Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: مراء

س وسَوْفَ

س وسَوْفَ
زعم الزَّمَخْشَرِي أن "س" في مواقع الوعد والوعيد تخبر عما هو لا بدَّ واقع . وعندي أنها تخبر عما قَرُبَ: إما وقوعاً، وإما إمكاناً. وليست بالوعد المقطوع به. لأن الملوك والأمراء ربيا يعدون ويوعدون من غير إلزام على أنفسهم، لكيلا ينقلب الرجاء استغناءً والتخويف يأساً . ومواقع الكلام في القرآن تدل على ذلك.
ويمكن تأويل قول الزمخشري إلى ما قلنا، بمعنى أن الله تعالى كثيراً ما أخبر عما هو لا بد واقع بهذا الحرف، فلا يقولنّ أحد إن الإخبار بهذا الحرف إخبار عما هو غير مستيقن، كقوله تعالى:
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
وأمثال ذلك. فأراد التنبيهَ على دفع شبهة.
والمرادُ مما قدمنا التنبيهُ على أمر آخر: وهو أنّ المخبَرَ عنه ربما يكون مقطوعاً به في ذاته، ولكن الخبر يبقى محلاًّ للرجاء والخوف والمشيئة لا مِن جهة ضعفٍ في الإخبار، بل مِن جهةِ سعةِ اختيارِ المخبِر.

وردة

(وردة) : أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله تعالى فإذا انشقت السماء فكانت وردة قال: تصير كلون دهن الورد في الصفرة وأخرج ابن عباس قال تصير حــمراء وفي المعرب للجواليقي: الورد المشموم في الربيع أنه ليس بعربي.

إناه

إناه : قال شيدلة في البرهان:) إناه (أي نضجة بلسان أهل المغرب. وقال أبو القاسم في) لغات القرآن (بلغة البربر.
أن ي [إناه]
قال: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: إِناهُ .
قال: الأنا: النضج. يعني إذا أدرك الطعام، وذلك أن أمراء المؤمنين كانوا يدخلون بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فيحدثون قبل أن يدرك الطعام ويكلمون نساءه، وذلك قبل الحجاب، فشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ .
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
يفعم ذاك الأنا العبيط كما ... يفعم عزب المجالة الجمل 

ابن الله والربّ والأب 

ابن الله والربّ والأب
كلمة الابن في العبرانية تستعمل لمعنيين:
1 - للنسبة، كابن السبيل، وابن الليل ، أو كابن صبح ، وابن حَول وسنة.
2 - للعبد، كالرجل، والفتى، والغلام.
ولفظ "الابن" ليس كلفظ "الولد"، فإنّ "الولد" صريح في الابنيّة ولذلك ترى في القرآن لم يشنّع إلاّ على لفظ "الولد"، وبيّن أنّ في استعمال لفظ "الابن" مضاهاةً بالكفر، فينبغي أن يُجتنَب. كما أنّ لفظ "الربّ" يشابه المعبود، فبيّن في القرآن أنهم أفرطوا في هذين اللفظين. وبيان ذلك تحت آية ... .
وهاهنا نورد أمثلةً من كتب اليهود والنصارى، لكي يتبيّن لك ما ذكرنا. ونورد ترجمتهم الباطلة بإزاء ترجمة صحيحة:
المزمور 82
ترجمتهم الباطلة
الله قائم في مجمع الله . في وسط الآلهة
يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون
وجوه الأشرار. اقضوا للذليل ولليتيم.
أنصفوا المسكين والبائس. نجّوا المسكين
والفقير. من يد الأشرار أنقذوا. لا يعلمون
ولا يفهمون. في الظلمة يتمشّون. تتزعزع
كل أسس الأرض. أنا قلت إنكم آلهة
وبنوا العليّ كلكم. لكن مثل الناس تموتون
وكأحد الرؤساء تسقطون. قم يا الله
دِنِ الأرض، لأنك أنت تمتلك كلّ الأمم.
الترجمة الصحيحة
الله قائم في مجمع الحكّام. يقضي بين
الأمراء. حتى متى تقضون جوراً وتراعون
جانب الشرّير. احموا المسكين واليتيم.
أقسطوا للفقير والمعترّ. نجّوا المسكين
وأنقذوا الفقير من يد الشرّير. لا يعلمون
ولا يفقهون. وفي الظلمة يذهبون
قد فسدت الأرض إلى بنيانها. أنا صيّرتكم
حكاماً وخلفاء الله ولكنكم مثل العامة
تغوُون وكرؤسائهم تعثرون. قم يا ربّ
دِنِ الأرض. فإنّك ترث الأمم كلها.
هل ترى كيف خلطوا بين الحاكم والله، والقضاء والحماية، والوصل والفصل، والموت والغواية، والابن والخليفة الخادم؟. كلّ ما نجد في الإنجيل من "ابن الله" فهو "عبد الله" في المعنى وكلّ ما فيه من "أبونا" أو "أبونا وأبوكم"، فهو: ربّنا وربكم، كما ترجمه القرآن. وقد منع المسيح عليه السلام عن استعمال كلمة الربّ لنفسه، وقال: "ربّنا واحد -وهو الله- وأنا وأنتم إخوة". وقد بدّلت النصارى هذا التعليم الواضح. وكذبُهم بادٍ مكشوف.
في متى باب 23 (6 - 11):
"ويحبّون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: ربي ربي (*). وأما أنتم فلا تُدعَوا: ربّي، لأنّ ربكم واحد. المسيح وأنتم جميعاً إخوة. ولا تدعوا لكم ربّاً (**) على الأرض لأن ربكم واحد. الذي في السموات. ولا تُدعَوا معلّمين، لأنّ معلمكم واحد: المسيح. وأكبركم يكون خادماً لكم".
...............................
(*) في الترجمة البيروتية: سيدي سيدي. وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأنّ معلمكم" وهذا لا يليق بقوله: "لأنَّ". وفي الترجمة الإنكليزية: "ربي ربي. لكن لا تدعوا ربي لأنّ واحداً معلمكم، المسيح؛ وأنتم كلكم إخوة" . فالمترجم فصَلَ بين قوله "المسيح" وقوله "أنتم" بعلامة، لكن الجملة التي نقلت بعد ذلك من باب 19 تكشف الأمر. فإنّك ترى أنهم خبطوا كلمات "ربي" و "معلم" و "سيد" و "أب". وكيف يقول المسيح: لا تدعوني صالحاً؟ فالمعلم الصالح ترجمة "ربي". ونهاهم أن يدعوه بهذا الاسم كما دعت اليهود أحبارهم بهذا الاسم. وهكذا جاء ذكر اليهود والنصارى في القرآن، حيث قال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}. فقد علمت أن النصارى سمّوا علماءهم بالرب والإله كما شهدت به كتب التاريخ. [حاشية المؤلف]. (**) في التراجم: "أباً" وهذا باطل ظاهراً. [حاشية المؤلف]. ثم جاء في باب 19 (16 - 17) :
"وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلّم الصالح أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد -وهو الله - ولكن إن أردت الحياة فاحفظ الوصايا" (أي الشرائع).
وفي تكوين (45: 8):
"فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هاهنا بل الله وهو قد جعلني أباً لفرعون وسيّداً لكل بيته ومتسلطاً على كل أرض مصر".
في إشعياء (53: 11):
"مِن تَعَبِ نفسِه يرَى ويشبَع. وعبدي البارّ بمعرفته يبرّر كثيرين وآثامهم هو يحملها".
المراد من "عبدي البارّ" هو عيسى باتفاق النصارى، ولكنك تراهم حرّفوا هذه الكلمة. فتجد في مَرقُس (15: 39):
"ولما رأى قائد المئة الواقف مقابلَه أنه صرخ هكذا، وأسلم الروحَ، قال: حقاً كان هذا الإنسان ابن الله".
وهكذا في مَتّى . وأما في لُوقا فتجد فيه (47:23):
"فلما رأى قائد المئة ما كان مَجَّد اللهَ قائلاً: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارّاً".
فهل ترى كيف حرّفوا ومزّقوا كلمة الوَحي!.

اللفيف من الراء

بابُ اللَّفِيْف


ما أَوَّلُه الوَاوُ
الوَرَاءُ: وَلَدُ الوَلَدِ؛ لقَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: " ومن وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوْب ".
والرِّئَةُ: مَحْذُوْفَةٌ من وَرَأْتُ.
والوارِيَةُ: داءٌ يَأْخُذُ في الرِّئَةِ، وُرِىءَ الرَّجُلُ فهو مَوْرُوْءٌ ومَوْرِيٌّ. ورَاءَهُ الله،: أصَابَه في رِئَتِه. والثَّوْرُ يَرِي الكَلْبَ: إذا طَعَنَه في رِئَتِه. وفي الحَدِيْثِ: " لأَنْ يَمْتَلِىءَ جَوْفُ أحَدِكم قَيْحاً حَتّى يَرِيَهُ خَيْرٌ له من أنْ يَمْتَلِىءَ جَوْفُه شِعْراً " من الوَرْيِ والرِّئة. ويُقال: به الوَرى وحُمّى خَيْبَرى.
والرِّئَةُ في البَطْنِ: مَوْضِعُ الرِّيْحِ والنَّفَسِ، والجَمِيْعُ الرِّئَاتُ والرِّئُوْنَ، وتَصْغِيْرُها رُوَيَّةٌ؛ ومَنْ هَمَزَ قال: رُؤَيَّةٌ. ورَأيْتُه: أصَبْتُ رِئَتَه، فأنا راءٍ، والرَّجُلُ مَرْئِيٌّ.
والرِّئَتَانِ: السَّحْرُ والرِّئَةُ.
والتَّوْرِيَةُ: إخْفَاءُ الخَيْرِ وإظْهَارُ الشَّرِّ، وَرَّيْتُه أُوَرِّيْهِ تَوْرِيَةً. وفي الحَدِيْثِ: " كانَ إذا أرَادَ سَفَراً وَرّى بغَيْرِه "، وأوْرَيْتُ الشَّيْءَ: أخْفَيْته.
والوِرَاءُ: كُلُّ ما يَسْتَتِرُ به الإِنسانُ بكَسْرِ الواو. وتَوَرَّيْتُ عنه: بمَعْنى تَوَارَيْتُ.
ووَأَرْتُ إرَةً وإرَةٌ مَوْؤُوْرَةٌ: وهي مُسْتَوْقَدُ النّارِ. وإذا حَفَرْتَ حَفِيْرَةً للنّارِ قُلْتَ: وَأَرْتُها أَئِرُها وَأْراً وإرَةً، والجَمِيْعُ الإِرَاتُ والإِرُوْنَ.
وقَوْلُ لَبِيْدٍ:
تَسْلُبُ الكانِسَ لم يُوْرَأْ بها مَنْ هَمَزَها جَعَلَها من الرِّئَةِ؛ لأنَّ الفَزَعَ يَضْطَرِبُ بجَنَانِ رِئَتِهِ. ومَنْ لم يَهْمِزْها يقول: لا يُشْعَرُ بها فاجَأتْه بَغْتَةً. ومن رَوى: " لم يُوْأَرْ بها " جَعَلَها من الأرْيِ وهو لَطْخٌ من حِقْدٍ؛ أي لم يَلْصَقْ بصَدْرِه الأرْيُ.
والوَرى مَقْصُوْرٌ: الأنَامُ الذي على وَجْهِ الأرْضِ.
ووَرَاءُ مَمْدُوْدٌ: خِلاَفُ قُدّامٍ، وتَصْغِيْرُه وُرَيَّةٌ. ويَكُوْنُ بمَعْنى قُدّامٍ.
والوَارِي: الشَّحْمُ السَّمِيْنُ، والوَرْيُ: السِّمَنُ، ووَرَى النِّقْيُ يَرِي وَرْياً: كَثُرَ وَدَكُه. والزَّنْدُ الذي يُوْري النّارَ سَرِيعاً، ووَرَى الزَّنْدُ يَرِي وَرْياً؛ ووَرِيَ: مِثْلُه، وأوْرى فلانٌ زَنْداً.
ورَجُلٌ واري الزِّنَادِ: أي كَرِيْمٌ. ووَرِيَتْ بكَ زِنَادي: أي رَأَيْتُ منكَ ما أُحِبُّ، ووَرَتْ: مِثْلُه.
وأوْرَيْتُ النّارَ؛ فأنَا وارٍ: أي مُوْرٍ. ونارٌ وَرِيَةٌ.
والرِّيَةُ: العُوْدُ أو البَعْرَةُ تُوْرى به النّارُ.
والوَرِيُّ: الجارُ الذي يُوْرِي لكَ النّارَ وتُوْري له.
ووَرَّيْتُ النَّارَ: اسْتَخْرَجْتُها؛ تَوْرِيَةً. ومنه أُخِذَتِ التَّوْرَاةُ كما قيل للنّاصِيَة: نَاصَاةٌ، كأنَّها ضِيَاءٌ يُهْتَدَى به؛ كما سُمِّيَ القرآنُ ضِيَاءً.
واسْتَوْرَيْتُ فلاناً رَأْياً: سَأَلْتُه أنْ يسْتَخْرِجَ لي رَأْياً.
ووَرَّأْتُ عنهم: نَهْنَهْتُ ونَهَيْتُ.
والمُوَرَّأُ من الرِّجَالِ بالهَمْزِ: هو القَصِيْرُ الضُّلُوْعِ العَظِيْمُ البَطْنِ.
ووَرَّيْتُ عن الشَّيْءِ: كَفَفْته ورَدَدْته، ووَرِّهِ عَنْكَ.
وعَجُوْزٌ وَرْوَرَةٌ: وهي التي تَدَانى خَلْقُها واخْتَلَطَ كَلاَمُها، وقيل: هي اللَّجْلَجَةُ. وهي وَرْوَارَةُ الكلامِ: أي سَرِيْعَتُه.
والوَرْوَرِيُّ: الضَّعِيْفُ البَصَرِ. وقيل: وَرْوَرَ بعَيْنِه: إذا نَظَرَ نَظَراً شَدِيداً بتَحْدِيْقٍ.
والتَّوْرِيَةُ والإِيْرَاءُ: قِصَرُ الرَّأْسِ والعُنقِ، يُقال: رَأْسٌ مُوَرَّأٌ؛ وبِغَيْرِ هَمْزٍ أيضاً.
ووَرّى بالمَكَانِ تَوْرِيَةً: أي ثَبَتَ به.
وأوْرَيْتُ أنْ أفْعَلَ كذا: أي ألْمَمْتُ وكِدْتُ.
ووَأَّرَ فلانٌ فلاناً على مِثَالِ فَعَّلَ تَوْئِيْراً: وهو أنْ يُلْقِيَه في شَرٍّ.
ووَأَرَه: أفْزَعَه، فاسْتَوْأرَ هو.
واسْتَوْأَرَتِ الإِبِلُ: تَتَابَعَتْ.
والوِئَارُ: مَحَافِرُ الطِّيْنِ. وأرْضٌ وَئِرَةٌ ووَرِئَةٌ.
وأَوْرِني كذا: بمَعْنى أَرِني أي أبْرِزْهُ لي.


ما أوَّلُهُ الأَلِفُ
الأَرْيُ: اللَّطْخُ من حِقْدٍ، أُوْرِيَ صَدْرُه عَلَيَّ. وأرْيُ العَدَاوَةِ: أَشَدُّها وألْزَقُها.
وأَرْيُ النَّدى: ما وَقَعَ على مِثْلِ الشَّجَرِ والصَّخْرِ والعُشْبِ.
وأرْيُ القِدْرِ: ما الْتَزَقَ بجَوانِبِها من المَرَقِ.
وأرْيُ الجَنُوْبِ.
والأَرْيُ: العَسَلُ. وما الْتَزَقَ بجَوَانِبِ العَسَّالَةِ. وعَمَلُ العَسَلِ. وبه سُمِّيَ العَسَلُ أَرْياً. والْتِزَاقُه: ائْتِرَاؤه.
وأَرَتِ القِدْرُ تَأْرِي: والتَّأَرّي: التَّوَقُّعُ لِمَا في القِدْرِ.
وتَأَرَّيْتُ بالمَكَانِ: تَحَبَّسْت.
وتَأَرَّيْتُ للأَمْرِ: أي تَحَرَّيْتُه فلم أُصِبْ خَيْراً. وبه سُمِّيَ آرِيُّ الدَّوَابِّ، والآرِيُّ والمُؤَرّى: ما حُفِرَ وأُدْخِلَ في الأرْضِ فتُشَدُّ إليه الدّابَّةُ.
وفلانٌ لا يَتَأَرّى من اللهِ بجُنَّةٍ: أي لا يَسْتَتِرُ من اللهِ بسِتْرٍ.
والدّابَّةُ تَأَرّى إلى الدّابَّةِ: إذا أَلِفَتْ مَعَها مَعْلَفاً واحِداً. وأرِّ لفَرَسِكَ.
وإذا أخَذَ ضَرْعُ النّاقَةِ يَنْبُتُ قَبْلَ الوِلاَدَةِ قيل: أرَى يَأْرِي أرْياً.
ونَجَمَ القَرْنُ وأرى: في أوَّلِ ما يَبْدُو.
وإنَّه لآرِيٌّ: أي عَظِيْمٌ.
والمُسْتَأْوِرُ: الفَزِعُ. والعَجِلُ إلى الظُّلْمَةِ.
واسْتَأْوَرَتِ الإِبِلُ: نَفَرَتْ فكَانَ نِفَارُها في السَّهْلِ، واسْتَوْأَرَتْ: إذا نَفَرَتْ فصَعِدَتِ الجَبَلَ، كَلاَمُ بَني عُقَيْلٍ.
واسْتَأْوَرَ القَوْمُ غَضَباً: اشْتَدَّ غَضَبُهم، والبَعِيْرُ: إذا تَهَيَّأَ للوُثُوْبِ وهو بارِكٌ.
وإيْرٌ: مَوْضِعٌ بالبادِيَةِ. والإِيْرُ: رِيْحٌ حارَّةٌ ذاتُ أُوَارٍ، وقيل: أَيِّرٌ، وتَصْغِيْرُهُ: أُوَيِّرٌ. وهي الشَّمَالُ البارِدَةُ أيضاً، ويُقال: أيْرٌ وإيْرٌ كهَيْرٍ وهِيْرٍ، وجَمْعُه أُيُوْرٌ، ولُغَةٌ أُخْرى: أَوْرٌ.
والإِيْرُ: القُطْنُ. ونُحَاتَةُ الفِضَّةِ.
والآرُ: العَارُ.
والإِيَارُ: الهَوَاءُ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، وجَمْعُه أَيَائرُ.
والإِرَارُ: شِبْهُ طُرَرَةٍ يَؤُرُّ بها الراعي رَحِمَ النّاقَةِ إذا انْقَطَعَ وِلاَدُها، والفِعْلُ: أَرَّها يَؤُرُّها.
والأَرِيْرُ: حِكَايَةُ صَوْتِ الماجِنِ عِنْدَ القِمَارِ والغَلَبَةِ.
والأَرُّ: النِّكَاحُ، أَرَرْتُها أَؤُرُّها أرّاً. وذَكَرٌ مِئَرٌّ: أي قَوِيٌّ صُلْبٌ على الأَرِّ. وكذلك آرَها يَئِيْرُها، والمَفْعُوْلَةُ مَئِيْرَةٌ.
وأرَّه يَؤُرُّه: أي طَرَدَه وسَاقَه، وأَرَرْتُ الغَنَمَ: مِثْلُه.
واءْتَرَّ الرَّجُلُ ائْتِرَاراً: اسْتَعْجَلَ.
وأَرَّ بسَلْحِه وائْتَرَّ: أي اسْتَطْلَقَ بَطْنُه.
والأَيْرُ: جَمْعُه أُيُوْرٌ. ورَجُلٌ أُيَارِيٌّ: عَظِيْمُ الأيْرِ. وطالَ أيْرُه: كَثُرَ ولَدُه، وقال عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: " مَنْ يَطُلْ أيْرُ أبيه يَنْتَطِقْ به " اي مَنْ كَثُرَتْ إخْوَتُه عَزَّ بهم.
والأَرْوَى: الأُنْثى من الأوْعالِ، وهو الأُرْوِيَّةُ.
وأرْوى: اسْمُ امْرَأَةٍ.
وأَرِّ نارَكَ تَأْرِيَةً: أي عَظِّمْها، وأَرَّيْتُها.
وإنَّه لَيَأْرِي: أي يَجْمَعُ.
وأَرِيَ به وغَرِيَ به: واحِدٌ، وكذلك أُرِيَ به. وفي الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهُما " أي ألِّفْ وحَبِّبْ بَعْضَهما إلى بَعْضٍ.
وطَبَخْتَ فأرَّيْتَ: أي أحْرَقْتَ حَتّى الْتَصَقَ المَرَقُ بجَوَانِبِ القِدْرِ فلا يُفَارِقُها.
وأُوَارُ الشَّمْسِ: حَرُّها. ويَوْمٌ أُوَرٌّ: شَدِيْدُ الأُوَارِ. ورَجُلٌ أُوَارِيٌّ: به عَطَشٌ شَدِيْدٌ.
والأَوْرَةُ: الحَوْقَةُ؛ وهُما الحُفْرَةُ يَجْتَمِعُ فيها الماءُ.
ويُقال لمَوْضِعٍ فيه أُوْقَتَانِ: الأَوْرَتَانِ، وهو في شِعْرِ الفَرَزْدَقِ.
والأُرْيَانُ: الخَرَاجُ والإِتَاوَةُ.


ما أوَّلُهُ رَاءٌ
الرَّارُ والرِّيْرُ لُغَتَانِ: المُخُّ الذي قد ذابَ في العَظْمِ ورَقَّ.
والرِّيْرُ: الماءُ الذي يَخْرُجُ من فَمِ الصَّبِيِّ كأنَّه خُيُوْطٌ.
وأَرَارَ اللهُ مُخَّه. ومُرَارُ اللَّحْمِ ورَائرُه: المَهْزُوْلُ. وشَاةٌ رَارٌ وغَنَمٌ رَارٌ: ذابَ مُخُّهَا من الهُزَالِ.
والرَّأْرَأَةُ: تَحْدِيْقُ النَّظَرِ والحَدَقَتَيْنِ، ورَجُلٌ رَأْرَأٌ ورَأْرَاءٌ مَمْدُوْدٌ ومَقْصُوْرٌ، وامْرَأَةٌ رَأْرَاءٌ أيضاً.
ورَأْرَأَتْ بكَفِّها: قَلَبَتْها.
ورَأْرَأَ السَّحَابُ: لَمَحَ.
ورَأْرَأَتْ عَيْنَاه: ضَرَبَتَا. وكذلك إذا كانَتْ تُدِيْرُ حَدَقَتَها كالمُتَعَرِّضَةِ للمُغَازَلَةِ.
ورَأْرَأْتُ بالضَّأْنِ رَأْرَأَةً: دَعَوْتها إلى الماءِ.
والرَّأْيُ: رَأْيُ القَلْبِ، والجَمِيْعُ الآرَاءُ. ويَقُولُوْنَ: لا أفْعَلُ كذا حَتّى يُرِيني حِيْنٌ برَأْيِه: أي حَتّى أرى الطَّرِيْقَ الواضِحَ. وما رَأَيْتُ أرْأَى منه: اي أجْوَدَ رَأْياً. وهو يَتَرَأَّى بفُلاَنٍ.
ورَأَيْتُ بعَيْني رُؤْيَةً. ورَأَيْتُه رَأْيَ العَيْنِ: أي حَيْثُ يَقَعُ البَصَرُ عليه، وارْتَأَيْتُ أيضاً. وتَرَاءى القَوْمُ: رَأى بَعْضُهم بَعْضاً. وتَرَاءى لي فلانٌ: تَصَدَّى لي لأرَاه.
والرِّئيُّ: ما رَأَتِ العَيْنُ من حالٍ حَسَنَةٍ ولِبَاسٍ. وجِنِّيٌّ يَتَعَرَّضُ يُرِيْهِ كَهَانَةً، ومَعَهُ رِئيٌّ من الجِنِّ.
وقَوْلُهم من رَأَيْتُ: يَرى؛ هو في الأصْلِ: يَرْأى؛ ولكنَّه خُفِّفَ. وأرَيْتُه فلاناً. ورَأَيْتُه رَأْيَةً واحِدَةً: أي مَرَّةً. والمُرْئِي: الذي يُرِيْكَ الشَّيْءَ. وأَرِني ثَوْبَاً وأرْني، وقُرِى: " أَرْنَا اللَّذَيْنِ أضَلاَّنا ".
وفي وَجْهِه رَآوَة الحُمْقِ: إذا اسْتَبَنْتَه فيه. والرَّأْوَةُ: القُبْحُ والدَّمَامَةُ.
والرُّؤْيَا: في المَنَامِ يُهْمَزُ ويُلَيَّنُ، ومنهم مَنْ يَقول: رِئْيَا، وجَمْعُه رُؤىً.
والرُّوَاءُ: حُسْنُ المَنْظَرِ في البَهَاءِ والجَمَالِ.
والمَرْآةُ والمَرْأى: كالمَنْظَرَةِ والمَنْظَرِ. والمِرْآةُ: التي يُنْظَرُ فيها، والجَمِيْعُ المَرَائِي؛ ويُقال: مَرَايا. وتَرَاءَيْتُ المِرْآةَ: نَظَرْتُ فيها، واسْتَرْأَيْتُ بها. ورَأَّيْتُ فلاناً تَرْئِيَةً: إذا رَأَّيْتَه المِرْآةَ ليَنْظُرَ فيها.
وبَقَرَةٌ مُرْئِيَةٌ: إذا كانَ وَلَدُها بعَيْنِها تَنْظُرُ إليه، وجَمْعُها مَرَاءٍ بوَزْنِ مَرَاعٍ.
والتَّرِيْئَةُ مَهْمُوْزَةٌ مَمْدُوْدَةٌ والتَّرِّيَّةُ مُشَدَّدَةٌ لَيِّنَةٌ وإنْ شِئْتَ هَمَزْتَ والتَّرِيَّةُ والتَّرْيَةُ: ما تَرى المَرْأةُ من المَحِيْضِ صُفْرَةً أو بَيَاضاً.
وأرَى القَرْنُ: أي نَجَمَ.
وأرَتِ الأرْضُ: في أوَّلِ ما يَتَبَيَّنُ النَّبَاتُ.
و" أجَنَّ رِئيٌّ رِئِيّاً " مَثَلٌ، وذلك تَتابُعُ الظَّلاَمِ واخْتِلاَطُه.
وحَيٌّ حِلاَلٌ ورِئَاءٌ ونَظَرٌ: مُتَجَاوِرُوْنَ. ومَنَازِلُهم رِئاءٌ: أي بحَيْثُ تُرى. وداري تَرى دارَ فلانٍ، ودارَاهُما تَتَرَاءَيَانِ: أي تَتَقَابَلاَنِ، وداري مِمَّا رَأَتْ دارَ فلانٍ.
وقَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: " وتَرَاهم يَنْظُرُوْنَ إليكَ وهم لا يُبْصِرُوْنَ " أي يُوَاجِهُوْنَكَ.
وفي الحَدِيْثِ: " لا تَرَاءى نارَاهُما " أي لا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أن يَسْكُنَ بِلادَ المُشْرِكِيْنَ حَتّى يَرى كُلُّ واحِدٍ نارَ صاحِبِه، وقيل: أرَادَ نارَ الحَرْبِ؛ من قَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: " كُلَّما أوْقَدُوا ناراً للحَرْبِ أطْفَأها اللهُ " أي ناراهما مُخْتَلِفَانِ.
وأرْأَتِ النّاقَةُ والشّاةُ: إذا تَرَبَّدَ ضَرْعُها وعُرِفَ أنَّها قد أقْرَبَتْ، وهيَ مُرْءٍ.
ورَأْسٌ مُرْأىً: طَوِيْلُ الخَطْمِ فيه تَصْوِيْبٌ واعْوِجَاجٌ، وكذلك ناقَةٌ مُرْءآةٌ؛ وجَمَلٌ مُرْأىً: مائلُ الرَّأْسِ.
والرَّوِيَّةُ غَيْرُ مَهْمُوْزٍ من قَوْلِكَ: رَوَّأْتُ في الأمْرِ: إذا أثْبَتَّ النَّظَرَ. ورَيَّأْتُ فيه: فَكَّرْت.
وهو رَئِيُّ قَوْمِه ورِئيُّ قَوْمِه ورَأْيُ قَوْمِه: يَعْنِي وَجْهَهُم وصاحِبَ رَأْيِهم.
وامْرَأَةٌ سِمْعَنَّةٌ رِئْيَنَّةٌ: من الرُّؤْيَةِ.
ولنا عِنْدَهُ رَوِيَّةٌ: أي حاجَةٌ. وهي الهِمَّةُ أيضاً.
والتَّرْوِيَةُ خَفِيْفَةٌ: يَوْمٌ قَبْلَ عَرَفَةَ؛ لأنَّ القَوْمَ يَتَرَوَّوْنَ من مَكَّةَ ويَتَزَوَّدُوْنَ رَيّاً إلى الماءِ.
والرِّيُّ: مَصْدَرُ رَوِيَ يَرْوى، وهو رَيّانُ ورَيّا، والجَمِيْعُ رِوَاءٌ. والرَّوَاءُ: الماءُ فيه للوارِدِ رِيٌّ، وكذلك الرِّوى. ورَوّى من المَاءِ أيضاً، وشَبِعْتُ من الماءِ ورَوِيْتُ: مِثْلُه.
والرِّوَاءُ من الغَيْمِ: التي فيها ماءٌ كَثِيْرٌ. والرَّوِيُّ: كالرَّمِيِّ من السَّحَابِ. والرَّيْوَانُ: الذي يَخْرُجُ منه الماءُ.
والرّاوِيَةُ: الإِبِلُ التي تَحْمِلُ الماءَ. وبه سُمِّيَ الرّاوِيَةُ للسِّقَاءِ، والجَمِيْعُ الرَّوَايَا. وارْتَوَى الرَّجُلُ: اسْتَقَى؛ فهو مُرْتَو. وارْتَوَيْتُ قَلُوْصاً: أي جَعَلْتها راوِيةً. ورَوَى البَعِيْرُ: صارَ راوِيَةً. والرُّوَاةُ: المُسْتَقُوْنَ.
والرَّوَايَا: القَوْمُ الذين يَحْمِلُونَ الدِّيَاتِ.
وارْتَوَتْ مَفَاصِلُه: اعْتَدَلَتْ وغَلُظَتْ، وكذلك النَّخْلَةُ.
وأرْوَيْتُ السَّوِيْقَ ورَوَّيْتُه.
ورُطَبٌ رَوىً ومُرْوٍ: إذا أرْطَبَ في غَيْرِ النَّخْلَةِ.
ووَجْهٌ رَيّانُ: كَثِيْرُ اللَّحْمِ.
وارْتِوَاءُ الحَبْلَ: أنْ تَكْثُرَ قُوَاه ويَغْلُظَ في شِدَّةِ الفَتْلِ. والرِّوَاءُ: الحَبْلُ يُقْرَنُ به البَعِيْرُ.
ورَوَيْتُ الحَبْلَ: فَتَلْته؛ رَيّاً. ورَوَيْتُ بَعِيْرِي: شَدَدْتُ عليه الرِّوَاءَ، وأرْوَيْتُه أيضاً. والأَرْوِيَةُ: جَمْعُ الرِّوَاءِ، وكذلك الأَرْوَاةُ. ورَاوَيْتُ صاحِبي مُرَاوَاةً.
والرَّيّا: رِيْحٌ طَيِّبَةٌ.
والرِّوَايَةُ: في الأحَادِيْثِ والشِّعْرِ. ورَجُلٌ رَاوِيَةٌ وقَوْمٌ رُوَاةٌ، وقد رَوَى يَرْوِي رِوَايَةً.
والرّاوِي: الذي يَقُوْمُ على الخَيْلِ، والجَمِيْعُ الرُّوَاةُ.
والرّايَةُ: من أعْلاَمِ الحَرْبِ. وما يُجْعَلُ في عُنُقِ الغُلاَمِ الآبِقِ، وتَصْغِيْرُها رُيَيَّةٌ، والفِعْلُ: رَيَّيْتُ تَرْيِيَةً. ورَأَيْتُ الرّايَةَ وأرْأَيْتُها: أي رَكَزْتُها. والرّاءُ مَمْدُوْدَةٌ، الواحِدَةُ رَاءَةٌ: شَجَرٌ لها ثَمَرَاتٌ بِيْضٌ صِغَارٌ؛ وتَصْغِيْرُها رُوَيْئَةٌ، وقيل: هي من نَبَاتِ السَّهْلِ كاليَنَمَةِ ونَحْوِها.
وأمَّا التَّرَائي في الظَّنِّ: فهو فِعْلٌ قد تَعدَّى إليك من غَيْرِكَ، فإذا جَعَلْتَه في الماضي قُلْتَ: رُئِيْتُ؛ ورَأَيْتُ أيضاً وهو خَلْفٌ. ورُئِّيْتُ: أي خُيِّلَ إلَيَّ.
وقَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: " وأَرِنَا مَنَاسِكَنا " أي أعْلِمْنا وعَرِّفْنا. وأَرِني برَأْيِكَ: أي وَجْهَ الرَّأْيِ، وأَشِرْ عَلَيَّ برَأْيِكَ.
وقَوْلُه: " مَنْ يَرَ يَوْماً يُرَ بِه ".
وأَرَى اللهُ بفُلانٍ: أي نَكَّلَ به.
والرَّوِيُّ: حَرْفُ قَوَافِي الشِّعْرِ اللاّزِمَةِ.
والمُرَوَّى: مَوْضِعٌ بالبادِيَةِ.
ومَرَوْرى: مَوْضِعٌ.
ورَيّانُ: اسْمُ جَبَلٍ كَثِيرِ الماءِ.
والرّائرَتَانِ: شَحْمَتَانِ في عَيْنِ الرُّكْبَةِ؛ وجَمْعُها رَوَائِرُ، وقيل: في أطْرَافِ الدّاغِصَةِ، ويُقالُ لهما: الرِّيْرَتَانِ ورَيَّرَ القَوْمُ والمالُ: غَلَبَهُم السِّمَنُ، وأوْلادُ المالِ الصِّغَارُ: سَمِنُوا حَتّى لا يَقْدِروا أن يَتَحَرَّكُوا.
ورَيَّرَتِ البِلادُ: أخْصَبَتْ. ويُقال: رِيْرَ القَوْمُ ورُيِّرُوا: بهذا المعنى.
ويقولون: إنَّه لَخَبِيْثٌ ولَوْ تَرَ مَا فُلاَنٌ ولا تَرَ مَا ولا تَرَى مَا لُغَاتٌ: أي لا سِيَّما، وأوْتَرَ مَا فلانٌ ولم تَرَ مَا فلانٌ بالجَزْمِ.


ما أَوَّلُهُ الياء
اليَرَرُ: مَصْدَرُ الأَيَرِّ وهو الحَجَرُ الصُّلْبُ.
وإنَّه لَحَارٌّ يَارٌّ: إتْبَاعٌ.
ووَقَعَ في الشَّرِّ واليَرِّ.

التَّعْزِير

(التَّعْزِير) (شرعا) تَأْدِيب لَا يبلغ الْحَد الشَّرْعِيّ كتأديب من شتم بِغَيْر قذف
التَّعْزِير: عُقُوبَة غير مقدرَة حَقًا لله تَعَالَى أَو العَبْد وَسَببه مَا لَيْسَ فِيهِ حد من الْمعاصِي الفعلية أَو القولية فَهُوَ تَأْدِيب دون الْحَد. وَأَصله من العزر وَهُوَ الْمَنْع والردع. وَأكْثر التَّعْزِير تِسْعَة وَثَلَاثُونَ سَوْطًا عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَأما عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله فخمسة وَسَبْعُونَ وَفِي رِوَايَة تِسْعَة وَسَبْعُونَ وَهِي أصح عِنْده رَحمَه الله. وَصَحَّ حبس المعزر إِن كَانَ فِيهِ مصلحَة. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَن التَّعْزِير على قدر عظم الجرم كَمَا فِي الْمُحِيط والذخيرة وَغَيرهمَا. وَأقله ثَلَاث من الضربات كَمَا فِي الْكَافِي أَو وَاحِدَة كَمَا فِي الخزانة أَو مَا يرَاهُ الإِمَام كملامة وضربة على مَا ذكره مَشَايِخنَا كَمَا فِي الْهِدَايَة. وَالْأَصْل أَنه إِن كَانَ مِمَّا يجب بِهِ الْحَد فالأكثر وَإِلَّا فمفوض إِلَى القَاضِي كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَان. وَللْإِمَام وَالْقَاضِي الْخِيَار فِي التَّعْزِير بِغَيْر الضَّرْب كاللطم والتعريك وَالْكَلَام العنيف والشتم غير الْقَذْف أَي الشتم الْمَشْرُوع كالشقي وَالنَّظَر بِوَجْه عبوس والأعراض. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه يجوز بِأخذ المَال إِلَّا أَنه يرد إِلَى الصاحب إِن تَابَ وَإِلَّا يصرف إِلَى مَا يرى الإِمَام وَالْقَاضِي. وَفِي مُشكل الْآثَار إِن أَخذ المَال صَار مَنْسُوخا. وَقيل إِن تَعْزِير مثل الْعلمَاء والعلوية بالإعلام بِأَن يَقُول بَلغنِي أَنَّك تفعل كَذَا وتعزير الْأُــمَرَاء والدهاقين بِهِ وبالجر إِلَى بَاب القَاضِي وتعزير السوقية وَنَحْوهم بهما وبالحبس وتعزير الأخسة بِهن وبالضرب كَمَا فِي الزَّاهدِيّ وَغَيره.
نعم مَا قَالَ مرزا عبد الْقَادِر بيدل بادل رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
(تاديبي اكرضرورت افتد بهوس ... يكدست خطاست كوشمال همه كس)

(أَي مطرب قانون بِسَاط انصاف ... دف رابه طبانجه كوب ونى را بِنَفس)

وَأَشد الضَّرْب التَّعْزِير لِأَنَّهُ جرى فِيهِ التَّخْفِيف من حَيْثُ الْعدَد فَلَا يُخَفف من حَيْثُ الْوَصْف فَيضْرب ضربا شَدِيدا لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى فَوَات الْمَقْصُود وَهُوَ الانزجار وتتقي الْمَوَاضِع الَّتِي تتقي فِي الْحُدُود. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه يضْرب فِيهِ الظّهْر والآلية فَقَط. وَقيل إِن التَّعْزِير أَشد ضربا حَيْثُ يجمع فِيهِ الأسواط فِي عُضْو وَاحِد دون الْحُدُود فَإِنَّهُ يفرق فِيهَا على الْأَعْضَاء. ثمَّ حد الزِّنَا لِأَنَّهُ جِنَايَة أعظم حَيْثُ شرع فِيهِ الرَّجْم وَلِأَنَّهُ ثَبت بِالْكتاب بِخِلَاف حد الشّرْب فَإِنَّهُ ثَبت بقول الصَّحَابَة. ثمَّ حد الشّرْب لِأَن جِنَايَة الشّرْب مَقْطُوع بهَا لشهادة الشّرْب والإحضار إِلَى الْحَاكِم بالرائحة. ثمَّ حد الْقَذْف لِأَن سَببه يحْتَمل جَوَاز صدق الْقَاذِف وَقد جرى فِيهِ التَّغْلِيظ من حَيْثُ رد الشَّهَادَة الَّتِي تنزلت منزلَة قطع لِسَانه فيخفف من حَيْثُ الْوَصْف.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ والتقادم وَالتَّعْزِير لَا يتقادم وَجَاز عَفوه من جَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ عِنْد الطَّحَاوِيّ وَمن جَانب الإِمَام عِنْد غَيره ووفق بِأَن الأول فِي حق العَبْد وَالثَّانِي فِي حق الله تَعَالَى.

الْخَاتم

الْخَاتم: بِفَتْح التَّاء الفوقانية بنقطتين وَكسرهَا الَّذِي يخْتم بِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ انكشتري. وَرُوِيَ عَن الأنيس السالك أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ورق وَكَانَ فصه حَبَشِيًّا. وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا كَانَ نقش خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُحَمَّد - سطر - وَرَسُول - سطر - وَالله - سطر وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء نزع خَاتمه وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ اتخذ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَاتمًا من ورق وَكَانَ فِي يَد أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ثمَّ كَانَ فِي يَد عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ حَتَّى وَقع فِي بِئْر أريس نقشه مُحَمَّد رَسُول الله.وَاعْلَم أَنهم ميزوا خَاتم النُّبُوَّة عَن خَاتم يخْتم بِهِ بِإِضَافَة الأول إِلَى النُّبُوَّة وَالثَّانِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالخاتم فِي قَوْلهم خَاتم النُّبُوَّة هُوَ الْأَثر الْحَاصِل بِهِ لَا الطابع وإضافته إِلَى النُّبُوَّة إِمَّا بِمَعْنى أَنه ختم على النُّبُوَّة بحفظها وَحفظ مَا فِيهَا أَي بصيانتها عَن تطرق التَّكْذِيب والقدح إِلَيْهَا صِيَانة الشَّيْء المستوثق بالختم وَإِمَّا الْمَعْنى عَلامَة لنبوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيحْتَمل أَن يكون من قبيل خَاتم فضَّة وَكَانَ ذَلِك الْخَاتم أَيْضا عَن نبوته.وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ رَحمَه الله حدث من طَرِيق أبي رَجَاء عتيبة فَإِذا هُوَ مثل زر الحجلة. وَأَيْضًا حدث عَن طَرِيق سعيد بن يَعْقُوب أَن الْخَاتم بَين كَتِفي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غُدَّة حَــمْرَاء مثل بَيْضَة الْحَمَامَة. وَأَيْضًا حدث عَن طَرِيق مُحَمَّد بن بشار أَن الْخَاتم شَعرَات مجتمعات. وَأَيْضًا حدث عَن طَرِيق مُحَمَّد بن بشار حدث عَن بشر بن الوضاح أَنه كَانَ خَاتم النُّبُوَّة فِي ظَهره بضعَة نَاشِرَة أَي قِطْعَة من اللَّحْم مُرْتَفعَة. وَأَيْضًا حدث عَن أبي الْأَشْعَث أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ قَالَ أَنبأَنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَاصِم الْأَحول عَن عبد الله بن سرجس قَالَ أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي أنَاس من أَصْحَابه فَدرت هَكَذَا من خَلفه فَعرف الَّذِي أُرِيد فألقي الرِّدَاء عَن ظَهره فَرَأَيْت مَوضِع الْخَاتم على كَتفيهِ مثل الْجمع حولهَا خيلان كَأَنَّهَا الثآليل فَرَجَعت حَتَّى استقبلته فَقلت غفر الله لَك يَا رَسُول الله فَقَالَ وَلَك فَقَالَ الْقَوْم اسْتغْفر لَك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ نعم وَلكم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} انْتهى.
(الْخَاتم) الخاتام والبكارة يُقَال زفت إِلَيْهِ بخاتمها وبخاتم رَبهَا ونقرة فِي الْقَفَا يُقَال احْتجم فلَان فِي خَاتم الْقَفَا وشعيرات بيض تكون فِي قَوَائِم الْفرس وَمن كل شَيْء آخِره وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين}

الزر

(الزر) شَيْء كالحبة أَو القرص يدْخل فِي العروة وَفِي الْمثل (ألزم من زر لعروة) وهنة فِي مِفْتَاح الكهربا يغمز أَو يُحَرك فيضيء الْمِصْبَاح أَو يطفئه وزر الجرس الكهربي هنة فِيهِ إِذا ضغطت رن والنقرة الَّتِي تَدور فِيهَا وابلة الْكَتف وطرف الورك فِي نقرته وعظيم تَحت الْقلب وَهُوَ قوامه وبرعم النَّبَات وَمن أَجزَاء الكمان (فِي الموسيقى) نتوء فِي مُؤخر الصندوق (مج) وزر السَّيْف حَده وزر الدّين قوامه (ج) أزرار وزرور وَإنَّهُ لزر من أزرار المَال يحسن الْقيام عَلَيْهِ
الزر: بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة تكمه (والحجلة) بِالتَّحْرِيكِ وَاحِد حجال الْعَرُوس وَهِي بَيت يزين بالثياب والأسترة كَذَا فِي الصِّحَاح (وغدة حَــمْرَاء) أَي قِطْعَة من اللَّحْم حمرتها أَكثر من بياضها فِي الْمِقْدَار مثل بَيْضَة الْحَمَامَة (وشعرات مجتمعات) أَي عَلَيْهِ شَعرَات (وَالْجمع) بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْمَجْمُوع وَفِي هَذَا الْموضع يُرِيد جمع الْكَفّ وَهُوَ أَن يجمع الْأَصَابِع ويضمها (وخولها) التَّأْنِيث إِمَّا بِاعْتِبَار الْبضْعَة أَو بِاعْتِبَار الشعرات (والخيلان) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء جمع الْخَال (والثآليل) جمع الثؤلول وَهِي الْحبَّة الَّتِي تظهر فِي الْجلد بالحمصة. وَالْمرَاد بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَاتم الْأَنْبِيَاء أَنه لَا نَبِي بعده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِه تمت أُمُور النُّبُوَّة وكملت. وَالْمرَاد بالخاتم انكشتري فِي قَول الْفُقَهَاء وَلَا يتحلى الرجل بِالذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا بالخاتم وَيجْعَل الفص إِلَى بَاطِن كَفه بِخِلَاف النِّسَاء حَيْثُ يجوز لَهُنَّ الفص إِلَى ظَاهر الْكَفّ. ثمَّ احفظ ضابطة عَجِيبَة تنفعك فِي مجْلِس الأحباب أَنه إِذا أَخذ الْإِنْسَان فِي يَده الْخَاتم فَقل لَهُ خُذ فِي الْيَد الَّذِي فِيهِ الْخَاتم أَرْبَعَة أعداد وَفِي الآخر ثَلَاثَة أعداد ثمَّ قل لَهُ زد على الْعدَد الَّذِي فِي يَمِينك خَمْسَة أَمْثَاله وعَلى الَّذِي فِي يسارك أَرْبَعَة أَمْثَاله فَقل لَهُ أجمع المبلغين ثمَّ نصف الْمَجْمُوع وسله بعد ذَلِك عَن الْكسر فَإِن قَالَ فِيهِ كسر فالخاتم فِي يَمِينه وَإِن قَالَ لَيْسَ فِيهِ كسر فالخاتم فِي يسَاره.

الرُّؤْيَا

(الرُّؤْيَا) مَا يرى فِي النّوم (ج) رؤى
الرُّؤْيَا: بِالضَّمِّ مصدر كالبشرى وَجَمعهَا رُؤِيَ بِالتَّنْوِينِ ذكره الْجَوْهَرِي وَهِي مَا يرى فِي الْمَنَام وَهِي صَادِقَة وكاذبة. ف (52) "
الرُّؤْيَا: صَادِق المؤخرين مُحَمَّد بن خاوند شاه رَحمَه الله تكفل بتحقيق الرُّؤْيَا وأقسامها فِي رَوْضَة الصَّفَا فِي بَيَان رُؤْيا عبد الْمطلب وتعبيرها بقدوم نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ الصَّلَوَات وَالسَّلَام من الله الْملك المنان حَيْثُ قَالَ: لَا يخفى على العارفين أَن النّوم هُوَ عبارَة عَن توقف الْحَواس الظَّاهِرَة عَن مُشَاهدَة وَإِدْرَاك المحسوسات عَن طَرِيق ميل الرّوح الحيوانية نَحْو الْبَاطِن. وَفِي هَذِه الْحَالة إِذا مَا النَّفس أَو تلاحظه هُوَ صُورَة مَا فَإِن ذَلِك يعْتَبر أَيْضا (حلما) . والحلم بِمَعْنى ثَان يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ صَادِق وكاذب. فالنوم الصَّادِق هُوَ أَن تفرغ النَّفس البشرية من الشواغل والمضايقات وَبِنَاء على ذَلِك تصبح مُنَاسبَة للاتصال الروحاني بالملأ الْأَعْلَى والمنتسبين لهَذَا الْعَالم الْعلوِي وَأَن تطلع على بعض التصورات الَّتِي تخْتَص بالمبادىء الْعَالِيَة. وَبِمَا أَن هَذِه الْقَضِيَّة مقررة لَدَى الصُّوفِيَّة وَجَمِيع الْحُكَمَاء أَي أَن جَمِيع صور الْحَوَادِث الكونية والمفاسد مرتسمة فِي النُّفُوس الفلكية كَمَا ترتسم صور الْأَشْيَاء فِي الخيال وَبِمَا أَن النَّفس الناطقة تكون قَوِيَّة وتضعف الْقُوَّة المتخيلة فِيهَا فَإِن الْجَوَاهِر الشَّرِيفَة والعالية فِي الْعَالم تغلب النَّفس وَلَا يُمكنهَا الاتيان بِأَيّ شَيْء وَحَتَّى لَا يُمكنهَا الْمُمَاثلَة بِأَيّ شَيْء آخر. لَكِنَّهَا توكله إِلَى الخيال ويجد النَّائِم بعد استيقاظه أَن الرَّسْم الَّذِي تقبله فِي نَفسه مَوْجُود فِي خياله بِلَا تَغْيِير. وَهَذَا هُوَ الْحلم الصَّادِق الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى تَعْبِير أَو تَفْسِير وَإِذا كَانَت المتخيلة قَوِيَّة بِحَيْثُ تنعكس النَّفس الفلكية على النَّفس البشرية وتنصرف فِيهَا وتلبسها من لبوسها الْمُنَاسب فَإِنَّهَا توكلها للخيال، وَهَذَا الْحلم صَادِق وَلكنه يحْتَاج إِلَى تَعْبِير أَو تَفْسِير وَمن هَذِه الْمُقدمَات أصبح لَازِما أَن الْحلم الصَّادِق يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ وَكَذَلِكَ كل حلم يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ.
وَلَيْسَ خافيا على أَصْحَاب الْعلم أَن الرُّؤْيَا لَا تَنْحَصِر فَقَط بِأَهْل الْعلم والشريعة وَالْملك فَإِذا كَانَت الْقُدْرَة المتخيلة قَوِيَّة وَالنَّفس ضَعِيفَة، فَإِن المتخيلة دَائِما تَأْخُذ النَّفس وعَلى عَادَتهَا الْقَدِيمَة فِي الْحلم إِلَى حركتها من التَّشْبِيه والتمثيل والتأليف وَالتَّفْصِيل وتمنعها من مُتَابعَة عالمها المشغول:
(إِذا اسْتَقر الطَّبْع السيء فِي الطبيعة ... )
(فَإِنَّهُ لَا يذهب إِلَّا حِين وَقت الْمَوْت ... )
وَكَذَلِكَ فَإِن عمل المتخيلة أَن تشابه الْأَشْيَاء المرتبطة بَعْضهَا بِالْبَعْضِ الآخر وقوائم الْأَشْيَاء الْمُنْفَصِلَة، وَأَحْيَانا تفصل الْأَشْيَاء المتوائمة عَن بَعْضهَا الْبَعْض الآخر.
مصرع:
(مِنْهَا التَّصَوُّر الْبَاطِل وَمِنْهَا الخيال الْمحَال ... )
وَأَحْيَانا يسيطر على الْبدن أحد الأخلاط الْأَرْبَعَة وحينها فَإِن المتخيلة تكون فِي الْمقَام الْمُنَاسب لهَذَا الْخَلْط فتظهر للنَّفس صورا توافقه، مثلا إِذا سيطر الدَّم على الْبدن، فَإِن النَّفس الناطقة وبمساعدة من المتخيلة تعرض فِي الْحلم الْأَشْيَاء الْحَــمْرَاء وعَلى هَذَا الْقيَاس، وَهَذَا من أَقسَام الْحلم الْكَاذِب. وَمن جملَة المنامات الكاذبة أَن المتخيلة وأثناء الْيَقَظَة تدْرك صُورَة مَا، فتعكس هَذِه الصُّورَة فِي عَالم الْحلم. وَمن فحوى هَذِه السطور يصبح وَاقعا أَن الرُّؤْيَا الكاذبة على ثَلَاثَة أوجه (انْتهى) .

السّنة على نَوْعَيْنِ

السّنة على نَوْعَيْنِ: سنَن الْهدى وَسنَن الزَّوَائِد أما الأول: فَهُوَ مَا واظب عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على سَبِيل الْعِبَادَة أَي تكميلا للهداية مَعَ تَركه أَحْيَانًا كالجماعة وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة. وَحكمه الثَّوَاب بِالْفِعْلِ وَجَزَاء الْإِسَاءَة وَالْكَرَاهَة بِالتّرْكِ عمدا بِلَا عذر. والإساءة دون الْكَرَاهَة وَجَزَاء الْإِسَاءَة اللوم وَجَزَاء الْمَكْرُوه الْعقَاب وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي بعض السّنَن أَنه يصير مسيئا بِالتّرْكِ. وَفِي الْبَعْض يسْتَحبّ الْقَضَاء كَسنة الْفجْر وَلَا يُعَاقب بِتَرْكِهَا. وَأما الثَّانِي: فَمَا لم يصدر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على وَجه الْعِبَادَة وَقصد الْقرْبَة بل على سَبِيل الْعَادة فَأَخذه حسن وَلَا يتَعَلَّق بِتَرْكِهِ كَرَاهَة وإساءة كتطويل الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة وَتَطْوِيل الرُّكُوع وَسَائِر أفعالها الَّتِي كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ السَّلَام بهَا فِي الصَّلَاة فِي حَالَة الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وأفعاله عَلَيْهِ السَّلَام خَارج الصَّلَاة كلبس حَبَّة خضراء وبيضاء وَمَا فِيهِ خطوط حَــمْرَاء طَوِيل الكمين وَرُبمَا يلبس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِمَامَة سَوْدَاء وحــمراء وَكَانَ مقدارها سَبْعَة أَذْرع أَو اثْنَي عشر ذِرَاعا أَو أقل أَو أَكثر فَهَذَا كلهَا من سنَن الزَّوَائِد. يُثَاب الْمَرْء على فعلهَا وَلَا يُعَاقب على تَركهَا وَهُوَ فِي معنى الْمُسْتَحبّ إِلَّا أَن الْمُسْتَحبّ مَا أحبه الْعلمَاء وَهَذَا مَا اعْتَادَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومستند إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي ذكر أَبُو الْيُسْر رَحمَه الله وَأما حكم السّنة فَهُوَ إِن كَانَ فعل واظب عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة وَالسّنَن والرواتب ينْدب إِلَى تَحْصِيله ويلام على تَركه مَعَ لُحُوق إِثْم يسير. وكل فعل لم يواظب عَلَيْهِ بل تَركه فِي حَالَة كالطهارة لكل صَلَاة وتكرار الْغسْل فِي أَعْضَاء الْوضُوء وَالتَّرْتِيب فِي الْوضُوء فَإِنَّهُ ينْدب إِلَى تَحْصِيله وَلَكِن لَا يلام على تَركه وَلَا يلْحق بِتَرْكِهِ وزر.
وَأما التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان فَإِنَّهُ سنة الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم إِذْ لم يواظب عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بل واظب عَلَيْهَا الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَهِي مِمَّا ينْدب إِلَى تَحْصِيله ويلام على تَركه وَلكنه دون مَا واظب عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِن سنة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أقوى من سنة الصَّحَابَة فَقَالَ وَهَذَا عندنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُولُونَ السّنة فعل واظب عَلَيْهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. فَأَما الْفِعْل الَّذِي واظب عَلَيْهِ الصَّحَابَة فَلَيْسَ بِسنة وَهُوَ على أصلهم مُسْتَقِيم فَإِنَّهُم لَا يرَوْنَ أَقْوَالهم حجَّة فَلَا يرَوْنَ أفعالهم سنة أَيْضا. وَعِنْدنَا أَقْوَالهم حجَّة فَتكون أفعالهم سنة وَذكر غَيره أَنه لَا اخْتِلَاف فِي أَن السّنة هِيَ الطَّرِيقَة المسلوكة فِي الدّين سَوَاء كَانَت للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَو لغيره من أَعْلَام الدّين وَلَكِن الْخلاف فِي أَن إِطْلَاق لفظ السّنة يَقع على سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو يحْتَمل سنته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسنة غَيره على مَا عرف انْتهى.

يُوزَعُونَ

{يُوزَعُونَ}
وسأله عن معنى قوله تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ}
قال: يحبُس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير، وشاهده قول الشاعر:
وزَعْتُ رَعِيلَها بِأقَبَّ نَهْدٍ. . . إذا ما القومُ شدُّوا بعد خمسّ
(تق، ك، ط)
= الكلمة من آيات:
النمل 17: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}
النمل 83: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ}
فصلت 19: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}
وليس في القرآن من المادة، غير هذا الفعل المضارع مبنياً للمجهولين في الآيات الثلاث.
ومعها فعل الأمر في آيتى النمل 19 والأحقاف 15: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}
الوزع عند أهل اللغة: الكف والمنع. وأوزعه بالشيء أغراه به، قال الفراء في معنى آية الصافات، والجوهري والزمخشري في (ص، س) "وقال بعض أهل اللغة: أوزعت حرف من الأضداد، يقال أوزعت الرجل إذا أغربته بالشيء، وإذا نهيته وحبسته عنه {فَهُمْ يُوزَعُونَ} والصحيح عندنا أن يكون أوزعت بمعنى أمرت وأغريت، ووزعت بمعنى حبست. والدليل عليه قوله تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} (الأضداد 83 / 139) . قال أبو حاتم السجستاني: وقالوا، زعموا: أوزعني به أولعنى به، وهذا معروف. وقالوا: أوزعته نهيته وكففته، وقال تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} ، أي يُكفون ويمُنعون. قال أبو حاتم: لا علم لي بهذا، وهو قرآن فلا أقدم عليه. ولكن يقال: وزعته نهيته وكففته. ومنه قيل: يوزعون. ومنه وزَعَةُ السلطانِ الذين يكفون عنه الناس. وفي الحديث "لابد للسلطان من وزَعةُ" وقال الذبياني:
على حين عاتبت المشيبَ على الصبا. . . وقلتُ أَلَمَّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ

(الأضداد: أوزع) .
والمعنيان في: وزع، كف ومنع، وأوزعه أغرى. في (ص، س) والنهاية لابن الأثير. وفي (المقاييس) : وزعتُه عن الأمر: كففتُه، قال الله سبحانه: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} اي يُحبس أزلهم على آخرهم. وجمع الوازع وَزَعةَ.
تأويلها في المسألة بحبس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير، لا يبدو وجه قيد الإيزاع بنوم الطير الذي في معاني القرآن للفراء: وجاء في التفسير يُحبَسُ أوَّلُهم على آخرهم حتى يدخلوا النار، وأسنده الطبري عن ابن عباس، وعنه أيضاً: يجعل على كل صنف من يرد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا كما تصنع الملوك. وعن قتادة: يرد أزلهم على آخرهم. واختاره الطبري لأن الوازع في كلام العرب هو الكافّ. يقال منه: وزع فلاناً عن الظلم إذا كفه عنه. وإنما قيل للذين يدفعون الناس عن الأمراء: وزَعة، لكفهم إياهم عنهم.
وفسر الر اغب الوزع بالكف. على سبيل القمع في آية النمل 17، وعلى سيبل العقوبة فيمن يُدَعّون إلى جهنم في آيتى النمل 82 وفصلت 19، وقيل الوزع الولوع. ومنه {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} معناه ألهمني. وتحقيقه: أولعني بذلك واجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران (المفردات) .
والكلمة المسئول عنها مبنية للمجهولين، مما يؤنس إلى دلالة السوق إلى المحشر وعلى وجه الدع والقسر والإرغام. والله أعلم.
ولعل أصل المعنى في اللغة: الدفع والسَّوق قسراً، فالموزَع مساق بإرادة غيره.
ويأخذ الدفعُ صفة الإرغام فيمن يوزعون إلى المحشر، ويأخذ صفة الحمل والتوجيه في الدعاء.
ومن ملحظ التشتت والحيرة والبعثرة في سوق الجمع قسرا، جاء معنى التفرق في الأوزاع.

التنكير والتعريف

التنكير والتعريف
وقفت طويلا عند الاسم النكرة، أتبين ما قد يدل عليه التنكير من معنى، ودرست ما ذكر العلماء من معان، قالوا إن هذا التنكير يفيدها، وبدا لى من هذا التأمل الطويل أن النكرة يراد بها، واحد من أفراد الجنس، ويؤتى بها، عند ما لا يراد تعيين هذا الفرد، كقوله سبحانه: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (القصص 20). فليس المراد هنا تعيين الرجل، ولكن يراد هنا أن يصل إلى موسى نبأ الائتمار عليه بالقتل.
والنكرة بعدئذ تفيد معناها مطلقا من كل قيد، أما ما يذكره علماء البلاغة من معان استفيدت من النكرة، فإنها لم تفدها بطبيعتها، وإنما استفادتها من المقام الذى وردت فيه، فكأنما المقام هو الذى يصف النكرة، ويحدد معناها، فكلمة حياة مثلا تدل على معناها المجرد، والمقام يهبها معنى التحقير حينا، والتعظيم حينا آخر، والنوعية من موضع ثالث، ولنقف قليلا عند بعض الآيات التى ورد فيها الاسم نكرة، نتبين مدى الجمال في وروده.
قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ (البقرة 96). أولا ترى أن المراد هنا بيان حرص هؤلاء الناس على مطلق حياة، وأنها غالية عندهم كل الغلو، لا يعنيهم أن تكون تلك الحياة رفيعة أو وضيعة، ولهذا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة، ومن هنا جاء التنديد بهم، لأن الإنسان المثالى، لا يريد الحياة، إلا إذا كانت رفيعة صالحة.
وقال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 179). وهنا تجد المراد كذلك مطلق حياة يستفيدها المجتمع من حكم القصاص، هى تلك التى يظفر بها من يرتدع عن القتل، ولا يقدم عليه خوفا، أن تناله يد القانون فيقتل، فهذا الحكم العادل، استزاد به المجتمع حياة بعض الأفراد الذين كانوا عرضة للقتل قصاصا.
وقال تعالى: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (آل عمران 183، 184). فالرسل منكرة لا تدل على أكثر من معنى المرسلين والكثرة إنما استفيدت من هذه الصيغة من جموع التكثير، الدالة على هذه الكثرة، أما التعظيم فلا يستفاد من التنكير، وإنما يستفاد من وصف هؤلاء الرسل، بأنهم جاءوا بالبينات، فالمقام هو الذى عظم هؤلاء الرسل، وقد تأتى الكلمة نفسها في مقام آخر، ويكون ما يحيط بها دالا على حقارتها وضعتها، مما يدل على أن التنكير في ذاته لا يؤذن بتعظيم ولا تحقير.
وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (البقرة 279). فكلمة حرب منكرة، لا تدل على أكثر من حقيقتها، وإذا كان ثمة تعظيم لهذه الحرب فمنشؤه وصفها بأنها من الله ورسوله، وإن حربا يثيرها الله، جديرة أن تبعث في النفس أشد ألوان الفزع والرعب.
وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 72). فلا تحمل كلمة رضوان في الآية معنى أكثر من العطف، أما أن يدل التنكير هنا على التقليل لا تفيده النكرة وحدها، وإن كان معنى الآية يحتمل، أن قليل رضوان الله أكبر من الجنات والمساكن الطيبة، لأن النكرة تطلق على القليل والكثير فما يطلق عليه رضوان قل أو كثر، أكبر مما أثيبوا به.
ودل المقام على تعظيم الاسم المنكر، فى قوله تعالى: وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (الأعراف 113). ذلك أنهم يطلبون مكافأة على عمل ضخم يقومون به، هو إبطال دعوة موسى، والإبقاء على دين فرعون، أو لا يكون ثواب ذلك عظيما يناسبه.
كما دل المقام على تعظيم الذكر، فى كل آية وردت فيها تلك الكلمة منكرة، كقوله تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا (الأعراف 63).
وقوله تعالى: وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (يوسف 104). فوصفه حينا بأنه من الله، وحينا بأنه ذكر للعالمين، وحينا بأنه مبارك، يؤذن بعظمة هذا الذكر وجلال قدره.
كما دل المقام على التقليل في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (الجاثية 32). ألا ترى أن جحدهم للساعة، لا يؤذن إلا بظن ضئيل في وجودها يتردد في رءوسهم. وقد تكون الكلمة النكرة موحية بمعنى حقير إلى النفس، كما في قوله تعالى: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (الكهف 37). وقوله سبحانه: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (عبس 17 - 19).
ولأن النكرة لا تدل على شىء معين، كان استخدامها في بعض المقام مثيرا للشوق والرغبة في المعرفة، كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (الصف 10). ولأنها تدل على القليل والكثير كانت بعد النفى لقصد العموم وعلى ذلك قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ (البقرة 2).
وتحدث العلماء عن تنكير السلام الصادر من الله في قوله سبحانه: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (يس 58). وقوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (الصافات 79). وقوله:
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (الصافات 130). وقوله: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (مريم 15). وقوله: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ (هود 48). والذى أحسه فى هذا التعبير أن المقام هنا يدل على تعظيم هذا السلام الصادر منه سبحانه، والمقام ينبئ بهذا التعظيم ويشير إليه.
وتستخدم ألوان المعارف في القرآن الكريم في مواضعها الدقيقة الجديرة بها:
فيستخدم الضمير الذى يجمع بين الاختصار الشديد، والارتباط المتين، بين جمل الآية بعضها وبعض، ومن روائع استخدام ضمير المخاطب، أن يأتى به مخاطبا كل من يستطاع الخطاب معه، عند ما يكون الأمر من الوضوح بمكان، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (السجدة 12).
وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (سبأ 51). فكأن سوء حالهم من الوضوح لدرجة ظهوره لكل أحد.
وعادة القرآن في ضمائر الغيبة أنها تتفق إذا كان مرجعها واحدا، حتى لا يتشتت الذهن ولا يغمض المعنى، ولذا كانت الضمائر كلها تعود إلى موسى، فى قوله سبحانه: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (طه 38، 39). وما بعدها. وليس من قوة النظم في شىء أن يعود بعض هذه الضمائر على موسى وبعضها الآخر على التابوت. كما تعود الضمائر كلها إلى الله في قوله تعالى:
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفتح 9).
فإن اتحد الضميران، وكانا يعودان إلى مختلفين، كان المقام يحددهما تحديدا واضحا؛ ومن ذلك قوله سبحانه: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (الكهف 22). فضمير فيهم يرجع إلى أهل الكهف، وضمير منهم يرجع إلى ما رجع إليه ضمير سيقولون. ولكن الكثير في الاستعمال القرآنى أن يخالف بين الضمائر إذا تعدد مرجعها لسهولة التمييز كما في قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (التوبة 36).
فضمير منها وهو لاثنى عشر شهرا، أتى به مفردا، وضمير منهن وهو للأربعة، أتى به جمعا، وكلا الأمرين جائز في كليهما، ولكن سنة القرآن إذا أعاد الضمير على جمع ما لا يعقل، أعاده مفردا إذا كان لأكثر من عشرة، وجمعا إذا كان لأقل منها .
وإذا كان مرجع الضمير مفرد اللفظ جمع المعنى، راعى الأسلوب القرآنى اللفظ أولا، والمعنى ثانيا عند تعدد الضمير، وذلك أجمل في السياق من العكس، وتأمل ذلك في قوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (البقرة 8). وقوله سبحانه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً (الأنعام 25)، فإن هذا الأسلوب حديثا عن كل فرد من أفراد هذا المجموع أولا، ثم حديثا عنه في جماعة ثانيا.
وقد لا تجد في الآية مرجعا للضمير، ولكنك تحس بوضوح معناه أيما وضوح، لدلالة المقام على هذا المرجع، ومن ذلك قوله سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (الرحمن 26)، فالضمير في عليها يعود إلى الأرض، من غير أن يجرى لها ذكر، ولكنك لا تجد حرجا ولا مشقة في إدراك معناه.
وقد يضع القرآن الاسم الظاهر موضع الضمير، لأمور تلمسها في كل مكان حدث فيه هذا الوضع، وتأمل قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت 19، 20). فوضع الله مكان ضميره لأن هذا الاسم يوحى بالجلال، المؤذن بيسر بدء الخلق عليه، وقدرته على إنشاء النشأة الآخرة.
وقوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها
(التوبة 25، 26). ففي إظهار المؤمنين بدل أن يقول ثمّ أنزل الله سكينته عليكم، إظهار لمن ثبت منهم في مظهر من يستحق اسم المؤمن الحقيقى.
وقوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (سبأ 43). فأظهر الذين كفروا بدل الإتيان بضمير يعود عليهم، لما في ذلك من إبرازهم متعنتين جاحدين، لا يرعون ما يجب أن يكون للحق، من حسن القبول والرضا به، والاطمئنان إليه، وفي ذلك تشنيع عليهم، وتصوير لمدى ضلالهم ومكابرتهم، وعلى هذا المنهج جاء قوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (ص 1 - 4). وهو بذلك يشير إلى أن هذا القول لا يكون إلا من كافر يخفى الحق ولا يقربه.
ومما استخدمه القرآن ضمير الشأن أو القصة، وهو ضمير لا مرجع له، تسمعه النفس فتتهيأ لسماع ما يأتى بعده، لأن الأسلوب العربى لا يأتى بهذا الضمير إلا في المواطن التى يكون فيها أمر مهم، تراد العناية به، فيكون هذا الضمير أداة للتنبيه، يدفع المرء إلى الإصغاء، فإذا وردت الجملة بعده استقرت في النفس واطمأن إليها الفؤاد.
واستمع إلى قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص 1). أو لا ترى الشوق يحفز السامع عند ما يصغى إلى هذا الضمير- إلى أن يدرك ما يراد به، فإذا وردت الجملة ثبتت في النفس، وقرت في القلب.
وقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج 46).
تجد للضمير هنا من الإثارة وتثبيت المعنى، ما يبين عن فضل هذا الضمير، وما يمنحه الأسلوب من قوة وحسن بيان.
ويستخدم القرآن العلم ولم يستخدم الكنية إلا في قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (المسد 1)، وفي اختيار هذه الكنية من الذم، ما ليس في الاسم، وهذا هو السر في اختيارها، وقل استخدامه كذلك للقب، ومنه استخدام إسرائيل، لقب يعقوب، ومعناه عبد الله، وقيل صفوة الله، ولم تخاطب اليهود في القرآن إلا ب «يا بنى إسرائيل» . ومنه المسيح، لقب لعيسى، قيل معناه الصديق، وقيل الذى لا يمسح ذا عاهة إلا برئ .
ويأتى اسم الإشارة للقرب في القرآن، مؤذنا بقربه، قربا لا يحول دون الانتفاع به، ومن هنا أوثر هذا النوع من أسماء الإشارة، فى قوله سبحانه: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (الإسراء 9)، أو لا ترى أن المقام هنا مقام حديث عن هاد، يقود إلى أقوم الطرق، ولأن يكون هذا الهادى قريبا أنجح لرسالته، وأقطع لعذر من ينصرف عن الاسترشاد بهديه، بينما استخدم اسم الإشارة للبعيد، مشيرا إلى القرآن نفسه عند ما تحدث عن بعده عن الريب، فكان الحديث عنه باسم الإشارة البعيد، أنسب في الدلالة على ذلك. ويستخدم اسم الإشارة للقريب تنبيها على ضعة المشار إليه، كما في قوله تعالى: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (الأنبياء 36)، وقوله سبحانه: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (الفرقان 41)، وكأن في اسم الإشارة للقريب، ما يشير إلى أن هذا الشخص القريب منا، والذى نعلم من أموره ما نعلم، لا تقبل منه دعوى الرسالة، ولا يليق به أن يذكر آلهتنا بسوء.
ويستخدم اسم الإشارة للبعيد أحيانا ليدل على ارتفاع مكانته، وبعده عن أن يكون موضع الأمل والرجاء، كما في قوله سبحانه، على لسان امرأة العزيز: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (يوسف 32)، أو ليدل على ما يجب أن يكون عليه من بعد في المكان والمنزلة، ولعل من ذلك قوله تعالى: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران 175).
وفي اسم الإشارة لون من الإيجاز والتنبيه معا، عند ما يشير إلى موصوف بصفات عدة، فينبنى الحكم على هذه الصفات، كما في قوله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال 2 - 4).
ويأتى القرآن بالاسم الموصول، عند ما تكون صلته هى التى عليها مدار الحكم، كما في قوله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا
(النساء 122). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (آل عمران 91).
والمجيء باسم الموصول، فضلا عما ذكرناه، يثير في النفس الشوق إلى معرفة الخبر، وقد تكون الصلة نفسها ممهدة لهذا الخبر ودالة عليه، واقرأ قوله تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التوبة 20 - 22). أو لا ترى في الصلة ما يوحى إليك بأنه قد أعد لهم خير عظيم، يناسب إيمانهم وهجرتهم، وجهادهم بأموالهم وأنفسهم.
ومن خصائص اسم الموصول استطاعته أن يخفى تحته اسم المذنب، وفي ذلك من الرجاء في هدايته، ما ليس في إفشاء اسمه وفضيحته، وتأمل قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (الحج 8)، وقوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ (العنكبوت 10)، وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (لقمان 6).
ففي هذا وغيره ذم لمن يتصف بذلك، ودعوة له في صمت إلى الإقلاع والكف، ومن ذلك قوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (البقرة 204). وجاء قوله تعالى بعده: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (البقرة 207). ليكون في مقابلته، حتى تكون الموازنة قوية جلية، تدفع إلى العمل الصالح ابتغاء مرضاة الله.
وقد يعدل القرآن عن العلم إلى الاسم الموصول، إذا كان فيه زيادة تقرير لأمر يريده القرآن، كما في قوله تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ (يوسف 23).
ألا ترى في ذكر اسم الموصول زيادة تقرير لعفته، فهو في بيتها، ووسائل إغرائه موفورة عندها، وهو تحت سلطانها، ولن تفهم هذه المعانى إذا جاء باسمها.
ويستخدم اسم الموصول كذلك، لإظهار أن الأمر لا يستطاع تحديده بوصف، مهما بولغ فيه، تلمس ذلك في قوله تعالى: قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (الشعراء 18، 19). وقوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (طه 78). وفي ذلك ترك للخيال يسبح ليكمل الصورة ويرسمها.
ويستخدم القرآن التعريف بأل، فتكون للعهد حينا، وللجنس حينا آخر، ومن أجمل مواقعها فيه أن تستخدم لاستغراق خصائص الجنس، كما في قوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة 2). فكأنه قال ذلك هو الكتاب المستكمل لخصائص جنسه، فهو الكتاب الكامل.
وتأتى الإضافة في القرآن أحيانا لتعظيم المضاف كقوله تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (النمل 88). أو تحقيره كما في قوله سبحانه:
أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (المجادلة 19).
وقد يعدل عن الإضافة، حيث يبدو في ظاهر الأمر أن المقام لها، كما في قوله سبحانه على لسان إبراهيم لأبيه: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (مريم 45). فالعدول عن إضافة العذاب إلى الرحمن لعدم التجانس بينهما، فالمناسب للعذاب أن يضاف إلى الجبار، أو المنتقم مثلا، لا إلى مصدر النعم، أما السر في وصف العذاب بأنه من الرحمن، فالإشارة إلى أن العذاب إنما كان، لأنه كفر بمن كان مصدرا للنعمة، ولم يقم بواجب شكره. 

الْأَشْيَاء

الْأَشْيَاء: جمع شَيْء أَو اسْم جمع وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن فِي أَشْيَاء مذهبين الْأَصَح أَنه منصرف جمع شَيْء على وزن أَفعَال وَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنه غير منصرف فَلَزِمَهُ منع الصّرْف بِغَيْر عِلّة فاضطر إِلَى إِحْدَاث الْعلَّة فَقَالَ إِنَّه على وزن فعلاء يَعْنِي كَانَ فِي الأَصْل شَيْئا، على وزن حَــمْرَاء فجيء لَام الْكَلِمَة أَعنِي الْهمزَة الأولى فِي أَولهَا فَصَارَ أَشْيَاء. فأشياء على هَذَا التَّقْدِير اسْم مؤنث فِي آخِره ألف ممدودة قَائِمَة مقَام علتين لَا جمع بل اسْم جمع فَافْهَم واحفظ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.