Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: منطق

علم صور الكواكب

علم صور الكواكب
هكذا في الكشف ولم يزد عليه شيئاً.
وقال في مدينة العلوم: هو: علم يتعرف منه الصور التي تخيلوها من اجتماع الكواكب الثابتة من تلك الصور اثني عشر صورة تخيلوها على منطقــة فلك البروج وسموا البروج الإثني عشر بأسماء تلك الصور ومنها ثمانية وعشرون صورة هي منازل القمر وضبطوا لهذه الصور مواضع ألف واثنين وعشرين كوكبا من الكواكب الثابتة ولعبد الرحمن الصوفي كتاب نافع في هذا العلم وكذا لمحيي الدين المولى.

علم الرصد

علم الرصد
أول رصد وضع في الإسلام رصد وضع بدمشق سنة أربع عشرة ومائتين قلت: قال الفاضل أبو القاسم صاعد الأندلسي في كتاب التعريف بطبقات الأمم: لما أفضت الخلافة إلى عبد الله المأمون بن الرشيد العباسي وطمحت نفسه الفاضلة إلى درك الحكمة وسمت همته الشريفة إلى الإشراف على علوم الفلسفة ووقف العلماء في وقته على كتاب المجسطي وفهموا صورة آلات الرصد الموصوفة فيه فجمع علماء عصره من أقطار مملكته وأمرهم أن يصنعوا مثل تلك الآلات وأن يقيسوا بها الكواكب ويتعرفوا أحوالها بهما كما صنعه بطليموس ومن كان قبله.
ففعلوا ذلك وتولوا الرصد بها بمدينة الشماسية وبلاد دمشق من أرض الشام سنة أربع عشرة ومائتين.
فوقفوا على زمان سنة الشمس الرصدية ومقدار ميلها وخروج مراكزها ومواضع أوجها وعرفوا مع ذلك بعض أحوال ما في الكواكب من السيارة والثابتة ثم قطع بهم عن استيفاء عرفهم موت الخليفة المأمون في سنة ثمان عشرة ومائتين فقيدوا ما انتهوا إليه وسموه الرصد المأموني. وكان الذي تولى ذلك يحيى بن أبي منصور كبير المنجمين في عصره وخالد بن عبد الملك المروزي وسند بن علي والعباس بن سفيد الجوهري وألف كل منهم في ذلك زيجا منسوبا إليه وكان إرصاد هؤلاء أول إرصاد كان في مملكة الإسلام وذكر تقي الدين في سدرة منتهى الأفكار: أن المعلم الكبير بطليموس ختم كتب التعاليم ب المجسطي الذي أعيت أولي الألباب عبارته وكان له مسك الختام تحرير النصير فلقد أتى فيه من الإيجاز ما تبهر به العقول ومن الاستدراكات والزيادات المهمة بما تحير فيه الفحول ولم يزل أصحاب الإرصاد ماشين على تلك الأصول إلى أن جاء العلامة الماهر والفهامة الباهر علي بن إبراهيم الشاطر فأصل أصولا عظيمة وفرع منها فروعا جسيمة وهي وإن لم تكن بصورها النوعية خارجة عن الأصل التدويري المبرهن على صحته في المجسطي برد مقدمات وقعت في أمثالها ونقود عبارات لم تسلم من النسج على منوالها وزيادات أفلاك مخلة بالقرب من المساحة والبساطة سلم ذلك الكتاب عن أمثالها تالله إنه لكتاب لا يتيسر لأحد كشف مجملاته إلا بتطليق الشهوات ولا يتيسر لبشر حل مشكلاته إلا بالانقطاع في الخلوات مع عقد القلب وربط اللب على ما عقد هو عليه قلبه من طلب الحق وإيثار الصدق وعدم قصد التكبر والفخار والوصول إلى درجات الاعتبار.
قال: ولما كنت ممن ولد ونشأ في البقاع المقدسة وطالعت الأصلين بالجمل مطالعة وفتحت مغلقات حصولها بعد الممانعة والمدافعة ورأيته ما في الزيجات المتداولة من الخلل الواضح والزلل الفاضح تعلق البال والخلد بتجديد تحرير الرصد ومن الله - سبحانه وتعالى - علي بتلقي جملة الطرائق الرصدية من الكتب المعتبرة ومن أفواه المشائخ العظام واخترعت آلات أخرى من المهمات بطريق التوفيق وأقمت على صحة ما يتعاطى بها من الأرصاد البراهين ونصبتها بأمر الملك الأعظم السلطان مراد خان وبإشارة الأستاذ الأعظم حضرة سعد الدين أفندي ملقن الحضرة الشريفة وشرعت في تقرير التحريرات الرصدية الجديدة حاذيا حذو العلامة النصير ومقتفيا أثر المعلم الكبير وربما نقلت عبارته بعينها وزدت فيه من الوجوه القريبة والتحريرات الغريبة.
حكي أن نصير الدين لما أراد العمل بالرصد رأى هولاكو ما ينصرف عليه فقال له: هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته أيرفع ما قدر فقال: أنا أضرب لمنفعته مثالا ألقاه أن يأمر من يطلع إلى أعلى هذا المكان ويدعه يرمي من أعلاه طشت نحاس كبير من غير أن يعلم به أحد ففعل ذلك فلما وقع ذلك كانت له وقعة عظيمة هائلة روعت كل من هناك وكاد بعضهم يصعق وأما هو وهولاكو فإنهما ما تغير عليهما شيء لعلمها بأن ذلك يقع فقال له: هذا العلم النجومي بهذه الفائدة يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة والاكتراث ما يحصل للغافل الذاهل منه.
فقال: لا بأس بهذا وأمره بالشروع فيه وحكى من دخل الرصد وتفرجه أنه رأى فيه من آلات الرصد شيئا كثيراً.
منها ذات الحلق وهي خمس دوائر متخذة من نحاس: الأولى دائرة نصف النهار وهي مركوزة على الأرض ودائرة معدل النهار ودائرة منطقــة البروج ودائرة العرض ودائرة الميل.
وفيه الدائرة السمتية يعرف بها سمت الكواكب واصطرلاب يكون سعة قطره ذراعا واصطرلابات كثيرة وحكي عن العرضي أن نصير الدين أخذ من هولاكو بسبب عمارة الرصد ما لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى وأقل ما كان يأخذ بعد فراغ الرصد لأجل الآلات وإصلاحها عشرين ألف دينار.
رصد ابرخس قبل الهجرة بسنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ومنه إلى رصد مراغة أربعون ومائة سنة.
رصد ابن الشاطر بالشام.
رصد أبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري بأصبهان سنة خمس وثلاثين ومائتين.
رصد أبي الريحان البيروني.
رصد الغ بيك وبسمرقند سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.
رصد أيلخاني بمراغة سنة سبع وخمسين وستمائة.
رصد بطليموس بعد رصد ابزخس بسنة خمس وثمانين ومائتين وقبل الهجرة بسنة ثمان وخمسين وأربعمائة.
رصد بني الأعلم ببغداد سنة خمسين ومائتين. رصد تانجو بسواحل المحيط الغربي.
رصد التباني بالشام.
رصد ثاون الإسكندراني قبل الهجرة بسنة إحدى وعشرين وتسعمائة استعمل في زيجه المسمى بالقانون المحصول من الرصد المذكور تاريخ سلس الرومي أخ ذي القرنين.
رصد الحاكمي بمصر سنة خمسين ومائتين ومنه الزيج المصطلح.
رصد طيموحارس بالإسكندرية سنة أربع وخسمين وأربعمائة لبخت نصر قبل الهجرة بسنة خمس عشرة وتسعمائة.
رصد مأمون الخليفة ببغداد سنة سبع وعشرين ومائتين.
رصد مالانوس برومة سنة أربع وخمسين وثمانمائة قبل الهجرة بسنة خمس عشرة وخمسمائة.
رصد راجه جي سنكة بالهند ببلدة جيبور1.

علم الجدل

علم الجدل
هو: علم باحث عن الطرق التي يقتدر بها على إبرام ونقض.
وهو من فروع علم النظر، ومبنى لعلم الخلاف مأخوذون الجدل، الذي هو أحد أجزاء مباحث الــمنطق، لكنه خص بالعلوم الدينية.
ومباديه: بعضها مبينة في علم النظر، وبعضها خطابية، وبعضها أمور عادية، وله استمداد من علم المناظرة المشهور بآداب البحث، وموضوعه تلك الطرق.
والغرض منه: تحصيل ملكة النقض والإبرام.
وفائدته: كثيرة في الأحكام العلمية، والعملية من جهة الإلزام على المخالفين، كذا في مفتاح السعادة، ولا يبعد أن يقال: أن علم الجدل هو: علم المناظرة لأن المآل منهما واحد إلا أن الجدل أخص منه
ويؤيده كلام ابن خلدون في المقدمة حيث قال: الجدل هو معرفة آداب المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم، فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعاً، ومن الاستدلال ما يكون صواباً، وما يكون خطاء، فاحتاج إلى وضع آداب وقواعد يعرف منه حال المستدل والمجيب.
ولذلك قيل فيه: إنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب، في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي أو هدمه، كان ذلك الرأي من الفقه وغيره.
وهي طريقتان: طريقة البزدوي، وهي خاصة بالأدلة الشرعية من النص والإجماع والاستدلال.
وطريقة: ركن الدين العميدي، وهي عامة في كل دليل يستدل به من أي علم كان، والمغالطات فيه كثيرة، وإذا اعتبر بالنظر الــمنطقــي كان في الغالب أشبه بالقياس المغالطي، والسوفسطائي، إلا أن صور الأدلة، والأقيسة فيه محفوظة مراعاة يتحرى فيها طرق الاستدلال كما ينبغي.
وهذا العميدي هو أول من كتب فيها، ونسب الطريقة إليه، ووضع كتابه المسمى: (بالإرشاد) مختصراً.
وتبعه من بعده من المتأخرين، كالنسفي وغيره.
فكثرت في الطريقة التآليف، وهي لهذا العهد مهجورة لنقص العلم في الأمصار، وهي مع ذلك كمالية، وليست ضرورية. انتهى.
وقال المولى، أبو الخير: وللناس فيه طرق، أحسنها طريق ركن الدين العميدي.
وأول من صنف فيه من الفقهاء، الإمام، أبو بكر: محمد بن علي بن إسماعيل القفال، الشاشي، الشافعي.
المتوفى: سنة 336، ست وثلاثين وثلاثمائة.
وعن بعض العلماء: إياك أن تشتغل بهذا الجدل الذي ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء، فإنه يبعد عن الفقه، ويضيع العمر، ويورث الوحشة والعداوة، وهو من أشراط الساعة، كذا ورد في الحديث، ولله رد القائل:
(شعر)
أرى فقهاء هذا العصر طرا * أضاعوا العلم واشتغلوا بلم لم.
إذا ناظرتهم لم تلق منهم * سوى حرفين لم لم لا نسلم.
قلنا: والإنصاف أن الجدل لإظهار الصواب على مقتضى قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن).
لا بأس به، وربما ينتفع به في تشحيذ الأذهان.
والممنوع هو الجدل الذي يضيع الأوقات، ولا يحصل منه طائل. انتهى.
ومن الكتب المؤلفة فيه...
علم الجدل
هو: علم باحث عن الطرق التي يقتدر بها على إبرام أي وضع أريد ونقض أي وضع كان.
وهو: من فروع علم النظر ومبني لعلم الخلاف.
مأخوذ: من الجدل الذي هو: أحد أجزاء مباحث الــمنطق لكنه خص بالعلوم الدينية.
ومبادئه: بعضها أمور مبينة في علم النظر وبعضها خط أبية وبعضها أمور عادية.
وله استمداد من علم المناظرة المشهور بآداب البحث.
وموضوعه: تلك الطرق.
والغرض منه: تحصيل ملكة النقض والإبرام والهدم والأحكام.
وفائدته: كثيرة في الأحكام العملية والعلمية من جهة الإلزام على المخالفين ودفع شكوكهم كذا في: مفتاح السعادة.
ولا يبعد أن يقال: إن علم الجدل هو: علم المناظرة لأن المال منهما واحد إلا أن الجدل أخص منه ويؤيده كلام ابن خلدون في: المقدمة حيث قال: هو: معرفة آداب المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعا وكل واحد من المناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج ومنه ما يكون صوابا ومنه ما يكون خطأ فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا آدابا وأحكاما يقف المتناظران عند حدودها في الرد والقبول وكيف يكون حال المستدل والمجيب وحيث يسوغ له أن يكون مستدلا وكيف يكون مخصوصا منقطعا ومحل اعتراضه أو معارضته وأين يجب عليه السكوت 2 / 209 ولخصمه الكلام والاستدلال ولذلك قيل فيه: إنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي وهدمه كان ذلك الرأي من الفقه أو غيره
وهي طريقتان:
طريقة البزدوي: وهي خاصة بالأدلة الشرعية من النص والإجماع والاستدلال.
وطريقة العميدي: وهي عامة في كل دليل يستدل به من أي علم كان وأكثره استدلال وهو من المناحي الحسنة والمغالطات فيه في نفس الأمر كثيرة.
وإذا اعتبرنا النظر الــمنطقــي كان في الغالب أشبه بالقياس المغالطي والسوفسطائي إلا أن صور الأدلة والأقيسة فيه محفوظة مراعاة تتحرى فيها طرق الاستدلال كما ينبغي.
وهذا العميدي: هو أول من كتب فيها ونسبت الطريقة إليه وضع الكتاب المسمى ب: الإرشاد مختصرا وتبعه من بعده من المتأخرين كالنسفي وغيره جاؤوا على أثره وسلكوا مسلكه وكثرت في الطريقة التآليف وهي لهذا العهد مهجورة لنقص العلم والتعليم في الأمصار الإسلامية وهي مع ذلك كمالية وليست ضرورية والله - سبحانه وتعالى - أعلم وبه التوفيق. انتهى
وقال أبو الخير: وللناس فيه طرق أحسنها: طريق ركن الدين العميدي.
وأول من صنف فيه من الفقهاء الإمام أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.
وعن بعض العلماء: إياك أن تشتغل بهذا الجدل الذي ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء فإنه يبعد عن الفقه ويضيع العمر ويورث الوحشة والعداوة وهو من أشراط الساعة وارتفاع العلم والفقه كذا ورد في الحديث حيثما ذكر في تعليم المتعلم ولله در القائل:
أرى فقهاء العصر طرا ... أضاعوا العلم واشتغلوا بلم لم
إذا ناظرتهم لم تلق منهم ... سوى حرفين لم لم لا نسلم
قلنا: والإنصاف أن الجدل لإظهار الصواب على مقتضى قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} لا بأس به وربما ينتفع به في تشحيذ الأذهان وتصقيل الخواطر وتمرين الطبائع والممنوع: هو الجدل الذي يضيع الأوقات ولا يحصل منه طائل وكثيرا مالا يخلو عن التحاسد والتنافس المذمومين في الشرع فعليك الاحتياط لئلا تقع في المهالك من حيث لا تشعر. انتهى.
قال في: مدينة العلوم: ومن الكتب المختصرة فيه: المغني للأبهري و: الفصول للنسفي و: الخلاصة للمراغي و: مقدمة النسفي وعليها شروح أحسنها: شرح السمرقندي.
ومن المتوسطة: النفائس للعميدي و: الرسائل للأرموي و: تهذيب النكت للأبهري.
وفي هذا العلم مصنفات كثيرة لكنها لم تشتهر في بلادنا غير ما ذكرناه. انتهى

بَدَلاً عن

بَدَلاً عن
الجذر: ب د ل

مثال: خذه بدلاً عن كذا
الرأي: مرفوضة
السبب: لاستعمال حرف الجر «عن» بدلاً من حرف الجر «من».
المعنى: عِوَضًا عنه

الصواب والرتبة: -خذه بدلاً من كذا [فصيحة]-خذه بدلاً عن كذا [صحيحة]
التعليق: الفعل «بَدَل» ومصدره بَدَلاً «يتعديان بحرف الجرّ» من «، ولكن أجاز اللغويون نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، كما أجازوا تضمين فعل معنى فعل آخر فيتعدى تعديته، وفي المصباح (طرح): » الفعل إذا تضمَّن معنى فعل جاز أن يعمل عمله «. وقد أقرَّ مجمع اللغة المصري هذا وذاك، ومن الأمثلة على نيابة» عن «عن حرف الجر» من «قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الشورى/25، وقول صاحب التاج: » منعه من كذا، وعن كذا «، وقول ابن خلدون: » علم الــمنطق علم يعصم الذهن عن الخطأ «، وقول ميخائيل نعيمة: » يمتاز عن القديم بأن له
... «؛ ولذا يمكن تصحيح المثال المرفوض على تضمين» بدلاً «معنى» عوضًا".

هاد

(هاد)
هودا تَابَ وَرجع إِلَى الْحق وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {إِنَّا هدنا إِلَيْك} فَهُوَ هائد (ج) هود وَفُلَان نَشأ فِي الْيَهُودِيَّة وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وعَلى الَّذين هادوا حرمنا كل ذِي ظفر} وَفِي الْــمنطق أَدَّاهُ بِسُكُون ورفق

بَدو

بَدو
: (و ( {بَدَا) الأَمْرُ} يَبْدُو ( {بَدْواً) ، بالفتْحِ، (} وبُدُوّاً) كقُعُودٍ، وَعَلِيهِ اقْتَصَر الجَوْهرِيُّ؛ ( {وبَداءً) ، كسَحابٍ، (} وبَداءَةً) كسَحابَةٍ، ( {وبُدُوّاً) ، هَكَذَا فِي النسخِ كقُعُود وَفِيه تكْرارٌ والصَّوابُ} بَداً كَمَا فِي المُحْكَم وعَزَاهُ إِلَى سِيْبَوَيْه: أَي (ظَهَرَ.
( {وأَبْدَيْتُه) : أَظْهَرْتُه؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ، وَفِيه إشارَةٌ إِلَى أنَّه يَتَعدَّى بالهَمْزَةِ وَهُوَ مَشْهورٌ.
قالَ شيْخُنا: وَقد قيلَ إنَّ الرّباعي يَتَعدَّى بعنْ، فيكونُ لازِماً أَيْضاً كَمَا قالَهُ ابنُ السيِّدِ فِي شرْحِ أَدَبِ الكَاتِبِ، انتَهَى.

وَفِي الحدِيثِ: (مَنْ} يُبْد ِلنا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كتابَ اللَّهِ) ، أَي مَنْ يُظْهِر لنا فِعْلَه الَّذِي كانَ يخْفِيه أَقَمْنا عَلَيْهِ الحَدَّ.
( {وبَداوَةُ الشَّيءِ: أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ) ؛ هَذِه عَن اللَّحْيانّي.
(} وبادِي الرَّأْيِ: ظاهِرُهُ) ، عَن ثَعْلَب.
وأَنْتَ بادِيَ الرَّأْي تَفْعَلُ كَذَا؛ حَكَاهُ اللَّحْيانيُّ بغيْرِ هَمْزٍ، مَعْناه أَنْتَ فيمَا بَدَا من الرَّأْي وظَهَرَ.
وقَوْلُه تَعَالَى: {هُم أَرَاذِلُنا {بادِيَ الرَّأْي} ، أَي فِي ظاهِرِ الرَّأْي؛ كَمَا فِي الصِّحاحُ؛ قَرَأَ أَبو عَمْرو وَحْدُه: بادِيءَ الرَّأْي بالهَمْزِ، وسائِرُ القرَّاءِ قرأوا بادِيَ بغَيْرِ هَمْزٍ.
وقالَ الفرَّاءُ: لَا يُهْمَز بادِيَ الرَّأْي لأنَّ المعْنَى فيمَا يَظْهرُ لنا} ويَبْدُو.
وقالَ ابنُ سِيدَه: وَلَو أَرادَ ابْتِداءَ الرَّأْي فهَمَز كانَ صَواباً.
وقالَ الزَّجَّاجُ: نصبَ بادِيَ الرَّأْي على اتَّبَعُوك فِي ظاهِرِ الرَّأْي وباطِنُهم على خِلافِ ذلِكَ، ويَجوزُ أَنْ يكونَ اتَّبَعُوكَ فِي ظاهِرِ الرَّأْي وَلم يَتَدَبَّروا مَا قلتَ وَلم يَتَدَبَّروا فِيهِ.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: مَنْ هَمَزَه جَعَلَهُ مِن بَدَأْتُ مَعْناه أَوَّلَ الرَّأْي.
( {وبَدَا لَهُ فِي) هَذَا (الأَمْرِ} بَدْواً) ، بالفتْحِ، (وبَدَاءً) ، كسَحابٍ، ( {وبَداةً) ، كحَصَاةٍ؛ وَفِي المُحْكَم: بَدَا لَهُ فِي الأَمْرِ بَدْواً} وبَدْأً {وبَدَاءً؛ وَفِي الصِّحاحِ:} بَداءً مَمْدود؛ أَي (نَشَأَ لَهُ فِيهِ رَأْيٌ) .
قالَ ابنُ بَرِّي: بَداءٌ، بالرَّفْعِ، لأنَّه الفاعِلُ وتَفْسِيره بنَشَأَ لَهُ فِيهِ رَأْيٌ يدلّك على ذلِكَ؛ وَمِنْه قَوْلُ الشاعِرِ، وَهُوَ الشَّماخُ، أَنْشَدَه ابنُ سِيدَه:
لَعَلَّك والمَوْعُودُ حقٌّ وفاؤُه
بَدا لكَ فِي تلْكَ القَلُوص بَداءُوقالَ سِيْبَوَيْه فِي قَوْلِه، عزَّ وجلَّ: {ثمَّ! بَدَا لهُم مِن بَعْد مَا رأَوا الآياتِ ليَسْجُنُنَّه} ؛ أَرادَ بَدَالهُم بَداءٌ، وَقَالُوا ليَسْجُنَنَّه، ذهَبَ إِلَى أنَّ مَوْضِعَ ليَسْجُنُنَّه لَا يكونُ فاعِلَ بَدَا لأنَّه جُمْلةٌ والفاعِلُ لَا يكونُ جُمْلة.
وقالَ الأزْهرِيُّ: يقالُ بَدَا لي بَدَا أَي تَغَيَّر رَأْيي عمَّا كانَ عَلَيْهِ.
وقالَ الفرَّاءُ: بَدَا لي بَداءٌ ظَهَرَ لي رَأْيٌ آخَرُ، وأَنْشَدَ:
لَو على العَهْدِ لم يَخُنه لَدُمْنا
ثمَّ لم {يَبْدُ لي سواهُ بَدَاءُ (وَهُوَ ذُو} بَدَواتِ) ، كَمَا فِي الصِّحاحِ.
قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وكانتِ العَرَبُ تَمدَح بِهَذِهِ اللفْظَةِ فيقولونَ للرَّجُلِ الحازِمِ: ذُو بَدَواتٍ، أَي ذُو آراءٍ تَظْهرُ لَهُ فيختارُ بَعْضًا ويُسْقطُ بَعْضًا؛ أَنْشَدَ الفرَّاءُ:
من أَمْرِ ذِي بَدَواتٍ مَا يَزالُ لَهُ
بَزْلاءُ يَعْيا بهَا الجَثَّامَةُ اللُّبَدُقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: قُوْلُهم أَبو {البَدَواتِ، مَعْناه أَبو الآراءِ الَّتِي تَظْهَرُ لَهُ، واحِدُها} بَدَاةٌ، كقَطاةٍ وقَطَواتٍ.
(وفَعَلَه بادِيَ {بَدِيَ) ، كغَنِيَ، غَيْر مَهْمُوز، (} وبادِيَ {بَدٍ؛
(و) حَكَى سِيْبَوَيْه: (بادِيَ} بَداً) ، وقالَ: لَا ينوَّنُ وَلَا يَمْنَعُ القياسُ تَنْوينَه.
وقالَ الفرَّاءُ: يقالُ: افْعَلْ ذلِكَ {بادِيَ} بَدِي، كقَوْلِكَ أَوَّل شيءٍ، وكَذلِكَ بَدْأَةَ ذِي بَدِيَ، قالَ: ومِنْ كَلامِ العَرَبِ بادِيَ بَدِيَ بِهَذَا المَعْنى إلاَّ أَنَّه لم يهمزْ، وأَنْشَدَ:
أَضْحَى لِخالي شَبَهِي بادِي بَدِي
وصارَ للفَحْلِ لِساني ويَدِيأَرادَ بِهِ: ظاهِري فِي الشَّبَه لِخالي.
وقالَ الزَّجاجُ: معْنَى البَيْتِ خَرَجْتُ عَن شرْخِ الشَّبابِ إِلَى حدَ الكُهُولةِ الَّتِي مَعَها الرَّأْيُ والحِجَا، فصرْتُ كالفُحُولةِ الَّتِي بهَا يَقَعُ الاخْتِيارُ وَلها بالفضْلِ تُكْثَر الأوْصافُ.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: افْعَلْ ذلِكَ بادِيَ بَدٍ وبادِيَ بَدِيَ، أَي أَوَّلاً، و (أَصْلُها الهَمْزُ،) وإنَّما ترك لكثْرَةِ الاسْتِعْمالِ؛ (و) قد (ذُكِرَتْ بِلُغاتِها) هُنَاكَ.
(ويَحْيَى بنُ أَيُّوبَ بنُ بادِي) التَّجِيبيُّ العَلاَّفُ عَن سعيدِ بنِ أَبي مَرْيَم؛ (وأَحمدُ بنُ عليِّ بنِ! البادِي) عَن دعْلج، وَعنهُ الخَطِيبُ، وَقد سُئِل مِنْهُ عَن هَذَا النَّسَبِ فقالَ: وُلدْتُ أَنا وأَخي تَوأَماً وخَرَجْتُ أَوَّلاً فسُمِّيت البادِي؛ هَكَذَا ذَكَرَه الأميرُ قالَ: ووَجَدْتُ خطَّه وَقد نَسَبَ نَفْسَه فقالَ: البادِي بالياءِ، وَهَذَا يدلُّ على صحَّةِ الحِكَايَةِ وثبتني فِيهِ الأَنْصارِي، فعلى هَذَا لَا يُقالُ فِيهِ ابنُ البادِي، فالأَوْلى حَذْف لَفْظِ الابْن.
(وَلَا تَقُل البادَا) ، نبَّه عَلَيْهِ الذهبيُّ. وقالَ الأميرُ: العامَّةُ تَقَولُ فِيهِ: ابنُ البادِ؛ (مُحدِّثانِ) .
(وفاتَهُ:
(أَبو البَرَكاتِ طلحةُ بنُ أَحمدَ بنِ بَادِي العاقُولي تَفَقَّه على الفرَّاء، ذَكَرَه ابنُ نُقْطَةَ، اسْتَدْركَه الحافِظُ على الذهبيِّ. ( {والبَدْوُ} والبادِيَةُ {والباداةُ؛) هَكَذَا فِي النسخِ والصَّوابُ} والبَداةُ كَمَا فِي المُحْكَم؛ ( {والبَداوةُ: خِلافُ الحَضَر) .
(قيلَ: سُمِّيَت} البادِيَة {بادِيَةً لبرُوزِها وظُهورِها، وقيلَ للبَرِّيَّةِ بادِيَةٌ لكونِها ظَاهِرَةً بارِزَةً.
وشاهِدُ البَدْوِ قَوْلُه تَعَالَى: {وجاءَ بكُم مِن} البَدْوِ} أَي البادِيَة.
قالَ شيْخُنا: البَدْوُ ممَّا أُطْلِقَ على المَصْدَر ومَكانِ البَدْوِ والمُتَّصِفِينَ {بالبَدَاوَةِ، انتَهَى.
وقالَ اللَّيْثُ: البادِيَةُ اسمٌ للأَرضِ الَّتِي لَا حَضَرَ فِيهَا، وَإِذا خَرَجَ الناسُ مِن الحَضَرِ إِلَى المَراعِي فِي الصَّحارِي قيلَ: بَدَوْا، والاسمُ البَدْوُ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ: البادِيَةُ خِلافُ الحاضِرَةِ، والحاضِرَةُ القوْمُ الذينَ يَحْضُرونَ المِياهَ ويَنْزلونَ عَلَيْهَا فِي حَمْراءِ القَيْظِ، فَإِذا بَرَدَ الزَّمانُ ظَعَنُوا عَن أَعْدادِ المِياهِ وبَدَوْا طَلَباً للقُرْبِ مِن الكَلإِ، فالقَوْم حينَئِذٍ بادِيَةٌ بَعْدَ مَا كَانُوا حاضِرَةً. ويقالُ لهَذِهِ المَواضِع الَّتِي يَبْتَدِي إِلَيْهَا} البادُونَ بادِيَةٌ أَيْضاً، وَهِي {البَوادِي، والقَوْم أَيْضاً} بَوادٍ.
وَفِي الصِّحاحِ: البَدَاوَةُ الإقامَةُ فِي البادِيَةِ، يُفْتَحُ ويُكْسَرُ، وَهُوَ خِلافُ الحضارَةِ.
قالَ ثَعْلَب: لَا أَعْرِفُ! البَدَاوَة بالفتْحِ، إلاَّ عَن أَبي زيْدٍ وَحْدِه، انتَهَى.
وقالَ الأَصْمعيُّ: هِيَ البِدَاوَةُ والحَضارَة، بكسْرِ الباءِ وفتْحِ الحاءِ؛ وأَنْشَدَ:
فمَنْ تَكُنِ الحَضارَةُ أَعْجَبَتْهفأَيّ رجالِ بادِيَةٍ تَرانا؟ وقالَ أَبو زيْدٍ: بعكْسِ ذلِكَ.
وَفِي الحدِيثِ: (أَرادَ البَدَاوَةَ مَرَّة) أَي الخُروجَ إِلَى البادِيَةِ، رُوِي بفتحِ الباءِ وبكَسْرِها.
قُلْتُ: وحَكَى جماعَةٌ فِيهِ الضمَّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْروفٍ.
قالَ شيْخُنا: وَإِن صحَّ كانَ مُثَلَّثاً، وَبِه تَعْلم مَا فِي سِياقِ المصنِّفِ مِنَ القُصُورِ.
( {وتَبَدَّى) الرَّجُلُ: (أَقامَ بهَا) ، أَي} بالبادِيَةِ.
( {وتَبادَى: تَشَبَّه بأَهْلِها؛ والنِّسْبَةُ) إِلَى البَداوَةِ، بالفتْحِ على رأْيِ أَبي زيْدٍ، بالكَسْرِ على رأْيِ الأصْمعيّ: (} بَداوِيٌّ، كسَخاويِّ، {وبِدَاوِيٌّ، بالكِسْرِ) .) وَلَو قالَ: ويُكْسَرُ كانَ أَخْصَر.
وقالَ شيْخُنا: قَوْلُه كسَخَاوِيّ مُسْتدركٌ، فإنَّ قَوْلَه بالكَسْر يُغْنِي عَنهُ. قالَ: ثمَّ إنَّ هَذَا إنَّما يَتَمَشَّى على رأَي أَبي زيْدٍ الَّذِي ضَبَطَه بالفتْحِ، وأَمَّا على رأْيِ غيرِهِ فإنَّه بالكَسْرِ.
وقالَ ثَعْلَب: وَهُوَ الفَصِيحُ فالصَّوابُ أَنْ يقولَ: والنِّسْبَة بِدَاوِيٌّ ويُفْتَحُ انتهَىَ.
قالَ ابنُ سِيدَه:} البَداوِيُّ، بالفتْحِ والكَسْرِ، نسْبَتانِ على القِياس إِلَى البَداوَةِ {والبِدَاوَة، فإنْ قُلْت} البَداوِيَّ قد يكونُ مَنْسوباً إِلَى البَدْوِ والبادِيَةِ فيكونُ نادِراً، قُلْتُ: إِذا أَمْكَن فِي الشيءِ المَنْسوبِ أَن يكونَ قِياساً شاذّاً كَانَ حَمْله على القياسِ أَوْلى لأنَّ القِياسَ أَشْيَع وأَوْسَع.
(و) النِّسْبَةُ إِلَى البَدْوِ: (! بَدَوِيٌّ، محرَّكةً) ، وَهِي (نادِرَةٌ.
(قالَ التَّبْريزِي: كأَنَّه على غيرِ قياسٍ، لأنَّ القياسَ سكونُ الدالِ؛ قالَ: والنَّسَبُ يَجِيءُ فِيهِ أَشْياء على هَذَا النَّحْو مِن ذلِكَ قَوْلهم: فَرَسٌ رضويةٌ مَنْسوبَةٌ إِلَى رَضويّ والقياسُ رضوية.
قُلْتُ: وَقد جاءَ ذلِكَ فِي الحدِيثِ: (لَا تَجوزُ شهادَةُ بَدَوِيَ على صاحِبِ قَرْيَةٍ) .
قالَ ابنُ الأثيرِ: وإنَّما كَرِهَ ذلِكَ لمَا فِي {البَدَوِيِّ مِن الجفَاءِ فِي الدِّين والجَهالَةِ بأَحْكامِ الشَّرْعِ ولأنَّهم فِي الغالِبِ لَا يَضْبِطُون الشَّهادَةَ على وَجْهِها؛ قالَ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مالِك، والناسُ على خِلافِه.
(} وبَدَا القَوْمُ بَداً) ، كَذَا فِي النسخِ والصَّوابُ {بَدْواً، كَمَا هُوَ نصُّ الصِّحاحِ ومثَّلَه يَقْتُلُ قَتْلاً؛ (خَرَجُوا إِلَى البادِيَةِ؛) وَمِنْه الحدِيثُ: مَنْ} بَدَا جَفاً، أَي مَنْ نَزَلَ البادِيَةَ صارَ فِيهِ جَفَاءُ الأعْرابِ، كَمَا فِي الصِّحاحِ.
وَفِي حدِيث آخر: (كَانَ إِذا اهْتَمَّ لشيءٍ بَدَا) ، أَي خَرَجَ إِلَى البَدْوِ.
قالَ ابنُ الأثيرِ: يُشْبِهُ أَنْ يكونَ يَفْعَل ذلِكَ ليَبْعُدَ عَن الناسِ ويَخْلُو بنَفْسِه؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (كَانَ {يَبْدُو إِلَى هَذِه التِّلاعِ) .
وَفِي حدِيثِ الدّعاءِ: فإنَّ جارَ} البادِي يَتَحَوَّلُ؛ وَهُوَ الَّذِي يكونُ فِي البادِيَةِ ومَسْكَنَهُ المَضارِبُ والخِيامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُقيِم فِي مَوْضِعِه بِخلافِ جارِ المُقامِ فِي الْمدر؛ ويُرْوى النادِي، بالنونِ.
وَفِي الحدِيثِ: (لَا يَبِعْ حاضِرٌ {لبادٍ) .
وقَوْلُه تَعَالَى: {يَوَدُّوا لَو أَنَّهم} بادُونَ فِي الأَعْرابِ} أَي وَدّوا أنَّهم فِي البادِيَةِ.
قالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: إنَّما يكونُ ذلِكَ فِي ربِيعِهم، وإلاَّ فهُم حُضَّارٌ على مِياهِهم.
(وقَوْمٌ {بُدىً) ، كهُدىً، (} وبُدّىً) ، كغُزّى: ( {بادُونَ) ، أَي هُما جَمْعا بادٍ.
(} وبَدْوَتَا الوادِي: جانِباهُ؛) عَن أَبي حنيفَةَ.
( {والبَدَا، مَقْصوراً، السَّلْحُ) ، وَهُوَ مَا يَخْرجُ مِن دُبرِ الرَّجُلِ.
(} وبَدَا) الرَّجُلُ: (أَنْجَى فَظَهَرَ نَجْوُهُ من دُبُرِهِ، {كأَبْدَى) ، فَهُوَ مُبْدٍ، لأنَّه إِذا أَحْدَثَ بَرَزَ مِن البيوتِ، وَلذَا قيل لَهُ: المُتَبَرِّزُ أَيْضاً، وَهُوَ كِنايَةٌ.
(وبَدَا الإنْسانُ) ، مَقْصوراً: (مَفْصِلُهُ، ج} أَبْداءٌ) .
(وقالَ أَبو عَمْرو: {الأَبْداءُ المَفاصِلُ، واحِدُها} بَداً، {وبُدْءٌ، بالضمِّ مَهْموزاً، وجَمْعُه بُدُوءٌ، بالضمِّ كقُعُودٍ.
(} والبَدِيُّ، كرَضِيَ، ووادِي {البَدِيِّ) ، كرَضِيَ أَيْضاً، (} وبَدْوَةُ وبَدَا ودارَةُ {بَدْوَتَيْنِ: مَواضِعُ) .) أَمَّا الأوَّل: فقَرْيةٌ مِن قُرَى هَجَر بينَ الزّرائبِ والحَوْضَتَيْنِ؛ قالَ لبيدٌ:
جَعَلْنَ حراجَ القُرْنَتَيْنِ وعالِجاً
يَمِينا ونَكَّبْنَ البَدِيِّ شمالياوأَمَّا الثَّاني: فوادٍ لبَني عامِرٍ بنَجْدٍ؛ وَمِنْه قَوْلُ امْرىءِ القَيْسِ:
فوادِي البَدِيِّ فانتحى لَا ريض وأَمَّا الثَّالِثُ: فجبَلٌ لبَني العَجْلانِ بنَجْدٍ؛ قالَ عامِرُ بنُ الطّفَيْل:
فَلَا وأَبِيك لَا أَنْسَى خَلِيلي
} ببَدْوَة مَا تَحَرَّكتِ الرِّياحُ وقالَ ابنُ مُقْبِل:
أَلا يَا لقومي بالدِّيار ببَدْوَة
وأنَّى مراحُ المَرْءِ والشَّيْبُ شامِلوأَمَّا الرابِعُ: فوادٍ قُرْبَ أَيْلَةَ مِن ساحِلِ البَحْرِ؛ وقيلَ: {بوادِي القُرَى؛ وقيلَ: بوادِي عُذْرَةَ قُرْبَ الشأمِ، كانَ بِهِ مَنْزلُ عليِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عبّاسٍ وأَوْلادِه؛ قالَ الشاعِرُ:
وأَنْتِ الَّتِي حَبَّبتِ شَغْباً إِلَى بَداً
إليَّ وأَوْطاني بِلادٌ سِواهُمَاحَلَلْتِ بِهَذَا حَلَّة ثمَّ حَلَّةً
بِهَذَا فطَابَ الوَادِيانِ كِلاهُماوأَمَّا الخامِسُ: فهُما هضْبتان لبَني ربيعَةَ بنِ عقيل بَيْنهما ماءٌ.
(} وبادَى) فُلانٌ (بالعداوَةِ: جاهَزَ) بهَا، ( {كتَبادَى؛) نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
(} والبَداةُ) ، كقَطاةٍ:
(الكَمْأَةُ. (وبَدَأَتْ، وَقد بَدِيَتِ الأرضُ فيهمَا، كرَضِيَتْ) :) أَنْبَتَتْها أَو كَثُرَتْ فِيهَا.
( {وبادِيَةُ بنتُ غَيْلانَ الثَّقَفِيَّةُ) الَّتِي قالَ عَنْهَا هيت المُخَنَّث: تُقْبِلُ بأَرْبَعٍ وتُدْبِرُ بثمانٍ، (صَحابيَّةٌ) تَزَوَّجها عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، وأَبُوها أسْلَم وتَحْتَه عَشْر نِسْوةٍ؛ (أَو هِيَ) بادِنَةُ (بنونٍ بَعْدَ الَّدالِ) ، وصَحَّحَه غيرُ واحِدٍ.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
} البَدَوَاتُ {والبَدَاءاتُ: الحَوائِجُ الَّتِي} تَبْدُو لَكَ.
{وبَدَاءاتُ العَوارِضِ: مَا} يَبْدُو مِنْهَا، واحِدُها بَداءَةٌ، كسَحابَةٍ.
{وبَدّاهُ} تَبْدِيةً: أَظْهَرَه؛ وَمِنْه حدِيثُ سَلَمَة بن الأكْوَع: (وَمَعِي فرسُ أَبي طلحةَ {أُبَدِّيه مَعَ الإِبلِ، أَي أُبْرزُه مَعهَا إِلَى مَوْضِعِ الكَلأِ.
} وبَادَى الناسَ بأَمْرِهِ: أَظْهَرَه لهُم.
وَفِي حدِيثِ البُخارِي فِي قصَّةِ الأقْرعِ والأبْرصِ والأعْمى: ( {بَدَا اللَّهُ، عزَّ وجلَّ، أَن يَقْتلَهم) ، أَي قَضَى بذلِكَ قالَ ابنُ الأثيرِ: وَهُوَ معْنَى} البَدَاء، هُنَا لأنَّ القَضاءَ سابِقٌ.
{والبداءُ: اسْتِصْوابُ شيءٍ عُلِمَ بَعْدَ أَن لم يُعْلم، وذلِك على اللَّهِ غير جائِزٍ.
وقالَ السَّهيليّ فِي الرَّوضِ: والنَّسْخ للحُكْمِ ليسَ} ببداءٍ كَمَا تَوهَّمَه الجَهَلةُ مِن الرَّافضَةِ وَالْيَهُود وإنَّما هُوَ تَبْديلُ حُكْمٍ بحُكْم يقدّرُ قَدْرَه وعِلْم قد تَمَّ عِلْمَهُ، قالَ: وَقد يَجوزُ أنْ يقالَ: بَدَا لَهُ أنْ يَفْعَلَ كَذَا، ويكونُ مَعْناه أَرادَ، وَبِه فسّر حدِيثَ البُخارِي، وَهَذَا مِن المجازِ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى إطْلاقِه إلاَّ باذْنٍ مِن صاحِبِ الشَّرْعِ.
{وبَدانِي بِكَذَا} يَبْدوني: كَبَدَأَني.
قالَ الجَوْهرِيُّ: ورُبَّما جَعَلُوا {بادِيَ} بَدِيَ اسْماً للداهِيَةِ؛ كَمَا قالَ أَبو نُخَيْلة:
وَقد عَلَتْني ذُرْأَةٌ بادِي بَدِي
ورَثِيةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ وَصَارَ للفَحْلِ لساني ويدِي قالَ: وهُما اسْمانِ جُعِلا اسْما وَاحِدًا مثْلُ مَعْدي كرب، وقالي قَلا.
{والبَدِيُّ، كغَنِيَ: الأوَّلُ؛ وَمِنْه قَوْلُ سعدٍ فِي يَوْم الشَّوْرى: الحمْدُ للَّهِ} بَدِيّاً.
والبَدِيُّ أَيْضاً: البادِيَةُ؛ وَبِه فُسِّرَ قَوْلُ لبيدٍ:
غُلْبٌ تَشَذَّرَ بالدّخُولِ كأَنَّها
جن {البَدِيِّ رَواسِيا أَقْدامهاوالبَدِيُّ أَيْضاً: البِئْرُ الَّتِي ليسَتْ بعادِيَةٍ، تُرِكَ فِيهَا الهَمْزُ فِي أَكْثَرِ كَلامِهم، وَقد ذُكِرَ فِي الهَمْزةِ.
ويقالُ:} أَبْدَيْتَ فِي مَنْطقِــكَ: أَي جُرْتَ مثْلَ أَعْدَيْتَ؛ وَمِنْه قَوْلهم: السُّلْطان وذُو {بَدَوانٍ، بالتَّحْرِيك فيهمَا؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ.
قُلْتُ: وَفِي الحدِيثِ: السُّلْطانُ ذُو عَدَوان وذُو بَدَوانٍ) ؛ أَي لَا يزالُ يَبْدُو لَهُ رأْيٌ جَديدٌ.
والبادِيَةُ: القومُ} البادُونَ خِلافُ الحاضِرَةِ كالبَدْوِ.
{والمَبْدَى: خِلافُ المَحْضَر؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ الأزْهرِيُّ:} المبَادِي: هِيَ المَناجِعُ خِلافُ المَحاضِرِ.
وقومٌ {بُدَّاءٌ، كرُمَّانٍ:} بادُونَ؛ قالَ الشاعِرُ:
بحَضْرِيَ شَاقَه {بُدَّاؤُه
لم تُلْهِهِ السُّوقُ وَلَا كلاؤُهوقد يكونُ البَدْوُ اسمَ جَمْعٍ} لبادٍ كركْبٍ ورَاكِبٍ؛ وَبِه فُسِّرَ قَوْلُ ابنِ أَحْمر:
جَزَى اللَّهُ قومِي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً
{وبَدْواً لَهُم حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّرَا} والبَدِيَّةُ، كغَنِيَّة: ماءَةٌ على مَرْحَلَتَيْنِ من حَلَب بَيْنها وبينَ سلمية؛ قالَ المُتَنَبيِّ:
وأَمْسَتْ! بالبَدِيَّةِ شَفْرَتاه
وأَمْسَى خَلْفَ قائِمِهِ الخَبَارُوالبادِيَةُ: قُرى باليَمامَةِ. {والبِدَاءُ، بالكسْرِ: لُغَةٌ فِي الفداءِ} وتَبدَّى.
تَفَدَّى، هَكَذَا يَنْطقُ بِهِ عامَّةُ عَرَبِ اليَمَنِ.
{والمبادَاةُ: المُبارَزَةُ والمُكاشَفَةُ.
} وبادَى بَيْنهما: قايَسَ؛ كَمَا فِي الأساسِ.

المتناقضان

(المتناقضان) (فِي الْــمنطق) مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان فِي شَيْء وَاحِد وَحَال وَاحِدَة نَحْو أَبيض وَلَا أَبيض وَمن الْكَلَام مَا لَا يَصح أَحدهمَا مَعَ الآخر فِي شَيْء وَاحِد وَحَال وَاحِدَة نَحْو هُوَ كَذَا وَلَيْسَ بِكَذَا

النَّقْل

(النَّقْل) الطَّرِيق الْمُخْتَصر والنعل أَو الْخُف (ج) أنقال ونقول
و (همزَة النَّقْل) (فِي النَّحْو) الَّتِي تنقل غير الْمُتَعَدِّي إِلَى الْمُتَعَدِّي أَو الْمُتَعَدِّي لوَاحِد إِلَى مُتَعَدٍّ لاثْنَيْنِ أَو الْمُتَعَدِّي لاثْنَيْنِ إِلَى مُتَعَدٍّ لثَلَاثَة
و (تَشْدِيد النَّقْل) التَّضْعِيف الَّذِي ينْقل غير الْمُتَعَدِّي إِلَى الْمُتَعَدِّي أَو الْمُتَعَدِّي لوَاحِد إِلَى أَكثر

(النَّقْل) مَا يتنقل بِهِ على الشَّرَاب من فواكه وكوامخ وَغَيرهَا وَمَا يتفكه بِهِ من جوز ولوز وبندق وَنَحْوهَا وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي ليَالِي رَمَضَان (مو)

(النَّقْل) مَا يبْقى من الْحِجَارَة عِنْد هدم الْبَيْت أَو الْحصن والريش ينْقل من سهم إِلَى آخر والجدل ومراجعة الْكَلَام فِي صخب وداء فِي خف الْبَعِير يتخرق مِنْهُ

(النَّقْل) يُقَال مَكَان نقل حزن وَرجل نقل حَاضر الْــمنطق وَالْجَوَاب جدل

أَهجر

(أَهجر) سَار فِي الهاجرة وَدخل فِي وَقت الهاجرة ونطق الهجر وَيُقَال أَهجر فِي مَنْطِقــه وَالشَّيْء بلغ حَده فِي التَّمام وَيُقَال أهجرت الفتاة شبت شبَابًا حسنا وَالْحَامِل عظم بَطنهَا وبفلان اسْتَهْزَأَ بِهِ

علم الآلات الرصدية

علم الآلات الرصدية
ذكره أبو الخير من فروع علم الهيئة وقال: هو علم يتعرف منه كيفية تحصيل الآلات الرصدية قبل الشروع في الرصد فإن الرصد لا يتم إلا بآلات كثيرة رتبوها وتحصيل تلك الآلات يتوقف على معرفة أحوالها وكتاب: الآلات العجيبة للخازني يشتمل على ذلك. انتهى
ومثله في مدينة العلوم.
وقال العلامة تقي الدين الراصد في: سدرة منتهى الأفكار: والغرض من وضع تلك الآلات: تشبيه سطح منها بسطح دائرة فلكية ليمكن بها ضبط حركتها ولن يستقيم ذلك ما دام لنصف قطر الأرض قدر محسوس عند نصف قطر تلك الدائرة الفلكية إلا بتعديله بعد الإحاطة باختلافه الكلي وحيث أحسسنا بحركات دورية مختلفة وجب علينا ضبطها بآلات رصدية تشبهها في وضعها لما يمكن له التشبيه ولما لم يمكن له ذلك يضبط اختلافه ثم فرض كرات تطابق اختلافا لها المقيسة إلى مركز العالم تلك الاختلافات المحسوس بها إذا كانت متحركة حركة بسيطة حول مراكزها. فبمقتضى تلك الأغراض تعددت الآلات والذي أنشأناه بدار الرصد الجديدة هذه الآلات منها: اللبنة: وهي جسم مربع مستو يستعلم به الميل الكلي وأبعاد الكواكب وعرض البلد.
ومنها الحلقة الاعتدالية: وهي حلقة تنصب في سطح دائرة المعدل ليعلم بها التحويل الاعتدالي.
ومنها ذات الأوتار قال: وهي من مخترعنا وهي أربع أسطوانات مربعات تغني عن الحلقة الاعتدالية على أنها يعلم تحويل الليل أيضا.
ومنها ذات الحلق: وهي أعظم الآلات هيئة ومدلولا وتركب من حلقة تقام مقام منطقــة فلك البروج وحلقة تقام مقام المارة بالأقطاب تركب أحدها في الأخرى بالتصنيف والتقطيع وحلقة الطول الكبرى وحلقة الطول الصغرى تركب الأولى في محدب الــمنطقــة والثانية في مقعرها وحلقة نصف النهار وقطر مقعرها مساو لقطر محدب حلقة الطول الكبرى من حلقة الأرض قطر محدبها قدر قطر مقعر حلقة الطول الصغرى فتوضع هذه على كرسي.
ومنها: ذات السمت والارتفاع: وهي نصف حلقة قطرها سطح من سطوح أسطوانة متوازية السطوح يعلم بها السمت وارتفاعها وهذه الآلة من مخترعات الرصاد الإسلاميين.
ومنها: ذات الشعبتين: وهي ثلاث مساطر على كرسي يعلم بها الارتفاع.
ومنها: ذات الجيب: وهي مسطرتان منتظمتان انتظام ذات الشعبتين.
ومنها: المشبهة بالناطق قال: وهي من مخترعاتنا كثيرة الفوائد في معرفة ما بين الكوكبين من البعد وهي ثلاث مساطر اثنتان منتظمتان انتظام ذات الشعبتين.
ومنها: الربع المسطري وذات النقبتين والبنكام الرصدي وغير ذلك وللعلاقة غياث الدين جمشيد رسالة فارسية في وصف تلك الآلات سوى ما أخترعه تقي الدين.
واعلم أن الآلات الفلكية كثيرة منها: الآلات المذكورة ومنها السدس الذي ذكره جمشيد.
ومنها: ذات المثلث.
ومنها: أنواع الإسطرلابات: كالتام والمسطح والطوماري والهلالي والزورقي والعقربي والأسي والقوسي والجنوبي والشمالي والكبري والمبطح والمسرطق وحق القمر والمغني والجامعة وعصا موسى
ومنها: أنواع الأرباع: كالتام والمجيب والمقنطرات والأفاقي والشكازي ودائرة المعدل وذات الكرسي والزرقالة وربع الزرقالة وطبق المناطق.
وذكر ابن الشاطر في النفع العام: أنه أمعن النظر في الآلات الفلكية فوجد مع كثرتها أنها ليس فيها ما يفي بجميع الأعمال الفلكية في كل عرض قال: ولا بد أن يداخلها الخلل في غالب الأعمال أما من جهة تعسر تحقيق الوضع كالمبطحات أو من جهة تحرك بعضها على بعض وكثرة تفاوت ما بين خطوطها وتزاحمها كالإسطرلاب والشكازية والرزقالية وغالب الآلات أو من جهة الخيط أو تحريك المري وتزاحم الخطوط كالأرباح المقنطرات والمجيبة وإن بعضها يعسرها غالب المطالب الفلكية وبعضها لا يفي إلا بالقليل أو بعضها مختص بعرض واحد وبعضها بعروض مختصة وبعضها تكون أعمالها ظنية غير برهانية وبعضها يأتي بعض الأعمال بطريق مطولة خارجة عن الحد وبعضها يعسر حملها ويقبح شكلها كالآلة الشاملة فوضع آلة يخرج بها جميع الأعمال في جميع الآفاق بسهولة مقصد ووضوح برهان فسماها الربع التام.
علم الآلات الرصدية
ذكره: المولى أبو الخير من: فروع الهيئة.
وقال: هو علم يتعرف منه: كيفية تحصيل الآلات الرصدية قبل الشروع في الرصد، فإن الرصد لا يتم إلا بآلات كثيرة.
وكتاب: (الآلات العجيبة) للخازني، يشتمل على ذلك. انتهى.
قال العلامة: تقي الدين الراصد، في (سدرة منتهى الأفكار) : والغرض من وضع تلك الآلات: تشبيه سطح منها بسطح دائرة فلكية، ليمكن بها ضبط حركتها، ولن يستقيم ذلك ما دام لنصف قطر الأرض قدر محسوس، عند نصف قطر تلك الدائرة الفلكية، إلا بتعديله، بعد الإحاطة باختلافه الكلي.
وحيث أحسسنا بحركات دورية مختلفة، وجب علينا ضبطها بآلات رصدية تشبهها في وضعها، لما يمكن له التشبيه، ولما لم يكن له ذلك، بضبط اختلافه.
ثم فرض كرات تطابق اختلافاتها المقيسة إلى مركز العالم، تلك الاختلافات المحسوس بها، إذا كانت متحركة حركة بسيطة حول مراكزها، فبمقتضى تلك الأغراض تعددت الآلات.
والذي أنشأناه بدار الرصد الجديد هذه الآلات، منها:
اللبنة: وهي جسم مربع مستو، يستعلم به الميل الكلي، وأبعاد الكواكب، وعرض البلد.
ومنها: الحلقة الاعتدالية: وهي حلقة تنصب في سطح دائرة المعدل، ليعلم بها التحويل الاعتدالي.
ومنها: ذات الأوتار، قال: وهي من مخترعنا، وهي أربع أسطوانات مربعات، تغني عن الحلقة الاعتدالية، على أنها يعلم بها التحويل الليلي أيضا.
ومنها: ذات الحلق: وهي أعظم الآلات هيئة، ومدلولا، وتركب من حلقة تقام مقام منطقــة فلك البروج، وحلقة تقام مقام المارة بالأقطاب، تركب إحداهما في الأخرى، بالتصنيف، والتقطيع، وحلقة الطول الكبرى، وحلقة الطول الصغرى، تركب الأولى في محدب الــمنطقــة، والثانية في مقعرها، وحلقة نصف النهار قطرها، مقعرها مساو لقطر محدب حلقة الطول الكبرى، ومن حلقة العرض، قطر محدبها قدر قطر مقعر حلقة الطول الصغرى، فتوضع هذه على كرسي.
ومنها: ذات السمت والارتفاع: وهي نصف حلقة، قطرها سطح من سطوح أسطوانة متوازية السطوح، يعلم بها السمت وارتفاعها، وهذه الآلة من مخترعات الرصاد الإسلاميين.
ومنها: ذات الشعبتين: وهي ثلاث مساطر، على كرسي، يعلم بها الارتفاع.
ومنها: ذات الجيب: وهي مسطرتان منتظمتان انتظام ذات الشعبتين.
ومنها: المشبهة بالمناطق، قال: وهي من مخترعاتنا، كثيرة الفوائد في معرفة ما بين الكوكبين من البعد، وهي: ثلاث مساطر، اثنتان: منتظمتان انتظام ذات الشعبتين، زمنها الربع المسطري، وذات الثقبتين، والبنكام الرصدي، وغير ذلك.
وللعلامة: غياث الدين جمشيد.
رسالة فارسية.
في وصف تلك الآلات الفلكية، سوى ما اخترعه: تقي الدين.
واعلم: أن الآلات الفلكية كثيرة، منها:
الآلات المذكورة.
ومنها: السدس الذي ذكره: جمشيد.
ومنها: ذات المثلث.
ومنها: أنواع الأسطرلابات: كالتام، والمسطح، والطوماري، والهلالي، والزورقي، والعقربي، والأسي، والقوسي، والجنوبي، والشمالي، والكبرى، والمنبطح، والمسرطق، وحق القمر، والمغني، والجامعة، وعصا موسى.
ومنها: أنواع الأرباع: كالتام، والمجيب، والمقنطرات، والآفاقي، والشكازي، ودائرة المعدل، وذات الكرسي، والزرقالة، وربع الزرقالة، وطبق المناطق.
وذكر ابن الشاطر، في: (النفع العام) : أنه أمعن النظر في الآلات الفلكية، فوجد مع كثرتها، أنها ليس فيما يفي بجميع الأعمال الفلكية، في كل عرض.
وقال: ولا بد أن يداخلها الخلل في غالب الأعمال، إما من جهة تعسر تحقيق الوضع: كالمبطحات، أو من جهة تحرك بعضها على بعض، وكثرة تفاوت ما بين خطوطها، وتزاحمها: كالأسطرلاب، والشكازية، والزرقالة، وغالب الآلات.
أو من جهة الخيط، وتحريك المري، وتزاحم الخطوط: كالأرباع المقنطرات، والمجيبة.
وإن بعضها: يعسر بها غالب المطالب الفلكية.
وبعضها: لا يفي إلا بالقليل.
وبعضها: مختص بعرض واحد.
وبعضها: بعروض مختصة.
وبعضها: يكون أعمالها ظنية، غير برهانية.
وبعضها: يأتي ببعض الأعمال بطريق مطولة، خارجة عن الجد.
وبعضها: يعسر حملها، ويقبح شكلها: كالآلة الشاملة.
فوضع آلة يخرج بها جميع الأعمال في جميع الآفاق، بسهولة مقصد، ووضوح برهان، فسماها: (الربع التام).

غَلْفَقٌ

وعَيْشٌ غَلْفَقٌ: مُرَامَقٌ. وهي القَوْسً الرِّخْوَةُ. وامْرَأةٌ غِلْفاقُ المَشْي: سَرِيْعَتُه.

والغَلْفَقُ: الخَرْقاءُ السَّيِّئةُ الــمَنْطِق والعَمَل. هو يُغَلْفِقُ الكَلامَ. والمُغَلْفِقُ: المُعْسِرُ.

التشبيه في القرآن

التشبيه في القرآن
- 1 - أرى واجبا علىّ قبل الحديث عن التشبيه في القرآن الكريم، أن أتحدث قليلا عن بعض نظرات للأقدمين في هذا الباب، لا أوافقهم عليها، ولا أرى لها قيمة في التقدير الفنى السليم.
فمما اعتمد عليه القدماء في عقد التشبيه العقل، يجعلونه رابطا بين أمرين أو مفرّقا بينهما، وأغفلوا في كثير من الأحيان وقع الشيء على النفس، وشعورها به سرورا أو ألما، وليس التشبيه في واقع الأمر سوى إدراك ما بين أمرين من صلة في وقعهما على النفس، أما تبطن الأمور، وإدراك الصلة التى يربطها العقل وحده فليس ذلك من التشبيه الفنى البليغ، وعلى الأساس الذى أقاموه استجادوا قول ابن الرومى:
بذل الوعد للأخلاء سمحا ... وأبى بعد ذاك بذل العطاء
فغدا كالخلاف، يورق للعين، ويأبى الإثمار كل الإباء
وجعلوا الجامع بين الأمرين جمال المنظر وتفاهة المخبر، وهو جامع عقلى، كما نرى، لا يقوم عليه تشبيه فنى صحيح، ذلك أن من يقف أمام شجرة الخلاف أو غيرها من
الأشجار، لا ينطبع في نفسه عند رؤيتها سوى جمالها ونضرة ورقها وحسن أزهارها، ولا يخطر بباله أن يكون لتلك الشجرة الوارفة الظلال ثمر يجنيه أو لا يكون، ولا يقلل من قيمتها لدى رائيها، ولا يحط من جمالها وجلالها، ألا يكون لها بعد ذلك ثمر شهى، فإذا كانت تفاهة المخبر تقلل من شأن الرجل ذى المنظر الأنيق، وتعكس صورته منتقصة في نفس رائيه، فإن الشجرة لا يقلل من جمالها لدى النفس عدم إثمارها، وبهذا اختلف الوقع لدى النفس بين المشبّه والمشبه به، ولذلك لا يعد من التشبيه الفنى المقبول.
وقبل الأقدمون من التشبيه ما عقدت الحواس الصلة بينهما، وإن لم تعقدها النفس، فاستجادوا مثل قول الشاعر يصف بنفسجا:
ولازورديّة تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت فليس ثمة ما يجمع بين البنفسج وعود الكبريت، وقد بدأت النار تشتعل فيه، سوى لون الزرقة التى لا تكاد تبدأ حتى تختفى في حمرة اللهب، وفضلا عن التفاوت بين اللونين، فهو في البنفسج شديد الزرقة، وفي أوائل النار ضعيفها، فضلا عن هذا التفاوت نجد الوقع النفسى للطرفين شديد التباين، فزهرة البنفسج توحى إلى النفس بالهدوء والاستسلام وفقدان المقاومة، وربما اتخذت لذلك رمزا للحب، بينما أوائل النار في أطراف الكبريت تحمل إلى النفس معنى القوة واليقظة والمهاجمة، ولا تكاد النفس تجد بينهما رابطا. كما استجادوا كذلك قول ابن المعتز:
كأنا وضوء الصبح يستعجل الدجى ... نطير غرابا ذا قوادم جون
قال صاحب الإيضاح: «شبه ظلام الليل حين يظهر فيه ضوء الصبح بأشخاص الغربان، ثم شرط قوادم ريشها بيضاء؛ لأن تلك الفرق من الظلمة تقع في حواشيها، من حيث يلى معظم الصبح وعموده، لمع نور، يتخيل منها في العين كشكل قوادم بيض». وهكذا لم ير ابن المعتز من الدجى وضوء الصباح سوى لونيها، أما هذا الجلال الذى يشعر به في الدجى، وتلك الحياة التى يوحى بها ضوء الصبح، والتى عبّر القرآن عنها بقوله: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 18).- فمما لم يحس به شاعرنا، ولم يقدره نقادنا، وأين من جلال هذا الكون الكبير، ذرة تطير؟!
وقبلوا من التشبيه ما كان فيه المشبه به خياليّا، توجد أجزاؤه في الخارج دون صورته المركبة، ولا أتردد في وضع هذا التشبيه بعيدا عن دائرة الفن؛ لأنه لا يحقق الهدف الفنى للتشبيه، فكيف تلمح النفس صلة بين صورة ترى، وصورة يجمع العقل أجزاءها من هنا وهنا، وكيف يتخذ المتخيل مثالا لمحسوس مرئى، وقبل الأقدمون لذلك قول الشاعر:
وكأن محمرّ الشقيق ... إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد
ألا ترى أن هذه الأعلام من الياقوت المنشورة على رماح الزّبرجد، لم تزدك عمق شعور بمحمر الشقيق، بل لم ترسم لك صورته إذا كنت جاهله، فما قيمة التشبيه إذا وما هدفه؟! وسوف أتحدث عن الآية الكريمة التى فيها هذا اللون من التشبيه لندرك سره وقيمته.
هذا، ولن نقدّر التشبيه بنفاسة عناصره، بل بقدرته على التصوير والتأثير، فليس تشبيه ابن المعتز للهلال حين يقول:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وتلمس شبه له بهذا الزّورق الفضى المثقل بحمولة العنبر، مما يرفع من شأنه، أو ينهض بهذا التّشبيه الذى لم يزدنا شعورا بجمال الهلال، ولا أنسا برؤيته، ولم يزد على أن وضع لنا إلى جانب الهلال الجميل صورة شوهاء متخيلة، وأين الزورق الضخم من الهلال النحيل، وإن شئت فوازن بين هذه الصورة التى رسمها ابن المعتز للهلال، وتلك الصورة التى تعبر عن الإحساس البصرى والشعور النفسى معا، حينما تحدّث القرآن عن هذا الهلال، فقال: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39). فهذا العرجون القديم أقدر على تصوير القمر كما تراه العين وكما تحسّ به النفس أكثر من تصوير الزورق الفضى له، كما سنرى.
- 2 - التشبيه لمح صلة بين أمرين من حيث وقعهما النفسى، وبه يوضح الفنان شعوره نحو شىء ما، حتى يصبح واضحا وضوحا وجدانيّا، وحتى يحس السامع بما أحس المتكلم به، فهو ليس دلالة مجردة، ولكنه دلالة فنية، ذلك أنك تقول: ذاك رجل لا ينتفع بعلمه، وليس فيما تقول سوى خبر مجرد عن شعورك نحو قبح هذا الرجل، فإذا قلت إنه كالحمار يحمل أسفارا، فقد وصفت لنا شعورك نحوه، ودللت على احتقارك له وسخريتك منه.
والغرض من التشبيه هو الوضوح والتأثير، ذلك أن المتفنن يدرك ما بين الأشياء من صلات يمكن أن يستعين بها في توضيح شعوره، فهو يلمح وضاءة ونورا في شىء ما، فيضعه بجانب آخر يلقى عليه ضوءا منه، فهو مصباح يوضح هذا الإحساس الوجدانى، ويستطيع أن ينقله إلى السامع.
ليس من أغراض التشبيه إذا ما ذكره الأقدمون من «بيان أن وجود المشبه ممكن وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه» . وقد استشهدوا على هذا الغرض بقول المتنبى:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وليس في هذا البيت تشبيه فنّى مقبول، فليس الأثر الذى يحدثه المسك في النفس سوى الارتياح لرائحته الذكية، ولا يمر بالخاطر أنه بعض دم الغزال، بل إن هذا الخاطر إذا مرّ بالنفس قلّل من قيمة المسك ومن التّلذذ به، وهذه الصورة التى جاء بها المتنبى ليوضح إحساسه نحو سموّ فرد على الأنام، ليست قوية مضيئة، تلقى أشعتها على شعوره، فتضيئه لنا، فإن تحول بعض دم الغزال إلى مسك ليس بظاهرة قريبة مألوفة، حتى تقرب إلى النفس ظاهرة تفوق الممدوح على الأنام، كما أن ظاهرة تحول الممدوح غير واضحة، ومن ذلك كله يبدو أن الرابط هنا عقلى لا نفسى وجدانى.
وليس من أغراضه ما ذكره الأقدمون أيضا من الاستطراف، فليس تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب- تشبيها فنيّا على هذا المقياس الذى وضعناه، فإن بحر المسك ذا الموج الذهبى، ليس بهذا المصباح الوهاج الذى ينير الصورة ويهبها نورا ووضوحا.
ولما كان هدف التشبيه الإيضاح والتأثير أرى الأقدمين قد أخطئوا حينما عدّوا البليغ من التشبيه ما كان بعيدا غريبا نادرا، ولذلك عدّوا قوله:
وكأنّ أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق
أفضل من قول ذى الرمة:
كحلاء في برج، صفراء في نعج  ... كأنها فضة قد مسها ذهب
«لأن الأول مما يندر وجوده دون الثانى، فإن الناس أبدا يرون في الصياغات فضة قد موهت بذهب ولا يكاد يتفق أن يوجد درر قد نثرن على بساط أزرق» .
وذلك قلب للأوضاع، وبعد عن مجال التشبيه الفنى الذى توضع فيه صورة قوية تبعث الحياة والقوة في صورة أخرى بجوارها، وبرغم أن التشبيهين السالفين حسّيان أرى التشبيه الثانى أقوى وأرفع، ولست أرمى إلى أن يكون التشبيه مبتذلا، فإن الابتذال لا يثير النفس، فيفقد التشبيه هدفه، ولكن أن يكون في قرب التشبيه ما يجعل الصورة واضحة مؤثرة كما سنرى.
- 3 - ليس الحس وحده هو الذى يجمع بين المشبه والمشبه به في القرآن، ولكنه الحس والنفس معا، بل إن للنفس النصيب الأكبر والحظ الأوفى.
والقرآن حين يشبه محسوسا بمحسوس يرمى أحيانا إلى رسم الصورة كما تحس بها النفس، تجد ذلك في قوله سبحانه يصف سفينة نوح: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). ألا ترى الجبال تصور للعين هذه الأمواج الضخمة، وتصور في الوقت نفسه، ما كان يحس به ركاب هذه السفينة وهم يشاهدون هذه الأمواج، من رهبة وجلال معا، كما يحس بهما من يقف أمام شامخ الجبال. وقوله تعالى يصف الجبال يوم القيامة: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). فالعهن المنفوش يصور أمامك منظر هذه الجبال، وقد صارت هشة لا تتماسك أجزاؤها، ويحمل إلى نفسك معنى خفتها ولينها. وقوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39). فهذا القمر بهجة السماء وملك الليل، لا يزال يتنقل في منازله حتى يصبح بعد هذه الاستدارة المبهجة، وهذا الضوء الساطع الغامر، يبدد ظلمة الليل، ويحيل وحشته أنسا- يصبح بعد هذا كله دقيقا نحيلا محدودبا لا تكاد العين تنتبه إليه، وكأنما هو في السماء كوكب تائه، لا أهمية له، ولا عناية بأمره، أو لا ترى في كلمة العرجون ووصفهما بالقديم ما يصور لك هيئة الهلال في آخر الشهر، ويحمل إلى نفسك ضآلة أمره معا. وقوله تعالى يصف نيران يوم القيامة: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33)، فالقصر وهو الشجر الضخم، والجمال الصفر توحى إلى النفس بالضخامة والرهبة معا، وصور لنفسك شررا في مثل هذا الحجم من الضخامة يطير.
ويرمى أحيانا إلى اشتراك الطرفين في صفة محسوسة، ولكن للنفس كذلك نصيبها فى اختيار المشبه به الذى له تلك الصفة، وحسبى أن أورد هنا آيات ثلاث تتبين فيها هذا الذى أشرنا إليه. فالقرآن قد شبه نساء الجنة، فقال: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (الرحمن 56 - 58). وقال: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (الصافات 48). وقال: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (الواقعة 22، 23).
فليس في الياقوت والمرجان واللؤلؤ المكنون لون فحسب، وإنما هو لون صاف حىّ فيه نقاء وهدوء، وهى أحجار كريمة تصان ويحرص عليها، وللنساء نصيبهن من الصيانة والحرص، وهن يتخذن من تلك الحجارة زينتهن، فقربت بذلك الصلة واشتد الارتباط، أما الصلة التى تربطهن بالبيض المكنون، فضلا عن نقاء اللون، فهى هذا الرفق والحذر الذى يجب أن يعامل به كلاهما، أو لا ترى في هذا الكون أيضا صلة تجمع بينهما، وهكذا لا تجد الحس وحده هو الرابط والجامع، ولكن للنفس نصيب أى نصيب.
وحينا يجمع بين الطرفين المحسوسين معنى من المعانى لا يدرك بإحدى الحواس، وقلّ ذلك في القرآن الكريم الذى يعتمد في التأثير أكثر اعتماد على حاسة البصر، ومن القليل قوله سبحانه: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (الأعراف 179).
وصفة ضلال الأنعام من أبرز الصفات وأوضحها لدى النفس. وكثر في القرآن إيضاح الأمور المعنوية بالصور المرئية المحسوسة، تلقى عليها أشعة الضوء تغمرها فتصبح شديدة الأثر، وها هو ذا يمثل وهن ما اعتمد عليه المشركون من عبادتهم غير الله وهنا لن يفيدهم فائدة ما، فهم يعبدون ويبذلون جهدا يظنونه مثمرا وهو لا يجدى، فوجد في العنكبوت ذلك الحيوان الذى يتعب نفسه في البناء، ويبذل جهده في التنظيم، وهو لا يبنى سوى أوهن البيوت وأضعفها، فقرن تلك الصورة المحسوسة إلى الأمر المعنوى، فزادته وضوحا وتأثيرا قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت 41).
وها هو ذا يريد أن يحدثنا عن أعمال الكفرة، وأنها لا غناء فيها، ولا ثمرة ترجى منها، فهى كعدمها فوجد في الرماد الدقيق، لا تبقى عليه الريح العاصفة، صورة تبين ذلك المعنى أتم بيان وأوفاه، فقال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (إبراهيم 18).
وليس في القرآن سوى هذين اللونين من التشبيه: تشبيه المحسوس بالمحسوس، وتشبيه المعقول بالمحسوس، أما قوله سبحانه: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (الصافات 64، 65). فالذى سمح بأن يكون المشبه به خياليّا، هو ما تراكم على الخيال بمرور الزمن من أوهام رسمت في النفس صورة رءوس الشياطين في هيئة بشعة مرعبة، وأخذت هذه الصورة يشتد رسوخها بمرور الزمن، ويقوى فعلها في النفس، حتى كأنها محسوسة ترى بالعين وتلمس باليد، فلما كانت هذه الصورة من القوة إلى هذا الحد ساغ وضعها في موضع التصوير والإيضاح، ولا نستطيع أن ننكر ما لهذه الصورة من تأثير بالغ في النفس، ومما جرى على نسق هذه الآية قوله تعالى: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ (النمل 10). ففي الخيال صورة قوية للجان، تمثله شديد الحركة لا يكاد يهدأ ولا يستقر.
والتشبيه في القرآن تعود فائدته إلى المشبه تصويرا له وتوضيحا، ولهذا كان المشبه به دائما أقوى من المشبه وأشد وضوحا، وهنا نقف عند قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النور 35). فقد يبدو للنظرة العجلى أن المشبه وهو نور الله أقوى من مصباح هذه المشكاة، ولكن نظرة إلى الآية الكريمة ترى أن النور المراد هنا هو النور الذى يغمر القلب، ويشرق على الضمير، فيهدى إلى سواء السبيل، أو لا ترى أن القلب ليس في حاجة إلى أكثر من هذا المصباح، يلقى عليه ضوءه، فيهتدى إلى الحق، وأقوم السبل، ثم ألا ترى في اختيار هذا التشبيه إيحاء بحالة القلب وقد لفه ظلام الشك، فهو متردد قلق خائف، ثم لا يلبث نور اليقين أن يشرق عليه، فيجد الراحة والأمن والاستقرار، فهو كسارى الليل يخبط فى الظلام على غير هدى، حتى إذا أوى إلى بيته فوجد هذا المصباح في المشكاة، وجد الأمن سبيله إلى قلبه، واستقرت الطمأنينة في نفسه، وشعر بالسرور يغمر فؤاده.
وإذا تأملت الآية الكريمة رأيتها قد مضت تصف ضوء هذا المصباح وتتأنق في وصفه، بما يصور لك قوته وصفاءه، فهذا المصباح له زجاجة تكسب ضوءه قوة، تجعله يتلألأ كأنه كوكب له بريق الدر ولمعانه، أما زيت هذا المصباح فمن شجرة مباركة قد أخذت من الشمس بأوفى نصيب، فصفا لذلك زيتها حتى ليكاد يضيء ولو لم تمسسه نار. ألا ترى أن هذا المصباح جدير أن يبدد ظلمة الليل، ومثله جدير أن يبدد ظلام الشك، ويمزق دجى الكفر والنفاق. وقد ظهر بما ذكرناه جمال هذا التشبيه ودقته وبراعته.
- 4 - أول ما يسترعى النظر من خصائص التشبيه في القرآن أنه يستمد عناصره من الطبيعة، وذلك هو سر خلوده، فهو باق ما بقيت هذه الطبيعة، وسر عمومه للناس جميعا، يؤثر فيهم لأنهم يدركون عناصره، ويرونها قريبة منهم، وبين أيديهم، فلا تجد في القرآن تشبيها مصنوعا يدرك جماله فرد دون آخر، ويتأثر به إنسان دون إنسان، فليس فيه هذه التشبيهات المحلية الضيقة مثل تشبيه ابن المعتز:
كأن آذريونها ... والشمس فيه كالية
مداهن من ذهب ... فيها بقايا غالية
مما لا يستطيع أن يفهمه على وجهه، ويعرف سر حسنه، إلا من كان يعيش في مثل حياة ابن المعتز، وله من أدوات الترف مثل أدواته.
تشبيهات القرآن تستمد عناصرها من الطبيعة، انظر إليه يجد في السراب وهو ظاهرة طبيعية يراها الناس جميعا، فيغرهم مرآها، ويمضون إلى السراب يظنونه ماء، فيسعون إليه، يريدون أن يطفئوا حرارة ظمئهم، ولكنهم لا يلبثون أن تملأ الخيبة قلوبهم، حينما يصلون إليه بعد جهد جهيد، فلا يجدون شيئا مما كانوا يؤمّلون، إنه يجد في هذا السراب صورة قوية توضح أعمال الكفرة، تظن مجدية نافعة، وما هى بشيء، فيقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور 39).
ويجد في الحجارة تنبو على الجسو ولا تلين، ويشعر عندها المرء بالنبو والجسوة، يجد فيها المثال الملموس لقسوة القلوب، وبعدها عن أن تلين لجلال الحق، وقوة منطق الصدق، فيقول: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (البقرة 74). أو لا ترى أن القسوة عند ما تخطر بالذهن، يخطر إلى جوارها الحجارة الجاسية القاسية.
ويجد في هذا الذى يعالج سكرات الموت، فتدور عينه حول عواده في نظرات شاردة تائهة، صورة تخطر بالذهن لدى رؤية هؤلاء الخائفين الفزعين من المضى إلى القتال وأخذهم بنصيب من أعباء الجهاد، فيقول: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (الأحزاب 18، 19).
ويجد في الزرع وقد نبت ضئيلا ضعيفا ثمّ لا يلبث ساقه أن يقوى، بما ينبت حوله من البراعم، فيشتد بها ساعده، ويغلظ، حتى يصبح بهجة الزارع وموضع إعجابه، يجد في ذلك صورة شديدة المجاورة لصورة أصحاب محمد، فقد بدءوا قلة ضعافا ثمّ أخذوا في الكثرة والنماء، حتى اشتد ساعدهم، وقوى عضدهم، وصاروا قوة تملأ قلب محمد بهجة، وقلب الكفار حقدا وغيظا فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (الفتح 29).
ويجد في أعجاز النخل المنقعر المقتلع عن مغرسه، وفي الهشيم الضعيف الذاوى صورة قريبة من صورة هؤلاء الصرعى، قد أرسلت عليهم ريح صرصر تنزعهم عن أماكنهم، فألقوا على الأرض مصرّعين هنا وهناك، فيقول: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر 19، 20). ويقول: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (القمر 31).
فأنت في هذا تراه يتخذ الطبيعة ميدانا يقتبس منها صور تشبيهاته، من نباتها وحيوانها وجمادها، فمما اتخذ مشبها به من نبات الأرض العرجون، وأعجاز النخل والعصف المأكول، والشجرة الطيبة، والشجرة الخبيثة، والحبة تنبت سبع سنابل، وهشيم المحتظر، والزرع الذى أخرج شطأه. ومما اتخذ مشبها به من حيوانها الإنسان في أحوال مختلفة والعنكبوت والحمار، والكلب، والفراش، والجراد، والجمال، والأنعام، ومما اتخذ مشبها به من جمادها العهن المنفوش، والصيب، والجبال، والحجارة، والرماد، والياقوت، والمرجان، والخشب، ومن ذلك ترى أن القرآن لا يعنى بنفاسة المشبه به، وإنما يعنى العناية كلها باقتراب الصورتين في النفس، وشدة وضوحها وتأثيرها.
هذا ولا يعكر على ما ذكرناه من استمداد القرآن عناصر التشبيه من الطبيعة، ما جاء فيه من تشبيه نور الله بمصباح وصفه بأنه في زجاجة كأنها كوكب درىّ؛ لأن هذا المصباح قد تغير وتحول، فإن المراد تشبيه نور الله بالمصباح القوى، والمصباح باق ما بقى الإنسان في حاجة إلى نور يبدد به ظلام الليل.
ومن خصائص التشبيه القرآنى، أنه ليس عنصرا إضافيّا في الجملة، ولكنه جزء أساسى لا يتم المعنى بدونه، وإذا سقط من الجملة انهار المعنى من أساسه، فعمله في الجملة أنه يعطى الفكرة في صورة واضحة مؤثرة، فهو لا يمضى إلى التشبيه كأنما هو عمل مقصود لذاته، ولكن التشبيه يأتى ضرورة في الجملة، يتطلبه المعنى ليصبح واضحا قويّا، وتأمل قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (البقرة 18). تجد فكرة عدم سماعهم الحق وأنهم لا ينطقون به، ولا ينظرون إلى الأدلة التى تهدى إليه، إنما نقلها إليك التشبيه في صورة قوية مؤثرة، كما تدرك شدة الفزع والرهبة التى ألمت بهؤلاء الذين دعوا إلى الجهاد، فلم يدفعهم إيمانهم إليه في رضاء وتسليم، بل ملأ الخوف نفوسهم من أن يكون الموت مصيرهم، وتدرك ذلك من قوله سبحانه: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (الأنفال 6). وتفهم اضطراب المرأة وقلقها، وعدم استقرارها على حال، حتى لتصبح حياتها مليئة بالتعب والعناء- من قوله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ (النساء 129).
وتفهم مدى حب المشركين لآلهتهم من قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة 165). وهكذا تجد للتشبيه مكانه في نقل الفكرة وتصويرها، وقل أن يأتى التشبيه في القرآن بعد أن تتضح الفكرة نوع وضوح كما فى قوله تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ (الأعراف 171). وإذا أنت تأملت أسلوب الآية الكريمة وجدت هذا التعبير أقوى من أن يقال: وإذ صار الجبل كأنه ظلة، لما فى كلمة «نتق» من تصوير انتزاع الجبل من الأرض تصويرا يوحى إلى النفس بالرهبة والفزع، ولما في كلمة «فوقهم» من زيادة هذا التصوير المفزع وتأكيده فى النفس، وذلك كله يمهد للتشبيه خير تمهيد، حتى إذا جاء مكن للصورة في النفس، ووطد من أركانها. ومع ذلك ليس التشبيه في الآية عملا إضافيا، بل فيه إتمام المعنى وإكماله، فهو يوحى بالإحاطة بهم، وشمولهم، والقرب منهم قرب الظلة من المستظل بها، وفي ذلك ما يوحى بخوف سقوطه عليهم.
ومن خصائص التشبيه القرآنى دقته، فهو يصف ويقيد حتى تصبح الصورة دقيقة واضحة أخاذة، وخذ مثلا لذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة 5).
فقد يتراءى أنه يكفى في التشبيه أن يقال: مثلهم كمثل الحمار الذى لا يعقل، ولكن الصورة تزداد قوة والتصاقا والتحاما، حين يقرن بين هؤلاء وقد حملوا التوراة، فلم ينتفعوا بما فيها، وبين الحمار يحمل أسفار العلم ولا يدرى مما ضمته شيئا، فتمام الصورتين يأتى من هذا القيد الذى جعل الصلة بينهما قوية وثيقة.
وقوله تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (المدثر 49 - 51). فربما بدا أنه يكفى في تصوير إعراضهم وصفهم بأنهم كالحمير، ولكنه في دقته لا يكتفى بذلك، فهو يريد أن يصور نفرتهم من الدعوة، وإسراعهم في إبعاد أنفسهم عنها، إسراعا يمضون فيه على غير هدى، فوصف الحمر بأنها مستنفرة تحمل نفسها على الهرب، وتحثها عليه، يزيد في هربها وفرارها أسد هصور يجرى خلفها، فهى تتفرق في كل مكان، وتجرى غير مهتدية فى جريها، أو لا ترى في صورة هذه الحمر وهى تجد في هربها لا تلوى على شىء، تبغى الفرار من أسد يجرى وراءها، ما ينقل إليك صورة هؤلاء القوم معرضين عن التذكرة، فارين أمام الدعوة لا يلوون على شىء، سائرين على غير هدى، ثم ألا تبعث فيك هذه الصورة الهزء بهم والسخرية.
ومن ذلك وصفه الخشب بأنها مُسَنَّدَةٌ فى قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (المنافقون 4). فهى ليست خشبا قائمة في أشجارها لما قد يكون لها من جمال في ذلك الوضع، وليست موضوعة فى جدار؛ لأنها حينئذ تؤدى عملا، وتشعر بمدى فائدتها، وليست متخذا منها أبواب ونوافذ، لما فيها من الحسن والزخرف والجمال، ولكنها خشب مسندة قد خلت من الجمال، وتوحى بالغفلة والاستسلام والبلاهة.
ولم يكتف في تشبيه الجبال يوم القيامة بالعهن، بل وصفها بالمنفوش، إذ قال: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). للدقة في تصوير هشاشة الجبال، كما لم يكتف في تشبيه الناس يخرجون يوم القيامة بأنهم كالجراد بل وصفه بالمنتشر، فقال: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (القمر 7). حتى يكون دقيقا فى تصوير هذه الجموع الحاشدة، خارجة من أجداثها منتشرة في كل مكان تملأ الأفق، ولا يتم هذا التصوير إلا بهذا الوصف الكاشف.
ومن خصائص التشبيه القرآنى المقدرة الفائقة في اختيار ألفاظه الدقيقة المصورة الموحية، تجد ذلك في تشبيه قرآنى، وحسبى أن أشير هنا إلى بعض أمثلة لهذا الاختيار.
نجد القرآن قد شبه بالجبال في موضعين، فقال: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). وقال: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (الشورى 32). ولكنك تراه قد آثر كلمة الجبال عند الموج، لما أنها توحى بالضخامة والجلال معا، أما عند وصف السفن فقد آثر كلمة الأعلام، جمع علم بمعنى جبل، وسر إيثارها هو أن الكلمة المشتركة بين عدة معان تتداعى هذه المعانى عند ذكر هذه الكلمة، ولما كان من معانى العلم الراية التى تستخدم للزينة والتجميل، كان ذكر الأعلام محضرا إلى النفس هذا المعنى، إلى جانب إحضارها صورة الجبال، وكان إثارة هذا الخاطر ملحوظا عند ذكر السفن الجارية فوق البحر، تزين سطحه، فكأنما أريد الإشارة إلى جلالها وجمالها معا، وفي كلمة الأعلام وفاء بتأدية هذا المعنى أدق وفاء.
وشبه القرآن الموج في موضعين، فقال: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). وقال: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (لقمان 32). وسر هذا التنويع أن الهدف في الآية الأولى يرمى إلى تصوير الموج عاليا ضخما، مما تستطيع كلمة الجبال أن توحى به إلى النفس، أما الآية الثانية فتصف قوما يذكرون الله عند الشدة، وينسونه لدى الرخاء، ويصف موقفا من مواقفهم كانوا فيه خائفين مرتاعين، يركبون سفينة تتقاذفها الأمواج، ألا ترى أن الموج يكون أشد إرهابا وأقوى تخويفا إذا هو ارتفع حتى ظلل الرءوس، هنالك يملأ الخوف القلوب، وتذهل الرهبة النفوس، وتبلغ القلوب الحناجر، وفي تلك اللحظة يدعون الله مخلصين له الدين، فلما كان المقام مقام رهبة وخوف، كان وصف الموج بأنه كالظلل أدق في تصوير هذا المقام وأصدق.
وعلى طريقة إيثار كلمة الأعلام على الجبال التى تحدثنا عنها، آثر كلمة القصر على الشجر الضخم؛ لأن الاشتراك في هذه الكلمة بين هذا المعنى، ومعنى البيت الضخم يثير المعنيين في النفس معا فتزيد الفكرة عن ضخامة الشرر رسوخا في النفس.
وآثر القرآن كلمة بُنْيانٌ فى قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف 4). لما تثيره في النفس من معنى الالتحام والاتصال والاجتماع القوى، وغير ذلك من معان ترتبط بما ذكرناه، مما لا يثار فى النفس عند كلمة حائط أو جدار مثلا.
واختار القرآن كلمة «لباس»، فى قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (البقرة 187). لما توحى به تلك الكلمة من شدة الاحتياج، كاحتياج المرء للباس، يكون مصدر راحة، وعنوان زينة معا.
ومن مميزات التشبيه القرآنى أيضا أن المشبه قد يكون واحدا ويشبه بأمرين أو أكثر، لمحا لصلة تربط بين هذا الأمر وما يشبهه، تثبيتا للفكرة في النفس.
أو لمحا لها من عدة زوايا، ومن ذلك مثلا تصوير حيرة المنافقين واضطراب أمرهم، فإن هذه الحيرة يشتد تصورها لدى النفس، إذا هى استحضرت صورة هذا السارى قد أوقد نارا تضيء طريقه، فعرف أين يمشى ثمّ لم يلبث أن ذهب الضوء، وشمل المكان ظلام دامس، لا يدرى السائر فيه أين يضع قدمه، ولا كيف يأخذ سبيله، فهو يتخبط ولا يمشى خطوة حتى يرتد خطوات. أو إذا استحضرت صورة هذا السائر تحت صيّب من المطر قد صحبه ظلمات ورعد وبرق، أما الرعد فمتناه فى الشدة إلى درجة أنه يود اتقاءه بوضع أصابعه إذا استطاع في أذنه، وأما البرق فيكاد يخطف البصر، وأما الظلمات المتراكمة فتحول بين السائر وبين الاهتداء إلى سواء السبيل. وتجد تعدّد هذا التشبيه في قوله سبحانه: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ... أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ .... (البقرة 17 - 19).
ومن النظر إلى الفكرة من عدّة زوايا، أنه حينا ينظر إلى أعمال الكافرين من ناحية أنها لا أثر لها ولا نتيجة، فيرد إلى الذهن حينئذ هذا الرماد الدقيق لا يقوى على البقاء أمام ريح شديدة لا تهدأ حتى تبدأ؛ لأنها في يوم عاصف، ألا ترى هذه الريح كفيلة بتبديد ذرّات هذا الغبار شذر مذر، وأنها لا تبقى عليه ولا تذر، وكذلك أعمال الكافرين، لا تلبث أن تهب عليها ريح الكفر، حتى تبددها ولا تبقى عليها، وللتعبير عن ذلك جاء قوله سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي
يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ
(إبراهيم 18).
وحينا ينظر إليها من ناحية أنها تغر أصحابها فيظنونها نافعة لهم، مجدية عليهم، حتى إذا جاءوا يوم القيامة لم يجدوا شيئا، ألا ترى في السراب هذا الأمل المطمع، ذا النهاية المؤيسة، ولأداء هذا المعنى قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور 39). وحينا ينظر إليها من ناحية ما يلم بصاحبها من اضطراب وفزع، عند ما يجد آماله في أعماله قد انهارت، ألا تظلم الدنيا أمام عينيه ويتزلزل كيانه كهذا الذى اكتنفه الظلام في بحر قد تلاطمت أمواجه، وأطبقت ظلمة السحاب على ظلمة الأمواج، ألا يشعر هذا الرجل بمصيره اليائس، وهلاكه المحتوم، ألا يصور لك ذلك صورة هؤلاء الكفار عند ما يجيئون إلى أعمالهم، فلا يجدون لها ثوابا ولا نفعا، ولتصوير ذلك جاء قوله سبحانه: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (النور 40).
- 5 - ويهدف التشبيه في القرآن إلى ما يهدف إليه كلّ فنّ بلاغىّ فيه، من التأثير في العاطفة، فترغب أو ترهب، ومن أجل هذا كان للمنافقين والكافرين والمشركين نصيب وافر من التشبيه الذى يزيد نفسيتهم وضوحا، ويصور وقع الدعوة على قلوبهم، وما كانوا يقابلون به تلك الدعوة من النفور والإعراض.
يصور لنا حالهم وقد استمعوا إلى دعوة الداعى، فلم تثر فيهم تلك الدعوة رغبة فى التفكير فيها، لمعرفة ما قد تنطوى عليه من صدق، وما قد يكون فيها من صواب، بل يحول بينهم وبين ذلك الكبر والأنفة، وما أشبههم حينئذ بالرجل لم يسمع عن الدعوة شيئا، ولم يطرق أذنه عنها نبأ، بل ما أشبههم بمن في أذنه صمم، فهو لا يسمع شيئا مما يدور حوله، وبمن أصيب بالبكم، فهو لا ينطق بصواب اهتدى إليه، وبمن أصيب بالعمى، فهو لا يرى الحق الواضح، وبذلك شبههم القرآن، فقال: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (الجاثية 7، 8)، وقال: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (البقرة 171).
أما ما يشعرون به عند ما يسمعون دعوة الحق فضيق يملأ صدورهم، ويئودهم حمله، كهذا الضيق الذى يشعر به المصعد في جبل، فهو يجر نفسه ويلهث من التعب والعناء، وهكذا صور الله ضيق صدورهم بقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (الأنعام 125).
وما دام هؤلاء القوم لا يستخدمون عقولهم فيما خلقت له، ولم تصغ آذانهم إصغاء من يسمع ليتدبر، فقد وجد القرآن في الأنعام شبيها لهم يقرنهم بها، ويعقد بينهم وبينها وثيق الصلات، فقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (الأعراف 179). وأنت ترى في هذا التشبيه كيف مهد له التمهيد الصالح، فجعل لهم قلوبا لا يفقهون بها، وأعينا لا يبصرون بها، وآذانا لا يسمعون بها، ألا ترى نفسك بعدئذ مسوقا إلى إنزالهم منزلة البهائم، فإذا ورد هذا التشبيه عليك، وجد في قلبك مكانا، ولم تجد فيه بعدا ولا غرابة، بل ينزل بهم حينا عن درجة الأنعام، فيراهم خشبا مسندة.
وحينا يريد أن يصورهم، وقد جدوا في الهرب والنفرة من تلك الدعوة الجديدة، فيقول: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (المدثر 49 - 51). وقد تحدثنا عن هذا التشبيه فيما مضى.
أما هذا الذى آمن ثمّ كفر، وانسلخ عن الإيمان واتبع هواه، فقد عاش مثال الذلة والهوان، وقد وجد القرآن في الكلب شبها يبين عن خسته وحقارته، ومما يزيد في الصلة بين الاثنين أن هذا المنسلخ يظل غير مطمئن القلب، مزعزع العقيدة، مضطرب الفؤاد، سواء أدعوته إلى الإيمان، أم أهملت أمره، كالكلب يظل لاهثا، طردته وزجرته، أم تركته وأهملته، قال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف 175، 176).
ولم ينس القرآن تصوير حيرتهم، واضطراب نفسيتهم، ولمح في اضطرابهم صلة بينهم وبين من استوقد نارا، ثم ذهب الله بنوره وبين السائر تحت صيّب منهمر، فيه ظلمات ورعد وبرق.
وصوّر وهن ما يعتمد عليه من يتخذ من دون الله أولياء بوهن بيت العنكبوت، وحين أراد أن يتحدث عن أن هؤلاء الأولياء لن يستفيد منهم عابدوهم بشيء، رأى في هذا الذى يبسط كفه إلى الماء، يريد وهو على تلك الحال أن ينقل الماء إلى فيه، وما هو ببالغه، شبيها لهم فقال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (الرعد 14).
وتعرض لأعمال الكفرة كما سبق أن ذكرنا، ولصدقاتهم التى كان جديرا بها أن تثمر وتزهر، ويفيدوا منها لولا أن هبت عليها ريح الشرك فأبادتها، كما تهب الريح الشديدة البرد بزرع كان ينتظر إثماره فأهلكته: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (آل عمران 117).
وهناك طائفة من التشبيهات ترتبط بيوم القيامة، لجأ إليها القرآن للتصوير والتأثير معا، فإذا أراد القرآن أن يبين قدرة الله على أن يأتى بذلك اليوم، بأسرع مما يتصور المتصورون لجأ إلى أسرع ما يراه الرائى، فاتخذه مثلا يؤدى إلى الهدف المراد، فيقول: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النحل 77).
ويقرب أمر البعث إلى الأذهان بتوجيه النظر إلى بدء الإنسان، وأن هذا البعث صورة من هذا البدء، فيقول: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (الأعراف 29). وبتوجيه النظر إلى هذا السحاب الثّقال يسوقه الله لبلد ميت، حتى إذا نزل ماؤه دبت الحياة في أوصال الأرض، فخرج الثمر منها يانعا، وهكذا يخلق الله الحياة في الموتى، قال سبحانه:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأعراف 57).
وإذا جاء يوم القيامة استيقظ الناس لا يشعرون بأنه قد مضى عليهم حين من الدهر طويل منذ فارقوا حياتهم، ويورد القرآن من التشبيه ما يصور هذه الحالة النفسية، فيقول: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (يونس 45). وإذا نظرت إلى قوة التشبيه مقترنة بقوله: يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ أدركت مدى ما يستطيع أن يحدثه في النفس من أثر. وقد كرر هذا المعنى في موضع آخر يريد أن يثبته في النفس ويؤكده فقال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (النازعات 42 - 46).
ها هم أولاء قد بعثوا، خارجين من أجداثهم في كثرة لا تدرك العين مداها، وماذا يستطيع أن يرسم لك تلك الصورة، تدل على الغزارة والحركة والانبعاث، أفضل من هذا التشبيه الذى أورده القرآن حين قال: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (القمر 7، 8).
وحينا يصوّرهم ضعافا يتهافتون مسرعين إلى الداعى كى يحاسبهم، فيجد في الفراش صورتهم، فيقول: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (القارعة 1 - 4). ولا أخال أحدا لم ير الفراش يسرع إلى الضوء، ويتهافت عليه في ضعف وإلحاف معا، ولقد تناول القرآن إسراعهم مرة أخرى، فشبههم بهؤلاء الذين كانوا يسرعون في خطوهم، ليعبدوا أنصابا مقامة، وتماثيل منحوتة، كانوا متحمسين في عبادتها، يقبلون عليها في رغبة واشتياق، فيقول: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (المعارج 43).
ويتناول المجرمين، فيصوّر ما سوف يجدونه يومئذ من ذلة وخزى، ويرسم وجوههم، وقد علتها الكآبة: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (يونس 27). أما طعامهم فمن شجرة الزقوم، يتناولونها فيحسون بنيران تحرق أمعاءهم فكأنما طعموا نحاسا ذائبا أو زيتا ملتهبا، وإذا ما اشتد بهم الظمأ واستغاثوا قدمت إليهم مياه كهذا النحاس والزيت تشوى وجوههم، قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (الدخان 43 - 46). وقال سبحانه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (الكهف 29). ألا ترى التشبيه يثير في النفس خوفا وانزعاجا.
ويصور آكل الربا يوم القيامة صورة منفرة منه، مزرية به، فهل رأيت ذلك الذى أصابه مس من الشيطان، فهو لا ينهض واقفا حتى يسقط، ولا يقوم إلّا ليقع، ذلك مثل آكل الربا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا (البقرة 275).
ولعب التشبيه دورا في تصوير يوم القيامة، وما فيه من الجنة والنار، ففي ذلك الحين، تفقد الجبال تماسكها، وتكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). وتفقد السماء نظام جاذبيتها، فتنشق، ويصبح الجوّ ذا لون أحمر كالورد: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (الرحمن 37). وأما جهنم فضخامتها وقوة لهبها مما لا يستطيع العقل تصوره، ومما لا يمكن أن تقاس إليها تلك النيران التى نشاهدها في حياتنا، وحسبك أن تعلم أن شررها ليس كهذا الشرر الذى يشبه الهباءة اليسيرة، وإنما هو شرر ضخم ضخامة غير معهودة، وهنا يسعف التشبيه، فيمد الخيال بالصورة، حين يجعل لك هذا الشرر كأنه أشجار ضخمة تتهاوى، أو جمال صفر تتساقط: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33). وأما الجنة ففي سعة لا يدرك العقل مداها، ولا يستطيع التعبير أن يحدها، أو يعرف منتهاها، ويأتى التشبيه ممدا في الخيال، كى يسبح ما يشاء أن يسبح، فيقول: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (الحديد 21).
وهكذا ترى التشبيه يعمل على تمثيل الغائب حتى يصبح حاضرا، وتقريب البعيد النائى حتى يصير قريبا دانيا. ولجأ القرآن إلى التشبيه يصور به فناء هذا العالم الذى نراه مزدهرا أمامنا، عامرا بألوان الجمال، فيخيل إلينا استمراره وخلوده، فيجد القرآن في الزرع يرتوى من الماء فيصبح بهيجا نضرا، يعجب رائيه، ولكنه لا يلبث أن يذبل ويصفر، ويصبح هشيما تذروه الرياح- يجد القرآن في ذلك شبها لهذه الحياة الدنيا، ولقد أوجز القرآن مرة في هذا التشبيه وأطنب، ليستقر معناه في النفس، ويحدث أثره في القلب، فقال مرة: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (الكهف 45). وقال مرة أخرى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً
(الحديد 20). وقال مرة ثالثة: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس 24).
ولما كان للمال أثره في الحياة الاجتماعية، لعب التشبيه دوره في التأثير في النفس، كى تسمح ببذله في سبيل تخفيف أعباء المجتمع، فقرر مضاعفة الثواب على ما يبذل في هذه الناحية، فقال في موضع: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 265). فلهذا التشبيه أثره في دفع النفس إلى بذل المال راضية مغتبطة، كما يغتبط من له جنة قد استقرت على مرتفع من الأرض، ترتوى بما هى فى حاجة إليه من ماء المطر، وتترك ما زاد عن حاجتها، فلا يظل بها حتى يتلفها، كما يستقر في المنخفضات، فجاءت الجنة بثمرها مضاعفا، وفي مرة أخرى رأى مضاعفة جزاء الحسنة كمضاعفة الثمرة، لهذا الذى يبذر حبة قمح، فتخرج عودا يحمل سبع سنابل، فى كل سنبلة مائة حبة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 261).
وحاط القرآن هذه المضاعفة بشرط ألا يكون الإنفاق عن رياء، وهنا نقف أمام هذا التشبيه القرآنى الذى سيق تصويرا لمن يتصدق لا عن باعث نفسى، نتبين إيحاءاته، ونتلمس وجه اختياره، إذ يقول سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (البقرة 264). أرأيت هذا الحجر الصلد قد غطته قشرة رقيقة من التراب فخاله الرائى صالحا للزرع والإنبات، ولكن وابل المطر لم يلبث أن أزال هذه القشرة فبدا الحجر على حقيقته، صلدا لا يستطيع أحد أن يجد فيه موضع خصب، ولا تربة صالحة للزراعة، ألا ترى في اختيار كلمة الصفوان هنا ما يمثل لك هذا القلب الخالى من الشعور الإنسانى النبيل، والعطف على أبناء جنسه عطفا ينبع من شعور حى صادق، ولكن الصدقة تغطيه بثوب رقيق حتى يخاله الرائى، قلبا ينبض بحب الإنسانية، ويبنى عليه كبار الآمال فيما سوف يقدمه للمجتمع من خير، ولكن الرياء والمن والأذى لا تلبث أن تزيل هذا الغشاء الرقيق، فيظهر القلب على حقيقته قاسيا صلبا لا يلين.
- 6 - وتأتى الكاف في القرآن أحيانا لا لهذا التشبيه الفنى الخالص، بل لإيقاع التساوى بين أمرين، ومن أمثلة هذا الباب قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (التوبة 68، 69). وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا (المزمل 15، 16). فهو يعقد موازنة بينهم وبين من سبقهم، ويبين لهم الوجوه التى يتفقون فيها معهم، ولا ينسى أن يذكر ما أصاب سابقيهم، وإلى هنا يقف، تاركا لهم أن يصلوا بأنفسهم إلى ما ينتظرهم من العواقب، وإنها لطريقة مؤثرة في النفس حقّا، أن تضع لها شبيها، وتتركها تصل بنفسها إلى النتيجة في سكينة وهدوء، لا أن تقذف بها في وجهها، فربما تتمرد وتثور.
ومن كاف التساوى أيضا قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (النساء 163). وقد يلمح في ذلك الرغبة في إزالة الغرابة عن نفوس السامعين، واستبعادهم نزول الوحى على الرسول، فالقرآن يقرنه بمن لا يشكّون فى رسالته، ليأنسوا بدعوة النبى، وقد يكون في هذا التساوى مثار للتهكم، كما فى قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ (الأنعام 94). أو مثار للاستنكار، كما في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ (العنكبوت 10). فسر الاستنكار كما ترى هو تسوية عذاب الناس بعذاب الله. وقد تأتى الكاف وسيلة للإيضاح، وتقوم هى وما بعدها مقام المثال للقاعدة، وغير خاف ما للمثل يضرب من التأثير والإقناع، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (آل عمران 10، 11)، فجاء بآل فرعون مثالا لأولئك الذين لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، ومن كاف الإيضاح قوله سبحانه: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ، وقوله: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي.

الإله

الإله
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الإله) : الهمزة واللام والهاء، وقد جاء في معاجم اللغة من هذه المادة ما يأتي بيانه فيما يلي: (1)
[ألهتُ إلى فلان] : سكنت إليه
[ألهَ الرجل يأله] إذا فرغ من أمرٍ نزل به فألهه أي أجاره
[ألِه الرجلُ إلى الرجل] : اتجه إليه لشدة شوقه إليه.
[اله الفصيل] إذا ولع بأمّه
[أله الإهة والُوهَة] عبد.
وقيل (الإله) مشتق من (لاه يليه ليهاً] : أي احتجب ويتبين من التأمل في هذه المعاني المناسبة التي جعلت "اله ياله إلهة" تستعمل بمعنى العبادة – (أي التأله) – (الاله) بمعنى المعبود:
1- أن أول ما ينشأ في ذهن الإنسان من الحافز على العبادة والتأله يكون ما أتاه احتياج المرء وافتقاره. وما كان الإنسان ليخطر بباله أن يعبد أحداً ما لم يظن فيه أنه قادر على أن يسد خلته، وأن ينصره على النوائب ويؤويه عند الآفات، وعلى أن يسكن من روعه في حال القلق والاضطراب.
2- وكذلك أن اعتقاد المرء أن أحداً ما قاض للحاجات ومجيب للدعوات، لستلزم أن يعده أعلى منه منزلة وأسمى مكانة، وألا يعترف بعلوه في المنزلة فحسب، بل أن يعترف كذلك بعلوه وغلبته في القوة والأيد.
3- ومن الحق كذلك أن ما تقضى به حاجات المرء غالباً حسب قانون الأسباب والمسببات في هذه الدنيا، ويقع جل عمله في قضاء الحاجات تحت سمع المرء وبصره، وفي حدود لا تخرج من دائرة علمه، لا ينشئ في نفس المرء شيئاً من النزوع إلى عبادته أبداً، خذ لذلك مثلاً أن رجلاً يحتاج إلى مال ينفقه في بعض حاجته، فيأتي رجلاً آخر يطلب منه عملاً أو وظيفة فيجيبه الرجل إلى طلبه ويقلده عملاً، ثم يأجره على عمله، فإن الرجل لا يخطر له ببال أصلاً – فضلاً عن أن يعتقد – أن الرجل يستحق العبادة من قبله، لما علم بل رأى بأمّ عينه كل المنهاج الذي بلغ به غايته وعرف الطريقة التي اتخذها الرجل لقضاء حاجته. فإن تصور العبادة لا يمكن أن يخطر ببال المرء إلا إذا كان شخص المعبود وقوّته من وراء حجاب الغيب، وكانت مقدرته على قضاء الحوائج تحت أستار الخفاء. من ها هنا قد اختيرت للمعبود كلمة تتضمن معاني الاحتجاب والحيرة والوله مع اشتمالها على معنى الرفعة والعلوّ.
4- ورابع الأربعة أنه من الأمور الطبيعية التي لا مندوحة عنها أن يتجه الإنسان في شوق وولع إلى من يظن فيه أنه قادر على أن يقضي حاجته إذا احتاج، وعلى أن يؤويه إذا نابته النوائب، ويهدئ أعصابه عند القلق. فتبين من ذلك كله أن التصورات التي قد أطلقت من أجلها كلمة (الإله) على المعبود هي: قضاء الحاجة والإجارة والتهدئة والتعالي والهيمنة وتملك القوى التي يرجى بها أن يكون المعبود قاضياً للحاجات مجيراً في النوازل وأن يكون متوارياً عن الأنظار يكاد يكون سراً من الأسرار لا يدركه الناس، وأن يفزع إليه الإنسان ويولع به.


تصور الإله عند أهل الجاهلية:
ويجمل بنا بعد هذا البحث اللغوي أن ننظر ماذا كانت تصورّات العرب والأمم القديمة في باب الألوهية التي جاء القرآن بإبطالها.
يقول سبحانه وتعالى
1- (واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً) (مريم:81)
(واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم يُنصرون) (يس: 74)
يتبين من هاتين الآيتين الكريمتين أن الذين كان يحسبهم أهل الجاهلية آلهة لأنفسهم كانوا يظنون بهم أنهم أولياؤهم وحماتهم في النوائب والشدائد وأنهم يكونون بمأمن من الخوف والنقض إذا احتموا بجوارهم.
2- (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لمّا جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب) (هود: 101)
(والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون. أمواتٌ غير أحياءٍ وما يشعرون أيّان يبعثون. إلهكم إلهٌ واحدٌ) (النحل: 20-22)
(ولا تدع مع الله إلهاً آخر، لا إله إلا هو (1)) (القصص: 88)
(وما يتّبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) (يونس: 66) وتتجلى من هذه الآيات بضعة أمور، أحدها أن الذين كان أهل الجاهلية يتخذونهم آلهة لهم كانوا يدعونهم عند الشدائد ويستغيثون بهم؛ والثاني: أن آلهتهم أولئك لم يكونوا من الجن أو الملائكة أو الأصنام فحسب بل كانوا كذلك أفراداً من البشر قد ماتوا من قبل، كما يدل عليه قوله تعالى: "أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيان يُبعثون" دلالة واضحة والثالث: أنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم هذه يسمعون دعاءهم ويقدرون على نصرهم.
ولابد للقارئ في هذا المقام من أن يكون على ذكر من مفهوم الدعاء، ومن وضعية النصرة التي يرجوها الإنسان من الإله فالمرء إذا كان أصابه العطش مثلاً فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء أو إذا أصيب بمرض فدعا الطبيب لمداواته، ولا يصحّ أن يطلق على طلب الرجل للخادم أو للطبيب حكم "الدعاء" وكذلك ليس من معناه أن الرجل قد اتخذ الخادم أو الطبيب إلهاً له. وذلك أن كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب ولا يخرج عن دائرة حكمه. ولكنه إذا استغاث بولي أو وثن – وقد أجهده العطش أو المرض- بدلاً من أن يدعو الخادم أو الطبيب، فلا شك أنه دعاه لتفريج الكربة واتخذه إلهاً. فإنه دعا ولياً قد ثوى في قبر يبعد عنه بمئات من الأميال، فكأني له يراه سميعاً بصيراً ويزعم أن له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب مما يجعله قادراً على ان يقوم بإبلاغه الماء أو شفائه من المرض، وكذلك إذا دعا وثناً في مثل هذه الحال يلتمس منه الماء أو الشفاء، فكأنه يعتقد أن الوثن حكمه نافذ على الماء أو الصحة أو المرض، مما يقدر به أن يتصرف في الأسباب لقضاء حاجته تصرفاً غيبياً خارجاً عن قوانين الطبيعة. وصفوة القول أن التصور الذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة. 3- (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرَّفنا الآيات لعلهم يرجعون. فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهةً بل ضلّوا عنهم وذلك إفكُهم وما كانوا يفترون) (الأحقاف: 27-28)
(ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضرٍّ لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) (يس: 22-23)
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون) (الزمر: 3)
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) فيتجلى من هذه الآيات الكريمة أمور عديدة منها أن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن الألوهية قد توزعت فيما بينهم، فليس فوقهم إله قاهر، بل كان لديهم تصور واضح لإله قاهر كانوا يعبرون عنه بكلمة (الله) في لغتهم. وكانت عقيدتهم الحقيقة في شأن سائر الآلهة أن لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في ألوهية ذلك الإله الأعلى، وأن كلمتهم تُتَلقى عنده بالقبول وأنه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم ونستدر النفع ونتجنب المضار باستشفاعهم. ولمثل هذه الظنون كانوا يتخذونهم أيضاً آلهة مع الله تعالى. ومن هنا يتبين أن الإنسان عن اتخذ أحداً شافعاً له عند الله ثم أصبح يدعوه ويستعين به ويقوم بآداب التبجيل والتعظيم ويقدم له القربات والنذور، فكل ذلك على ما اصطلح عليه أهل الجاهلية اتخاذه إياه إلهاً. (1)
4- (وقال الله: لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحدٌ فإياي فارهبون) (النحل: 51)
(ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً) (الأنعام: 80)
(إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) (هود: 54) ويتضح من هذه الآيات الحكيمة، أن أهل الجاهلية كانوا يخافون من قبل آلهتهم أنهم إن أسخطوا آلهتهم على أنفسهم لسبب من الأسباب أو حرموا عنايتهم بهم وعطفهم عليهم نابتهم نوائب المرض والقحط والنقص في الأنفس والأموال ونزلت بهم نوازل أخرى.
5- (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو) (التوبة: 31)
(أرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلا) (الفرقان: 43)
(وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) (الأنعام: 137)
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وفي الآيات يقف المتأمل على معنى آخر لكلمة (الإله) يختلف كل الاختلاف عن كل ما تقدم ذكره من معانيها، فليس ههنا شيء من تصور السلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة، فالذي اتّخذ إلهاً هو إما واحد من البشر أو نفس الإنسان نفسه، ولم يتخذ ذلك إلهاً من حيث أن الناس يدعونه أو يعتقدون فيه أنه يضرهم وينفعهم، أو أنه يستجار به، بل قد اتخذوه إلهاً من حيث تلقوا أمره شرعاً لهم، وائتمروا بأمره وانتهوا عما نهى عنه، واتبعوه فيما حلله وحرمه، وزعموا ان له الحق في أن يأمر وينهى بنفسه، وليس فوقه سلطة قاهرة يحتاج إلى الرجوع والاستناد إليها. فالآية الأولى تبين لنا كيف اتخذت اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً وآلهة من دون الله، كما بين ذلك الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام الترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه "أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقه صليب من ذهب وهو يقرأ هذه الآية، قال، فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم".
وأما الآية الثانية فمعناها واضح كل الوضوح، وذلك أن من يتبع هوى النفس ويرى أمره فوق كل أمر فقد اتخذ نفسه إلهاً له في واقع الأمر. أما الآيتان التاليتان بعدهما فإنه وإن وردت فيهما كلمة (الشركاء) مكان (الإله) ، فالمراد بالشرك هو الإشراك بالله تعالى في الألوهية. ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على أن الذين يرون أن ما وضعه رجل أو طائفة من الناس من قانون أو شرعة أو رسم هو قانون شرعي من غير أن يستند إلى أمر من الله تعالى، فهم يشركون ذلك الشارع بالله تعالى في الألوهية.
ملاك الأمر في باب الألوهية
إن جميع ما تقدم ذكره من المعاني المختلفة لكلمة (الإله) يوجد فيما بينها ارتباط منطقــي لا يخفى على المتأمل المستبصر. فالذي يتخذ كائناً ما ولياً له ونصيراً وكاشفاً عنه السوء، وقاضياً لحاجته ومستجيباً لدعائه وقادراً على أن ينفعه ويضره، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية، يكون السبب لاعتقاده ذلك ظنه فيه أن له نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم. وكذلك من يخاف أحداً ويتقيه ويرى أن سخطه يجر عليه الضرر ومرضاته تجلب له المنفعة، لا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلا ما يكون في ذهنه من تصور أن له نوعاً من السلطة على هذا الكون. ثم أن الذي يدعو غير الله ويفزع إليه في حاجاته بعد إيمانه بالله العلي الأعلى، فلا يبعثه على ذلك إلا اعتقاده فيه أن له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الألوهية. وعلى غرار ذلك من يتخذ حكم أحد من دون الله قانوناً ويتلقى أوامره ونواهيه شريعة متبعة فإنه أيضاً يعترف بسلطته القاهرة. فخلاصة القول أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها الناس من حيث أن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث أن الإنسان في حياته الدنيا مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وأن أمرها في حد ذاته واجب الطاعة والإذعان.
استدلال القرآن وهذا هو تصور السلطة الذي يجعله القرآن الكريم أساساً يأتي به من البراهين والحجج على إنكار ألوهية غير الله، وإثبات الألوهية لله تعالى وحده. فالذي يستدل به القرآن في هذا الشأن هو انه لا يملك جميع السلطات والصلاحيات في السماوات والأرض إلا الله. فالخلق مختص به، والنعمة كلها بيده، والمر له وحده، والقوة والحول في قبضته، وكل ما في السماوات والأرض قانت له ومطيع لأمره طوعاً وكرهاً، ولا سلطة لأحد سواه ولا ينفذ فيها الحكم لأحد غيره، وما من أحد دونه يعرف أسرار الخلق والنظم والتدبير، أو يشاركه في صلاحيات حكمه. ومن ثم لا إله في حقيقة الأمر إلا هو، وإذ لم يكن في الحقيقة إله آخر من دون الله، فكل ما تأتونه من الأفعال معتقدين غيره إلهاً باطل من أساسه، سواء أكان ذلك دعاءكم إياه واستجارتكم له أم كان خوفكم إياه ورجاءكم منه، أم كان اتخاذكم إياه شافعاً لدى الله، أم كان إطاعتكم له وامتثالكم لأمره؛ فإن هذه الأواصر والعلاقات التي قد عقدتموها مع غير الله، يجب أن تكون مختصة بالله سبحانه لأنه هو الذي يملك السلطة دون غيره.
وأما الأسلوب الذي يستدل به القرآن الكريم في هذا الباب، فدونك بيانه في كلامه البليغ المعجز:
(وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم) (الزخرف: 84)
(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخْلَقون) (إلهكم إلهٌ واحدٌ) (النحل: 17، 20، 22)
(يا أيُّها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو، فأنى تؤفكون) (فاطر: 3)
(قل أرأيتم عن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلهٌ غير الله يأتيكم به) (الأنعام: 46) (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحُكم وإليه ترجعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياءٍ أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه أفلا تبصرون) (القصص: 7-72)
(قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) (سبأ: 22:23)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجلٍ مسمى) (الزمر: 5)
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاثٍ ذلكم الله ربُّكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تُصرفون) (الزمر: 6)
(أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلهٌ مع الله بل هم قومٌ يعدلون. أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً. أإلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون، أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض. أإلهٌ مع الله قليلاً ما تذكرون. أمّن يهديكم في ظلمات البرِّ والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يُشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (النمل: 60-64)
(الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً. واتخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً) (الفرقان: 2: 3) (بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولدق ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيءٍ وهو بكل شيءٍ عليم. ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) (الأنعام: 101 – 102)
(ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله، ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة لله جميعاً) (البقرة: 165)
(قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ما خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات) (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) (الأحقاف: 4، 5)
(لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون. لا يُسئل عما يفعلُ وهُم يُسئلون) (الأنبياء: 22-23)
(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) (المؤمنون: 91)
(قل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً. سبحانه وتعالى عمّا يقولن علوّاً كبيراً) (الإسراء: 42 – 43)

ففي جميع هذه الآيات من أولها إلى آخرها لا تجد إلا فكرة رئيسية واحدة ألا وهي أن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى والروح. فالذي لا سلطة له، لا يمكن أن يكون إلهاً ولا ينبغي أن يتخذ إلهاً. وأما من يملك السلطة فهو الذي يجوز أن يكون غلهاً وهو وحده ينبغي أن يتخذ إلهاً. ذلك بأن جميع حاجات المرء التي تتعلق بالإله أو التي يضطر المرء لأجلها أن يتخذ أحداً إلهاً له لا يمكن قضاء شيء منها من دون وجود السلطة. ولذلك لا معنى لألوهية من لا سلطة له، فإن ذلك أيضاً مخالف للحقيقة، ومن النفخ في الرماد أن يرجع إليه المرء ويرجو منه شيئاً.
والأسلوب الذي يستدل به القرآن واضعاً بين يديه هذه الفكرة الرئيسية، يمكن القارئ أني فهم مقدماته ونتائجه حق الفهم بالترتيب الآتي: 1- إن أعمال قضاء الحاجة وكشف الضرر والإجارة والتوفيق والنصر والرقابة والحماية وإجابة الدعوات التي قد تهاونتم بها وصغرتم من شأنها، ما هي بأعمال هينة في حقيقة الأمر، بل الحق أن صلتها وثيقة بالقوى والسلطات التي تتولى أمر الخلق والتدبير في هذا الكون فإنكم إن تأملتم في المنهاج الذي تقضى به حوائجكم التافهة الحقيرة، عرفتم أن قضاءها مستحيل من غير أن تتحرك لأجله عوامل لا تحصى في ملكوت الأرض والسماء خذوا لذلك مثلاً كأساً من الماء تشربونها أو حبة من القمح تأكلونها فما أدركوا إذ تعمل كل من الشمس والأرض والرياح والبحار قبل أن تتهيأ لكم هذه وتصل إلى أيديكم. فالحق أنه لا تتطلب إجابة دعائكم وقضاء حاجتكم وما إليها من الشؤون سلطة هينة، بل يتطلب ذلك سلطة يقتضيها ويستلزمها خلق السماوات والأرض وتحريك السيارات وتصريف الرياح وإنزال الأمطار وبكلمة موجزة يقتضيها ويتطلبها تدبير نظام هذا الكون بأسره.
2- وهذه السلطة غير قابلة للتجزئة، فلا يمكن أبداً أن تكون السلطة في أمر الخلق بيد وفي أمر الرزق بيد أخرى، وأن تكون الشمس مسخرة لهذا وتكون الأرض مذللة لذاك. كما لا يمكن أن يكون الإنشاء في يد والمرض والشفاء في يد أخرى، والموت والحياة بيد ثالثة. فإنه لو كان الأمر كذلك ما أمكن لنظام هذا الكون أن تقوم له قائمة. فما لابدّ منه أن تكون جميع السلطات والصلاحيات بيد حاكم واحد يرجع إليه كل ما في السماوات والأرض. فإنّ نظام هذا العالم يقتضي أن يكون الأمر كذلك وهو في الواقع كذلك: 3- وإذ كانت السلطة كلها بيد الحاكم الواحد ولم يكن لأحد غيره نقير منها ولا قطمير، فالألوهية أيضاً مخصوصة به لا محالة، وخالصة له دون غيره ولا شريك له فيها. فلا يملك أحد من دونه أن يغيثك أو يستجيب دعاءك أو يجيرك أو يكون حامياً لك ونصيراً أو لياً ووكيلاً، أو يملك لك شيئاً من النفع أو الضر. إذاً لا إله لكم غير الله بمعنى من تلك المعاني التي قد تخطر ببالكم، حتى إنه لا يمكن أن يكون أحداً إلهاً لكم بأن له دالة عند حاكم هذا الكون وتتقبل شفاعته لديه، لمكانه من التقرب عنده. كلا بل ليس في وسع أحد أن يتصدى لأمر من أمور حكمه وتدبيره، ولا يستطيع أحد أن يتدخل في شيء من شؤونه، وكذلك قبول الشفاعة أو رفضها متوقف على مشيئته وإرادته، وليس لأحد من القوة والنفوذ ما يجعل شفاعته مقبول لديه. 4- وما يقتضيه توحد السلطة العليا أن يكون جميع ضروب الحكم والأمر راجعة إلى مسيطر قاهر واحد، وإلاّ ينتقل منه جزء من الحكم إلى غيره. فإنه إذا لم يكن الخلق إلا له ولم يكن له شريك فيه، وإذا كان هو الذي يرزق الناس ولم تكن لأحد من دونه يد في الأمر، إذا كان هو القائم بتدبير نظام هذا الكون وتسيير شؤونه ولم يكن له في ذلك شريك، فما يتطلبه العقل ألاَّ يكون الحكم والأمر والتشريح إلا بيده كلك ولا مبرّر لأن يكون أحد شريكاً له في هذه الناحية أيضاً. وكما أنّه من الخطأ أن يكون أحد غيره مجيباً لدعوة الداعي وقاضياً لحاجة المحتاج، ومجيراً للمضطر في دائرة ملكوته في السموات والأرض، فمن الخطأ والباطل كذلك أن يكون أحد غيره حاكماً مستقلاً بنفسه، وآمراً مستبداً بحكمه، وشارعاً مطلق اليد في تشريعه، إن الخلق والرزق والاحياء والإنامة، وتسخير الشمس والقمر، وتكوير الليل والنهار والقضاء والقدر، والحكم والملك، والأمر والتشريع.. كل أولئك وجوه مختلفة للسلطة الواحدة، ومظاهر شتى للحكم الواحد، والحكم والسلطة لا يقبل شيء منهما التجزئة والتقسيم البتة. فالذي يعتقد أمر كائن ما من دون الله مما يجب إطاعته والإذعان له بغير سلطان من عند الله، فإنه يأتي من الشرك بمثل ما يأتي به الذي يدعو غير الله ويسأله. وكذلك الذي يدعي أنه مالك الملك، والمسيطر القاهر، والحاكم المطلق بالمعاني السياسية (1) ، فإن دعواه هذه كدعوى الألوهية ممن ينادي بالناس: "إني وليكم وكفيلكم وحاميكم وناصركم"، ويريد بكل ذلك المعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية. ألم تر أنه بينما جاء في القرآن أن الله تعالى لا شريك له في الخلق وتقدير الأشياء وتدبير نظام العالم، جاء معه أن الله له الحكم وله الملك ليس له شريك في الملك، مما يدل دلالة واضحة على أن الألوهية تشتمل على معاني الحكم والملك أيضاً، وأنه مما يستلزمه توحيد الإله ألا يشرك بالله تعالى في هذه المعاني كذلك. وقد فصل القول في ذلك أكثر مما تقدم فيما يلي من الآيات:
(قلْ اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاءُ وتعز من تشاء وتذل من تشاء) (آل عمران: 26)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
وقد صرح القرآن بالأمر بأكثر من كل ما سبق في (سورة غافر) حيث جاء:
(يوم هم بارزون، لا يخفى على الله منهم شيء، لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) (غافر: 16)
أي يوم يكون الناس قد انقشعت الحجب عنهم، ولا يخفى على الله خافية من أمرهم، ينادي المنادي: لمن الملك اليوم؟ ولا يكون الجواب إلا أن الملك لله الذي غلبت سلطته جميع الخلق، وأحسن ما يفسر هذه الآية ما رواه الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر (وما قد روا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هكذا بيده ويحركها، يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرُ حتى قلنا: ليخرَّنَّ به.

علم آداب البحث

علم آداب البحث
ويقال له علم المناظرة قال أبو الخير في: مفتاح السعادة: هو علم يبحث فيه عن كيفية إيراد الكلام بين المناظرين.
وموضوعه: الأدلة من حيث أنها يثبت بها المدعى على الغير ومباديه أمور بينة بنفسها.
والغرض منه: تحصيل ملكة طرق المناظرة لئلا يقع الخبط في البحث فيتضح الصواب انتهى
وقد نقله من موضوعات لطفي بعبارته ثم أورد بعض ما يذكر هاهنا من المؤلفات.
قال ابن صدر الدين في: الفوائد الخاقانية: وهذا العلم كالــمنطق يخدم العلوم كلها لأن البحث والمناظرة عبارة عن النظر من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب لا إلزاما للخصم والمسائل العلمية تتزايد يوما فيوما بتلاحق الأفكار والأنظار فلتفاوت مراتب الطبائع والأذهان لا يخلو علم من العلوم عن تصادم الآراء وتباين الأفكار وإدارة الكلام من الجانبين للجرح والتعديل والرد والقبول إلا أنه بشرائط معتبرة مشروط وبرعاية الأصول منوط وإلا لكان مكابرة غير مسموعة فلا بد من قانون يعرف به مراتب البحث انتهى قوله.
وإلا لكان مكابرة أي وإن لم يكن البحث لإظهار الصواب لكان مكابرة.
وفيه مؤلفات أكثرها مختصرات وشروح للمتأخرين.
منها: آداب شمس الدين السمرقندي وهي أشهر كتب الفن ووآداب عضد الدين الأيجي ووآداب أحمد بن سليمان كمال باشا ووآداب أبي الخير أحمد بن مصطفى طاشكبري زاده المتوفى سنة اثنتين وستين وتسعمائة وهو جامع لمهمات هذا الفن مفيد جدا إلى غير ذلك.

علم الأرتماطيقي

علم الأرتماطيقي
هوعلم يبحث فيه عن خواص العدد من حيث التأليف إما على التوالي أو بالتضعيف مثل أن الأعداد إذا توالت متفاضلة بعدد واحد فإن جمع الطرفين منها مساو لجمع كل عددين بعدهما من الطرفين بعد واحد.
ومثل ضعف الواسطتان كانت عدة تلك الأعداد فردا مثل الإفراد على تواليها والأزواج على تواليها.
ومثل أن الأعداد إذا توالت على نسبة واحدة بكون أولها نصف ثانيها وثانيها نصف ثالثها الخ أو بكون أولها ثلث ثانيها وثانيها ثلث ثالثها الخ فإن ضرب الطرفين أحدهما في الآخر كضرب كل عددين بعدهما من الطرفين بعد واحد أحدهما في الآخر.
ومثل مربع الواسطتان كانت العدة فردا وذلك مثل أعداد زوج المتوالية من اثنين فأربعة فثمانية فستة عشرة.
ومثل ما يحدث من الخواص العددية في وضع المثلثات العددية والمربعات والمخمسات والمسدسات إذا وضعت متتالية في سطروها بأن يجمع من الواحد إلى العدد الأخير فتكون مثلثة وتتوالى المثلثات هكذا في سطر تحت الأضلاع ثم تزيد على كل مثلث ثلث الضلع الذي قبله فتكون مربعة وتزيد على كل مربع مثلث الضلع الذي قبله فتكون مخمسة وهلم جرا وتتوالى الأشكال على توالي الأضلاع ويحدث جدول ذو طول وعرض ففي عرضه الأعداد على تواليها ثم المثلثات على تواليها ثم المربعات ثم المخمسات الخ.
وفي طوله كل عدد وأشكاله بالغا ما بلغ وتحدث في جميعها وقسمة بعضها على بعض طولا وعرضا خواص غريبة استقريت منها وتقررت في دواوينهم مسائلها وكذلك ما يحدث للزوج والفرد وزوج الزوج والفرد فإن لكل منها خواص مختصة به تضمنها هذا الفن وليست في غيره، وهذا الفن أول أجزاء التعاليم وأثبتها ويدخل في براهين الحساب.
وللحكماء المتقدمين والمتأخرين فيه تآليف وأكثرهم يدرجونه في التعاليم ولا يفردونه بالتأليف فعل ذلك ابن سينا في كتابه الشفاء والنجاة وغيره من المتقدمين.
وأما المتأخرون فهو عندهم مهجور إذ هو غير متداول منفعته في البراهين لا في الحساب فهجروه لذلك بعد أن استخلصوا زبدته في البراهين الحسابية كما فعله ابن البناء في كتاب رفع الحجاب والله أعلم.
قال في: مدينة العلوم: علم الأرتماطيقي ويسمى علم العدد علم يتعرف منه أنواع العدد وأحوالها وكيفية تولد بعضها من بعض.
وموضوعه: الأعداد من جهة خواصها ولوازمها.
ومن الكتب المختصرة فيه سقط الزند في علم العدد.
ومن المتوسطة كتاب الأرتماطيقي من أبواب الشفاء.
ومن المبسوطة كتاب نيقوماخس والد أرسطو.
ومنفعة هذا العلم: ارتياض النفس بالنظر في المجردات عن المادة ولواحقها ولذلك كانت القدماء يقدمونه في التعليم على سائر العلوم حتى الــمنطق ولأنه مثال العالم في صدوره عن واجب مجرد خارج عنه كما أن الأعداد نشأت عن الواحد وليس بعدد انتهى1.
علم الأرتماطيقي
وهو: علم يبحث فيه عن خواص العدد.

علم أصول الدين

علم أصول الدين
المسمى بالكلام يأتي في الكاف.
وقال الأرنيقي: هو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها.
وموضوعه عند الأقدمين: ذات الله تعالى وصفاته لأن المقصود الأصلي من علم الكلام معرفته تعالى وصفاته ولما احتاجت مباديه إلى معرفة أحوال المحدثات أدرج المتأخرون تلك المباحث في علم الكلام لئلا يحتاج أعلى العلوم الشرعية إلى العلوم الحكمية فجعلوا موضوعه الموجود من حيث هو موجود وميزوه عن الحكمة بكون البحث فيه على قانون الإسلام وفي الحكمة على مقتضى العقول.
ولما رأى المتأخرون احتياجه إلى معرفة أحوال الأدلة وأحكام الأقيسة وتحاشوا عن أن يحتاج أعلى العلوم الشرعية إلى علم الــمنطق جعلوا موضوعه المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقا قريبا أو بعيدا.
ثم إن علم الكلام شرطوا فيه أن تؤخذ العقيدة أولا من الكتاب والسنة ثم تثبت بالبراهين العقلية انتهى.
ثم ذكر الإنكار على علم الكلام نقلا عن الأئمة الأربعة وفصل أقوالهم في ذلك وأطال في بيانها وبيان حدوث الاعتزال ورد أبي الحسن الأشعري عليه قال: وعند ذلك ظهرت العقائد الواردة في الكتاب والسنة وتحولت قواعد علم الكلام من أيدي المعتزلة إلى أيدي أهل السنة والجماعة انتهى.
ثم ذكر حال أبي منصور الماتريدي وكتبه في العقائد.
قلت: والكتب في هذا العلم كثيرة جدا وأحسنها كتب المحدثين في إثبات العقائد على الوجه المأثور عن الكتاب والسنة.
وفي الرد على المتكلمين منها: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وكتب تلميذه الحافظ ابن القيم وكتاب الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم للسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير اليمني.
وكتاب السفاريني وهو مجلد كبير وقد من الله تعالى بتلك الكتب النافعة علي منا كافيا وافيا. وكتبت قبل ذلك رسالة سميتها قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل وهي نفيسة جدا وليس هذا الموضوع بسط القول في ذم الكلام ومدح العقائد أهل الحديث الكرام.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون: أما وجه تسميته ب الكلام فإنه يورث قدرة على الكلام في الشرعيات أو لأن أبوابه عنونت أولا بالكلام في كذا ولأن مسئلة الكلام أشهر أجزائه حتى كثر فيه التقاتل قال:
وسماه أبو حنيفة - رحمه الله - ب الفقه الأكبر.
وفي مجمع السلوك ويسمى ب علم النظر والاستدلال أيضاً. ويسمى أيضا ب علم التوحيد والصفات.
وفي شرح العقائد للتفتازاني: العلم المتعلق بالأحكام الفرعية أي العلمية يسمى علم الشرائع والأحكام وب الأحكام الأصلية أي الاعتقادية يسمى علم التوحيد والصفات انتهى.
ثم ذكر تعريف هذا العلم على ما تقدم وأبدى فوائد قيود حده المذكور آنفاً.
قال: وموضوعه: هو العلوم.
وقال الأرموي: ذات الله تعالى.
وقال طائفة منهم الغزالي: موضوعه الموجود بما هو موجود أي من حيث هو غير مقيد بشيء
وفائدته وغايته: الترقي من حضيض التقليد إلى ذروة الإيقان وإرشاد المسترشدين بإيضاح الحجة لهم وإلزام المعاندين بإقامة الحجة عليهم وحفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبهة المبطلين وأن تبنى عليه العلوم الشرعية فإنه أساسها وإليه يؤول أخذها وأساسها فإنه ما لم يثبت وجود صانع عالم قادر مكلف مرسل للرسل منزل للكتب لم يتصور علم تفسير ولا علم فقه وأصوله فكلها متوقفة على علم الكلام مقتبسة منه فالأخذ فيها بدونه كبان على غير أساس.
وغاية هذه الأمور كلها: الفوز بسعادة الدارين ومن هذا تبين مرتبة الكلام أي شرفه فإن شرف الغاية يستلزم شرف العلم وأيضا دلائله يقينية يحكم بها صريح العقل وقد تأيدت بالنقل وهي أي شهادة العقل مع تأيدها بالنقل هي الغاية في الوثاق إذ لا تبقي حينئذ شبهة في صحة الدليل.
وأما مسائله التي هي المقاصد: فهي كل حكم نظري لمعلوم والكلام هو العلم الأعلى إذ تنتهي إليه العلوم الشرعية كلها وفيه تثبت موضوعاتها وحيثياتها فليست له مباد تبين في علم آخر شرعيا أو غيره بل مباديه إما مبينة بنفسها أو مبينة فيه فهي مسائل له من هذه الحيثية ومباد لمسائل أخر منه لا تتوقف عليها لئلا يلزم الدور فلو وجدت في الكتب الكلامية مسائل لا يتوقف عليها إثبات العقائد في الكتاب فمن الكلام يستمد غيره من العلوم الشرعية وهو لا يستمد من غيره أصلا فهو رئيس العلوم الشرعية على الإطلاق بالجملة فعلماء الإسلام وقد دونوا إثبات العقائد الدينية المتعلقة بالصانع وصفاته وأفعاله وما يتفرع عليها من مباحث النبوة والمعاد علما يتوصل به إلى إعلاء كلمة الحق فيها ولم يرضوا أن يكونوا محتاجين فيه إلى علم آخر أصلاً.
فأخذوا موضوعه على وجه يتناول تلك العقائد والمباحث النظرية التي تتوقف عليها تلك العقائد سواء كان توقفها عليها باعتبار مواد أدلتها واعتبار صورها.
وجعلوا جميع ذلك مقاصد مطلوبة في علمهم هذا فجاء علما مستغنيا في نفسه عما عداه ليس له مباد تبين في علم آخر هذا خلاصة ما في شرح المواقف انتهى.
وانظر في هذا الباب كتاب العواصم والقواصم للسيد محمد بن إبراهيم الوزير اليمني - رحمه الله - يتضح لك الخطأ والصواب.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.