Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: كنى

هَنَنَ

(هَنَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي الأحْوص الجُشَميِّ «فتَجْدَع هَذِهِ وَتَقُولُ: صَرْبَى، وتَهُنُّ هَذِهِ وَتَقُولُ: بَحيرة» الْهَنُ والْهَنُّ، بالتَّخفيف وَالتَّشْدِيدِ: كِنَايَةٌ عَنِ الشَّيْءِ لَا تَذْكُره باسْمِه، تَقول:
أتانِي هَنٌ وهَنَةٌ، مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا، وهَنَنْتُهُ أَهُنُّهُ هَنّاً، إِذَا أصَبْتَ مِنْهُ هَناً. يُرِيدُ أَنَّكَ تشُقُّ أُذُنَها أَوْ تُصِيبُ شَيْئًا مِنْ أعضائِها.
قَالَ الْهَرَوِيُّ: عَرَضْتً ذَلِكَ عَلَى الْأَزْهَرِيِّ فأنْكَره. وَقَالَ: إِنَّمَا هُو «وتَهِنُ هَذِهِ» : أَيْ تُضْعِفُه. يُقَالُ: وَهَنْتُهُ أَهِنُهُ وَهْناً فَهُوَ مَوْهُونٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَنِي» يَعْنِي الفَرْجَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن تَعزَّى بعَزَاء الجاهِليَّة فأعِضُّوه بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» أَيْ قُولوا لَهُ: عَضَّ أيْرَ أبيكَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَة غَيرَ أَنِّي لا أكْني» يَعْني أنه أفْصَحَ باسْمِه؛ فيكُون قَدْ قَالَ: أَيْرٌ مثْلُ الخَشَبَة، فلمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْكِيَ كَنَى عَنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وذَكَر لَيْلَة الجِنِّ فَقَالَ «ثُمَّ إِنَّ هَنِيناً أتَوْا عَلَيْهِمْ ثِيابٌ بِيضٌ طِوالٌ» هَكَذَا جَاءَ فِي «مُسْنَد أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ» فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ حديثِه مضْبُوطا مُقيَّدا، وَلَمْ أجِدْه مشْروحاً فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُب الغرِيب، إِلَّا أنَّ أَبَا مُوسَى ذَكَر فِي غَرِيبه عَقيبَ أَحَادِيثِ الهَنِ والهَنَاة :
[س] وَفِي حَدِيثِ الجِنّ «فَإِذَا هُوَ بهَنِينٍ كأنَّهم الزُّطُّ» ثُمَّ قَالَ: جَمْعُهُ جَمْعَ السَّلامة، مِثْل كُرَةٍ وكُرِين، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْكِنَايَةَ عَنْ أشخاصِهِم.

وَكَا

(وَكَا)
(س) فِي حَدِيثِ اللُّقَطة «اعرِفْ وِكَاءَهَا وعِفاصَها» الْوِكَاءُ: الخَيْط الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الصُّرَّة والكِيسُ، وَغَيْرُهُمَا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «العَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ» جَعل اليَقَظَة للاسْتِ كالوِكاء للقِرْبة، كَمَا أَنَّ الوِكاء يَمْنعُ مَا فِي القِرْبة أَنْ يَخْرُج، كَذَلِكَ اليَقظَة تَمْنَع الاسْتَ أَنْ تُحْدِث إِلَّا باخْتيار. والسَّهُ:
حَلْقَةُ الدُّبُر. وكَنَى بالعَين عَنِ اليقَظَة، لِأَنَّ النَّائِمَ لَا عَيْنَ لَه تُبْصِرُ.
(س) وَفِيهِ «أَوْكُوا الأسْقِيَة» أَيْ شُدُّوا رُؤوسَها بالوِكاء، لِئلا يَدْخُلَها حيوانٌ، أو يَسْقُطَ فِيهَا شَيء. يُقَالُ: أَوْكَيْتُ السِّقاء أُوكِيهِ إِيكَاءً فَهُوَ مُوكًى.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَهى عَنِ الدُّبَّاء والمُزَفَّت، وَعَلَيْكُمْ بِالْمُوكَى» أَيِ السِّقاء المَشْدُودِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ السِّقاءَ المُوكَى قَلَّما يغفُل عَنْهُ صاحبُه لِئَلَّا يَشْتَدَّ فِيهِ الشَّراب فينَشَقّ، فَهُوَ يَتَعَهَّدُهُ كَثِيرًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ «قَالَ لَهَا: أعْطِي وَلَا تُوكِي فَيُوكَى عليكِ» أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَتَشُدِّي مَا عِنْدَك وتَمْنَعي مَا فِي يَدَيْك فتَنْقَطِعَ مادَّةُ الرِّزق عَنْك.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَير «أَنَّهُ كَانَ يُوكِي بَيْنَ الصَّفا والمروةِ سَعْياً» أَيْ لَا يَتَكلَّم، كَأَنَّهُ أوْكَى فاهُ فَلَمْ ينْطِق.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : الإِيكَاء فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَكُونُ بِمَعْنَى السَّعْي الشَّديد. واسْتَدلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ الزُّبَير. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي يَشْتَدُّ عَدْوُهُ: مُوكٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلأ مَا بَيْنَ خَوَى رِجْلَيْهِ، وأَوْكَى عليه.

وَرَا

(وَرَا)
(هـ) فِيهِ «كانَ إِذَا أرادَ سَفَراً وَرَّى بِغَيْرِهِ» أَيْ سَتَره وكَنَى عَنْهُ، وأوْهَم أَنَّهُ يُريد غَيْره. وأصلُه مِنَ الْوَرَاءِ: أَيْ ألْقَى البَيَانَ وراءَ ظَهْره.
وَفِيهِ «لَيْسَ وَرَاءَ اللَّه مَرْمىً» أَيْ لَيْسَ بَعْدَ اللَّه لِطَالبٍ مَطْلَبٌ، فَإِلَيْهِ انتِهت العُقُول وَوَقَفَت، فَلَيس وَرَاءَ مَعْرفته وَالْإِيمَانِ بِهِ غايةٌ تُقْصَد. والمَرْمَى: الغَرضُ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ سَهْم الرَّامي. قال النابغة : وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلمَرْءِ مَذْهَبُ
وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ «يَقُول إِبْرَاهِيمُ: إنِّي كُنْتُ خَلِيلًا مِن وَرَاءَ وَرَاءَ» هَكَذَا يُرْوَى مَبْنِيّاً عَلَى الْفَتْحِ: أَيْ مِنْ خَلْفِ حِجاب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَعْقِل «أَنَّهُ حَدَّث ابْنَ زِياد بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: أشَيْءٌ سمعْتُه مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ وَرَاءَ وراءَ؟» أَيْ مِمَّن جَاءَ خَلْفَه وبَعْدَه.
وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيّ «أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ رَأَى مَعَهُ صَبِيَّاً: هَذَا ابْنُك؟ قَالَ: ابنُ ابْنِي. قَالَ:
هُوَ ابْنُكَ مِنَ الوَراء» يُقَالُ لِوَلَدِ الوَلَد: الْوَرَاءُ.
(هـ) وَفِيهِ «لأَنْ يَمْتلىءَ جَوْفُ أحدِكم قَيْحاً حَتَّى يَرِيَه خَيْرٌ لَه من أن يَمْتَلِيءَ شِعْرا» هُو مِنَ الْوَرْي: الدَّاءِ؛ يُقَالُ: وُرِيَ يُورَى فهُو مَوْرِيٌّ، إِذَا أَصَابَ جَوْفَه الدَّاءُ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْوَرْيُ، مثَال الرَّمْي: دَاء يُداخل الجَوف. يُقَالُ: رَجُلٌ مَوْرِيٌّ، غَير مَهْمُوزٍ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُو الْوَرَى، بِفَتْحِ الرَّاءِ.
وَقَالَ ثَعْلب: هُوَ بالسُّكون: المَصْدَرُ، وبالفَتْح: الِاسْمُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «وَرَى القيحُ جَوْفَهُ يَرِيَهُ وَرْياً: أكَلَه» .
وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ: حَتَّى يُصيبَ رِئتَه. وأنْكَره غَيْرُهُم؛ لِأَنَّ الرِّئةَ مَهْمُوزَةٌ، وَإِذَا بَنَيْتَ مِنْهُ فِعْلا قُلتَ: رَآه يَرْآه فَهُوَ مَرْئيٌّ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إِنَّ الرِّئَةَ أصْلُها مِنْ وَرَى، وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ مِنْهُ. يُقَالُ: وَرَيْتُ الرجُلَ فَهُوَ مَوْرِيٌّ، إِذَا أصَبْتَ رئتَه. وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّئَةِ الهَمْزُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ «نَفَخْتَ فَأَوْرَيْتَ» يُقَالُ: وَرَى»
الزَّنْدُ يَرِي، إذا خَرَجَتْ نارُه، وأَوْرَاهُ غَيْرُهُ، إِذَا اسْتَخْرج نارَه. والزَّنْد: الوَارِي الَّذِي تَظْهر نارُه سَرِيعَةً.
قَالَ الْحَرْبِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يقولَ: قدَحْتَ فَأَوْرَيْتَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقابِس» أَيْ أظْهَر نُوراً مِنَ الْحَقِّ لِطَالِبِ الهُدَى.
(س) وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ أصْبَهان «تَبْعَث إِلَى أَهْلِ البَصْرة فَيُوَرُّوا» هُو مِن وَرَّيْتُ النارَ تَوْرِيَةً، إِذَا اسْتَخْرَجْتَها. واسْتَوْرَيْتُ فُلانا رَأياً: سَألتُه أَنْ يَسْتَخْرِجَ لِي رَأْيًا.
ويَحتَمل أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّوْرِيَةِ عَنِ الشَّيْءِ، وَهُوَ الْكِنَايَةُ عَنْهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أنَّ امْرَاةً شَكَت إِلَيْهِ كُدُوحاً فِي ذِراعَيْها مِنِ احْتِراش الضِّبَاب، فَقَالَ: لَوْ أخَذْت الضَّبَّ فَورَّيْتِه، ثُمَّ دَعَوْتِ بِمِكْتَفَةٍ فَأَمَلْتِهِ كَانَ أشْبَعَ» وَرَّيْتِه: أَيْ رَوَّغْتِه فِي الدُّهْن والدَّسَم، مِنْ قَوْلِكَ: لَحْمٌ وَارٍ: أيْ سَمين.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّدقَة «وَفِي الشَّوِيِّ الْوَرِيِّ مُسِنَّة» فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِلٍ.

القَعَسُ

القَعَسُ، محركةً: خُروجُ الصّدْرِ ودُخولُ الظّهْرِ، ضدُّ الحَدَبِ، وهو أقْعَسُ وقَعِسٌ.
والأَقْعَسُ من الخَيْلِ: المُطْمَئِنُّ الصّهْوَة، المُرْتَفِعُ القَطاةِ،
وـ من الإِبِلِ: المائلُ الرأسِ والعنقِ والظّهْرِ،
وـ من الليالي: الطويلَةُ، وجبلٌ بِدِيارِ رَبيعةَ، يُــكَنَّى ذا الهَضَباتِ، والرجلُ المنيعُ، والثابتُ من العِزِّ، ونَخْلٌ، وأرضٌ باليمامة.
والأَقْعَسانِ: الأَقْعَسُ وهُبَيْرَةُ ابنا ضَمْضَمٍ. والأَقْعَسُ ومُقاعِسٌ: ابنا ضَمْرَةَ بن ضَمْرَةَ.
والقَعْساءُ: تأنيثُ الأَقْعَسِ،
وـ من النّمْلِ: الرافِعَةُ صَدْرَها وذَنَبَها، وفرسُ مُعاذٍ النّهْدِيِّ.
والقَعْوَسُ، كجَرْوَلٍ: الشيخُ الكبيرُ. وككتابٍ: جبلٌ. وكغُرابٍ: داءٌ في الغَنَمِ من كَثْرَةِ الأكْلِ، تَموتُ منه.
وكسَلْمانَ: ع.
والقَوْعَسُ: الغليظُ العنقِ، الشديدُ الظّهْرِ من كُلِّ شيءٍ.
والقَعْسُ: التُّرابُ المُنْتِنُ.
والقُعْسوسُ، كعُصْفورٍ: لَقَبٌ للمرأةِ الدّميمَة. وقُعَيْسيسٌ: اسمٌ.
والإِقْعاسُ: الغِنَى، والإِكْثارُ.
وتَقَاعَسَ: تأخّرَ،
وـ الفرسُ: لم يَنْقَدْ لِقائِدِه.
واقْعَنْسَسَ: تأخّرَ، ورَجَعَ إلى خَلْفٍ.
والمُقْعَنْسِسُ: الشديدُ، تَصْغيرُهُ: مُقَيْعسٌ،
أو مُقَيْعِيسٌ، أو قُعَيْسٌ
ج: مَقاعِسُ ومَقَاعيسُ.
ومُقاعِسٌ، بالضم: أبو حَيّ من تَميمٍ، لأنه تأخّرَ عن حِلْفٍ كانَ بينَ قَوْمِهِ.
وتَقَعْوَسَ الشيخُ: كَبِرَ،
وـ البيتُ: تَهَدّمَ.

بَعْضُ

بَعْضُ: اسم يقع على الذكر والأنثى فيكون لفظه موحداً لا يتغير عن صورته. ولك فيما تــكنى به عنه أن تتركه موحداً مذكراً على اللفظ؛ فتقول: بعضهم قال، يعني رجلين ورجالاً وامرأة وامرأتين وجماعة نساء. ولك أن تظهر المعنى فتثنى وتجمع وتؤنث؛ فتقول: بعضهم قال وقالا وقالوا، وبعضهن قالت وقالتا وقلن.
بَعْضُ كُلِّ شيءٍ: طائفةٌ منه
ج: أبْعاضٌ، ولا تَدْخُلُهُ اللامُ، خِلافاً لابنِ دَرَسْتَوَيْهِ. أبو حاتِمٍ: اسْتَعْمَلَها سِيبَوَيْهِ والأخْفَشُ في كتابَيْهما، لقِلَّةِ عِلْمِهِما بهذا النَّحْوِ.
والبَعوضَةُ: البَقَّةُ
ج: بعوضٌ، وماءٌ لبنِي أسَدٍ.
وبُعِضوا، بالضم: آذاهُمْ.
ولَيْلَةٌ بَعِضَةٌ ومَبْعُوضَةٌ،
وأرْضٌ بَعِضَةٌ: كثيرتُهُ.
وأبْعَضُوا: صارَ في أرْضِهِم البعوضُ.
وكَلَّفَنِي مُخَّ البَعوضِ، أي: ما لا يكونُ.
والبُعْضوضَةُ، بالضم: دُوَيبَّةٌ كالخُنْفَساءِ.
والغِرْبانُ تَتَبَعْضَضُ: يَتَناوَلُ بعضُها بعضاً.
وبَعَّضْتُه تَبْعيضاً: جَزَّأْتُهُ،
فَتَبَعَّضَ: تَجَزَّأَ.

نَفَجَ

نَفَجَ الأَرْنَبُ: ثارَ،
وـ الفَرُّوجَةُ: خَرَجَتْ من بَيْضَتِها،
وـ الثَّدْيُ القَميصِ: رَفَعَه،
وـ الرِّيحُ: جاءَتْ بقُوَّةٍ.
والنَّفَّاجُ: المُتَكَبِّرُ،
كالمُنْتَفِخِ. وكسِكِّيتٍ: الأَجْنَبِيُّ يَدْخُلُ بين القومِ ويُصْلِحُ، أو الذي يَعْتَرِضُ لا يُصْلِحُ ولا يُفْسِدُ، ج: نُفُجٌ.
والنافِجَةُ: السَّحابَةُ الكَثيرةُ المَطَرِ، ومُؤَخَّرُ الضُّلوعِ، والبِنْتُ لأنَّها تُعَظِّمُ مالَ أبيها بِمَهْرِها، وَوِعاءُ المِسْكِ مُعَرَّبٌ، والرِّيحُ تَبْدَأُ بِشِدَّة.
والنَّفيجَةُ، كسَفينةٍ: القَوْسُ.
والنِّفاجَةُ، بالكسر: رُقْعَةٌ مُرَبَّعَةٌ تَحْتَ الكُمِّ. وكَرُمَّانَةٍ وصُبْرَةٍ: (رُقْعَةُ) الدِّخْريصِ.
والنُّفُجُ، بضمتين: الثُّقَلاءُ.
والتَّنافِيجُ: الدَّخاريصُ.
والإِنْفاجُ: إبانَةُ الإِناءِ عن الضَّرْعِ عِندَ الحَلْبِ.
والأَنْفَجانِيُّ، كأَنْبَجانِيٍّ: المُفْرِطُ فيما يقولُ.
والمَنافجُ: العُظَّاماتُ.
وامرأةٌ نُفُجُ الحَقيبةِ: ضَخْمَةُ الأَرْدافِ والمَآكِمِ.
وصَوْتٌ نافِجٌ: غَلِيظٌ جافٍ.
وتَنَفَّجَ: افْتَخر بأكثرَ مما عِندَه.
وما الذي اسْتَنْفَجَ غَضَبَكَ؟: أظَهَرَهُ وأخْرَجَهُ.
(نَفَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ قَيْلة «فَانْتَفَجَتْ مِنْهُ الأرنَبُ» أَيْ وَثَبَتْ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَأَنْفَجْنَا أَرنبا» أَيْ أثَرْناها.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ ذكَر فِتْنَتَين فَقَالَ: مَا الْأُولَى عِنْدَ الْآخِرَةِ إِلَّا كَنَفْجَةِ أرْنَبٍ» أَيْ كَوَثْبَتِه مِنْ مَجْثَمِه، يُرِيدُ تَقْليلَ مُدَّتِهَا. (هـ) وَفِي حَدِيثِ المُسْتَضْعَفِين بِمَكَّةَ «فَنَفَجَتْ بِهِمُ الطَّرِيقُ» أَيْ رَمَت بِهِمْ فَجأةً، ونَفَجَتِ الرِّيحُ، إِذَا جَاءَتْ بَغْتة.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «انْتِفَاج الأهِلّة» رُوِي بِالْجِيمِ، مِنِ انْتَفَجَ جَنْبَا البعيِر، إِذَا ارْتَفعا وعَظُمَا خِلْقةً. ونَفَجْتُ الشَّيْءَ فانْتَفَج: أَيْ رَفَعْتُه وعَظَّمْتُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «نَافِجاً حِضْنَيْهِ» كَنَى بِهِ عَنِ التَّعاظُم والتَّكَبُّر والخُيَلاء.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «إنَّ هَذَا البَجْبَاجَ النَّفَّاجَ لَا يَدْري مَا اللَّهُ» النَّفَّاجُ: الَّذِي يَتَمَدّح بِمَا لَيْسَ فِيهِ، مِنَ الِانْتِفَاجُ: الارْتِفاع.
(هـ) وَفِي صِفَةِ الزُّبير «كَانَ نُفُجَ الحَقِيبة» أَيْ عَظَيم العَجُز، وَهُوَ بِضَمِّ النُّون وَالْفَاءِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «إِنَّهُ كَانَ يَحْلُب لأهْلِه فيقُول: أُنْفِجُ أَمْ أُلْبِدُ؟» الْإِنْفَاجُ:
إبانَة الْإِنَاءِ عَنِ الضَّرْع عِنْدَ الحَلْب حَتَّى تَعْلُوه الرَّغْوة، والإلْباد: إلصاقُه بالضَّرْع حَتَّى لَا تَكُونَ لَهُ رَغْوة.

واسِطٌ

واسِطٌ:
في عدة مواضع: نبدأ أولا بواسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ثم نتبعها الباقي، فأوّل ما نذكر لم سميت واسطا ولم صرفت: فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا، لا قول فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمّى واسط قصب، فلما عمّر الحجاج مدينته سمّاها باسمها، والله أعلم، قال المنجمون: طول واسط إحدى وسبعون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الثالث، قال أبو حاتم:
واسط التي بنجد والجزيرة يصرف ولا يصرف، وأما واسط البلد المعروف فمذكّر لأنهم أرادوا بلدا واسطا أو مكانا واسطا فهو منصرف على كل حال والدليل على ذلك قولهم واسطا بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا واسط، قالوا: وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه، وأنشد سيبويه في ترك الصرف:
منهنّ أيام صدق قد عرفت بها ... أيام واسط والأيام من هجرا
ولقائل أن يقول: إنه لم يرد واسط هذه، فيرجع إلى
ما قاله أبو حاتم، قال الأسود: وأخبرني أبو النّدى قال: إن للعرب سبعة أواسط: واسط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير حيث قال:
عفا واسط كلّاؤه فمحاضره ... إلى حيث نهيا سيله فصدائره
وواسط الحجاز، وهو الذي ذكره كثيّر فقال:
أجدّوا فأما أهل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
وواسط الجزيرة، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرّباب خيالا؟
وقال أيضا:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل ... فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل
وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى، وواسط العراق، قال: وقد نسيت اثنين، وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح ومن الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب، وقال يحيى بن مهدي بن كلال: شرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84 وفرغ منها في سنة 86 فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان، ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسمّيتها واسطا، فلذلك سمّي أهل واسط الكرشيّين، وقال الأصمعي: وجّه الحجاج الأطبّاء ليختاروا له موضعا حتى يبني فيه مدينة فذهبوا يطلبون ما بين عين التمر إلى البحر وجوّلوا العراق ورجعوا وقالوا: ما أصبنا مكانا أوفق من موضعك هذا في خفوف الريح وأنف البرّيّة، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر وحفر بها نهر الصين وجمع له الفعلة ثم بدا له فعمّر واسطا ثم نزل واحتفر النيل والزاب وسمّاه زابا لأخذه من الزاب القديم وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ومصر مدينة النيل، وقال قوم: إن الحجاج لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجل ممن يثق بعقله:
امض وابتغ لي موضعا في كرش من الأرض أبني فيه مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بيسير يقال لها واسط القصب فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها واستمرأ طعامها وشرابها فقال: كم بين هذا الموضع والكوفة؟ فقيل له: أربعون فرسخا، قال: فإلى المدائن؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فإلى الأهواز؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فللبصرة؟
قالوا: أربعون فرسخا، قال: هذا موضع متوسط، فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب إليه: اشتر لي موضعا ابني فيه مدينة، وكان موضع واسط لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه بالموضع فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير، فقال: لم؟ فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه، قال: وما هي؟ قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يثبت فيها، وهي شديدة الحرّ والسموم وإن الطائر لا يطير في الجوّ إلا ويسقط لشدّة الحر ميتا، وهي بلاد أعمار أهلها قليلة، قال: فكتب بذلك إلى الحجاج، فقال: هذا رجل يكره مجاورتنا فأعلمه أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعذو وتطيب، وأما
قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا، وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا، وأعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي ذمامه بإحساننا إليه، قال: فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة 83 واستتمه في سنة 86 ومات في سنة 95.
وحدّث عليّ بن حرب الموصلي عن أبي البختري وهب عن عمرو بن كعب بن الحارث الحارثي قال:
سمعت خالي يحيى بن الموفق يحدث عن مسعدة بن صدقة العبدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا سماك بن حرب قال: استعملني الحجاج بن يوسف على ناحية بادوريا، فبينما أنا يوما على شاطئ دجلة ومعي صاحب لي إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي، فقلت: ما تشاء؟ فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا، ليقتلنّ فيها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثم أقحم فرسه في دجلة حتى غاب في الماء، فلما كان من قابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل على فرس فصاح بي كما صاح في المرّة الأولى وقال كما قال وزاد: سيقتل من حولها ما يستقلّ الحصى لعددهم، ثم أقحم فرسه في الماء حتى غاب، قال: وكانوا يرون أنها واسط وما قتل الحجاج فيها، وقيل إنه أحصي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا تبعة ولا دين وأحصي من قتله صبرا فبلغوا مائة وعشرين ألفا، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الزند ورد والدّوقرة ودير ماسرجيس وسرابيط فضجّ أهل هذه المدن وقالوا:
قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم، قالوا: وأنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه، قال: فما نصنع؟
قال: الحروب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف درهم، قال: ولما فرغ منه وسكنه أعجبه إعجابا شديدا، فبينما هم ذات يوم في مجلسه إذ أتاه بعض خدمه فأخبره أن جارية من جواريه وقد كان مائلا إليها قد أصابها لمم فغمّه ذلك ووجّه إلى الكوفة في إشخاص عبد الله بن هلال الذي يقال له صديق إبليس، فلما قدم عليه أخبره بذلك فقال: أنا أحل السحر عنها، فقال له: افعل، فلما زال ما كان بها قال الحجاج: ويحك إني أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا! فقال له: أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى ما تكرهه، فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة فقال: أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه ما تكرهه أبدا، فقال الحجاج له: يا ابن هلال وما علامة ذلك؟ قال:
أن يأمر الأمير برجل من أصحابه بعد آخر من أشداء أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فليجهدوا أن يستقلوا بها من الأرض فإنهم لا يقدرون، فأمر الحجاج محضره بذلك فكان كما قال ابن هلال، وكان بين يدي الحجاج مخصرة فوضعها في عروة القلة ثم قال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة فوضعها ثم فكّر منكّسا رأسه ساعة ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال له: خذ قلتك والحق بأهلك، قال: ولم؟ قال:
إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله غيري ويختفر محتفر فيجد هذه القلة فيقول لعن الله الحجاج إنما كان
يبدأ أمره بالسحر، قال: فأخذها ولحق بأهله، قالوا: وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها وذرع مسجد الجامع مائتين في مائتين وصف الرحبة التي تلي صفّ الحدّادين ثلاثمائة في ثلاثمائة وذرع الرحبة التي تلي الجزّارين والحوض ثلاثمائة في مائة والرحبة التي تلي الإضمار مائتين في مائة، وكان محمد بن القاسم مقلد الهند والسند فأهدى إلى الحجاج فيلا فحمل من البطائح في سفينة فلما صار بواسط أخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل فسميت به إلى الساعة، ولما فرغ الحجاج من بناء واسط أمر بإخراج كل نبطيّ بها وقال: لا يدخلون مدينتي فإنهم مفسدة، فلما مات دخلوها عن قريب، وذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء فغضب وقال: إنما تذكرون المساوي، أوما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت يا حجاجاه فاتصل به ذلك فجعل يقول:
لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخّن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط فكانت قزوين ثغرا حينئذ. وأما قولهم تغافل واسطيّ قال المبرّد: سألت الثوري عنه فقال: إن الحجاج لما بناها قال: بنيت مدينة في كرش من الأرض، كما قدمنا، فسمي أهلها الكرشيّين، فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا يا كرشيّ فتغافل عن ذلك ويري أنه لا يسمع أو أن الخطاب ليس معه، ولقد جاءني بخوارزم أحد أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي:
قد أطلت السؤال عنه والتفتيش عن معنى قولهم: تغافل واسطي، فلم أظفر به، ولم يكن لي في ذلك الوقت به علم حتى وجدته بعد ذلك فأخبرته ثم وضعته أنا ههنا، ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيل يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجا بدرهم والسمن اثنا عشر رطلا بدرهم والخبز أربعون رطلا بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة، وممن ينسب إليها خلف بن محمد بن علي ابن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ صاحب كتاب أطراف أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي والحسين بن أحمد المديني وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وأنشدني التنوخي للفضل الرقاشي يقول:
تركت عيادتي ونسيت برّي، ... وقدما كنت بي برّا حفيّا
فما هذا التغافل يا ابن عيسى؟ ... أظنّك صرت بعدي واسطيّا
وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن الواسطي التاجر قال:
أنشدني أبو شجاع بن دوّاس القنا لنفسه:
يا ربّ يوم مرّ بي في واسط ... جمع المسرة ليله ونهاره
مع أغيد خنث الدلال مهفهف ... قد كاد يقطع خصره زنّاره
وقميص دجلة بالنسيم مفرّك ... كسر تجرّ ذيوله أقطاره
وأنشدني أيضا لأبي الفتح المانداني الواسطي:
عرّج على غربيّ واسط إنني ... دائي الدويّ بها وفرط سقامي
وطني وما قضّيت فيه لبانتي، ... ورحلت عنه وما قضيت مرامي
وقال بشار بن برد يهجو واسطا:
على واسط من ربها ألف لعنة، ... وتسعة آلاف على أهل واسط
أيلتمس المعروف من أهل واسط ... وواسط مأوى كلّ علج وساقط؟
نبيط وأعلاج وخوز تجمّعوا ... شرار عباد الله من كل غائط
وإني لأرجو أن أنال بشتمهم ... من الله أجرا مثل أجر المرابط
وقال غيره يهجوهم:
يا واسطيين اعلموا أنني ... بذمّكم دون الورى مولع
ما فيكم كلكم واحد ... يعطي ولا واحدة تمنع
وقال محمد بن الأجلّ هبة الله بن محمد بن الوزير أبي المعالي بن المطلب يلقب بالجرد يذكر واسطا:
لله واسط ما أشهى المقام بها ... إلى فؤادي وأحلاه إذا ذكرا!
لا عيب فيها، ولله الكمال، سوى ... أنّ النسيم بها يفسو إذا خطر!
وواسط أيضا: قرية متوسطة بين بطن مرّ ووادي نخلة ذات نخيل، قال لي صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار: كنت ببطن مرّ فرأيت نخلا عن بعد فسألت عنه فقيل لي هذه قرية يقال لها واسط، وقال بعض شعراء الأعراب يذكر واسطا في بلادهم:
ألا أيها الصّمد الذي كان مرّة ... تحلّل سقّيت الأهاضيب من صمد
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد ولا بعد
ومنزلتي دلقاء من بطن واسط ... ومن ذي سليل كيف حالكما بعدي
تتابع أمطار الربيع عليكما، ... أما لكما بالمالكية من عهد؟
وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ، قال إبراهيم ابن أحمد السراج: حدثنا محمد بن إبراهيم المستملي بحديث ذكره محمد بن محمد بن إبراهيم الواسطي واسط بلخ، قال أبو إسحاق المستملي في تاريخ بلخ:
نور بن محمد بن علي الواسطي واسط بلخ وبشير بن ميمون أبو صيفي من واسط بلخ عن عبيد المكتب وغيره حدث عنه قتيبة، وقال أبو عبيدة في شرح قول الأعشى:
في مجدل شيّد بنيانه ... يزلّ عنه ظفر الطائر
مجدل: حصن لبني السّمين من بني حنيفة يقال له واسط.
واسط أيضا: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط أيضا: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وإياها عنى الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل وواسط أيضا: بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال الحافظ أبو موسى: سمعت أبا عبد الله يحيى بن
أبي علي البنّاء ببغداد، حدثني القاضي أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن شاده الأصبهاني ثم الواسطي، واسط دجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، ومحمد بن عمر بن علي العطار الحربي ثم الواسطي واسط دجيل، روى عن محمد بن ناصر السلامي، روى عنه جماعة، منهم:
محمد بن عبد الغني بن نقطة.
واسط الرّقّة: كان أول من استحدثها هشام بن عبد الملك لما حفر الهنيّ والمريّ، قال أبو الفضل قال أبو علي صاحب تاريخ الرقة: سعيد بن أبي سعيد الواسطي واسم أبيه مسلمة بن ثابت خراسانيّ سكن واسط الرقة وكان شيخا صالحا، حدث أبوه مسلمة عن شريك وغيره، قال أبو علي:
سمعت الميمون يقول ذكروا أن الزهري لما قدم واسط الرقة عبر إليه سبعة من أهل الرقة، وذكر قصة، وواسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة، وقال أبو حاتم: واسط بالجزيرة فهي هذه أو التي بقرقيسيا أو غيرها، قال كثيّر عزة:
سألت حكيما أين شطّت بها النوى، ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم
أجدّوا، فأما آل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
فما للنوى؟ لا بارك الله في النوى! ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
شهدت لئن كان الفؤاد من النوى ... معنّى سقيما إنني لسقيم
فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة ... فإني لعمري تحت ذاك كليم
وما ظعنت طوعا ولكن أزالها ... زمان بنا بالصالحين غشوم
فوا حزني لمّا تفرّق واسط ... وأهل التي أهذي بها وأحوم!
قال محمد بن حبيب: واسط هذه بناحية الرقة، قاله في شرح ديوان كثير، وأنا أرى أنه أراد واسط التي بالحجاز أو بنجد بلا شك ولكن علينا أن ننقل عن الأئمة ما يقولونه، والله أعلم، وقال ابن السكيت في قول كثير أيضا:
فإذا غشيت لها ببرقة واسط ... فلوى لبينة منزلا أبكاني
قال واسط بين العذيبة والصفراء.
وواسط أيضا: من منازل بني قشير لبني أسيدة وهم بنو مالك بن سلمة بن قشير وأسيدة وحيدة من بني سعد بن زيد مناة، وبنو أسيدة يقولون هي عربية.
وواسط أيضا: بمكة، وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة قال: واسط قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب، قال: ويقال له واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة، قال:
وقال بعض المكيين بل تلك الناحية من بركة القسري إلى العقبة تسمى واسط المقيم، ووقف عبد المجيد بن أبي روّاد بأحمد بن ميسرة على واسط في طريق منى فقال له: هذا واسط الذي يقول فيه كثير عزّة:
... وأما واسط فمقيم وقد ذكر، وقال ابن إدريس قال الحميدي: واسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى، قاله في شرح قول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في قصيدته التي أولها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
ولم يتربّع واسطا وجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ محاصر
قال السهيلي في شرح السيرة قال الفاكهي: يقال إن أول من شهده وضرب فيه قبّة خالصة مولاة الخيزران.
وواسط أيضا: بالأندلس بليدة من أعمال قبرة، قال ابن بشكوال: أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي ينسب إلى واسط قبرة، سكن قرطبة، يــكنى أبا عمر، روى عن أبي محمد الأصيلي وكان يتولى القراءة عليه، حدث عنه أبو عبد الله بن ديباج ووصفه بالخير والصلاح، قال ابن حبّان: توفي الواسطي في جمادي الآخرة سنة 437 وكفّ بصره.
وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط في موضعها خرّبها الحجاج، وكانت واسط هذه تسمى واسط القصب، وقد ذكرتها مع واسط الحجاج، قال ابن الكلبي:
كان بالقرب من واسط موضع يسمى واسط القصب هي التي بناها الحجاج أولا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسماها واسطا بها.
وواسط أيضا: قرية قرب مطيراباذ قرب حلّة بني مزيد يقال لها واسط مرزاباذ، قال أبو الفضل: أنشدنا أبو عبد الله أحمد الواسطي، واسط هذه القرية، قال:
أنشدنا أبو النجم عيسى بن فاتك الواسطي من هذه القرية لنفسه من قصيدة يمدح بعض العمّال:
وما على قدره شكرت له، ... لكنّ شكري له على قدري
لأن شكري السّهى وأنعمه ال ... بدر، وأين السهى من البدر!
وواسط أيضا قال العمراني: واسط مواضع في بلاد بني تميم، وهي التي أرادها ذو الرمة بقوله:
غربيّ واسط نها ... ومجّت في الكثيب الأباطح [1]
وقال ابن دريد: واسط مواضع بنجد، ولعلها التي قبلها، والله أعلم.
وواسط أيضا: قرية في شرقي دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة.
وواسط أيضا: قرية بالفرج من نواحي الموصل بين مرق وعين الرّصد أو بين مرق والمجاهدية، فإني نسيت هذا المقدار.
وواسط أيضا: باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة التي خرج منها علي بن مهدي المستولي على اليمن.

مُرْكيش

مُرْكيش:
حصن من أعمال إشبيلية، عن ابن دحية:
حجاج بن محمد بن عبد الملك بن حجاج اللخمي المركيشي من أهل إشبيلية يــكنى أبا الوليد، له رحلة إلى المشرق روى فيها عن أبي الحسن القابسي والراودي والرادعي وكان له عناية بالحديث وعلومه، ومات في شعبان سنة 429 عن اثنتين وستين سنة، قاله ابن بشكوال.

مَكّادَةُ

مَكّادَةُ:
بفتح أوله، وتشديد ثانيه، وبعد الألف دال مهملة: مدينة بالأندلس من نواحي طليطلة هي الآن للأفرنج، قال ابن بشكوال: سعيد بن يمن بن محمد بن عدل بن رضا بن صالح بن عبد الجبار المرادي من أهل مكّادة يــكنّى أبا عثمان، روى عن وهب بن مسرّة وعبد الرحمن بن عيسى وغيرهما، وتوفي في ذي القعدة سنة 437، وأخوه محمد بن يمن ابن محمد بن عادل رحل إلى المشرق، روى عن الحسن ابن رشيق وعمرو بن المؤمّل وأبي محمد بن أبي زيد وغيرهم، وكان رجلا صالحا خطيبا بجامع مكادة، حدث عنه جماعة، ومات بعد سنة 450.

مَكَّةُ

مَكَّةُ:
بيت الله الحرام، قال بطليموس: طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثلاث وعشرون درجة، وقيل إحدى وعشرون، تحت نقطة السرطان، طالعها الثريّا، بيت حياتها الثور، وهي في الإقليم الثاني، أما اشتقاقها ففيه أقوال، قال أبو بكر بن الأنباري: سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم، ويقال إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا مصه مصّا شديدا، وسميت بكة لازدحام الناس بها، قاله أبو عبيدة وأنشد:
إذا الشريب أخذته أكّه ... فخلّه حتى يبكّ بكّه
ويقال: مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا:
ما هذا بضربة لازب ولازم، وقال أبو القاسم: هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أخر نذكرها لك، قال الشرقيّ بن القطاميّ: إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكّ فيه أي نصفر صفير المكّاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها، والمكّاء، بتشديد الكاف: طائر يأوي الرياض، قال أعرابيّ ورد الحضر فرأى مكّاء يصيح فحنّ إلى بلاده فقال:
ألا أيّها المكّاء ما لك ههنا ... ألاء ولا شيح فأين تبيض
فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب ... قرى الشام لا تصبح وأنت مريض
والمكاء، بتخفيف الكاف والمد: الصفير، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا، وقال قوم: سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء، قال الأعشى:
والمكاكيّ والصّحاف من الف ... ضّة والضامرات تحت الرحال
قال وأما قولهم: إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان: يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها، ويقال أيضا: سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم: امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا، وهذا قول أهل اللغة، وقال آخرون: سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه، وقال الشرقيّ: روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى، وقال آخرون: بكة موضع البيت وما حول البيت مكة، قال: وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري، وقال عبيد الله الفقير إليه: ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه، وقيل: إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا، وقيل: سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه، وينشد قول بعضهم:
يا مكة الفاجر مكي مكّا، ... ولا تمكّي مذحجا وعكّا
وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال: بكة موضع البيت وموضع القرية مكة، وقيل: إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله، وقال زيد بن أسلم: بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح، ولها أسماء غير ذلك، وهي: مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر، والمقدسة والناسّة والباسّة، بالباء الموحدة، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم:
وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب
وسماها الله تعالى أم القرى فقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، وقال تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد، وقال تعالى: وليطّوّفوا بالبيت العتيق، وقال تعالى: جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ، 5: 97 وقال تعالى على لسان إبراهيم، عليه السّلام:
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، 14: 35 وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم، عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ 14: 37 (الآية) ، ولما خرج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من مكة وقف على الحزورة قال: إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت، وقالت عائشة، رضي الله عنها: لولا الهجرة لسكنت مكة فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة، وقال ابن أم مكتوم وهو آخذ بزمام ناقة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو يطوف:
يا حبّذا مكة من وادي، ... أرض بها أهلي وعوّادي
أرض بها ترسخ أوتادي، ... أرض بها أمشي بلا هادي
ولما قدم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرئ مصبّح في أهله، ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بفخّ وعندي إذخر وجليل؟
وهل أردن يوما مياه مجنّة، ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة! ووقف رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عام الفتح على جمرة العقبة وقال:
والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إليّ ولو لم أخرج ما خرجت، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد، فقال رجل:
يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال، صلّى الله عليه وسلّم: إلا الإذخر، وقال، صلى الله عليه وسلم: من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام، ووجد على حجر فيها كتاب فيه: أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه، وقوله تعالى: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا، وقوله: لتنذر أم القرى ومن حولها، دليل على فضلها على سائر البلاد، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم:
أبوا دين الملوك فهم لقاح ... إذا هيجوا إلى حرب أجابوا
وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا:
أتدري من هجوت أبا حبيب ... سليل خضارم سكنوا البطاحا
أزاد الركب تذكر أم هشاما ... وبيت الله والبلد اللّقاحا؟
وقال حرب بن أميّة ودعا الحضرميّ إلى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب ابن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يــكنّى أبا مطر فقال حرب:
أبا مطر هلمّ إلى الصلاح ... فيكفيك الندامى من قريش
وتنزل بلدة عزّت قديما، ... وتأمن أن يزورك ربّ جيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم، ... أبا مطر هديت، بخير عيش
ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟ ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم، عليه السلام، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن لا يوقره دين ولا يزينه أدب، وكانوا يختنون أولادهم ويحجون البيت ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة، وتبرأوا من الهربذة وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلّقون ثلاثا ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم هو أحق بها فإن طلّقها ثنتين فهو أحق بها أيضا فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إليها، ولذلك قال الأعشى:
أيا جارتي بيني فإنك طالقه، ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وبيني فقد فارقت غير ذميمة، ... وموموقة منّا كما أنت وامقه
وبيني فإنّ البين خير من العصا ... وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه
ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم في ذلك ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه بأن يكون متحمسا على دينهم يرون أن ذلك لا يحلّ لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدين لهم وينتقل إليهم، والتّحمّس: التشدّد في الدين، ورجل أحمس أي شجاع، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم إذ كانت في الحرم وحمّسوا كنانة وجديلة قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس بن عيلان وثقيفا لأنهم سكنوا الحرم وعامر بن صعصعة وإن لم يكونوا من ساكني الحرم فإن أمّهم قرشية وهي مجد بنت تيم بن مرّة، وكان من سنّة الحمس أن لا يخرجوا أيام الموسم إلى عرفات إنما يقفون بالمزدلفة، وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة ولا يغزلون صوفا ولا وبرا ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم وأن يخلّوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك إلا أن المرأة كانت تطوف في درع مفرّج المقاديم والمآخير، قالت امرأة وهي تطوف بالبيت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه، ... وما بدا منه فلا أحلّه
أخثم مثل القعب باد ظلّه ... كأنّ حمّى خيبر تملّه
وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش، فلولا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصيّ خزاعة وخزاعة جرهما، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب، يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه، ... ورجال مكة مسنتون عجاف
حتى سمي هاشما، وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرّغو والعسل والسمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصّلت:
له داع بمكة مشمعلّ، ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد
وأول من عمل الحريرة سويد بن هرميّ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم:
وعلمتم أكل الحرير وأنتم ... أعلى عداة الدهر جدّ صلاب
والحريرة: أن تنصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك، وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم، وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة، وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدإ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلى ذلك، قال أهل الإتقان من أهل السير: إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل، عليهما السلام، إلى مكة، كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب، جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ وهما جرهم بن عامر بن سبإ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وقطوراء، فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض ابن عمرو، وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع، فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه، وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل، وسميت فعيقعان لقعقعة السلاح، ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ، قالوا: ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم، ثم إن جرهما
بغوا بمكة فاستحلّوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة فآذنوهم بالقتال فاقتتلوا فجعل الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر يقول:
لا همّ إنّ جرهما عبادك، ... الناس طرف وهم تلادك
فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربّع واسطا فجنوبه ... إلى السرّ من وادي الأراكة حاضر
بلى، نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ المحاصر
وكنّا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بباب البيت والخير ظاهر
فأخرجنا منها المليك بقدرة، ... كذلك ما بالناس تجري المقادر
فصرنا أحاديثا وكنا بغبطة، ... كذلك عضّتنا السنون الغوابر
وبدّلنا كعب بها دار غربة ... بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر
فسحّت دموع العين تجري لبلدة ... بها حرم أمن وفيها المشاعر
ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة حوالي الحرم إلى أن أدرك قصيّ بن كلاب بن مرّة وتزوّج حبّى بنت حليل بن حبشية وولدت بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ثم هلك حليل بن حبشيّة وأوصى إلى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت وأشرك معه غبشان الملكاني وكان إذا غاب أحجب هذا حتى هلك الملكاني، فيقال إن قصيّا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ خمر وأشهد عليه وأخرجه من البيت وتملّك حجابته وصار ربّ الحكم فيه، فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل وذلك في أيام المنذر ابن النعمان على الحيرة والملك لبهرام جور في الفرس، فجعل قصي مكة أرباعا وبنى بها دار النّدوة فلا تزوّج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلا فيها، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر فكانت قريش تؤدّي الرفادة إلى قصي وهو خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة، وفيهم يقول الشاعر:
ولا يريمون في التعريف موقعهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا
ثم أخذتها منهم خزاعة وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش ابن زيد بن عدوان، وله يقول الراجز:
خلّوا السبيل عن أبي سيّاره ... وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره
وكانت صورة الإجازة أن يتقدمّهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول: اللهمّ أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا، وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم، ثم يقول: أشرق ثبير كيما نغير، ثم ينفذ ويتبعه الناس، فلما قوي أمر قصيّ أتى أبا سيّارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلى قصيّ البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء، فلما كبر قصيّ ورقّ عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا، ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهمّوا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكّدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة، فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسمّوا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، والباقون من المطيّبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي، صلّى الله عليه وسلّم، مكة في سنة ثمان للهجرة فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فاستدعاه ورد المفاتيح إليه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلى الآن، وهذا هو كاف من هذا البحث، وأما صفتها، يعني مكة، فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة، وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجرّ كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيّضة، حارّة في الصيف إلا أن ليلها طيّب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء، وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة، وعرضها سعة الوادي، والمسجد في ثلثي البلد إلى المسفلة والكعبة في وسط المسجد، وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة، وأما المسافات فمن الكوفة إلى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إليها ونقصان يومين، ومن دمشق إلى مكة شهر، ومن عدن إلى مكة شهر، وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة، ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء العرب في بواديها ومخالفها لا يسلكها إلا الخواصّ منهم، وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التي بين عدن ومكة، والمسافة بينهم إلى الأمصار بهذه الجادة من نحو الشهر إلى الخمسين يوما، وأما طريق عمان إلى مكة فهو مثل طريق دمشق صعب السلوك من البوادي والبراري القفر القليلة السكان وإنما طريقهم في البحر إلى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم فيه.

مَوْزُورُ

مَوْزُورُ:
اسم المفعول من الوزر: اسم لكورة بالأندلس تتصل أعمالها بأعمال قرمونة وهي عن قرطبة بين الغرب والقبلة كثيرة الزيتون والفواكه، بينها وبين قرطبة عشرون فرسخا، وإليها ينسب أميّة بن غالب الشاعر الموزوري، وعبد السلام بن السمح بن نائل بن عبد الله بن مجنون بن حارث بن عبد الله بن عبد العزيز الهراوي الموزوري يــكنّى أبا سليمان، رحل إلى المشرق وتردّد هنالك مدة طويلة وسكن اليمن، وسمع بمكة ابن الأعرابي وبمصر أبا جعفر النحاس وأبا علي الآمدي اللغوي وغيرهم، وسمع بجدّة من الحسين بن الحميد البحتري نوادر علي بن عبد العزيز وموطّأ القعنبي وغير ذلك وقدم الأندلس، وكان حسن الخطّ بديعه، وكان زاهدا صالحا، وسكن المدينة الزهراء بقرطبة إلى أن مات بها، قال ابن الفرضي: تردّدت إليه زمانا وسمعت منه نوادر علي بن عبد العزيز ولم تكن عند أحد من شيوخنا سواه وقرأت عليه كتاب الأبيات لسيبويه شرح النحاس وكتاب الكافي في النحو له وغير ذلك، وتوفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة 387.

نَجْرَانُ

نَجْرَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، والنجران في كلامهم: خشبة يدور عليها رتاج الباب، وأنشدوا:
وصيت الباب في النجران حتى ... تركت الباب ليس له صرير
وقال ابن الأعرابي: يقال لأنف الباب الرتاج ولد رونده النّجاف والنجران ولمترسه المفتاح، قال ابن دريد: نجران الباب الخشبة التي يدور عليها، ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا: سمي بنجران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لأنه كان أول من عمرها ونزلها وهو المرعف وإنما صار إلى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخرج رائدا حتى انتهى إلى واد فنزل به فسمي نجران به، كذا ذكره في كتاب الكلبي بخط صحيح زيدان بن سبإ، وفي كتاب غيره زيد، روى ذلك الزيادي عن الشرقي، وأما سبب دخول أهلها في دين النصرانية قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيميون، بالفاء ويروى بالقاف، وكان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بالقرى فإذا عرف بقرية خرج منها إلى أخرى، وكان لا يأكل إلّا من كسب يديه، وكان بنّاء يعمل في الطين، وكان يعظّم الأحد فلا يعمل فيه شيئا فيخرج إلى فلاة من الأرض فيصلي بها حتى يمسي، ففطن لشأنه رجل من أهل قرية بالشام كان يعمل فيها فيميون عمله، وكان ذلك الرجل اسمه صالح فأحبه صالح حبّا شديدا فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح فجلس منه منظر العين مستخفيا منه، فقام فيميون يصلي فإذا قد أقبل نحوه تنّين، وهو الحية العظيمة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخاف عليه فصرخ: يا فيميون التنين قد أقبل نحوك! فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها فخرج إليه صالح وقال: يا فيميون يعلم الله أنني ما أحببت شيئا قط مثل حبك وقد أحببت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمري كما ترى فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كان أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا جاءه العبد وبه ضرّ دعا له فشفي، وكان إذا دعي لمنزل أحد لم يأته، وكان لرجل من أهل تلك القرية ولد ضرير فقال لفيميون: إن لي عملا فانطلق معي إلى منزلي، فانطلق معه فلما حصل في بيته رفع الرجل الثوب عن الصبيّ وقال له: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له! فدعا الله فقام الصبيّ ليس به بأس، فعرف فيميون أنه عرف فخرج من القرية واتبعه صالح حتى وطئا بعض أراضي العرب فعدوا عليهما فاختطفهما سيّارة من العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وكان أهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة لهم عظيمة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة فإذا كان ذلك العيد علّقوا عليها كلّ ثوب حسن وجدوه وحليّ النساء، فخرجوا إليها يوما وعكفوا عليها يوما، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام بالليل في بيت له أسكنه إياه سيّده استسرج له البيت نورا حتى يصبح
من غير مصباح، فأعجب سيّده ما رأى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم على باطل وهذه الشجرة لا تضرّ ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيّده: افعل فإنك إن فعلت هذا دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون وتطهّر وصلّى ركعتين ثم دعا الله تعالى عليها فأرسل الله ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فعند ذلك اتبعه أهل نجران فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على غيرهم من أهل دينهم بكلّ أرض فمن هناك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبّه عن أهل نجران، قال: وحدّثني يزيد بن زياد عن محمد ابن كعب القرظي وحدثني أيضا بعض أهل نجران أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام وكان في قرية من قراها قريبا من نجران، ونجران القرية العظيمة التي إليها إجماع تلك البلاد، كان عندهم ساحر يعلّم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فيميون ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به ابن منبه إنما قالوا رجل نزلها وابتنى خيمة بين نجران وبين القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون أولادهم إلى ذلك الساحر يعلّمهم السحر فبعث الثامر ابنه عبد الله مع غلمان أهل نجران فكان ابن الثامر إذا مر بتلك الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم وعبد الله تعالى وحده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى فقه فيه فسأله عن الاسم الأعظم فكتمه إياه وقال: إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظنّ إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه عمد إلى قداح فجمعها ثم لم يبق لله تعالى اسما يعلمه إلا كتب كل واحد في قدح فلما أحصاها أوقد نارا وجعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى مرّ بالاسم الأعظم فقذفه فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضرّه النار شيئا، فأتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم وهو كذا، فقال: كيف علمته؟ فأخبره بما صنع، فقال: يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظنّ أن تفعل، وجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ إلا قال له: يا عبد الله أتوحّد الله وتدخل في ديني فأدعو الله فيعافيك؟
فيقول: نعم، فيدعو الله فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، فرفع أمره إلى ملك نجران فأحضره وقال له:
أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثّلنّ بك! فقال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح من رأسه فيقع على الأرض ويقوم وليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر، لا تقدر على قتلي حتى توحّد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلّطت عليّ فتقتلني، قال: فوحّد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة غير كبيرة فقتله، قال عبيد الله الفقير إليه: فاختلفوا ههنا، ففي حديث رواه الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، على غير هذا السياق وإن قاربه في المعنى، فقال: إن الملك لما رمى الغلام في رأسه وضع الغلام يده على صدغه ثم مات، فقال أهل نجران: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه
أحد فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام، قال: فقيل الملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك! قال: فخدّ أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس وقال: من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود، فذلك قوله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، حتى بلغ إلى:
العزيز الحميد، وأما الغلام فإنه دفن وذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، روى هذا الحديث الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ابن معمر، ورواه مسلم عن هدّاب بن خالد عن حماد بن سلمة ثم اتفقا، عن سالم عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث ابن إسحاق: إن الملك لما قتل الغلام هلك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وهو النصرانية وكان على ما جاء به عيسى، عليه السّلام، من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك أصل النصرانية بنجران، قال: فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود فحرق من حرق في النار وقتل من قتل بالسيف ومثّل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، إلى آخر الآية، قال عبيد الله الفقير إليه: خبر الترمذي ومسلم أعجب إليّ من خبر ابن إسحاق لأن في خبر ابن إسحاق أن الذي قتل النصارى ذو نواس وكان يهوديّا صحيح الدين اتبع اليهودية بآيات رآها، كما ذكرناه في امام من هذا الكتاب، من الحبرين اللذين صحباه من المدينة ودين عيسى إنما جاء مؤيدا ومسددا للعمل بالتوراة فيكون القاتل والمقتول من أهل التوحيد والله قد ذمّ المحرق والقاتل لأصحاب الأخدود فبعد إذا ما ذكره ابن إسحاق وليس لقائل أن يقول إن ذا نواس بدّل أو غيّر دين موسى، عليه السلام، لأن الأخبار غير شاهدة بصحة ذلك، وأما خبر الترمذي أن الملك كان كافرا وأصحاب الأخدود مؤمنين فصحّ إذا، والله أعلم، وفتح نجران في زمن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة عشر صلحا على الفيء وعلى أن يقاسموا العشر ونصف العشر، وفيها يقول الأعشى:
وكعبة نجران حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيدا وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وشاهدنا الورد والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها
وبربطنا دائم معمل، ... فأيّ الثلاثة أزرى بها؟
وكعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد المدان بن الدّيّان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمّون وهم الذين جاءوا إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمّونها كعبة نجران، وكانت على نهر بنجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغلّ
من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبّة تستغرقها، ثم كان أول من سكن نجران من بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان يزيد بن عبد المدان، وذلك أن عبد المسيح زوّجه ابنته دهيمة فولدت له عبد الله بن يزيد ومات عبد الله بن يزيد فانتقل ماله إلى يزيد فكان أول حارثيّ حلّ في نجران، وكان من أمر المباهلة ما ليس ذكره من شرط كتابي ذا وقد ذكرته في غيره، وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: القرى المحفوظة أربع: مكة والمدينة وإيلياء ونجران، وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إليها بعد هذا أبدا، قال أبو عبيد في كتاب الأموال: حدثني يزيد عن حجاج عن ابن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأخرجنّ اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما، قال:
فأخرجهم عمر، رضي الله عنه، قال: وإنما أجاز عمر إخراج أهل نجران وهم أهل صلح بحديث روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فيهم خاصة عن أبي عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه كان آخر ما تكلم به أنه قال: أخرجوا اليهود من الحجاز وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب، وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء أهل نجران إلى عليّ، رضي الله عنه، فقالوا:
شفاعتك بلسانك وكتابتك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردّها إلينا صنيعة، فقال: يا ويلكم إن كان عمر رشيد الأمر فلا أغيّر شيئا صنعه! فكان الأعمش يقول: لو كان في نفسه عليه شيء لاغتنم هذا.
ونجران أيضا: موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال إن نصارى نجران لما أخرجوا سكنوا هذا الموضع وسمّي باسم بلدهم، وقال عبيد الله بن موسى بن جار بن الهذيل الحارثي يرثي عليّ بن أبي طالب ويذكر أنه حمل نعشه في هذا الموضع فقال:
بكيت عليّا جهد عيني فلم أجد ... على الجهد بعد الجهد ما أستزيدها
فما أمسكت مكنون دمعي وما شفت ... حزينا ولا تسلى فيرجى رقودها
وقد حمل النّعش ابن قيس ورهطه ... بنجران والأعيان تبكي شهودها
على خير من يبكى ويفجع فقده، ... ويضربن بالأيدي عليه خدودها
ووفد على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفد نجران وفيهم السيّد واسمه وهب والعاقب واسمه عبد المسيح والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، مباهلتهم فامتنعوا وصالحوا النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فكتب لهم كتابا، فلما ولي أبو بكر، رضي الله عنه، أنفذ ذلك لهم، فلما ولي عمر، رضي الله عنه، أجلاهم واشترى منهم أموالهم، فقال أبو حسّان الزيادي: انتقل أهل نجران إلى قرية تدعى نهر ابان من أرض الهجر المنقطع من كورة البهقباذ من طساسيج الكوفة وكانت هذه القرية من الضواحي وكان كسرى أقطعها امرأة يقال لها ابان وكان زوجها من أوراد المملكة يقال له باني وكان قد احتفر نهر الضيعة لزوجته وسماه نهر ابان ثم ظهر عليها الإسلام وكان أولادها يعملون في تلك الأرض، فلما أجلى عمر، رضي الله عنه، أهل نجران نزلوا
قرية من حمراء ديلم يرتادون موضعا فاجتاز بهم رجل من المجوس يقال له فيروز فرغب في النصرانية فتنصر ثم أتى بهم حتى غلبوا على القرية وأخرجوا أهلها عنها وابتنوا كنيسة دعوها الأكيراح، فشخصوا إلى عمر فتظلّموا منهم فكتب إلى المغيرة في أمرهم فرجع الجواب وقد مات عمر، رضي الله عنه، فانصرف النجرانيون إلى نهر ابان واستقروا به، ثم شخص العجم إلى عثمان، رضي الله عنه، فكتب في أمرهم إلى الوليد بن عتبة فألفوه وقد أخرجه أهل الكوفة فانصرف النجرانيون إلى قريتهم وكثر أهلها وغلبوا عليها.
ونجران أيضا: موضع بالبحرين فيما قيل. ونجران أيضا: موضع بحوران من نواحي دمشق وهي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك ينذر له المسلمون والنصارى، ولنذور هذا الموضع قوم يدورون في البلدان ينادون من نذر نذر نجران المبارك، وهم ركاب الخيل، وللسلطان عليهم قطيعة وافرة يؤدّونها إليه في كل عام، وقيل: هي قرية أصحاب الأخدود باليمن، ينسب إليها يزيد بن عبد الله بن أبي يزيد النجراني يــكنى أبا عبد الله من أهل دمشق من نجران التي بحوران، روى عن الحسين بن ذكوان والقاسم بن أبي عبد الرحمن ومسحر السكسكي، روى عنه يحيى بن حمزة وسويد ابن عبد العزيز وصدقة بن عبد الله وأيوب بن حسّان وهشام بن الغاز، وقال أبو الفضل المقدسي النجراني:
والنجراني الأول منسوب إلى نجران هجر وفيهم كثرة، قال عبيد الله الفقير إليه: هذا قول فيه نظر فإن نجران هجر مجهول والمنسوب إليه معدوم، وقال أبو الفضل: والثاني نجران اليمن، منهم: عبيد الله ابن العباس بن الربيع النجراني، حدث عن محمد بن إبراهيم البيلماني، روى عنه محمد بن بكر بن خالد النيسابوري ونسبه إلى نجران اليمن وقال: سمعت منه بعرفات، وقال الحازمي: وممن ينسب إلى نجران بشر بن رافع النجراني أبو الأسباط اليماني، حدث عنه حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق، وينسب إلى نجران اليمن أيضا أبو عبد الملك محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري يقال له النجراني لأنه ولد بها في حياة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سنة عشر وولّاه الأنصار أمرهم يوم الحرّة فقتل بها سنة 63، روى عنه ابنه أبو بكر، وقد أكثرت الشعراء من ذكر نجران في أشعارها، قال اعرابيّ:
إن تكونوا قد غبتم وحضرنا، ... ونزلنا أرضا بها الأسواق
واضعا في سراة نجران رحلي، ... ناعما غير أنني مشتاق
وقال عطارد بن قرّان أحد اللصوص وكان قد أخذ وحبس بنجران:
يطول عليّ الليل حتى أملّه ... فأجلس والنهديّ عندي جالس
كلانا به كبلان يرسف فيهما، ... ومستحكم الأقفال أسمر يابس
له حلقات فيه سمر يحبها ال ... عناة كما حبّ الظماء الخوامس
إذا ما ابن صبّاح أرنّت كبوله ... لهنّ على ساقيّ وهنا وساوس
تذكّرت هل لي من حميم يهمّه ... بنجران كبلاي اللذان أمارس
فأما بنو عبد المدان فإنهم ... وإني من خير الحصين ليائس
روى نمر من أهل نجران أنكم ... عبيد العصا لو صبّحتكم فوارس

نُوبَهارُ

نُوبَهارُ:
بالضم ثم السكون، وباء موحدة مفتوحة، وهاء، وألف، وراء، في موضعين: أحدهما قرب الريّ، قال أبو الفضل بن العميد: خرج ابن عبّاد من الريّ يريد أصبهان ومنزله ورامين وهي قرية كالمدينة فتجاوزها إلى قرية عامرة وماء ملح لغير شيء إلا ليكتب إليّ: كتابي هذا من النوبهار يوم السبت نصف النهار، ونوبهار أيضا: ببلخ بناء للبرامكة، قال عمر بن الأزرق الكرماني: كانت البرامكة أهل شرف على وجه الدهر ببلخ قبل ملوك الطوائف وكان دينهم عبادة الأوثان فوصفت لهم مكة وحال الكعبة بها وما كانت قريش ومن والاها من العرب يأتون إليها ويعظمونها فاتخذوا بيت النوبهار مضاهاة لبيت الله الحرام ونصبوا حوله الأصنام وزينوه بالديباج والحرير وعلّقوا عليه الجواهر النفيسة، وتفسير النوبهار البهار الجديد لأن نو الجديد، وكانت سنّتهم إذا بنوا بناء حسنا أو عقدوا بابا جديدا أو طاقا شريفا كلّلوه بالريحان، وتوخّوا لذلك أول ريحان يطلع في ذلك الوقت، فلما بنوا ذلك البيت جعلوا عليه أول ما يظهر من الريحان وكان البهار فسمي نوبهار لذلك، وكانت الفرس تعظّمه وتحج إليه وتهدي له وتلبسه أنواع الثياب وتنصب على أعلى قبّته الأعلام، وكانوا يسمّون قبته الأستن، وكانت مائة ذراع في مثلها وارتفاعها فوق مائة ذراع بأروقة مستديرة حولها، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون مقصورة يسكنها خدّامه وقوّامه وسدنته، وكان على كل واحد من سكان تلك المقاصير خدمة يوم لا يعود إلى الخدمة حولا كاملا، ويقال إن الريح ربما حملت الحرير من العلم الذي فوق القبة فتلقيه بترمذ وبينهما اثنا عشر فرسخا، وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك لتشبيههم البيت بمكة يسمون سادنه برمكة، فكان كل من ولي منهم
السدانة برمكا، وكانت ملوك الهند والصين وكابل شاه وغيرهم من الملوك تدين بذلك الدين وتحج إلى هذا البيت، وكانت سنّتهم إذا هم وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ويقبّلوا يد برمك، وجعلوا للبرمك ما حول النوبهار من الأرضين سبعة فراسخ في مثلها، وجميع أهل ذلك الرستاق عبيد له يحكم فيهم بما يريد، وصيروا للبيت وقوفا كثيرة وضياعا عظيمة سوى ما يحمل إليه من الهدايا التي تتجاوز الحدّ، وكل ذلك يصل إلى برمك الذي يكون عليه، فلم يزل يليه برمك بعد برمك إلى أن افتتحت خراسان في أيام عثمان بن عفّان وانتهت السدانة إلى برمك أبي خالد بن برمك فسار إلى عثمان مع رهائن كانوا ضمنوا مالا عن البلد، ثم إنه رغب في الإسلام فأسلم وسمي عبد الله ورجع إلى أهله وولده وبلده، فأنكروا إسلامه وجعلوا بعض ولده مكانه برمكا، فكتب إليه نيزك طرخان أحد الملوك يعظم ما أتاه من الإسلام ويدعوه إلى الرجوع إلى دين آبائه، فأجابه برمك: إني إنما دخلت في هذا الدين اختيارا له وعلما بفضله من غير رهبة ولم أكن لأرجع إلى دين بادي العوار مهتك الأستار، فغضب نيزك وزحف إلى برمك في جمع كثير، فكتب إليه برمك: قد عرفت حبي للسلامة وإني قد استنجدت الملوك فأنجدوني فاصرف عني أعنّة خيلك وإلا حملتني على لقائك! فانصرف عنه ثم استغرّه وبيّته فقتله وعشرة بنين له فلم يبق له سوى طفل وهو برمك أبو خالد فإن أمه هربت به وكان صغيرا إلى بلاد القشمير من بلاد الهند فنشأ هناك وتعلم علم الطبّ والنجوم وأنواعا من الحكمة وهو على دين آبائه، ثم إن أهل بلده أصابهم طاعون ووباء فتشاءموا بمفارقة دينهم ودخولهم في الإسلام، فكتبوا إلى برمك حتى قدم عليهم فأجلسوه في مكان آبائه وتولى النوبهار، ثم تزوّج برمك بنت ملك الصغانيان فولدت له الحسن وبه كان يــكنى وخالدا وعمرا وأختا يقال لها أم خالد، وسليمان بن برمك أمه امرأة من أهل بخارى، وكان ابن برمك وأم القاسم من امرأة أخرى بخاريّة أيضا، ولما فتح عبد الله بن عامر بن كريز خراسان أنفذ قيس بن الهيثم حتى قدم مدينة بلخ وقدّم بين يديه عطاء ابن السائب فدخل بلخ وخرّب النوبهار، وقال بعض الشعراء يذكر النوبهار:
أوحش النوبهار من بعد جعفر، ... ولقد كان بالبرامك يعمر
قل ليحيى: أين الكهانة والسح ... ر وأين النجوم عن قتل جعفر؟
أنسيت المقدار أم زاغت الشم ... س عن الوقت حين قمت تقدّر!
وقال أبو بكر الصولي: حدثنا محمد بن الفضل المذاري عن علي بن محمد النوفلي قال: كان برمك يعمّر النوبهار ويقوم به، وهو اسم لبيت النار الذي كان ببلخ يعظم قدره بذلك، فصار ابنه خالد بن برمك بعده، فقال أبو الهول الحميري يمدح الفضل بن الربيع ويهجو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي:
فضلان ضمّهما اسم وشتّت الأخبار ... آثار فضل الربيع مساجد ومنار
وفضل يحيى ببلخ آثاره النوبهار ... وما سواه إذا ما أثيرت الآثار
بيت يوحّد فيه ويعبد الجبّار ... وبيت شرك وكفر به تعظّم نار

نَهْرَوانُ

نَهْرَوانُ:
وأكثر ما يجري على الألسنة بكسر النون، وهي ثلاثة نهروانات: الأعلى والأوسط والأسفل،
وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدّها الأعلى متصل ببغداد وفيها عدة بلاد متوسطة، منها: إسكاف وجرجرايا والصافية ودير قنّى وغير ذلك، وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، مع الخوارج مشهورة، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب فمن كان من مدنها نسب إلى مدينة ومن كان من قراها الصغار نسب إلى الكورة، وهو نهر مبتدؤه قرب تامرّا أو حلوان، فإني لا أحققه ولم أر أحدا ذكره، وهو الآن خراب ومدنه وقراه تلال يراها الناس بها والحيطان قائمة، وكان سبب خرابه اختلاف السلاطين وقتال بعضهم بعضا في أيام السلجوقية إذ كان كل من ملك لا يحتفل بالعمارة إذ كان قصده أن يحوصل ويطير، وكان أيضا في ممر العساكر فجلا عنه أهله واستمرّ خرابه، وقد استشأم الملوك أيضا من تجديد حفر نهره وزعموا أنه ما شرع فيه أحد إلا مات قبل تمامه، وكان قد شرع فيه نهروان الخادم وغيره فمات وبقي على حاله، وكان من أجمل نواحي بغداد وأكثرها دخلا وأحسنها منظرا وأبهاها مخبرا، قال ابن الكلبي:
وفارس حفرت النهروان وكان اسمه نهروانا أي إن قلّ ماؤه عطش أهله وإن كثر غرقوا، وقال حمزة الأصبهاني: ويقبل من نواحي أذربيجان إلى جانب العراق واد جرّار فيسقي قرى كثيرة ثم ينصبّ ما بقي منه في دجلة أسفل المدائن، ولهذا النهر اسمان أحدهما فارسي والآخر سرياني، فالفارسي جوروان والسرياني تامرّا، فعرّب الاسم الفارسي فقيل نهروان والعامة يقولون نهروان، بكسر النون، على خطإ، وقرأت في كتاب ابن الكلبي في أنساب البلدان قال:
تامرّا ونهروان ابنا جوخي حفرا النهرين فنسبا إليهما، وقد ذكر أبو علي التنوخي في نشوراه خبرا في اشتقاق هذه اللفظة لا أرى يوافق لفظ ما ذكره أنه مشتق منه إلا أني ذكرت الخبر بطوله، قال أبو علي:
حدثني أبو الحسين بن أبي قيراط قال: سمعت علي بن عيسى الوزير يحدث دفعات أنه سمع أباه يحدّث عن جده عن مشايخ أهل العلم بأخبار الفرس وأيامهم، قالوا: معنى قولهم النهروان ثواب العمل، قالوا:
وإنما سمي النهروان بذلك لأن بعض الملوك الأكاسرة قد غلب عليه بعض حاشيته حتى دبر أكثر أمره وترقّت منزلته عنده وكان قبل ذلك من قبل صاحب المائدة مرسوما بإصلاح الألبان والكواميخ، وكان صاحب المائدة يتحسر كيف علت منزلة هذا وقد كان تابعا له وكان قد غلب على الملك، وكان مع ذلك الرجل يهوديّ ساحر حاذق فقال له اليهودي: ما لي أراك مهموما فحدّثني بأمرك لعلّ فرجك عندي، فحدثّه بأمره، فقال له اليهودي: إن رددتك إلى منزلتك ما لي عندك؟ فقال: أشاطرك حالي ونعمتي وجميع مالي، فتعاهدا على ذلك، فقال: أظهر وحشة بيننا وأنك قد صرفتني ظاهرا، ففعل ذلك به فسار اليهودي إلى الرجل الغالب على الملك فحدّثه وتقرّب إليه بما جرى عليه من الرجل الأول ولم يزل يحدثه مدة طويلة حتى أنس به ذلك الرجل فلقيه في بعض الأيام ومع غلامه غضارة من ذهب فيها شيراز في غاية الطيب يريد أن يقدمه إلى الملك، فقال له: أرني هذا الشيراز، فقال الرجل لغلامه: أره إياه، فأراه إياه فخاتل الرجل والغلام وأخذ بأعينهما بسحره وطرح في الشيراز قرطاسا كان فيه سمّ ساعة وغطا الغلام الغضارة ومضى ليقدّمها إذا قدّمت المائدة، فبادر اليهودي إلى صاحب المائدة الأول وقال: قد فرغت من القصة، وعرّفه ما عمل ووصف له الغضارة وقال له: امض الساعة إلى الملك وأخبره، فبادر الرجل ووجد المائدة تريد أن
تقدّم فقال: أيها الملك إن هذا يريد أن يسمّك في هذه الغضارة فإنه قد جعل فيها سمّ ساعة فلا تأكلها وجرّبها ليصحّ لك قولي، فقال الرجل: هذا إليّ وما بنا إلى تجربتها حاجة على حيوان، أنا آكل منه، فبادر فأكل منها لقمة فتلف في الحال لأنه لا يعلم بالقصة، فقال صاحب المائدة الأول: إنما أكل ليتلف أيها الملك لمّا علم أنك إذا جرّبته وصحّ عندك قتلته فقتل هو نفسه بيده واستراح من عذاب توقعه فيه، فلم يشكّ الملك في صحة قوله وردّ إليه مرتبته وزاد في إكرامه وعظمته، ومضت السنون على ذلك فاتفق أن عرض للملك علة كان يسهر لأجلها وكان يخرج بالليل ويطوف في صحون حجره ودوره وبساتينها ويستمع على أبواب حجر نسائه وغيرها، فانتهى ليلة في طوافه إلى حجرة الطباخ وفيها ذلك اليهودي وغلمانه وهو جالس يحدّث بعض أصحاب المطبخ ويتشكى إليه ويقول إنه يقصر في حقي وإنما أنا أصل نعمته وما هو فيه، فقال له المحدّث:
وكيف صرت أصل نعمته؟ فاستكتمه ما يحدثه به فضمن له ذلك فحدّثه بحديث الشيراز والسمّ، فلما سمع الملك ذلك قامت قيامته وأحضر الموبذ من غد وحدّثه بالحديث وشاوره فيما يعمل مما يزيل ذلك عنه إثم ذلك الفعل في معاده فأمره بقتل اليهودي وصاحب المائدة والإحسان إلى عقب الذي كان قتل نفسه ثم قال: ولا يزيل عنك إثم هذا إلا أن تطوف في عملك حتى تنتهي إلى بقعة خراب فتستحدث لها عمارة ونهرا وشربا فيعيش الناس بذلك في باقي الدهر فتكون كمن أحيا شيئا عوضا عمّن أماته فيتمحّص عنك الإثم، فقتل الملك الرجلين وطاف عمله حتى بلغ موضع النهروان وهو صحراء خراب فأجمع رأيه على حفر نهر فيه وأحدث قرى عليه وسماه ثواب العمل لأجل هذه القصة، قلت أنا: وقد سألت جماعة من الفرس إذ لم أثق بما أعرفه منها هل بين هذا اللفظ ومسماه توافق فلم يعرفوا ذلك ولعلّه باللغة الفهلوية، قال ابن الجرّاح في تاريخه في سنة 326 في ذي القعدة أصعد بجكم التركي إلى بغداد ليدفع عنها محمد بن رائق مولى محمد الخليفة فبعث أحمد بن عليّ بن سعيد الكوفي من يبثق نهر النهروان إلى درب ديالى، فلما أشرف عليه بجكم قال: يا قوم لقد أحسنوا إلينا، وأمر بسفينتين فنصبتا عليه جسرا فعبر هنيئا مريئا ولو ركبه ما كان يصعب ركوبه، قال: فحدّثني أحمد الكاتب بن محمد بن سهل وكان على ديوان فارس في ديوان الخراج وقد تجاذبنا خبر خطاب السواد ومنه النهروانان وعليهما يومئذ للسلطان ألف ألف ومائتا ألف دينار فأخرجها الكوفي، قال: حضرت مجلس الكوفي وقت ولي بجكم وقد كتب إلى عامله عليها جواب كتابه في أمر أعجزه: ويلك ولو في قلبك يعني ماء النهروان إلى درب ديالى، ففعل وعظم أمره المستحفل وبقي البلد خرابا مدة أربع عشرة سنة حتى فني أهله بالغربة والموت إلى أن قبض الله معزّ الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه الديلمي فسدّه بعد أن سدّ مرارا فانقلع ووقع الناس منه في شدة، فلما قضى الله سدّه عاش اليسير فمن بقي من أهله تراجعوا إليه، ثم ذكر ابن الجرّاح أيضا: في سنة 31 لما ورد ناصر الدولة الحسن بن حمدان إلى بغداد مستوليا على تدبير الأمور بها أطلق عشرين ألف دينار للنفقة على بثق النهروان بالسهلية، قال: وكنا في هذا الموضع بحضرة ناصر الدولة وجرى ذكر هذا البثق بمحضر من يواخي وكان عبيد الله بن محمد الكلواذاني صاحب الديوان حاضرا وخاضوا فيه وفيما يرتفع بإصلاحه من نواحيه وهي النهروانات الثلاثة وجاذر
والمدينة العتيقة وشرقي كلواذى والأهواز.، فقال الكلواذاني وهو في الديوان منذ أربعين سنة: هذه بلدان يرتفع منها للسلطان ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم، فقلت: يا هذا ما تفعل؟ ووقع لي أن الحال يصلح والأيام بناصر الدولة تستمر وتدوم ويطالب بهذا المال عند تمام المصلحة هذه النواحي ترتفع على السعر الوافي أصلا دون هذا المقدار كثيرا فكيف ما يخصّ السلطان وأكثر ما عرف من ارتفاع هذه النواحي على توسط الأسعار وغلبة المدار ألف ألف دينار ونحو مائتي دينار للسلطان أربعمائة ألف دينار وفي الإقطاعات والتسويغات والإيغارات والمنقولات أربعمائة ألف دينار للسلطان وللتناء والمزارعين والأكرة نحو أربعمائة ألف دينار، فرجع عن هذا القول، وقال: سهوت، هذا الذي قلته هو ارتفاع جميع الأصل، ثم بطل ما أراده ناصر الدولة بانزعاجه من بغداد ورجوعه إلى الموصل ورجوع الأمر إلى ترون التركي، والله المستعان، قلت: وينسب إلى هذه الناحية المعافى بن زكرياء بن يحيى بن حميد بن حماد النهرواني أبو الفرج القاضي، كان من أعلم أهل زمانه، روى عن أبي القاسم البغوي ويحيى بن صاعد وغيرهما، روى عنه القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وأبو القاسم الأزهري وغيرهما، ومات سنة 390، ومولده سنة 305، قال أبو عبد الله الحميدي: قرأت بخط أبي الفرج المعافى بن زكرياء النهرواني القاضي قال: حججت سنة فكنت بمنى أيام التشريق إذ سمعت مناديا ينادي: يا أبا الفرج! فقلت في نفسي: لعله يريدني، ثم قلت: في الناس خلق كثير ممن يــكنى أبا الفرج فلعله يريد غيري، فلم أجبه، فلما رأى أنه لا يجيبه أحد نادى: يا أبا الفرج المعافى! فهممت أن أجيبه ثم قلت: يتفق من يكون اسمه المعافى وكنيته أبا الفرج، فلم أجبه، فرجع ونادى:
يا أبا الفرج المعافي بن زكرياء النهرواني! فقلت: لم يبق شك في مناداته إياي إذ ذكر اسمي وكنيتي واسم أبي وما أنسب إليه، فقلت له: ها أنا ذا ما تريد؟ فقال: ومن أنت؟ فقلت: أبو الفرج المعافى ابن زكرياء النهرواني، قال: فلعلك من نهروان الشرق؟ قلت: نعم، قال: نحن نريد نهروان الغرب، فعجبت من اتفاق الاسم والكنية واسم الأب وما أنسب إليه وعلمت أن بالمغرب موضعا يعرف بالنهروان غير نهروان العراق، وأبو حكيم إبراهيم ابن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النهرواني البغدادي الفقيه الحنبلي، شيخ صالح نزل باب الأزج وله هناك مدرسة منسوبة إليه، تفقه على أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلواذاني، وكان حسن المعرفة بالفقه والمناظرة، تخرج به جماعة وانتفعوا به لخيره وصلاحه، سمع أبا الحسن عليّ بن محمد العلّاف وأبا القاسم عليّ بن محمد بن بيان وغيرهما، وحدّث ودرّس وأفتى، وروى عنه أبو الفرج ابن الجوزي وقال: مات في جمادى الآخرة سنة 556، ومولده سنة 480.

وَدٌّ

وَدٌّ:
بالفتح، لغة في الوتد، ويجوز أن يكون منقولا عن الفعل الماضي ودّ يودّ، قيل: هو جبل في قول امرئ القيس:
وتري الودّ إذا ما أشجذت، ... وتواريه إذا ما تعتكر
وقيل: هو جبل قرب جفاف الثعلبية، وأما الصنم قال ابن جني: همزة أد عندنا بدل من واو ودّ لإيثارهم معنى الود المودة كما سموا محبّا محبوبا وحبابا وحبيبا، والإدّ: الشيء المنكر لأنهم قالوا: عبد ود، وقالوا: وددت الرجل أودّه ودّا وودادا وودادة، فأكثر القراء وهم أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم ويعقوب الحضرمي فإنهم قرأوا ودّا بالفتح وتفرّد نافع بالضم: وهو صنم كان لقوم نوح، عليه السّلام، وكان لقريش أيضا صنم اسمه ودّ ويقولون أدّ أيضا، قال ابن حبيب: ودّ كان لبني وبرة وكان بدومة الجندل وكانت سدانته لبني الفرافصة ابن الأحوص الكلبيين، قال الشاعر:
حيّاك ودّ وإنّا لا يحلّ له ... لهو النساء وإن الدين قد عزما
قال أبو المنذر هشام بن محمد: كان ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر أصنام قوم نوح وقوم إدريس، عليهما السلام، وانتقلت إلى عمرو بن لحيّ، كما نذكره هنا، قال: أخبرني أبي عن أول عبادة الأصنام أن آدم، عليه السّلام، لما مات جعله بنو شيث بن آدم في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه بأرض الهند ويقال للجبل نوذ وهو أخصب جبل في الأرض، يقال: أمرع من نوذ وأجدب من برهوت، وبرهوت: واد بحضرموت، قال: فكان بنو شيث يأتون جسد آدم في المغارة ويعظمونه ويرحّمون عليه، فقال رجل من بني قابيل بن آدم: يا بني قابيل إن لبني شيث دوارا يدورون حوله ويعظمونه وليس لكم شيء، فنحت لهم صنما فكان أول من عمله، وكان ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر قوما صالحين ماتوا في شهر فجزع عليهم أقاربهم فقال رجل من بني قابيل:
يا قوم هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم غير أني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحا؟ قالوا: نعم، فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم فنصبها لهم فكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه فيعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن الأول وكانت عملت على عهد يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوس بن شيث بن آدم، ثم جاء قرن آخر يعظمونهم أشدّ تعظيما من القرن الأول، ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فقالوا: ما عظّم أوّلونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله، فعبدوهم وعظم أمرهم واشتدّ كفرهم، فبعث الله إليهم إدريس، عليه السّلام، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان نبيّا فنهاهم عن عبادتها ودعاهم إلى عبادة الله تعالى، فكذّبوه، فرفعه الله مكانا عليّا ولم يزل أمرهم يشتدّ فيها، قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: حتى أدرك نوح بن لمك بن متوشلخ ابن أخنوخ فبعثه الله نبيّا وهو يومئذ ابن أربعمائة سنة وثمانين سنة فدعاهم إلى الله تعالى في نبوّته مائة وعشرين سنة فعصوه وكذبوه، فأمره الله تعالى أن يصنع الفلك ففرغ منها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ومكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة فعلا الطوفان وطبّق الأرض كلها وكان بين آدم ونوح ألفا سنة ومائتا سنة فأهبط ماء الطوفان هذه الأصنام من جبل نوذ إلى الأرض وجعل الماء بشدة جريه وعبابه ينقلها من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدّة ثم نضب الماء وبقيت على شطّ جدّة:
فسفت الريح عليها التراب حتى وارتها، قال هشام:
إذا كان الصنم معمولا من خشب أو فضة أو ذهب على صورة إنسان فهو صنم وإن كان من حجارة فهو وثن، قال هشام: وكان عمرو بن لحيّ وهو ربيعة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد وهو أخو خزاعة وأمّه فهيرة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي كان قد غلب على مكة وأخرج منها جرهما وتولى سدانتها وكان كاهنا وكان له مولى من الجنّ يــكنى أبا ثمامة فقال: عجّل المسير
والظعن من تهامة بالسعد والسلامة، قال: خبّر ولا إقامة، قال: ائت ضفّ جدة تجد فيها أصناما معدّة فأوردها تهامة ولا تهب وادع العرب إلى عبادتها تجب، فأتى شطّ جدّة فاستثارها ثم حملها حتى ورد تهامة وحضر الحجّ فدعا العرب إلى عبادتها قاطبة فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة فدفع إليه ودّا فحمله إلى وادي القرى وأقرّه بدومة الجندل وسمى ابنه عبد ود، فهذا أول من سمى عبد ود ثم سمت العرب به بعده، وجعل ابنه عامرا الذي يسمى عامر الأجدار سادنا له فلم يزل بنوه يسدنونه حتى جاء الإسلام، وحدث هشام عن أبيه قال: حدثني مالك ابن حارثة الأجداري أنه رأى ودّا، قال: وكان أبي يبعثني باللبن إليه فيقول لي: اسقه إلهك، قال:
فأشربه، قال: ثم رأيت خالد بن الوليد كسره جذاذا وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بعث خالدا من غزوة تبوك لهدمه فحال بينه وبين هدمه بنو عبد ودّ وبنو عامر الأجدار فقاتلهم حتّى قتلهم وهدمه وكسره وكان فيمن قتل يومئذ رجل من بني عبد ودّ يقال له قطن بن شريح، فأقبلت أمه فرأته مقتولا فأشارت تقول:
ألا تلك المودّة لا تدوم، ... ولا يبقى على الدهر النعيم
ولا يبقى على الحدثان غفر ... له أمّ بشاهقة رؤوم
ثم قالت:
يا جامعا جامع الأحشاء والكبد، ... يا ليت أمك لم تولد ولم تلد
ثم أكبّت عليه فشهقت شهقة فماتت، وقتل أيضا حسّان بن مصاد ابن عمّ الأكيدر صاحب دومة الجندل ثم هدمه خالد، رضي الله عنه، قال ابن الكلبي: فقلت لمالك بن حارثة: صف لي ودّا حتى كأني أنظر إليه، قال: تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال قد دثّر عليه، أي نقش عليه، حلّتان متّزر بحلّة ومرتد بأخرى عليه سيف قد تنكّب قوسا وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة أي جعبة فيها نبل، فهذا حديث ودّ، وروي عن ابن عباس، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: رفعت إلى النار فرأيت عمرو بن لحيّ رجلا أحمر أزرق قصيرا يجرّ قصبه في النار، قلت: من هذا؟ فقيل: عمرو بن لحيّ أوّل من بحر البحيرة ووصل الوصيلة وسيّب السائبة وحمى الحامي وغيّر دين إبراهيم، عليه السّلام، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، فقال: أشبه بنيه به قطن بن عبد العزّى، فوثب قطن وقال: يا رسول الله أيضرني شبهه شيئا؟ قال، عليه الصلاة والسلام:
لا، أنت مسلم وهو كافر، هذا كله عن ابن الكلبي، وههنا انتقاد وذلك أنهم قالوا: إن أول من دعا العرب إلى عبادة الأوثان عمرو بن لحيّ، وقد ذكر فيما تقدّم أنّ ودّا سلمه إلى عوف بن عذرة بن زيد اللات وقد ذكرنا في اللات عنه أن زيد اللات سمي باللات التي كانوا يعبدونها، فهو أقدم من ودّ، والله أعلم.

رَحَضَهُ

رَحَضَهُ، كمَنَعَهُ: غَسَلَهُ،
كأرْحَضَهُ، فهو رَحيضٌ ومَرْحُوضٌ.
والمِرْحاضُ، بالكسر: خَشَبَةٌ يُضْرَبُ بها الثوبُ، والمُغْتَسَلُ، وقد يُــكْنَى به عن مَطْرَحِ العَذِرَةِ وكمِكْنَسَةٍ: شيءٌ يُتَوَضَّأُ فيهِ مثلُ الكَنِيفِ.
والرَّحْضُ: الشَّنَّةُ، والمزادَةُ الخلَقُ.
والرِّحْضِيَّةُ، بالكسر: ة قربَ المدينَةِ للأنْصَارِ وبني سُلَيْمٍ.
والرُّحَضاء، كالخُشَشَاء: العَرَقُ إثْرَ الحُمَّى، أو عَرَقٌ يَغْسِلُ الجِلْدَ كثْرَةً، وقد رُحِضَ المَحْمُومُ، كعُنِيَ.
والرُّحاضُ، بالضم: اسمٌ منه، وسَمَّوْا: رَحَّاضاً، ككَتَّانٍ.
وارْتَحَضَ: افْتَضَحَ. وخُفَافُ بنُ إيماء بنِ رَحْضَةَ: صحابِيٌّ.

وَقَّشُ

وَقَّشُ:
بالفتح، وتشديد القاف، والشين معجمة:
مدينة بالأندلس من أعمال طليطلة، منها أبو الوليد هشام بن أحمد بن هشام الكناني الحافظ المعروف بالوقّشي الفقيه الجليل عالم الزمن، إمام عالم في كل فن، صاحب الرسالة المرشدة، ذكره القاضي عياض في مشيخة القاضي ابن فيروز فقال: هشام بن أحمد بن هشام بن سعيد بن خالد الكناني القاضي أبو الوليد الوقّشي حدث عن أبي محمد الشنتجالي وأبي عمر الطلمنكي إجازة وغيرهما، وكان غاية في الضبط والتقييد والإتقان والمعرفة بالنسب والأدب وله تنبيهات وردود على كبار أهل التصانيف التاريخية والأدبية يقضي ناظرها العجب تنبئ عن مطالعته وحفظه وإتقانه وناهيك من حسن كتابه في تهذيب الــكنى لمسلم الذي سمّاه بعكس الرتبة، ومن تنبيهاته على أبي نصر الكلاباذي ومؤتلف الدارقطني ومشاهد ابن هشام وغيرها، ولكنه اتّهم برأي المعتزلة وظهر له تأليف في القدر والقرآن وغير ذلك من أقاويلهم وزهد فيه الناس وترك الحديث عنه جماعة من كبار مشايخ الأندلس، وكان الفقيه أبو بكر بن سفيان بن العاصم قد أخذ عنه وكان ينفي عنه الرأي الذي زنّ به والكتاب الذي نسب إليه وقد ظهر الكتاب وأخبر الثقة أنه رواه عليه سماع ثقة من أصحابه وخطه عليه، لقيه القاضي أبو علي ببلنسية واستجازه ولم يسمع منه وقال لم يعجبني سمته، ولا أعلم أن القاضي حدث عنه بشيء أكثر من أنه ذكر أنه استجازه روايته، ودخل العدوّ بلنسية وهو بها فالتزم قضاء المسلمين بها تلك المدة ثم خرج إلى دانية ومات بها، فيما قيل، سنة 488.

يَابُرَه

يَابُرَه:
بلد في غربي الأندلس، ينسب إليها أبو بكر عبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد الله اليابري الأندلسي، سمع الحديث ورواه، مات بمكة سنة 523، قاله أبو الحسن المقدسي وقال: روى لنا عنه غير واحد، وخلف بن فتح بن نادر اليابري، سكن قرطبة يــكنى أبا القاسم، روى عن أبي محمد عبد الله ابن سعيد الشقاق والقاضي حمّام بن أحمد ونظرائهما، وكان عالما بالأدب واللغة مقدما في معرفتهما مع الخير والدين، وتوفي في ذي الحجة سنة 439.

سَحْبَلٌ

سَحْبَلٌ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، ثمّ باء موحدة مفتوحة، والسّحبل: العريض البطن، ويقال:
وعاء سحبل واسع: وهو موضع في ديار بني الحارث بن كعب، كان جعفر بن علبة الحارثي يزور نساء بني عقيل فنذر به القوم فقبضوه وكشفوا دبر قميصه وربطوه إلى خيمة وجعلوا يضربونه بالسياط ويقبلون ويدبرون به على النساء اللواتي قد كان يتحدّث إليهنّ حتى فضحوه وهو يستعفيهم ويقول: يا قوم القتل خير ممّا تصنعون! فلما بلغوا منه مرادهم أطلقوه فمضت أيّام وأخذ جعفر أربعة رجال من قومه ورصد العقيليّين حتى ظفر برجل ممّن كان يصنع به ذلك فقبضوا عليه وفعلوا به شرّا ممّا فعل بجعفر ثمّ أطلقوه، فرجع إلى الحيّ فأنذرهم فتبعهم سبعة عشر فارسا من بني عقيل حتى لحقوا بهم بواد يقال له سحبل فقاتلهم جعفر، فيقال إنّه قتّل فيهم حتى لم يبق من العقيليّين إلّا ثلاثة نفر وعمد إلى القتلى فشدّهم على الجمال وأنفذهم مع الثلاثة إلى قومهم، فمضى العقيليون إلى والي مكّة إبراهيم بن هشام المخزومي، وقيل: السري بن عبد الله الهاشمي، فطلب جعفرا ومن كان معه يومئذ حتى ظفر بهم وحبسهم، فذلك قول جعفر بن علبة في محبسه:
ألا لا أبالي بعد يوم بسحبل ... إذا لم أعذّب أن يجيء حماميا
تركت بأعلى سحبل ومضيقه ... مراق دم لا يبرح الدّهر ثاويا
شفيت به غيظي وحزت مواطني، ... وكان سناء آخر الدّهر باقيا
فدى لبني عمّي أجابوا لدعوتي ... شفوا من بني القرعاء عمّي وخاليا
كأنّ بني القرعاء يوم لقيتهم ... فراخ القطا لاقين صقرا يمانيا
أقول وقد أجلت من القوم عركة: ... ليبك العقيليين من كان باكيا
فإن بقرني سحبل لإمارة ... ونضح دماء منهم ومحابيا
ولم أر لي من حاجة غير أنّني ... وددت معاذا كان فيمن أتانيا
شفيت غليلي من حشينة بعد ما ... كسوت الهذيل المشرفيّ اليمانيا
أحقّا عباد الله أن لست ناظرا صحاري نجد والرّياح الذّواريا ولا زائرا شمّ العرانين تنتمي إلى عامر يحللن رملا معاليا إذا ما أتيت الحارثيات فانعني لهنّ وخبّرهنّ أن لا تلاقيا وقوّد قلوصي بينهنّ فإنّها ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا أوصّيكم إن متّ يوما بعارم ليغني غنائي أو يكون مكانيا
عارم: ابنه، وبه كان يــكنّى، ثمّ أخرج جعفر ابن علبة ليقتل فانقطع شسع نعله فوقف فأصلحه، فقال له رجل: أما يشغلك ما أنت فيه؟ فقال:
أشدّ قبال نعلي أن يراني عدوّي للحوادث مستكينا وقام أبوه إلى كل ناقة وشاة له فنحر أولادها وألقاها بين يديها وقال: ابكين معي على جعفر، فجعلت النوق ترغو والشاء تثغو والنساء يصحن ويبكين وأبوه يبكي معهن فما روي أن يوما كان أفظع ولا أقطع من يومئذ.
ضَبٌّ سَحْبَلٌ: عَرِيْضُ البَطْنِ، وكذلك الرَّجُلُ. وصَحْرَاءُ سَحْبَلٍ: مَوْضِعٌ.

الأرْفَةُ

الأرْفَةُ، بالضم: الحَدُّ بين الأرْضَيْنِ، ج: كغُرَفٍ، والعُقْدَةُ.
والأرْفِيُّ، كقُمْرِيٍّ: اللبَنُ الخالصُ، والماسِحُ.
وأُرِّفَ على الأرضِ تأريفاً: جُعِلَتْ لها حُدُودٌ، وقُسِمَتْ. وتأريفُ الحَبْلِ: عَقْدُه.
وهو مُؤَارِفِي: حَدُّه إلى حَدِّي في السُّــكْنَى والمكانِ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.