Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ملاحظ

الحسّ المشترك

الحسّ المشترك:
[في الانكليزية] Sensus communis
[ في الفرنسية] Sens commun
هو عند الحكماء القوة التي ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة بالحواس الظاهرة، ويسمّى باليونانية بنطاسيا أي لوح النفس.
فالحواس كالجواسيس لها. ولهذا تسمّى حسّا مشتركا، فتطالع النفس بواسطة الارتسام فيها تلك الصور عند المحققين أو تدرك هذه القوة تلك الصور عند بعض كما مرّ. ومحل هذه القوة التجويف الأول من التجاويف الثلاثة التي في الدماغ، وذكروا لإثباتها وجوها. منها أنّ القطرة النازلة نراها خطا مستقيما، والشعلة التي تدار بسرعة شديدة نراها كالدائرة وليسا في الخارج خطا ودائرة، فهما إنّما يكونان كذلك في الحسّ وليس في الباصرة لأنها إنما تدرك الشيء حيث هو فهو لارتسامها في قوة أخرى سوى الباصرة ترتسم فيها صورة القطرة والشعلة وتبقى قليلا على وجه تتصل الارتسامات البصرية المتتالية بعضها ببعض فيشاهد خط ودائرة.
ومنها أنّه لولا أنّ فينا قوة مدركة للمحسوسات كلها لما أمكنّا أن نحكم بأنّ هذا الملموس هو هذا الملون أو ليس هذا الملون، فإنّ الحاكم لا بدّ أن يحضره الطرفان حتى يمكنه ملاحظــة النسبة بينهما، وليس شيء من القوى الظاهرة كذلك ولا العقل، لأنّه لا يدرك الماديات.
وتفصيل هذا مع الردّ عليهم يطلب من شرح المواقف وغيره.

الْفِكر

(الْفِكر) إِعْمَال الْعقل فِي الْمَعْلُوم للوصول إِلَى معرفَة مَجْهُول وَيُقَال لي فِي الْأَمر فكر نظر وروية وَمَا لي فِي الْأَمر فكر مَا لي فِيهِ حَاجَة وَلَا مبالاة (ج) أفكار

(الْفِكر) يُقَال لَيْسَ لي فِي هَذَا الْأَمر فكر لَا أحتاج إِلَيْهِ وَلَا أُبَالِي بِهِ
الْفِكر: إمعان النّظر فِي الشَّيْء وَاعْلَم أَن النّظر والفكر كالمترادفين لِأَن بَينهمَا تغاير اعتباريا بِأَن مُلَاحظَــة مَا فِيهِ الْحَرَكَة مُعْتَبرَة فِي النّظر وَغير مُعْتَبرَة فِي الْفِكر. وَالْمَشْهُور فِي تعريفيهما تَرْتِيب أُمُور مَعْلُومَة للتأدي إِلَى مَجْهُول نَظَرِي تصوري أَو تصديقي. وعَلى هَذَا يُرَاد أَنه لَا يَصح التَّعْرِيف بالمفرد كتعريف الْإِنْسَان بالناطق وبالضاحك. وَأجِيب بِأَن الْمُعَرّف يجب أَن يكون مَعْلُوما بِوَجْه مَا فالتعريف بالمركب من ذَلِك الْوَجْه والمفرد أَو بِأَن التَّعْرِيف بالمفرد إِنَّمَا يكون بالمشتقات وَهِي مركبة من حَيْثُ اشتمالها على الذَّات وَالصّفة أَو من حَيْثُ إِنَّهَا أَعم بِحَسب الْمَفْهُوم فَلَا بُد من قرينَة مخصصة فالتعريف بالمفرد مركب من معنى الْمُشْتَقّ والقرينة. وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه الْأَجْوِبَة الثَّلَاثَة من الاختلال لِأَن الْوَجْه الَّذِي علم بِهِ الْمَطْلُوب سَابق على التَّعْرِيف وَلَو كَانَ مَعَه يلْزم طلب الْمَجْهُول الْمُطلق وَأَيْضًا لَا تَرْتِيب بَينه وَبَين الْمُفْرد وَكَذَا لَا تَرْتِيب فِي الْمُشْتَقّ لَا بَين الذَّات وَالصّفة وَلَا بَين الْمُشْتَقّ والقرينة.
فحاصل الْإِيرَاد أَن تَفْسِير النّظر بالترتيب لَا يَشْمَل التَّعْرِيف بالمفرد مَعَ أَنه لَا خلاف فِي إِمْكَان وُقُوع التَّصَوُّر بالمعاني المفردة وَتلك الْأَجْوِبَة مقدوحة مزيفة كَمَا عرفت. وَالْجَوَاب أَن نظر المنطقي والبحث فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مضبوط والتعريف بالمفرد لَيْسَ بمضبوط مثل ضبط الْمركب فَإِن الْمُفْرد لَيْسَ بمنحصر فِي الْفَصْل والخاصة بل إِنَّمَا يكون على خلاف ذَلِك كَمَا فِي البسائط فَإِنَّهُ لَا يكون تَعْرِيفهَا بِالْفَصْلِ وَهُوَ ظَاهر لعدم التَّرْكِيب وَلَا بالخاصة لعدم الْعلم والجزم يكون الْمُعَرّف خَاصَّة لَهَا لم لَا يجوز أَن يكون ذاتيا لَهَا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَلَا يكون جَمِيع أَفْرَاد التَّعْرِيف بالمفرد منضبطة فَلَمَّا لم يكن مضبوطا لم يلتفتوا إِلَيْهِ لِأَن التفاتهم إِنَّمَا هُوَ إِلَى مَا هُوَ مضبوط عرفُوا النّظر والفكر بالترتيب الْمَذْكُور. وَالْأولَى فِي تَوْجِيه عدم الانضباط أَن يُقَال إِن كثيرا مَا تكون البسائط معرفَة بالمفردات وأكثرها أُمُور انتزاعية وَالْأَمر الانتزاعي غير مضبوط.
وَلما كَانَ التَّعْرِيف الْمَشْهُور منظورا فِيهِ عرفهما الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله بــملاحظــة الْمَعْقُول لتَحْصِيل الْمَجْهُول لشُمُوله جَمِيع أفرادهما بِلَا كلفة سَوَاء كَانَ بالمفرد أَو بالمركب مَعْلُوما كَانَ أَو مظنونا أَو مَجْهُولا بِالْجَهْلِ الْمركب فَإِن الْمَعْقُول شَامِل لكل وَاحِد مِنْهَا بِخِلَاف الْمَعْلُوم فَإِن الْمُتَبَادر مِنْهُ الْمَعْلُوم بِالْعلمِ التصديقي اليقيني.

المجاز اللغوي

المجاز اللغوي: الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بالتحقيق في اصطلاح التخاطب به مع قرينة مانعة عن إرادته أي عن إرادة معناها في ذلك الاصطلاح.
المجاز اللغوي:
[في الانكليزية] Metonymy
[ في الفرنسية] Metonymie
ويسمّى مجازا في المفرد أيضا وهو اللفظ المستعمل في لازم ما وضع له في وضع به التخاطب مع قرينة عدم إرادته أي ما وضع له.
واللازم لما وضع له هو الذي يكون بينه وبين ما وضع له علاقة معتبر نوعها عندهم فلا بد من ملاحظــة العلاقة المعتبرة، فخرج الغلط مطلقا، أي سواء لم تكن هناك علاقة أو كانت ولكن لم يلاحظها المستعمل. وقولنا في وضع به التخاطب احتراز عن اللفظ المستعمل في لازم ما وضع له هو موضوع له في وضع به التخاطب، فإنّه حقيقة مع أنّه يصدق عليه الكلمة المستعملة في لازم ما وضع له. وكثير مما يتعلّق بهذا التعريف يرشدك إليه ما مرّ في تعريف الحقيقة اللغوية فلا نعيدها. وقولنا مع قرينة عدم إرادته احتراز عن الكناية، وهذا إنّما يصحّ على مذهب من يقول بدخول الكناية في الحقيقة أو بكونها واسطة بين الحقيقة والمجاز كما ذهب إليه صاحب التلخيص. وأمّا عند من يقول بكونها مجازا فلا بدّ من ترك هذا القيد. وهاهنا تقسيمات. الأول المجاز اللغوي قسمان مفرد ومركّب، فالمجاز المفرد هو الكلمة المستعملة فيما وضعت له الخ. والمجاز المركّب هو المركّب المستعمل في لازم ما وضع له الخ هكذا يستفاد من الأطول. وهو يشتمل الاستعارة وغيرها، ويؤيّده ما وقع في بعض الرسائل:
المجاز المركّب هو المركّب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له، فإن كانت علاقة غير المشابهة فلا يسمّى استعارة وإلّا يسمّى استعارة تمثيلية انتهى. وقال شارحه ما حاصله إنّ المجاز المركّب يختصّ بالتمثيلية، والخبر المستعمل في الإنشاء والمستعمل في لازم فائدة الخبر، والإنشاء المستعمل في الخبر ولا يشتمل المجاز المركّب ما تجوز في أحد ألفاظ فيه. فالمراد أنّ المجاز المركّب هو اللفظ المركّب المستعمل من حيث هو مركّب أي بهيئته التركيبية وصورته المجموعية في غير ما وضع له الخ. فلا يرد أنّ ما تجوز في أحد ألفاظ فيه يصدق عليه حدّ المجاز المركّب لأنّه إذا استعمل جزء من أجزاء المركّب في غير ما وضع له فقد استعمل مجموعه في غير ما وضع له، لأنّ الموضوع له للمجموع مجموع أمور وضع له الأجزاء، ولا يرد أيضا أنّ التجوّز في الهيئة التركيبية لم يدخل في شيء من الأقسام لأنّ الهيئة ليست لفظا.
وإنّما قال فلا يسمّى استعارة ولم يقل يسمّى مجازا مرسلا لعدم تصريح القوم بذلك انتهى.
وقال الخطيب في التلخيص المجاز المركّب هو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه انتهى. فبقيد المركّب خرج المجاز المفرد. والمراد بالمعنى الأصلي المطابقي، وبهذا تمّ تعريف المجاز المركّب، إلّا أنّه أراد التنبيه على أنّ التشبيه الذي يبتني عليه المجاز المركّب لا يكون إلّا تمثيلا.
وتوضيح أنّه لا يكون تشبيه صورة منتزعة من عدة أمور إلى مثلها إلّا في وجه منتزع من عدة أمور كما اتفقت عليه كلمتهم، وإن كان هذا في نفسه غير تام. ولم يكتف بقوله تمثيلا لأنّ التمثيل مشترك بين التمثيل وبين هذه الاستعارة، فاحترز عن استعمال اللفظ المشترك في التعريف. ولم يحترز بقوله تشبيه التمثيل عن الاستعارة المفردة كما زعم المحقّق التفتازاني لأنّه يغني عن اعتبار التركيب في التعريف. ثم إنّه قد اشتمل التعريف على العلّة الفاعلية وهي المتكلّم [المستعمل] والصّورية وهي الاستعمال لأنّ الاستعارة معه بالفعل والمادية وهي التشبيه لأنّها معه بالقوة فأراد إتمام الاشتمال على العلل فصرّح بالغائية بقوله للمبالغة في التشبيه. واعترض المحقّق التفتازاني على هذا التعريف بأنّه غير جامع لخروج مجازات مركّبة ليست علاقتها التشبيه كالأخبار المستعملة في التحسّر والتحزّن أو الدّعاء ونحو ذلك. وتحقيق ذلك أنّ الواضع كما وضع المفردات لمعانيها بحسب الشخص كذلك وضع المركّبات لمعانيها التركيبية بحسب النوع. مثلا هيئة التركيب في نحو زيد قائم موضوعة للأخبار بإثبات القيام لزيد، فإذا استعمل ذلك المركّب في غير ما وضع له فلا بدّ حينئذ من العلاقة بين المعنيين. فإن كانت المشابهة فاستعارة وإلّا فغير استعارة، فحصر المجاز المركّب في الاستعارة.
وتعريفه بما ذكر عدول عن الصواب، ولا يبعد أن يقال ما سوى الاستعارة التمثيلية من المجازات المركّبة مجازات بالعروض، والمجازات بالأصالة أجزاؤها الداخلة في المجاز المفرد، مثلا هيئة المركّب الخبري والإنشائي موضوعة لنوع من النسبة فتجوّز فيها بنقلها إلى النوع الآخر فيصير المركّب مجازا بتبعية ذلك التجوّز. فلو عدّ اللفظ الذي صار مجازا للتجوّز في جزئه قسما على حدة من المجاز لكان جاءني أسد وقوله تعالى وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ وأمثالهما مجازات مركّبة ولم يقل به أحد.
بخلاف الاستعارة التمثيلية فإنّها من حيث إنها استعارة لا تجوّز في شيء من أجزائها، بل هي على ما كانت عليه قبل الاستعارة من كونها حقائق أو مجازات أو مختلفات، بل المجموع نقل إلى غير معناه من غير تصرّف في شيء من أجزائه. فالمجاز المركّب اللفظ المستعمل من حيث المجموع فيما شبّه بمعناه الأصلي ولا شيء مما ليست علاقته التشبيه كذلك. بقي أنّ قولنا حفظت التوراة لمن حفظها استعمل في لازم معناه من حيث المجموع وليس باستعارة إذ لا تجوّز في شيء من أجزائه إلّا أن يتكلّف، ويقال حفظت لم يستعمل في لازم معناه بل أفيد اللازم على سبيل التعريض، فهو من قبيل (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) في حقّ من يؤذي المسلمين، فإنّه يفاد به أنّ هذا الشخص ليس بمسلم، لكن من عرض الكلام وفيه بحث فتأمّل. ثم إنّه يشكل استعارة المركّب المشتمل على النسبة وهي غير مستقلّة لأنّه ينبغي أن لا يجري فيه الاستعارة بالأصالة كما في الحرف فهل هي كالاستعارة التبعية أو لا، وبعد كونه تبعية اعتبرت الاستعارة في أي شيء أو لا، هذا كله خلاصة ما في الأطول.
مع توضيح أمثال المجاز المركّب كقولنا إني أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى للمتردّد في أمر ما أي أنّك متردّد في الإقدام عليه والإحجام عنه، فقد شبّه صورة تردّده في أمر بصورة تردّد من قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدّم رجلا وتارة لا يريد فيؤخّر أخرى، فاستعمل الكلام الدّال على هذه الصورة في تلك الصورة. ووجه الشّبه وهو الإقدام تارة والإحجام أخرى منتزع من عدة أمور كما ترى.
وقيل قولنا إني أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى مسبّب عن التردّد، فيحتمل أن يكون التجوّز باعتباره فتحقّق المركّب المرسل في المجموع من غير تصرّف في الأجزاء فظهر أنّ الحقّ عدم انحصار المجاز المركّب في الاستعارة التمثيلية.
فائدة:

قال الخطيب: المجاز المركّب يسمّى بالتمثيل على سبيل الاستعارة. أمّا كونه تمثيلا فلاستلزامه التمثيل. وأمّا كونه على سبيل الاستعارة فلأنّه استعارة لأنّ فيه ذكر المشبّه به وترك المشبّه بالكلّية. وقد يسمّى بالتمثيل مطلقا أي من غير تقييد بقولنا على سبيل الاستعارة، ويمتاز عن التشبيه بأن يقال له تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلي ولا يطلق التمثيل مطلقا على التشبيه ويسمّى مثلا أيضا. الثاني المجاز اللغوي سواء كان مفردا أو مركّبا قسمان: مرسل إن كانت العلاقة فيه غير المشابهة كاليد في النعمة، واستعارة إن كانت العلاقة فيه المشابهة. الثالث المجاز اللغوي وكذا الحقيقة اللغوية، أمّا لغوي أو شرعي أو عرفي خاص أو عام كذا في المطول. وفي الأطول أنّ المقسم الحقيقة والمجاز المفرد وبه صرّح الخطيب في الإيضاح. أمّا في الحقيقة فلأنّ واضعها إن كان واضع اللغة فهي حقيقة لغوية، وإن كان الشارع فشرعية وإلّا فعرفية عامّة أو خاصّة، وبالجملة ينسب إلى الواضع. وأمّا المجاز فلأنّ الوضع الذي به وقع التخاطب وكان اللفظ مستعملا في غير ما وضع له في ذلك الوضع إن كان وضع اللغة فالمجاز لغوي وإن كان وضع الشرعي فشرعي وإلّا فعرفي عام أو خاص، وفسّر الخاص بما يتعيّن ناقله عن المعنى اللغوي كالنحوي والصرفي والكلامي. والشرع وإن كان داخلا فيه لكنه أخرج منه لشرافته. والعام بما لا يتعيّن ناقله. وفيه أنّ النحوي مثلا يشتمل العرب وغيرها كما أنّ العرب يشتمل النحوي وغيره، فجعل أحدهما متعيّنا والآخر غير متعيّن لا توجيه له. ويمكن أن يقال المتعيّن ما يكون واضعا للفظ للاستعمال في تحصيل أمر مخصوص، والنحوي إنّما يضع اللفظ ليستعمله في تحصيل النحو. بخلاف اللغوي فإنّ نظره في وضع اللفظ ليس على استعماله لتحصيل أمر مخصوص هكذا في الأطول. ثم العرف قد غلب عند الإطلاق على العرف العام. والعرف الخاص يسمّى اصطلاحا. فلفظ الأسد إذا استعمله المخاطب بعرف اللغة في السبع المخصوص يكون حقيقة لغوية، وفي الرجل الشجاع يكون مجازا لغويا. ولفظ الصلاة إذا استعمله الشارع في العبادة المخصوصة يكون حقيقة شرعية وفي الدعاء يكون مجازا شرعيا.
ولفظ الفعل إذا استعمله النحوي في مقابل الاسم والحرف يكون حقيقة اصطلاحية وفي الحدث يكون مجازا اصطلاحيا. ولفظ الدّابّة إذا استعمل في العرف العام في ذوات الأربع يكون حقيقة عرفية وفي كلّ ما يدبّ على الأرض مجازا عرفيا.

تنبيه:
المجاز اللغوي يطلق بالاشتراك على معنيين أحدهما اللفظ المستعمل في لازم ما وضع له الخ على ما عرفت، وثانيهما الأخصّ منه المقابل للشرعي والعرفي كما عرفت أيضا قبيل هذا.

الوجود

الوجود أضرب: وجود بإحدى الحواس الخمس نحو، وجدت زيدا، ووجود بقوة الشهوة نحو: وجدت الشبع، ووجود بقوة الغضب كوجود الحزن والسخط، ووجود بالعقل أو بواسطة العقل كمعرفة الله والنبوة، ويعبر عن التمكن من الشيء بالوجود نحو {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} .
الوجود عند أهل الحقيقة: فقدان العبد بمحوا أوصافه البشرية، ووجود الحق لأنه لا بقاء للبشرية عند ظهور سلطان الحقيقة.
الوجود:
[في الانكليزية] Being ،existence ،reality
[ في الفرنسية] Etre ،existence ،realite

وبالفارسية: هستى- أي الكون ويقابله العدم- واختلف في تعريفه. فقيل لا يعرّف، فمنهم من قال لأنّه بديهي التصوّر فلا يجوز أن يعرّف إلا تعريفا لفظيا، ومنهم من قال لأنّه لا يتصوّر أصلا لا بداهة ولا كسبا. وقيل يعرّف لأنّه كسبي التصوّر. وفي تعريفه عبارات.
الأولى أنّ الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين، وفائدة لفظ العين التنبيه على أنّ المعرّف هو الموجود في نفسه والمعدوم في نفسه لا الموجود لغيره والمعدوم عن غيره، ولا ما هو أعمّ منهما، فمعنى الثابت العين الذي ثبت عينه ونفسه فيشتمل الجوهر والعرض.
والثانية أنّه المنقسم إلى فاعل ومنفعل أي مؤثّر ومتأثّر وإلى حادث وقديم، والمعدوم ما لا يكون كذلك. وهذان التعريفان مختصّان بالموجود الخارجي. والثالثة أنّه ما يعلم ويخبر عنه أي يصحّ أن يعلم ويخبر منه، والمعدوم ما لا يصحّ أن يكون كذلك، وهذا التعريف يشتمل الموجود الذهني أيضا، وعلى هذا فقس تعريفات الوجود والعدم. فالوجود ثبوت العين أو ما به ينقسم الشيء إلى فاعل ومنفعل وإلى حادث وقديم، أو ما به يصحّ أن يعلم ويخبر عنه، والعدم ما لا يكون كذلك، وكلّ هذه تعريفات الشيء بالأخفى فإنّ الجمهور يعرّفون معنى الوجود والموجود ولا يعرّفون شيئا مما ذكر. قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف:
الظاهر أنّ القائل ببداهة تصوّر الوجود أراد بالوجود المعنى المصدري الانتزاعي، والقائل بكسبيته أو بامتناعه أراد به منشأ الانتزاع أي الوجود الحقيقي الذي هو حقيقة الواجب تعالى على تقدير وحدة الوجود وحقيقة ما عينه متعيّنة بنفسها على تقدير تعدّده، فالوجود الحقيقي على كلا التقديرين هو الوجود القائم بنفسه الواجب لذاته، والوجود يطلق على هذين المعنيين. قال الشيخ في إلهيات الشفاء لكلّ أمر حقيقة هو بها ما هو، فللمثلث حقيقة أنّه مثلث، وللبياض حقيقة أنّه بياض، وذلك هو الذي ربّما سمّيناه الوجود الخاص، ولم يرد به معنى الوجود الانتزاعي، فإنّ لفظ الوجود يدلّ به على معان كثيرة. ولا شكّ أنّ تصوّر الوجود الانتزاعي بالكنه بديهي ضرورة أنّ كنهه ليس إلّا ما يرتسم في الذهن عند انتزاعه عن الماهيات وفهمه من الألفاظ الدالة عليه، إذ لا نعني بكنهه غيره، وتصوّر الوجود الحقيقي بالكنه غير ممكن، أو كسبي فإنّه إن كان جزئيا حقيقيا وواجبا لذاته فتصوّره ممتنع وإلّا فكسبي. ثم لا يخفى أنّ بعد تصوّر الشيء بالكنه لا يمكن تعريفه بالرسم إذ بعد تصوّره بالكنه لا يقصد تصوره إلّا بوجه آخر، فلا يكون المعرّف حينئذ في الحقيقة ذلك الشيء، ولا يكون التعريف تعريفا له بل يكون المعرّف هو الشيء الموجود مع الوصف والتعريف تعريف له. فعلى تقدير أن يكون تصوّر الوجود بالكنه لا يمكن تعريفه إلّا تعريفا لفظيا فتأمّل انتهى. ويؤيّد إطلاق الوجود على المعنيين المذكورين ما في شرح إشراق الحكمة حيث قال: الوجود يطلق بإزاء الروابط كما يقال زيد يوجد كاتبا، فإنّه عبارة عن نسبة المحمول إلى الماهية الخارجية إلى الموضوع بالوجود أعني سيوجد مكان ما كان يعبر عنه هو، وقد يقال على الحقيقة والذات كما يقال ذات الشيء وحقيقته ووجود الشيء وعينه ونفسه أي ذاته انتهى كلامه.

التقسيم:
اعلم أنّ الوجود ينقسم إلى العيني أي الخارجي وإلى الذهني حقيقة وإلى اللفظي والخطّي مجازا إذ ليس في اللفظ والخط من الإنسان التشخّص ولا الماهية كما في الخارج والذهن، بل الاسم في اللفظي وصورته في الخطي، وكلّ من الموجود العيني والذهني يستعمل لمعنيين كما في بعض حواشي شرح المطالع: أحدهما أنّ الموجود الخارجي ما يكون اتصافه بالوجود خارج الذهن والموجود الذهني هو ما يكون اتصافه بالوجود في الذهن.
وأما قولهم تارة من أنّ النسبة من الأمور الخارجية وأخرى بأنّها ليست من الأمور الخارجية فيمكن التطبيق بينهما بأنّه لا شكّ في الفرق بين كون الخارج ظرفا لنفس الشيء وبين كونه ظرفا لوجوده. فإنّ قولنا زيد موجود في الخارج جعل فيه الخارج ظرفا لنفس الوجود وهو لا يقتضي وجود المظروف وإنّما يقتضي وجود ما جعل ظرفا لوجوده. فالموجود في هذه الصورة زيد لا وجود زيد. ففي قولنا زيد قائم في الخارج جعل الخارج ظرفا لنفس ثبوت القيام لزيد، فاللازم كون القيام ثابتا في الخارج بثبوت لغيره لا بثبوت له. وبالجملة فالمعتبر في كون الموجود خارجيا كون الخارج ظرفا لوجوده لا لنفسه وفي الذهني كون الذهن ظرفا لوجوده.
فمتى قيل إنّ النسبة من الأمور الاعتبارية أريد أنّ الخارج ليس ظرفا لوجودها. ومتى قيل إنّها من الأمور الخارجية أريد أنّ الخارج ظرف لنفسها، وكذا الحال في كون الشيء موجودا في الواقع ونفس الأمر. وقال صاحب الأطول في بحث صدق الخبر: ونحن نقول الخارجي اسم للأمر الموجود في الخارج كالذهني الذي هو اسم للأمر الموجود في الذهن، ومعنى كون الشيء موجودا في الخارج والأعيان أنّه واحد منها أو في عدادها، فظرفية الخارج للوجود مسامحة إذ الوجود ليس في عداد الأعيان.
ومعنى زيد موجود في الخارج أنّ وجوده في وجود الخارج وفي عداد وجوداته، فليس الخارج إلّا ظرفا لنفس الشيء، لكنه إذا جعل ظرفا له حقيقة اقتضى وجوده، وإذا جعل ظرفا له مسامحة لم يقتض وجوده، هكذا حقّق الخارج والواقع واحفظه فإنّه خلاف المستفيض الشائع. وثانيهما أنّ الموجود الخارجي هو ما يكون متصفا بوجود أصيل وهو مصدر الآثار ومظهر الأحكام، سواء كان ظرف الاتصاف هو الذهن أو خارجه، والموجود الذهني هو ما يكون متصفا بوجود ظلّي وذلك الاتصاف لا يكون إلّا في الذهن، يعني أنّ الموجود الخارجي ما يتصف بوجود أصيل، أي ذا أصل وعرق ليس ظلا وحكاية عن شيء به، أي بذلك الوجود يصدر عن الموجود آثاره ويظهر عنها أحكامه، أي يترتّب عليه أي على الموجود الآثار والأحكام، سواء كان ذلك الترتّب في الذهن أو خارج الذهن، فالكيفيات النفسانية التي يترتّب عليها آثارها في الذهن كالعلم من قبيل الموجودات الخارجية والموجود الذهني ما يتصف بوجود غير أصيل لا يترتّب به عليه الأحكام والآثار.
إن قيل إن أريد بالآثار والأحكام في تعريف الموجود الخارجي الآثار والأحكام الخارجية لزم الدور، وإن أريد الأعم من الخارجية والذهنية دخل في تعريف الموجود الخارجي الموجود الذهني فإنّه أيضا مبدأ الآثار في الجملة، فإنّ المعقولات الثانية آثار للمعقولات الأولى.
أجيب بأنّ المراد الآثار المطلوبة منه أي التي يطلب كلّ واحد تلك الآثار منه والأحكام المعلومة واتصافه بها لكلّ أحد كالإحراق والاشتعال والطبخ من النار، فالموجود الذهني ما يكون متصفا بوجود لا يترتّب به عليه تلك الآثار والأحكام، سواء ترتّب عليه آثار وأحكام أخر أو لا، وقيل لا حكم ولا أثر للوجود الذهني والمعقولات الثانية آثار للصور الشخصية القائمة بالذهن وهي من الموجودات الخارجية.
وقيل المراد الخارجية بمعنى ما يكون في خارج الذهن لا بمعنى ما يكون باعتبار الوجود الخارجي، فلا دور. ثم الأحكام والآثار متقاربان، وقد يقال في قوله مظهر ومصدر إشارة إلى أنّ المراد بالأحكام ما لا يكون فاعلا له وبالآثار ما يكون فاعلا له، ولو اكتفى بأحدهما لكفى أيضا. اعلم أنّ الاستعمال الأول هو الأصل إذ المتبادر من الخارج في مقابلة الذهن هو خارج الذهن، والاستعمال الثاني متفرّع عليه لأنّ إطلاق الخارج على الوجود الأصيل الذي ظرفه الذهن باعتبار التشبيه بالوجود الذي ظرفه خارج الذهن في الكون أصيل فإنّ كلّ خارجي بهذا المعنى أصيل.

تنبيه:
الموجود الذهني بالمعنى الأول أعمّ مطلقا من الذهني بالمعنى الثاني لأنّه يتناول نوعين:
الأول ما يترتّب عليه الآثار والأحكام الخارجية كوجود الكيفيات النفسانية، وهو أحد قسمي الوجود الخارجي بالمعنى الثاني، فإنّ الصورة الحاصلة من الشيء مثلا من حيث إنّها مكتنفة بالعوارض الذهنية موجودة في الذهن بوجود يحذو حذو الوجود الخارجي في ترتّب الآثار فإنّها بهذا الاعتبار صورة علمية يحصل بها الانكشاف. والثاني ما لا يترتّب عليه تلك الآثار والأحكام وهو الوجود الذهني بالمعنى الثاني فإنّ الصورة الحاصلة من الشيء من حيث هو مع قطع النظر عن العوارض الذهنية موجودة في الذهن بصورتها بوجود لا يترتّب عليه الآثار والأحكام، وأعمّ من وجه من الخارجي بالمعنى الثاني لصدقهما على وجود الكيفيات النفسانية وصدق الذهني فقط على ما لا يترتّب عليه الآثار والأحكام، وصدق الخارجي فقط على ما يترتّب عليها الأحكام والآثار في الخارج والخارجي بالمعنى الأول أخصّ من الخارجي بالمعنى الثاني مطلقا لعدم شموله وجود الكيفيات النفسانية ومباين للوجود الذهني بالمعنيين، وكذا الخارجي بالمعنى الثاني بالنسبة إلى الذهن بالمعنى الثاني.
اعلم أنّ للموجود في نفس الأمر معنيان أحدهما أنّ وجوده ليس متعلّقا بفرض فارض واعتبار معتبر سواء كان فرضا اختراعيا أو انتزاعيا. وثانيهما أنّ وجوده ليس متعلّقا بفرض اختراعي سواء كان متعلّقا بفرض انتزاعي أو لم يكن. ثم إنّ نفس الأمر بالمعنيين أعمّ مطلقا من الخارج إذ كلّ موجود في الخارج بالمعنى الأول موجود في نفس الأمر بلا عكس كلّي ومن الذهن من وجه لإمكان ملاحظــة الكواذب كزوجية الخمسة فتكون موجودة في الذهن لا في نفس الأمر ومثله يسمّى ذهنيا فرضيا، وزوجية الأربعة موجودة فيهما ومثله يسمّى ذهنيا حقيقيا، والحقائق الغير المتصوّرة موجودة في نفس الأمر لا في الذهن، واعترض عليه بأنّه إن أريد من الذهن القوى السّافلة خاصة صحّ ما ذكر، لكن ما في القوى إمّا أن لا يكون من الموجود في الخارج فيلزم عدم انحصار الموجود في القسمين، وإمّا أن يكون من الموجود في الخارج فيلزم عدم صحّة ما ذكر من النسبة، بل يكون نفس الأمر أخصّ مطلقا من الخارج. وإن أريد من الذهن القوى العالية خاصة أو الأعمّ منها فيلزم عدم كون نفس الأمر أعمّ من الذهن من وجه بل هي أخصّ مطلقا منه. ويمكن أن يجاب باختيار الشقّ الأول ويقال الموجود في الذهن هو ما يكون القوى السّافلة ظرفا لوجوده، وتعتبر تلك الظرفية سواء كان بتعمّلها أو لا، والموجود في الخارج ما يكون خارج القوى السّافلة ظرفا لوجوده، وتعتبر تلك الظرفية والموجود في نفس الأمر، وإن لم يكن خاليا عن أحدهما فهو ما يصحّ للعقل أن يحكم بتحقّقه مع قطع النظر عن الطرفين، فالموجود الذهني الذي يكون بتعلّمه أي باختراع الذهن وفرضه كزوجية الخمسة ليس بموجود في نفس الأمر لعدم صحّة حكم العقل بتحقّقه مع قطع النظر عن ظرفه، والموجود في القوى السّافلة أيضا لا يكون خاليا عن أحدهما وهو ما يكون حاضرا عندها والحاضر عندها إذا اعتبر كون القوى السّافلة ظرفا لوجوده فموجود ذهني، فما لا يكون بتعمّل الذهن يصدق عليه أنّ القوى السّافلة ظرف لوجوده فهو موجود خارجي، وإذا لم يعتبر الظرفان فموجود في نفس الأمر، وإن لم يكن خارجا عن الموجود الذهني أو الخارجي والموجود الذهني الذي يكون بتعمّله إذا قطع النظر عن ظرفه فليس بموجود عند القوى العالية ولا في نفس الأمر إذ ليس له تحقّق ولا يصحّ للعقل الحكم بتحقّقه مع قطع النظر عن ظرفه، وعلى هذا فلا يرد شيء.
ويمكن أن يجاب باختيار الشقّ الرابع وهو أن يراد بالذهن القوى العالية والسّافلة جميعا، فالموجود الذهني ما يكون موجودا فيهما معا، ولا ريب أنّ ما لا يكون موجودا فيهما بموجود أصلا، وأنّه لا يمكن أن يوجد شيء في القوى السّافلة إلّا ويوجد في القوى العالية، وما ليس موجودا في القوى السّافلة فقط فموجود خارجي فلا يرد عدم الانحصار، وصحّ كون الموجود في نفس الأمر أعمّ من الموجود في الذهن من وجه إذ قد يجتمعان كما في الصوادق الحاصلة في القوى العالية والسّافلة، ويصدق الموجود في نفس الأمر فقط في الصوادق الغير الحاصلة في القوى السّافلة، وإن كانت حاصلة في القوى العالية ويصدق الموجود الذهني فقط في الكواذب الحاصلة في القوى السّافلة والعالية، هكذا ذكر العلمي في حاشية شرح هداية الحكمة.
اعلم أنّ وجود الشيء للشيء على معنيين:
الأول وجود الشيء لغيره بأن يكون محمولا عليه ومستقلا بالمفهومية كوجود الأعراض والثاني وجوده لغيره بأن يكون رابطا بين الموضوع والمحمول وغير مستقل بالمفهومية ويسمّى وجودا رابطيا.
فائدة:
المتكلّمون أنكروا الوجود الذهني لأنّه لو اقتضى تصوّر الشيء حصوله ذهنا لزم كون الذهن حارا وباردا ومستقيما ومعوجا، وأيضا حصول الجبل والسماء مع عظمهما في ذهننا مما لا يعقل، وأثبته الحكماء وأجابوا عن الوجهين بأنّ الحاصل في الذهن صورة وماهية موجودة بوجود ظلّي لا هوية عينية موجودة بوجود أصيل. والحار ما يقوم به هوية الحرارة لا صورتها وماهيتها، وكذا الحال في البارد والمستقيم والمعوج. وبأنّ الذي يمتنع حصوله في الذهن هو هوية الجبل والسماء وغيرهما وأما مفهوماتها الكلّية وماهيتها فلا. وبالجملة فالصورة الذهنية كلّية كانت كصور المعقولات أو جزئية كصور المحسوسات مخالفة للخارجية في اللوازم المستندة إلى خصوصية أحد الوجودين وإن كانت مشاركة لها في لوازم الماهية من حيث هي. وما ذكرتم امتناعه هو حكم الخارجي فلم قلتم إنّ الذهني كذلك. والتفصيل أنّ هاهنا ثلاثة اعتبارات: الأول اعتبار الشيء من حيث هو، والثاني اعتباره من حيث إنّه مقترن باللوازم الخارجية، والثالث اعتباره من حيث إنّه مقترن باللوازم الذهنية. فالشيء من حيث هو معلوم بالذات لحصول صورته في الذهن وموجود في الخارج والذهن معا لحصوله في الخارج بنفسه وفي الذهن بصورته. والشيء من حيث إنّه مقترن بالعوارض الخارجية معلوم بالعرض لتحقّق العلم عند انتفائه وموجود في الخارج فقط لترتّب الآثار الخارجية عليه دون الذهنية. والشيء المقترن بالعوارض الذهنية علم لكونه صورة ذهنية للاعتبار الأول وموجود خارجي لترتّب الآثار الخارجية عليه واتصاف الذهن اتصافا انضماميا وحصوله في الذهن بنفسه لا بصورته، فالعلم والمعلوم في الحصولي متحدان ذاتا ومتغايران اعتبارا كما أنّهما في العلم الحضوري متحدان ذاتا واعتبارا كذا في شرح المواقف.
فائدة:
الوجود مشترك في الموجودات بأسرها اشتراكا معنويا وإليه ذهب الحكماء والمعتزلة غير أبي الحسن وأتباعه، وذهب إليه جمع من الأشاعرة أيضا، إلّا أنّه مشكّك عند الحكماء متواطئ عند غيرهم. والقائلون بأنّه نفس الحقيقة في الكلّ ذهبوا إلى أنّه مشترك لفظا فيها. ونقل عن الكبشي وأتباعه أنّه مشترك لفظا بين الواجب والممكن ومشترك معنى بين الممكنات كلّها، والتفصيل في شرح المواقف.
فائدة:
ذهب الأشعري إلى أنّ الوجود نفس الحقيقة في الواجب والممكن والحكماء إلى أنّه نفس الماهية في الواجب زائد في الممكن.
وقيل إنّه زائد على الماهية في الكلّ. قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف ليس المراد بعينية الوجود وزيادته حمله على الموجود حملا أوليا، وانتفاء هذا الحمل كما هو المشهور ضرورة لأنّه لا يتصوّر أن يكون مفهوم الوجود عين الحقيقة الواجبة أو الممكنة، بل المراد منهما حمله عليه حملا بالذات وحملا بالعرض. والحمل بالذات أن يكون مصداق الحمل نفس ذات الموضوع من حيث هي والحمل بالعرض أن يكون مصداقه خارجا عنها كما مرّ في موضعه. فمصداق حمل الوجود على تقدير العينية ذات الموضوع من حيث هي وعلى تقدير الغيرية ذات الموضوع مع حيثية زائدة عليه عقلي كحيثية استناده إلى الجاعل. ويقرب من ذلك ما قيل إنّ محلّ النزاع هو الوجود بمعنى مصدر الآثار. ثم قال: وتحقيق مذهب الحكماء أنّ حقيقة الوجود ليس ما يفهم منه من المعنى المصدري لأنّ هذا المعنى متحقّق باعتبار العقل وانتزاع الذهن وحقيقته متحقّقة مع قطع النظر عن ذهن الذاهن واعتبار المعتبر، كما يشهد به الضرورة العقلية. فمفهوم الوجود مغاير لحقيقته، وتلك الحقيقة على ما يحكم به النظر الدقيق منشأ لانتزاع هذا المفهوم ومصداق لحمله ومطابق لصدقه وهي في الممكن زائدة لأنّه موجود بغيره. فمصداق حمل الوجود عليه أمر زائد وفي الواجب عين لأنّه موجود بذاته فمصداق حمل الوجود عليه نفس ذاته من غير اعتبار أمر آخر، فالواجب سبحانه وجود خاص قائم بذاته ذاتية محضة لا ماهية له، فإنّ الماهية هي الحقيقة المعراة عن الأوصاف في اعتبار العقل وهو سبحانه منزّه عن أن يلحقه التعرية وأن يحيطه الاعتبار. وبالجملة فبعد تدقيق النظر يظهر أن ليس في الخارج مثلا إلّا ذات الشيء من حيث يصحّ انتزاع مفهوم الوجود عنه والعقل بضرب من التحليل ينتزع عنه الوجود ويصفه به ويحمل عليه، فهنا ثلاثة أمور: الأول المنتزع عنه وهو ذات الشيء وماهيته. والثاني الحيثية التي هي منشأ الانتزاع وهي تعلّق الشيء بالوجود الحقيقي الذي هو موجود بنفسه وواجب لذاته وارتباطه به. والثالث المنتزع وهو الوجود بالمعنى المصدري وهو أمر اعتباري وليس أفراده إلّا حصصا ولا يصدق مواطأة إلّا عليها.
ومن جوّز أن يكون له فرد غير الحصّة فقد أخطأ، كيف والمعنى المصدري الانتزاعي لا حقيقة له إلّا ما يفهم منه عند انتزاعه وذلك المفهوم لا يحمل على ما يغايره إلّا اشتقاقا.
وهذه الأمور الثلاثة كلّها متحقّقة في الممكن واثنان منها في الواجب فإنّ ذاته تعالى منشأ الانتزاع ومصداق الحمل. ويحول حول ذلك ما قيل إنّ في الممكن الوجود المطلق وحصّته والوجود الخاص زائد وفي الواجب الأول والثاني زائدان دون الثالث لانتفائه هناك، إذ عين الذات ينوب منابه في كونه مصداق الحمل. وما قيل إنّ محلّ الخلاف هو الوجود بمعنى مصدر الآثار والوجود الحقيقي الذي به الموجودية انتهى. والوجود عند الصوفية قد مرّ بيانه في لفظ الوجد.

الوحي

الوحي: إلقاء المعنى في النفس في خفاء، ولا يجوز أن تطلق الصفة بالوحي إلا لنبي ذكره الحرالي، وقال الراغب: الوحي أصله الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل أمر وحي، ولذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، ويكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة بعض الجوارح، وبالكتابة وغير ذلك. ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل في صورة معينة، وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلامه
تعالى، وإما بإلقاء ما في الروع كحديث "إن جبريل نفث في روعي" ، وإما بإلهام نحو {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} ، وإما بتسخير نحو {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} ، وإما بمنام كما دل عليه حديث "انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن" . 
...
فصل الخاء، فصل الخاء
الوحي:
[في الانكليزية] Revelation ،inspiration
[ في الفرنسية] Revelation ،inspiration
بالفتح وسكون الحاء في الأصل الإعلام في خفاء، وقيل الإعلام بسرعة وكلّ ما دللت به من كلام أو كتابة أو رسالة أو إشارة فهو وحي.
وقد يطلق ويراد به اسم المفعول منه أي الموحي. قال الامام عبد الله التيمي الأصفهاني، الوحي أصله التفهّم، وكلّ ما فهم به شيء من الإشارة والإلهام والكتب فهو وحي. وقيل في قوله تعالى فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا أي كتب. وفي قوله تعالى وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أي ألهم.
وأمّا الوحي بمعنى الإشارة فهو كما قال الشاعر:
يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الــملاحظ خيفة الرّقباء وفي اصطلاح الشريعة هو كلام الله تعالى المنزّل على نبي من أنبيائه، كذا في الكرماني والعيني. قال صدر الشريعة في التوضيح في ركن السّنّة: الوحي ظاهر وباطن. أمّا الظاهر فثلاثة: الأول ما ثبت بلسان الملك فوقع في سمعه بعد علمه بالمبلّغ بآية قاطعة والقرآن من هذا القبيل. والثاني ما وضح له بإشارة الملك من غير بيان بالكلام كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت) الحديث، وهذا يسمّى خاطر الملك. والثالث الإلهام وكل ذلك حجة مطلقا بخلاف إلهام الأولياء فإنّه لا يكون حجة على غيره. وأمّا الباطن فما ينال بالرأي والاجتهاد.

الوضع

الوضع: لغة: جعل اللفظ بإزاء المعنى.

واصطلاحا: تخصيص شيء بشيء متى، أطلق فهم منه الشيء الثاني.

وعند الحكماء: هو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبتين: نسبة أجزائه بعضهما إلى بعض، ونسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود، فإن كلا منهما هيئة عارضة للشخص بسبب نسبة أعضائه بعضها لبعض، وإلى الأمور الخارجة عنه. والوضع الحسي: ألقاء الشيء المستثقل، ذكره الحرالي. وقال الراغب: والوضع أعم من الحط، ومنه الموضع. والوضيعة: الحطيطة.
الوضع:
[في الانكليزية] Situation ،position ،attitude
[ في الفرنسية] Situation ،position ،attitude
بالفتح وسكون الضاد المعجمة في اللغة وضع شيء في مكان، كما في الصراح. وعند الحكماء يطلق على معان. منها ما هو مقولة من المقولات التسع من الأعراض هي هيئة تعرّض للشيء بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض منها، وإلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود والمراد بالشيء الجسم أي هي هيئة حاصلة للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض بالقرب والبعد والمحاذاة منه وغيرها، وبسبب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عن ذلك الشيء كوقوع بعضها نحو السماء مثلا وبعضها نحو الأرض، سواء كانت الأجزاء بالفعل أو بالقوة فالوضع هيئة معلولة للنسبتين معا، ولو لم يعتبر في ماهيته نسبة الأجزاء إلى الأمور الخارجية، بل اكتفي فيها بالنسبة فيما بين الأجزاء وحدها لزم أن يكون القيام بعينه الانتكاس لأنّ القائم إذا قلب بحيث لا تتغيّر النسبة فيما بين أجزائه كانت الهيئة معلولة لهذه النسبة وحدها باقية بشخصها، فيكون وضع الانتكاس بعينه وضع القيام. قال شارح حكمة العين: اللازم مما ذكرتم اشتراكهما في معنى الوضع الذي هو جنسهما فجاز أن يفترقا بالفصل الحاصل من النسبة الخارجية. وأجيب بأنّ الجنس والفصل يتحدان وجودا وجعلا، فكيف يتصوّر أنّ حصة من الجنس قارنت فصلا ثم فارقته إلى فصل آخر. ثم إنّهم اتفقوا على أنّ الوضع هيئة بسيطة معلولة للنسبتين وليست مركّبة منهما، إذ النسبة فيما بين الأجزاء وفيما بينها وبين الأمور الخارجية ليس إلّا القرب والبعد والمحاذاة والمجاورة والتماسّ، وليس القيام والقعود نفس تلك النسب ولا مركّبا من الهيئتين الحاصلتين منها إذ لا دليل على وجودهما في القيام مثلا، فضلا عن تركّبه منها فهو هيئة وحدانية معلولة لهما. واعلم أنّ الإمام في المباحث المشرقية عرّف الوضع بأنّه هيئة تحصل للجسم بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض نسبة تتخالف الأجزاء لأجلها بالقياس إلى تلك الجهات في الموازاة والانحراف، ولا تخالف بين التعريفين وأنّ ظاهر هذا التعريف مشعر بأنّه معلول لنسبة الأجزاء فيما بينها لأنّه قيد فيه النسبة لكونها موجبة لتخالفها بالقياس إلى تلك الجهات وذلك لا يحصل إلّا بعد اعتبار النسبة إلى الأمور الخارجية أيضا، إلّا أنّه في التعريف المشهور جعل معلولا لمجموع النسبتين، وفيما ذكره الإمام معلولا للنسبة المقيّدة، هكذا يستفاد من شرح المواقف وحاشيته لمولانا عبد الحكيم.
ومنها ما هو جزء المقولة وهو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض.
ومنها كون الشيء بحيث يمكن أن يشار إليه إشارة حسّية، فالنقطة بهذا المعنى ذات وضع دون الوحدة، هكذا في شرح التجريد وشرح حكمة العين. وعند أهل العربية عبارة عن تعيين الشيء للدلالة على شيء والشيء الأول هو الموضوع لفظا كان أو غيره كالخطّ والعقد والنصب والإشارة والهيئة، والشيء الثاني هو المعنى الموضوع له، فهذا تعريف لمطلق الوضع لا لوضع اللفظ صرّح به في الأطول. وأمّا وضع اللفظ فقال السّيّد السّند في حاشية شرح المطالع في بحث الدلالة إنّه مشترك بين معنيين أحدهما تعيين اللفظ للدلالة على المعنى، وعلى هذا ففي المجاز وضع نوعي قطعا إذ لا بدّ من العلاقة المعتبرة نوعها عند الوضع. وأمّا الوضع الشخصي فربّما يثبت في بعض، والثاني تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه أي ليدلّ بنفسه لا بقرينة تنضم إليه، وعلى هذا فلا وضع في المجاز أصلا لا شخصيا ولا نوعيا، لأنّ الواضع لم يعيّن اللفظ للمعنى المجازي بنفسه بل بالقرينة الشخصية أو النوعية، فاستعماله فيه بالمناسبة لا بالوضع بخلاف تعيين المشتقّات كاسم الفاعل ونظائره فهو وضع قطعا لدلالتها على معانيها بأنفسها، لكنه وضع نوعي أي بضابطة كلّية كأن يقال كلّ صيغة فاعل كذا فهو لكذا.

التقسيم:
الوضع على قسمين وضع شخصي ويسمّى أيضا وضعا جزئيا ووضعا عينيا، ووضع نوعي ويسمّى وضعا كلّيا أيضا. فالوضع الشخصي تعيين اللفظ بخصوصه وبعينه للمعنى كما يقال هذا اللفظ موضوع لكذا، والوضع النوعي تعيين اللفظ لا بخصوصه وبعينه للمعنى بل في ضمن القاعدة الكلّية، ولذا وقع في شرح المطالع من أنّه قد يعتبر عموم الوضع في جانب اللفظ ويسمّى حينئذ وضعا نوعيا انتهى. ويؤيّد ما ذكرنا أيضا ما قال الهداد في حاشية الكافية من أنّه لا نعني بالوضع الجزئي سوى وضع اللفظ بشخصه لمعنى كالمضمرات والمبهمات فإنّها وضعت بأشخاصها للإطلاق على المعيّن أيّ معيّن كان، بخلاف ذي اللام فإنّه غير موضوع بشخصه. فنحو الرجل لم يوضع هكذا بشخصه وإنّما وضعت قاعدة كلّية تطلق عليه وعلى أمثاله وهي أنّ ما دخله اللام فهو معرفة فكان وضعه كلّيا لا جزئيا انتهى. قال في التلويح في فصل قصر العام: الوضع النوعي قد يكون بثبوت قاعدة دالّة على أنّ كلّ لفظ يكون بكيفية كذا فهو متعيّن للدلالة بنفسه على معنى مخصوص يفهم منه بواسطة تعيينه له، مثل الحكم بأنّ كلّ اسم آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة فهو لفردين من مدلول ما لحق آخره هذه العلامة، وكلّ اسم غيّر إلى نحو رجال ومسلمين ومسلمات فهو لجمع من مسمّيات ذلك الاسم، وكلّ جمع عرّف باللام فهو لجميع تلك المسمّيات إلى غير ذلك، ومثل هذا من باب الحقيقة بمنزلة الموضوعات الشخصية بأعيانها، بل أكثر الحقائق من هذا القبيل كالمثنى والمصغّر والمنسوب وعامة الأفعال والمشتقات والمركّبات. وبالجملة كلّ ما يكون دلالته على المعنى بهيئته فهو من هذا القبيل. وقد يكون بثبوت قاعدة دالّة على أنّ كلّ لفظ معيّن للدلالة بنفسه على معنى فهو عند القرينة المانعة من إرادة ذلك المعنى متعيّن لما يتعلّق بذلك المعنى تعلّقا خاصا ودال عليه بمعنى أنّه يفهم منه بواسطة القرينة لا بواسطة هذا التعيّن حتى لو لم يثبت من الواضع جواز استعمال اللفظ في المعنى المجازي لكانت دلالته عليه وفهمه منه عند قيام القرينة بحالها، ومثله مجاز لتجاوزه المعنى الأصلي، فالوضع عند الإطلاق يراد به تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه سواء كان ذلك التعيين بأن يفرد اللفظ بعينه بالتعيين أو يدرج في القاعدة الدّالّة على التعيين وهو المراد بالوضع المأخوذ في تعريف الحقيقة والمجاز، ويشتمل الوضع الشخصي والقسم الأول من النوعي انتهى. وبالجملة فالوضع النوعي على قسمين، وأيضا ينقسم إلى وضع لغوي وشرعي وعرفي واصطلاحي وقد سبق في لفظ المجاز.
وأيضا ينقسم الوضع إلى ثلاثة أقسام. قال السّيّد السّند في حاشية شرح مختصر الأصول في بحث الحروف لا بدّ للواضع في الوضع من تصوّر المعنى فإن تصوّر معنى جزئيا وعيّن بإزائه لفظا مخصوصا أو ألفاظا مخصوصة متصوّرة إجمالا أو تفصيلا كان الوضع خاصا لخصوص التصوّر المعتبر فيه أي تصوّر المعنى والموضوع له أيضا خاصا، وإن تصوّر معنى عاما يندرج تحته جزئيات إضافية أو حقيقية فله أن يعيّن لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة على أحد الوجهين بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عاما لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له أيضا عاما، وله أن يعيّن اللفظ أو الألفاظ بإزاء الخصوصيات المندرجة تحته لأنّها معلومة إجمالا إذا توجّه العقل بذلك المفهوم العام ونحوها، والعلم الإجمالي كاف في الوضع فيكون الوضع عاما لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له خاصا. وأمّا عكس هذا أعني بكون الوضع خاصا لخصوص التصوّر المعتبر فيه والموضوع له عاما فلا يتصوّر لأنّ الجزئي ليس وجها من وجوه الكلّي ليتوجّه العقل به إليه فيتصوّره إجمالا، إنّما الأمر بالعكس انتهى.
ومثله ذكر مولانا عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية حيث قال: الوضع الجزئي ما لوحظ فيه الموضوع له الجزئي بعينه ويسمّى وضعا خاصا أيضا والوضع الكلّي ما لوحظ فيه الموضوع له الكلّي بنفسه أو الموضوع له الجزئي بعنوان أعمّ كما يقال لوحظ كلّ مشار إليه يعنون المشار إليه ووضع له بعينه اسم الإشارة ويسمّى وضعا عاما أيضا، فالأول وضع عام لموضوع له عام والثاني وضع عام لموضوع له خاص انتهى.

وقال المحقّق التفتازاني: اعلم أنّ نظر الواضع في وضعه قد يكون إلى خصوص اللفظ بخصوص المعنى كما في الأعلام وقد يكون إلى خصوص اللفظ لعموم المعنى أي للمعنى الكلّي المحتمل للمقولية على الكثرة كوضع رجل حتى يصحّ أن يقال أكرم رجلا، والمراد رجلا ما ولو أريد زيد بخصوصه لم يصح حقيقة. وقد يكون إلى عموم اللفظ لخصوص المعنى بأن لا يلاحظ لفظا بعينه بل أمرا كلّيا يندرج فيه كثير من الألفاظ وذلك في وضع الهيئات بأن يقول صيغة فاعل من كلّ مصدر لمن قام به مدلول ذلك المصدر فيعلم منه أنّ ضاربا لمن قام به الضرب وقاعدا لمن قام به القعود إلى غير ذلك من الخصوصيات، مع أنّه لم يعتبرها ولم يلاحظها على التفصيل. وقد يكون إلى اللفظ بخصوصه فيضعه بــملاحظــة أمر عام لأفراد ذلك الأمر بخصوصياتها حتى لا يكون الموضوع له هو ذلك الأمر العام بل خصوصياته على التفصيل، إلّا أنّ نظر الواضع عند الوضع يكون إلى ذلك الأمر لا إلى الخصوصيات بمعنى أنّه عين اللفظ لتلك الخصوصيات لكن بــملاحظــة ذلك الأمر العام كما في تعيين لفظ هذا لهذا الرجل وهذا الفرس إلى غير ذلك مما لا يتناهى بــملاحظــة أمر كلّي هو مفهوم المشار إليه بالخصوص. ففي القسم الأخير من القسمين الأخيرين خصوص المعنى الشخصي لا يحتمل الكثرة واعتبار خصوص اللفظ في نظر الواضع ضروري بخلاف القسم الأول منهما فإنّ خصوصيات المعاني كلّيات وملاحظــة الألفاظ عند الوضع ليست باعتبار خصوصياتها بل باعتبار اندراجها تحت أمر كلّي انتهى كلامه. ففهم من هذا أنّ في الأقسام الأربعة التي ذكرها المحقّق التفتازاني سوى القسم الثالث وضعا شخصيا لاعتبار الخصوص في جانب اللفظ وفي القسم الثالث منهما وضعا نوعيا لاعتبار العموم في جانب اللفظ وأنّ في القسم الأول منها الوضع والموضوع له كليهما خاصان، وفي القسم الثاني كليهما عامان، وفي القسمين الأخيرين الوضع عام والموضوع له خاص إذ عموم الوضع وخصوصه معتبر لعموم تصوّر المعنى عند الوضع وخصوصه عنده وعموم الموضوع له وخصوصه معتبر بعموم المعنى الذي وضع ذلك اللفظ بإزائه وخصوصه يشهد بذلك التأمّل الصادق.

تنبيه:

الوضع الجزئي يطلق على معنيين:
أحدهما الوضع الشخصي وثانيهما الوضع الخاص، وكذلك الوضع الكلّي يطلق على معنيين: أحدهما الوضع النوعي والثاني الوضع العام.
فائدة:
من قبيل الوضع العام لموضوع له خاص وضع المبهمات والمضمرات، فإنّ لفظ هذا مثلا موضوع لكلّ مشار إليه مخصوص، فإنّ الواضع تصوّر كلّ مشار إليه مفرد مذكّر باعتبار هذا المفهوم العام ولم يضع اللفظ لهذا المعنى الكلّي بل لتلك الجزئيات المندرجة تحته، فصار الوضع عاما والموضوع له خاصا، وإنّما حكمنا بذلك لأنّ لفظ هذا لا يطلق إلّا على الخصوصيات ولا يجوز إطلاقه على غيرها، إذ لا يقال هذا والمراد أحد ممّا يشار إليه، بل لا بدّ في إطلاقه من المقصد إلى خصوصية معيّنة فلو كان موضوعا للمعنى العام كرجل لجاز فيه ذلك ولكان استعماله في الخصوصيات مجازا.
والقول بأنّه موضوع لمفهوم كلّي لكن الواضع قد اشترط أن لا يستعمل إلّا في الجزئيات بخلاف نحو رجل تمحّل ظاهر. فإن قلت إذا كان هذا موضوعا للخصوصيات المتعدّدة كان مشتركا لفظا. قلت إنّما يلزم ذلك لو كان موضوعا لها بأوضاع متعدّدة وليس كذلك بل موضوع لها وضعا واحدا. واعلم أنّ وضعه للخصوصيات من حيث إنّها مندرجة تحت المفهوم الكلّي، فزيد من حيث تعلّق به إشارة مخصوصة معنى لهذا فله اعتبار في الوضع وفي الموضوع له أيضا، وكذا الحال في المضمرات فإنّ لفظ أنا موضوع لكلّ متكلّم واحد ولفظ أنت لكلّ مخاطب مذكّر واحد، ولفظ هو لكلّ مفرد مذكّر غائب مخصوص، ولا يقدح في ذلك أنّ هذا يشار به أيضا إلى أمر كلّي مذكور وأنّ ضمير الغائب قد يرجع إليه أيضا. أمّا الأول فلأنّ هذا يقتضي بحسب أصل الوضع مشارا إليه إشارة حسّية فلا يكون إلّا جزئيا حقيقيا، وإذا استعمل في غيره فقد نزّل منزلته، والكلّي المذكور من حيث إنّه مذكور بهذا الذكر الجزئي جزئي لا يحتمل الشركة. وأمّا الثاني فلاقتضاء ضمير الغائب ذكرا جزئيا للمرجوع إليه إمّا لفظا أو معنى أو حكما، وقد عرفت أنّ الكلّي من حيث هو مذكور ذكرا جزئيا جزئي ومنه المشتقات كالأفعال فإنّها بالنظر إلى النسب الداخلة في مفهومها من هذا القبيل، وكالأسماء المتصلة بها مثل اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما وكالمصغّر والمنسوب، إلّا أنّ في وضع المبهمات والمضمرات وبين وضع المشتقات فرقا من وجهين: الأول أنّ الخصوصيات التي وضعت بإزائها المشتقات جزئيات إضافية كلّ واحد منها كلّي في نفسه حتى لو فرض أنّ الواضع تصوّر مفهوم الضارب وعيّن بإزائه كان الوضع والموضوع له عامين، والخصوصيات التي وضعت المبهمات والمضمرات بإزائها جزئيات حقيقية. والثاني أنّ تصوّر اللفظ والمعنى في المشتقات بوجه عام وأمّا في المبهمات والمضمرات فعموم التصوّر في المعنى، لكن الوضع في كليهما عام لأنّ المعتبر في ذلك هو المعنى إذ لا يترتّب على اعتباره في اللفظ فائدة. ومنه الحروف فإنّ لفظة من مثلا موضوعة لكلّ ابتداء خاص بوضع واحد، هكذا ذكر السّيّد الشريف في حاشية شرح مختصر الأصول.
فائدة:
من المعلوم أنّ دلالة اللفظ على مفهوم دون مفهوم آخر مع استواء نسبته إليهما ممتنعة بل لا بدّ من اختصاص يقتضي لإمكانه مخصّصا ينحصر بحكم التقسيم العقلي في ذات اللفظ وغيرها، وذلك الغير إمّا الله تعالى أو غيره، فذهب عبّاد بن سليمان الصيري وأهل التكسير أي أصحاب علم الحروف وبعض المعتزلة إلى الأول وزعموا أنّ بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية مخصوصة منها نشأت دلالته عليه، والحقّ خلافه، لأنّا لو فرضنا وضع اللفظ الدّالّ على الشيء لمناسبة ذاتية على زعمكم لنقيض ذلك الشيء أو لضدّه دلّ اللفظ على النقيض أو الضدّ دون هذا المدلول الذي هو الشيء، فقد تخلّف عن اللفظ الدلالة عليه، أو لو فرضنا وضع اللفظ للشيء ولنقيضه أو له ولضده دلّ عليهما، فقد اختلف دلالته فتارة على الشيء وحده وتارة عليه وعلى نقيضه أو عليه وعلى ضدّه، وما كان ثابتا لشيء بالذات وبحسب اقتضائها لا يتخلّف عنها ولا تختلف في شيء من الأحوال قطعا فلا تكون دلالته مستندة إلى ذاته، وبهذا التقرير يندفع ما يقال لم لا يجوز أن يكون للفظ مناسبة ذاتية إلى النقيضين أو الضدين إذ لا دليل على استحالته. نعم إنّه مستبعد لكنه لا ينافي الجواز ولا الوقوع. ثم إنّه لا يلزم التخصيص بلا مخصّص إذ إرادة الواضع المختار يصلح مخصصا من غير انضمام داعية إليه كتخصيص الله الحدوث بوقت وكتخصيص العبد الأعلام بالأشخاص. واعلم أنّ المخالف لعلّه يدعي ما يدعيه الاشتقاقيون في ملاحظــة الواضع مناسبة ما بين اللفظ ومدلوله في الوضع وإلّا فبطلانه ضروري.
فائدة:
الواضع إمّا الله تعالى أو الخلق أو الله تعالى والخلق بالتوزيع، ثم أن يجزم بأصالة الثلاثة أم لا؟ فهذه أربعة أقسام، قال بكلّ قسم منها قائل. فقال الأشعري ومتابعوه الواضع للغات هو الله تعالى وعلّمها بالوحي أي بأن خاطب إمّا بذاته أو بإرسال ملك عبدا أو داعيا بكون الألفاظ موضوعة للمعاني، أو بخلق أصوات تدلّ على الوضع، وذلك إمّا بخلق الأصوات والحروف أعني جميع الألفاظ التي وضعها للمعاني وإسماعها لواحد أو لجماعة بحيث يحصل له أو لهم العلم بأنّها بإزاء تلك المعاني، وإمّا بخلق أصوات وحروف تدلّ على أنّ تلك الألفاظ موضوعة، أو بخلق علم ضروري بأن يخلق العلم الضروري لواحد أو لجماعة باللغات وأنّ واضعها قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة. وقالت البهشمية أي أصحاب أبي هاشم وضعها البشر واحدا أو جماعة بأن انبعث داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها ثم حصل تعريف الباقين بالإشارة والتكرار كما في الأطفال يتعلمون اللغات بترديد الألفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة الإشارة وغيرها، كأن يقال هات الكتاب ولم يكن فيه غيره فيعلم أنّ اللفظ بإزائه. وقال الاستاذ أبو إسحاق الواضع هو الله تعالى والخلق بالتوزيع لا من حيث أنّ بعضا لهذا قطعا وبعضا لذلك قطعا، بل من حيث إنّ البعض لله سبحانه جزما والبعض الآخر يتردّد بينهما، وأما عكس مذهبه بأن يكون الاصطلاحي مقدّما على التوقيفي فهو وإن كان مندرجا تحت التوزيع لكنه على ما قيل من أنّه لم يتحقّق لا هو ولا صاحبه، والقدر المحتاج إليه في التعريف يحصل بالتوقيف من قبل الله وغيره محتمل للأمرين. وقال القاضي أبو بكر الجميع ممكن عقلا ولشيء من أدلة المذاهب لا يفيد القطع فوجب التوقّف وهذا هو الصحيح.
ثم إنّه إن كان المقصود هو الظّنّ بأن كان النزاع في الظهور لا في القطع وهو الحقّ إذ الألفاظ يكتفى فيها بالظواهر، فالحقّ ما صار إليه الأشعري لقوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.
فائدة:
طريق معرفة الوضع هو النقل لأنّ وضع لفظ معيّن لمعنى معيّن من الممكنات والعقل لا يستقلّ بها. والنقل إمّا متواتر يفيد القطع أو آحاد يفيد الظّنّ، واللغات قسمان: قسم لا يقبل التشكيك كالأرض والسماء والحرّ والبرد مما يعلم وضعها لما يستعمل فيه قطعا، وقسم يقبله كاللغات العربية، فالطريق فيما لا يقبل التشكيك هو التواتر وفي غيره الآحاد، ولا يراد بالنقل أن يكون مستقلا بالدلالة من غير مدخل العقل فيه إذ صدق المخبر لا بدّ فيه وأنّه عقلي، بل يراد به أن يكون للنقل مدخل. وإن شئت زيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.

الِاتِّصَال

الِاتِّصَال: مَشْهُور وَعند الصُّوفِيَّة الِاتِّحَاد هُوَ شُهُود الْحق الْوَاحِد الْمُطلق الَّذِي كل بِهِ مَوْجُود فيتحد بِهِ الْكل من حَيْثُ كَون الْكل مَوْجُودا بِهِ مَعْدُوما بِنَفسِهِ لَا من حَيْثُ إِن لَهُ وجودا خارجيا اتَّحد بِهِ فَإِنَّهُ محَال. والاتصال هُوَ مُلَاحظَــة العَبْد عينه مُتَّصِلا بالوجود الأحدي بِقطع النّظر عَن تَقْيِيد وجوده بِعَيْنِه وَإِسْقَاط إِضَافَته إِلَيْهِ فَيرى اتِّصَال مدد الْوُجُود وَنَفس الرَّحْمَن إِلَيْهِ على الدَّوَام بِلَا انْقِطَاع حَتَّى يبْقى مَوْجُودا بِهِ.

التَّعْرِيف

التَّعْرِيف: (شناسانيدن وخوردراباهل عَرَفَات مانندكردن) كَمَا فِي كتب الْفِقْه أَن التَّعْرِيف اجْتِمَاع النَّاس يَوْم عَرَفَة فِي بعض الْمَوَاضِع تَشْبِيها لَهُ بالواقفين بِعَرَفَة على عَرَفَات. وَأَيْضًا التَّعْرِيف أَن يذهب بِالْهَدْي إِلَى عَرَفَات مَعَ نَفسه ليعرف النَّاس أَنه هدي كَمَا فِي كنز الدقائق وَلَا يجب التَّعْرِيف بِالْهَدْي. والتعريف: عِنْد النُّحَاة كَون الِاسْم مَوْضُوعا لشَيْء بِعَيْنِه كَمَا فِي الْمُضْمرَات والمبهمات والإعلام وَذي اللَّام والمضاف إِلَى الْمعرفَة. وَعند الْمُحَقِّقين حَقِيقَة التَّعْرِيف الْإِشَارَة إِلَى مَا يعرفهُ مخاطبك وَأَن الْمعرفَة مَا يشار بهَا إِلَى مُتَعَيّن أَي مَعْلُوم عِنْد السَّامع من حَيْثُ إِنَّه كَذَلِك والنكرة مَا يشار بهَا إِلَى أَمر مُتَعَيّن من حَيْثُ ذَاته وَلَا يقْصد مُلَاحظَــة تعينه وَإِن كَانَ مُتَعَيّنا معهودا فِي نَفسه فَإِن بَين مصاحبة التَّعْيِين وملاحظــته فرقا بَينا وَبَاقِي تَحْقِيق التَّعْرِيف فِي الْمعرفَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَعند المنطقيين جعل الشَّيْء مَحْمُولا على آخر لإِفَادَة تصَوره بالكنه أَو بِالْوَجْهِ.
اعْلَم أَن الْغَرَض من التَّعْرِيف إِمَّا تَحْصِيل صُورَة لم تكن حَاصِلَة فِي الذِّهْن أَو تعْيين صُورَة من الصُّور الْحَاصِلَة فِيهِ. وَالْأول: هُوَ التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ - وَالثَّانِي: هُوَ التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ. ثمَّ التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ إِمَّا أَن يكون وجود معرفه مَعْلُوما أَولا. الأول: التَّعْرِيف بِحَسب الْحَقِيقَة. وَالثَّانِي: التَّعْرِيف بِحَسب الِاسْم وكل وَاحِد مِنْهُمَا إِن كَانَ بالذاتيات فحد حَقِيقِيّ - أَو اسْمِي تَامّ - أَو نَاقص - وَإِلَّا فرسم حَقِيقِيّ - أَو اسْمِي - كَذَلِك. وَمِثَال الْحَد الْحَقِيقِيّ والرسم الْحَقِيقِيّ تَعْرِيف الْإِنْسَان الْمَعْلُوم وجوده بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق وبالحيوان الضاحك. وَمِثَال الْحَد الاسمي والرسم الاسمي تَعْرِيف العنقاء الْغَيْر الْمَعْلُوم وجودهَا بِالْحَيَوَانِ الكذائي وبالطائر الكذائي. وَمِثَال اللَّفْظِيّ تَعْرِيف الغضنفر بالأسد.
وَقد سمح الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي المطول والتلويح وَشرح الشَّرْح للعضدي حَيْثُ جعل الاسمي دَاخِلا فِي اللَّفْظِيّ. ومنشأ التاسمح أَن الاسمي يَقع فِي مُقَابل الْحَقِيقِيّ واللفظي أَيْضا فِي مُقَابِله. وَزعم أَن كلا الحقيقيين بِمَعْنى وَاحِد فَجعل اللَّفْظِيّ شَامِلًا للاسمي وَغَيره. وَقد عرفت أَن للحقيقي مَعْنيين بِاعْتِبَار أحد الْمَعْنيين مُقَابل للتعريف اللَّفْظِيّ وَبِاعْتِبَار الْمَعْنى الآخر مُقَابل للتعريف الاسمي وَلَيْسَ كلا الحقيقيين بِمَعْنى وَاحِد حَتَّى يَصح مَا زَعمه. وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يَتَّضِح من هَذَا التَّحْقِيق أَن الرسوم الاسمية وَالْحُدُود الاسمية تجْرِي فِي الماهيات الْمَوْجُودَة أَيْضا لَكِن قبل الْعلم بوجودها وَأما الْأُمُور الاعتبارية فَلَا يكون تعريفاتها إِلَّا اسمية.
(التَّعْرِيف) تَحْدِيد الشَّيْء بِذكر خواصه المميزة

تَهْذِيب الْأَخْلَاق

تَهْذِيب الْأَخْلَاق: هُوَ الْقسم الأول من أَقسَام الْحِكْمَة العملية. وَهُوَ علم بمصالح جمَاعَة متشاركة فِي الْمنزل. أَي علم بِأَفْعَال اختيارية صَالِحَة لجَماعَة متشاركة فِي الْمنزل كالوالد والمولود وَالْمَالِك والمملوك وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَن تَهْذِيب الْأَخْلَاق أَي تَنْقِيح الطبائع وتخليصها بِسَبَب هَذَا الْعلم مَعَ الْعَمَل بِهِ.
وَهَا هُنَا شُبْهَة وَهِي أَن الْحُكَمَاء قَالُوا إِن الْعَدَالَة هِيَ التَّوَسُّط فِي طرفِي الإفراط والتفريط وَهِي الْعِفَّة والشجاعة وَالْحكمَة الَّتِي هِيَ أصُول الْأَخْلَاق الفاضلة كَمَا سنبين فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فعلى هَذَا الْحِكْمَة قسم من الْأَخْلَاق - والأخلاق قسم من الْحِكْمَة العملية وَالْحكمَة العملية قسم من الْحِكْمَة فَتكون الْحِكْمَة قسما من الْحِكْمَة إِذْ قسم الْقسم قسم فقد جعل الْقسم بمراتب مقسمًا هَذَا خلف.
وَالْجَوَاب يُمكن بِأَنَّهُمَا متغائران بِالِاعْتِبَارِ وَذَلِكَ كَاف فِي صِحَة التَّقْسِيم إِذْ مَفْهُوم الْحِكْمَة مقسم بِاعْتِبَار صدقه على الْأَفْرَاد - وَقسم بِاعْتِبَار الذَّات من غير مُلَاحظَــة صدقه على الْأَفْرَاد كَمَا أَن المتقابلين قسم من المتضائفين وَجعل مقسمًا فمفهوم المتقابلين من حَيْثُ صدقه على الْأَفْرَاد مقسم. وَمن حَيْثُ الذَّات قسم الْقسم - وَكَذَا حَال الْكَلِمَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْم. وَالْجَوَاب الأحق بالتحقيق مَا قَالَ الإِمَام رَحمَه الله فِي الملخص قد ظن بَعضهم أَن الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة هَا هُنَا أَي فِي أصُول الْأَخْلَاق الفاضلة هِيَ الْحِكْمَة العملية الَّتِي جعلت قسيمة للحكمة النظرية حَيْثُ قيل الْحِكْمَة إِمَّا نظرية وَإِمَّا عملية وَهُوَ ظن بَاطِل. إِذْ الْمَقْصُود من هَذِه الْحِكْمَة ملكة تصدر عَنْهَا أَفعَال متوسطة بَين الجزيرة والغباوة وَالْمرَاد بِتِلْكَ الْحِكْمَة العملية الْعلم بالأمور الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَالْفرق بَين الْعلم وَالْمَذْكُور والملكة الْمَذْكُورَة مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي شرح المواقف قد تبين من كَلَام الإِمَام أَيْضا أَن الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة هَا هُنَا مغائرة للحكمة الَّتِي قسمت إِلَى النظرية والعملية لِأَنَّهَا بِمَعْنى الْعلم بالأشياء مُطلقًا سَوَاء كَانَت مستندة إِلَى قدرتنا أَو لَا انْتهى. فَلَا يرد أَن الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة هَا هُنَا قسم من الْأَخْلَاق والأخلاق من الْحِكْمَة العملية فَيلْزم أَن يكون الْقسم بمرتبة مقسمًا. وَلَا يرد أَيْضا أَن الْحِكْمَة مقسم الْحِكْمَة العملية وَهِي مقسم الْأَخْلَاق وَهِي مقسم هَذِه الْحِكْمَة فَيلْزم كَون الْمقسم بمراتب قسما فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة.

الْخِتَان

(الْخِتَان) مَوضِع الْقطع من الذّكر وَالْأُنْثَى يُقَال برِئ ختانه والدعوة لشهود الْخِتَان
الْخِتَان: يَقُول أفضل الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره فِي شرح (الصِّرَاط الْمُسْتَقيم) محاججا على وجوب الْخِتَان، بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنَا بِاتِّبَاع مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام والمحقق وَالثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن ختان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ وَهُوَ فِي سنّ الثَّمَانِينَ وروى أَبُو دَاوُد أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر شخصا أسلم حَدِيثا أَن ينْزع عَنهُ شعر الْكفْر وَأَن يختتن. وَبِمَا أَن القلفة تحتفظ بِالنَّجَاسَةِ وتمنع صِحَة الصَّلَاة لذا وَجب إِزَالَتهَا.
وَقَالَ الإِمَام الْفَخر الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْحِكْمَة الشَّرْعِيَّة من الْخِتَان أَن الــملاحظ عِنْدَمَا تكون الْحَشَفَة مغطاة بالقلفة تكون ناعمة واللذة فِيهَا قَوِيَّة عِنْد الْمُبَاشرَة، وعندما تقطع يصبح جلد القلفة سميكا وتقل عِنْدهَا اللَّذَّة. وبالإجمال فَإِن الإحساس واللمس بالشَّيْء المستورة أتم وأكمل مِنْهَا بالشَّيْء المكشوف. وَهَذَا مَا يُمكن أَن نستخلصه من حَالَة اللِّسَان والشفتين، وَهَذَا مَا يتوافق ويليق بشريعتنا لِأَنَّهَا شَرِيعَة الْوسط والاعتدال فِيمَا بَين الإفراط والتفريط فَإِنَّهَا تقلل وتعديل اللَّذَّة بالختان فَلَا تقطعها مُطلقًا وَلَا تتركها حد الإفراط. والختان يُوجب الِاعْتِدَال (انْتهى) . وَلَكِن مؤلف هَذَا الْكتاب يقدم لأولي الْأَلْبَاب أَن الْخِتَان يُؤَخر ويقلل من سرعَة الْإِنْزَال بِحَسب الطبيعة بِخِلَاف غير المختون الَّذِي يكون سريع الْإِنْزَال بِسَبَب اللَّذَّة الْكَامِلَة الناتجة من تماس جلدين أَي جلده (القلفة) وجانبي بَاطِن الْفرج، وَقد سَأَلت شخصا حَدِيث الْإِسْلَام وَهُوَ شخص كَانَت بيني وَبَينه مَوَدَّة وَلَا كلفة بَيْننَا عَن الْحَالَتَيْنِ، فَقَالَ عِنْدَمَا كنت غير مختون كَانَت لذتي عالية وَلَكِنِّي كنت سريع الْإِنْزَال وَهَذَا لم يكن يُرْضِي زَوْجَتي، وعندما اختتنت أصبح الْإِنْزَال عِنْدِي بطيئا وَهَذَا مَا أَرض زَوْجَتي. وَفِي شريعتنا إِذا مَا كَانَت نعْمَة اللَّذَّة الْكَامِلَة مفقودة فَإِن واهب العطيات قد أبدلنا عَن ذَلِك بالختان وَنعم الْبَدَل.
الْخِتَان: (ختنه كردن) وَهُوَ قطع الْجلد الزَّائِد على الْحَشَفَة. فِي الْيَنَابِيع وَإِن ولد وَهُوَ شَبيه المختون لَا يقطع مِنْهُ شَيْء. وَفِيه أَيْضا للْأَب أَن يختن وَلَده الصَّغِير ويداويه. وَفِي الظَّهِيرِيَّة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام شمس الْأَئِمَّة الحلوائي رَحمَه الله فِي الْخِتَان ثَلَاثَة أَقْوَال: (سنة) وَقَالَ بَعضهم (وَاجِب) وَقَالَ بَعضهم (فَرِيضَة) وَالصَّحِيح أَنه سنة لما رُوِيَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ختان الرِّجَال سنة وَالنِّسَاء مكرمَة وَكَانَت النِّسَاء يختن فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك مكرمَة لِأَن يكون ألذ للرجل على المواقعة. فِي كِفَايَة الشّعبِيّ قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يُؤَخر الْخِتَان إِلَى أَن يبلغ سبع سِنِين - وَقَالَ بَعضهم إِلَى عشر سِنِين. وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بِأَنَّهُ لَا يُوَقت وَلَكِن ينظر إِلَى حَال الصَّبِي فَإِن كَانَ بِهِ من الْقُوَّة مَا يُطيق ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر وَأما إِذا كَانَ ضَعِيفا فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى أَن يتقوى ثمَّ يختن. وَفِي آخر كنز الدقائق فِي مسَائِل شَتَّى وَوَقته أَي وَقت الْخِتَان سبع سِنِين أَي ابْتِدَاء وَقت الْخِتَان الْمُسْتَحبّ سبع سِنِين وَذكر فِي الذَّخِيرَة أقْصَى وَقت الْخِتَان اثْنَتَا عشرَة سنة. ثمَّ اعْلَم أَن ولد الْمُسلم يختن مَا لم يبلغ وَإِمَّا بعد الْبلُوغ فَلَا لِأَن الْخِتَان مسنون وَستر الْعَوْرَة فرض فِي حَقه فَفِي ختانه ترك الْفَرْض لتَحْصِيل السّنة بِخِلَاف من أسلم بعد كفره فَإِنَّهُ يجوز ختانه وَإِن كَانَ بَالغا صِيَانة عَن لُحُوقه بالكفار. ف (38) .

السَّهْو

(السَّهْو) الْغَفْلَة والذهول عَن الشَّيْء وَيُقَال افْعَل ذَلِك سَهوا رهوا عفوا وحملت الْمَرْأَة سَهوا حبلت على حيض واللين السهل الوطيء الملائم من النَّاس والأمور والمياه وَغَيرهَا واللين والسكون
السَّهْو: زَوَال الصُّورَة من النَّفس بِحَيْثُ يتَمَكَّن من ملاحظــتها من غير تجشم إِدْرَاك جَدِيد - وَقيل السَّهْو عدم ملكة الْعلم وَهُوَ سَهْو لِأَن الصُّورَة مَحْفُوظَة فِي الخزانة فالملكة بَاقِيَة لَا مَعْدُومَة حَال السَّهْو. وَفِي حَال النسْيَان الصُّورَة زائلة عَن الخزانة أَيْضا فالسهو حَالَة متوسطة بَين الْإِدْرَاك وَالنِّسْيَان - وَإِرَادَة هَذِه الْحَالة من عدم ملكة الْعلم مستبعد جدا.

شرف الْكَوَاكِب

شرف الْكَوَاكِب: عبارَة عَن علو شَأْنهَا وتسلطها وَكَمَال تأثيرها فَإِذا ولد مَوْلُود فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن كَانَ طالع الْوَقْت هُنَاكَ دَرَجَة فَرح كَوْكَب يكون الْمَوْلُود سعيدا مُبَارَكًا لِلْأَبَوَيْنِ وقربائه. وَإِن كَانَ طالع الْوَقْت دَرَجَة هُبُوطه أَو وباله لَا يكون الْمَوْلُود سعيدا مُبَارَكًا إِلَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ طالع الْوَقْت دَرَجَة فَرح كَوْكَب آخر أعظم من الْكَوْكَب الأول فَلَا بُد للمنجم حِينَئِذٍ من مُلَاحظَــة هبوط الْكَوْكَب وفرحها وقوتها وضعفها ثمَّ الحكم بِأَمْر.
وَاعْلَم أَن الْكَوْكَب فِي شرفه مثل سُلْطَان على سَرِيره فِي مَمْلَكَته بِكَمَال الْغَلَبَة وَفِي هُبُوطه مثل رجل فِي بَيته على أسوء الْأَحْوَال. وَفِي وباله مثل رجل خرج عَن وَطنه مطرودا عَن مَكَانَهُ وَاقعا فِي أعدائه غير قَادر على شَيْء مغموما مَحْزُونا. وَإِن أردْت معرفَة بيُوت الْكَوَاكِب السَّبْعَة السيارة وشرفها وهبوطها وفرحها فَانْظُر إِلَى هَذَا الْجَدْوَل. (الْكَوَاكِب)

الشَّمْس
الْقَمَر
المريخ
عُطَارِد
المُشْتَرِي
الزهرة
زحل
الراس
الذِّئْب
(بيُوت الْكَوَاكِب)

الْأسد
السرطان
الْحمل الْعَقْرَب
الجوزاء الْعَذْرَاء
الْقوس الْحُوت
الثور الْمِيزَان
الجدي الدَّلْو
الْعَذْرَاء
الْحُوت
(وبالها الويلات)

دَاء
جدي
ميزَان ثَوْر
قَوس حوت
جوزاء سنبلة
عقرب حمل
سرطان أَسد
حوت
سنبلة
(شرفها الشّرف)

الْحمل
الثور
الجدي
السنبلة = الْعَذْرَاء
السرطان
الْحُوت
الْمِيزَان
الجوزاء
الْقوس
(هبوط الانتكاسات)

الْمِيزَان
الْعَقْرَب
السرطان
الْحُوت
الجدي
الْعَذْرَاء
الْحمل
الْقوس
الجوزاء
(الأفراح)
9 - 3
6 - 111 - 512 - 55 -
 

الْعقل بِالْفِعْلِ

الْعقل بِالْفِعْلِ: مرتبَة ثَالِثَة من أَربع مَرَاتِب النَّفس الإنسانية أَي النَّفس الناطقة وَهِي أَن يحصل لَهَا المعقولات النظرية لَكِن لَا تطالعها بِالْفِعْلِ بل صَارَت مخزونة عِنْدهَا بِحَيْثُ يستحضرها مَتى شَاءَت بِلَا حَاجَة إِلَى كسب جَدِيد أَي تكون لَهَا ملكة الاستحضار الَّتِي لَا تحصل إِلَّا إِذا لاحظت النظريات الْحَاصِلَة مرّة بعد أُخْرَى. وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْمرتبَة أَو النَّفس الناطقة فِي هَذِه الْمرتبَة عقلا بِالْفِعْلِ لفعلية ملاحظــات النظريات مرّة بعد أُخْرَى وَهَذَا أولى مِمَّا ذكر فِي الْعقل بالملكة وَاعْلَم أَن الْعقل بِالْفِعْلِ مُتَأَخّر فِي الْحُدُوث عَن

عُمُوم السَّلب

عُمُوم السَّلب: هُوَ السَّلب الْكُلِّي مثل لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر وَالْفرق بَينه وَبَين سلب الْعُمُوم فِي سلب الْعُمُوم.
الْعُمُوم من وَجه مُمْتَنع بَين الْمقسم وأقسامه: بديهي بعد مُلَاحظَــة مَفْهُوم التَّقْسِيم وَالْمرَاد بقولنَا الْحَيَوَان إِمَّا أَبيض أَو أسود الْحَيَوَان إِمَّا حَيَوَان أَبيض أَو حَيَوَان أسود وَمَا هُوَ الْمَشْهُور من جَوَاز ذَلِك قَول عَامي أَقُول إِن الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه وَإِن لم يجز بَين الْمقسم والأقسام لكنه جَائِز بل وَاقع بَين الْمقسم وقيود الْأَقْسَام أَلا ترى أَن الْأَبْيَض الَّذِي هُوَ قيد حصل للقسم للحيوان أَعم من الْحَيَوَان من وَجه كَانَ هَذَا الْقدر منشأ لذَلِك الْمَشْهُور فَافْهَم. 

الْقَمَر

الْقَمَر: كَوْكَب ليلِي مكدر أَزْرَق مائل إِلَى السوَاد مظلم غير نوراني كثيف صقيل قَابل للاستنارة من غَيره يكْسب النُّور عَنهُ بالمحاذاة وَإِنَّمَا يستضيء استضاءة يعْتد بهَا بضياء الشَّمْس لَا بضياء غَيرهَا من الْكَوَاكِب لضعف أضوائها كالمرآة المجلوة الَّتِي تستنير من المضيء المواجه لَهَا وينعكس النُّور عَنْهَا إِلَى مَا يقابلها فَيكون نصف الْقَمَر المواجه للشمس أبدا مستضيئا لَو لم يمْنَع مَانع كحيلولة الأَرْض بَينهمَا وَالنّصف الآخر مظلما فيستفاد من هَا هُنَا أَن نور الْقَمَر مُسْتَفَاد من الشَّمْس فعلى الْقَمَر مِنْهُ الشَّمْس والامتنان أصعب من جروح السنان - نعم مَا قَالَ الصائب رَحمَه الله تَعَالَى.
(باتيركى بسازكه ابروى عنبرين ... يكشب سفيد كشت زمنت هِلَال را)
وتتمة هَذَا المرام فِي المحاق إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(الْقَمَر) جرم سماوي صَغِير يَدُور حول كَوْكَب أكبر مِنْهُ وَيكون تَابعا لَهُ وَمِنْه الْقَمَر التَّابِع للْأَرْض والأقمار الَّتِي تَدور حول كواكب المريخ وزحل وَالْمُشْتَرِي وَالْقَمَر الصناعي جسم يُطلق فِي الفضاء ليدور حول الأَرْض وَيحصل على السرعة الكافية للدوران باستخدام الصاروخ ذِي المراحل وَيحمل أجهزة تقوم برصد المعلومات وَجَمعهَا وإرسالها إِلَى المراكز العلمية على الأَرْض فِي أثْنَاء دورانه فِي الفضاء الجوي كَمَا يستخدم فِي الاتصالات الإذاعية المرئية والصوتية وَفِي الأرصاد الفلكية وَغير ذَلِك وَأول قمر أطلقهُ الْإِنْسَان فِي 4 أكتوبر سنة 1957 (ج) أقمار
و (قمر الدّين) حلوى تتَّخذ من المشمش المجفف يَجْعَل على شكل رقاق (مج)
واسترعى مَاله الْقَمَر إِذا تَركه هملا لَيْلًا بِلَا رَاع والقمران الشَّمْس وَالْقَمَر والشهور القمرية الَّتِي تؤقت بدورة الْقَمَر حول الأَرْض وَالسّنة القمرية اثْنَا عشر شهرا قمريا وأولها الْمحرم وَآخِرهَا ذُو الْحجَّة

(الْقَمَر) المضيء أَو ذُو الْقَمَر يُقَال ليل قمر وَلَيْلَة قمرة
الْقَمَر: كتب صَاحب (مطالع الْقَمَر) يَقُول إِنَّه لما ارتحل الْحَكِيم الْمُحَقق مَا شَاءَ الله الْمصْرِيّ عَن هَذِه الدُّنْيَا وإلتحقت روحه بالباري عز وَجل تاركة القفص الطيني، وجدوا فِي خزانَة كتبه صندوقا، نزعوا أقفاله فوجدوا فِيهِ قدرا من الْحَرِير الْأَبْيَض كتب عَلَيْهِ هَذَا الْفَصْل الَّذِي محصلته مَا يَلِي: كل من يُبَاشر عملا وَيكون الْقَمَر فِي برج الْعَقْرَب أَو السنبلة (الْعَذْرَاء) فَإِنَّهُ سَوف ينْدَم، وكل من يرتدي لباسا جَدِيدا وَالْقَمَر فِي برج الْأسد، يكون بَين النحسين وَيَمُوت فِيهِ (أَي اللّبْس) ، وكل من يُسَافر وَالْقَمَر فِي طَرِيقه إِلَى الْمُحْتَرِقَة لَا يرجع إِلَّا بِعَذَاب وصعوبة وَأَكْثَره أَن لَا يعود إِلَى وَطنه. وكل من يتَزَوَّج وَالْقَمَر فِي منزلَة سعد ذابح فَإِنَّهُ سيطلق فِي المحاق قبل الِاجْتِمَاع. وَإِذا مَا اجْتمع رجل مَعَ امْرَأَة فإمَّا أَن يَمُوت فِي هَذِه السّنة أَو أَنه سيفارقها بِصُورَة وَطَرِيقَة وَلَا أقبح مِنْهَا. وكل من ينْكح وَالْقَمَر فِي منزلَة (زبانا) فَإِن زوجه تَمُوت فِي المحاق.
وَهُنَاكَ أَحْكَام أُخْرَى للمواليد من النَّاس ذكرهَا هُنَا، وَهِي إِذا كَانَت الْكَفّ المخضبة فِي طالع الرجل حِين وِلَادَته فَإِنَّهُ لَا يتَزَوَّج أبدا، وكل مَوْلُود يُولد والزهرة وَعُطَارِد (اوفا) خَالَة بالمريخ فَإِن هَذَا الْمَوْلُود حتما سيدعو النَّاس إِلَيْهِ حَتَّى وَلَو كَانُوا تَحت الأَرْض الثَّانِيَة دَعْوَة خُفْيَة، وَإِذا كَانُوا فَوق الأَرْض فَإِنَّهَا تكون دَعْوَة عَلَانيَة وَإِذا ابتدأت بِالْخُصُومَةِ وَالْقَمَر فِي برج النحس، فَإنَّك تغلب، وَيَقُول أَن لَا تُسَافِر إِذا كَانَ أحد النيرين فِي طالعك فَإنَّك لن تعود أَو تمرض وَكلما كَانَ الطالع نحسا فِي وَقت السّفر فَإِن صَاحب الطالع مسعودا، فَهُوَ يدل على صِحَة الْبدن، وَكلما كَانَ الطالع سَعْدا، وَصَاحب الطالع منحوسا، فَهُوَ يدل على موت مفاجئ. وَإِذا كَانَ الْقَمَر فِي برج الْقوس فَلَا تُسَافِر لِأَنَّهُ يسبب فِي تَأْخِير الْأُمُور، وَلَا تقدم على الزواج حِين يكون الْقَمَر فِي برج السرطان لِأَنَّهُ لَا خير فِيهِ، وَلَا تكْتب شَيْئا وَالْقَمَر فِي الطالع فَإِنَّهُ لَا يستحسن، وَإِذا كَانَ الْقَمَر خَالِي السّير فَإِن الْوَقْت يكون مناسبا للصَّيْد وَالرُّكُوب والتبطل والاختلاء وَالشرب والضيافة. وَإِذا كَانَ الْقَمَر فِي الرَّأْس فَإِنَّهُ من الْحسن زِيَارَة السُّلْطَان والحكام وَطلب الْحَاجة مِنْهُم. (انْتهى) .
والضابطة المضبوطة فِي معرفَة أَن الْقَمَر فِي أَي برج من بروج الْفلك فِي هَذِه الْقطعَة: (كل مَا يَأْتِي من الْقَمَر أَجله ... مثنى وأضف عَلَيْهَا خَمْسَة)
(ثمَّ خُذ خَمْسَة مِنْهَا من مَوضِع الشَّمْس ... فَإنَّك ستعرف البرج وَمَكَان الْقَمَر)
وتوضيحها هَكَذَا، إِذا أردْت أَن تعرف مَكَان الْقَمَر فِي أَي برج هُوَ، فَانْظُر كم مضى من الشَّهْر ثمَّ ضاعفه وأضف عَلَيْهِ خَمْسَة من عنْدك ثمَّ احسب من البرج الَّذِي تكون فِيهِ الشَّمْس خَمْسَة، ثمَّ زد عَلَيْهَا وَاحِدًا وَبعدهَا كل زِيَادَة تبقى تنظر أَي برج توَافق فَيكون الْقَمَر فِيهَا.
وَمِثَال ذَلِك، الْيَوْم هُوَ الْحَادِي عشر من شهر شعْبَان سنة (1171) هجرية إِذا فقد ذهب من الشَّهْر أحد عشر يَوْمًا، فتضاعفه فَيُصْبِح اثْنَان وَعشْرين فنضيف عَلَيْهِ خَمْسَة ليُصبح سَبْعَة وَعشْرين، فَإِذا نَظرنَا وجدنَا الشَّمْس فِي برج الْحمل، ثمَّ نقسم الْخَمْسَة وَالْعِشْرين على خَمْسَة فَيبقى لدينا اثْنَان فَنَضْرِب هَذَا الْعدَد بِسِتَّة فَيُصْبِح اثْنَتَا عشر وَهُوَ مِقْدَار الدرجَة، مثلا _ الْحمل _ الثور _ الجوزاء _ السرطان _ الْأسد _ السنبلة (الْعَذْرَاء) ، إِذا حينها نَعْرِف أَن الْقَمَر فِي برج السنبلة (الْعَذْرَاء) وَقد قطع اثْنَتَا عشرَة دَرَجَة مِنْهُ.
وضابطة أُخْرَى:
(اضْرِب أَيهَا الْقَائِد الْأَيَّام الَّتِي قضيت من الشَّهْر بِثَلَاثَة ... )
(عشر ثمَّ اضف عَلَيْهَا ثَلَاثَة عشر ... )
(ثمَّ قسم الْحَاصِل ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ ... )
(ووزعها على الشُّهُور من حَيْثُ هِيَ الشَّمْس فتعرف الْقَمَر ... )
أَي نحسب كم مضى من الشَّهْر فنضربه بِثَلَاثَة عشر ثمَّ نضيف عَلَيْهِ ثَلَاثَة عشر ونقسم الناتج ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ وَتُعْطِي كل ثَلَاثِينَ لكل شهر ابْتِدَاء من الشَّهْر الَّذِي تكون فِيهِ الشَّمْس والشهر الَّذِي نصل إِلَيْهِ أخيرا يكون فِيهِ الْقَمَر.
مُلَاحظَــة: يمكننا حِسَاب الدَّرَجَات بِهَذِهِ الطَّرِيقَة، نعد الْأَيَّام الَّتِي خلت من الشَّهْر ونضيف إِلَيْهَا (وَاحِد) فنعرف بذلك مِقْدَار الدَّرَجَات الَّتِي قطعت.

التّنبيه

التّنبيه:
[في الانكليزية] Exhortation ،pleonasm
[ في الفرنسية] Exhortation ،pleonasme
بالباء الموحدة مصدر من باب التفعيل يطلق في عرف العلماء على معان. منها ما يجيء في لفظ المحاباة في ناقص. ومنها بيان الشيء قصدا بعد سبقه ضمنا على وجه لو توجّه إليه السامع الفطن بكليته لعرفه، لكن لكونه ضمنيا ربما يغفل عنه كذا في الأطول في أول فن المعاني. والفرق بينه وبين التذنيب مع اشتراكهما في أنّ كلا منهما يتعلّق بالمباحث المتقدمة أنّ ما ذكر في حيزه بحيث لو تأمّل المتأمّل في المباحث المتقدمة لفهمه بخلاف التذنيب، كذا في الچلپي حاشية المطول. ومنها بيان البديهي كما في الأطول أيضا هناك. ويؤيد هذا ما وقع في الشريفية أنّ الدليل هو المركّب من قضيتين للتأدي إلى مجهول نظري وإن ذكر لإزالة خفاء البديهي يسمّى تنبيها انتهى. وقال في المحاكمات: الإشارة حكم يحتاج إثباته إلى دليل وبرهان، والتنبيه حكم لا يحتاج إثباته إلى دليل بل يكفي في إثباته وبيانه إمّا مجرد ملاحظــة أطرافه أو التمثيل المزيل للخفاء في نفس الحكم البديهي، أو النظر السهل في الفصل السابق على ذلك الحكم بأن تذكر مقدمات ذلك الحكم في ذلك الفصل. ومنها الإنشاء، قال ابن الحاجب في مختصر الأصول غير الخبر يسمّى إنشاء وتنبيها ويندرج فيه الأمر والنهي والتمنّي والترجّي والقسم والنداء والاستفهام. والمنطقيون يقسّمون غير الخبر إلى ما يدلّ على الطلب لذاته إمّا للفهم وهو الاستفهام وإمّا لغيره وهو الامر والنهي وإلى غيره ويخصون التنبيه والإنشاء بالأخير منهما، ويعدون منه التمنّي والترجّي والقسم والنداء. وبعضهم يعد التمني والنداء من الطلب انتهى. وقال المحقق التفتازاني في حاشيته: تسمية جميع أقسام غير الخبر بالتنبيه غير متعارف، وكذا ما نسب إلى المنطقيين من تخصيص الإنشاء بما لا يدل على الطلب بما لم نجده في كلامهم انتهى. وفي بديع الميزان غير الخبر إن لم يدل على طلب الفعل دلالة صيغية فهو تنبيه، أي إعلام على ما في ضميره ويندرج فيه التمنّي والترجّي والنداء والقسم والاستفهام وألفاظ العقود وفعلا المدح والذمّ والتعجب اصطلاحا، ولا مناقشة فيه. ودلالة النداء على طلب الإقبال والاستفهام على طلب الإعلام التزاميتان فلا يخرجان من التنبيه، هكذا في شرح المطالع وغيرهما. ومنهم من عدّ التمني والنداء والاستفهام من أقسام الطلب على ما ذكر السيد الشريف. ومنها الإيماء وهو عند الأصوليين من أقسام المنطوق الغير الصريح وهو الاقتران بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا جدا أي اقتران الملفوظ الذي هو مقصود المتكلّم بحكم، أي بوصف لو لم يكن ذلك الحكم أي الوصف أو نظيره لتعليل ذلك المقصود لكان اقترانه به بعيدا، فيحمل على التعليل لدفع الاستبعاد. ويرجع إلى هذا ما قال معناه اقتران نصّ الشارع كقوله اعتق رقبة في المثال الآتي بحكم كقول الأعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان، لو لم يكن ذلك الحكم أو نظيره للتعليل، أي علّة لقول الشارع، وحكمه كان بعيدا جدا من الشارع الإتيان بمثله.
ويحتمل أن يكون معناه أنّ اقتران الوصف المدعى كونه علّة لحكم من الشارع لو لم يكن ذلك الوصف أو نظيره علّة لحكم الشارع كان بعيدا من الشارع الإتيان بذلك الحكم. مثال كون العين للتعليل ما قال الأعرابي هلكت وأهلكت فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم «ماذا صنعت؟ قال: واقعت أهلي في نهار رمضان. فقال أعتق رقبة» الحديث فإنه يدل على أنّ الوقاع علة للاعتاق، فإنّ غرض الأعرابي بيان حكم الوقاع، وذكر الحكم جواب له ليحصل غرضه لئلّا يلزم إخلاء السؤال عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة فيكون السؤال مقدرا في الجواب كأنه قال: واقعت فكفّر. ولا شك أن الفاء للتعليل، فيحمل عليه.
والاحتمال البعيد عدم قصد الجواب كما يقول العبد: طلعت الشمس فيقول السّيد اسقني ماء، فإنّ ذلك وإن بعد لكنه ليس بممتنع.
واعلم أن مثل ذلك إذا أخذ عنه بعض الأوصاف وعلل بالباقي سمّي تنقيح المناط.
مثاله في قصة الأعرابي أن يقال كونه أعرابيا لا مدخل له في العلّة، إذ الهندي أيضا كذلك، وكذا كون المحل أهلا فإن الزنا أيضا أجدر به، أو يقال وكونه وقاعا لا مدخل له فبقي كونه إفسادا للصوم فهو العلة. ومثال كون النظير للتعليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «وقد سألته الخثعمية أنّ أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحج فإن حججت عنه أينفعه ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته كان ينفعه ذلك قالت نعم قال فدين الله أحق بأن يقضى». سألته الخثعمية عن دين الله فذكر نظيره وهو دين الآدمي. فنبّه على التعليل به أي كونه علّة للنفع وإلّا لزم العبث، ففهم منه أن نظيره في المسئول عنه وهو دين الله كذلك علّة بمثل ذلك الحكم وهو النفع.
واعلم أنّ مثل هذا يسميه الأصوليون تنبيها على أصل القياس، وفيه كما ترى تنبيه على أصل القياس وعلى علّة الحكم فيه وعلى صحة إلحاق الفرع بها.
اعلم أنّ من مراتب الإيماء أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا مناسبا له مثل قوله «لا يقضي القاضي وهو غضبان»، فإن فيه إيماء إلى أنّ الغضب علّة عدم جواز الحكم لأنه مشوش للمنظر وموجب للاضطراب، ومثل أكرم العلماء وأهن الجهّال. هذا إذا ذكر الوصف والحكم كلاهما فإنه إيماء بالاتفاق فإن ذكر أحدهما فقط مثل أن يذكر الوصف صريحا والحكم مستنبط نحو وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فإن حل البيع وصف له قد ذكر فعلم منه حكمه وهو الصحة، أو أن يذكر الحكم والوصف مستنبط، وذلك كثير منه نحو حرمت الخمر فقد اختلف في أنه هل يكون إيماء، فهو على مذاهب. أحدها كلاهما إيماء. والثاني ليس شيء منهما إيماء. والثالث الأول وهو ذكر الوصف إيماء دون الثاني وهو ذكر الحكم، والنزاع لفظي مبني على تفسير الإيماء والأول مبني على أنّ الإيماء اقتران الحكم والوصف سواء كانا مذكورين أو أحدهما مذكورا والآخر مقدرا. والثاني مبني على أنه لا بدّ من ذكرهما إذ به يتحقق الاقتران. والثالث مبني على أن إثبات مستلزم الشيء يقتضي إثباته والعلّة كالحلّ يستلزم المعلول كالصحة، فيلزم بمثابة المذكور، فيتحقّق الاقتران واللازم حيث ليس إثباته إثباتا لملزومه بخلاف ذلك فلا يكون الملزوم في حكم المذكور، فلا يتحقق الاقتران. هكذا ذكر في العضدي وحاشيته للمحقق التفتازاني في مباحث القياس.

الْقُوَّة العاملة

الْقُوَّة العاملة: قُوَّة فِي الْإِنْسَان تحرّك بدنه إِلَى الْأَفْعَال الْجُزْئِيَّة الْحَاصِلَة بالفكر والروية أَو بالحدس وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة الْعقل العملي وَالْقُوَّة العملية وَالْأَفْعَال الْجُزْئِيَّة كالسفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع فَإِنَّهُ يفكر بِأَن السّفر موصل إِلَى الْمَقَاصِد الْعلية الدِّينِيَّة من حُصُول مُلَازمَة الْأَوْلِيَاء والفقراء والفضلاء وملاقات الأحباء وَالْحِفْظ عَن إِيذَاء الْأَعْدَاء وَالْكفَّار والفساق والفجار وَإِلَى المطالب الدنية الدُّنْيَوِيَّة من أَخذ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والنهب وَقطع الطَّرِيق وَغير ذَلِك. ويفكر بِأَن النِّكَاح مفض إِلَى صَلَاح الْمعَاد والمعاش ثمَّ الْقُوَّة العاملة تحرّك بدنه إِلَى السّفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع قيل النَّفس الْكَامِلَة فِي هَاتين القوتين أَعنِي الْعَاقِلَة والعاملة هِيَ المطمئنة.
وَاعْلَم أَن للنَّفس بِاعْتِبَار الْقُوَّة العاملة أَيْضا أَربع مَرَاتِب: أولاها: تَهْذِيب الظَّاهِر بِاسْتِعْمَال الشَّرَائِع والنواميس الإلهية. وثانيتها: تَهْذِيب الْبَاطِن عَن الملكات الردية وَنقص آثَار شواغله عَن عَالم الْغَيْب. وثالثتها: مَا يحصل بعد الِاتِّصَال بعالم الْغَيْب وَهُوَ تخلي النَّفس عَن النقوش الخسيسة وتحليها بالصور القدسية. ورابعتها: مَا يتجلى لَهُ عقيب اكْتِسَاب ملكة الِاتِّصَال والانفصال عَن نَفسه بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُلَاحظَــة جلال الله تَعَالَى وجماله الْأَجَل الْأَكْمَل وَقصر النّظر على كَمَاله حَتَّى يرى كل قدرَة مضمحلة فِي جنب قدرته الْكَامِلَة وكل علم مُسْتَغْرقا فِي علومه الشاملة بل كل وجود وَكَمَال فائض من جنابه المتعال.
الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة والنطقية والشهوانية والبهيمية والغضبية والسبعية: كل مِنْهَا فِي الْعَدَالَة.
وَاعْلَم أَن قُوَّة النَّفس الإنسانية تسمى قُوَّة عقلية وَهِي بِاعْتِبَار إِدْرَاكهَا للكليات تسمى قُوَّة نظرية وَبِاعْتِبَار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بِالرَّأْيِ تسمى قُوَّة عملية.

مَرَاتِب الْأَنْوَاع الإضافية

مَرَاتِب الْأَنْوَاع الإضافية: أَربع كمراتب الْأَجْنَاس أما الأول فَلِأَن النَّوْع الإضافي إِمَّا أَعم الْأَنْوَاع بِأَن لَا يكون فَوْقه نوع فَهُوَ النَّوْع العالي كالجسم وَإِمَّا أخص الْأَنْوَاع بِأَن لَا يكون تَحْتَهُ نوع فَهُوَ النَّوْع السافل كالإنسان وَإِمَّا أَعم من بَعْضهَا وأخص من الْبَعْض الآخر فَهُوَ النَّوْع الْمُتَوَسّط كالجسم النامي وَالْحَيَوَان - وَأما مبائن لما ذكر بِأَن لَا يكون فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ نوع فَهُوَ النَّوْع الْمُفْرد كالعقل - وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْجِنْس إِمَّا أَعم الْأَجْنَاس بِأَن لَا يكون فَوْقه جنس فَهُوَ الْجِنْس العالي كالجوهر. أَو أخص الْأَجْنَاس بِأَن لَا يكون تَحْتَهُ جنس فَهُوَ الْجِنْس السافل كالحيوان. أَو يكون أَعم من بَعْضهَا وأخص من الْبَعْض الآخر فَهُوَ الْجِنْس الْمُتَوَسّط كالجسم والجسم النامي. أَو مبائن لما ذكر بِأَن لَا يكون فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ جنس فَهُوَ الْجِنْس الْمُفْرد كالعقل. فَإِن قلت أحد التمثيلين بَاطِل لِأَن عقل عَاقل لَا يجوز كَون الْعقل جِنْسا مُفردا ونوعا مُفردا مَعًا للتقابل بَينهمَا لِأَن كَون الْعقل مِثَالا للنوع الْمُفْرد مَوْقُوف على أَمريْن. أَحدهمَا: كَون الْجَوْهَر جِنْسا لَهُ. وَثَانِيهمَا: كَون الْعُقُول الْعشْرَة الَّتِي تَحْتَهُ متفقين بِالْحَقِيقَةِ وَكَون الْعقل مِثَالا للْجِنْس الْمُفْرد مَشْرُوط بِعَدَمِ ذَيْنك الْأَمريْنِ أَعنِي عدم كَون الْجَوْهَر جِنْسا لَهُ وَعدم كَونه مقولا على كثيرين متفقين بِالْحَقِيقَةِ بل على كثيرين مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ أَعنِي الْعُقُول الْعشْرَة الَّتِي تَحْتَهُ. فَتكون هَذِه الْعشْرَة حِينَئِذٍ أنواعا لَهُ منحصرا كل وَاحِد مِنْهَا فِي فَرد وَاحِد فيستحيل أَن يكون الْعقل نوعا مُفردا وجنسا مُفردا مَعًا. قلت الْمَقْصُود من هَذَا التَّمْثِيل التفهيم لَا بَيَان مَا فِي نفس الْأَمر ويكفيه الْفَرْض سِيمَا فِي مَا لَا يُوجد لَهُ مِثَال فِي الْوُجُود فكون أحد التمثيلين صَحِيحا مطابقا للْوَاقِع دون الآخر لَا يضر فِي الْمَقْصُود. فَإِن قيل إِن التَّرْتِيب يَقْتَضِي التَّعَدُّد فَكيف يكون النَّوْع الْمُفْرد أَو الْجِنْس الْمُفْرد من الْمَرَاتِب - قُلْنَا إِن بعض المنطقيين لم يعدوا الْمُفْرد نوعا أَو جِنْسا من الْمَرَاتِب لعدم كَونه فِي سلسلة الترتب وَجعلُوا الْمَرَاتِب منحصرة فِي الثَّلَاثَة العالي والسافل والمتوسط. وَأَكْثَرهم تسامحوا فعدوه من الْمَرَاتِب لِأَن مُلَاحظَــة التَّرْتِيب ثَابت فِي كل من الْمُفْرد وَغَيره إِلَّا أَنه فِي الْمُفْرد ملحوظ من حَيْثُ الْعَدَم. وَفِي غَيره من حَيْثُ الْوُجُود على قِيَاس مَا قَالُوا إِن الْإِدْغَام إِمَّا وَاجِب كمد. أَو جَائِز مثل لم يمد. أَو مُمْتَنع نَحْو مددن. وَإِنَّمَا قيدنَا النَّوْع بالإضافي لِأَن النَّوْع الْحَقِيقِيّ لَا يتَصَوَّر فِيهِ الترتب وَإِلَّا لَكَانَ نوع حَقِيقِيّ فَوق نوع حَقِيقِيّ آخر. فَيلْزم إِمَّا كَون النَّوْع الفوقاني جِنْسا أَو كَون النَّوْع التحتاني صنفا وَكِلَاهُمَا خلاف الْمَفْرُوض كَمَا بَين فِي كتب الْمنطق.
وَاعْلَم أَن بَين النَّوْع السافل وَبَين الْجِنْس أَي جنس كَانَ مباينة كُلية كَذَلِك بَين الْجِنْس العالي وَبَين النَّوْع أَي نوع كَانَ مباينة كُلية كَمَا لَا يخفى. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَبَين كل وَاحِد من النَّوْع العالي والمتوسط وَبَين كل وَاحِد من الْجِنْس الْمُتَوَسّط والسافل عُمُوم من وَجه. وَعَلَيْك باستخراج الْأَمْثِلَة انْتهى. أما بَين الْجِنْس الْمُتَوَسّط وَالنَّوْع العالي فلتحققهما مَعًا فِي الْجِسْم وَتحقّق الْجِنْس الْمُتَوَسّط بِدُونِ النَّوْع العالي فِي الْجِسْم النامي وَتحقّق النَّوْع العالي بِدُونِ الْجِنْس الْمُتَوَسّط فِي اللَّوْن فَإِنَّهُ نوع عَال بِالْقِيَاسِ إِلَى الكيف وجنس سافل لأنواعه أَعنِي الْحمرَة والخضرة والصفرة مثلا. وَأما بَين الْجِنْس الْمُتَوَسّط وَالنَّوْع الْمُتَوَسّط فلتحققهما مَعًا فِي الْجِسْم النامي وَتحقّق الْجِنْس الْمُتَوَسّط بِدُونِ النَّوْع الْمُتَوَسّط فِي الْجِسْم وَتحقّق النَّوْع الْمُتَوَسّط فِي الْحَيَوَان. وَأما بَين الْجِنْس السافل وَالنَّوْع العالي فلتحققهما مَعًا فِي اللَّوْن فَإِن فَوْقه جِنْسا وَهُوَ الكيف وَلَيْسَ تَحْتَهُ جنس بل أَنْوَاع كَمَا مر وَلَيْسَ فَوق اللَّوْن نوع لِأَن فَوْقه كيفا وَهُوَ جنس عَال لَهُ لَا نوع للعرض كَمَا يتَوَهَّم لِأَن الْعرض الَّذِي فَوق الكيف بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عرض لَهُ لَا ذاتي كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وتتحقق الْجِنْس السافل بِدُونِ النَّوْع العالي فِي الْحَيَوَان. وَتحقّق النَّوْع العالي بِدُونِ الْجِنْس السافل فِي الْجِسْم.
وَأما بَين الْجِنْس السافل وَالنَّوْع الْمُتَوَسّط فلتحققهما مَعًا فِي الْحَيَوَان وَتحقّق الْجِنْس السافل بِدُونِ النَّوْع الْمُتَوَسّط فِي اللَّوْن. وَتحقّق النَّوْع الْمُتَوَسّط بِدُونِ الْجِنْس السافل فِي الْجِسْم النامي. وَهَذِه هِيَ الْأَمْثِلَة المستخرجة فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على شرح الشمسية.

نوبة

نوبة: عارض مرضي (مملوك 2: 1): حصل للسلطان نوب كثيرة من الصرع (حيان بسام 3: 67): اعتل علة أعيى علاجها واختلفت نوبها تطعمه تارة وتؤيسه أخرى. وهناك نوبة الحمى خاصة عند (بوشر): نوبة السخونة، وفي (محيط المحيط): (والنوبة عند الأطباء زمان أخذ الحمى). من هنا أصبحت الحمى هي النوبة التي تجمع الآن على نوب وأنواب عند (فوك) الذي يضيف أنها -أي اللفظة- لم تعد قيد الاستعمال، عند العامة، مثلما هو الحال في كلمة الحمى.
نوبة ماء: دورة سقي كل أربع وعشرين ساعة (بوسويه) حق الارتواء. (رولاند). أنظر (جريجور 44، 46) و (غدامس 110): ( .. ويميزون بين ريات النهار والليل، فالأولى نوبة (بالضم)، والثانية نوبة (بالفتح).
نوبة: الحصة التي يجب على العرب دفعها كل أربعة سنوات لسلطان Wadai البالغة بقرة لكل رابع شخص (بارث 3: 514).
نوبة: باي النوبة: هو عنوان المكلف رسميا بجباية الخراج الذي يذهب لسلطان فزان ليدفعه إلى (باشا) طرابلس الغرب (هورنمان 97، ليون 3).
نوبة: معركة (زيتشر 6: 391، عدد 20، أماري 336: 11).
نوبة: زمن، عصر، (البربرية 2: 381: 10): حدث هذا (بعد انتصاره) في تونس في اليوم السابع عشر من نوبة الفتح (390: 7): واشترط عليهم أن يمكنوه من قيادته حتى يقضى نوبة الجهاد وفي (401: 9) وكان سابق الشعراء في تلك النوبة أبو القاسم.
نوبة: حيازة؛ كتاب في نوبة فلان (الشرق 1: 465): Possesion.
نوبة: زوال الخطرة، فقدان افضال شخص مقتدر (عنتر 58: 6): نحن نصلح نوبة الملك المنذر عند الملك كسرى بهذا الأمر ونقطع من بينهم الشر. راس نوبة النوب: الأمير الذي يرأس أو أنه المشرف الأعلى، مماليك السلطان يتقبلون منه المشورة ويبت في نزاعاتهم ويتوسط بينهم والسلطان وله سلطة إصدار أوامر توقيفهم وحبسهم. وله مساعدون كثيرون مثل راس نوبة ثان ويدعى احيانا، أو بوجه آخر، يدعى رأس نوبة الميسرة. وهناك أيضا نوبة الأمراء أو الرقيب على باقي الأمراء، إلا أن هذا المنص بكان يتعرض أحيانا عمليا. (انظر مملوك 2: 1: 13 و 14).
نوبة: أنظر نوب.
نوبي: من أنواع الطير (ألف ليلة 1: 118) (= برسل 1: 299)؛ وقد ورد ذكره، أيضا، في (مخطوطة لايبزك للقزويني 2: 118: 2) مع ملاحظــات (ياقوت 5).
نوبتي. دابة نوبية: حصان النوبة: حصان مخصص للركوب حين يأتي دوره (مملوك 2: 1: 12 و 13).
نوبتجي والجمع نوبتجية: أتراك يتناولون الحراسة في قصر الداي، قديما، في الجزائر (دوماس، عادات 150).
نوبتجية: في (محيط المحيط): (على طريق النسبة عند الأتراك سميت بذلك لما فيها من المناوبة في الأصوات والألحان).
نوباتي: منغم، العازف الذي يؤدي الجزء المتعلق به في الفرقة (في الكونسرت). ضارب الكمنجة، الموسيقي، الملحن (بوشر). موسيقي الآلات الهوائية (همبرت 97).
نؤوب= الذي سنوبه (الكامل 36: 10).
نيابة: في (محيط المحيط): (ناب عن زيد في كذا ينوب نوبا ومنابا ونيابة قام فيه مقامه فهو نائب والأمر منوب فيه. وزيد منوب عنه واليه رجع مرة بعد أخرى).
نائب: قائم مقام السلطان، المكلف بجمع الضرائب وجمعه في (فوك) نياب.
النواب: جنود الحرس (معجم الطرائف).
نائب: حصة، سهم، الجزء الذي يجب على كل واحد أن يسلمه أو يجهزه. حصة: النصيب من مجموع يقسم بين عدد من الاشخاص، حصة شرعية في ميراث، حصة الأطفال التي يقررها علم الفرائض نائب الأولاد في ميراث والديهم شرعا، سهم جراية معينة من الخبز واللحم .. الخ (بوشر).
نائب: نسبة من الفائدة، ربح، منفعة مرجوة (بوشر).
نائبة: تعاقب مناوبة؛ نوائب: حرس يؤدون الخدمة بالتعاقب ك (نوب). انظر -على سبيل المثال: (ابن الأثير 6: 326: 4): وكتب إليه المعتصم يأمره أن يجعل الناس نوائب يقفون على ظهور الخيل نوبا في الليل مخافة البيات (معجم الطرائف).
نائب: واجب فوق العادة ينبغي تحقيقه، كلف غير عادية ينبغي إنفاقها وعلى سبيل المثال حين يقوم الأمراء باستقبال السفراء أو الضيوف فيدفعون نفقات الضيافة أو نفقات أعمال السخرة أو إصلاح الجسور أو الطرق .. الخ (معجم البلاذري، معجم الجغرافيا 2)، وكذلك ينبغي ترجمة كلمة نوائب إلى نفقات غير عادية في (المقري 1: 93: 8) في الحديث عن الأمويين وينفقون في أمورهم ونوائبهم ومؤن أهليهم مائة ألف دينار.
نائبة: مصاريف السفر (الكالا).
نائبة: جزية، ضريبة يدفعها البدو (هويست 130، 182). أما ما ورد عند (جرابرج 218، 222) من أنها نعيبة فهو غير صحيح.
نائبة: دافعو الضريبة (مارمول).
نائبي: تمثيلي، تصويري (بوشر).
مناب: تناوب، ترتيب. وعند (فوك) vicis.
مناب: حصة (مثل نائب) وفي (العقد الصقلي): سهام جميع الدار المذكورة وبحصة ذلك ومنابه قبض كل واحد.
مناب: حق في قضية ما، امر، نظام، ترتيب، رتبة (هلو). سائل منتاب: شحاذ (فوك).
مستناب: ممثل السلطان، جامع الضرائب (فوك).

النسْيَان

النسْيَان: زَوَال صُورَة الْمَعْلُوم عَن النَّفس بِحَيْثُ لَا تتمكن من ملاحظــتها إِلَّا بتجشم إِدْرَاك جَدِيد. وَللَّه در الشَّاعِر:

شعر:
(دلّ زمن رم كرده درابروي جانان مانده است ... )
(ياد من كي ميكند در طاق نِسْيَان مانده است ... )
(النسْيَان) الْكثير الْغَفْلَة وَالنِّسْيَان

(النسْيَان) عاهة النسْيَان أَو فقد الذاكرة وَهِي عاهة تنشأ عَن اضْطِرَاب أَو عطب فِي المخ أَو عَن اضْطِرَاب شَدِيد فِي الْحَيَاة الْعَقْلِيَّة يسببه القلق أَو الصراع النفساني (مج)
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.