Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: مرجع

الحمل

الحمل:
[في الانكليزية] Lamb ،Aries
[ في الفرنسية] Agneau ،Belier

بفتح الحاء والميم في اللغة وقيل:
الخروف الصغير إلى أن يبلغ الحول. حتى دون التسعة أشهر. كذا في بحر الجواهر. وعند أهل الهيئة اسم برج من البروج الربيعية. وأول الحمل نقطة في أوله مسمّاة بنقطة الاعتدال الربيعي. ومعنى أول الحمل من المائل وأول الحمل من معدّل المسير مذكور في لفظ الوسط.
الحمل:
[في الانكليزية] Attribution of a predicate
[ في الفرنسية] Attribution d'un predicat
بالفتح والسكون في عرف العلماء هو اتحاد المتغايرين ذهنا في الخارج. فقولهم ذهنا تمييز من النسبة في المتغايرين. وقولهم في الخارج ظرف الاتحاد، ومعناه أنّ الحمل اتحاد المتغايرين ذهنا أي في الوجود الظلّي الذي هو العلم في الخارج، أي في الخارج عن الوجود الذهني الذي يتغايران فيه، سواء كان ذلك الخارج وجودا خارجيا محقّقا أو مقدرا، أو كان وجودا ذهنيا أصليا محققا أو مقدرا. فالأول كالحيوان والناطق المتّحدين في ضمن وجود زيد. والثاني كجنس العنقاء وفصله المتّحدين في ضمن وجود فرده المقدّر. والثالث كوجود جنس العلم وفصله في ضمن فرد منه كالعلم بالإنسان.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 716 الحمل: ..... ص: 716

لفتح والسكون في عرف العلماء هو اتحاد المتغايرين ذهنا في الخارج. فقولهم ذهنا تمييز من النسبة في المتغايرين. وقولهم في الخارج ظرف الاتحاد، ومعناه أنّ الحمل اتحاد المتغايرين ذهنا أي في الوجود الظلّي الذي هو العلم في الخارج، أي في الخارج عن الوجود الذهني الذي يتغايران فيه، سواء كان ذلك الخارج وجودا خارجيا محقّقا أو مقدرا، أو كان وجودا ذهنيا أصليا محققا أو مقدرا. فالأول كالحيوان والناطق المتّحدين في ضمن وجود زيد. والثاني كجنس العنقاء وفصله المتّحدين في ضمن وجود فرده المقدّر. والثالث كوجود جنس العلم وفصله في ضمن فرد منه كالعلم بالإنسان.
والرابع كشريك الباري ممتنع فإنّهما متّحدان بالوجود الذهني المقدّر، ثم ذلك الاتحاد أعمّ من أن يكون بالذات كما في الذاتيات أو بالعرض كما في العرضيات والعدميات.
فالحاصل أنّ الحمل اتحاد المتغايرين مفهوما أي وجودا ظليا في الوجود المتأصّل المحقق أو المفروض. ولا شك أنّ المتأصّل في الوجود هو الأشخاص فتعيّن للموضوعية، والمفهومات للحملية، وهذا أمر خارج عن مفهوم الحمل.
وبعبارة أخرى الحمل اتحاد المتغايرين في نحو من التعقّل بحسب نحو آخر من الوجود اتحادا بالذات أو بالعرض، وهو إمّا يعنى به أنّ الموضوع بعينه المحمول فيسمّى الحمل الأوّلي، وقد يكون نظريا أيضا. أو يقتصر فيه على مجرّد الاتحاد في الوجود فيسمّى الحمل الشائع المتعارف وهو المعتبر في العلوم. وقد يقسم بأنّ نسبة المحمول إلى الموضوع إمّا بواسطة ذو أوله أو في فهو الحمل بالاشتقاق أو بلا واسطة وهو الحمل بالمواطأة. بالجملة حمل المواطأة أن يكون الشيء محمولا على الموضوع بالحقيقة أي بلا واسطة كقولنا الإنسان حيوان. وفسّر الشيخ الموضوع بالحقيقة بما يعطي موضوعه اسمه وحده كالحيوان، فإنّه يعطي للإنسان اسمه فيقال الإنسان حيوان، ويعطيه حدّه فيقال الإنسان جسم نام حسّاس متحرّك بالإرادة. وحمل الاشتقاق أن لا يكون محمولا عليه بالحقيقة بل ينسب إليه كالبياض بالنسبة إلى الإنسان، فلا يقال الإنسان بياض بل ذو بياض أو أبيض، وحينئذ يكون محمولا عليه بالمواطأة. ومنهم من يسمّى الأول حمل تركيب والثاني حمل اشتقاق، والواسطة على الأول كلمة ذو وعلى الثاني الاشتقاق لاشتماله على معنى كلمة ذو. وزيد يمشي أو مشى بمعنى زيد ذو مشي في الحال أو الاستقبال أو الماضي، وكذا مشى زيد ويمشي زيد فإنّ الحمل إنّما يظهر بذلك التأويل. وربما يفسّر حمل المواطأة بحمل هو هو والاشتقاق بحمل هو ذو هو. وقال الإمام في الملخّص حمل الموصوف على الصفة كقولنا المتحرك جسم يسمّى حمل المواطأة، وحمل الصفة على الموصوف كقولنا الجسم متحرّك يسمّى حمل الاشتقاق ولا فائدة في هذا الاصطلاح. ولذا كان المتعارف هو الاصطلاح على المعنى الأول السابق على كلام الإمام، فإنّ مرجع التفاسير الثلاثة إلى شيء واحد عند التحقيق. هذا كلّه خلاصة ما حقّقه المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية وصاحب السلم في المحصورات، وصاحب شرح المطالع والسيّد السّند في حاشية شرح المطالع في مبحث الكلّيات.
اعلم أنّ إطلاق الحمل على حمل المواطأة وحمل الاشتقاق على هذا بالاشتراك المعنوي. والأشبه أنّ إطلاقه عليهما بالاشتراك اللفظي، هكذا ذكر صاحب السلّم. وظاهر كلام مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف يدل على الاشتراك اللفظي حيث قال في المقصد العاشر من مرصد الماهية: إنّ الحمل يطلق على ثلاثة معان. الأول الحمل اللغوي وهو الحكم بثبوت الشيء للشيء وانتفاؤه عنه، وحقيقته الإذعان والقبول. والثاني الحمل الاشتقاقي ويقال له الحمل بوجود في وتوسّط ذو، وحقيقته الحلول بمعنى الاختصاص الناعت، وهو ليس مختصا بمبادئ المشتقّات، بل يجري في المشتقات أيضا. فإنّ العرض أعمّ من العرضي كما تقرّر.
فإن قلت المال محمول على صاحبه بتوسّط ذو مع أنّه ليس حالا فيه؟ قلت المحمول في الحقيقة هو إضافة بين المال والمالك. والثالث حمل المواطأة ويقال له الحمل بقول على وحقيقته الهوهو، فلا محالة يستدعي وحدة باعتبار وكثرة باعتبار آخر، سواء كانت الوحدة بالذات أو بالعرض، وسواء كانت جهة الوحدة الوجود أو غيره، فإنّه يجري في الهوهو جميع أقسام الوحدة المفارقة للكثرة وجميع جهاتها. لكنّ المتعارف خصّص جهة الوحدة بالوجود سواء كان وجودا بالذات كما في حمل الحيوان على الإنسان وحمل الضاحك عليه، أو وجودا بالعرض كما في حمل الضاحك على الكاتب وحمل اللّاكاتب على الأعمى. وسواء كان وجودا خارجيا كما في القضايا الخارجية أو وجودا ذهنيا كما في القضايا الذهنية، أو مطلق الوجود كما في القضايا الحقيقية. فحمل المواطأة يرجع إلى اتحاد المتغايرين في نحو من أنحاء الوجود بحسب نحو آخر به سواء كان اتحادا بالذات كما في حمل الذاتيات أو بالعرض كما في حمل العرضيات. فإنّ الذات والذاتي متّحدان بحسب الحقيقة والوجود، والمعروض والعرضي متغايران بحسبهما. وربما يطلق حمل المواطأة على مصداقه من حيث إنّه مصداق. فإن قيل حمل الطبيعة على الفرد حمل بالذات لكونها ذاتية له، وحمل الفرد عليها حمل بالعرض لكونه خارجا عنها مع أنّ كلا منهما يوجد بوجود واحد. قلنا الأحكام تختلف باختلاف الجهات فذلك الوجود من حيث إنّه للفرد ينسب إلى الطبيعة التي هي من ذاتياته، فيقع حمل بالذات. ومن حيث إنّه للطبيعة ينسب إلى الفرد الذي هو من خواصّها بالعرض فيقع حمل بالعرض. ثم حمل المواطأة ينقسم إلى قسمين. الأول الحمل الأولي وهو يفيد أنّ المحمول هو نفس عنوان حقيقة الموضوع.
وإنّما سمّي حملا أوليا لكونه أولي الصدق أو الكذب. ومن هذا القبيل حمل الشيء على نفسه. وهو إمّا مع تغاير الطرفين بأن يؤخذ أحدهما مع حيثية، والآخر مع حيثية أخرى.
وإمّا بدون التغاير بينهما بأن يتكرّر الالتفات إلى شيء واحد ذاتا واعتبارا. والأول صحيح غير مفيد، والثاني غير صحيح غير مفيد ضرورة أنّه لا تعقل النسبة إلّا بين الشيئين ولا يمكن أن يتعلّق بشيء واحد التفاتان من نفس واحدة في زمان واحد. لا يقال فحينئذ حمل الشيء على نفسه لا يكون حملا بالذات لأنّ مصداق الحمل على ذلك التقدير فيه ليس نفس الموضوع فقط، بل مع أنّ حمل الإنسان على نفسه حمل بالذات، لأنّا نقول طبيعة الحمل تستدعي تغايرا بين الموضوع والمحمول. وما ذكروا أنّ نفس الموضوع إن كان كافيا في تحقّق الحمل، فحمل بالذات وإلّا فحمل بالعرض، فهو بعد ذلك التغاير فحمل الشيء على نفسه حمل بالذات، لأنّ بعد ذلك التغاير لا يحتاج إلى غيره.
والحق أنّ التغاير في مفهوم الحمل وهو هو.
والثاني الحمل الشائع المتعارف وهو يفيد أن يكون الموضوع من أفراد المحمول أو ما هو فرد لأحدهما فرد لآخر. وإنّما يسمّى بالمتعارف لتعارفه وشيوعه استعمالا. وهو ينقسم إلى حمل بالذات وهو حمل الذاتيات، وإلى حمل بالعرض وهو حمل العرضيات. وربّما يطلق الحمل المتعارف في المنطق على الحمل المتحقّق في المحصورات انتهى.
ثمّ إنّه ذكر في تلك الحاشية في مبحث عينية الوجود وغيريته أنّ الحمل بالذات أن يكون مصداق الحمل نفس ذات الموضوع من حيث هي، والحمل بالعرض أن يكون مصداق الحمل خارجا عنها. وهو إمّا أن تكون ذات الموضوع مع حيثية مأخوذة فيها كما في حمل الوجود على تقدير كونه زائدا. وإمّا أن تكون ذات الموضوع مع ملاحظة مبدأ المحمول كما في حمل الأوصاف العينية. وإمّا أن تكون ذات الموضوع مع ملاحظة أمر آخر مباين لها ومقابلة بينهما كما في حمل الاضافيات. وإمّا أن تكون ذات الموضوع مع ملاحظة أمر زائد بعدم مصاحبته لها كما في حمل العدميات. فمصداق حمل الوجود على تقدير العينية ذات الموضوع من حيث هي، وعلى تقدير الغيرية ذات الموضوع مع حيثية زائدة عليه عقلية كحيثية استناده إلى الجاعل انتهى.
اعلم أنّ الحمل فسّره البعض بالتغاير في المفهوم والاتحاد في الهوية. وهذا إنّما يصحّ في الذاتيات دون العرضيات مثل الإنسان أبيض لأنّ الهوية الماهية الجزئية. ولا شكّ أنّ الأبيض معتبر في هوية البياض دون الإنسان ودون الأمور العدمية نحو الإنسان أعمى، إذ ليس لمفهوم الأعمى هوية خارجية متّحدة بهوية الإنسان، وإلّا لكان مفهومه موجودا متأصّلا.
قيل إذا أريد مفهومه بحيث يعمّ الكلّ قيل معنى الحمل أنّ المتغايرين مفهوما متّحدان ذاتا، بمعنى أنّ ما صدق عليه ذات واحدة. وفيه أنّه لا يشتمل الحمل في القضايا الشخصية والطبعية، إلّا أن يحمل الصدق بحيث يشتمل صدق الشيء لنفسه؛ وأيضا الصدق هو الحمل فيلزم تعريف الشيء بنفسه، إلّا أن يقال التعريف لفظي. وقيل الحمل اتحاد المفهومين المتغايرين بحسب الوجود تحقيقا أو تقديرا وهو لا يشتمل الحمل في القضايا الذهنية. وقيل الحمل اتصاف الموضوع بالمحمول، وهو لا يشتمل حمل الذاتيات. والحقّ في معنى الحمل ما مرّ سابقا.
الحمل: ما اشتغل به الناقل، ذكره الحرالي.

الكلام

الكلام: إظهار ما في الباطن على الظاهر لمن يشهد ذلك بنحو من إنحاء الإظهار. والكلام علم يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام.وفي اصطلاح النحاة: المعنى المركب الذي فيه الإسناد التام وعبر عنه بأنه ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته.وقالت المعتزلة: هو حقيقة في اللسان.وقال الأشعري: مرة في النفساني، واختاره السبكي، ومرة مشترك، ونقله الإمام الرازي عن المحققين.
الكلام:
[في الانكليزية] Talk ،speech ،speaking
[ في الفرنسية] Parole ،propos ،dire ،langage discours
بالفتح في الأصل شامل لحرف من حروف المباني والمعاني ولأكثر منها. ولذا قيل الكلام ما يتكلّم به قليلا كان أو كثيرا، واشتهر في عرف أهل اللغة في المركّب من الحرفين فصاعدا، وهو المراد في الجلالي أنّ أدنى ما يقع اسم الكلام عليه المركّب من حرفين، وفيه إشعار بما هو المشهور أنّ الحرف هو الصوت المكيّف، لكن في المحيط أنّ الصوت والحرف كلّ منهما شرط الكلام، إذ لا يحصل الإفهام إلّا بهما كما قال الجمهور. وذهب الكرخي ومن تابعه مثل شيخ الإسلام إلى أنّ الصوت ليس بشرط في حصول الكلام. فلو صحح المصلي الحروف بلا إسماع لم يفسد الصلاة إلّا عند الكرخي وتابعيه هكذا في جامع الرموز في بيان مفسدات الصلاة. وقال الأصوليون الكلام ما انتظم من الحروف المسموعة المتواضع عليها الصادرة عن مختار واحد، والحروف فصل عن الحرف الواحد فإنّه لا يسمّى كلاما، والمسموعة فصل المكتوبة والمعقولة، والمتواضع عليها من المهمل والصادرة الخ. عن الصادر من أكثر من واحد كما لو صدر بعض الحروف عن واحد والبعض من آخر، ويخرج الكلام الذي على حرف واحد مثل ق ور، اللهم إلّا أن يراد أعم من الملفوظة والمقدّرة، هكذا في بعض كتب الأصول. وفي العضدي أنّ أبا الحسين عرّف الكلام بأنّه المنتظم من الحروف المتميّزة المتواضع عليها. قال المحقق التفتازاني والمتميّزة احتراز عن أصوات الطيور، ولمّا لم تكن المكتوبة حروفا حقيقة ترك قيد المسموعة، وفوائد باقي القيود بمثل ما مرّ ومرجع هذا التفسير إلى الأول، لكن في إخراج أصوات الطيور بقيد المتميّزة نظرا إذ أصوات الطيور غير داخلة في الحرف لأنّ التمييز معتبر في ماهية الحروف على ما مرّ في محله.

التقسيم:
مراتب تأليف الكلام خمس. الأول ضمّ الحروف بعضها إلى بعض فتحصل الكلمات الثلاث الاسم والفعل والحرف. الثاني تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض فتحصل الجمل المفيدة، وهذا هو النوع الذي يتداوله الناس جميعا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له المنثور من الكلام. الثالث ضمّ بعض ذلك إلى بعض ضما له مباد ومقاطع ومداخل ومخارج، ويقال له المنظوم. الرابع أن يعتبر في أواخر الكلم مع ذلك تسجيع ويقال له المسجّع.
الخامس أن يجعل له مع ذلك وزن ويقال له الشعر والمنظوم إمّا مجاورة ويقال له الخطابة وإمّا مكاتبة ويقال له الرسالة. فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام كذا في الاتقان في بيان وجوه إعجاز القرآن. وقال النحاة الكلام لفظ تضمّن كلمتين بالإسناد ويسمّى جملة ومركّبا تاما أيضا أي يكون كلّ واحدة من الكلمتين حقيقة كانتا أو حكما في ضمن ذلك اللفظ، فالمتضمّن اسم فاعل هو المجموع والمتضمّن اسم مفعول كلّ واحدة من الكلمتين فلا يلزم اتحادهما، فاللفظ يتناول المهملات والمفردات والمركّبات، وبقيد تضمّن كلمتين خرجت المهملات والمفردات، وبقيد الإسناد خرجت المركّبات الغير الإسنادية من المركّبات التي من شأنها أن لا يصحّ السكوت عليها، نحو: عارف زيد على الإضافة وزيد العارف على الوصفية وزيد نفسه على التوكيد فإنّها لا تسمّى كلاما ولا جملة، وهذا عند من يفسّر الإسناد بضمّ إحدى الكلمتين إلى الأخرى بحيث يفيد السامع. وأمّا عند من يفسّره بضمّ أحدهما إلى الأخرى مطلقا فيقال المراد بالإسناد عنده هاهنا الإسناد الأصلي، وحيث كانت الكلمتان أعمّ من أن تكونا كلمتين حقيقة أو حكما دخل في التعريف مثل زيد أبوه قائم أو قام أبوه أو قائم أبوه فإنّ الأخبار فيها وإن كانت مركّبات لكنها في حكم المفردات، أعني قائم الأب ودخل فيه أيضا جسق مهمل وديز مقلوب زيد مع أنّ المسند إليه فيهما مهمل ليس بكلمة فإنّه في حكم هذا اللفظ. ثم إنّ هذا التعريف ظاهر في أنّ ضربت زيدا قائما بمجموعة كلام بخلاف كلام صاحب المفصّل حيث قال: الكلام هو المركّب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى فإنّه صريح في أنّ الكلام هو ضربت، والمتعلّقات خارجة عنه، ثم اعلم أنّ صاحب المفصّل وصاحب اللباب ذهبا إلى ترادف الكلام والجملة، وظاهر هذين التعريفين يدلّ على ذلك، لكن الاصطلاح المشهور على أنّ الجملة أعمّ من الكلام مطلقا لأنّ الكلام ما تضمّن الإسناد الأصلي وكان إسناده مقصودا لذاته، والجملة ما تضمّن الإسناد الأصلي سواء كان إسناده مقصودا لذاته أولا، فالمصدر والصفات المسندة إلى فاعلها ليست كلاما ولا جملة لأنّ إسنادها ليست أصلية، والجملة الواقعة خبرا أو وصفا أو حالا أو شرطا أو صلة ونحو ذلك مما لا يصحّ السكوت عليها جملة وليست بكلام لأنّ إسنادها ليس مقصودا لذاته. هذا كله خلاصة ما في شروح الكافية والمطوّل في تعريف الوصل والوافي وغيرها.

التقسيم:
اعلم أنّ الحذّاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصار الكلام في الخبر والإنشاء وأنّه ليس له قسم ثالث. وادّعى قوم أنّ أقسام الكلام عشرة: نداء ومسئلة وأمر وتشفّع وتعجّب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام. وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة. وقيل ثمانية بإسقاط التشفّع لدخوله فيها. وقيل سبعة بإسقاط الشكّ لأنّه من قسم الخبر. وقال الأخفش هي ستة: خبر واستخبار وأمر ونهي ونداء وتمنّ. وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء. وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء، قالوا لأنّ الكلام إمّا أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا. الأول الخبر والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بلفظه بل تأخّر عنه فهو الطلب. والمحقّقون على دخول الطلب في الإنشاء وإنّ معنى اضرب وهو طلب الضرب مقترن بلفظه، وأمّا الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلّق الطلب لا نفسه.

وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة: الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إمّا أن يطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكفّ عنها. الأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي. وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب يسمّى تنبيها وإنشاء لأنّك نبّهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمنّي والترجّي والنداء والقسم أولا، كأنت طالق، وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر كذا في الاتقان. وسيأتي ما يتعلّق بهذا في لفظ المركّب، وسمّى ابن الحاجب في مختصر الأصول غير الخبر بالتنبيه وأدخل فيه الأمر والنّهي والتمنّي والترجّي والقسم والنّداء والاستفهام. قال المحقّق التفتازاني هذه التسمية غير متعارف.
فائدة:
الكلام في العرف اللغوي لا يشتمل الحرف الواحد وفي العرف الأصولي لا يشتمل المهمل وفي العرف النحوي لا يشتمل الكلمة والمركّبات الغير التامة كما لا يخفى، فكل معنى أخصّ مطلقا مما هو قبله، والمعنى الأول أعمّ مطلقا من الجميع. اعلم أنّه لا اختلاف بين أرباب الملل والمذاهب في كون البارئ تعالى متكلّما إنّما الاختلاف في معنى كلامه وفي قدمه وحدوثه، وذلك لأنّ هاهنا قياسين متعارضين أحدهما أنّ كلام الله تعالى صفة له، وكلما هو كذلك فهو قديم فكلام الله تعالى قديم. وثانيهما أنّ كلامه تعالى مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود، وكلما هو كذلك فهو حادث، فكلامه تعالى حادث، فافترق المسلمون إلى فرق أربع. ففرقتان منهم ذهبوا إلى صحّة القياس الأول وقدحت واحدة منهما في صغرى القياس الثاني وقدحت الأخرى في كبراه.
وفرقتان أخريان ذهبوا إلى صحّة الثاني وقدحوا في إحدى مقدمتي الأول. فالحنابلة صحّحوا القياس الأول ومنعوا كبرى الثاني وقالوا كلامه حرف وصوت يقومان بذاته وإنّه قديم، وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم بالجهل الجلد والغلاف قديمان. والكرّامية صحّحوا القياس الثاني وقدحوا في كبرى الأول وقالوا كلامه حروف وأصوات وسلّموا أنها حادثة لكنهم زعموا أنّها قائمة بذاته تعالى لتجويزهم قيام الحوادث بذاته تعالى. والمعتزلة صحّحوا الثاني وقدحوا في كبرى الأول وقالوا كلامه حروف وأصوات لكنها ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها الله تعالى في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي وهو حادث. والأشاعرة صحّحوا القياس الأول ومنعوا صغرى الثاني وقالوا كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف بل هو معنى قائم بذاته تعالى قديم مسمّى بالكلام النفسي الذي هو مدلول الكلام اللفظي الذي هو حادث وغير قائم بذاته تعالى قطعا، وذلك لأنّ كلّ من يأمر وينهي ويخبر يجد من نفسه معنى ثم يدلّ عليه بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة وهو غير العلم إذ قد يخبر الإنسان عمّا لا يعلم بل يعلم خلافه، وغير الإرادة لأنّه قد يأمر بما لا يريده كمن أمر عبده قصدا إلى إظهار عصيانه وعدم امتثاله لأوامره ويسمّى هذا كلاما نفسيا على ما أشار إليه الأخطل بقوله:
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.

وقال عمر رضي الله عنه: إنّي زورت في نفسي مقالة. وكثيرا ما تقول لصاحبك إنّ في نفسي كلاما أريد أن أذكره لك. فلما امتنع اتصافه تعالى باللفظي لحدوثه تعيّن اتصافه بالنفسي إذ لا. اختلاف في كونه متكلّما.
وبالجملة فما يقوله المعتزلة وهو خلق الأصوات والحروف وحدوثها فالأشاعرة معترفون به ويسمّونه كلاما لفظيا. وما يقوله الأشاعرة من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته ولو سلّموه لم ينفوا قدمه فصار محلّ النزاع بينهم وبين الأشاعرة نفي المعنى النفسي وإثباته. فأدلتهم الدالة على حدوث الألفاظ إنّما تفيدهم بالنسبة إلى الحنابلة، وأمّا بالنسبة إلى الأشاعرة فيكون نصبا للدليل في غير محلّ النزاع، كذا في شرح المواقف وتمام التحقيق قد سبق في لفظ القرآن.
وقال الصوفية الكلام تجلّي علم الله سبحانه باعتبار إظهاره إيّاه، سواء كانت كلماته نفس الأعيان الموجودة أو كانت المعاني التي يفهمها عباده إمّا بطريق الوحي أو المكالمة أو أمثال ذلك لأنّ الكلام لله تعالى في الجملة صفة واحدة نفسية، لكن لها جهتين: الجهة الأولى على نوعين. النوع الأول أن يكون الكلام صادرا عن مقام العزّة بأمر الألوهية فوق عرش الربوبية وذلك أمره العالي الذي لا سبيل إلى مخالفته، لكن طاعة الكون له من حيث يجهله ولا يدريه، وإنّما الحقّ سبحانه يسمع كلامه في ذلك المجلى عن الكون الذي يريد تقدير وجوده، ثم يجري ذلك الكون على ما أمره به عناية منه ورحمة سابقة ليصحّ للوجود بذلك اسم الطاعة فتكون سعيدا. وإلى هذا أشار بقوله في مخاطبته للسماء والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. فحكم للأكوان بالطاعة تفضّلا منه، ولذلك سبقت رحمته غضبه.
والمطيع مرحوم فلو حكم عليها بأنّها أتت مكرهة لكان ذلك الحكم عدلا إذ القدرة تجبر الكون على الوجود إذ لا اختيار للمخلوق ولكان الغضب حينئذ أسبق إليه من الرحمة لكنه تفضّل فحكم لها بالطاعة، فما ثمّ عاص له من حيث الجملة في الحقيقة، وكلّ الموجودات مطيعة له تعالى ولهذا آل حكم النّار إلى أن يضع الجبّار فيها قدمه فيقول قط قط فتزول وينبت في محلّها شجر الجرجير كما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأمّا النوع الثاني منها فهي الصادرة من مقام الربوبية بلغة الأنس بينه وبين خلقه كالكتب المنزّلة على أنبيائه والمكالمات لهم ولمن دونهم من الأولياء، ولذلك وقعت الطاعة والمعصية في الأوامر المنزّلة في الكتب من المخلوق لأنّ الكلام صدر بلغة الأنس، فهم في الطاعة كالمخيرين أعني جعل نسبة اختيار الفعل إليهم ليصحّ الجزاء في المعصية بالعذاب عدلا، ويكون الثواب في الطاعة فضلا لأنّه جعل نسبة الاختيار إليهم بفضله ولم يكن ذلك إلّا بجعله لهم، وما جعل ذلك إلّا لكي يصحّ لهم الثواب، فثوابه فضل وعقابه عدل. وأمّا الجهة الثانية فاعلم أنّ كلام الحقّ نفس أعيان الممكنات، وكلّ ممكن كلمة من كلماته، ولذا لا نفود للممكن. قال تعالى قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ الآية، فالممكنات هي كلمات الحقّ سبحانه وذلك لأنّ الكلام من حيث الجملة صورة لمعنى في علم المتكلّم، أراد المتكلّم بإبراز تلك الصورة فهم السامع ذلك المعنى، فالموجودات كلمات الله تعالى وهي الصورة العينية المحسوسة والمعقولة الوجودية، وكلّ ذلك صور المعاني الموجودة في علمه وهي الأعيان الثابتة. وإن شئت قلت حقائق الأشياء.
وإن شئت قلت ترتيب الألوهية. وإن شئت قلت بساطة الوحدة. وإن شئت قلت تفصيل الغيب.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 2 1374 فائدة: ..... ص: 1372

إن شئت قلت ترتيب الألوهية. وإن شئت قلت بساطة الوحدة. وإن شئت قلت تفصيل الغيب.
وإن شئت قلت صور الجمال. وإن شئت قلت آثار الأسماء والصفات. وإن شئت قلت معلومات الحقّ. وإن شئت قلت الحروف العاليات، فكما أنّ المتكلّم لا بدّ له في الكلام من حركة إرادية للتكلّم ونفس خارج بالحروف من الصّدر الذي هو غيب إلى ظاهر الشفة، كذلك الحقّ سبحانه في إبرازه لخلقه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة يريد أولا ثم تبرزه القدرة، فالإرادة مقابلة للحركة الإرادية التي في نفس المتكلّم، والقدرة مقابلة للنفس الخارج بالحروف من الصّدر إلى الشفة لأنّها تبرز من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وتكوين المخلوق مقابل لتركيب الكلمة على هيئة مخصوصة في نفس المتكلّم، كذا في الإنسان الكامل.

الكناية

الكناية:
[في الانكليزية] Metonymy ،antonomasia
[ في الفرنسية] metonymie
بالكسر في اللغة واصطلاح النحاة أن يعبّر عن شيء معيّن بلفظ غير صريح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامعين، كقولك جاءني فلان وأنت تريد زيدا. والمراد بها في باب المبنيات ما يكنى به لا المعنى المصدري ولا كلّ ما يكنى به بل البعض المعيّن منه، وهو كم وكذا كناية عن العدد وكيت وذيت للحديث، ومنها كأين كذا في الفوائد الضيائية، قال ابن الحاجب: الكناية في باب المبنيات لفظ مبهم يعبّر به عما وقع مفسّرا في كلام متكلّم إمّا لإبهامه على المخاطب أو لنسيانه.
واعترض عليه بأنّ كم ليس من هذا القبيل ولا لفظ كذا في قولك عندي كذا رجلا لأنّه ليس حكاية لما وقع في كلام متكلّم مفسّرا، ولا كيت وذيت في قولك كان من الأمر كيت وذيت. بلى قولك قال فلان كذا فقال كيت وذيت داخل في حدّه. وأجيب بأنّ المراد صحة الوقوع لا الوقوع حقيقة أي عما يصحّ أن يقع في كلام متكلّم مفسّرا أو من شأنه أن يقع كذا في الموشح. ويطلق الكناية أيضا على الضمير لأنّه يكنى به عن متكلّم أو مخاطب أو غائب تقدّم ذكره. وعند الأصوليين والفقهاء مقابل للصريح. قالوا الصريح لفظ انكشف المراد منه في نفسه أي بالنظر إلى كونه لفظا مستعملا، والكناية لفظ استتر المراد منه في نفسه سواء كان المراد منهما أي من الصريح والكناية معنى حقيقيا أو مجازيا. فالحقيقة التي لم تهجر صريح والتي هجرت وغلب معناها المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح وغير الغالب كناية. واحترز بقيد في نفسه عن استتار المراد في الصريح بواسطة غرابة اللفظ أو ذهول السامع عن الوضع أو عن القرينة أو نحو ذلك، وعن انكشاف المراد في الكناية بواسطة التفسير والبيان، فمثل المفسّر والمحكم داخل في الصريح ومثل المشكل والمجمل داخل في الكناية لما تقرّر من أنّ هذه الأقسام متمايزة بالاعتبار لا بالذات. وما يقال من أنّ المراد الاستتار والانكشاف بحسب الاستعمال بأن يستعملوه قاصدين الاستتار وإن كان واضحا في اللغة أو الانكشاف وإن كان خفيا في اللغة احترازا عن أمثال ذلك فلا يخفىقصدا، وبالذات إذ لا معنى لاستعمال اللفظ في غير معناه لينتقل منه إلى معناه فينافي إرادة الموضوع له لأنّ إرادته حينئذ لا يكون للانتقال إلى المعنى المجازي الداخل تحت الإرادة قصدا من غير تبعية، بل لكونه مقصودا بالذات فيلزم إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا بالذات وهو ممتنع. وبهذا يندفع ما يقال لو كان الاستعمال في غير ما وضع له منافيا لإرادته الموضوع له لامتناع الجمع بين الحقيقة والمجاز لكان استعماله فيما وضع له أيضا منافيا لإرادة غير الموضوع له لذلك كذا كذا في التلويح.

قال أبو القاسم في حاشية المطوّل: ذهب المحقّقون إلى أنّه يجوز كون المعنى الحقيقي في الكناية مستحيلا وحينئذ لا يعلم الفرق بينها وبين المجاز أصلا، فإنّ استحالة المعنى الحقيقي من أقوى قرائن المجاز، فإذا جوّز في الكناية استحالة المعنى الحقيقي ولم يجعل مانعا عن إرادة المعنى الحقيقي لينتقل منه إلى المقصود فلا يكون شيء من قرائن المجاز مانعا عن إرادته لينتقل منه إلى المقصد، فلا تتميّز الكناية عن المجاز في شيء من الصور. ولو سلّم فلا شكّ في عدم التمييز في صورة الاستحالة. قال صاحب الأطول: يمكن أن تجعل الكنايات كلها حقائق صرفة ويكون قصد ما به يجعل معنى كنائيا من قبيل قصد النتيجة بعد إقامة الدليل فيكون فلان كثير الرّماد حقيقة صرفة ذكرت دليلا على أنّه مضياف فيكون التقدير فهو مضياف ولا يكون هناك استعمال كثير الرماد في المضياف انتهى. وفرّق السّكّاكي وغيره بينهما بأنّ الانتقال فيها من اللازم إلى الملزوم وفي المجاز بالعكس كالانتقال من الأسد الذي هو ملزوم الشجاع إلى الشجاع.
وردّ بأنّ اللازم ما لم يكن ملزوما لم ينتقل منه لأنّ اللازم يجوز أن يكون أعمّ من الملزوم، والانتقال إنّما يتصوّر على تقدير تلازمهما وتساويهما، وحينئذ يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم كما في المجاز. وأجيب بأنّ المراد باللازم ما يكون وجوده على سبيل التّبعية كطول النجاد لطول القامة، ولذا جوّزوا كون اللازم أخصّ كالضاحك بالفعل للإنسان، فالكناية أن يذكر من المتلازمين ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف، والمجاز بالعكس، وفيه نظر لأنّ المجاز قد يكون من الطرفين كاستعمال الغيث في النبت واستعمال النبت في الغيث كذا في المطول. قال أبو القاسم ذكر أهل الأصول أنّه لمّا كان مبني المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم أي من المتبوع إلى التابع فإن كان اتصال الشيئين بحيث يكون كلّ منهما أصلا من وجه وفرعا من وجه جاز استعمال الأصل في الفرع دون العكس، فالعلّة أصل من جهة احتياج المعلول إليه والمعلول المقصود أصل من جهة كونه منزلة العلّة الغائية، وهي وإن كانت لوجودها معلولة لمعلولها إلّا أنّها لماهياتها علّة له، ومن هذا القبيل إطلاق النبت على الغيث فاندفع الاعتراض. والقول بأنّ اصطلاح أهل العربية مخالف لاصطلاح الأصول مما لا يلتفت إليه انتهى. اعلم أنّ الكناية في اصطلاحهم كما تطلق على اللفظ نفسه كذلك تطلق على المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلم أعني ذكر اللازم وإرادة الملزوم، فاللفظ يكنى به والمعنى يكنى عنه كذا في المطول.

التقسيم:
الكناية ثلاثة أقسام الأولى الكناية المطلوب بها غير صفة ولا نسبة فمنها ما هي معنى واحد وهو أن يتفق في صفة من الصفات عرض اختصاص بموصوف معيّن فتذكر تلك الصفة ليتوصّل بها إلى ذلك الموصوف كقولنا مجامع الأضغان كناية عن القلوب والضغن الحقد. ومنها ما هي مجموع معان وهو أن تؤخذ صفة فتضمّ إلى لازم آخر وآخر لتصير جملتها مختصّة بموصوف فيتوصّل بذكرها إليه، كقولنا كناية عن الإنسان حي مستوى القامة عريض الأظفار ويسمّى هذه خاصّة مركّبة، وشرط هذين الكنايتين الاختصاص بالمكنى عنه.
الثانية الكناية المطلوب بها صفة من الصفات كالجود والكرم والشجاعة ونحو ذلك، وهي ضربان، قريبة وبعيدة، فإن لم يكن الانتقال بواسطة فقريبة إمّا واضحة إن حصل الانتقال منها بسهولة كطويل النّجاد وإمّا خفية كقولهم كناية عن الأبله عريض القفا، فإن عرض القفا وعظم الرأس بالإفراط مما يستدلّ به على بلاهة الرجل لكن في الانتقال نوع خفاء لا يطلع عليه كلّ أحد، وإن كان الانتقال من الكناية إلى المطلوب بها بواسطة فبعيدة كقولهم كثير الرماد كناية عن المضياف فإنّه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدر، ومنها إلى كثرة الطبخ ومنها إلى كثرة الضيفان ومنها إلى المطلوب. والثالثة المطلوب بها نسبة أي إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه كقول زياد الأعجم:
إنّ السّماحة والمروءة والنّدى. في قبّة ضربت على ابن الحشرج.
فإنه أراد أن يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات فترك التصريح بأن يقول إنّه مختصّ بها أو نحوه إلى الكناية بأن جعلها في قبة مضروبة عليه. والموصوف في هذين القسمين قد يكون مذكورا كما مرّ وقد يكون غير مذكور كما يقال في عرض من يؤذي المسلمين المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده فإنّه كناية عن نفي صفة الإسلام عن المؤذي وهو غير مذكور في الكلام كذا في المطول. وقال في الإتقان استنبط الزمخشري نوعا من الكناية غريبا وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز فتعبّر بها عن المقصود، كما تقول في نحو الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. إنّه كناية عن الملك فإن الاستواء على السرير لا يحصل إلّا مع الملك، فجعل كناية عنه. وكذا قوله تعالى وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين حقيقة ومجازا انتهى.
قال السّكّاكي الكناية تتفاوت إلى تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة والمناسب للكناية العرضية وهي ما لم يذكر الموصوف فيها التعريض لأنّ التعريض خلاف التصريح. يقال عرّضت لفلان وبفلان إذا قلت قولا لغيره وأنت تعيّنه فكأنّك أشرت به إلى عرض أي جانب وتريد جانبا آخر، والمناسب لغير العرضية إن كثرت الوسائط بين اللازم والملزوم التلويح لأنّ التلويح هو أن تشير إلى غيرك من بعد وإن قلّت الوسائط مع خفائه أي خفاء اللزوم فالمناسب الرمز لأنّ الرمز أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفية لأنّه الإشارة بالشّفة والحاجب وبلا خفاءه فالمناسب الإيماء والإشارة كذا في المطول. فائدة:
للناس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة. فقال الزمخشري الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن يذكر شيئا يدلّ به على ذكر شيء لم يذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلّم عليك فكأنّ إمالة الكلام إلى عرض يدلّ على المقصود ويسمّى التلويح لأنّه يلوح منه ما تريده. وقال ابن الأثير: الكناية ما دلّ على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما ويكون في المفرد والمركّب، والتعريض هو اللفظ الدالّ على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي بل من جهة التلويح والإشارة فيختصّ باللفظ المركّب، كقول من يتوقّع صلة والله إني محتاج فإنّه تعريض بالطلب مع أنّه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا، وإنّما فهم من عرض اللفظ أي جانبه. وقال السّبكي في الفرق بينهما الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا به لازم المعنى فهو بحسب استعمال اللفظ في المعنى حقيقة والتجوّز في إرادة إفادة ما لم يوضع له، وقد لا يراد بها المعنى بل يعبّر بالملزوم عن اللازم وهي حينئذ مجاز. وأمّا التعريض فهو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره نحو قوله تعالى قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتّخذة آلهة كأنّه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا لعابديها فإنّها لا تصلح للإلهية لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم عن عجز كبيرها عن ذلك الفعل، والإله لا يكون عاجزا فهو حقيقة أبدا. وقال السّكّاكي التعريض ما سبق لأجل موصوف غير مذكور، ومنه أن يخاطب واحد ويراد غيره كذا في المطول والاتقان. وقال السّيّد السّند في توضيحه ما حاصله إن مقصود العلّامة الزمخشري بيان الفرق بينهما فلا يرد النقض على حدّ الكناية بالمجاز، فإنّ ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له حاصله استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وذكر شيء يدلّ على شيء لم تذكره يفهم منه أنّ الشيء الأول مذكور بلفظه الموضوع له لأنّه الأصل المتبادر عند الإطلاق.
ويفهم منه أيضا أنّ الشيء الثاني لم يستعمل فيه اللفظ وإلّا لكان مذكورا في الجملة. وبالجملة فحاصل الفرق أنّه اعتبر في الكناية استعمال اللفظ في غير ما وضع له وفي التعريض استعماله فيما وضع له مع الإشارة إلى ما لم يوضع له من السّياق. وكلام ابن الأثير أيضا يدلّ على أنّ المعنى التعريضي لم يستعمل فيه اللفظ بل هو مدلول عليه إشارة وسياقا، وكذا كلام السّبكي بل تسميته تلويحا يلوح منها ذلك، وكذلك تسميته تعريضا ينبئ عنه. ولذلك قيل هو إمالة الكلام إلى عرض أي جانب يدلّ على المقصود، هذا هو مقتضى ظاهر كلام العلّامة.
وتوضيحه أنّ اللفظ المستعمل فيما وضع له فقط هو الحقيقة المجرّدة ويقابله المجاز لأنّه المستعمل في غير الموضوع له فقط، والكناية اللفظ المستعمل بالأصالة فيما لم يوضع له والموضوع له مراد تبعا، وفي التعريض هما مقصودان الموضوع له من نفس اللفظ حقيقة أو مجازا أو كناية والمعرّض به من السياق، فالتعريض يجامع كلا من الحقيقة والمجاز والكناية. وإذا كانت الكناية تعريضية كان هناك وراء المعنى الأصلي والمعنى المكنى عنه معنى آخر مقصود بطريق التلويح والإشارة، وكان المعنى المكنى عنه بينهما بمنزلة المعنى الحقيقي في كونه مقصودا من اللفظ مستعملا هو فيه، فإذا قيل المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وأريد به التعريض بنفي الإسلام عن مؤذ معيّن فالمعنى الأصلي هاهنا انحصار الإسلام فيمن سلموا من لسانه ويده ويلزمه انتفاء الإسلام عن المؤذي مطلقا، وهذا هو المعنى عنه المقصود من من اللفظ استعمالا. وأما المعنى المعرّض به المقصود من الكلام سياقا فهو نفي الإسلام عن مؤذ معيّن. هكذا ينبغي أن يحقق الكلام ويعلم أنّ الكناية بالنسبة إلى المعنى المكنى عنه لا يكون تعريضا قطعا وإلّا لزم أن يكون المعنى المعرّض به قد استعمل فيه اللفظ وقد ظهر بطلانه، وهكذا المجاز والحقيقة بالنسبة إلى المعنى المجازي والحقيقي لا يكونان تعريضا أيضا، فاللفظ بالقياس إلى المعنى المعرّض به لا يوصف بالحقيقة ولا بالمجاز ولا بالكناية لفقدان استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى. وما قيل بأنّ اللفظ إذا دلّ على معنى دلالة صحيحة فلا بد أن يكون حقيقة أو مجازا أو كناية فليس بشيء إذ مستتبعات التراكيب يدل عليها الكلام دلالة صحيحة وليس حقيقة فيها ولا مجاز ولا كناية لأنّها مقصودة تبعا لا أصالة فلا تكون فيها. والمعنى المعرّض به وإن كان مقصودا أصليا إلّا أنّه ليس مقصودا من اللفظ حتى يكون مستعملا فيه، وإنّما قصد إليه من السياق تلويحا وإشارة، وقد يتفق عارض يجعل المجاز في حكم حقيقة مستعملة كما في المنقولات والكناية في حكم الصريح كما في الاستواء على العرش وبسط اليد، وكذلك التعريض قد يصير بحيث يكون الالتفات فيه إلى المعنى المعرّض به كأنه المقصود الأصلي والمستعمل فيه اللفظ ولا يخرج بذلك عن كونه تعريضا في أصله كقوله تعالى. وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ فإنّه تعريض بأنّه كان عليهم أن يؤمنوا به قبل كلّ واحد، وهذا المعنى المعرّض به هو المقصود الأصلي هاهنا دون المعنى الحقيقي انتهى.
فائدة: في الكناية أربعة مذاهب. الأول أنّها حقيقة قال به ابن عبد السلام، وهو الظاهر لأنّها استعملت فيما وضعت له وأريد بها الدّلالة على غيره. الثاني أنّها مجاز الثالث أنّها لا حقيقة ولا مجاز وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي، وتجويزه ذلك في الكناية. الرابع وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنّها تنقسم إلى حقيقة ومجاز فإن استعملت في معناه مرادا به لازم المعنى أيضا فهو حقيقة، وإن لم يرد به المعنى بل عبّر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له. والحاصل أنّ الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له ليفيد غير ما وضع له والمجاز منها أن تريد غير موضوعة استعمالا وإفادة كذا في الاتقان في نوع المجاز.
الكناية: كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرا في اللغة، سواء كان المراد به الحقيقة أو المجاز فيكون تردده فيما أريد به، فلا بد فيه من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال ليزول التردد ويتعين ما يريد به.والكناية عند علماء البيان: أن يعبر عن شيء بلفظ غير صريح في الدلالة عليه كغرض من الأغراض كالإبهام على السامع أو لنوع فصاحة.وعند أهل الأصول: ما يدل على المرادج بغيره لا بنفسه.

الدّليل

الدّليل:
[في الانكليزية] Proof ،demonstration ،sign
[ في الفرنسية] Preuve ،demonstration ،indice ،signe
لغة المرشد وهو الناصب والذاكر وما به الإرشاد. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع لأنّه نصب العالم دليلا على نفسه أو العالم بكسر اللام لأنّه الذي يذكر للمستدلّين كون العالم دليلا على الصانع أو العالم بفتح اللام لأنّه الذي به الإرشاد كما في العضدي. وعند الأطباء هو العلامة كما يستدلّ من حمرة القارورة على غلبة الدم، ومن صفرته النارنجية على الصفراء، كذا في السديدي شرح المؤجز. وفي بحر الجواهر الدليل هو علامة يهتدي بها الطبيب إلى المرض. وقد يطلق على القارورة لأنّه يهتدي بها إليه. وإنّما خصّ الأطباء البول بالدليل تنبيها على أنّ له مدخلا عظيما في الاستدلال على أحوال البدن انتهى.
وعند المنجّمين هو المزاعم كما سيجيء. وعند الأصوليين له معنيان، أحدهما أعمّ من الثاني مطلقا. فالأول الأعمّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وهو يشتمل القطعي والظنّي، وهذا المعنى هو المعتبر عند الأكثر. والثاني الأخصّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري وهذا يخصّ بالقطعي وهو القطعي المسمّى بالبرهان. والعلم بمعنى اليقين على اصطلاح المتكلّمين والأصوليين والظنّي يسمّى أمارة، هكذا ذكر السيد الشريف في حاشية العضدية، وهكذا اصطلاح المتكلّمين كما في المواقف وشرحه. إلّا أنّه ذكر له معان ثلاثة، حيث قال:
الطريق ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب فإن كان المطلوب تصورا سمّي طريقه معرّفا وإن كان تصديقا سمّي طريقه دليلا. وهو أي الدليل بالمعنى المذكور يشتمل الظنّي الموصل إل الظنّ كالغيم الرطب الموصل إلى الظنّ بالمطر، والقطعي الموصل إلى القطع كالعالم الموصل إلى العلم بوجود الصانع. وقد يخصّ الدليل بالقطعي ويسمّى الظنّي أمارة، وقد يخصّ الدليل أيضا مع التخصيص الأول بما يكون الاستدلال فيه من المعلول على العلّة ويسمّى برهانا إنّيا ويسمّى عكسه، وهو ما يستدل فيه من العلة على المعلول تعليلا وبرهانا لمّيا. والدليل عند الميزانيين منقسم إلى القياس والاستقراء والتمثيل لأنّ الدليل لا يخلو إمّا أن يكون على طريق الانتقال من الكلّي إلى الكلّي أو إلى الجزئي فيسمّى برهانا وقياسا، أو من الجزئي إلى الكلّي فيسمّى استقراء، أو من الجزئي إلى الجزئي فيسمّى تمثيلا، هكذا في حواشي السلم.
وذكر المحقق التفتازاني في حاشية العضدي أنّه قال الآمدي: أمّا الدليل فقد يطلق في اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل.
وقيل الذاكر له، وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد وهو المسمّى دليلا في عرف الفقهاء سواء أوصل إلى علم أو ظن. والأصوليون يفرّقون فيخصّون الدليل بما يوصل إلى علم والامارة بما يوصل إلى ظن، فحدّه عند الفقهاء ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وعند الأصوليين ما يمكن التوصّل به إلى العلم بمطلوب خبري. ثم قال المحقّق التفتازاني والأقرب أنّ اصطلاح الأصول ما ذكره الشارح أي شارح مختصر الأصول وهو عضد الملّة والدين. وبعد هذا فنشرع في شرح التعريف للدليل بالمعنى الأول فإنّه يكفيك.
فنقول اعتبر إمكان التوصّل إذ الدّليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصّل بالفعل فإنّه لا يخرج عن كونه دليلا بأن لا ينظر فيه أصلا، ولو اعتبر وجود التوصّل يخرج عن التعريف ما لم ينظر فيه أحد أبدا، والإمكان إن أريد به الإمكان الخاص يختص التعريف بمذهب الأشعري، وإن أريد به الإمكان الجامع للوجوب والفعل فيشتمل التوصّل عادة كما هو مذهب أهل السّنة. والتوصّل توليدا كما هو مذهب المعتزلة. والتوصل اعدادا كما هو مذهب الحكماء. والتوصّل لزوما كما هو مذهب الرازي يصحّ التعريف على جميع المذاهب المذكورة. وحيث كان التوصل أعمّ من أن يكون إلى علم أو ظنّ يتناول التعريف القطعي والظنّي. والمراد بالنظر فيه ما يتناول النظر في نفسه والنظر في أحواله وصفاته بأن يطلب من أحواله ما هو وسط مستلزم للحال المطلوب إثباته للمحكوم عليه. وترتب مقدمتان إحداهما من الوسط والمحكوم عليه وثانيتهما من الوسط، والحال المطلوب إثباته ويحصل منهما المطلوب الخبري، كالعالم فإنّه دليل على وجود الصانع إذا نظر في أحواله كالحدوث بأن يقال العالم حادث وكلّ حادث فله صانع، والمقدّمات المتفرّقة والمترتبة الغير المأخوذة مع الترتيب إذا نظر في أنفسها بأن ترتب ترتيبا صحيحا مستجمعا لشرائط الإنتاج يتوصّل بها إلى المطلوب الخبري. وبالجملة فقوله النظر في نفسه يتناول التصوّرات المتعدّدة متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدّمات متفرّقة أو مترتّبة كذلك. وقوله والنظر في أحواله يتناول المفرد فقط، فعلم من هذا أنّ الدليل عندهم قسمان: مفرد ومركّب وهو المقدّمات الغير المأخوذة مع الترتيب. وأمّا المقدمات المأخوذة مع الترتيب فهي خارجة عن تعريف الدليل عندهم، وأمّا عند المنطقيين فهي الدليل لا غير.
فأقول إذا تناول النظر ما يتناول النظر في نفسه والنّظر في أحواله فيتناول التعريف التصوّرات المتعدّدة متفرّقة كانت أو مترتبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدمات متفرقة أو مترتبة كذلك. أمّا إذا أخذت مع الترتيب فهي خارجة عن التعريف لاستحالة النّظر فيها، إذا النظر هو الترتيب. وكذا يتناول المفرد الذي من شأنه إذا نظر في أحواله يوصل إلى المطلوب كالعالم مثلا فإنه أيضا يسمّى عندهم دليلا رعاية لظاهر ما ورد به النصوص فإنّها ناطقة بكون السموات والأرض وما فيها أدلة. وبالجملة لو لم يرد العموم فإن خصّ بالنظر في نفسه خرج المفرد مع أنّه دليل عندهم، وإن خصّ بالنظر في أحواله خرج المعرّف مطلقا بهذا القيد إذ لا يقع الترتيب في أحواله فيلزم استدراك قيد الخبري فلا بد من التعميم فإذا عمّم النظر ظهر تناوله للجميع وقيد النظر بالصحيح وهو المشتمل على شرائطه مادّة وصورة إذ الفاسد ليس في نفسه سببا للتوصل ولا آلة له، وإن كان قد يفضي إليه فذلك إفضاء اتفاقي، فلو لم يقيد وأريد العموم خرجت الدلائل بأسرها إذ لا يمكن التوصّل بكل نظر فيها، وإن اقتصر على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه على افتراق الصحيح والفاسد في ذلك. والحكم بكون الإفضاء في الفاسد اتفاقيا إنّما يصحّ إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط عقلي يصير به بعضها وسيلة إلى بعض أو يخصّ بفساد الصورة أو بوضع ما ليس بدليل مكانه. وتقييد المطلوب بالخبري لإخراج المعرّف. ولو قيد المطلوب بالتصوّر يصير تعريفا للمعرّف، وإن جرّد عن القيدين يصير حدّا للمشترك بينهما أعني الموصل إلى المجهول المسمّى بالطريق عندهم.
وعند المنطقيين له معنيان أيضا أحدهما أعمّ من الثاني كما ذكر السيّد الشّريف في حاشية العضدي. الأول الموصل إلى التصديق قياسا كان أو تمثيلا أو استقراء، والثاني القياس البرهاني. وعلى الأول عرّف بأنّه قولان فصاعدا يكون عنه قول آخر. والمراد بالقولين قضيتان معقولتان أو ملفوظتان، فإنّ الدليل كالقول والقضية يطلق على المعقول والمسموع اشتراكا أو حقيقة ومجازا. وقيل أي مركّبان ويخرج بقوله يكون عنه قول آخر قولان فصاعدا من المركبات التقييدية أو منها ومن التّامة كما يخرج قولان من التامة إذا لم يشتركا في حدّ أوسط.
وإنّما قال فصاعدا ليشتمل القياس المركّب.
وفي توحيد الضمير وتذكيره في عنه تنبيه على أنّ الهيئة لها مدخل في ذلك. قيل إنّما وصف القول بالآخر ليخرج عنه مجموع أيّة قضيتين اتفقتا فإنّه يستلزم إحداهما. وهذا لا يصحّ هاهنا إذ لا تكون عنه إحداهما. ولمّا اعتبر حصول القول الآخر سواء كان لازما بيّنا أو غير بيّن أو لا يكون لازما يتناول الحدّ الأمارة وغيرها لأنّه يجمع التمثيل والاستقراء والقياس البرهاني والجدلي والخطابي والشعري والمغالطي. وعلى الثاني عرّف بأنّه قولان فصاعدا يستلزم لذاته قولا آخر إذ هذا يختص بالقياس البرهاني، إذ غير البرهان لا يستلزم لذاته شيئا آخر لأنّه لا علاقة بين الظنّ وبين شيء يستفاد هو منه لانتفائه مع بقاء سببه الذي يوصل منه إليه كالغيم الرّطب يكون أمارة للمطر ثم يزول ظنّ المطر بسبب من الأسباب مع بقاء الغيم بحاله. فإن قيل قد أطبق جمهور المنطقيين على اعتبار قيد الاستلزام في تعريف القياس وجعلوه مع ذلك شاملا للصناعات الخمس. أجيب بأنّهم زادوا قيدا آخر هو تقدير تسليم مقدماته. فالاستلزام في الكلّ إنّما هو على ذلك التقدير وأمّا بدونه فلا استلزام إلّا في البرهان، وفساده ظاهر لأنّ التسليم لا مدخل له في الاستلزام، فإنّ تحقّق اللزوم لا يتوقف على تحقّق الملزوم ولا اللازم، ويجيء أيضا في لفظ القياس مع بيان فائدة قيد تقدير التسليم، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي. والظاهر أنّ هذا التعريف شامل للصناعات الخمس مرادف للقياس، ويؤيده ما ذكر الهداد- الهادية- في حاشية الكافية في تقسيم الكلمة إلى الاسم وأخويه من أنّ الدليل والقياس في اصطلاح المنطقيين بمعنى واحد، وهو قول مؤلّف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر انتهى.
نعم قد يطلق الدليل عندهم على معنى أخصّ أيضا وهو البرهان كما عرفت، ولكن هذا التعريف ليس تعريفا له وإن ذكروه في تعريفه.
قيل وفي هذا التعريف الثاني بحث وهو أنّ فيضان النتيجة بطريق العادة عند الأشاعرة ولا استلزام ذاتيا هناك، إذ لا مؤثّر إلّا الله سبحانه.
فإن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا كما هو المتبادر صحّ التعريف الثاني على رأي أصحابه دون الواقع بخلاف الأول فإنّه صحيح مطلقا، إذ لم يذكر فيه الاستلزام الذاتي، وإن حمل على الدوام والامتناع العادي فقد عدل به عن ظاهره انتهى. يعني أنّ هذا التعريف صحيح عند من عرّفه به غير صحيح بحسب الواقع ونفس الأمر إن أريد بالاستلزام الذاتي ما هو المتبادر منه، أو معدول به عن ظاهره إن حمل الاستلزام الذاتي على الدوام فلا يخلو عن الاضطراب. أقول صحة التعريف يكفي فيها انطباقه على مذهب من يقول به، وكونه غير مطابق للواقع لا يضرّه في صحته كما لا يخفى. ولذا قال المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي: إن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا لا يصح التعريف إلّا على مذهب الحكماء والمعتزلة، وإن أريد به امتناع الانفكاك في الجملة عقليا كان أو عاديا يصحّ على رأي الأشاعرة أيضا انتهى. لكن بقي هاهنا شيء وهو أنّ الدليل باصطلاح المنطقيين والحكماء يباين الدليل باصطلاح المتكلّمين والأصوليين. فما عرّفه به أحد الفريقين كيف ينطبق على مذهب الفريق الآخر.
أقول أمّا وجه تطبيق هذين التعريفين المذكورين للدليل على مذهب المتكلّمين والأصوليين فبأن يراد بالقولين الغير المرتّبين، ويراد بالتكوّن والاستلزام ما يكون بالنظر الصحيح في أنفسهما، فيكون هذان التعريفان تعريفين لأحد قسمي الدليل عندهم وهو المركّب. وأمّا وجه تطبيق تعريف الدليل بأنّه ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى آخره فبأن يراد بلفظ ما المقدمات المأخوذة مع الترتيب؛ كأنّه قيل الدليل مقدمات مترتّبة يتوصّل بها بسبب النظر الصحيح فيها أي بسبب ترتيبها إلى المطلوب الخبري، هذا ما عندي.
وعرف الدليل أيضا بما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والمراد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني بقرينة أنّ الدليل لا يطلق اصطلاحا إلّا على الموصل إلى التصديق المقابل للمعرّف، فخرج المعرّف بالنسبة إلى المعرّف والملزوم بالنسبة إلى اللازم، فإنّ تصوّر الملزوم يستلزم تصوّر اللازم لا التصديق به. والمراد بلزومه من آخر كونه حاصلا منه بأن يكون علّة له بطريق جري العادة أو التوليد أو الإعداد بقرينة كلمة من، فإنّه فرّق بين اللازم للشيء وبين اللازم من الشيء فتخرج القضية المستلزمة لقضية أخرى كالعلم بالنتيجة فإنّه يستلزم العلم بالمقدمات المستنتجة منها سواء كانت بديهية أو كسبية. لكن يرد عليه ما عدا الشكل الأول لعدم اللزوم بين علم المقدّمات على هيئة غير الشكل الأول وبين علم النتيجة لا بيّنا وهو ظاهر، ولا غير بيّن لأنّ معناه خفاء اللزوم وحيث لا لزوم لا خفاء، إذ الخفاء إنّما يتصوّر بعد وجود اللزوم. وأجيب بأنّ تفطن كيفية الاندراج شرط الإنتاج في كل شكل، فالمراد ما يلزم من العلم به بعد تفطن كيفية الاندراج. ولا شكّ في تحقق اللزوم في جميع الأشكال. ويمكن أن يقال إطلاق الدليل على الأشكال الباقية باعتبار اشتمالها على ما هو دليل حقيقة وهو الشكل الأول. وأيضا يرد عليه المقدمات التي تحدس منها النتيجة وهي بعينها واردة على تعريفه السابق وهو قولان فصاعدا، يستلزم عنه قول آخر، اللهم إلّا أن يراد بالاستلزام واللزوم ما يكون بطريق النظر بقرينة أنّ التعريف للدليل، فحينئذ لا انتقاض لفقدان النظر لأنّه عبارة عن الحركتين، والحركة الثانية مفقودة في الحدس.
ثم هذا التعريف أوفق باصطلاح المنطقيين سواء أريد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني لأنّ لزوم العلم بشيء آخر من غير أن يتوقّف على أمر إنّما هو في المقدّمات مع الترتيب دون المفرد، والمقدمات الغير المأخوذة مع الترتيب. ويمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين والأصوليين أيضا بأن يقال المراد باللزوم اللزوم بشرط النظر، والدليل المفرد بشرط النظر في أحواله يستلزم المطلوب الخبري، فإنّ العلم بالعالم من حيث الحدوث بأن يتوسّط بين طرفي المطلوب، فيقال العالم حادث وكل حادث فله صانع يستلزم العلم بأنّ العالم له صانع، هذا خلاصة ما في الخيالي وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.
تنبيه
قد علم مما سبق أنّ الدليل عند الأصوليين والمتكلّمين سواء أخذ بحيث يعمّ القطعي والظني أو بحيث يخصّ بالقطعي أو بحيث يخصّ بالبرهان الإنّي ينقسم إلى قسمين:
مقدمات متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب والمفردات. وأنّ الدليل عند المنطقيين سواء أخذ بحيث يعمّ القياس وغيره أو بحيث يختصّ بالقياس أو بحيث يختصّ بالقياس البرهاني هو القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما لا غير فالمعنيان المصطلحان متباينان صدقا. ومن زعم تساويهما في الوجود بشرط النّظر في المعنى الأصولي لزمه القول بوجوده أي بوجود المعنى الأصولي في الكواذب. والحاصل أنّ الدليل عند الأصوليين على إثبات الصانع العالم مثلا؛ وكذا قولنا العالم حادث وقولنا وكلّ حادث فله صانع. وعند المنطقيين مجموع قولنا العالم حادث وكل حادث فله صانع، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي.
اعلم أنّه ذكر في بعض شروح هداية النحو في الخطبة الدليل في اللغة الهادي والمرشد وفي الاصطلاح هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. وعند الفلاسفة عبارة عن مجموع الأقوال التي يؤدّي تصديقها إلى تصديق قول وراء تلك المجموع. وعند الأصوليين عبارة عما يستدل بوقوعه وبشيء آخر من حالاته على وقوع غيره وعلى شيء من أوصافه على ما صرّحوا في موضعه. وعند المتكلّمين هو الذي يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري. وعند المنطقيين قول مؤلّف من قضايا يستلزم لذاته قولا آخر وهو قياس واستقراء وتمثيل، ويرادفه الحجّة انتهى.
أقول وفيما ذكره نظر فإنّ قوله وفي الاصطلاح إن أراد به اصطلاح النحاة بقرينة أنّ الكتاب في علم النحو فلا نسلم أنّ للنحاة اصطلاحا منفردا في هذا اللفظ مع أنّك قد عرفت أنّ مرجع ذلك التعريف إمّا إلى اصطلاح أهل الميزان أو إلى اصطلاح المتكلّمين أو أهل الأصول. وإن أراد به اصطلاح العلماء بمعنى أنهم جميعا يعرفون بهذا التعريف وإن اختلف وجهه فلا يفيد كثير فائدة. وأيضا لا خفاء في أنّ محصّل التعريف المنقول عن الفلاسفة هو أنّ الدليل بمعنى الموصل إلى التصديق قياسا كان أو غيره، وقد عرفت أنّ هذا المعنى من مصطلحات أهل الميزان، فلا يعرف للفلاسفة اصطلاحا منفردا، بل الظاهر أنهم يوافقون في هذا لأهل الميزان. وأيضا محصّل التعريف المنقول عن الأصوليين هو أنّ الدليل ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وقد عرفت أنّه لا فرق في الاصطلاح بينهم وبين المتكلّمين لا في هذا التعريف الأعمّ ولا في التعريف الأخصّ الذي نسبه ذلك الشارح إلى المتكلمين، فالتعويل على ما ذكرناه سابقا.
التقسيم

قال المتكلّمون: الدليل إمّا عقلي بجميع مقدماته قريبة أو بعيدة، أو نقلي بجميعها، أو مركّب منهما. والأول هو الدليل العقلي المخصوص الذي لا يتوقّف على السمع أصلا. والثاني النقلي المحض وهذا لا يتصوّر إذ صدق المخبر لا بد منه حتى يفيد العلم وأنّه لا يثبت إلّا بالعقل. والثالث أي المركّب منهما هو الذي يسمّيه معاشر المتكلّمين بالنقلي لتوقفه على النقل في الجملة، فانحصر الدليل في قسمين العقلي المحض والمركّب من العقلي والنقلي، هذا هو التحقيق. ولا يخفى أنّ هذا التقسيم إذا أريد بالدليل المقدمات المترتبة فلا غبار عليه، لكن لا يمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين. أمّا إذا أريد به مأخذها كالعالم للصانع وكالكتاب والسنة والإجماع للأحكام فلا معنى له. فطريق القسمة أنّ استلزامه للمطلوب إن كان بحكم العقل فعقلي وإلّا فنقلي، كذا في شرح المقاصد. ووقع في عبارة بعضهم تثليث القسمة بطور صحيح، فقيل مقدمات الدليل القريبة قد تكون عقلية محضة كقولنا العالم متغيّر وكل متغيّر حادث. وقد تكون نقلية محضة كقولنا تارك المأمور به عاص بقوله تعالى أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي وكلّ عاص يستحق النار لقوله تعالى وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ وقد يكون بعضها مأخوذا من النقل وبعضها مأخوذا من العقل لا من النقل فيشتمل المأخوذة من الحس كقولنا هذا تارك المأمور به وكل تارك المأمور به عاص، فإنّ المقدمة الأولى يحكم بها العقل ولو بواسطة الحسّ ولا يتوقف على النقل، فلا بأس أن يسمّى هذا القسم الأخير بالمركّب.
ثم المطالب التي تطلب بالدليل ثلاثة أقسام. احدها ما يمكن عند العقل أي لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه نحو جلوس الغراب الآن على المنارة فهذا المطلب لا يمكن إثباته إلّا بالنقل لأنّه لمّا كان غائبا عن العقل والحسّ معا استحال العلم بوجوده أو بعدمه إلّا من قول الصادق، ومن هذا القبيل تفاصيل أحوال المعاد. وثانيها ما يتوقّف عليه النقل مثل وجود الصانع تعالى ونبوّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم فهذا المطلب لا يثبت إلّا بالعقل لأنّه لو ثبت بالنقل لزم الدور، لأنّ كلّ واحد منهما يتوقف على الآخر. وثالثها ما عداهما كالحدوث إذ يمكن إثبات الصانع بدونه بأن يستدلّ على وجوده بإمكان العالم ثم يثبت كونه عالما مرسلا للرسل ثم يثبت بأخبار الرسل حدوث العالم. وهذا المطلب يمكن إثباته بالعقل وكذا بالنقل. ثم اعلم أنّهم اختلفوا في إفادة النقلية اليقين. فقيل لا يفيد وهو مذهب المعتزلة، وجمهور الأشاعرة. وقيل قد يفيد بقرائن مشاهدة من المنقول عنه أو متواترة تدلّ على انتفاء الاحتمالات وهو الحق، وتفصيله في شرح المواقف.

بِنْصَر

بِنْصَر
الجذر: ب ن ص ر

مثال: لَبس خاتمًا في بِنْصَرِه
الرأي: مرفوضة
السبب: لأنها لم ترد في المعاجم بفتح الصاد.
المعنى: الإصبع بين الوسطى والخنصر

الصواب والرتبة: -لبس خاتمًا في بِنْصِرِهِ [فصيحة]-لبس خاتمًا في بِنْصَرِه [صحيحة]
التعليق: وردت كلمة «بِنْصِر» في المعاجم القديمة بكسر الصاد، وقد ضبطها المعجم الوسيط بفتح الصاد وكسرها وتبعه المحيط (معجم اللغة العربية)، ولم نجدها بالفتح في مرجع آخر. ولعل الوسيط قاسها على كلمة «خنصر» التي روت المعاجم فيها الكسر والفتح.

الذّهن

الذّهن:
[في الانكليزية] Spirit ،intelligence ،understanding
[ في الفرنسية] Esprit ،intelligence ،entendement

بالكسر وسكون الهاء وبفتحتين أيضا:
الذكاء، والتذكّر وحدّة الخاطر وقوّته كما في كشف اللغات. الأذهان الجمع. وفي عرف العلماء يطلق على معان. منها قوّة للنفس معدّة لاكتساب الآراء أنّ العلوم التصوّرية والتصديقية والمعدّة على صيغة اسم المفعول، أي قوة مهيّئة هيّأها الله تعالى للاكتساب. ويجوز أن يكون على صيغة اسم الفاعل أي قوة مهيئة تهيئ النفس للاكتساب، هكذا يستفاد من الأطول والمطول. وأما ما وقع في شرح هداية النحو من أنّ الذّهن قوة نفسانية يحصل بها التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة والصواب والخطاء.
وقيل هي القوة المعدة لاكتساب التصوّرات والتصديقات. وقيل هي قوّة مهيئة لاكتساب العلوم انتهى. فــمرجع هذه الأقوال إلى هذا المعنى كما لا يخفى. ومنها النفس. ومنها العقل أي المقابل للنفس وهو الجوهر المجرّد الغير المتعلّق بالبدن تعلّق التدبير والتصرف وقد صرّح بهذه المعاني الثلاثة السيّد السّند في حاشية خطبة شرح الشمسية حيث قال: الذّهن قوة معدّة لاكتساب الآراء والحدود، وقد يعبّر عنه بالعقل تارة وبالنفس أخرى انتهى.
والمراد بالآراء التصديقات وبالحدود التصوّرات. وقيد الاكتساب احتراز عن القوى العالية فإنّ علومها حضورية وليست بمكتسبة.
ومنها المدارك من العقل وقواها والمبادئ العالية جميعا لأنّ الوجود الذهني هو الحصول في واحد واحد منها، كذا في شرح هداية النحو.
والمراد بالعقل النفس وإطلاق العقل على النفس جائز كما يجيء في لفظ العقل. ويؤيّد هذا المعنى ما وقع في بعض حواشي شرح التجريد من أنّ الوجود الظلّي لا يتصوّر إلا في القوى الدراكة ولذلك يسمّى وجودا ذهنيا، والوجود الأصلي لا يكون إلّا خارجا عن القوى الدراكة فالخارج يقابل الذهن انتهى. والقوى الدراكة هي القوة العالية والسافلة صرّح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية في بيان القضية الخارجية حيث قال: المراد بالخارج في قولهم قد تعتبر القضية المحصورة بحسب الخارج هو الخارج عن المشاعر، والمشاعر هي القوى الدراكة أي النفس وآلاتها، بل جميع القوى العالية والسافلة انتهى. وأما ما وقع في شرح هداية النحو من أنّه قيل الذهن قوة دراكة تنتقش فيها صور المحسوسات والمعقولات انتهى، فيراد بهذه القوة النفس عند من ذهب إلى أنّ صور المحسوسات والمعقولات جميعها ترتسم في النفس. وأمّا عند من ذهب إلى أنّ صور الكليّات والجزئيّات المجرّدة ترتسم في النفس وصور الجزئيات المادية ترتسم في آلاتها فيراد بهذه القوة النفس وقواها أي القوى السافلة. وقد يفهم مما ذكر العلمي في حاشية شرح الهداية في مبحث الوجود أنّ الذهن قد يراد به القوى السافلة تارة والقوى العالية أخرى، والأعم منهما اي العالية والسافلة جميعا مرة أخرى.

شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا

{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}
قال ابن عباس، أخبرني عن قول الله - عز وجل-: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال: الشرعة الدينُ، والمنهاج الطريق. قال: زهل تعرف العرب ذلك" قال: نعم. واستشهد بقول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
لقد نطق المأمونُ بالصدقِ والهدى. . . وبينَّ للإسلام ديناً ومنهجاً
(ك، ط، تق) = الكلمتان من آية المائدة 48 خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام، بعد ذكر التوارة والإنجيل:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُــكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}
ولم تأت صيغة "شرعة" إلا في هذه الآية. وجاء منها الفعل الثلاثي ماضياً في آيتى الشورى (13، 21) و"شريعة من الأمر" في آية الجاثية (18) و"شُرَّعا" في آية الأعراف (163) وأما {مِنْهَاجًاْ} فوحيدة فيه، صيغة ومادة.
الشريعة في اللغة، المشرَع والمورد إلى الماء. ويقال: شرعت الباب إلى الطريق وأشرعته، أي فتحته على الشارع: الطريق الواسع، جمعه شوارع. واستعير الشرع والشريعة لما شرعه الله تعالى لعباده.
"وأما المنهاج فإن أصله الطريق البينَّ الواضح، يقال عنه: طريق نهج ومنهج، كما قال الراجز:
مَنْ يكُ في شك فهذا فلج. . . ماء روى وطريق نهج
ثن يستعمل في كل شيء كان بيناً واضحاً" قاله الطبري.
تأويلهما في المسألة عن ابن عباس: الشرعة الدين والمنهاج الطريق. والذي أسنده الطبري عن ابن عباس: من عدة طرق، قال: سبيلاً وسنة. وأسند مثله عن قتادة، وقال: والسنن مختلفة: للتوراة شريعة وللإنجيل والإخلاص الذي جاءت به الرسل. ثم أسند عن قتادة: الدين واحد ولاشريعة مختلفة.
والشرع من الدين، بصريح قوله تعالى في سورة الشورى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية 13 وقوله - عز وجل -، فيها: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الآية 21.
وتتعدد الشرائع: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} والدين واحد، فليس في القرآن كله لفظ: أديان، جمعاً.

علم فضيلة كسر الشهوتين

علم فضيلة كسر الشهوتين
المراد بهما شهوة البطن والفرج وإنما وجب كسرهما لأن للقلب جهتين جهة إلى عالم الغيب المبرأ عن الشهوات والعيب وجهة إلى عالم الشهادة للمتحلي بالألف والعادة وهي تعلقه بالبدن ويحتاج بحسب هذه الجهة إلى الشهوتين.
فمن غلب ميله إليهما لن يلج الملكوت ويكون في عداد الحيوانات.
ومن اكتفى منهما بقدر الحاجة كما فعله نبينا صلى الله عليه وسلم يكون سالكا لطريقه ويصل إلى المقامات العلمية والمراتب السنية وطريق كسرهما معروف عند أهل الطريق وليس هذا موضع تفصيله ذكره في مدينة العلوم وفي الإحياء للغزالي ما يكفي في هذا الباب والله أعلم بالصواب وإليه الــمرجع والمآب.

علم مبهمات القرآن

علم مبهمات القرآن
قال أبو الخير: اعلم أن علم المبهمات مرجعــه النقل المحض لا مجال للرأي فيه قال: وللإبهام في القرآن أسباب ثم سرد أسبابه وذكر ستة أسباب.
ومبهمات القرآن للسهيلي ولابن عساكر وللقاضي بدر الدين بن جماعة وللسيوطي1 فيه تأليف جمع فيه فوائد الكتب المذكورة مع زوائد أخرى كما ذكره في الإتقان.

الأخماس

الأخماس:
فمنها: خمس الغنيمة التي كان يأخذها النبي، صلى الله عليه وسلم، ومنها أخماس المعدن واشتقاقه من عدن بالمكان، إذا أقام به وثبت، وكان ذلك لازما له كمعدن الذهب والفضّة والحديد والصفر وما يستخرج من تراب الأرض بالحيلة أبدا، ففيه الخمس، ومنها سيب البحر، وهو ما يلقيه، كالعنبر وما أشبهه، فكأنه عطاء البحر، فيه الخمس، ومنها: ما يأخذه العاشر من أموال المسلمين وأهل الذّمة والحرب، التي يتردّد بها في التجارات. ثم نقول الآن: قال أهل العلم: أيما أهل حصن أعطوا الفدية، من حصنهم، ليكفّ عنهم، ورأى الإمام ذلك حظّا للدين والإسلام، فتلك المدينة للمسلمين، فإذا ورد الجند على حصن، وهم في منعة لم يظهر عليهم بغلبة، لم تكن تلك الفدية غنيمة للذين حضروا دون جماعة المسلمين.
وكل ما أخذ من أهل الحرب من فدية، فهي عامّة وليست بخاصّة من حضر. وقال يحيى بن آدم: سمعت شريكا يقول: إنما أرض الخراج ما كان صلحا على الخراج يؤدّونه إلى المسلمين. قال يحيى: فقلت لشريك: فما حال السواد؟ قال: هذا أخذ عنوة فهو فيء، ولكنّهم تركوا فيه، فوضع عليهم شيء يؤدّونه. قال: وما دون ذلك من السواد فيء، وما وراءه صلح. وأبو حنيفة، رضي الله عنه، يقول: ما صولح عليه المسلمون، فسبيله سبيل الفيء. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لعلّكم تقاتلون قوما، فيدفعونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم، ويصالحونكم على صلح، فلا تأخذوا فوق ذلك، فإنه لا يحلّ لكم. ورخّص بعض الفقهاء في الازدياد على ما يحتمل الزيادة، وفي يده الفضل من أهل الصلح، واتّبعوا في ذلك سننا وآثارا ممن سلف، إلا أن الفرق بين الصلح والعنوة، وإن كانا جميعا من العشر والخراج. إلا أنه وقع في ملك أهل العنوة خلاف، ولم يقع في ملك أهل الصلح. وكره بعض أهل النظر شراء أرض أهل العنوة، واجتمع الكل على جواز شراء أرض أهل الصلح، لأنهم، إذا صولحوا قبل القدرة عليهم والغلبة لهم، فأرضوهم، ملك في أيديهم. وقال الشافعي، رضي الله عنه: إن مكث أهل الصلح أعواما لا يؤدّون ما صولحوا عليه من فاقة أو جهد، كان ذلك عليهم إذا أيسروا. وقال أبو حنيفة، رضي الله عنه: يؤخذون بأداء ما وجب عليهم مستأنفا ولا شيء عليهم فيما مضى. وهو قول سفيان الثوري. وقال مالك وأهل الحجاز: إذا أسلم الرجل من أهل الصلح أخذ من أرضه العشر وسقطت حصّته من الصلح، فإن أهل قبرس لو أسلموا جميعا، كانت أرضهم عشريّة، لأنها لم تؤخذ منهم، وإنما أعطوا الفدية عن القتل. وأبو حنيفة وسفيان وأهل العراق يجرون الصلح مجرى الفيء، فإن أسلم أهله أجروا على أمرهم الأول في الصلح، إلا أنه لا يزداد عليهم في شيء، وإن نقضوا، إذا كان مال الصلح محتاجا لمعايشهم، فلا بأس به.
الباب الخامس في جمل من أخبار البلدان
قال الحجّاج لزادان فرّوخ: أخبرني عن العرب والأمصار. فقال: أصلح الله الأمير، أنا بالعجم أبصر منّي بالعرب. قال: لتخبرني. قال: سلني عمّا بدا لك. قال: أخبرني عن أهل الكوفة. قال:
نزلوا بحضرة أهل السواد، فأخذوا من مناقبهم ومن سماحتهم. قال: فأهل البصرة؟ قال: نزلوا بحضرة الخوز فأخذوا من مكرهم وبخلهم. قال: فأهل الحجاز؟ قال: نزلوا بحضرة السّودان فأخذوا من خفّة عقولهم وطربهم. فغضب الحجاج، فقال: أعزّك الله، لست منهم حجازيّا، أنت رجل من أهل الشام. قال: أخبرني عن أهل الشام. قال: نزلوا بحضرة أهل الروم فأخذوا من ترفّقهم وصناعتهم وشجاعتهم. وسأل معاوية ابن الكوّاء عن أهل الكوفة، فقال: أبحث الناس عن صغيرة، وأضيعهم لكبيرة. قال: فأهل البصرة؟ قال: غنم وردن جميعا وصدرن شتّى. قال: فأهل الحجاز؟
قال: أسرع الناس إلى فتنة وأضعفهم فيها. قال: فأهل مصر؟ قال: أجدّاء أحدّاء أشدّاء أكلة من غلب. قال: فأهل الموصل؟ قال: قلادة أمّة فيها من كل خرزة. قال: فأهل الجزيرة؟
قال: كناسة بين المصرين. ثم سكت. قال ابن الكوّاء: سلني. فسكت. قال: لتسأل أو لأخبرك عمّا عنه تحيد. قال: أخبرني عن أهل الشام. قال: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم لخالق.
وقد جعلت القدماء ملوك الأرض طبقات، فأقرّت، فيما زعموا، جميع الملوك لملك بابل بالتعظيم، وأنه أول ملوك العالم، ومنزلته فيها كمنزلة القمر في الكواكب، لأن إقليمه أشرف الأقاليم، ولأنه أكثر الملوك مالا، وأحسنهم طبعا، وأكثرهم سياسة وحزما، وكانت ملوكه يلقّبونه بشاهنشاه، ومعناه ملك الملوك، ومنزلته من العالم كمنزلة القلب من الجسد والواسطة من القلادة.
ثم يتلوه في العظمة، ملك الهند، وهو ملك الحكمة، وملك الغلبة، لأن عند الملوك الأكابر:
الحكمة من الهند. ثم يتلوا ملك الهند في الرتبة، ملك الصين، وهو ملك الرعاية والسياسة وإتقان الصنعة، وليس في ملوك العالم أكثر رعاية وتفقّدا من ملك الصين في رعيّته وجنده وأعوانه، وهو ذو بأس شديد، وقوّة ومنعة، له الجنود المستعدّة، والكراع والسلاح، وجنده ذو أرزاق مثل ملك بابل. ثم يتلوه ملك الترك، صاحب مدينة كوشان، وهو ملك التغزغز، ويدعى ملك السباع، وملك الخيل، إذ ليس في ملوك العالم أشدّ من رجاله، ولا أجرأ منه على سفك الدماء، ولا أكثر
خيلا منه، ومملكته ما بين بلاد الصين ومفاوز خراسان، ويدعى بالاسم الأعمّ، وهو إيرخان. وكان للترك ملوك كثيرة وأجناس مختلفة أولو بأس وشدّة، لا يدينون لأحد من الملوك، إلا أنه ليس فيهم من يداري ملكه. ثم ملك الروم، ويدعى ملك الرجال، وليس في ملوك العالم أصبح من رجاله.
ثم تتساوى الملوك بعد هؤلاء في الترتيب، وقال بعض الشعراء:
الدار داران: إيوان، وغمدان، ... والملك ملكان: ساسان وقحطان
والأرض فارس، والإقليم بابل، وال ... إسلام مكّة، والدنيا خراسان
والجانبان العلندان اللّذا حسنا ... منها: بخارا، وبلخ الشاه، توران
والبيلقان، وطبرستان، فأزرهما، ... واللّكز شروانها، والجيل جيلان
قد رتّب الناس جمّ في مراتبهم: ... فمرزبان، وبطريق، وطرخان
في الفرس كسرى، وفي الروم القياصر، وا ... حبش النّجاشيّ، والأَتراك خاقان
روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سأل كعب الأحبار عن البلاد وأحوالها، فقال:
يا أمير المؤمنين، لما خلق الله، سبحانه وتعالى، الأشياء ألحق كلّ شيء بشيء، فقال العقل: أنا لاحق بالعراق، فقال العلم: أنا معك. فقال المال: أنا لاحق بالشام، فقالت الفتن: وأنا معك. فقال الفقر: أنا لاحق بالحجاز، فقال القنوع: وأنا معك. فقالت القساوة: أنا لاحقة بالمغرب، فقال سوء الخلق: وأنا معك. فقالت الصباحة: أنا لاحقه بالمشرق، فقال حسن الخلق: وأنا معك. فقال الشقاء: أنا لاحق بالبداوي، فقالت الصحّة: وأنا معك. انتهى كلام كعب الأحبار، والله الموفّق للصواب وإليه الــمرجع والمآب.

مَتاع

مَتاع
المتاع: مصدر، ثم اسم لما يتمتع به. ومنه للسلعة. والمتاع يتضمن قلّة المدة. فربما يؤكّد بالتصريح بها ، وربما يكتفى بما يفهم منه، كما قال تعالى:
{مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُــهُمْ} .
أي تمتع لمدة قليلة . والشواهد على ما ذكرنا كثيرة .

بَاطُرُنْجَى

بَاطُرُنْجَى:
بضم الطاء والراء، وسكون النون، وجيم، والقصر: قرية قرب القفص من نواحي بغداد، ذكرها أبو نواس فقال:
وباطرنجى فالقفص ثم إلى ... قطربّل مرجعــي ومنقلبي
في أبيات ذكرت في القفص.

الجِعْرَانَةُ

الجِعْرَانَةُ:
بكسر أوله إجماعا ثم إن أصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه، وأهل الإتقان والأدب يخطئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء، وقد حكي عن الشافعي أنه قال: المحدّثون يخطئون في تشديد الجعرانة وتخفيف الحديبية، إلى هنا مما نقلته، والذي عندنا أنهما روايتان جيّدتان حكى إسماعيل بن القاضي عن عليّ بن المديني أنه قال: أهل المدينة يثقّلونه ويثقّلون الحديبية وأهل العراق يخففونهما ومذهب الشافعي تخفيف الجعرانة، وسمع من العرب من قد يثقّلها، وبالتخفيف قيدها الخطابي:
وهي ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها النبي، صلى الله عليه وسلم، لما قسم غنائم هوازن مرجعــه من غزاة حنين وأحرم منها، صلى الله عليه وسلم، وله فيها مسجد، وبها بئار متقاربة وأما في الشعر فلم نسمعها إلا مخففة قال:
فيا ليت في الجعرانة، اليوم، دارها، ... وداري ما بين الشام فكبكب
فكنت أراها في الملبّين ساعة ... ببطن منّى، ترمي جمار المحصّب
وقال آخر:
أشاقك بالجعرانة الركب ضحوة، ... يؤمّون بيتا بالنذور السوامر
فظلت كمقمور بها ضلّ سعيه، ... فجيء بعنس مشمخرّ مسامر
وهذا شعر أثر التّوليد والضّعف عليه ظاهر، كتب كما وجد وقال أبو العباس القاضي: أفضل العمرة لأهل مكة ومن جاورها من الجعرانة لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اعتمر منها، وهي من مكة على بريد من طريق العراق، فإن أخطأ ذلك فمن التنعيم وذكر سيف بن عمر في كتاب الفتوح ونقلته من خط ابن الخاضبة قال: أول من قدم أرض فارس حرملة بن مريطة وسلمى بن القين وكانا من المهاجرين ومن صالحي الصحابة، فنزلا أطد ونعمان والجعرانة في أربعة آلاف من بني تميم والرباب، وكان
بإزائهما النّوشجان والفيومان بالوركاء فزحفوا إليهما فغلبوهما على الوركاء قلت: إن صحّ هذا فبالعراق نعمان والجعرانة متقاربتان كما بالحجاز نعمان والجعرانة متقاربتان.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.