - سبحانه وتعالى - شيئا منه، ولا هيأ طباعهم للعناية به، إلا نادرا.

أَنُولُوطيقا

أَنُولُوطيقا
بفتح: الهمزة، وضم: النون واللام، وقد تبدل اللام راء، فيقال: أنورقطيقا، ويقال: أنورقطيقا، ألفاظ يونانــية معناها: البرهان.
وهو باب من أبواب المنطق.
صنف فيه: الحكيم، الفاضل: أرسطوطاليس؛ وسماه به.
ثم نقل: حنين بعضه إلى السرياني.
ونقل: إسحاق بن حنين الكل.
ونقل: متى نقل إسحاق إلى العربي.
وشرح: ثامسطيوس شرحا تاما.
وشرح: الإسكندر أيضا، ولم يوجد.
ويحيى النحوي.
ولأبي يحيى المروزي، الذي قرأه عليه متى كلام فيه.
وشرحه: متى أيضا.
وشرحه: الفارابي، والكندي.

إيساغوجي

إيساغوجي
هو لفظ يونانــي، معناه: الكليات الخمس، أي: الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام.
وهو: باب من الأبواب التسعة للمنطق.
وقال بعضهم في ضبطه:
(شعر)
جنس وفصل ونوع وخاصه عرض عام * جمله را إيساغوجي كردند نام
وصنف فيه جماعة من المتقدمين، والمتأخرين:
كفرفوريوس الحكيم.
ومختصر: (كتاب فرفوريوس).
لأبي العباس: أحمد بن محمد بن مروان السرخسي.
المقتول سنة: ست وثمانين ومائتين.
ومنهم: الشيخ، موفق الدين: عبد اللطيف بن يوسف البغدادي.
المتوفى: سنة...
والمشهور المتداول في زماننا هو:
(المختصر).
المنسوب إلى: الفاضل، أثير الدين: مفضل بن عمر الأبهري.
المتوفى: في حدود سنة سبعمائة.
وهو مشتمل على: ما يجب استحضاره من المنطق.
سمي: إيساغوجي، مجازا من باب إطلاق اسم الجزء، وإرادة الكل، أو المظروف على الظرف؛ أو تسمية الكتاب باسم مقدمته.
وله شروح، وحواش منها:

باري أرميناس

باري أرميناس
وهو لفظ يونانــي، معناه: العبارة في المنطق.
للحكيم، الفيلسوف: أرسطوطاليس، المعلم الأول.
ونقله حنين: إلى السرياني.
وإسحاق: إلى العربي.
ثم فسره جماعة، منهم:
إسكندر الأفروديسي، ولم يوجد ما فسره.
ويحيى النحوي.
وأمليخس.
وفرفوريوس.
وأصطفن، وهو أيضا غير موجود.
وجالينوس.
وقوبري.
وأبو بشر: متى.
والفارابي.
وأثاوفريسطس.
والذين اختصروه:
حنين.
وإسحاق.
وابن المقفع.
والكندي.
وأبو بهرين.
والرازي.
وثابت بن قرة.
وأحمد بن الطبيب.
ذكره: أبو الخير في: (نوادر الأخبار).

أصبهان

أَصبَهَانُ:
منهم من يفتح الهمزة، وهم الأكثر، وكسرها آخرون، منهم: السمعاني وأبو عبيد البكري الأندلسي: وهي مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها، ويسرفون في وصف عظمها حتى يتجاوزوا حدّ الاقتصاد إلى غاية الإسراف، وأصبهان:
 اسم للإقليم بأسره، وكانت مدينتها أوّلا جيّا ثم صارت اليهودية، وهي من نواحي الجبل في آخر الإقليم الرابع، طولها ست وثمانون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، طول أصبهان أربع وسبعون درجة وثلثان وعرضها أربع وثلاثون درجة ونصف، ولهم في تسميتها بهذا الاسم خلاف، قال أصحاب السير: سميت بأصبهان بن فلّوج بن لنطي بن يونان بن يافث، وقال ابن الكلبي: سميت بأصبهان بن فلوّج بن سام بن نوح، عليه السلام، قال ابن دريد: أصبهان اسم مركّب لأن الأصب البلد بلسان الفرس، وهان اسم الفارس، فكأنه يقال بلاد الفرسان، قال عبيد الله المستجير بعفوه:
المعروف أن الأصب بلغة الفرس هو الفرس، وهان كأنه دليل الجمع، فمعناه الفرسان والأصبهانيّ الفارس، وقال حمزة بن الحسن: أصبهان اسم مشتقّ من الجندية وذلك أن لفظ أصبهان، إذا ردّ إلى اسمه بالفارسية، كان أسباهان وهي جمع أسباه، وأسباه: اسم للجند والكلب، وكذلك سك: اسم للجند والكلب، وإنما لزمهما هذان الاسمان واشتركا فيهما لأن أفعالهما لفق لأسمائهما وذلك أن أفعالهما الحراسة، فالكلب يسمى في لغة سك وفي لغة أسباه، وتخفف، فيقال:
أسبه، فعلى هذا جمعوا هذين الاسمين وسمّوا بهما بلدين كانا معدن الجند الأساورة، فقالوا لأصبهان:
أسباهان، ولسجستان: سكان وسكستان، قال: وذكر ابن حمزة في اشتقاق أصبهان حديثا يلهج به عوامّ الناس وهوامّهم، قال: أصله أسباه آن أي هم جند الله، قال: وما أشبه قوله هذا، باشتقاق عبد الأعلى القاصّ حين قيل له: لم سمّي العصفور؟
قال: لأنه عصى وفرّ، قيل له: فالطّفشيل؟ قال:
لأنه طفا وشال. قالوا ولم يكن يحمل لواء ملوك الفرس من آل ساسان إلّا أهل أصبهان! قلت:
ولذلك سبب ربما خفي عن كثير من أهل هذا الشأن وهو أن الضحّاك المسمّى بالازدهاق، ويعرف ببيوراسب وذي الحيّتين، لما كثر جوره على أهل مملكته من توظيفه عليهم في كل يوم رجلين يذبحان وتطعم أدمغتهما للحيّتين اللتين كانتا نبتتا في كتفيه، فيما تزعم الفرس، فانتهت النوبة إلى رجل حدّاد من أهل أصبهان يقال له كابي، فلما علم أنه لا بد من ذبح نفسه أخذ الجلدة التي يجعلها على ركبتيه ويقي النار بها عن نفسه وثيابه وقت شغله، ثم إنه رفعها على عصا وجعلها مثل البيرق، ودعا الناس إلى قتل الضحاك وإخراج فريدون جدّ بني ساسان من مكمنه وإظهار أمره، فأجابه الناس إلى ما دعاهم إليه من قتل الضحاك حتى قتله وأزال ملكه وملك فريدون، وذلك في قصة طويلة ذات تهاويل وخرافات، فتبركوا بذلك اللواء إذ انتصروا به وجعلوا حمل اللواء إلى اهل أصبهان من يومئذ لهذا السبب، قال مسعر بن مهلهل: وأصبهان صحيحة الهواء نفيسة الجوّ خالية من جميع الهوامّ، لا تبلى الموتى في تربتها، ولا تتغير فيها رائحة اللّحم ولو بقيت القدر بعد أن تطبخ شهرا، وربما حفر الإنسان بها حفيرة فيهجم على قبر له ألوف سنين والميّت فيه على حاله لم يتغيّر، وتربتها أصح تراب الأرض، ويبقى التّفاح فيها غضّا سبع سنين ولا تسوس بها الحنطة كما تسوس في غيرها، قلت أنا: وسألت جماعة من عقلاء أهل أصبهان عمّا يحكى من بقاء جثّة الميّت بها في مدفنها؟
فذكروا لي أن ذلك بموضع منها مخصوص، وهو في مدفن المصلى لا في جميع أرضها، قال الهيثم بن عدي: لم يكن لفارس أقوى من كورتين، واحدة سهلية والأخرى جبلية، أما السهلية فكسكر، وأما الجبلية فأصبهان، وكان خراج كل كورة اثني عشر ألف ألف مثقال ذهبا، وكانت مساحة أصبهان ثمانين فرسخا في مثلها وهي ستة عشر رستاقا، كل رستاق ثلاثمائة وستون قرية قديمة سوى المحدثة، وهي: جيّ وماربانان والنجان والبراءان وبرخوار ورويدشت وأردستان وكروان وبرزآباذان ورازان وفريدين وقهستان وقامندار وجرم قاشان والتيمرة الكبرى والتيمرة الصّغرى ومكاهن الداخلة، وزاد حمزة:
رستاق جابلق ورستاق التيمرة ورستاق أردستان ورستاق أنارباذ ورستاق ورانقان، ونهر أصبهان المعروف بزند روذ غاية في الطيب والصحة والعذوبة، وقد ذكر في موضعه، وقد وصفته الشعراء، فقال بعضهم:
لست آسى، من أصبهان، على شي ... ء، سوى مائها الرحيق الزّلال
ونسيم الصّبا، ومنخرق الرّي ... ح، وجوّ صاف على كلّ حال
ولها الزعفران والعسل الما ... ذيّ، والصافنات تحت الجلال
وكذلك قال الحجّاج لبعض من ولاه أصبهان:
قد وليّتك بلدة حجرها الكحل وذبابها النحل وحشيشها الزعفران، وقال آخر:
لست آسى، من أصبهان على شي ... ء، فأبكي عليه عند رحيلي
غير ماء، يكون بالمسجد الجا ... مع، صاف مروّق مبذول
وأرض أصبهان حرّة صلبة فلذلك تحتاج إلى الطّعم، فليس بها شيء أنفق من الحشوش فإن قيمتها عندهم وافرة، وحدّثني بعض التجار قال: رأيت بأصبهان رجلا من الثّنّاء يطعم قوما ويشرط عليهم أن يبرّزوا في خربة له، قال: ولقد اجتزت به مرّة وهو يخاصم رجلا وهو يقول له: كيف تستخير أن تأكل طعامي وتفعل كذا عند غيري ولا يكني؟
وقد ذكر ذلك شاعر فقال:
بأصبهان نفر، ... خسوا وخاسوا نفرا
إذا رأى كريمهم ... غرّة ضيف نفرا
فليس للناظر في ... أرجائها، إن نظرا،
من نزهة تحيي القلو ... ب غير أوقار الخرى
ووجد في غرفة بعض الخانات التي بطريق أصبهان مكتوب هذه الأبيات:
قبّح السالكون في طلب الرّز ... ق، على أيذج إلى أصبهان
ليت من زارها، فعاد إليها، ... قد رماه الإله بالخذلان
ودخل رجل على الحسن البصري فقال له: من أين أنت؟
فقال له: من أهل أصبهان، فقال: الهرب من بين يهودي ومجوسي وأكل ربا، وأنشد بعضهم لمنصور ابن باذان الأصبهاني:
فما أنا من مدينة أهل جيّ، ... ولا من قرية القوم اليهود
وما أنا عن رجالهم براض، ... ولا لنسائهم بالمستريد
وقال آخر في ذلك:
لعن الله أصبهان بلادا، ... ورماها بالسيل والطاعون
بعت في الصيف قبّة الخيش فيها، ... ورهنت الكانون في الكانون
وكانت مدينة أصبهان بالموضع المعروف بجيّ وهو الآن يعرف بشهرستان وبالمدينة، فلما سار بخت نصّر وأخذ بيت المقدس وسبى أهلها حمل معه يهودها وأنزلهم أصبهان فبنوا لهم في طرف مدينة جيّ محلّة ونزلوها، وسمّيت اليهودية، ومضت على ذلك الأيام والأعوام فخربت جيّ وما بقي منها إلا القليل وعمّرت اليهودية، فمدينة أصبهان اليوم هي اليهودية، هذا قول منصور بن باذان، ثم قال:
إنك لو فتّشت نسب أجلّ من فيهم من الثناء والتجار لم يكن بدّ من أن تجد في أصل نسبه حائكا أو يهوديّا، وقال بعض من جال البلدان: إنه لم ير مدينة أكثر زان وزانية من أهل أصبهان، قالوا:
ومن كيموس. هواؤها وخاصيتها أنها تبخل فلا ترى بها كريما، وحكي عن الصاحب أبي القاسم بن عبّاد أنه كان إذا أراد الدخول إلى أصبهان، قال:
من له حاجة فليسألنيها قبل دخولي إلى أصبهان، فإنني إذا دخلتها وجدت بها في نفسي شحّا لا أجده في غيرها. وفي بعض الأخبار أن الدّجّال يخرج من أصبهان، قال: وقد خرج من أصبهان من العلماء والأئمة في كلّ فنّ ما لم يخرج من مدينة من المدن، وعلى الخصوص علوّ الاسناد، فإن أعمار أهلها تطول ولهم مع ذلك عناية وافرة بسماع الحديث، وبها من الحفّاظ خلق لا يحصون، ولها عدّة تواريخ، وقد فشا الخراب في هذا الوقت وقبله في نواحيها لكثرة الفتن والتعصّب بين الشافعية والحنفية والحروب المتصلة بين الحزبين، فكلما ظهرت طائفة نهبت محلّة الأخرى وأحرقتها وخرّبتها، لا يأخذهم في ذلك إلّ ولا ذمة، ومع ذلك فقلّ أن تدوم بها دولة سلطان، أو يقيم بها فيصلح فاسدها، وكذلك الأمر في رساتيقها وقراها التي كل واحدة منها كالمدينة. وأما فتحها فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سنة 19 للهجرة المباركة بعد فتح نهاوند بعث عبد الله بن عبد الله بن عتبان وعلى مقدّمته عبد الله بن ورقاء الرياحي وعلى مجنبته عبد الله بن ورقاء الأسدي، قال سيف:
الذين لا يعلمون يرون أن أحدهما عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي لذكر ورقاء فظنوا أنه نسب إلى جده، وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء قتل بصفّين وهو ابن أربع وعشرين سنة فهو أيّم صبيّ، وسار عبد الله بن عتبان إلى جيّ والملك يومئذ بأصبهان القاذوسقان، ونزل بالناس على جيّ فخرجوا إليه بعد ما شاء الله من زحف، فلما التقوا قال القاذوسقان لعبد الله: لا تقتل أصحابي ولا أصحابك ولكن ابرز لي فإن قتلتك رجع أصحابك وإن قتلتني سالمتك أصحابي، فبرز له عبد الله، فقال له: اما أن تحمل عليّ واما ان أحمل عليك، فقال: أنا أحمل عليك فاثبت لي، فوقف له عبد الله وحمل عليه القاذوسقان فطعنه فأصاب قربوس السّرج فكسره وقطع اللبب والحزام فأزال اللبب والسرج، فوقف عبد الله قائما ثم استوى على فرسه عريانا، فقال له:
اثبت، فحاجزه وقال له: ما أحبّ ان أقاتلك فإني قد رأيت رجلا كاملا، ولكني أرجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع المدينة إليك على أن من شاء أقام وأدى الجزية وأقام على ماله وعلى ان يجري من أخذتم أرضه مجراهم، ومن أبى ان يدخل في ذلك ذهب حيث شاء ولكم أرضه، قال: ذلك لك. وقدم عليه ابو موسى الأشعري من ناحية الأهواز، وكان عبد الله قد صالح القاذوسقان، فخرج القوم من جيّ ودخلوا في الذمة إلا ثلاثين رجلا من أصبهان لحقوا بكرمان، ودخل عبد الله وابو موسى جيّا، وجيّ: مدينة أصبهان.
وكتب عبد الله بالفتح إلى عمر، رضي الله عنه، فرجع إليه الجواب يأمره أن يلحق بكرمان مددا للسّهيل بن عدي لقتال أهلها، فاستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع ومضى، وكان نسخة كتاب صلح أصبهان: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله للقاذوسقان واهل أصبهان وحواليها، انكم آمنون ما أدّيتم الجزية، وعليكم من الجزية على قدر طاقتكم كل سنة تؤدونها إلى من يلي بلدكم من كل حاكم، ودلالة المسلم، وإصلاح طريقه، وقراه يومه وليلته، وحملان الراجل إلى رحله، لا تسلطوا على مسلم، وللمسلمين نصحكم وأداء ما عليهم، ولكم الأمان بما فعلتم، فإن غيّرتم شيئا أو غيّره منكم مغيّر ولم تسلموه فلا أمان لكم، ومن سبّ مسلما بلغ منه، فإن ضربه قتلناه، وكتب: وشهد عبد الله بن قيس وعبد الله بن ورقاء وعصمة بن عبد الله، وقال عبد الله بن عتبان في ذلك:
ألم تسمع؟ وقد أودى ذميما، ... بمنعرج السّراة من أصبهان،
عميد القوم، إذ ساروا إلينا ... بشيخ غير مسترخي العنان؟
وقال أيضا:
من مبلغ الأحياء عني، فإنني ... نزلت على جيّ وفيها تفاقم
حصرناهم حتى سروا ثمّت انتزوا، ... فصدّهم عنّا القنا والصوارم
وجاد لها القاذوسقان بنفسه، ... وقد دهدهت بين الصفوف الجماجم
فثاورته، حتى إذا ما علوته، ... تفادى وقد صارت إليه الخزائم
وعادت لقوحا أصبهان بأسرها، ... يدرّ لنا منها القرى والدراهم
وإني على عمد قبلت جزاءهم، ... غداة تفادوا، والعجاج فواقم
ليزكوا لنا عند الحروب جهادنا، ... إذا انتطحت في المأزمين الهماهم
هذا قول أهل الكوفة يرون أن فتح أصبهان كان لهم، وأما أهل البصرة وكثير من أهل السير فيرون أن أبا موسى الأشعري لما انصرف من وقعة نهاوند إلى الأهواز فاستقراها ثم أتى قمّ فأقام عليها أياما ثم افتتحها، ووجّه الأحنف بن قيس إلى قاشان ففتحها عنوة، ويقال: بل كتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى أبي موسى الأشعري يأمره بتوجيه عبد الله بن بديل الرياحي إلى أصبهان في جيش فوجهه، ففتح عبد الله بن بديل جيّا صلحا على أن يؤدي أهلها الخراج والجزية، وعلى أن يؤمّنوا على أنفسهم وأموالهم خلا ما في أيديهم من السلاح. ونزل الأحنف بن قيس على اليهودية فصالحه أهلها على مثل صلح أهل جيّ، قال البلاذري: وكان فتح أصبهان ورساتيقها في بعض سنة 23 وبعض 24 في خلافة عمر، رضي الله عنه، ومن نسب إلى أصبهان من العلماء لا يحصون، إلّا أنني أذكر من أعيان أئمتهم جماعة غلبت على نسبهم فلا يعرفون إلا بالأصبهاني، منهم: الحافظ الإمام أبو نعيم أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران سبط محمد ابن موسى البنّاء الحافظ المشهور صاحب التصانيف، منها: حلية الأولياء، وغير ذلك، مات يوم الاثنين العشرين من محرم سنة 430 ودفن بمردبان، ومولده في رجب سنة 330، قاله ابن مندة يحيى.

علم الإلهي

علم الإلهي
هو علم يبحث فيه عن الحوادث من حيث هي موجودات.
وموضوعه الوجود من حيث هو.
وغايته تحصيل الاعتقادات الحقة والتصورات المطابقة لتحصيل السعادة الأبدية والسيادة السرمدية كذا في: مفتاح السعادة.
وفي كشاف اصطلاحات الفنون: هو علم بأحوال ما يفتقر في الوجودين أي الخارجي والذهني إلى المادة.
ويسمى أيضا بالعلم الأعلى وبالفلسفة الأولى وبالعلم الكلي وبما بعد الطبيعة وبما قبل الطبيعة
والبحث فيه عن الكميات المتصلة والكيفيات المحسوسة والمختصة بالكميات وأمثالها مما يفتقر إلى المادة في الوجود الخارجي استطرادي وكذا البحث عن الصورة مع أن الصورة تحتاج إلى المادة في التشكل كذا في العلمي وفي الصدر أمن الحكمية النظرية ما يتعلق بأمور غير مادية مستغنية القوام في نحوي الوجود العيني والذهني عن اشتراط المادة كالإله الحق والعقول الفعالة والأقسام الأولية للموجود كالواجب والممكن والواحد والكثير والعلة والمعلول والكلي والجزئي وغير ذلك فإن خالط شيء منها المواد الجسمانية فلا يكون على سبيل الافتقار والوجوب.
وسموا هذا القسم: العلم الأعلى فمنه العلم الكلي المشتمل على تقاسيم الوجود المسمى بالفلسفة الأولى ومنه الإلهي الذي هو فن من المفارقات.
وموضوع هذين الفنين: أعم الأشياء وهو الموجود المطلق من حيث هو. انتهى.
وأصول الإلهي خمسة:
الأول: الأمور العامة.
الثاني: إثبات الواجب وما يليق به.
الثالث: إثبات الجواهر الروحانية.
الرابع: بيان ارتباط الأمور الأرضية بالقوى السماوية.
الخامس: بيان نظام الممكنات.
وفروعه قسمان:
الأول: البحث عن كيفية الوحي وصيرورة العقل محسوسا ومنه تعريف الإلهيات ومنه الروح الأمين.
الثاني: العلم بالمعاد الروحاني. انتهى.
وقال صاحب: إرشاد القاصد: يعبر عنه بالإلهي لاشتماله على علم الربوبية.
وبالعلم الكلي لعمومه وشموله لكليات الموجودات.
وبعلم ما بعد الطبيعة لتجرد موضوعه عن المواد ولواحقها.
قال: وأجزاؤه الأصلية خمسة: الأول: النظر في الأمور العامة مثل الوجود والماهية والوجوب والإمكان والقدم والحدوث والوحدة والكثرة.
والثاني: النظر في مبادئ العلوم كلها وتبيين مقدماتها ومراتبها. والثالث: النظر في إثبات وجود الإله ووجوبه والدلالة على وحدته وصفاته.
والرابع: النظر في إثبات الجواهر المجردة من العقول والنفوس والملائكة والجن والشياطين وحقائقها وأحوالها.
والخامس: النظر في أحوال النفوس البشرية بعد مفارقتها وحال المعاد.
ولما اشتدت الحاجة إليه اختلفت الطرق.
فمن الطالبين: من رام إدراكه بالبحث والنظر وهؤلاء زمرة الحكماء الباحثين ورئيسهم أرسطو وهذا الطريق أنفع للتعلم لو وفى بجملة المطالب وقامت عليها براهين يقينية وهيهات.
ومنهم: من سلك طريق تصفية النفس بالرياضة وأكثرهم يصل إلى أمور ذوقية يكشفها له العيان ويجل أن توصف بلسان ومنهم: ابتدأ أمره بالبحث والنظر وانتهى إلى التجريد وتصفية النفس فجمع بين الفضيلتين وينسب مثال هذا الحال إلى سقراط وأفلاطون والسهروردي والبيهقي. انتهى.
وقال أبو الخير: وهذا العلم هو المقصد الأقصى والمطلب الأعلى لكن لمن وقف على حقائقه واستقام في الإطلاع على دقائقه لأن حظي به فقد فاز فوزا عظيما ومن زلت فيه قدمه أو طغى به قلمه فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا إذ الباطل يشاكل الحق في مأخذه والوهم يعارض العقل في دلائله جل جناب الحق عن أن يكون شريعة الكل وارد أو يطلع على سرائر قدسه إلا واحد بعد واحد وقلما يوجد إنسان يصفو عقله عن كدر الأوهام ويخلص فهمه عن مهاوي الإيهام ويستسلم لما قرره الأعلام.
واعلم أن من النظر رتبة تناظر طريق التصفية ويقرب حدها من حدها وهو طريق الذوق ويسمونه الحكمة الذوقية.
وممن وصل إلى هذه الرتبة في السلف السهروردي وكتاب: حكمة الإشراق له صادر عن هذا المقام برمز أخفى من أن يعلم وفي المتأخرين: الفاضل الكامل مولانا شمس الدين الفناري في بلاد الروم ومولانا جلال الدين الدواني في بلاد العجم ورئيس هؤلاء الشيخ صدر الدين القونوي والعلامة قطب الدين الشيرازي. انتهى. ملخصا أو سيأتي تمام التفصيل في الحكمة عند تحقيق الأقسام إن شاء الله العزيز العلام.
واعلم أن منبع العلوم الحكمية النظرية وأستاذ الكل فيها إدريس عليه السلام آتاه الله الحكمة والنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة وعلم النجوم. وأفهمه عدد السنين والحساب وعلمه الألسنة حتى تكلم الناس في زمنه باثنين وتسعين لسانا ولد بمصر وسموه هرمس الهرامس وبالــيونانــية أرمس بمعنى عطارد وعرب بهرمس واسمه الأصلي هنوخ وعرب أخنوخ وسماه الله تعالى في كتابه العربي المبين إدريس لكثرة دراسة كتاب الله تعالى.
وقيل: إن معلمه غوثاديمون أو أغثاذيمون المصري وتفسيره السعيد الجد قيل: وهو شيث عليه السلام.
ثم إن إدريس عرف الناس صفة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه يكون بريئا عن المذمات والآفات كلها كاملا في الفضائل الممدوحات لا يقصر عما يسأل عنه مما في الأرض والسماء ومما فيه دواء وشفاء وأنه يكون مستجاب الدعوة في كل ما يطلبه ويكون مذهبه ودينه ما يصلح به العالم.
وكانت قبلة إدريس جهة الجنوب على خط نصف النهار كان رجلا تام الخلقة حسن الوجه أجلح كث اللحية مليح الشمائل والتخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العين أكحلها متأنيا في كلامه كثير الصمت وإذا اغتاظ أخذ يحرك سبابته إذا تكلم وكانت مدة مقامه في الأرض اثنتين وثمانين سنة ثم دفعه الله مكانا عليا.
وهو أول من خاط الثياب وحكم بالنجوم وأنذر بالطوفان وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وأول من نظر في الطب وأول من ألف القصائد والأشعار وهو الذي بنى أهرام بمصر وصور فيها جميع العلوم والصناعات وآلاتها خشية أن يذهب رسمها بالطوفان.
واعلم أيضا أن من أساتذة الحكمة الحكيم أفلاطون أحد الأساطين الخمسة للحكمة من يونان كبير القدر مقبول القول البليغ في مقاصده.
أخذ عن فيثاغورس وشارك مع سقراط في الأخذ عنه وصنف في الحكمة كتبا لكن اختار فيها الرمز والإغلاق وكان يعلم تلاميذه وهو ماش ولهذا سموا المشائين وفوض الدرس في آخر عمره إلى أرشد أصحابه وانقطع هو للعبادة وعاش ثمانين سنة وولد في مدينة أنيس ولازم سقراط خمسين سنة وكان عمره إذ ذاك عشرون سنة وتزوج امرأتين وكانت نفسه في التعليم مباركة تخرج بها علماء اشتهروا من بعده.
ومن جملة أساتذة الحكمة أرسطاطاليس تلميذ أفلاطون لازم خدمته مدة عشرين سنة وكان أفلاطون يؤثر على غيره ويسميه العقل وهو خاتم حكماءهم وسيد علمائهم وأول من استخرج المنطق وله كتب شريفة في الفلسفة وكان معلم الإسكندر بن فيلقوس وبآدابه وسياسته عمل هو فظهر الخير وفاض العدل وبه انقمع الشرك في بلاد الــيونانــيين.
ومعنى أرسطاطاليس محب الحكمة أو الفاضل الكامل عاش سبعا وستين سنة ومصنفاته تنيف على ثمانين وكان أبيض أجلح حسن القامة عظيم العظام صغير العينين والفم عريض الصدر كث اللحية أشهل العينين أقنى الأنف يسرع في مشيته ناظرا في الكتب دائما يقف عند كل كلمة ويطيل الإطراق عند السؤال قليل الجواب ينتقل في أوقات النهار في الفيافي ونحو الأنهار محبا لاستماع الألحان والاجتماع بأهل الرياضة وأصحاب الجدل منصفا في نفسه إذا خصم ويعرف بموضع الإصابة والخطأ معتدلا في الملابس والمآكل مات وله ثمان وتسعين سنة ثم إنه تخلف عن خدمة الملوك وبنى موضع التعليم وأقبل على العناية بمصالح الناس.
وكان جليل القدر كثير التلاميذ من الملوك وأبناءهم وكان أهل مدينة أسطا إذا أشكل عليهم أمر يجتمعون إلى قبره حتى يفتح لهم ويزعمون أن قبره يصحح فكرهم ويذكي عقولهم واستيفاء أخباره لا يمكن إلا في مجلد.
ومن جملة أساتذة الحكمة الفارابي وهو أبو نصر محمد بن محمد كان ذكيا حكيما مشهورا صاحب التصانيف في المنطق والمحكمة وغيرهما من العلوم وهو أكبر فلاسفة الإسلاميين لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه وتخرج ابن سينا في كتبه وبعلومه انتفع في تصانيفه كان رجلا تركيا تنقلت به الأسفار إلى أن وصل بغداد وهو يعرف كثيرا من اللغات غير العربي ثم تعلمه وأتقنه.
ثم اشتغل بالحكمة فقرأ على أبي بشر - متى بن يونس الحكيم - من شرح كتاب أرسطو في المنطق سبعين سفرا وكان هو شيخا كبيرا له صيت عظيم يجتمعون في حلقته كل يوم المئون من المنطقيين ثم أخذ طرفا من المنطق من أبي حنا ابن خيلان الحكيم النصراني بمدينة حران ثم نقل إلى بغداد وقرأ بها علوم الفلسفة وتمهر في كتب أرسطو جميعها يقال وجد كتاب النفس لأرسطو عليه مكتوب بخط الفار أبي: إني قرأت هذا الكتاب مائتي مرة وقال: قرأت السماع الطبعي لأرسطو أربعين مرة ومع ذلك إني محتاج إلى معاودته وكان يقول: لو أدركت أرسطو لكنت أكبر تلامذته.
ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ثم عاد إلى دمشق فأحسن إليه سلطانها1 سيف الدولة بن حمدان وأجرى عليه كل يوم أربعة دراهم لأنه كان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكتسب ولا مسكن لذلك أقتصر على أربعة دراهم وكان منفردا بنفسه لا يكون إلا في مجتمع ماء أو مشبك رياض ويؤلف كتبه هناك وكان أكثر تصانيفه في الرقاع ولم يصنف في الكراريس إلا قليلا فلذلك كانت أكثر تصانيفه فصولا وتعليقات وبعضها ناقصا.
يحكى أن الآلات المسماة بالقونون من تركيبه.
توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة.
وعدد مصنفاته من الكتب والرسالة سبعون كلها نافعة سيما كتابان في العلم الإلهي والمدني لا نظير لهما.
أحدهما: المعروف بالسياسة المدنية.
والأخرى: بالسيرة الفاضلة وصنف كتابا شريفا في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه أحد ولا ذهب أحد مذهبه ولا يستغني عنه أحد من طلاب العلم وكذا كتابه في أغراض أفلاطون وأرسطو أطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علما علما وبين كيفية التدرج من بعضها إليها بعض شيئا فشيئا ثم بدأ بفلسفة أرسطو ووصف أغراضه في تواليفه المنطقية والطبيعية فلا أعلم كتابا أجدى على طلب الفلسفة منه.
وفاراب: إحدى مدن الترك فيما وراء النهر. ومن جملة أساطين الحكمة: أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور وكان أبوه من بلخ ثم انتقل منها إلى بخارا وكان من العمال الكفاة وتولى العمل بقرية من بخارا يقال لها هرمين ثم انتقلوا إلى بخارا وانتقل الرئيس بعد ذلك في البلاد وأشتغل بالعلوم وحصل الفنون ولما بلغ عشر سنين من عمره أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة ثم قرأ كتاب: إيساغوجي علي أبي عبد الله النابلي وأحكم عليه ظواهر المنطق: لأنه لم يكن يعرف دقائقها ثم حل هو نفسه دقائق غفل عنها الأوائل وأحكم عليه إقليدس والمجسطي وفاقه أضعافا كثيرة.
وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد يقرأ ويبحث ويناظرهم ثم اشتغل بتحصيل الطبعي والإلهي وغير ذلك وفتح الله عليه أبواب العلوم ثم فاق في علم الطب الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح عديم القرين فقيد المثيل.
وقرأ عليه فضلاء هذا الفن أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة وسنه إذ ذاك نحو ستة عشر وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولم يشتغل في النهار بشيء سوى العلم والمطالعة وكان إذا أشكلت عليه مسئلة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له فتح الله - تبارك وتعالى – مشكلاتها.
ثم اتصل بخدمة نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان بسبب الطب ودخل إلى خزانة كتبه واطلع على كتب لم تقرع آذان الزمان بمثلها وحصل نخب فوائدها وتحلى بنفائس فرائدها.
ويحكى عنه أنه لم يطلع على مسئلة إلى آخر عمره إلا وكان يعرفها وكان في ثمانية عشر سنين من سنه حتى حكي عنه أنه قال: كل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن لم أزد عليه إلى اليوم وهذا أمر عظيم لا يكاد يقبله العقل لولا عرف حد ذكائه.
ثم تنقلت به الأحوال بأمور يطول شرحها حتى استوزر ثم عزل وحبس وبعد هذه الأحوال كلها مرض ثم صلح ثم دخل إلى أن ضعف جدا ثم اغتسل وتاب1 وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم مات يوم الجمعة من رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بهمذان وكانت ولادته سنة سبعين وثلاثمائة في شهر صفر وقيل: توفي بأصبهان وفضائله كثيرة شهيرة وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه.
وعدة مؤلفاته ثمانية وستون على الأشهر وقيل: يقارب مائة مصنف ما بين مطول ومختصر. ورسائله بديعة منها: رسالة حي بن يقظان و: رسالة سلامان و: إبسال و: رسالة الطب و: قصيدة الورقاء يرمز بها عن النفس الناطقة.
ومن جملة أساطين الحكمة الإمام فخر الدين الرازي وممن نحا نحو ابن سينا والرازي:
نصير الدين الطوسي وهو محمد بن محمد سلطان الحكماء المدققين وقدوتهم في زمانه جامع علوم المتقدمين والمتأخرين.
ولد يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة توفي آخر نهار الاثنين ثامن عشر ذي الحجة وقت مغيب الشمس سنة اثنتين وسبعين وستمائة ودفن بالمشهد الكاظمي.
وكان آية في التدقيق والتحقيق وحل المواضع المشكلة سيما: لطف التحرير الذي لم يلتفت إليه المتقدمون بل التفتوا إلى جانب المعنى فقط ثم إن الفاضل الشريف قلده في أمر التحرير والتقرير كما يظهر ذلك بالنظر في تصانيفهما.
وكان1 غاليا في التشيع كما يفصح عنه المقصد السادس من التجريد إلا أن الشيخ أكمل الدين قال: في أواخر شرحه للتجريد سمعت شيخي العلامة قطب الدين الشيرازي قال: كان الناس مختلفين في أن هذا الكتاب يعني التجريد لخواجه نصير الدين أولا فسأل عن ذلك ابنه خواجه أصيل الدين فقال: كان والدي وضعه إلى باب الإمامة وتوفي فكمله ابن المطهر الحلي وكان من الشيعة وهو زائغ زيغا عظيما فعلى هذه الرواية يكون بريئا عن نقيصة التشيع إلا أن المشهور عند الجمهور خلاف.
وبمن يلي هؤلاء في معرفة الحكمة الشيخ شهاب الدين السهروردي بل فاق كثيرا في الحكمة الذوقية.
وممن خرط في سلكهم الشيخ قطب دن الشيرازي والشيخ قطب الدين الرازي وسعد الدين التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني ثم الجلال الدواني.
قال الأرنيقي: بعد ما ذكر في: مدينة العلوم ومن فضلاء بلادنا مولانا مصلح الدين مصطفى الشهير بخواجه زاده ومصلح الدين مصطفى الشهير بالقسطلاني لكن هؤلاء السبعة قد فاقوا على أكثر المتقدمين في الحديث والتفسير والأصول والفروع إلا أن الإمام فخر الدين الرازي فإنه تمهر فيها مع مشاركته لهؤلاء في علوم الحكمة بأقسامها وإن اتقانه أقوى من إتقانهم. انتهى
قلت: وفي قوله فاق على أكثر المتقدمين إلى آخره نظرا لأن العلم المجرد بالحديث والتفسير لا يكفي في صحة الاعتقاد والعمل حتى يستعملها على وجههما ويقول بمقتضاهما ويحقق فحواهما وأنى لهم التناوش من مكان بعيد.
والفخر الرازي أكثر كلاما من هؤلاء في علوم التفسير ولكن قال أهل التحقيق في حق كتابه: مفاتيح الغيب فيه كل شيء إلا التفسير وقد بحث في تفسيره هذا عن كل شيء لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وقد أخطأ في مواضع مما يتعلق بفهم القرآن الكريم ويقال: إنه لم يكمل تفسيره بل كمله بعض من جاء بعده والخطأ منه وقد أصاب في مواضع منها: رد التقليد واثبات الاتباع. والله أعلم.
ثم قال في: مدينة العلوم: إن الكتب المؤلفة في العلم الإلهي لما لم يخل عن الرياضي والطبعي أيضا أحببنا أن نذكره بعد الفراغ عن الكل - اللهم إلا نادرا -: كالمباحث المشرقية للإمام فخر الدين الرازي وأمثاله ولا تظن أن العلوم الحكمية مخالفة للعلوم الشرعية مطلقا بل الخلاف في مسائل يسيرة وبعضها مخالف في مسائل قليلة ظاهرا لكن إن حقق يصافح أحدهما الآخر ويعانقه. انتهى.
قال في: كشف الظنون ثم اعلم أن البحث والنظر في هذا العلم لا يخلو إما: أن يكون على طريق النظر أو: على طريق الذوق فالأول: إما على قانون فلاسفة المشائين فالمتكفل له كتب الحكمة أو على قانون المتكلمين فالمتكفل حينئذ كتب الكلام لأفاضل المتأخرين والثاني: إما على قانون فلاسفة الإشراقين فالمتكفل له حكمة الإشراق ونحوه أو على قانون الصوفية واصطلاحهم فكتب التصوف.
وقد علم موضوع هذا الفن ومطالبه فلا تغفل فإن هذا التنبيه والتعليم مما فات عن أصحاب الموضوعات - وفوق كل ذي علم عليم.
وعبارة ابن خلدون في: تاريخه هكذا.
قال: علم الإلهيات: هو علم ينظر في الوجود المطلق.
فأولا: في الأمور العامة للجسمانيات والروحانيات من الماهيات والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان وغير ذلك.
ثم ينظر في مبادئ الموجودات وأنها روحانيات.
ثم في كيفية صدور الموجودات عنها ومراتبها.
ثم في أحوال النفس بعد مفارقة الأجسام وعودها إلى المبدأ.
وهو عندهم: علم شريف يزعمون أنه يوقفهم على معرفة الوجود على ما هو عليه وإن ذلك عين السعادة في زعمهم وسيأتي الرد عليهم وهو تال للطبيعيات في ترتيبهم ولذلك يسمونه: علم ما وراء الطبيعة وكتب المعلم الأول فيه موجود بين أيدي الناس ولخصه ابن سينا في كتاب: الشفاء والنجاة وكذلك لخصها ابن رشد من حكماء الأندلس.
ولما وضع المتأخرون في علوم القوم ودونوا فيها رد عليهم الغزالي ما رد منها ثم خلط المتأخرون من المتكلمين مسائل علم الكلام بمسائل الفلسفة لعروضها في مباحثهم وتشابه موضوع علم الكلام بموضوع الإلهيات ومسائله بمسائلها فصارت كأنها فن واحد ثم غيروا ترتيب الحكماء في مسائل الطبيعيات والإلهيات وخلطوهما فنا واحدا قدموا الكلام في الأمور العامة ثم أتبعوه بالجسمانيات وتوابعها إلى آخر العلم كما فعله الإمام ابن الخطيب في: المباحث المشرقية وجميع من بعده من علماء الكلام وصار علم الكلام مختلطا بمسائل الحكمة وكتبه محشوة بها كان الغرض من موضوعهما ومسائلهما واحد والتبس ذلك على الناس وهي غير صواب لأن مسائل علم الكلام إنما هي عقائد ملتقاة من الشريعة كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا تعويل عليه بمعنى أنها لا تثبت إلا به فإن العقل معزول عن الشرع وأنظاره وما تحدث فيه المتكلمون من إقامة الحجج فليس بحثا عن الحق فيها فالتعليل بالدليل بعد أن لم يكن معلوما هو شأن الفلسفة بل إنما هو التماس حجة عقلية تعضد عقائد الإيمان ومذاهب السلف فيها وتدفع شبه أهل البدع عنها الذين زعموا أن مداركهم فيها عقلية وذلك بعد أن تفرض صحيحة بالأدلة النقلية كما تلقاها السلف واعتقدوها وكثيرا ما بين المقامين من التفاوت في ذلك مدارك صاحب الشريعة أوسع لاتساع نطاقها عن مدارك الأنظار العقلية فهي فوقها ومحيطة بها لاستمدادها من الأنوار الإلهية فلا تدخل تحت قانون النظر الضعيف والمدارك المحاط بها فإذا هدانا الشارع إلى مدرك فينبغي أن نقدمه على مداركنا ونثق به دونها ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه نعتمد ما أمرنا به اعتقادا وعلما ونسكت عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلى الشارع ونعزل العقل عنه.
والمتكلمون إنما دعاهم إلى ذلك كلام أهل الإلحاد في معارضات العقائد السلفية بالبدع النظرية فاحتاجوا إلى الرد عليهم من جنس معارضاتهم واستدعى ذلك الحجج النظرية والبطلان فليس من موضوع علم الكلام ولا من جنس أنظار المتكلمين فاعلم ذلك لتميز به بين الفنين فإنهما مختلطان عند المتأخرين في الوضع والتأليف والحق مغايرة كل منه لصاحبه بالموضوع والمسائل وإنما جاء الالتباس من اتحاد المطالب عند الاستدلال وصار احتجاج أهل الكلام كأنه إنشاء لطلب الاعتداد بالدليل وليس كذلك بل إنما هو رد على الملحدين
والمطلوب مفروض الصدق معلومه وكذا جاء المتأخرين من غلاة المتصوفة المتكلمين بالمواجد أيضا فخلطوا مسائل الفنين بفنهم وجعلوا الكلام واحدا فيه كلها مثل كلامهم في النبوات والاتحاد والحلول والوحدة وغير ذلك.
والمدارك في هذه الفنون الثلاثة متغايرة مختلفة وأبعدها من جنس الفنون والعلوم مدارك المتصوفة لأنهم يدعون فيها الوجدان ويفرون عن الدليل والوجدان بعيد عن المدارك العلمية وأبحاثها وتوابعها كما بيناه ونبينه - والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم -. انتهى كلامه.

الأَنْدُلُس

الأَنْدُلُس:
يقال بضم الدال وفتحها، وضم الدال ليس إلّا: وهي كلمة عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام، وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام، وقد استعمل حذفهما في شعر ينسب الى بعض العرب، فقال عند ذلك:
سألت القوم عن أنس؟ فقالوا: ... بأندلس، وأندلس بعيد
وأندلس بناء مستنكر فتحت الدال أو ضمّت، وإذا حملت على قياس التصريف وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها فعلُلُل أو فعلَلُل، وهما بناءان مستنكران ليس في كلامهم مثل سفرجل ولا مثل سفرجل، فإن ادّعى مدّع انها فنعلل فليس في أبنيتهم أيضا ويخرج عن حكم التصريف لأن الهمزة إذا كانت بعدها ثلاثة أحرف من الأصل لم تكن إلا زائدة، وعند سيبويه أنها إذا كان بعدها أربعة أحرف فهي من الأصل كهمزة إصطبل وإصطخر، ولو كانت عربية لجاز أن يدّعى لها أنها أنفعل، وإن لم يكن له نظير في كلامهم فيكون من الدّلس والتدليس، وإن الهمزة والنون زائدتان، كما زيدتا في إنقحل وهو الشيخ المسنّ، ذكره سيبويه وزعم أن الهمزة والنون فيه زائدتان، وأنه لا يعرف ما في أوله زائدتان مما ليس جاريا على الفعل غيره، قال ابن حوقل التاجر الموصلي، وكان قد طوّف البلاد وكتب ما شاهده: أما الأندلس فجزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر في نيف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر والرخص والسعة في الأحوال، وعرض فم الخليج الخارج من البحر المحيط قدر اثني عشر ميلا بحيث يرى أهل الجانبين بعضهم بعضا ويتبينون زروعهم وبيادرهم، قال: وأرض الأندلس من على البحر تواجه من أرض المغرب تونس، والى طبرقة الى جزائر بني مزغنّاي ثم إلى نكور ثم إلى سبتة ثم إلى أزيلي ثم إلى البحر المحيط، وتتصل الأندلس في البر الأصغر من جهة جلّيقية وهي جهة الشمال ويحيط بها الخليج المذكور من بعض مغربها وجنوبها، والبحر المحيط من بعض شمالها وشرقها من حدّ الجلالقة إلى كورة شنترين ثم إلى أشبونة ثم إلى جبل الغور ثم إلى ما لديه من المدن إلى جزيرة جبل طارق المحاذي لسبتة ثم الى مالقة ثم إلى المرية فرضة بجاية ثم إلى بلاد مرسية ثم إلى طرطوشة ثم تتصل ببلاد الكفر مما يلي البحر الشرقي في ناحية أفرنجة، ومما يلي المغرب ببلاد علجسكس، وهم جيل من الأنكبردة، ثم إلى بلاد بسكونس ورومية الكبرى في وسطها ثم ببلاد الجلالقة حتى تنتهي إلى البحر المحيط، ووصفها بعض الأندلسيّين بأتمّ من هذا وأحسن، وأنا أذكر كلامه على وجهه، قال: هي جزيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلّث قد أحاط بها البحران، المحيط والمتوسط، وهو خليج خارج من البحر المحيط قرب سلا من برّ البربر، فالركن الأول هو في هذا الموضع الذي فيه صنم قادس، وعنده مخرج البحر المتوسط الذي يمتدّ إلى الشام وذلك من قبلي الأندلس، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة أربونة ومدينة برديل، وهي اليوم بأيدي الأفرنج بإزاء جزيرتي ميورقة ومنورقة المجاورة من البحرين المحيط والمتوسط، ومدينة أربونة تقابل البحر المتوسط، ومدينة برديل تقابل البحر المحيط، والركن الثالث هو ما بين الجوف والغرب من حيّز جلّيقية حيث الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو البلد الطالع على برباط، فالضّلع الأول منها أوله حيث مخرج البحر المتوسط الشامي من البحر المحيط، وهو أول الزّقاق في موضع يعرف بجزيرة طريف من برّ الأندلس يقابل قصر مصمودة بإزاء سلا في الغرب الأقصى من البرّ المتصل بإفريقية وديار مصر، وعرض الزّقاق ههنا اثنا عشر ميلا ثم تمرّ في القبلة إلى الجزيرة الخضراء من برّ الأندلس المقابلة لمدينة سبتة، وعرض الزقاق ههنا ثمانية عشر ميلا وطوله في هذه المسافة التي ما بين جزيرة طريف وقصر مصمودة إلى المسافة التي ما بين الجزيرة الخضراء وسبتة نحو العشرين ميلا، ومن ههنا يتسع البحر الشامي إلى جهة المشرق ثم يمرّ من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة إلى حصن المنكب إلى مدينة المريّة إلى قرطاجنّة الخلفاء حتى تنتهي إلى جبل قاعون الموفي على مدينة دانية ثم ينعطف من دانية إلى شرقي الأندلس إلى حصن قليرة إلى بلنسية، ويمتدّ كذلك شرقا إلى طركونة إلى برشلونة إلى أربونة إلى البحر الرومي، وهو الشامي وهو المتوسط، والضلع الثاني مبدؤه كما تقدم من جزيرة طريف آخذا إلى الغرب في الحوز المتّسع الداخل في البحر المحيط فيمرّ من جزيرة طريف إلى طرف الأغرّ إلى جزيرة قادس، وههنا أحد أركانها، ثم يمرّ من قادس إلى برّ المائدة حيث يقع نهر إشبيلية في البحر ثم إلى جزيرة شلطيش إلى وادي يانه إلى طبيرة ثم إلى شنترة إلى شلب، وهنا عطف إلى أشبونة وشنترين، وترجع إلى طرف العرف مقابل شلب، وقد يقطع البحر من شلب إلى طرف العرف مسيرة خمسين ميلا، وتكون أشبونة وشنترة وشنترين على اليمين من حوز وطرف العرف، وهو جبل منيف داخل في البحر نحو أربعين ميلا وعليه كنيسة الغراب المشهورة، ثم يدور من طرف العرف مع البحر المحيط فيمرّ على حوز الريحانة وحوز المدرة وسائر تلك البلاد مائلا إلى الجوف، وفي هذا الحيز هو الركن الثاني، والضلع الثالث ينعطف في هذه الجهات من الجنوب إلى الشرق فيمرّ على بلاد جليقية وغيرها حتى ينتهي إلى مدينة برديل على البحر المحيط المقابلة لأربونة على البحر المتوسط، وهنا هو الركن الثالث، وبين أربونة وبرديل الجبل الذي فيه هيكل الزّهرة الحاجز بين الأندلس وبين بلاد أفرنجة العظمى، ومسافته من البحر نحو يومين للقاصد، ولولا هذا الجبل لالتقى البحران ولكانت الأندلس جزيرة منقطعة عن البرّ فاعرف ذلك، فإنّ بعض من لا علم له يعتقد أن الأندلس يحيط بها البحر في جميع أقطارها لكونها تسمّى جزيرة، وليس الأمر كذلك وإنما سميت جزيرة بالغلبة كما سميت جزيرة العرب وجزيرة أقور وغير ذلك، وتكون مسيرة دورها أكثر من ثلاثة أشهر ليس فيه ما يتصل بالبر إلا مقدار يومين كما ذكرنا، وفي هذا الجبل المدخل المعروف بالأبواب الذي يدخل منه من بلاد الأفرنج إلى الأندلس وكان لا يرام، ولا يمكن أحدا أن يدخل منه لصعوبة مسلكه، فذكر بطليموس أن قلوبطرة، وهي امرأة كانت آخر ملوك الــيونان، أول من فتح هذه الطريق وسهّلها بالحديد والخلّ، قلت: ولولا خوف الإضجار والإملال لبسطت القول في هذه الجزيرة، فوصفها كثير وفضائلها جمّة وفي أهلها أئمة وعلماء وزهّاد، ولهم خصائص كثيرة ومحاسن لا تحصى وإتقان لجميع ما يصنعونه مع غلبة سوء الخلق على أهلها وصعوبة الانقياد، وفيها مدن كثيرة وقرى كبار، يجيء ذكرها في أماكنها من هذا الكتاب، حسب ما يقتضيه الترتيب، إن شاء الله تعالى، وبه العون والعصمة.

والأَنْدُلُس أَيضاً:
محلّة كبيرة كانت بالفسطاط في خطّة المعافر، وقال محمد بن أسعد الجوّاني، رحمه الله، في كتاب النّقط من تصنيفه: ومسجد الأندلس هو مصلّى المعافر على الجنائز، وهو ما بين النّقعة والرباط، وكان دكّة وعليه محاريب، وقد ذكره القضاعي في كتابه، قال: وبنته مكنون علم الآمرية أمّ بنيه ستّ القصور مسجدا في سنة 526 على يد المعروف بابن أبي تراب الصّوّاف وكيلها، والرباط إلى جانب الأندلس في غربيه، بنته مكنون أيضا سنة 526 رباطا للعجائز المنقطعات الصالحات والأرامل العابدات، وأجرت لهن رزقا، وفي سنة 594 بنى الحاجب لؤلؤ العادليّ، رحمه الله تعالى، في رحبة الأندلس بستانا وحوضا ومقعدا، وجمع بين مصلّى الأندلس والرباط بحائط بينهما جعل موضعه دار بقر للساقية التي تستقي الماء الذي يجري إلى البستان.

بَعْلٌ

بَعْلٌ:
شرف البعل: جبل في طريق الشام من المدينة، وأما بعل في قوله تعالى: أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين، فهو صنم كان لقوم الياس النبي، عليه السلام، وبه سمي بعلبكّ، وهو معظّم عند الــيونانــيين، كان بمدينة بعلبكّ من أعمال دمشق ثم من كورة سنير، وقد كانت يونان اختارت لهذا الهيكل قطعة من الأرض في جبل لبنان ثم في جبل سنير فاتخذته بيتا للأصنام، وهما بيتان عظيمان أحدهما أعظم من الآخر، وصنعوا فيهما من النقوش العجيبة المحفورة في الحجر الذي لا يتأتى حفر مثله في الخشب، هذا مع علوّ سمكها وعظم أحجارها وطول أساطينها.

بَلَرْمُ

بَلَرْمُ:
بفتح أوله وثانيه، وسكون الراء، وميم، معناه بكلام الروم المدينة: وهي أعظم مدينة في جزيرة صقلية في بحر المغرب على شاطئ البحر، قال ابن حوقل: بلرم مدينة كبيرة سورها شاهق منيع مبني من حجر وجامعها كان بيعة وفيها هيكل عظيم، وسمعت بعض المنطقيّين يقول: إنّ أرسطوطاليس معلّق في خشبة في هيكلها، وكانت النصارى تعظّم قبره وتستشفي به لاعتقاد الــيونان فيه، فعلّقوه توسّلا إلى الله به، قال: وقد رأيت خشبة في هذا الهيكل معلّقة يوشك أن يكون فيها، قال: وفي بلرم والخالصة والحارات المحيطة بها ومن وراء سورها من المساجد نيف وثلاثمائة مسجد، وفي محالّ كانت تلاصقها وتتصل بها وبوادي عباس مجاورة المكان المعروف بالمعسكر، وهو في ضمن البلد إلى المنزل المعروف بالبيضاء قرية تشرف على المدينة من نحو فرسخ مائتا مسجد، قال وقد رأيت في بعض الشوارع من بلرم على مقدار رمية سهم عشرة مساجد بعضها تجاه بعض وبينها عرض الطريق فقط، فسألت عن ذلك فقيل لي: إنّ القوم لشدة انتفاخ رؤوسهم وقلّة عقولهم يحبّ كلّ واحد منهم أن يكون له مسجد على حدة لا يصلّي فيه غيره ومن يختصّ به، وربما كان أخوان وداراهما متلاصقتان وقد عمل كلّ واحد منهما مسجدا لنفسه خاصّا به يتفرّد به عن أخيه والأب عن ابنه، قال: ومدينة بلرم مستطيلة وسوقها قد أخذ من شرقها إلى غربها، وهو سوق يعرف بالسماط مفروش بالحجارة، وتطيف بالمدينة عيون من شرقها إلى غربها، وماؤها يدير رحى، وشرب بعض أهلها من آبار عذبة وملحة على كثرة المياه العذبة الجارية عندهم والعيون، والذي يحملهم على ذلك قلّة مروءتهم وعدم فطنتهم وكثرة أكلهم البصل، فذاك الذي أفسد أدمغتهم وقلّل حسّهم، وذكر يوسف بن إبراهيم في كتاب أخبار الأطبّاء: قال بعض الأطبّاء وقد قال له رجل إني إذا أكلت البصل لا أحسّ بملوحة الماء، فقال: إنّ خاصيّة البصل إفساد الدماغ فإذا فسد الدماغ فسدت الحواسّ، فالبصل إنما يقلّل حسّك لملوحة الماء لما أفسد من الدماغ، قال:
ولهذا لا ترى في صقلية عالما ولا عاقلا بالحقيقة بفنّ من العلوم ولا ذا مروءة ودين بل الغالب عليهم الرّقاعة والضّعة وقلة العقل والدين، وقال أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن قلاقس الإسكندري:
وركب، كأطراف الأسنّة، عرّسوا ... على مثل أطراف السيوف الصّوارم
لأمر على الإسلام فيه تحيّف، ... يخيف عليه أنه غير سالم
وقالوا: بلرم عند إبرام أمرهم، ... فنجّمت أن قد صادفوا جود حاتم
وقال:
قد سعى بي الوشاة نحو علاه، ... فسعوا لي، فلا عدمت الوشاتا
حرّكوا لي الشّباة منهم، وظنّوا ... أنهم حرّكوا عليّ الشباتا
فدعا من بلرم حجّي فلبّي ... ت، وكانت سرقوسة الميقاتا

بُنْطس

بُنْطس:
بضم الطاء، والسين مهملة، كذا وجدته بخط أبي الريحان البيروني، وقرأت بخطّ غيره: بنطس كلمة يونانــية، وهو خاصّ بالبحر الذي منه خليج قسطنطينية، أوله في أطراف بلاد الترك في الشمال ويمتدّ إلى ناحية المغرب والجنوب حتى يتصل ببحر الشام، وقبل اتصاله ببحر الشام يسمى بنطس.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.