Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: فالس

جري

جري: {في الجارية}: في السفينة وجمعها الجواري.
ج ر ي

والشمس تجري، والريح تجري. وجرت الخيل، وأجروا الخيل. وجاراه في كذا مجاراة، وتجاروا. وفرس ذو أجاري، وغمر الجراء. وأخبرني عن مجاري أمورك. وأجرى إليه ألف دينار، وأجرى عليهم الرزق. واستجراه في خدمته. وسميت الجارية لأنها تستجرى في الخدمة. وتقول: عمل على هجيراه، وجرى على إجرياه، وهي طريقته وعادته التي يجري عليها وفي الحديث " ولا يستجرينكم الشيطان " أي لا يستتبعنكم حتى تكونوا منه بمنزلة الوكلاء من الموكل.

جري


جَرَى(n. ac.
جَرْي
جِرْيَةجِرَآء [] جَرَيَاْن)
a. Ran; flowed; pursued its course.
b. ['Ala], Happened to.
c. [Ila], Betook himself to; aimed at.
d. Agreed with; was like, similar to.

جَرَّيَa. Made to run or flow; set going; sent
despatched.

جَاْرَيَa. see IIb. Regulated, settled.
c. [acc. & Ila], Entrusted with.
d. ['Ala], Inflicted upon (punishment).

تَجَاْرَيَa. Competed, contended together.

جَرْيa. Course, current.
b. Diarrhoeœa.

جَاْرِيa. Running, flowing.
b. Current (month).
جَاْرِيَة
(pl.
جَوَاْرِيُ
& reg. )
a. Girl; servant; female-slave.
b. Ship.

جَرَاْيَةa. Pay, wages.
b. Daily allowance, rations.
c. Girlhood.

جِرَاْيَةa. Commission; mission.

جَرِيّ
(pl.
أَجْرِيَآءُ)
a. Commissioned agent, representative; messenger, hired
servant.

جَرَيَاْنa. see 1.
مَجْرَى [] (pl.
مَجَارِي)
a. Course, way.

مِن جَرَاك
a. For thy sake!
(ج ر ي) : (جَرَى الْمَاءُ) مَعْرُوفٌ (وَمِنْهُ) جَرَى الْفَرَسُ وَأَجْرَاهُ صَاحِبُهُ وَفِي الْمَثَلِ كُلُّ مُجْرٍ فِي الْخَلَاءِ يُسَرُّ وَيُرْوَى كُلُّ مُجِيدٍ أَيْ صَاحِبِ جَوَادٍ (وَالْجَرِيُّ) بِوَزْنِ الْوَصِيِّ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي أُمُورِ مُوَكِّلِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُوَكِّلِ وَالْجَمْعُ أَجْرِيَاءُ (وَمِنْهُ الْجَارِيَةُ) لِأُنْثَى الْغُلَامِ لِخِفَّتِهَا وَجَرَيَانِهَا بِخِلَافِ الْعَجُوزِ وَبِهَا سُمِّيَ جَارِيَةُ بْنُ ظَفَرٍ الْحَنَفِيُّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَكَذَا وَالِدُ زَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ وَالْحَاءُ وَالثَّاءُ تَصْحِيفٌ يَرْوِي فِي السِّيَرِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَعَنْهُ مَكْحُولٌ (وَجَارَاهُ) مُجَارَاةً جَرَى مَعَهُ (وَمِنْهُ) الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ (يَتَجَارَيَانِ) مُجَارَاةَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَأَمَّا يَتَحَاذَيَانِ مُحَاذَاةَ الْمَبِيعِ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.
ج ر ي : جَرَى الْفَرَسُ وَنَحْوُهُ جَرْيًا وَجَرَيَانًا فَهُوَ جَارٍ وَأَجْرَيْتُهُ أَنَا وَجَرَى الْمَاءُ سَالَ خِلَافُ وَقَفَ وَسَكَنَ وَالْمَصْدَرُ الْجَرْيُ بِفَتْحِ الْجِيمِ قَالَ السَّرَقُسْطِيّ فَإِنْ أَدْخَلْتَ الْهَاءَ كَسَرْتَ الْجِيمِ وَقُلْتَ جَرَى الْمَاءُ جِرْيَةً وَالْمَاءُ الْجَارِي هُوَ الْمُتَدَافِعُ فِي انْحِدَارٍ أَوْ اسْتِوَاءٍ وَجَرَيْتُ إلَى كَذَا جَرْيًا وَجِرَاءً قَصَدْتُ وَأَسْرَعْتُ وَقَوْلُهُمْ جَرَى فِي الْخِلَافِ كَذَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى
هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوُصُولَ وَالتَّعَلُّقَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ قَصْدٌ عَلَى الْمَجَازِ.

وَالْجَارِيَةُ السَّفِينَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرْيِهَا فِي الْبَحْرِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَمَةِ جَارِيَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ لِجَرْيِهَا مُسْتَسْخَرَةً فِي أَشْغَالِ مَوَالِيهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا الشَّابَّةُ لِخِفَّتِهَا ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى سَمَّوْا كُلَّ أَمَةٍ جَارِيَةً وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ تَسْمِيَةً بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَالْجَمْعُ فِيهِمَا الْجَوَارِي.

وَجَارَاهُ مُجَارَاةً جَرَى مَعَهُ وَالْجِرْوُ بِالْكَسْرِ وَلَدُ الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ وَالْفَتْحُ وَالضَّمُّ لُغَةٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَقَالَ فِي الْبَارِعِ الْجِرْوُ الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْجِرْوَةُ أَيْضًا الصَّغِيرَةُ مِنْ الْقِثَّاءِ شُبِّهَتْ بِصِغَارِ أَوْلَادِ الْكِلَابِ لِلِينِهَا وَنُعُومَتِهَا وَالْجَمْعُ جِرَاءٌ مِثْلُ: كِتَابٍ وَأَجْرٌ مِثْلُ: أَفْلُسٍ وَاجْتَرَأَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْهَمْزِ أَسْرَعَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَالِاسْمُ الْجُرْأَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ وَجَرَّأْتُهُ عَلَيْهِ بِالتَّشْدِيدِ فَتَجَرَّأَ هُوَ وَرَجُلٌ جَرِيءٌ بِالْهَمْزِ أَيْضًا عَلَى فَعِيلٍ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ جَرُؤَ جَرَاءَةً مِثْلُ: ضَخُمَ ضَخَامَةً. 
الْجِيم وَالرَّاء وَالْيَاء

جرى المَاء وَالدَّم وَنَحْوه جَرْيا، وجِرْية وجَرَيانا.

وَإنَّهُ لحسن الجِرْية.

وأجراه هُوَ.

وجَرَى الْفرس وَغَيره جَرْيا، وجِرَاء، وجَرَاءة، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:

يقرَّبُه للمستضِيف إِذا دَعَا ... جِراء وشَدّ كالحَرِيق ضَرِيج

أَرَادَ: جَرْى هَذَا الرجل إِلَى الْحَرْب، وَلَا يَعْنِي فرسا؛ لِأَن هذيلا إِنَّمَا هم عراجلة رجالة وأجراه هُوَ.

والإجْرِىّ: ضرب من الجري، قَالَ:

غمر الأَجَارِىّ مسحاًّ مهرجا

وَقَالَ رؤبة:

غمر الأَجَارِىّ كريم السِّنح ... أبلح لم ولد بِنَجْم الشحّ

أَرَادَ: السنخ فأبدل الْخَاء حاء.

وجَرَت الشَّمْس وَسَائِر النُّجُوم: سَارَتْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب.

وَالْجَارِيَة: الشَّمْس، سميت بذلك لجَرْيها من الْقطر إِلَى الْقطر، وَقَوله تَعَالَى: (فَلَا أقسم بالخُنَّس الْجَوَارِي الكُنَّس) يَعْنِي النُّجُوم.

وَجَرت السَّفِينَة جَرْيا: كَذَلِك.

وَالْجَارِيَة: السَّفِينَة، صفة غالبة، وَفِي التَّنْزِيل: (حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة) وَفِيه: (ولَهُ الجوارِ المنشئات فِي الْبَحْر) . قَالَ الْأَخْفَش: والمَجْرَى فِي الشّعْر: حَرَكَة حرف الروى: فَتحته وضمته وكسرته، وَلَيْسَ فِي الروى الْمُقَيد مجْرى؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَكَة فِيهِ فتسمى مجْرى، وَإِنَّمَا سمي ذَلِك مجْرى لِأَنَّهُ مَوضِع جري حركات الْإِعْرَاب وَالْبناء.

والمجارِي: أَوَاخِر الْكَلم؛ وَذَلِكَ لِأَن حركات الْإِعْرَاب وَالْبناء إِنَّمَا تكون هُنَالك.

قَالَ ابْن جني: سمي بذلك لِأَن الصَّوْت يَبْتَدِئ بالجريان فِي حُرُوف الْوَصْل مِنْهُ، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت:

قتيلان لم يعلم لنا النَّاس مصرعا

فالفتحة فِي الْعين هِيَ ابْتِدَاء جَرَيَان الصَّوْت فِي الْألف، وَكَذَلِكَ قَوْلك:

يَا دَار مَيَّة بالعلياء فالسَّــندِي

تَجِد كسرة الدَّال هِيَ ابْتِدَاء جَرَيان الصَّوْت فِي الْيَاء، وَكَذَلِكَ قَوْله:

هريرةُ ودّعها وَإِن لَام لائمو

تَجِد ضمة الْمِيم مِنْهَا ابْتِدَاء جَرَيَان الصَّوْت فِي الْوَاو، فَأَما قَول سِيبَوَيْهٍ: هَذَا بَاب مجاري أَوَاخِر الْكَلم من الْعَرَبيَّة، وَهِي تجْرِي على ثَمَانِيَة مجارٍ، فَلم يقصر المجاري هُنَا على الحركات فَقَط كَمَا قصر العروضيون المجرى فِي القافية على حَرَكَة حرف الروى دون سكونه، لَكِن غَرَض صَاحب الْكتاب فِي قَوْله: مجاري أَوَاخِر الْكَلم: أَي أَحْوَال أَوَاخِر الْكَلم وأحكامها والصور الَّتِي تتشكل لَهَا، فَإِذا كَانَت أحوالا وأحكاما فَسُكُون السَّاكِن حَال لَهُ، كَمَا أَن حَرَكَة المتحرك حَال لَهُ أَيْضا، فَمن هُنَا سقط تعقب من تتبعه فِي هَذَا الْموضع فَقَالَ: كَيفَ ذكر الْوَقْف والسكون فِي المجاري، وَإِنَّمَا المجاري، فِيمَا ظَنّه، الحركات، وَسبب ذَلِك خَفَاء غَرَض صَاحب الْكتاب عَلَيْهِ، وَكَيف يجوز أَن يُسَلط الظَّن على اقل أَتبَاع سِيبَوَيْهٍ فِيمَا يلطف عَن هَذَا الْجَلِيّ الْوَاضِح فضلا عَنهُ نَفسه فِيهِ، أفتراه يُرِيد الْحَرَكَة وَيذكر السّكُون؟ هَذِه غباوة مِمَّن أوردهَا، وَضعف نظر وَطَرِيقَة دلّ على سلوكه إِيَّاهَا. قَالَ: أَو لم يسمع هَذَا المتتبع بِهَذَا الْقدر قَول الكافة: أَنْت تجْرِي عِنْدِي مجْرى فلَان، وَهَذَا جَار مجْرى هَذَا. فَهَل يُرَاد بذلك، أَنْت تتحرك عِنْدِي بحركته، أَو يُرَاد: صُورَتك عِنْدِي صورته، وحالك فِي نَفسِي ومعتقدي حَاله؟؟ والإجريَّاء، والإجريَّا: الْوَجْه تَأْخُذ فِيهِ وتَجْرِي عَلَيْهِ، قَالَ لبيد يصف الثور:

ووَلَّى كنَصْل السَّيْف يَبْرُق مَتْنُه ... على كل إجريَّا يَشُقّ الخمائلا

وَقَالُوا: الكَرَم من إجْريَّاه، وَمن إجريائه: أَي من طَبِيعَته، عَن اللحياني، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الشَّيْء من طبعه جرى إِلَيْهِ وجرن عَلَيْهِ.

والجَرِيُّ: الْوَكِيل، الْوَاحِد وَالْجمع والمؤنث فِي ذَلِك سَوَاء، بَين الجَرَاية والجِرايَة.

وجَرَّى جَرِيّا: وَكله.

قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقد يُقَال للانثى: جَرِيَّة، بِالْهَاءِ، وَهِي قَليلَة.

والجَرِيّ: الرَّسُول.

وَقد أجراه فِي حَاجته.

والجَرِيّ: الاجير، عَن كرَاع.

وَالْجَارِيَة: الْفتية من النِّسَاء بَيِّنَة الجَرَاية.

والجِرَاء، والجَرَى، والجَرَاء، والجرائية، الْأَخِيرَة عَن ابْن الْأَعرَابِي.

والجِرِّيّ: ضرب من السّمك.

والجِرِّيَّة: الحوصلة، وَمن جَعلهمَا ثنائيين فهما فعلى وفعلية. وَقد تقدم فِي الثنائي.
جري
جرَى1 يَجري، اجْرِ، جَرْيًا، فهو جارٍ
• جرَى الفرسُ وغيرُه: اندفع في السَّير، عدا، ركض "جرَى المتسابقون حول الجامعة- فاز في بطولة الجَرْي- كان يجري إلى مساعدة الضعيف والمحتاج" ° تجري الرِّياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ [مثل]: يُضرب لمجيء الأمور على غير ما تريده النَّفْسُ- تجري على الأيتام: تعولهم- جرَى على باله: تذكّره، فكّر فيه- جرَى على كل لسان: ذاع، انتشر خبُره، صار متداولاً وشائعًا- جرَى له العطاءُ: دام واستمرّ- ما يجري عليه العرفُ: ما يُطبَّق من أحكام مصدرها العرف- يجري إلى نجدة المحتاج: لا يتوانى ولا يبخل بمجهود لمساعدته.
• جرَتِ السَّفينةُ ونحوُها: سارت، انتقلت من مكان إلى آخر " {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} "? جرتِ الرِّيحُ: هبَّت- جرتِ العادةُ: أصبح عُرْفًا، درجت وقُبلَت- جرتِ الكلمات على لسانه: دارت وجاءت سلسة- جرَى مثلاً: اشتُهر حتى صار كالأمثال- جرَى مَجْراه:
 احتذاه وسار على منواله، أخذ طريقه وتبعه، كان حاله كحاله- جرَى معه: جاراه وسايره. 

جرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ يَجرِي، اجْرِ، جَرْيًا وجَرَيانًا، فهو جارٍ، والمفعول مجريٌّ إليه
• جرَى الماءُ ونحوه: سال مُندفعًا "جرَى الدَّمُ في وجهه- {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} " ° جرَى دَمْعُه: بكى- ما جرى دمٌ في عروقي: ما دمت حيًّا.
• جرَى الأمرُ: تمَّ، مضَى، نفذ "جرت الأحداثُ/ الانتخابات- جرت الأمورُ في أعنّتها- جرى العرضُ على المسرح"? جرَى به العمل: نُفِّذ.
• جرَى إلى البيت: قصده وأسرع إليه.
• جرَى له مكروهٌ: وقع، حدث. 

أجرى يُجري، أَجْرِ، إجراءً، فهو مُجْرٍ، والمفعول مُجْرًى
• أجرى الماءَ ونحوَه: أساله، جعله يجري "أجرى دمًا" ° أجرى الرِّيقَ: أسال اللعابَ وأثار الرغبةَ في شيء ما.
• أجرى بحثًا: قام به "أجرى عمليّة جراحيّة- أجرى تجارب على الدَّواء الجديد- أجرى الرَّئيسُ مباحثاتٍ/ اتّصالاً هاتفيًّا مع نظيره الأمريكيّ- أجرى تحقيقًا في الأمر"? أجرى عادة: أوجد عُرفًا وأشاعه.
• أجرى الأمرَ: أمضاه وأنفذه، وضعه في حيِّز التَّنفيذ "أجرتِ الوزارةُ إصلاحات واسعة في الطُّرق: - أجرى معجزات: أحدثها"? أجراه مُجراه: أعطاه حكمه- أجرى الحق: أنصف كل واحد، نفّذ الحقَّ- أجرى القوانين عليه: طبَّقها عليه.
• أجرى السَّفينةَ: سيَّرها "أجرى اللهُ السَّحابَ".
• أجرى فرسًا: جعله يعدو.
• أجرى عليه موردًا: أدامه له وأفاضه عليه، زوّده بما يحتاج إليه "أجرتِ لجنة الزَّكاةُ مساعدات ماليّة لفقراء الحيّ"? أجرى عليه حسابًا: قيَّده عليه- أجرى له إعانة: منحه مساعدة- أجرى له حسابًا: قيَّده لصالحه.
• أجرى فلانًا في حاجته: أرسله فيها. 

تجارى في يتجارَى، تَجارَ، تَجاريًا، فهو مُتجارٍ، والمفعول مُتجارًى فيه
• تجارى القومُ في الحديث: تناظروا فيه. 

جارى يجاري، جارِ، جِرَاءً ومُجاراةً، فهو مُجارٍ، والمفعول مُجارًى
• جارى الشَّخصَ: سايره وجرَى معه، وافقه واتّفق معه "تحاول الدُّولُ النّامية مجاراة الدُّول المتقدّمة- جارى الأوضاعَ السائدة- كان إمَّعَة يجاري ويُدَاري- أُعجِب بالشِّعر الغربيّ وأخذ في مجاراته" ° جاراه الكلامَ: حادثه- جارى التيّارَ: سار معه، تكيَّف معه- مجاراةً له: مسايرةً له.
• جاراه في تخصُّصه: باراه، شابهه أو بلغ منزلته فيه "شاعرٌ لا يُجارَى في شعره- جاراه في الكرم". 

جرَّى يجرِّي، جَرِّ، تجريةً، فهو مُجَرٍّ، والمفعول مُجرَّى
• جَرَّى الماءَ: جعله يجري. 

إجراء [مفرد]: ج إجراءات (لغير المصدر):
1 - مصدر أجرى ° إجراء القصاص: تنفيذه.
2 - تدبير أو خطوة تُتَّخذ لأمر ما "إجراءات احتياطيَّة/ تحفُّظيَّة: تدبير وقائيّ، احتراز، اتِّقاء، حذر، حيطة- إجراءات وقائيَّة/ أمنيَّة/ إداريّة/ تجاريّة- إجراء مُسْتَعجَل: لا يقبل التأجيل- إجراء انتخابات حُرَّة" ° إجراءات تأديبيّة: مجموعة الأصول والأوضاع الواجبة الاتّباع في التَّحقيق مع الموظَّف المتَّهم ومحاكمته تأديبيًّا- إجراءات قانونيَّة: تدبيرات قانونيَّة تتعلَّق بأحكام شرعيَّة كالبيع والشِّراء ونحوهما، توضع لحماية حقوق الأفراد القانونيّة. 

إجرائيَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى إجراء: "مراحل إجرائيَّة" ° السُّلطة الإجرائيّة: السلطة التنفيذيّة. 

تجرية [مفرد]: مصدر جرَّى. 

جارٍ [مفرد]:
1 - اسم فاعل من جرَى1 وجرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ ° نهرٌ جارٍ: سائل لا يجفّ.
2 - مستمرّ، لم ينتهِ بعدُ "دراسة جارية- جاري التنفيذ" ° الشَّهرُ الجاري: الحالي، الحاضر.
• ثمنٌ جارٍ: (قص) مايتعيّنُ في المنافسة الحرَّة بنقطة توازن
 العرض والطلب.
• حسابٌ جارٍ: (قص) حساب مصرفيّ يقوم على تمكين العملاء من إيداع أموالهم في المصرف والحصول على دفتر شيكات أو دفتر ادّخار بما أودعوه. 

جارِية [مفرد]: ج جاريات وجوارٍ:
1 - صيغة المؤنَّث لفاعل جرَى1 وجرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ ° الأحداث الجارية: الحادثة، الواقعة- صدقة جارية: متَّصلة، يستمر ثوابها حتى بعد وفاة صاحبها إلى يوم القيامة.
2 - خادِمة، أَمَة "جارية أمينة".
3 - فتيَّة من النِّساء.
4 - سفينة، باخرة " {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} ".
• الجواري الكُنَّس: الكواكب السّيّارة، أو هي النُّجوم كلّها " {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} ". 

جَرَاء [مفرد]
• فعلت ذلك من جَرَائك: من جرَّائك، من أجلك، بسببك. 

جِراية [مفرد]: ج جِرايات: حصّة الجنديّ من الطعام اليوميّ. 

جَرْي [مفرد]: مصدر جرَى1 وجرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ ° جَرْيًا على العادة: حسب المتَّبع- جَرْيًا وراءه: سَعْيًا وراءه. 

جَرَيان [مفرد]: مصدر جرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ. 

مَجْرى [مفرد]: ج مَجْريات ومَجارٍ:
1 - اسم مكان من جرَى1 وجرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ: "مَجْرى الماء" ° مجاري التَّنفّس: أي ما يتَّصل بالجهاز التَّنفّسيّ- مجرى المراكب: ميناء، مرفأ- مجرى الهواء: حيث يمر الهواء.
2 - مصدر ميميّ من جرَى1 وجرَى2/ جرَى إلى/ جرَى لـ.
3 - جدول، قناة الماء "مَجْرى رئيسيّ/ مفتوح".
4 - فتحة أو قناة يجري فيها الماء الوَسِخ والأقذار.
5 - مسار أو اتِّجاه أو تسلسل أشياء مرتبط بعضها ببعض "مَجْرَى السَّفينة- مَجْرَى الأحداث الأخيرة" ° أخَذ مَجْراه: سار سيره الطَّبيعيّ- جرَى مَجْراه: احتذاه وسار على منواله، أخذ طريقه وتبعه، كان حاله كحاله- عادت المياهُ إلى مجاريها: عادت الأمورُ إلى أوضاعها السَّابقة، صلَح الأمرُ بعد فساد، زال سوء التفاهم- مَجْرَى الحديث: اتّجاهه- مَجريات الأحداث بالمنطقة: اتِّجاهاتها.
• المجرى:
1 - (عر) حركة حرف الرَّويّ المُطْلَق.
2 - (نح) أحوال أواخر الكَلم وأحكامها والصور التي تتشكَّل بها.
• المجرى الكهربائيّ: (فز) القوّة التي تسري في الأسلاك الكهربائيّة.
• مجرى البول: (شر) القناة التي يخرج من خلالها البول من المثانة عند معظم الثدييّات. 
جري
: (ى (} جَرَى الماءُ ونحوُه) كالدَّمِ؛ وَفِي الصِّحاحِ: جَرَى الماءُ وغيرُهُ؛ وَالَّذِي قالَهُ المصنِّفُ أَوْلى؛ ( {جَرْياً) .
قالَ الرَّاغبُ:} الجَرْيُ المَرُّ السَّريعُ، وأصْلُه المرَّ الماءِ وَمَا {يَجْرِي جَرْيَه.
(} وجَرَياناً) ، بالتَّحْرِيكِ: ( {وجِرْيَةً، بالكسْرِ) : هُوَ فِي الماءِ خاصَّةً. يقالُ: مَا أَشَدَّ} جِرْيَة هَذَا المَاءِ؛ بالكسْرِ.
وَفِي التَّنْزيلِ العَزيزِ: {وَهَذِه الأنْهارُ {تَجْرِي من تحْتِي} .
(و) جَرَى (الفَرَسُ ونَحْوُهُ) يَجْرِي (جَرْياً} وجِراءً، بالكسْرِ) ؛ ظاهِرُه أنَّه مقْصورٌ والصَّوابُ ككِتابٍ؛ وَهُوَ فِي الفَرَسِ خاصَّةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الليْثُ؛ قالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
يُقَرِّبُه للمُسْتَضِيفِ إِذا دَعا
{جِراءٌ وشَدٌّ كالحَرِيقِ ضَرِيجُوأَنْشَدَ اللَّيْثُ:
غَمْرُ} الجِراءِ إِذا قَصَرْتَ عِنانَهُ ( {وأَجْراهُ) فَهُوَ} مُجْرى؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (إِذا {أَجْرَيْتَ الماءَ على الماءِ أَجْزَأَ عَنْك) .
(} وجارَاهُ {مُجارَاةً} وجِراءً: جَرَى مَعَه) فِي الحدِيثِ؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (من طَلَبَ العِلْمَ {ليُجارِيَ بِهِ العُلماءَ) ، أَي يَجْرِي مَعَهم فِي المُناظَرَةِ والجِدالِ ليُظْهِرَ عِلْمَه إِلَى الناسَ رِياءً وسُمْعةً.
(} والإجْريا، بالكسْر) وتَخْفيفِ الياءِ: (الجَرْيُ) ، وَفِي بعضِ النُّسخِ: {والإجْرِي بالكسْرِ.
(} والجارِيَةُ: الشَّمسُ) ، سُمِّيَت بذلِكَ لجَرْيها من القُطْر إِلَى القُطْر، وَقد {جَرَتْ تَجْرِي جَرْياً.
وَفِي التَّهذِيب:} الجارِيَةُ عينُ الشمسِ فِي السماءِ: قالَ اللَّهُ، عزَّ وجلَّ: {والشمسُ تَجْرِي لمُسْتَقَرَ لَهَا} .
(و) الجارِيَةُ: (السَّفينةُ) صفَةٌ غالِبَةٌ؛ وَمِنْه قَوْلُه تَعَالَى: {حَمَلْناكُم فِي الجارِيَةِ} ؛ وَقد جَرَتْ جَرْياً، والجَمْعُ {الجَوارِي، وَمِنْه قَوْلُه تَعَالَى: {وَله} الجَوَارِ المُنْشَآتُ فِي البَحْرِ كالأَعْلامِ} .
(و) الجارِيَةُ: (النِّعْمَةُ من اللَّهِ تَعَالَى) على عبادِهِ: وَمِنْه الحدِيثُ: (الأرْزاقُ {جارِيَةٌ والأَعْطياتُ دارَّةٌ مُتَّصلةٌ) .
قالَ شَمِرٌ: هُما واحِدٌ يقولُ هُوَ دائِم. يقالُ: جَرَى لَهُ ذلكَ الشيءُ ودَرَّ لَهُ بمعْنَى دامَ لَهُ.
(و) الجارِيَةُ: (فَتِيَّةُ النِّساءِ؛ ج} جَوارِ.
(و) يقالُ: (جاريةٌ بَيِّنَةُ {الجَرايَةِ} والجَراءِ {والجَرَا} والجَرائِيَةِ) ، بفتْحِهِنَّ؛ الأَخيرَةُ عَن ابنِ الأعْرابيِّ؛ ( {والجِراءُ، بالكسْرِ) ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ للأَعْشى:
والبيضُ قد عَنَسَتْ وطالَ} جِرَاؤُها
ونَشَأْنَ فِي قِنَ وَفِي أَذْوادِقالَ الجَوْهرِيُّ: يُرْوى بفتْحِ الْجِيم وبكسْرِها.
وقَوْلُهُم: كَانَ ذلكَ أيَّام {جَرَائِها، بالفتْحِ، أَي صِبَاها.
قالَ الأخْفَش: (} والمَجْرَى فِي الشِّعْرِ: حَرَكَةُ حَرْفِ الرَّوِيِّ) ، فَتْحتُه وضمَّتُه وكسْرَتُه، وليسَ فِي الرَّوِيِّ المُقَيَّدِ {مَجْرىً لأنَّه لَا حَرَكَةَ فِيهِ، فيُسَمَّى مَجْرىً، وإنَّما سُمِّي بذلكَ مَجْرىً لأنَّه مَوْضِع جَرْيِ حَرَكاتِ الإعْرابِ والبِناءِ.
(} والمَجارِي: أَواخِرُ الكَلِمِ) ، وذلكَ لأنَّ حَرَكات الإعْرابِ والبناءِ إنَّما تكونُ هنالكَ.
قالَ ابنُ جنِّي: سُمِّي بذلكَ لأنَّ الصَّوْتَ يَبْتدِىءُ {بالجَرَيانِ فِي حُرُوفِ الوَصْلِ مِنْهُ؛ قالَ: وأَمَّا قَوْل سِيْبَوَيْه هَذَا بابُ} مَجارِي أَواخِرِ الكَلِمِ مِن العَربيَّةِ، وَهِي تَجْرِي على ثمانِيَةِ مَجارٍ، فَلم يَقْصُر {المَجارِيَ هُنَا على الحَرَكاتِ فَقَط كَمَا قَصَر العَرُوضيُّون} المَجْرَى فِي القافِيَةِ على حركةِ حَرَفِ الرَّوِيِّ دون سكونِيه) ، أَي يُسَائِلُونَه عَلَيه.
والجَداءُ، كسَحابٍ: الغَنَاءُ.
وَمَا يُجْدِي عَنْك هَذَا: أَي مَا يُغْنِي.
وَمَا يُجْدِي عليَّ شَيْئا كَذلِك.
وَهُوَ قَلِيلُ الجَدَاءِ عنْكَ: أَي قَلِيلُ الغَنَاءِ والنَّفْعِ؛ قالَ ابنُ بَرِّي: شاهِدُه قَوْل مالِكِ بنِ العَجْلانِ:
لَقَلَّ جْ تَتَبَّعه فِي هَذَا الموْضِعِ فقالَ: كيفَ ذَكَرَ السكونَ والوقْفَ فِي المَجارِي، وإِنَّما المَجارِي فيمَا ظَنَّه الحَركاتُ، وسَبَبُ ذلِكَ خَفاء غَرَضِ صاحِبِ الكِتابِ عَلَيْهِ.
(و) قَوْلُه تَعَالَى: {بِسمِ اللَّهِ {مُجْرَاها) ومُرْساها} ؛ قُرىءَ (بالضَّمِّ والفتْحِ) ، وهُما (مَصْدَرَا جَرَى} وأَجْرَى) ورَسَى؛ وكَذلِكَ قَوْلُ لبيدٍ:
وغَنِيتُ سَبْتاً قبلَ مُجْرَى داحِسٍ
لَو كَانَ للنفسِ اللَّجُوجِ خُلُودُرُوِي بالوَجْهَيْن، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
(! وجارِيَةُ بنُ قُدامَةَ؛ ويزِيدُ بنُ جارِيةً) ، كِلاهُما (من رِجالِ الصَّحِيحَيْنِ) ؛ الأَخيرُ مَدنيٌّ عَن معاوِيةً وَعنهُ الحكمُ ابنُ مينا، وُثِّقَ، كَذَا فِي الكاشِفِ، واقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا اقْتِفاء لشيْخِه الذهبيِّ. وَإِلَّا فمَنْ يُسَمَّى بذلِكَ عِدَّة فِي الصَّحابَةِ مِنْهُم: جارِيَةُ بنُ ظفر، وجارِيَةُ بنُ جميلٍ الأَشْجعيُّ، وجارِيَة بنُ أَصْرمٍ، وجارِيَةُ بنُ عبدِ اللَّهِ الأشْجعيُّ، ومجمّعُ بنُ جارِيَةَ أَخُو يَزِيد، وزيدُ بنُ جارِيَة الأوسي، وجارِيَةُ بنُ عبدِ المنْذرِ، والأسْودُ بنُ العَلاءِ بنِ جارِيةَ الثَّقَفيُّ، وحيُّ بنُ جَارِيَةَ، وأَبو الجارِيَةَ الأنْصارِيُّ، رضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
وَفِي الرُّواةِ: جارِيَةَ بنُ يَزيدَ بنِ جارِيَةَ، وعُمَرُ بنُ زيْدِ بنِ جارِيَةَ، وجارِيَةُ بنُ إسْحاق بنِ أَبي الجارِيَةَ، وجارِيَةُ بنُ النُّعْمانِ الباهِليُّ كَانَ على مَرْوَ الشَّاهجان، وجارِيَةُ بنُ سُلَيْمان الكُوفيُّ، وجارِيَةُ بنُ بَلْج الواسطيُّ، وجارِيَةُ بنُ هرمٍ ضُعِّفَ، وزِيادُ بنُ جارِيَةَ، وعيسَى بنُ جارِيَةَ، وإياسُ ابنُ جارِيَةَ المُزَنيُّ المِصْريُّ، وعَمْرُو بنُ جارِيَةَ اللّخميُّ، وأَبو الجارِيَةَ عَن أَبي ذرَ، وأَبو جارِيَةَ عَن شعْبَةَ.
وَفِي الشُّعَراء: جارِيَةُ بنُ حَجَّاج أَبو دُوَاد الإيادِيُّ، وجارِيَةُ بنُ مشمت العَنْبريُّ، وجارِيَةُ بنُ سبر أَبو حَنْبلٍ الطائيُّ، وجارِيَةُ بن سليط بنِ يَربوعٍ فِي تمِيمٍ، وغيرُ هؤلاءِ. فعُلِمَ ممَّا تقدَّمَ أَنَّ اقْتِصارَه على الاثْنَيْن قُصورٌ.
(! والإِجْرِيَّا، بالكسْرِ والشّدِّ) مَقْصوراً (وَقد يُمَدُّ) ، والقَصْرُ أَكْثر: (الوَجْهُ الَّذِي تَأْخُذُ فِيهِ {وتجْرِي عَلَيْهِ) ، قالَ لبيدٌ يصفُ الثوْرَ:
وَوَلَّى كنَصْلِ السَّيْفِ يَبْرُقُ مَتْنُه
على كلِّ} إجْريَّا يَشُقُّ الخَمائِلاوقالَ الكُمَيْت:
على تِلْكَ {إجْرِيَّاي وَهِي ضَرِيبَتي
وَلَو أَجْلَبُوا طُرّاً عليَّ وأَحْلَبُوا (و) } الإجْريَّا: (الخُلُقُ والطَّبيعَةُ) . قَالُوا: الكَرَمْ من {إِجْرِيَّاهُ ومِن} إجْرِيَّائِه، أَي مِن طَبيعَتِه؛ عَن اللّحْيانيّ، وذلِكَ لأنَّه إِذا كانَ الشيءُ مِن طبْعِه جَرَى إِلَيْهِ وجَرَنَ عَلَيْهِ.
( {كالجِرِيَّاءِ كسِنِمَّارٍ،} والإجْرِيَّة، بالكسْرِ مُشَدَّدَة) ، الأُولى بحذْفِ الألفِ ونَقْل حَرَكتها إِلَى الجيمِ، والثانِيَة بقلْبه الألفِ الأخيرَةِ هَاء.
(والجَرِيُّ، كغَنِيَ: الوكيلُ) لأنَّه يَجْرِي مَجْرى مُوكِّلِه؛ (للواحِدِ والجَمْعِ والمُؤَنَّثِ) . يقالُ: جَرِيٌّ بَيِّنُ الجَرَايةِ والجِرايةِ.
قالَ أَبو حَاتِم: وَقد يقالُ لللأنثى جَرِيَّةٌ، وَهِي قَليلةٌ.
قالَ الجوْهرِيُّ: والجَمْعُ أَجْرِياءُ.
(و) الجرِيُّ: (الرَّسُولُ) الجارِي فِي الأمْرِ؛ وَقد أَجْراهُ فِي حاجَتِه.
قالَ الرَّاغبُ: وَهُوَ أَخَصّ مِن الرَّسُولِ والوكيلِ.
قالَ ابنُ بَرِّي: شاهِدُه قَول الشمَّاخ:
تَقَطَّعُ بَيْننا الحاجاتُ إلاَّ
حَوائجَ يُحْتَمَلْنَ مَعَ الجَرِيِّومنه حدِيثُ أُمِّ إسْماعيل، عَلَيْهِ السَّلَام: (فأرْسَلُوا جَرِيّاً) ، أَي رَسُولاً. (و) {الجَرِيُّ: (الأجيرُ) ؛ عَن كُراعٍ.
(و) الجَرِيُّ: (الضَّامِنُ) ؛ عَن ابنِ الأعْرابيِّ؛ وأَمَّا الجَرِيُّ المِقْدَامُ فَهُوَ بالهَمْزِ.
(} والجَرايَةُ، ويُكْسَرْ: الوَكَالَةُ) يقالُ: {جَرِيٌ بَيِّنُ} الجَرَايَةِ {والجِرَايَةِ.
(} وأَجْرَى: أَرْسَلَ وَكِيلاً، {كجَرَّى) بالتّشْديدِ.
قالَ ابنُ السِّكِّيت:} جَرَّى {جَرِيّاً وَكَّلَ وَكِيلاً.
(و) } أَجْرَتِ (البَقْلَةُ: صارَتْ لَهَا جِراءُ) . صَوابُه أنْ يُذْكَرَ فِي جرو.
( {والجِرِّيُّ، كذِمِيَ: سَمَكٌ م) مَعْروفٌ.
(و) } الجِرِّيَّةُ، (بهاءٍ: الحَوْصَلَةُ) .
قالَ الفرَّاءُ: يقالُ أَلْقِه فِي {جِرِّيَّتِك، وَهِي الحَوْصَلَةُ، هَكَذَا رَوَاهُ ثَعْلَب عَن ابنِ نَجْدَةَ بغيرِ هَمْزٍ، ورَواهُ ابنُ هانىء مَهْموزاً لأبي زيْدٍ.
قالَ الرَّاغبُ: سُمِّيت بذلِكَ إمَّا لإنْتِهاءِ الطَّعامِ إِلَيْهَا فِي} جَرْيهِ أَو لأنَّها مَجْرى الطَّعامِ.
(وفَعَلْتُه من {جَرَاكَ، ساكنَةً مَقْصورةً وتُمَدُّ) : أَي (من أَجْلِكَ،} كَجَرّاكَ) بالتَّشْدِيدِ؛ قالَ أَبو النجْم:
فاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ من {جَرَّاها وَلَا تَقُل فعلتُ ذلكَ} مَجْراكَ.
(وحَبِيبةُ بنتُ أَبي {تُجْراةٍ) العَبْدريَّةُ، بالضَّمِّ (ويُفْتَحُ أَوَّلُه: صَحابيَّةٌ) رَوَتْ عَنْهَا صفيَّةُ بنتُ شيبَةَ؛ (أَو هِيَ بالزَّاي مَهْموزةً) ؛ وَقد ذُكِرَتْ فِي الهَمْزِ. ويقالُ فِيهَا جيبة بالتَّشْدِيدِ مُصَغَّراً.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
} الجِرْيَةُ، بالكسْرِ: حالَةُ {الجَرَيانِ.
} والإجْرِيّ، بالكسْرِ: ضَرْبٌ من الجَرْي؛ والجَمْعُ {الأَجارِيّ. يقالُ: فَرَسٌ ذُو} أَجارِيّ أَي ذُو فُنونٍ مِن الجَرْي؛ قالَ رَؤبَة:
غَمْرُ الأجارِيِّ كَرِيم السِّنْحِ
أَبْلَج لم يُولَدْ بنَجْمِ الشُّحّ {وجَرَتِ النّجومُ: سارَتْ مِن المَشْرق إِلَى المَغْرب.
{} والجَوارِي الكُنَّس} : هِيَ النّجومُ.
{والجارِيَةُ الرِّيحُ، والجَمْعُ} الجَوارِي؛ قالَ الشاعِرُ:
فَيَوْماً تَراني فِي الفَرِيقِ مُعَقَّلاً
ويوْماً أُبارِي فِي الرياحِ {الجَوَارِيَا} وتَجَارَوْا فِي الحدِيثِ {كجَارَوا؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (} تَتَجارَى بهم الأَهْواءُ، أَي يَتَدَاعَوْنَ فِيهَا وَهُوَ يَجْرِي {مجْرَاهُ: حالُهُ كحالِهِ.
} ومَجْرَى النّهْر: مَسِيلُه.
والجارِيَةُ: عينُ كلِّ حَيوانٍ.
{والجِرَايَةُ: الجارِي من الوَظائِفِ.
} وجَرَى لَهُ الشيءُ: دامَ؛ قالَ ابنُ حازمٍ:
غَذاها قارِصٌ يَجْرِي عَلَيْهَا
ومَحْضٌ حينَ يَنْبَعِثُ العِشارُقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: وَمِنْه {أَجْرَيْتُ عَلَيْهِ كَذَا: أَي أَدَمْتُ لَهُ.
وصدقَةٌ جارِيَةٌ: أَي دارَّةٌ مُتَّصِلَة كالوُقُوفِ المُرْصَدَةِ لأَبوابِ البِرِّ.
} والجَرِيُّ، كغَنِيَ: الخادِمُ؛ قالَ الشاعِرُ:
إِذا المُعْشِياتُ مَنَعْنَ الصَّبُو
حَ حَثَّ {جَرِيُّكَ بالمُحْصَنِالمُحْصَنُ: المُدَّخَرُ للجَدْبِ.
} واسْتَجْراهُ: طَلَبَ مِنْهُ الجَرْيَ.
{واسْتَجْرى} جَرِيّاً: اتّخَذَه وَكِيلاً؛ وَمِنْه الحدِيثُ: (وَلَا {يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) ، أَي لَا يَسْتَتْبعَنَّكُم فيَتَّخِذكُم} جَرِيّه ووَكِيلَه؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
{وجُوَيْرِيةُ بنُ قُدامَةَ التَّيمِيُّ تابِعيٌّ عَن عُمَر ثِقَةٌ.
} والإجْرِيا بالكسْرِ والتّخْفيفِ لُغَةٌ فِي {الإجْرِيّا، بالتّشْدِيدِ، بمعْنَى العادَةِ.
وَلَا} جَرَ بمعْنَى لَا جَرَمَ، وجَرَى حَسُنَ.

خَرص

(خَ ر ص)

خَرَص يخرُص خَرْصا، وتخرّص: كَذَب.

وَرجل خَرَّاص: كَذَّاب، وَفِي التَّنْزِيل: (قُتل الخرّاصون) .

وخَرَص العددَ يخرُصه، ويَخرِصه، خَرّصا وخِرْصا: حَزَره. وَقيل: الخَرص، الْمصدر، والخِرْص: الِاسْم.

والخِرْص والخَرْص والخُرْص: سِنان الرُّمح.

وَقيل: هُوَ مَا على الجُبة من السنان.

وَقيل: هُوَ الرمْح نَفسه.

وَقيل: هُوَ رمح قصير يتَّخذ من خَشب منحوت، وَهُوَ الخَرِيص. عَن ابْن جني، وانشد لأبي دُوَاد:

وتشاجرتْ ابطالُه بالمَشرفيّ وبالخَريصِ

والخُرْص: كل قَضيب من شَجَرَة.

والخُرْص، والخَرْص، والخِرْص، الْأَخِيرَة عَن أبي عُبَيْدَة: كُل قضيب رطب أَو يَابِس، كالخُوط.

والخُرْص، أَيْضا: الجَريدة، وَالْجمع من كل ذَلِك: اخراص، وخرصان.

والخِرْص والخُرْص: الْعود يُشتار بِهِ الْعَسَل، وَالْجمع: اخراص، قَالَ:

مَعَه سِقاءٌ لَا بفرِّط حَمْلهَ صُفْنٌ وأخراصٌ يَلُحْن ومِسْأبُ

والمخارص: مشاور العَسل.

والمَخارص أَيْضا: الخناجر، قَالَت خُويلة الرِّتَاضِيّة ترثى أقاربها:

طَرَقَتْهم أمَّ الدُّهَيْم فَأَصْبحُوا أكُلاًلها بَمخارصٍ وقَواضبِ

والخِرْص والخُرْص: القُرط بحَبّة وَاحِدَة.

وَقيل: هِيَ الْحلقَة من الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَالْجمع خِرَصة.

والخُرْصة، لُغَة فِيهَا.

والخُرْص: الدِّرع، لِأَنَّهَا حِلَق مثل الخُرْص الَّذِي فِي الْأذن.

والخَريص: شبه حَوْض وَاسع يَنبثق فِيهِ المَاء من النَّهر ثمَّ يعود إِلَيْهِ.

وَقيل: هُوَ المَاء المستنقع فِي اصول النّخل.

وخريص الْبَحْر: خليج مِنْهُ. وَقيل: خَريص البهر وَالنّهر: ناحيتهما، أَو جانبهما.

والخرص: جوع مَعَ برد.

وَرجل خَرِص: جَائِع مقرور.

والخرْص: الدَّن، لُغَة فِي الخِرْس، وَسَيَأْتِي ذكره.

والخَرّاص: صَاحب الدنان، وَالسِّين لُغَة.

والاخراص: مَوضِع، قَالَ أُميَّة بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ:

لمن الديار بِعَلْىَ فالاخراص فالسُّــودَتَين فَمجمعِ الابواصِ

ويُروى: الاحراص، بِالْحَاء.
خَرص
. الخَرْصُ: الحَزْرُ، والحَدْسُ والتَّخْمِينُ، هَذَا هُوَ الأَصْلُ فِي مَعْنَاه، وقِيلَ هُوَ التَّظَنِّي فِيما لَا تَسْتَيْقِنُه، يُقَال: خَرَصَ العَدَدَ يَخْرِصُهُ ويَخْرُصُه خَرْصاً وخِرْصاً، إِذَا حَزَرَه، ومِنْهُ خَرْصُ النَّخْلِ والتَّمْرِ، لأَنَّ الخَرْصَ إِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ بِطَنٍّ لَا إِحَاطَة. وقِيلَ: الاسْمُ بالكَسْرِ، والمَصْدَرُ بالفَتْحِ يُقَالُ: كَمْ خِرْصُ أَرْضِكَ وكَمْ خِرْصُ نَخْلِكَ وفَاعِلُ ذلِكَ الخَارِصُ، والجَمْعُ الخُرّاصُ، وفِي الحَدِيثِ كانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يَبْعَثُ الخُرّاصَ عَلَى نَخِيلِ خَيْبَر عنْدَ إِدْراكِ ثَمَرِهَا، فيَحْزِرُونَه رُطَباً كَذَا، وتَمْراً كَذَا. وَقَالَ ابنُ شُمَيْلٍ: الخِرْصُ، بالكَسْرِ، الحَزْرُ، مِثْل عَلِمْتُ عِلْماً، قالَ الأَزْهَرِيُّ: هذَا جَائِزٌ لأَنَّ الاسْمَ يُوضَع مَوْضِعَ المَصْدَرِ. ومِنَ المَجَازِ: الخَرْصُ: الكَذِبُ. والخَرْصُ: كُلُّ قَوْلِ بالظَّنِّ والتَّخْمِينِ، ومِنْهُ أُخِذَ مَعْنَى الكَذِبِ، لِغَلَبَتِه فِي مِثْلِه، فهُوَ خارِصٌ وخَرَّاصٌ، أَيْ كَذّابٌ، وبِهِ فُسِّرَ قولُه تَعَالَى: قُتِلَ الخَرّاصُونَ. نَقَلَهُ الزَّجّاجُ والفَرّاءُ، وزادَ الأَخِيرُ: الَّذِين قَالُوا: مُحَمَّدٌ شاعِرٌ، وأَشْبَاه ذلِكَ، خَرَصُوا بِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، وقَالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الخَرّاصُونَ: الَّذِينَ إِنَما يَتَظَنَّنُون الشَّيْءَ وَلَا يَحُقُّونَه فيَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ. والخَرْصُ: سَدُّ النَّهْر. وَقَالَ الباهِلِيُّ: الخُرْصُ، بالضَّمِّ: الغُصْنُ. والخُرْصُ: القَنَاةُ.
والخُرْصُ: السِّنَانُ نَفْسُه ويُكْسَرُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي مَعْنَى الغُصْنِ، وَرَوَى غَيْرُه بالفَتْحِ أَيْضاً، وقَالَ: هُوَ كُلُّ قَضِيبٍ رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ، كالخُوْطِ. والخِرْصُ، بالكَسْرِ: الجَمَلُ الشَّدِيدُ الضَّلِيعُ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ. والخِرْصُ: الرُّمْحُ اللَّطِيفُ القَصِيرُ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ مَنْحُوتٍ. والخُرْصُ: الدُّبُّ، هكَذَا فِي سَائِرِ النُّسَخِ بالبَاءِ المُوَحَّدَةَ، والَّذِي فِي اللِّسَانِ وغَيْرِه الدَّنُّ، بالنُّونِ، وهُوَ الصَّوابُ، ولَعَلَّه مُعَرّبُ خِرْس، بالسّينِ المُهْمَلَة بالفَارِسِيَّة، وقَدْ تَقَدَّم فِي السِّين ذلِكَ، ولكِنَّ الدُّبَّ أَيْضاً يُسَمَّى بالفَارِسِيَّةِ خِرْس، فتَأَمَّلْ. والخِرْصُ الزَّبِيلُ، وهذِهِ عَنِ المُطَرِّزِيِّ اللُّغَوِيّ. والخِرَاصَةُ، بالكَسْرِ: الإِصْلاحُ، يُقَالُ: خَرَصْتُ المَالَ خِرَاصَةً، أَيْ أَصْلَحْتُه، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ عَن ابنِ عَبّادِ. وخَرِصَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ:جَاعَ فِي قُرٍّ، فَهُوَ خَرِصٌ وخَارِصٌ: جَائِعٌ مَقْرُورٌ، وأَنْشَدَ ابنُ بِرِّيّ للَبِيدِ:
(فأَصْبَحَ طاوِياً خَرِصاً خَمِيصاً ... كنَصْلِ السَّيْفِ حُودِثَ بالصِّقَال)
وَلَا يُقَال لِلجُوْعِ بِلاَ بَرْدِ خَرَصٌ، ويُقَالُ لِلبَرْدِ بِلا جُوْعٍ خُصَرٌ. والخُرْصُ، بالضمّ ويُكْسَرُ: حَلْقَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم، وَعَظَ النِّسَاءَ وحَثَّهُنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فجَعَلَت المَرْأَةُ تُلْقِي الخُرْصَ والخَاتَمَ، أَوْ حَلْقَةُ القُرْطِ، وقِيلَ: بَلِ القُرْطُ بِحَبَّةٍ واحِدَةٍِ،)
وهِيَ منْ حُلِيِّ الأُذُنِ، أَو الحَلْقَةُ الصَّغيرَةُ منَ الحُلِيِّ كهَيْئَةِ القُرْطِ وغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ شَمِرٍ. ج خِرْصَانٌ، بالكَسْر وبالضَّمِّ قالَ الشاعرُ:
(عَلَيْهِنَّ لُعْسٌ منْ ظِبَاءِ تَبَالَةِ ... مُذَبْذَبَةُ الخُرِصان بادٍ نُحُورُهَا)
والخِرْصُ، بالضَّمِّ وبالكَسْرِ: جَرِيدُ النّخْل، والجَمْعُ أَخْرَاص وخُرْصانٌ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لقَيْسِ بنِ الخَطِيمِ:
(تَرَى قِصَدَ المُرّانِ يُلْقَى كأَنَّهُ ... تَذَرُّعُ خِرْصَانٍ بأَيْدِي الشَّوَاطِبِ)
وَفِي كِتَابِ اللَّيْثِ: الخُرْصُ: عُوَيْدٌ مٌ حًدَّدُ الرَّأْسِ يُغْرَزُ فِي عَقْدِ السِّقاءِ، قالَ: ومِنْهُ قَوْلُهم مَا يَمْلِكُ فُلانٌ خُرْصاً، بالضَّمِّ، وَلَا خِرْصاً، يُكْسَرُ، أَيْ شَيْئاً، وَهَذَا مَجازٌ. والخرْصُ، مُثَلَّثَةً وكَذَا الخِرَاصُ، ككِتَابٍ: مَا عَلَى الجُبَّةِ مِنَ السِّنَانِ، عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وقِيلَ هُوَ نِصْفُ السِّنانِ الأَعْلَى إِلَى مَوْضِعِ الجُبَّةِ، أَو الحَلْقَةُ تُطِيفُ بِأَسْفَلِهِ. وقِيلَ: هُوَ الرُّمْحُ نَفْسُه. وشاهِدُ الخِرْصِ بالكَسْرِ قَوْلُ بِشْرٍ:
(وأَوْجَرْنَا عُتَيْبَةَ ذاتَ خِرْصٍ ... كَأَنَّ بنَحْرِهِ مِنْهَا عَبِيرَا) كالمِخْرَصِ، كمِنْبَرٍ، كَذَا فِي سَائِر النُّسَخِ. وفَاتَه: الخُرُصُ بضَمَّتَيْنِ: لُغَةٌ فِي الخُرْصِ، بالضَّمِّ، وشَاهِدُه قَوْلُ حُمَيْدٍ الأَرْقَطِ:
(يَعَضُّ مِنْهَا الظَّلِفُ الدَّئِيَّا ... عَضَّ الثِّقافِ الخُرُصَ الخَطِّيّا)
والأَخْراصُ، بالفَتْحِ: أَعْوَادٌ يُشَارُ، أَيْ يُخْرَجُ بِهَا العَسَلُ، قَالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيُّ:
(مَعَهُ سِقَاءٌ لَا يُفَرِّطُ حَمْلَهُ ... صُفْنٌ وأَخْرَاصٌ يَلُحْنَ ومِسْأَبُ)
الوَاحِدُ خُرصٌ، كصُرَدٍ، وطُنُبٍ، وبُرْدٍ، الثّانِيَةُ لُغَةٌ فِي الثّالِثَة مِثْل عُسُرٍ وعُسَرٍ. والخُرْصَةُ، بالضَّمّ: الرُّخْصَةُ، مَقْلُوبٌ مِثْلُ الرُّفْصَةِ والفُرْصَةِ. والخُرْصَةُ: الشِّرْبُ من الماءِ، تَقُولُ: أَعْطِنِي خُرْصَتِي مِنَ الماءِ، أَيْ شِرْبَاً مِنْهُ. والخُرْصَةُ: طَعَامُ النُّفَسَاءِ نفسِهَا، وكَأَنَّهُ لُغَةٌ فِي السِّين، وقَدْ تَقَدَّمَ. والخِرْصانُ، بالكَسْرِ: ة، بالبَحْرَيْنِ، وَفِي التَكْمِلَةِ: مَوْضِعٌ، بَدَلَ قَرْيَةٍ، سُمِّيَتْ كَأَنَّه لِبَيْعِ الرِّمَاحِ فِيهَا، فكَأَنّ الأَصْلَ قَرْيَةُ الخِرْصَانِ، فحُذِف المُضَافُ إِلَيْه. وذُو الخِرْصَيْنِ، بالكَسْرِ مُثَنَّىً: سَيْفُ قَيْسِ بنِ الخِطِيمِ الأَنْصَارِيّ الشّاعِرِ وهُوَ القائِلُ فِي قَتْلِهِ العَبْدِيّ:
(ضَرَبْتُ بِذِي الخِرْصَيْنِ رِبْقَةَ مالِكٍ ... فأُبْتُ بِنَفْسٍ قد أَصَبْتُ شِفَاءَهَا)
نَقَلَه الصّاغَانِيُّ. والخِرْصِيَانُ، فِعْلِيانٌ من الخَرْصِ، هُوَ الحِرْصِيانُ، بالحَاءِ الْمُهْملَة، نقَلَه ابنُ) عَبّادٍ، قالَ الصّاغَانِيُّ: وهُو تَصْحِيفٌ، والصَّوَابُ بالخَاءِ، وقَدْ ذَكَرَه أَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ، وابنُ الأَعْرَابِيِّ والأَزْهَرِيُّ عَلَى الصِّحّةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ. والمَخَارِصُ: الأَسِنَّةُ، جَمْعُ مِخْرَصٍ، قَال بِشْرٌ:
(يَنْوِي مُحَاوَلَةَ القِيَامِ وقَدْ مَضَتْ ... فِيهِ مَخَارِصُ كُلِّ لَدْنِ لَهْذَمِ)
والخَرِيصُ، كأَمِيرٍ: الماءُ البَارِدُ يُقَال: مَاءٌ خَرِيصٌ، أَيْ بَارِدُ، مِثْلُ خَصِرٍ، قَالَ الراجِزُ: مُدَامَةٌ صِرْفٌ بماءٍ خَرِيصْ. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الخَرِيصُ المُسْتَنْقَعُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ وغَيْرِهَا مِنَ الشَّجَرِ. وقِيلَ الخَرِيصُ: المُمْتَلِئُ، قَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:
(والمُشْرِفُ المَشْمُولُ يُسْقَى بهِ ... أَخْضَرَ مَطْمُوثاً كماءِ الخَرِيصْ)
ويُرْوَى: الحَرِيص، بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، أَي السّحاب، والمُشْرِفُ: إِناءٌ كانُوا يَشْرَبُون بهِ، والمَشْمُولُ: الطَّيِّبُ البارِدُ، والمَطْمُوث: المَمْسُوس. وقالَ اللَّيْثُ: الخَرِيصُ: شِبْهُ حَوْضٍ وَاسِعٍ يَنْبَثِقُ فيهِ الماءُ مِنْ نَهْرٍ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى النَّهْرِ. والخَرِيصُ: جانِبُ النَّهْرِ، وقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: افْتَرَقَ النَّهْرُ على أَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ خَرِيصاً، يَعْنِي ناحِيَةً مِنْه. وَقَالَ أَبُو عَمْروٍ: الخرِيصُ: جَزِيرَةُ البَحْرِ، وَقَالَ غيْرُه خَلِيجُ البَحْرِ. ومِنَ المَجَازِ: تَخَرَّصَ عَلَيْه فُلانٌ، إِذَا افْتَرَى وتَكَذَّبَ بالبَاطِلِ. ومِنَ المَجَازِ أَيْضاً اخْتَرَصَ القَوْلَ، إِذا افْتَعَلَه، واخْتَلَقَ. وعَنِ ابنِ الأَعْرَابِيِّ: اخْتَرَصَ الرَّجُلُ، إِذَا جَعَل فِي الخُرْصِ، بالكَسْرِ، والضَّمِّ: اسْم لِلْجَرابِ، مَا أَرادَ، واكْتَرَصَ، إِذَا جَمَع وقَلَّدَ. وخَارَصَهُ مُخَارَصَةً: عَاوَضَه وبَادَلَه، هكَذَا فِي الأُصُولِ المُوْجُودَةِ، نَقَلَه ابنُ عَبّادٍ هَكَذَا، والصَّوابُ خاوَصَه، بالواوِ، إِذا عارَضَهُ بِهِ وبادَلَه، وقَدْ صَحَّفَه ابنُ عَبّادٍ، كَمَا سَيَأْتِي فِي خَ وص وَفِي خَ وض. وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه: الخَرِيصُ، كأَمِيرٍ: رُمْحٌ قَصِيرٌ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ مَنْحُوتٍ، عَن ابنِ جِنِّى، وأَنْشَدَ لأَبِي دُوَاد:
(وتَشَاجَرَتْ أَبْطَالُه ... بالمَشْرَفِيِّ وبالخَرِيصِ)
وقَالَ غَيْرُه: الخَرِيصُ: السِّنَانُ. والمَخَارِصُ: مَشَاوِرُ العَسَلِ. والمَخَارِصُ: الخَنَاجِرُ، قالَتْ خُوَيْلَةُ الرِّيَاضِيَّةُ تَرْثِي أَقَارِبَهَا:
(طَرَقَتْهُمُ أُمُّ الدُّهَيْمِ فأَصْبَحُوا ... أُكُلاً لَهَا بِمَخَارِصٍ وقَوَاضِبِ)
والخُرْصُ، بالضَّمِّ: الدِّرْعُ لأَنَّهَا حِلَق مِثْلُ الخُرْصِ الَّذِي فِي الأُذُنِ، قَالَ الأَزْهَرِيُّ: ويُقَالُ للِدُّرُوعِ خِرْصَانٌ، وأَنْشَدَ:
(سمّ الصّبَاحِ بخُرْصانٍ مُسَوَّمَةٍ ... والمَشْرَفِيَّةُ نُهْدِيها بأَيْدِينَا)

قالَ بَعْضُهم: أَرادَ بالخُرْصانِ الدُّرُوعَ، وتَسْوِيمُهَا: جَعْلُ حِلَقٍ صُفْرٍ فِيهَا، ورَوَاهُ بَعْضُهُمْ بخُرْصانٍ مُقَوَّمَةٍ جَعَلَها رِماحاً. والخَرّاصُ، ككَتّانٍ: صَاحِبُ الدِّنَانِ، والسِّينُ لُغَةٌ. وخَرّاصٌ، ككَتّانٍ: اسْمُ مَوْضِعٍ نقَلَه الصّاغَانِيُّ. والأَخْرَاصُ: مَوْضِعٌ فِي قَوْل أُمَيَّةَ ابنِ أَبي عائِذٍ الهُذَلِيِّ ويُرْوَى بالحاءِ المُهْمَلَةِ، وقَدْ تَقَدَّم الشاهِدُ فِي ح ر ص. والخُرْصُ، بالضَّمِّ: أَسْقِيَةٌ مُبَرِّدَة تُبَرِّدُ الشَّرَابَ، نَقَلَهُ اللَّيْثُ، وأَنكره الأَزْهَرِيُّ. والمُخْتَرِصُ: الخَيّاطُ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ. والخِرْصُ، بالكَسْرِ: اسْمُ جَبَلٍ، وبِهِ فُسِّرَ قَوْل عَبِيدِ بنِ الأَبْرَصِ:
(بمُعْضِّلٍ لَجِبٍ كَأَنَّ عُقَابَهُ ... فِي رَأْسِ خرْصٍ طائِرٌ يَتَقَلَّبُ)
والخُرِيصُ: القُوَّةُ، عَن أَبِي عَمْروٍ.

الغَرْبُ

الغَرْبُ: يترشح مَاء فِي الْعين ويسيل مِنْهَا مَتى غمزت صديد.
الغَرْبُ: المَغْرِبُ، والذَّهابُ، والتَّنَحِّي، وأوَّلُ الشَّيءِ، وحَدَّهُ،
كغُرابِهِ، والحِدَّةُ، والنَّشاطُ، والتَّمادِي، والرَّاوِيَةُ، والدَّلْوُ العَظيمَةُ، وعِرْقٌ في العَيْنِ يَسْقي لا يَنْقَطِعُ، والدَّمْعُ، ومَسِيلُهُ، أو انْهِلالُهُ مِنَ العَيْنِ، والفَيْضَةُ مِنَ الخَمْرِ ومِنَ الدَّمْعِ، وبَثْرَةٌ في العَيْنِ، ووَرَمٌ في المآقِي، وكَثْرَةُ الرِّيقِ، وبَلَلُهُ ومَنْقَعُهُ، وشَجَرَةٌ حِجازِيَّةٌ ضَخْمَةٌ شاكَةٌ، قِيلَ: ومنه: "لا يزالُ أهْلُ الغَرْبِ ظاهِرِينَ على الحَقِّ"،
و= يومُ السَّقْيِ، والفَرَسُ الكثيرُ الجَرْيِ، ومُقْدِمُ العَيْنِ، ومُؤْخِرُها، والنَّوَى والبُعْدُ،
كالغَرْبَةِ وقد تَغَرَّبَ. وبالضم: النُّزُوحُ عنِ الوَطَنِ،
كالغُرْبَة والاغْترابِ والتَّغَرُّبِ، وبالتَّحْريكِ: شَجَرٌ، والخَمْرُ، والفِضَّةُ، أو جامٌ منها، والقَدَحُ، وداءٌ يُصيبُ الشَّاةَ، والذَّهَبُ، والماءُ يَقْطُرُ مِنَ الدَّلْوِ بينَ الحَوْضِ والبِئْرِ، وريحُ الماءِ والطِّينِ، والزَّرَقُ في عَيْنِ الفَرَسِ.
والغُرابُ: م، ج: أغْرُبٌ وأغْرِبَةٌ وغِرْبانٌ وغُرْبٌ،
جج: غَرابِينُ، واسْمُ فَرَسٍ لِغَنِيٍّ،
وـ منَ الفَأسِ: حَدُّها، والبَرَدُ والثَّلْجُ، ولَقَبُ أحمدَ بنِ محمدٍ الأَصْفَهانِيِّ، وجَبَلٌ،
وع بِدمَشْقَ، وجَبَلٌ شاهِقٌ بالمدينةِ، وقَذالُ الرَّأسِ،
وـ منَ البَرِيرِ: عُنْقُودُهُ.
والغُرَابانِ: طَرَفا الوَرِكَيْنِ الأَسْفَلانِ يَلِيانِ أعالي الفَخِذِ، أو عَظْمانِ رَقيقانِ أسْفَلَ من الفَرَاشَةِ.
ورِجْلُ الغُرابِ: ضَرْبٌ من صَرِّ الإِبِلِ، لا يَقْدِرُ معهُ الفَصيلُ أن يَرْضَعَ أُمَّهُ، وحَشِيشَةٌ تُسَمَّى بالبَرْبَرِيَّةِ: آطْرِيلالَ، كالشَّبَثِ في ساقِهِ وجُمَّتِهِ وأصْلِهِ، غيرَ أنَّ زَهْرَهُ أبْيَضُ ويَعْقِدُ حَبًّا كحَبِّ المَقْدُونِسِ، ودِرْهَمٌ من بِزْرهِ مَسْحُوقاً مَخْلوطاً بالعَسَلِ مُجَرَّبٌ في اسْتِئْصالِ البَرَصِ والبَهَقِ شُرْباً، وقد يُضافُ إليه رُبْعُ دِرْهَمٍ عاقِرِ قَرْحا، ويَقْعُد في شَمْسٍ حارَّةٍ مَكْشوفَ المَواضِعِ البَرِصَةِ.
وصُرَّ عليه رِجْلُ الغُرابِ: ضاقَ الأَمْرُ عليه.
والغُرابِيُّ: ثَمَرٌ، وحِصْنٌ باليَمنِ،
وع بطَرِيق مِصْرَ. ومحمدُ بنُ (أبي) مُوسَى الغَرَّابُ، كشَدَّادٍ: شيخٌ لأَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِي.
وأغْرِبَةُ العَرَبِ: سُودانُهُمْ.
والأَغْرِبَةُ في الجاهِلِيَّةِ: عَنْتَرَةُ، وخُفافُ بنُ نُدْبَةَ، وأبو عُمَيْرِ بنُ الحُبابِ، وسُلَيْكُ بنُ السُّلَكَةِ، وهشامُ بنُ عُقْبَةَ بنِ أبي مُعَيْط، إلا أنَّه مُخَضْرمٌ قد ولي في الإِسلام،
وـ من الإِسلاميين: عبدُ اللَّهِ بنُ خازِمٍ، وعُمَيْرُ بنُ أبي عُمَيْرٍ، وهَمَّامُ بنُ مُطَرِّفٍ، ومُنْتَشِرُ بنُ وهْبٍ، ومَطَرُ بنُ أوْفَى، وتَأَبَّطَ شَرًّا، والشَّنْفَرَى، وحاجِزٌ غيرُ مَنْسوبٍ.
والإِغْرابُ: إتْيانُ الغَرْبِ، والإِتْيانُ بالغَرِيبِ، والمَلْءُ، وكَثْرَةُ المالِ، وحُسْنُ الحالِ، وإكْثارُ الفَرَسِ منْ جَرْيِهِ، وإجْراءُ الرَّاكِبِ فَرَسَهُ إلى أن يَمُوتَ، والمُبالَغَةُ في الضَّحِكِ، والإِمْعانُ في البِلادِ،
كالتَّغْرِيب، وبَياضُ الأَرْفاغِ.
ومَغْرِبانُ الشَّمْسِ: حيث تَغْرُبُ. ولَقِيتُهُ مَغْرِبَها ومُغَيْرِبانَها ومُغَيْرِباناتِها: عندَ غُرُوبها.
وتَغَرَّبَ: أتَى من الغَرْبِ.
والغَرْبِيُّ منَ الشَّجَرِ: ما أصابَتْهُ الشَّمْسُ بِحَرِّها عندَ أُفُولِها، ونَوْعٌ منَ التَّمْرِ، وصِبْغٌ أحْمَرُ، والفَضيخُ منَ النَّبِيذِ.
وغَرَبَ: غابَ،
كغَرَّبَ، وبَعُدَ.
واغْتَرَبَ: تَزَوَّجَ في غيرِ الأَقارِبِ. وكسُكَّرٍ: جَبَلٌ بالشَّامِ، وبهاءٍ: ماءٌ عنده، (وقد يُخَفَّفُ) .
واسْتَغْرَبَ واسْتُغْرِبَ وأغْرَبَ: بالَغَ في الضَّحِكِ.
والعَنْقاءُ المُغْرِبُ، بالضم، وعَنْقاءُ مُغْرِبٌ ومُغْرِبَةٌ ومُغْرِبٍ، مُضافَةً: طائِرٌ مَعْروفُ الاسمِ لا الجِسْمِ، أو طائِرٌ عظيمٌ يُبْعِدُ في طَيَرانهِ، أو منَ الأَلْفاظِ الدَّالَّةِ على غيرِ مَعْنىً، والدَّاهِيَةُ، ورأسُ الأَكَمَةِ، والتي أغْرَبَتْ في البِلادِ فَنَأَتْ، فلم تُحَسَّ ولم تُرَ.
والتَّغْريبُ: أن يأتِيَ ببنينَ بِيضٍ، وبَنينَ سُودٍ، ضِدُّ، وأن تَجْمَعَ الثَّلْجَ والصَّقيعَ فَتَأْكُلَهُ.
والمُغْرَبُ، بفتح الرَّاءِ: الصُّبْحُ، وكُلُّ شيءٍ أبْيَضَ، أو ما كُلُّ شَيءٍ منْهُ أبْيَضُ، وهو أقْبَحُ البَياضِ، أوْ ما ابْيَضَّ أشْفارُهُ.
والغِرْبيبُ، بالكسر: مِنْ أجْوَدِ العِنَبِ، والشيْخُ يُسَوِّدُ شَيْبَهُ بالخِضابِ. ـ وأَسْوَدُ غِرْبيبٌ: حالِكٌ.
وأمَّا {غَرابيبُ سُودٌ} : فالسُّــودُ بَدَلٌ، لأَنَّ تَوْكِيدَ الأَلْوانِ لا يَتَقَدَّمُ.
وأُغْرِبَ، بالضمِّ: اشْتَدَّ وجَعُهُ،
وـ عليهِ: صُنِعَ به صَنِيعٌ قَبِيحٌ،
وـ الفَرَسُ: فَشَتْ غُرَّتُهُ.
والغُرُبُ، بِضَمَّتَيْنِ: الغَريبُ.
والغُرَاباتُ والغُرابِيُّ والغُرُباتُ وغُرْبُبُ، ونِهْيُ غُرابٍ وغُرُبٍ، بضمهِنَّ: مَواضِعُ.
والغَرِيبَةُ: رَحَى اليَدِ، لأَنَّ الجِيرانَ يَتَعَاوَرُونَها.
والغارِبُ: الكاهِلُ، أو مابَيْنَ السنَّامِ والعُنُقِ، ج: غَوارِبُ.
و"حَبْلُكِ على غارِبِكِ" أي: اذْهَبِي حيثُ شِئْتِ.
وغَوارِبُ الماءِ: أَعالي مَوْجِهِ.
وأصابَهُ سَهْمُ غَرْبٍ، ويُحَرَّكُ،
وسَهْمٌ غَرْبٌ، نَعْتاً، أي: لا يُدْرَى رامِيهِ.
وغَرِبَ، كَفَرِحَ: اسْوَدَّ. وككَرُمَ: غَمُضَ وخَفِيَ.
و"المُغَرِّبونَ"، بكسرِ الرَّاءِ المُشَدَّدَةِ، في الحَديثِ: الذينَ تَشْرَكُ فيهِمُ الجِنُّ، سُمُّوا بِهِ لأَنَّهُ دَخَلَ فيهِمْ عِرْقٌ غَريبٌ، أو لِمَجيئِهِمْ مِنْ نَسَبٍ بَعيدٍ.

السَّرْوُ

السَّرْوُ: شَجَرٌ م، واحِدَتُه: بهاءٍ، وما ارْتَفَعَ عن الوادِي، وانْحَدَرَ عن غِلَظِ الجَبَلِ، ودُودٌ يَقَعُ في النَّباتِ، ومَحَلَّةُ حِمْيَرَ، ومَواضِعُ ذُكِرَتْ قُبَيْلُ، وإلقاءُ الشيءِ عَنْكَ،
كالإِسْراءِ والتَّسْرِيَةِ، والمُرُوءَةُ في شَرَفٍ. سَرُوَ، كَكَرُمَ ودَعا ورَضِيَ، سَرَاوَةً وسَرْواً وسَراً وسَرَاءً، فهو سَرِيٌّ
ج: أسْرِياءُ وسُرَواءُ وسُرًى.
والسَّرَاةُ: اسمُ جَمْعٍ
ج: سَرَواتٌ، وهي سَرِيَّةٌ من سَرِيَّاتٍ وسَرَايا.
وتَسَرَّى: تَكَلَّفَه، أو أخَذَ سُرِّيَّةً.
والسَّرْوَةُ، مُثَلَّثَةً: السَّهْمُ الصَّغيرُ القَصيرُ، أو عَريضُ النَّصْلِ طَوِيلُه.
والسَّرَاةُ: الظَّهْرُ
ج: سَرَواتٌ،
وـ من النَّهارِ: ارْتِفاعُه،
وـ من الطَّريقِ: مَتْنُه.
ومحمدُ بنُ سَرْوٍ: وَضَّاعٌ لِلحَديثِ.
وانْسَرَى الهَمُّ عَنِّي،
وسُرِّيَ: انْكَشَفَ.
والسِرْوُ، بالكسر: د قُرْبَ دِمْياطَ،
وة بِبَلْخَ.
وسَرْوانُ: ة بِسِجِسْتانَ.
واسْتَرَيْتُهُم: اخْتَرْتُهم،
وـ المَوْتُ الحَيَّ: اخْتارَ سَراتَهُم.
وسَرَتِ الجَرادَةُ: باضَتْ. وإسرايِيِلُ، ويُهْمَزُ، واسْرايِينُ، ويُهْمَزُ: اسمٌ.
السَّرْوُ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، على وزن الغزو، والسّرو: الشرف، والسرو من الجبل: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل، ومنه سرو حمير لمنازلهم وهو النّعف والخيف، والسرو:
شجرة، الواحدة سروة، والسّرو سخاء في مروءة:
وهو منازل حمير بأرض اليمن، وهي عدة مواضع:
سرو حمير، قال الأعشى:
وقد طفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوريشلم
فنجران فالســرو من حمير، ... فأيّ مرام له لم أرم؟
وقال عبد الله بن الحارث الهمداني:
وما رحلت من سرو حمير ناقتي ... ليحجبها من دون بيتك حاجب
وسرو العلاة، وسرو مندد، وسرو بين، وسرو سحيم، وسرو الملا، وسرو لبن، وسرو رضعا، ذكره ابن السكيت، وسرو السواد بالشام، وسرو الرّعل بالرمل بجهمة، بينها وبين الماء من كل جهة ثلاث ليال بين فلاة أرض طيّء وأرض كلب، والسرو:
قرية كبيرة ممّا يلي مكّة، وإلى هذه السروات ينسب القوم الذين يحضرون مكّة يجلبون الميرة، وهم قوم غتم بالوحش أشبه شيء، قال طرفة بن العبد يذكر
قصة مرقّش:
وقد ذهبت سلمى بعقلك كلّه، ... فهل غير صيد أحرزته حبائله
كما أحرزت أسماء قلب مرقّش ... بحبّ كلمح البرق لاحت مخائله
وأنكح أسماء المراديّ، يبتغي ... بذلك عوف أن تصاب مقاتله
فلمّا رأى أن لا قرار يقرّه، ... وأنّ هوى أسماء لا بدّ قاتله
ترحّل عن أرض العراق مرقّش ... على طرب تهوي سراعا رواحله
إلى السرو، أرض قاده نحوها الهوى، ... ولم يدر أن الموت بالسرو غائلة
فغودر بالفردين، أرض نطيّة، ... مسيرة شهر دائب لا يواكله
فيا لك من ذي حاجة حيل دونها، ... وما كلّ ما يهوى امرؤ هو نائله
لعمري لموت لا عقوبة بعده ... لذي البثّ أشفى من هوى لا يزايله
فوجدي بسلمى مثل وجد مرقّش ... بأسماء إذ لا تستفيق عواذله
قضى نحبه وجدا عليها مرقّش، ... وعلّقت من سلمى خبالا أماطله
ومن حديث عمر، رضي الله عنه: لئن عشت إلى قابل لأسوّينّ بين الناس حتى يأتي الراعي حقه بسرو حمير لم يعرق فيه جبينه. والسرو أيضا: قرية بمصر من كور الدقهلية.

النَّار

النَّار: عنصر من العناصر الْأَرْبَعَة حَار يَابِس كرتها مماسة لسطح مقعر فلك الْقَمَر فَوق كرة الْهَوَاء.
النَّار: أنثى تصغيرها نُوَيرة وجمعهما أنؤر ونيران ونورتها تبصرتها من بعد، وكذلك جميع أسماء النار مثل سقر ولظى وجهنم وغيرها مؤنثات خلا الجحيم فإنه مذكر. وكذلك سقط النار إن عنوا به النار أنثوه، وإلا فالســقط مذكر لا غير.
(النَّار) عنصر طبيعي فعال يمثله النُّور والحرارة المحرقة وَتطلق على اللهب الَّذِي يَبْدُو للحاسة كَمَا تطلق على الْحَرَارَة المحرقة (مج)(ج) نيران وأنور وَيُقَال استضاء بناره استشاره وَأخذ بِرَأْيهِ وأوقد نَار الْحَرْب أثارها وهيجها

السَّنَد الْأَخَص

السَّنَد الْأَخَص: هُوَ السَّنَد الَّذِي لَا يرْتَفع الْمَنْع بارتفاعه بل يتَحَقَّق مَعَ رَفعه كَمَا يتَحَقَّق مَعَ وجوده مثل أَن يَقُول الْمُدَّعِي هَذَا إِنْسَان وكل إِنْسَان حَيَوَان فَهَذَا إِنْسَان فَيَقُول السَّائِل لَا نسلم الصُّغْرَى لم لَا يجوز أَن يكون فرسا فَالسَّــنَد وَهُوَ كَونه فرسا أخص من عدم كَونه إنْسَانا لتحَقّق عدم كَونه إنْسَانا مَعَ عدم كَونه فرسا أَيْضا مثل أَن يكون حمارا.

الْكسْب

(الْكسْب) مَا اكْتسب يُقَال فلَان طيب الْكسْب

(الْكسْب) عصارة الدّهن وثفل بزور الْقطن والكتان والسمسم بعد عصرها (مو) (وَانْظُر الكزب)
الْكسْب: هُوَ الْفِعْل المفضي إِلَى اجتلاب نفع أَو دفع ضَرَر وَلَا يُوصف فعل الله تَعَالَى بِأَنَّهُ كسب لكَونه منزها عَن جلب نفع أَو دفع ضَرَر. وَأَيْضًا الْكسْب هُوَ مُبَاشرَة الْأَسْبَاب بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ المعني بقَوْلهمْ الْكسْب صرف العَبْد قدرته فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْكسْب والخلق قُلْنَا صرف العَبْد قدرته وإرادته إِلَى الْفِعْل وإيجاد الله تَعَالَى الْفِعْل عقيب ذَلِك الصّرْف خلق والمقدور الْوَاحِد دَاخل تَحت القدرتين لَكِن بجهتين مختلفتين فالفعل مَقْدُور الله تَعَالَى بِجِهَة الإيجاد ومقدور العَبْد بِجِهَة الْكسْب فَلَا يلْزم توارد العلتين المستقلتين على الْمَعْلُول الْوَاحِد الشخصي وَهُوَ محَال. وللمتكلمين فِي الْفرق بَينهمَا عِبَارَات مثل أَن الْكسْب يَقع بِآلَة والخلق لَا بِآلَة وَالْكَسْب مَقْدُور الكاسب يَقع فِيمَا هُوَ قَائِم بالكاسب كَمَا فِي الْحَرَكَة والسكون القائمين بالمتحرك والساكن فَكَانَ الْكسْب وَقع فِي ذَات الكاسب وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْكسْب مَقْدُور وَقع فِي مَحل قدرته أَي قدرَة الْكسْب والخلق مَقْدُور لَكِن لَا يَقع فِي مَا هُوَ قَائِم بالخالق بل فِيمَا هُوَ غير قَائِم بِهِ فَإِن خلق الله تَعَالَى وإيجاده إِنَّمَا هُوَ وَاقع فِي زيد وَعَمْرو مثلا وهما ليسَا بقائمين بالخالق فالخلق غير وَاقع فِي الْخَالِق. وَمثل أَن الْكسْب لَا يَصح انْفِرَاد الْقَادِر بِهِ أَي لَا يَصح استقلاله فِي كَسبه بِأَن لَا يحْتَاج فِي كَسبه إِلَى أَمر بل العَبْد الكاسب يكون مُحْتَاجا فِيهِ إِلَى أُمُور كخلق الله تَعَالَى الْقُدْرَة عِنْد إِرَادَته الْفِعْل وَغير ذَلِك بِخِلَاف الْخلق فَإِنَّهُ يَصح انْفِرَاد الْقَادِر على الْخلق بِهِ وَعدم احْتِيَاجه فِي الْخلق إِلَى غَيره. وَتَحْقِيق صرف العَبْد قدرته فِي مَوْضِعه فاطلب هُنَاكَ. فَإِن قيل إِن العَبْد مُخْتَار فِي فعله أم مجبور قُلْنَا مُخْتَار لِأَنَّهُ يفعل بِالِاخْتِيَارِ بِوَاسِطَة الْكسْب الْمَذْكُور. فَإِن قيل ذَلِك الْكسْب فعل أم لَا وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي لِأَن كل فعل اخْتِيَاري مَخْلُوق الله تَعَالَى فَيلْزم الْجَبْر. أَقُول إِن الْكسْب فعل لَكِن لَيْسَ بمخلوق الله تَعَالَى وَلَا يلْزم بطلَان الْكُلية لِأَن المُرَاد بِالْفِعْلِ فِيهَا الْفِعْل الْمَوْجُود وَالْكَسْب من الْأُمُور اللاموجودة واللامعدومة أَو نقُول إِن المُرَاد من الْفِعْل فِي تِلْكَ الْكُلية مَا يصدر بعد الْكسْب وَالِاخْتِيَار وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا. نعم إِن الْكسْب مَخْلُوق الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه تَعَالَى خلق قدرَة يصرفهَا العَبْد إِلَى كل من الْأَفْعَال وَالتّرْك على سَبِيل الْبَدَل. ثمَّ صرفهَا إِلَى وَاحِد معِين فعل العَبْد فَهُوَ مَخْلُوق الله تَعَالَى بِمَعْنى استناده لَا على سَبِيل الْوُجُوب ليلزم الْجَبْر إِلَى موجودات هِيَ مخلوقة الله تَعَالَى لَا أَن الله تَعَالَى خلق هَذَا الصّرْف قصدا فَلَا يلْزم الْجَبْر كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُؤثر إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وتفصيل هَذَا المرام فِي الْمُقدمَات الْأَرْبَع فِي التَّلْوِيح قَالُوا إِن الله تَعَالَى خَالق لأفعال الْعباد كلهَا اعْلَم أَن المُرَاد بالأفعال المفعولات لَا الْمَعْنى المصدري لِأَنَّهُ أَمر اعتباري لَا يتَعَلَّق بِهِ الْخلق وَلَا تحقق لَهُ فِي الْخَارِج وَإِلَّا لزم التسلسل فِي الإيقاعات وَأَيْضًا لَيْسَ المُرَاد بالمفعول الْجَوَاهِر لِأَنَّهُ لَيْسَ الْخلاف إِلَّا فِيمَا يُوجد بكسب العَبْد ويستند إِلَيْهِ من الْأَعْرَاض مثل الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَإِلَّا فالســرير مثلا أَيْضا مفعول بِالنِّسْبَةِ إِلَى النجار ومعموله لِأَنَّهُ تعلق بِهِ فعله وَعَمله لكنه مَخْلُوق الله تَعَالَى بالِاتِّفَاقِ.

ناعِمٌ

ناعِمٌ:
بكسر العين: حصن من حصون خيبر عنده قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة ألقوا عليه رحا فقتلوه عام خيبر. والناعم: موضع آخر في قول عدي بن الرقاع:
ألمم على طلل عفا متقادم ... بين الذؤيب وبين غيب الناعم
وقال أبو دؤاد:
أوحشت من سروب قومي تعار، ... فأروم فشابة فالســتار
فإلى الدور فالمرورات منهم، ... فحفير فناعم فالديار

فالقضية شَرْطِيَّة

فالقضية شَرْطِيَّة: مثل كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود.
وَاعْلَم أَنه وَقع الِاخْتِلَاف فِي أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة فِي الْجَزَاء أم بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء قَالَ المنطقيون أَن الحكم بَين طرفيها أَي الْمُقدم والتالي وَمَفْهُوم الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة الحكم بِلُزُوم الْجَزَاء للشّرط مثلا وصدقها بِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم باللزوم للْوَاقِع وكذبها بِعَدَمِ تِلْكَ الْمُطَابقَة وكل من طرفيها قد انخلع عَن الخبرية وَاحْتِمَال الصدْق وَالْكذب - فالقضية الشّرطِيَّة تشارك الْقَضِيَّة الحملية فِي أَنَّهَا قَول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب وتخالفها بِأَن طرفيها يكونَانِ مفردين وَيكون الحكم فِيهَا بِأَن أحد الطَّرفَيْنِ هُوَ الآخر - فَإِن قَوْلنَا كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود مَفْهُومه عِنْدهم أَن وجود النَّهَار لَازم لطلوع الشَّمْس فالقضية إِذا جعلت جُزْءا من الشّرطِيَّة مقدما أَو تاليا ارْتَفع عَنْهَا اسْم الْقَضِيَّة وَلم يبْق لَهَا احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وَتعلق هَذَا الِاحْتِمَال بالربط بَين القضيتين سَوَاء كَانَ بالاتصال أَو الِانْفِصَال فَإِن كَانَ الحكم بالاتصال أَو الِانْفِصَال مطابقا للْوَاقِع فَيكون صَادِقا وَإِلَّا فكاذبا وَلَا مُلَاحظَة إِلَى الشَّرْط وَلَا إِلَى الْجَزَاء.
والمحقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله صرح فِي المطول أَن مَذْهَب أهل الْعَرَبيَّة أَن الحكم فِي الْجَزَاء وَالشّرط قيد الْمسند فِيهِ بِمَنْزِلَة الْحَال أَو الظّرْف فَإِن قَوْلك إِن تكرمني أكرمك بِمَنْزِلَة قَوْلك أكرمك وَقت إكرامك إيَّايَ وَلَا يخرج الْكَلَام بتقييده بِهَذَا الْقَيْد عَمَّا كَانَ من الخبرية والإنشائية فالجزاء إِن كَانَ خَبرا فالجملة خبرية نَحْو إِن جئتني أكرمك بِمَعْنى أكرمك وَقت مجيئك. وَإِن كَانَ إنشائية فالجملة إنشائية نَحْو إِن جَاءَك زيد فَأكْرمه أَي أكْرمه وَقت مَجِيئه.
وَإِنَّمَا صرح الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِهَذَا نظرا إِلَى مَا اخْتَارَهُ السكاكي فِي الْمِفْتَاح حَيْثُ قَالَ إِن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة جملَة خبرية مُقَيّدَة بِقَيْد مَخْصُوص مُحْتَملَة فِي نَفسهَا للصدق وَالْكذب. وَإِنَّمَا قَالَ جملَة خبرية وَلم يقل جملَة خبرية أَو إنشائية بِنَاء على أَنه فِي بحث تَقْيِيد الْمسند الخبري - وَقَوله فِي نَفسهَا إِشَارَة إِلَى أَن الِاحْتِمَال يجب أَن يقطع فِيهِ النّظر عَن خُصُوصِيَّة الْمُتَكَلّم وَالْخَبَر كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَا المُرَاد بِهِ مَا ظَنّه الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي شرح الْمِفْتَاح كَمَا سَيَجِيءُ وَلَيْسَ فِي كَلَام غير السكاكي تَصْرِيح بِهَذَا فالعجب من الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَنه اطلع على مَذْهَب السكاكي وَنسب الْمَذْهَب إِلَى أهل الْعَرَبيَّة.
وَقد صرح النحويون بِأَن كلم المجازاة تدل على سَبَبِيَّة الأول ومسببية الثَّانِي وَهَذَا يُنَادي نِدَاء كالرعد القاصف بِأَن الحكم إِنَّمَا هُوَ بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء - وَالْمَقْصُود هُوَ الارتباط بَينهمَا فَأهل الْعَرَبيَّة صَارُوا متهمين بِهَذَا الْمَذْهَب من زمَان الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ المنطقيون لِأَن انْتِفَاء الْقَيْد يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمُقَيد فَلَو كَانَ الحكم فِي الْجَزَاء وَيكون الشَّرْط قَيده وَيكون قَوْلك إِن ضَرَبَنِي زيد ضَربته بِمَعْنى أضربه فِي وَقت ضربه إيَّايَ يلْزم أَن لَا يكون صَادِقا إِلَّا إِذا تحقق الضَّرْب مَعَ ذَلِك الْقَيْد فَإِذا فرض انْتِفَاء الْقَيْد أَعنِي وَقت ضربه إيَّايَ لم يكن الضَّرْب الْمُقَيد بِهِ وَاقعا فَيكون الْخَبَر الدَّال على وُقُوعه كَاذِبًا سَوَاء وجد مِنْك الضَّرْب فِي غير ذَلِك الْوَقْت أَو لم يُوجد. وَذَلِكَ بَاطِل قطعا لِأَنَّهُ إِذا لم يَضْرِبك وَلم تضربه وَكنت بِحَيْثُ إِن ضربك ضَربته عد كلامك هَذَا صَادِقا عرفا ولغة فَلَو جعل الشَّرْط قيد الْجَزَاء يلْزم خلاف الْعرف واللغة.
حَاصله أَن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة صَادِقَة إِذا كَانَ قصد الْمُتَكَلّم تَعْلِيق مَضْمُون الْجَزَاء بِالشّرطِ سَوَاء تحقق الْجَزَاء وَالشّرط أَو لَا وَلَو كَانَ الشَّرْط قيدا للجزاء كالظرف كَانَ صدقهَا مَوْقُوفا على تحقق الْجَزَاء فِي وَقت تحقق الشَّرْط كَقَوْلِك أكرمتك فِي وَقت مجيئك وَذَلِكَ لِأَن الْإِخْبَار عَن نِسْبَة وَاقعَة فِي وَقت إِنَّمَا يصدق إِذا وَقعت تِلْكَ النِّسْبَة فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن قَوْلك إِن ضربتني ضربتك صَادِق إِذا كَانَ الْمَقْصُود التَّعْلِيق وَإِن لم يُوجد مِنْك ضرب للمخاطب أصلا. أَلا ترى أَن قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} . شَرْطِيَّة صَادِقَة مَعَ امْتنَاع تحقق الْجَزَاء فِي وَقت تحقق الشَّرْط لامتناعه فَافْهَم.
وَأَيْضًا مفَاد الشّرطِيَّة نِسْبَة اتصالية أَو انفصالية ومفاد الحملية نِسْبَة حملية. وَمن الْمَعْلُوم أَن هَذِه النّسَب الثَّلَاث متبائنة فَكَذَا القضايا الثَّلَاث فَكيف يتَصَوَّر الِاتِّحَاد بَينهَا وَإِن نظرت حق النّظر فِي كَلَام السكاكي فِي الْمِفْتَاح ظهر لَك أَن كَلَامه يدل ظَاهرا على مَا يدل لَكِن مُرَاده من جعل الشَّرْط قيدا للجزاء ضبط الْكَلَام وتقليل الانتشار للأقسام لِأَن الْكَلَام حِينَئِذٍ يكون مضبوطا بِحَيْثُ يكون بعض أَجْزَائِهِ مُلْصقًا بِالْبَعْضِ. وَأَيْضًا يكون الْجُمْلَة خبرية جملَة مُقَيّدَة بالظرف أَو الْحَال لَا شَرْطِيَّة قسما آخر مُقَابلا للحملية فَيحصل تقليل الْأَقْسَام وَهُوَ أرفع للانتشار فالســكاكي مُوَافق للمنطقيين فالمحقق التَّفْتَازَانِيّ توهم من ظَاهر كَلَامه مَا توهم فَقَالَ مَا قَالَ. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ إِن الْعَلامَة الرَّازِيّ ذكر فِي شرح الْمِفْتَاح أَن مُرَاد السكاكي بقوله فِي نَفسهَا أَن الْجَزَاء بِالنّظرِ إِلَى ذَاته مُجَردا عَن التَّقْيِيد بِالشّرطِ جملَة خبرية وبالنظر إِلَى تَقْيِيده بِالشّرطِ وأداة الشَّرْط إنشائية مَعَ أَن مُرَاد السكاكي بقوله فِي نَفسهَا مَا مر فَلَمَّا حمل الْعَلامَة الرَّازِيّ قَوْله فِي نَفسهَا على مَا حمله كَمَا علمت آنِفا. قَالَ إِن مَذْهَب السكاكي أَن الشَّرْط قيد الْجَزَاء وَالْجَزَاء جملَة إنشائية فطعن عَلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَنَّهُ خلط المذهبين وأحدث مذهبا آخر من الْبَين لِأَن تَقْيِيد الْجَزَاء بِالشّرطِ مَذْهَب أهل الْعَرَبيَّة على مَا زَعمه وَخُرُوجه عَن الخبرية إِلَى الْإِنْشَاء مَذْهَب المنطقيين فَأَخذهُمَا جَمِيعًا. ثمَّ اعْلَم أَن الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ قَالَ فِي المطول وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن مَفْهُوم الشّرطِيَّة بِحَسب اعْتِبَار المنطقيين غَيره بِحَسب اعْتِبَار أهل الْعَرَبيَّة لأَنا إِذا قُلْنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود فَعِنْدَ أهل الْعَرَبيَّة النَّهَار مَحْكُوم عَلَيْهِ وموجود مَحْكُوم بِهِ وَالشّرط قيد لَهُ. وَمَفْهُوم الْقَضِيَّة أَن الْوُجُود ثَبت للنهار على تَقْدِير طُلُوع الشَّمْس وَظَاهر أَي على هَذَا الْمَفْهُوم أَن الْجَزَاء بَاقٍ على مَا كَانَ عَلَيْهِ من احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وصدقها بِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم بِثُبُوت الْوُجُود للنهار حِين طُلُوع الشَّمْس للْوَاقِع وكذبها بعدمها أَي بِعَدَمِ تِلْكَ الْمُطَابقَة وَأما عِنْد المنطقيين فالمحكوم عَلَيْهِ هُوَ الشَّرْط والمحكوم بِهِ هُوَ الْجَزَاء وَمَفْهُوم الْقَضِيَّة الحكم بِلُزُوم الْجَزَاء للشّرط وصدقها بِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم باللزوم وكذبها بعدمها انْتهى.
وغرض الْمُحَقق من هَذَا التَّحْقِيق الأنيق بَيَان أَن منشأ النزاع وَالْخلاف هُوَ الِاخْتِلَاف فِي الْمَفْهُوم يَعْنِي أَن مَفْهُوم الشّرطِيَّة عِنْد أهل الْعَرَبيَّة غير مَا هُوَ مفهومها عِنْد المنطقيين وَلَو كَانَ مفهومها وَاحِدًا عِنْدهمَا لما وَقع النزاع وَالْخلاف. وَلَكِن لَا يخفى على من لَهُ أدنى مسكة أَن النَّحْوِيين الباحثين عَن كلم المجازاة بِأَنَّهَا تدل على سَبَبِيَّة الأول ومسببية الثَّانِي كَيفَ يكون عِنْدهم مَفْهُوم قَوْلنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود إِن الْوُجُود ثَبت للنهار على تَقْدِير طُلُوع الشَّمْس من غير مُلَاحظَة السَّبَبِيَّة والمسببية قيل النزاع بَينهمَا لَفْظِي فَإِن نظر أهل الْعَرَبيَّة على محاورة الْعَرَب وهم إِذا قَالُوا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق مثلا لَا يرومون بِهِ مُجَرّد الْإِخْبَار بالاتصال لُزُوما أَو اتِّفَاقًا بل إِنَّمَا يرومون بِهِ مُجَرّد إِيقَاع الطَّلَاق وَقت الدُّخُول.
فالمقصود عِنْدهم أَن الحكم فِي الْجَزَاء مُقَيّد بذلك الْوَقْت بِخِلَاف المنطقيين فَإِن غرضهم يتَعَلَّق بنظم الْقيَاس وَهُوَ لَا يُمكن إِلَّا بِاعْتِبَار الحكم الاتصالي بَين النسبتين. وَلَا يخفى أَن هَذَا إِنَّمَا يتم فِي الشرطيات الَّتِي تواليها إنشاءات بِحَسب الْعرف كَسَائِر أَلْفَاظ الْعُقُود الَّتِي يقْصد بهَا حُصُول الْمَعْنى الشَّرْعِيّ كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالنِّكَاح وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهَا بل فِيمَا قصد بِهِ مُجَرّد الْإِخْبَار كَقَوْلِنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَلَا يُمكن قِيَاس هَذَا على تِلْكَ الْوُجُود الْفَارِق. وَقد يُقَال إِن قَول أهل الْعَرَبيَّة هَذَا مَقْصُور فِي تِلْكَ الشرطيات خَاصَّة لَا فِي جَمِيعهَا. وَأَصْحَاب الْمنطق لم يخالفوهم فِيهَا. وَلقَائِل أَن يَقُول لَا نسلم أَن الشّرطِيَّة الَّتِي تَالِيهَا إنْشَاء فِيهَا حكم حَتَّى يُقَال إِنَّه فِي الْجَزَاء أَو بَين الْمُقدم والتالي لانْتِفَاء الْحِكَايَة وَإِنَّمَا الْكَلَام فِيمَا فِيهِ حكم فَافْهَم.

العمود

العمود: يُطلق على كل وَاحِد من الخطين اللَّذين يقوم أَحدهمَا على الآخر بِحَيْثُ لَو أخرجَا على الاسْتقَامَة تحدث هُنَاكَ أَربع زَوَايَا مُتَسَاوِيَة.
(العمود) السَّيِّد الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْأُمُور و (من الإعصار) مَا يسطع فِي السَّمَاء وَمن الصُّبْح مَا تبلج من ضوئه وعمود الْبَطن الظّهْر يُقَال ضربه على عَمُود بَطْنه وعمود الْأَمر قوامه الَّذِي لَا يَسْتَقِيم إِلَّا بِهِ وَيُقَال استقاموا على عَمُود رَأْيهمْ على وَجه يعتمدون عَلَيْهِ و (فِي الهندسة) كل قِطْعَة يزِيد طولهَا أَكثر من عشر مَرَّات على طول قطرها الْأَصْغَر وَتَكون متحملة لقُوَّة ضغط (مج) و (فِي الميكانيكا) عَمُود الإدارة سَاق مستديرة القطاع معدة لنقل الْحَرَكَة الدورانية (مج) والعمود (فِي الْمُنْشَآت) دعامة رأسية (مج) وعمود الْإِشَارَة عَمُود بأعلاه ذِرَاع يشار بهَا إِلَى أَن الطَّرِيق مَفْتُوح (محدثة) وعمود الشّعْر طَرِيقَته الموروثة عَن الْعَرَب فِي وَزنه وقافيته وأسلوبه وعمود الطَّعَام أوعية يركب بَعْضهَا فَوق بعض على شكل عَمُود (مج) وعمود الْمِيزَان مَا يعلق بطرفيه كفتاه (ج) أعمدة وَعمد وَعمد
العمود:
[في الانكليزية] Column ،vertical line
[ في الفرنسية] Colonne ،ligne verticale
بالفتح في اللغة بمعني ستون خانة وعند المهندسين هو الخطّ القائم على خط آخر بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان متساويتان كذا في شرح أشكال التأسيس. وبعبارة أخرى العمود خط قائم على خط آخر بحيث لا يميل إلى جانب بل يقوم مستويا، وهذا هو العمود من الخط على الخط. وأمّا العمود من الخط على السطح فهو خط قائم على سطح مستو بحيث لا يميل إلى جانب بأن يحيط بقائمة مع كلّ خط يخرج في ذلك السطح من الفصل المشترك بين ذلك السطح وبين ذلك الخط. وأمّا العمود من السطح على السطح فهو سطح قائم على سطح آخر، بحيث لا يميل إلى جانب، بأن يكون بحيث لو أخرج كلّ عمود من الفصل المشترك بين السطحين على أحدهما لماسّ السطح الآخر بكلّه، بأن يقع كلّ ذلك الخط المخرج في ذلك السطح، والسطحان حينئذ متقاطعان على قوائم، وإن لم يماسّه بكلّه فالســطحان مائلان. هكذا يستفاد من ضابط قواعد الحساب. وعمد بفتحتين جمع عمود است.

الْعلَّة الصورية

الْعلَّة الصورية: وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْعلَّة الغائية إِنَّمَا هِيَ عِلّة فِي الذِّهْن وَأما فِي الْخَارِج فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ وَلِهَذَا يُقَال إِن الْعلَّة الغائية كالجلوس مُقَدّمَة على الْمَعْلُول فِي الذِّهْن - وَأما فِي الْخَارِج فالســرير عِلّة لَهُ - وَقد نبهناك على تعريفات هَذِه الْعِلَل فِي ارْتِفَاع الْمَانِع.

الْعلم

الْعلم: بالفتحتين الْعَلامَة، والشهرة، والجبل الرفيع، والراية، وَمَا يعْقد على الرمْح، وَسيد الْقَوْم، وَجمعه الْأَعْلَام، وَعند النُّحَاة مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه شخصا أَو جِنْسا غير متناول غَيره بِوَضْع وَاحِد وَهَذَا هُوَ الْعلم القصدي وَأما الْعلم الاتفاقي فَهُوَ الَّذِي يصير علما أَي وَاقعا على معِين بالغلبة وَكَثْرَة الِاسْتِعْمَال لَا بِالْوَضْعِ والاصطلاح وَهُوَ على ثَلَاثَة أَصْنَاف اسْم ولقب وكنية واطلب كلا فِي مَحَله.
ثمَّ اعْلَم أَن علم بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين على وزن سمع مَاض مَعْرُوف من أَفعَال الْقُلُوب من الْعلم بِمَعْنى (دانستن) وَهُوَ فعل الْقلب وَأما علم بتَشْديد الْعين على وزن صرف فَإِنَّهُ من التَّعْلِيم وَهُوَ من أَفعَال الْجَوَارِح، وَأما إِطْلَاق التَّعْلِيم على إِفَادَة الإشراقين فَهُوَ على سَبِيل التنزل وَالْمجَاز. وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا مَا قَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَاشِيَته على المطول أَن قَوْله مَا لم نعلم مفعول ثَان لعلم بِالتَّشْدِيدِ وَالْأول مَحْذُوف أَي علمنَا وَلَا ضير فِي ذَلِك إِذْ لَيْسَ علم من أَفعَال الْقُلُوب حَتَّى لَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد مفعوليه انْتهى. وَالْعلم بِكَسْر الأول وَسُكُون اللَّام مصدر علم يعلم فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ (دانستن) .
ثمَّ إِنَّه قد يُطلق على مَا هُوَ مبدأ انكشاف الْمَعْلُوم وَقد يُطلق على مَا بِهِ يصير الشَّيْء منكشفا على الْعَالم بِالْفِعْلِ وَفِي مَا بِهِ الانكشاف اخْتِلَاف مَذَاهِب لَا يتَجَاوَز عشْرين احْتِمَالا عقليا وَوجه ضبط تِلْكَ الِاحْتِمَالَات أَنه إِمَّا حَقِيقَة وَاحِدَة أَو حقائق متبائنة وعَلى الأول إِمَّا زَوَال أَو حُصُول، ثمَّ الْحُصُول إِمَّا حُصُول أثر مَعْلُوم فِي الْعَالم، أَو حُدُوث أَمر فِيهِ، أَو كِلَاهُمَا والأثر إِمَّا صُورَة مَعْلُوم أَو شبحه وَالْأول إِمَّا قَائِم بِنَفسِهِ، أَو منطبع فَهِيَ الْمدْرك، أَو مُتحد مَعَه، والمنطبع إِمَّا منطبع فِي مدرك أَو فِي الْآلَة، والزوال إِمَّا زَوَال أَمر عَن الْعَالم أَو عَن الْمَعْلُوم أَو كليهمَا وعَلى الثَّانِي من الشق الأول إِمَّا إِطْلَاق الْعلم عَلَيْهَا بالاشتراك أَو بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز ثمَّ الِاشْتِرَاك إِمَّا لَفْظِي أَو معنوي وَالصَّوَاب المقبول عِنْد الفحول وَالْحق الْحَقِيقِيّ بِالْقبُولِ إِنَّه لَيْسَ حَقِيقَة نوعية أَو جنسية حَتَّى يعرف بِأَمْر جَامع منطبق على جَمِيع جزئياته بل إِطْلَاقه على الْجَمِيع من بَاب إِطْلَاق الْعين على مدلولاته المتبائنة أَلا ترى أَن نَحْو انكشاف الْوَاجِب تَعَالَى لذاته أَو لغيره على اخْتِلَاف بَين الْحُكَمَاء والمتكلمين لَيْسَ إِلَّا كنحو وجوده المغائر للْكُلّ تقوما وتحصلا وتخصيصا وتشخيصا فَكَمَا أَنه لَا سَبِيل لنا إِلَى اكتناه ذَاته كَذَلِك لَا سَبِيل إِلَى اكتناه صِفَاته الَّتِي من جُمْلَتهَا الْعلم الَّذِي لَيْسَ بحدوث كَيْفيَّة وَلَا بِحُصُول أثر من الْمَعْلُوم فِيهِ وَلَا باتحاد الْمَعْلُوم مَعَه وَلَا بِحُضُور مثل وَلَا بحدوث إِضَافَة متجددة وَلَا بِزَوَال شَيْء عَنهُ لاستلزام الْجَمِيع مفاحش لَا تلِيق بجنابه تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَكَذَا انكشاف المفارقات لأنفسها ولمبدعها ولغيرها لَيْسَ بِحُصُول الْأَثر وَلَا بِزَوَال الْمَانِع وَكَذَا الانكشاف لأنفسنا ولغيرنا من الْوَاجِب تَعَالَى والممكن والممتنع لَيْسَ إِلَّا على أنحاء شَتَّى وطرق متبائنة فَمن رام تَوْحِيد الْكثير أَو تَكْثِير الْوَاحِد فَقَط خبط خبطا عَظِيما وَبَقِي التفتيش فِي الْعلم الَّذِي هُوَ مورد الْقِسْمَة إِلَى التَّصَوُّر والتصديق فِي فواتح كتب الْمنطق بِأَنَّهُ نَحْو من الانكشاف إِمَّا بِزَوَال أَمر منا أَو بحدوث كَيْفيَّة فِينَا أَو بِحُصُول أثر من الْمَعْلُوم صُورَة أَو شبحا أَو باتحاد الْمَعْلُوم معنى أَو بِحُضُور مثل أَو بِإِضَافَة التفاتية وَالَّذِي يحكم بِهِ الْعقل السَّلِيم والذهن الْمُسْتَقيم هُوَ أَنا تَجِد فِينَا عِنْد إحساس الْأَشْخَاص المتبائنة أمورا صَالِحَة لمعروضية الْكُلية والنوعية والجنسية وَمَا وجدنَا فِي الْخَارِج أمرا يكون شَأْنه هَذَا، ثمَّ لما فتشنا عَن تِلْكَ الْأُمُور علمنَا أَنَّهَا لَيست بِأُمُور عدمية وَإِلَّا لما كَانَت قَابِلَة لابتناء الْعُلُوم عَلَيْهَا وَلَا آثارا متغائرة للأشخاص وَإِلَّا لما تسري أَحْكَامهَا إِلَى الْأَفْرَاد ولأعينها وَإِلَّا لترتب على الْأَشْخَاص مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا وَبِالْعَكْسِ عكسا كليا فَعلمنَا أَن هَا هُنَا أمرا وَاحِدًا مشخصا بتشخصين تشخصا خارجيا وَهُوَ على نَحْو الْكَثْرَة وتشخصا ذهنيا وَهُوَ على نَحْو الْوحدَة والوحدة وَالْكَثْرَة أَمْرَانِ زائدان عَلَيْهِ عارضان لَهُ حسب اقْتِضَاء ظرف التحقق وَهَذَا هُوَ قَول من قَالَ إِن الماهيات فِي الْخَارِج أَعْيَان وَفِي الأذهان صور.
ثمَّ إِن الْعُقَلَاء اخْتلفُوا فِي أَن الْعلم بديهي أَو كسبي والذاهبون إِلَى كسبيته اخْتلفُوا فِي أَن كَسبه متعسر أَو متيسر وَإِلَى كل ذهب ذَاهِب، فَذهب الإِمَام الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَنه لَيْسَ بضروري بل هُوَ نَظَرِي وَلَكِن تحديده متعسر وَطَرِيق مَعْرفَته الْقِسْمَة والمثال أما الأول فَهُوَ أَن يُمَيّز عَمَّا يلتبس من الاعتقادات كَمَا تَقول الِاعْتِقَاد إِمَّا جازم أَو غير جازم والجازم إِمَّا مُطَابق أَو غير مُطَابق والمطابق إِمَّا ثَابت أَو غير ثَابت فقد حصل عَن الْقِسْمَة اعْتِقَاد جازم مُطَابق ثَابت وَهُوَ الْعلم بِمَعْنى الْيَقِين فقد تميز عَن الظَّن بِالْجَزْمِ وَعَن الْجَهْل الْمركب بالمطابقة وَعَن التَّقْلِيد الْمُصِيب الْجَازِم بالثابت الَّذِي لَا يَزُول بالتشكيك وَأما الثَّانِي فَكَأَن تَقول الْعلم إِدْرَاك البصيرة المشابه لإدراك الباصرة أَو كاعتقادنا أَن الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ وَقيل هَذَا بعيد فَإِنَّهُمَا إِن أفادا تميز أصلحا مُعَرفا وَإِلَّا لم يحصل بهما معرفَة لماهية الْعلم لِأَن مُحَصل الْمعرفَة لشَيْء لَا بُد وَأَن يُقيد تميزه عَن غَيره لِامْتِنَاع حُصُول مَعْرفَته بِدُونِ تميزه عَن غَيره.
وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن الْكَلَام فِي تعسر مَعْرفَته بالكنه. فِي العضدي قَالَ الإِمَام الْعلم ضَرُورِيّ لِأَن غير الْعلم لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ لزم الدّور لكنه مَعْلُوم فَيكون لَا بِالْغَيْر وَهُوَ ضَرُورِيّ. وَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم كَونه مَعْلُوما إِن تصور غير الْعلم إِنَّمَا يتَوَقَّف على حُصُول الْعلم بِغَيْرِهِ أَعنِي علما جزئيا مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر لَا على تصور حَقِيقَة الْعلم بِالْغَيْر أَعنِي علما جزئيا مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر وَالَّذِي يُرَاد حُصُوله بِالْغَيْر إِنَّمَا هُوَ تصور حَقِيقَة الْعلم لَا حُصُول جزئي مِنْهُ فَلَا دور للِاخْتِلَاف انْتهى.
وَالْحَاصِل أَن الإِمَام الْغَزالِيّ اسْتدلَّ على مَا ادَّعَاهُ بِأَن الْعلم لَو كَانَ كسبيا مكتسبا من غَيره لدار لِأَن غَيره إِنَّمَا يعلم بِهِ. وخلاصة الْجَواب أَن غير الْعلم إِنَّمَا يعلم بِعلم خَاص مُتَعَلق بِهِ لَا بتصور حَقِيقَة الْعلم وَالْمَقْصُود تصور حَقِيقَته بِغَيْرِهِ فَلَا دور فَافْهَم. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شرح المواقف وَاعْلَم أَن الْغَزالِيّ صرح فِي الْمُسْتَصْفى بِأَنَّهُ يعسر تَحْدِيد الْعلم بِعِبَارَة محررة جَامِعَة للْجِنْس والفصل الذاتيين فَإِن ذَلِك متعسر فِي أَكثر الْأَشْيَاء بل فِي أَكثر المدركات الحسية فَكيف لَا يعسر فِي الإدراكات الْخفية.
ثمَّ قَالَ إِن التَّقْسِيم الْمَذْكُور يقطع الْعلم عَن مظان الِاشْتِبَاه والتمثيل بِإِدْرَاك الباصرة بفهمك حَقِيقَة فَظهر أَنه إِنَّمَا قَالَ بعسر التَّحْدِيد الْحَقِيقِيّ دون التَّعْرِيف مُطلقًا وَهَذَا كَلَام مُحَقّق لَا بعد فِيهِ لكنه جَار فِي غير الْعلم كَمَا اعْترف بِهِ انْتهى - وَذهب الإِمَام الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَنه بديهي لضَرُورَة أَن كل أحد يعلم بِوُجُودِهِ وَهَذَا علم خَاص بديهي وبداهة الْخَاص يسْتَلْزم بداهة الْعَام - وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: أَحدهَا أَن الضَّرُورِيّ إِنَّمَا هُوَ حُصُول علم جزئي بِوُجُودِهِ وَهَذَا الْحُصُول لَيْسَ تصور ذَلِك الجزئي وَغير مُسْتَلْزم لَهُ فَلَا يلْزم تصور الْمُطلق أصلا فضلا عَن أَن يكون ضَرُورِيًّا، وتوضيحه أَن بَين حُصُول الشَّيْء وتصوره فرقا بَينا فَإِن ارتسام مَاهِيَّة الْعلم فِي النَّفس الناطقة بِنَفسِهَا فِي ضمن الجزئيات حُصُول تِلْكَ الْمَاهِيّة لَا تصورها كحصول الشجَاعَة للنَّفس الْمُوجب لاتصافها بهَا من غير أَن تتصورها وارتسام مَاهِيَّة الْعلم فِي النَّفس بِصُورَة تِلْكَ الْمَاهِيّة ومثالها يُوجب تصورها لَا حُصُولهَا كتصور الشجَاعَة الَّذِي لَا يُوجب اتصاف النَّفس بالشجاعة.
ومحصول التَّوْضِيح أَن الْفرق بَين حُصُول الْعلم نَفسه لِلْعَقْلِ وَبَين تصَوره بَين فَإِن الأول منَاط الاتصاف بِنَفس الْعلم دون العالمية بِالْعلمِ وَالثَّانِي منَاط العالمية بِالْعلمِ فَإِن حُصُول الشجَاعَة نَفسهَا مُوجب للاتصاف بهَا لَا لتصورها وَالْعلم بهَا وتصورها يُوجب العالمية بهَا لَا لحصولها والاتصاف بهَا نعم كم من شُجَاع لَا يعلم أَن الشجَاعَة مَا هِيَ وَهُوَ شُجَاع وَكم من جبان يعلم مَاهِيَّة الشجَاعَة وَهُوَ جبان وَثَانِيهمَا وُرُود المنعين الْمَشْهُورين من منع كَون الْعَام ذاتيا وَكَون الْخَاص مدْركا بالكنه.
وَحَاصِله أَن ذَلِك الاستلزام مَوْقُوف على أَمريْن أَحدهمَا كَون الْعلم ذاتيا للخاص وَلَا نسلم أَن يكون الْعلم الْمُطلق ذاتيا للْعلم الْخَاص وَثَانِيهمَا كَون الْخَاص متصورا بالكنه وَلَا نسلم أَن يكون الْعلم الْخَاص بديهيا متصورا بالكنه لم لَا يجوز أَن يكون متصورا بِالْوَجْهِ قيل إِن الْخَاص هَا هُنَا مُقَيّد والعالم مُطلق وبداهة الْمُقَيد تَسْتَلْزِم بداهة الْمُطلق لِأَنَّهُ جُزْء خارجي لمَفْهُوم الْمُقَيد فتصوره بِدُونِهِ مِمَّا لَا يتَصَوَّر وَأجِيب بِأَن منشأ هَذَا السُّؤَال عدم الْفرق بَين الْفَرد والحصة وللعلم أفرلد حصصية والفرد هُوَ الطبيعة الْمَأْخُوذَة مَعَ الْقَيْد بِأَن يكون كل من الْقَيْد وَالتَّقْيِيد دَاخِلا كزيد وَعَمْرو للْإنْسَان والحصة هِيَ الطبيعة المنضافة إِلَى الْقَيْد بِأَن يكون التَّقْيِيد من حَيْثُ هُوَ تَقْيِيد دَاخِلا والقيد خَارِجا كوجود زيد وَوُجُود عَمْرو وَعلم زيد وَعلم عَمْرو. وَلَا يخفى على الناظرين أَن هَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ المُرَاد بِالْعلمِ الْمَعْنى المصدري وَأما إِذا كَانَ المُرَاد بِهِ مَا بِهِ الانكشاف فَلَا يتم وَأَنت تعلم أَن الْمَعْنى المصدري خَارج عَن مَحل النزاع والنزاع حِين إِرَادَة الْمَعْنى المصدري يكون لفظيا كالنزاع فِي الْوُجُود فَإِن من قَالَ بكسبيته يُرِيد مَا بِهِ الانكشاف وَيَدعِي بكسبيته لَا الْمَعْنى المصدري.
وَالْحَاصِل أَنه لَا شكّ فِي بداهة الْعلم الَّذِي يعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بدانستن لِأَنَّهُ معنى انتزاعي لَا يتخصص إِلَّا بإضافات وتخصيصات فحقيقته لَيست إِلَّا مفهومة وحقائق أَفْرَاده لَيست إِلَّا مفهوماتها كَيفَ وَلَو كَانَت مفهوماتها عارضة لحقائقها لكَانَتْ مَحْمُولَة عَلَيْهَا بالاشتقاق وَهُوَ يسْتَلْزم كَون الْعلم عَالما وَالْعلم الْخَاص بديهي وَالْعَام جُزْء مِنْهُ وبداهة الْخَاص تَسْتَلْزِم بداهة الْعَام والمنعان الْمَذْكُورَان حِينَئِذٍ مُكَابَرَة لَا تسمع لَكِن هَذَا الْمَعْنى خَارج عَن مَحل النزاع كَمَا علمت وَإِن أُرِيد أَن الْعلم بِمَعْنى مبدأ الانكشاف بديهي بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور فَلَا يَخْلُو عَن صعوبة لوُرُود المنعين المذكورية بِلَا مُكَابَرَة فَإِن قلت لَو كَانَ الْعلم بديهيا لما اشْتغل الْعُقَلَاء بتعريفه قلت إِنَّمَا عرف الْعلم من ذهب إِلَى كسبيته لَا إِلَى بداهته فاشتغالهم بتعريفه لَا يدل عى كسبيته بِحَسب الْوَاقِع بل بِحَسب الِاعْتِقَاد. نعم يرد أَنا لَو سلمنَا أَن الذَّاهِب إِلَى كسبيته عرفه بِحَسب اعْتِقَاده لَكِن تَعْرِيفه لدلالته على حُصُوله بِالْكَسْبِ يُنَافِي البداهة لِأَن البديهي مَا لم يُمكن حُصُوله بِالْكَسْبِ لايحصل بِغَيْر الْكسْب وَلَا أَن يُقَال إِن الْمَعْنى الْمَذْكُور للبديهي مَمْنُوع كَيفَ وَلَو كَانَ تَعْرِيف البديهي مَا ذكر للَزِمَ بطلَان البداهة فِي عدَّة من الْأُمُور الَّتِي بداهتها قَطْعِيَّة بالِاتِّفَاقِ وَقيل الْجَواب بِأَن الْكَلَام فِي كنه الْعلم فَإِذا فرض أَنه ضَرُورِيّ لَا يلْزم على صِحَّته امْتنَاع تَعْرِيفه بالرسم لجَوَاز أَن يكون كنه شَيْء ضَرُورِيًّا دون اسْمه وَبَعض وجوهه فَلم لَا يكون تَعْرِيف الْعُقَلَاء تعريفا رسميا للْعلم لَيْسَ بصواب لِأَن تَعْرِيف الشَّيْء بالرسم بعد تصَوره بالكنه مُمْتَنع إِذْ بعد تصَوره بالكنه إِذا قصد تَعْرِيفه بِالْوَجْهِ يكون التَّعْرِيف لذَلِك الْوَجْه الْمَجْهُول لَا لذَلِك الشَّيْء.
وَلَا يخفى على من لَهُ نظر ثاقب أَن بَين علم الشَّيْء بِالْوَجْهِ وَالْعلم بِوَجْه ذَلِك الشَّيْء فرق بَين فَإِن الْوَجْه فِي الأول مُتَصَوّر تبعا وبالعرض ومرآة وَآلَة لتصور ذَلِك الشَّيْء الَّذِي قصد تصَوره بذلك الْوَجْه وَفِي الثَّانِي أَولا وبالذات من غير أَن يكون تصَوره آلَة لتصور غَيره ومرآة لَهُ فَإِن قلت إِن الْعلم من صِفَات النَّفس وَعلمهَا بِنَفسِهَا وصفاتها حضوري وَهُوَ لَا يَتَّصِف بالبداهة والكسبية قلت إِن المُرَاد بِالصِّفَاتِ الصِّفَات الانضمامية أَي الصِّفَات العينية الخارجية الْغَيْر المنتزعة وَالْكَلَام فِي الْعلم الْمُطلق وَهُوَ لَيْسَ من الصِّفَات الانضمامية وَبعد تَسْلِيمه عدم اتصاف الحضوري بالبداهة مَمْنُوع - اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يخترع اصْطِلَاح آخر وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، وَفِي بعض شُرُوح سلم الْعُلُوم وَالْحق أَن الْعلم نور قَائِم بِذَاتِهِ وَاجِب لذاته وَلَيْسَ تَحت شَيْء من المقولات فَإِن الْعلم إِنَّمَا حَقِيقَته مبدأ انكشاف الْأَشْيَاء وظهورها بِأَن يكون هُوَ بِنَفسِهِ مظْهرا ومصداقا لحمله والممكن لما كَانَ فِي ذَاته فِي بقْعَة الْقُوَّة وحيز الليسية كَانَ فِي ذَاته أمرا ظلمانيا لَا ظَاهرا وَلَا مظْهرا فَلَا يكون علما وَلَا فِي حد ذَاته عَالما فَكَمَا أَن قوامه ووجوده إِنَّمَا هُوَ بِالْعرضِ من تِلْقَاء إفَاضَة الْجَاعِل الْحق كَذَلِك عالميته إِنَّمَا هِيَ بِالْعرضِ من تِلْقَاء إفَاضَة الْعَالم الْحق فمصداق حمل الْوُجُود وَالْعلم على الْوَاجِب نفس ذَاته وعَلى الْمُمكن هُوَ من حَيْثُ استناده إِلَى الله تَعَالَى فَكَمَا أَن وجود الْمُمكن هُوَ وجود الْوَاجِب كَذَلِك علمه هُوَ علم الْوَاجِب تَعَالَى بل الْعلم هُوَ الْوُجُود بِشَرْط كَونه مُجَردا فَالْوَاجِب سُبْحَانَهُ يَجْعَل الْعقل أمرا نورانيا ينْكَشف الْأَشْيَاء عِنْد قِيَامهَا بهَا وَلَيْسَ الْعلم أمرا زَائِدا على وجودهَا الْخَاص الْمُجَرّد وَلذَا تدْرك ذَاتهَا بذاتها. نعم قد يفْتَقر إِلَى أَن يكون وجود الْمَعْلُوم لَهُ حَتَّى ينْكَشف عِنْده إِذا كَانَ هُوَ غير ذَاته وَصِفَاته وَذَلِكَ بإعلام الْمعلم وبإفاضة وجوده لَهُ فالعلم وَإِن كَانَ أظهر الْأَشْيَاء وأبينها وأوضحها لَكِن يمْتَنع تصَوره بالكنه وَنسبَة الْعُقُول إِلَيْهِ كنسبة الخدش إِلَى الشَّمْس وَنسبَة الْقَمَر إِلَيْهَا وَلذَا قَالَ المُصَنّف أَي مُصَنف السّلم فِيهِ أَن الْعلم من أجلى البديهيات وَإِنَّمَا اختفاء جَوْهَر ذَاته لشدَّة وضوحها كَمَا أَن من المحسوسات مَا يبلغ فِيهِ بذلك الْحَد حَتَّى يمْنَع عَن تَمام الْإِدْرَاك كَالْعلمِ فَإِنَّهُ مبدأ ظُهُور الْأَشْيَاء فَيجب أَن يكون ظَاهرا فِي نَفسه لَيْسَ فِيهِ شَرّ الظلمَة - وَلِهَذَا يفْتَقر إِلَى التَّشْبِيه لإِزَالَة خفائه وَأَنه لَيْسَ خفِيا فِي نَفسه بل لِأَن عقولنا أعجز عَن اكتناهه فَهَذَا التَّشْبِيه يشبه الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ مَاء وضع لرؤية تِمْثَال الشَّمْس انْتهى.
والذاهبون إِلَى كسبية الْعلم وَأَن كَسبه متيسر اخْتلفُوا فِي تَعْرِيفه، وَالْمُخْتَار عِنْد الْمُتَكَلِّمين أَنه صفة توجب تميز شَيْء لَا يحْتَمل ذَلِك الشَّيْء نقيض ذَلِك التميز وهم لَا يطلقون الْعلم إِلَّا على الْيَقِين كَمَا ستعرف، وَعلم الْوَاجِب عِنْد الْمُتَكَلِّمين صفة أزلية تنكشف المعلومات عِنْد تعلقهَا بهَا وتعلقات علمه تَعَالَى على نَوْعَيْنِ كَمَا فصلنا فِي تعلقات علم الْوَاجِب تَعَالَى.
وَالْعلم عِنْد الْحُكَمَاء يتَنَاوَل الْيَقِين وَالشَّكّ وَالوهم والتقليد وَالْجهل، وَالْعلم الْمُطلق عِنْدهم أَي سَوَاء كَانَ حضوريا أَو حصوليا مُطلق الصُّورَة الْحَاضِرَة عِنْد الْمدْرك سَوَاء كَانَت نفس الْمَعْلُوم كَمَا فِي الحضوري أَو غَيره وَلَو بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي الحصولي، وَسَوَاء كَانَت مُطَابقَة لما قصد تصَوره كَمَا فِي الْيَقِين أَولا كَمَا فِي الْجَهْل، وَسَوَاء احتملت الزَّوَال كَمَا فِي التَّقْلِيد وَالظَّن وَالشَّكّ وَالوهم أَولا كَمَا فِي الْيَقِين، وَسَوَاء كَانَت مرْآة لملاحظة مَا قصد تصَوره كَمَا فِي الْعلم بالكنه أَو بِالْوَجْهِ أَولا كَمَا فِي الْعلم بكنه الشَّيْء وَالْعلم بِوَجْه الشَّيْء وَالْمرَاد بالصورة الْمَاهِيّة فَإِنَّهَا بِاعْتِبَار الحضوري العلمي تسمى صُورَة وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْخَارِجِي عينا. وَيعلم من هَذَا التَّعْرِيف عدَّة أُمُور أَحدهَا أَن الْعلم أَمر وجودي لَا عدمي لِأَن الضَّرُورَة تشهد بِأَن وَقت الانكشاف يحصل شَيْء من شَيْء لَا أَنه يَزُول مِنْهُ لكنه لم يقم عَلَيْهِ برهَان قَاطع وَثَانِيها أَنه شَامِل للحضوري والحصولي ولعلم الْوَاجِب والممكن والكليات والجزئيات فِي الْآلَات أَو فِي نفس النَّفس وَثَالِثهَا أَنه شَامِل للمذهبين فِي الجزئيات، أَحدهمَا، أَن مدركها هُوَ النَّفس وَثَانِيهمَا أَن مدركها هُوَ الْحَواس وَرَابِعهَا أَنه شَامِل لمذهبي ارتسام صور الجزئيات المادية فِي الْآلَات أَو فِي نفس النَّفس لِأَن الْمدْرك يتَنَاوَل الْمُجَرّد وَالنَّفس والحواس وَكلمَة عِنْد لعِنْد ولفي والحضور والحصول كالمترادفين.
وَالتَّحْقِيق أَن الْمدْرك لجَمِيع الْأَشْيَاء النَّفس الناطقة سَوَاء كَانَ ارتسام الصُّور فِيهَا أَو فِي غَيرهَا وَسَيَأْتِي لَك تَفْصِيل الْمذَاهب. وَالْأَحْسَن فِي التَّعْمِيم أَن نقُول سَوَاء كَانَت تِلْكَ الصُّورَة الْحَاضِرَة عِنْد الْمدْرك عين الصُّورَة الخارجية كَمَا فِي الْعلم الحضوري أَو غَيرهَا كَمَا فِي الحصولي. وَسَوَاء كَانَت عين الْمدْرك بِالْفَتْح كَمَا فِي علم الْبَارِي تَعَالَى نَفسه أَو غَيره كَمَا فِي علمه بسلسلة الممكنات، وَسَوَاء كَانَت فِي نفس النَّفس كَمَا فِي علمهَا بالكليات أَو فِي الْآلَات كَمَا فِي علمهَا بالجزئيات، وَسَوَاء كَانَت مرْآة أَو لَا فَإِن كَانَت مرْآة فالمرآة والمرئي إِن كَانَا متحدين بِالذَّاتِ ومتغائرين بِالِاعْتِبَارِ. فَعلم الشَّيْء بالكنه وَإِن كَانَا بِالْعَكْسِ فَعلم الشَّيْء بِالْوَجْهِ، وَإِن لم يكن مرْآة فالعلم بكنه الشَّيْء إِن كَانَ الْحَاصِل كنهه وَالْعلم بِوَجْه الشَّيْء إِن كَانَ الْحَاصِل وَجهه، وَالْعلم الْحَقِيقِيّ إِنَّمَا هُوَ علم الشَّيْء بالكنه لَا بِالْوَجْهِ لِأَن الْحَاصِل فِيهِ حَقِيقَة هُوَ الْوَجْه لَا الشَّيْء وَلَا تلْتَفت النَّفس إِلَى الشَّيْء فِي الْعلم بكنه الشَّيْء وَوَجهه كَمَا لَا يخفى.
وَيعلم من هَذَا الْبَيَان أَن الْعلم الْمُطلق الْمَذْكُور على نَوْعَيْنِ النَّوْع الأول الْعلم الحضوري وَهُوَ أَن يكون الصُّورَة العلمية فِيهِ عين الصُّورَة الخارجية فَيكون الْمَعْلُوم فِيهِ بِعَيْنِه وذاته حَاضرا عِنْد الْمدْرك لَا بصورته ومثاله كَمَا فِي علم الْإِنْسَان بِذَاتِهِ وَصِفَاته كالصور الذهنية الْقَائِمَة بِالنَّفسِ فَإِن الْعلم بهَا إِنَّمَا هُوَ بِحُضُور ذواتها عِنْد الْمدْرك لَا بِحُصُول صورها عِنْده فَإِن النَّفس فِي إِدْرَاك الصُّور الذهنية لَا تحْتَاج إِلَى صُورَة أُخْرَى منتزعة من الأولى.
وَهَا هُنَا اعْتِرَاض مَشْهُور هُوَ أَن نفس الْعلم الحصولي علم حضوري مَعَ أَنه لَيْسَ عين الصُّورَة الخارجية وَالْحق أَن نفس الْعلم الحصولي من الموجودات الخارجية كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْعلم الحضوري فَلَا تلْتَفت إِلَى مَا أُجِيب بِأَن المُرَاد بالصورة الخارجية أَعم من الْخَارِجِي وَمِمَّا يحذو حَذْو الْوُجُود الْخَارِجِي أَي للوجود الْخَارِجِي وَلما هُوَ مماثل لَهُ جَار مجْرَاه فِي ترَتّب الْآثَار الخارجية وَلَكِن يُمكن المناقشة بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم الِاتِّحَاد بَين الحضوري والحصولي مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ لِأَن الْعلم الحصولي حَقِيقَة نوعية محصلة عِنْدهم ذاتي لما تَحْتَهُ ومغائر للحضوري مُغَايرَة نوعية فَإِذا تعلق الْعلم بِالْعلمِ الحصولي يكون ذَلِك الْعلم عين الحضوري فَيلْزم الِاتِّحَاد بَينهمَا وَالنَّوْع الثَّانِي الْعلم الحصولي وَهُوَ الَّذِي لَا يكون إِلَّا بِحُصُول صُورَة الْمَعْلُوم فَتكون الصُّورَة العلمية فِيهِ غير الصُّورَة الخارجية وَيُقَال لَهُ الانطباعي أَيْضا كَمَا فِي إِدْرَاك الْأَشْيَاء الخارجية عَن الْمدْرك أَي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تكون عينه وَلَا قَائِمَة بِهِ.
ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن الْعلم الحصولي، إِمَّا صُورَة الْمَعْلُوم الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن المكيفة بالعوارض الذهنية، وَإِمَّا قبُول الذِّهْن بِتِلْكَ الصُّورَة أَو إِضَافَة مَخْصُوصَة بَين الْعَالم والمعلوم فَإِن انكشاف الْأَشْيَاء عِنْد الذِّهْن فِي الْعلم الحصولي لَيْسَ قبل حُصُول صورها فِيهِ عِنْد الْحُكَمَاء الْقَائِلين بالوجود الذهْنِي فهناك أُمُور ثَلَاثَة الصُّورَة الْحَاصِلَة وَقبُول الذِّهْن بهَا من المبدأ الْفَيَّاض وَإِضَافَة مَخْصُوصَة بَين الْعَالم والمعلوم. فَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعلم الحصولي هُوَ الأول وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره أَن هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور. وَوجه بِأَن الْعلم يُوصف بالمطابقة وَعدمهَا وَإِنَّمَا الْمَوْصُوف بهما الصُّورَة، وَفِي شرح الإشارات أَن من الصُّورَة مَا هِيَ مُطَابقَة للْخَارِج وَهِي الْعلم - وَمَا هِيَ غير مُطَابقَة وَهِي الْجَهْل فالســيد السَّنَد قدس سره يَجْعَل الْعلم من مقولة الكيف وينحصر الاتصاف بالمطابقة وَعدمهَا فِي الصُّورَة الَّتِي من مقولة الكيف وينكر ذَلِك الاتصاف فِي الانفعال وَالنِّسْبَة.
وَأَنت تعلم أَن عدم جَرَيَان الْمُطَابقَة فيهمَا مَمْنُوع لجَوَاز جريانها بِاعْتِبَار الْوُجُود النَّفس الأمري أَو الْخَارِجِي بِاعْتِبَار مبدأ الانتزاع وَلَو وَجه بِأَن الصِّفَات الَّتِي يَتَّصِف بهَا الْعلم مثل البداهة والنظرية والاكتساب من الْحَد والبرهان والانقسام إِلَى التَّصَوُّر والتصديق إِنَّمَا ينطبق على الصُّورَة الْحَاصِلَة لَا على الْإِضَافَة والارتسام لَكَانَ أسلم وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه هُوَ الثَّانِي فَيكون من مقولة الانفعال وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه هُوَ الثَّالِث فَيكون من مقولة الْإِضَافَة، وَأما إِنَّه نفس حُصُول الصُّورَة فِي الذِّهْن فَلم يقل بِهِ أحد لِأَن الْعلم بِمَعْنى الْحُصُول معنى مصدري لَا يكون كاسبا وَلَا مكتسبا لِأَنَّهُ لايكون آلَة وعنوانا لملاحظة الْغَيْر كَمَا مر.
وَلِهَذَا قَالُوا إِن من عرف الْعلم بِحُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل تسَامح فِي الْعبارَة بِقَرِينَة أَنه قَائِل بِأَنَّهُ من مقولة الكيف فَعلم أَنه أَرَادَ الصُّورَة الْحَاصِلَة بِجعْل الْحُصُول بِمَعْنى الْحَاصِل وَالْإِضَافَة من قبيل جرد قطيفة لكنه قدم ذكر الْحُصُول تَنْبِيها على أَن الْعلم مَعَ كَونه صفة حَقِيقِيَّة يسْتَلْزم إِضَافَة إِلَى مَحَله بالحصول لَهُ، وَالْحَاصِل أَن الصُّورَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ لما لم تكن علما بل إِنَّمَا الْعلم هُوَ الصُّورَة بِصفة حُصُولهَا فِي الذِّهْن حمل حُصُولهَا على الْعلم مُبَالغَة تَنْبِيها على أَن مدَار كَونهَا علما هُوَ الْحُصُول نعم لَو أخر ذكر الْحُصُول وَقَالَ هُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة لحصل ذَلِك التَّنْبِيه لَكِن لَا فِي أول الْأَمر وَلَا يخفى أَن تَعْرِيفه بِحُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل مَعَ ذَلِك التسامح لَيْسَ بِجَامِع لِأَن الْمُتَبَادر من صُورَة الشَّيْء الصُّورَة الْمُطَابقَة وَلَا يَشْمَل الجهليات المركبة وَهِي الِاعْتِقَاد على خلاف مَا عَلَيْهِ الشَّيْء مَعَ الِاعْتِقَاد بِأَنَّهُ حق وَلِأَنَّهُ يخرج عَنهُ الْعلم بالجزئيات المادية عِنْد من يَقُول بارتسام صورها فِي القوى أَو الْآلَات دون نفس النَّفس.
وَالْعلم فِي فواتح كتب الْمنطق المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق هُوَ الْعلم الحصولي لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ دخل فِي الاكتسابات التصورية والتصديقية واختصاص بهَا وَإِنَّمَا هُوَ الْعلم الحصولي وَلذَا قَالَ الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق أَن الْعلم الَّذِي هُوَ مورد الْقِسْمَة إِلَى التَّصَوُّر والتصديق هُوَ الْعلم المتجدد وَالْمرَاد بالمتجدد علم يتَحَقَّق كل فَرد مِنْهُ بعد تحقق الْمَوْصُوف بعدية زمانية وَهُوَ لَيْسَ إِلَّا الْعلم الحصولي، والحضوري وَإِن كَانَ بعض أَفْرَاده كَالْعلمِ الْمُتَعَلّق بالصورة العلمية متحققا بعد تحقق الْمَوْصُوف لَكِن جَمِيع أَفْرَاده لَيْسَ كَذَلِك فَإِن علم المجردات بذواتها وصفاتها حضوري وَهِي علل لعلومها وَلَا تنفك علومها عَنْهَا فَلَيْسَ بَين علومها ومعلوماتها بعدية زمانية وتعريفه الأشمل للجهليات وللمذهبين فِي الْعلم بالأشياء والأسلم عَن ارْتِكَاب الْمجَاز الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل.
وَإِن أردْت توضيح هَذَا التَّعْرِيف وتحقيقه وتنقيحه ودرجة كَونه أشمل وَأسلم من تَعْرِيفه بِأَنَّهُ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل مَعَ أَن فِي هَذَا التَّعْرِيف ارْتِكَاب إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف كَمَا مر بِخِلَاف التَّعْرِيف الْمَذْكُور فاستمع لما يَقُول هَذَا الْغَرِيب الْقَلِيل البضاعة أَن المُرَاد بالصورة إِمَّا نفس مَاهِيَّة الْمَعْلُوم أَي الْمَوْجُود الذهْنِي الَّذِي لَا تترتب عَلَيْهِ الْآثَار الخارجية فَإِن الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْحُضُور العلمي تسمى صُورَة وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْعَيْنِيّ أَي الْخَارِجِي تسمى عينا أَو المُرَاد بهَا ظلّ الْمَعْلُوم وشبحه الْمُخَالف لَهُ بِالْحَقِيقَةِ على اخْتِلَاف فِي الْعلم بالأشياء.
فَإِن الْمُحَقِّقين على أَن الْعلم بالأشياء بِأَعْيَانِهَا وَغَيرهم على أَنه بإظلالها وأشباحها الْمُخَالفَة لَهَا بالحقائق وعَلى الأول مَا هُوَ الْحَاصِل فِي الْعقل علم من حَيْثُ قِيَامه بِهِ وَمَعْلُوم بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وعَلى الثَّانِي صُورَة الشَّيْء وظله علم وَذُو الصُّورَة مَعْلُوم وَمعنى علم الْأَشْيَاء بِأَعْيَانِهَا أَن مَا فِي الذِّهْن لَو وجد فِي الْخَارِج متشخصا بتشخص زيد مثلا لَكَانَ عين زيد وبتشخص عَمْرو لَكَانَ عين عَمْرو. وَالْحَاصِل من الْحَاصِل فِي الذِّهْن نفس الْمَاهِيّة بِحَيْثُ إِذا وجد فِي الْخَارِج كَانَ عين الْعين وَبِالْعَكْسِ لَكِن هَذَا وجود ظِلِّي وَفِي الْخَارِج وجود أُصَلِّي وللكل أَحْكَام على حِدة وَلَا أَن مَا فِي الْخَارِج مَوْجُود فِي الذِّهْن بِعَيْنِه حَتَّى يلْزم كَون الْوَاحِد بالشخص سَوَاء كَانَ جوهرا أَو عرضا فِي مكانين فِي آن وَاحِد وَهُوَ محَال.
والوجود العلمي يُسمى وجودا ذهنيا وظليا وَغير أصيل أما تَسْمِيَته بالوجود الظلي على الْمَذْهَب الثَّانِي فَظَاهر، وَأما على الْمَذْهَب الأول فَلِأَن مُرَادهم أَنه وجود كوجود الظل فِي انْتِفَاء الْآثَار الخارجية المختصة بالوجود الْخَارِجِي كَمَا أَن الْوُجُود فِي مَا وَرَاء الذِّهْن يُسمى وجودا عينيا وأصيليا وخارجيا. فَإِن قيل إِن الْعلم بالأشياء بِأَعْيَانِهَا مُمْتَنع فَإِنَّهُ يسْتَلْزم كَون الذِّهْن حارا بَارِدًا مُسْتَقِيمًا معوجا عِنْد تصور الْحَرَارَة والبرودة والاستقامة والاعوجاج لِأَنَّهُ إِذا تصورت الْحَرَارَة تكون الْحَرَارَة حَاصِلَة فِي الذِّهْن وَلَا معنى للحار إِلَّا مَا قَامَت بِهِ الْحَرَارَة وَقس عَلَيْهِ الْبُرُودَة وَغَيرهَا وَهَذِه الصِّفَات منفية عَن الذِّهْن بِالضَّرُورَةِ وَأَيْضًا إِن حُصُول حَقِيقَة الْجَبَل وَالسَّمَاء مَعَ عظمها فِي الذِّهْن مِمَّا لَا يعقل قُلْنَا الْحَاصِل فِي الذِّهْن صُورَة وماهية مَوْجُودَة بِوُجُود ظِلِّي لَا بهوية عَيْنِيَّة مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل والحار مَا تقوم بِهِ هوية الْحَرَارَة أَي ماهيتها الْمَوْجُودَة بِوُجُود عَيْني لَا مَا تقوم بِهِ الْحَرَارَة الْمَوْجُودَة بِوُجُود ظِلِّي فَلَا يلْزم اتصاف الذِّهْن بِتِلْكَ الصِّفَات المنفية عَنهُ والممتنع فِي الذِّهْن حُصُول هوية الْجَبَل وَالسَّمَاء وَغَيرهمَا من الْأَشْيَاء فَإِن ماهياتها مَوْجُودَة بِوُجُود خارجي يمْتَنع أَن يحصل فِي أذهاننا وَأما مفهوماتها الْكُلية وماهياتها الْمَوْجُودَة بالوجودات الظلية فَلَا يمْتَنع حُصُولهَا فِي الذِّهْن إِذْ لَيست مَوْصُوفَة بِصِفَات تِلْكَ الهويات لَكِن تِلْكَ الماهيات بِحَيْثُ لَو وجدت فِي الْخَارِج متشخصة بتشخص جبل الطّور وسماء الْقَمَر مثلا لكَانَتْ بِعَينهَا جبل طور وسماء قمر وَلَا نعني بِعلم الْأَشْيَاء بِأَعْيَانِهَا إِلَّا هَذَا.
وَالْحَاصِل أَن للموجود فِي الذِّهْن وجودا ظليا وَلذَلِك الْمَوْجُود فِي الْخَارِج وجود أُصَلِّي وَلكُل أَحْكَام على حِدة كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا وَالْمرَاد بِكَوْن الصُّورَة حَاصِلَة من الشَّيْء أَنَّهَا ناشئة مِنْهُ مُطَابقَة لَهُ أَو لَا بِخِلَاف صُورَة الشَّيْء فَإِن المُرَاد مِنْهَا الصُّورَة الْمُطَابقَة للشَّيْء لِأَن الْمُتَبَادر من إِضَافَة الصُّورَة إِلَى الشَّيْء مطابقتها لَهُ فتعريفه بِحُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل لَا يَشْمَل الجهليات المركبة بِخِلَاف التَّعْرِيف الْمَذْكُور كَمَا عرفت.
ثمَّ ننقل مَا حررنا فِي تعليقاتنا على حَوَاشِي عبد الله اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق تَحْقِيقا للمرام وتفصيلا للمقام أَن الْعقل المرادف للنَّفس الناطقة هُوَ جَوْهَر مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته لَا فِي فعله وَالْعقل الَّذِي هُوَ مرادف الْملك جَوْهَر مُجَرّد فِي ذَاته وَفِي فعله. وَقد يُطلق على الْقُوَّة المدركة وَالْمرَاد بِهِ هَا هُنَا أما الأول أَو الثَّالِث. فَإِن قيل، على أَي حَال يخرج علم الله الْوَاجِب المتعال لعدم إِطْلَاق الْعقل عَلَيْهِ تَعَالَى، قُلْنَا، المُرَاد بِهِ هَاهُنَا الْمدْرك والمجرد وَقيل الْمَقْصُود تَعْرِيف الْعلم الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الِاكْتِسَاب أَي مَا يكون كاسبا أَو مكتسبا وَعلمه تَعَالَى لكَونه حضوريا منزه عَن ذَلِك فَلَا بَأْس بِخُرُوجِهِ لعدم دُخُوله فِي الْمُعَرّف فَإِن قيل قواعدهم كُلية عَامَّة وَهَذَا التَّخْصِيص يُنَافِي تَعْمِيم قواعدهم قُلْنَا تَعْمِيم الْقَوَاعِد إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْحَاجة فَهَذَا التَّخْصِيص لَا يُنَافِي التَّعْمِيم الْمَقْصُود وَإِن كَانَ منافيا لمُطلق التَّعْمِيم فَلَا ضير وَقَوْلهمْ عِنْد الْعقل يعم المذهبين دون فِي الْعقل.
وتوضيحه أَن الْمُحَقِّقين اتَّفقُوا على أَن الْمدْرك للكليات والجزئيات المادية وَغَيرهَا هُوَ النَّفس الناطقة، وعَلى أَن نِسْبَة الْإِدْرَاك إِلَى قواها كنسبة الْقطع إِلَى السكين لَا أَن مدرك الكليات هُوَ النَّفس الناطقة ومدرك الجزئيات هُوَ الْآلَات كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ. ثمَّ بعد هَذَا الِاتِّفَاق اتَّفقُوا على أَن صور الكليات والجزئيات الْغَيْر المادية كمحبة عَمْرو وعداوة زيد ترتسم فِي النَّفس الناطقة وَاخْتلفُوا فِي أَن صور الجزئيات المادية ترتسم فِيهَا أَو فِي آلاتها. فَقَالَ بَعضهم إِنَّهَا ترتسم فِي آلاتها دون نَفسهَا لِأَن الصُّور الشخصية الجسمانية منقسمة فَلَو ارتسمت فِي النَّفس الناطقة لانقسمت بانقسامها لِأَن انقسام الْحَال يسْتَلْزم انقسام الْمحل وَهُوَ بَاطِل لِأَن النَّفس الناطقة بسيطة كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه، وَيرد عَلَيْهِم أَن تِلْكَ الصُّور المرتسمة فِي الْآلَات عُلُوم بِنَاء على التَّعْرِيف الْمَذْكُور وَأَن الْمدْرك هُوَ الْعقل فَيلْزم أَن لَا يكون مَا قَامَ بِهِ الْعلم عَالما وَأَن يكون مَا لم يقم بِهِ الْعلم عَالما وَكِلَاهُمَا خلف، وَأَيْضًا الْمَانِع من الارتسام فِي النَّفس الناطقة هُوَ الانقسام إِلَى الْأَجْزَاء المتبائنة فِي الْوَضع لَا مُطلق الانقسام وَذَلِكَ من تَوَابِع الْوُجُود الْخَارِجِي وخواصه فَلَا يلْزم الْفساد من ارتسامها وَلَو كَانَت صور الجزئيات الجسمانية على طبق تِلْكَ الجزئيات فِي الانقسام والصغر وَالْكبر لَا متنع ارتسامها فِي الْآلَات أَيْضا كَنِصْف السَّمَاء وَالْجِبَال والأودية وأمثالها. وَقَالَ بَعضهم أَن صور الجزئيات المادية كصورة زيد ترتسم فِي النَّفس الناطقة وَهِي مدركة للأشياء كلهَا إِلَّا أَن إِدْرَاكهَا للجزئيات المادية أَي الجسمانية بِوَاسِطَة الْآلَات لَا بذاتها وَذَلِكَ لَا يُنَافِي ارتسام الصُّور فِيهَا، ودليلهم الوجدان الْعَام بِأَنا إِذا رَجعْنَا إِلَى الوجدان علمنَا أَن لأنفسنا عِنْد إِدْرَاكهَا للجزئيات المادية حَالَة إدراكية انكشافية لم تكن حَاصِلَة قبل ذَلِك الْإِدْرَاك. فَإِن قيل إِن معنى عِنْد هُوَ الْمَكَان الْقَرِيب من الشَّيْء فَكيف يتَنَاوَل مَا ارتسم فِي النَّفس فَكَمَا أَن فِي الْعقل لَا يَشْمَل المذهبين كَذَلِك عِنْد الْعقل لَا يَشْمَل صور الكليات والجزئيات الْغَيْر المادية لحصولها فِي الْعقل دون مَكَان قريب مِنْهُ. وَأجِيب عَنهُ بِأَن كلمة عِنْد بِحَسب الْعرف لاخْتِصَاص شَيْء بمدخولها كَمَا يُقَال هَذِه الْمَسْأَلَة كَذَا عِنْد فلَان أَي لَهَا اخْتِصَاص بِهِ. وَلَا شكّ أَن للصورة الْحَاصِلَة اخْتِصَاص بِالْعقلِ من جِهَة الْإِدْرَاك لِأَنَّهُ الْمدْرك للصورة فَيتَنَاوَل مَا ارتسم فِي النَّفس والآلات فَثَبت أَن عِنْد الْعقل يَشْمَل المذهبين دون فِي الْعقل لاخْتِصَاص كلمة فِي بالداخل. وَالْحمل على التَّوَسُّع بِحَيْثُ يتَنَاوَل الْحَاصِل فِي الْآلَات أَيْضا يدْفع الْمَحْذُور لكنه خلاف الظَّاهِر ومدار الْكَلَام على مُحَافظَة الظَّاهِر ورعاية الْمُتَبَادر فعلى هَذَا الْجَواب الْمَذْكُور إِنَّمَا يجدي نفعا لَو كَانَ عِنْد مَعَ رِعَايَة مَعْنَاهُ الْمُتَبَادر متناولا للمذهبين دونه فِي فِي - وَلَيْسَ كَذَلِك لما مر آنِفا.
ثمَّ اعْلَم أَن الصُّورَة من مقولة الكيف لكَونهَا عرضا لَا يَقْتَضِي لذاته قسْمَة وَلَا نِسْبَة فَيكون الْعلم الْمَعْرُوف بالصورة الْمَذْكُور من مقولة الكيف وَهُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور كَمَا مر وَلَعَلَّ من ذهب إِلَى أَنه من مقولة الانفعال يَقُول بِأَنَّهُ من مقولة الكيف أَيْضا لَكِن لما كَانَ الْعلم أَي الصُّورَة الْمَذْكُورَة حَاصِلا بالانفعال أَي بانتقاش الذِّهْن بالصورة الناشئة من الشَّيْء وقبوله إِيَّاهَا قَالَ إِنَّه من مقولة الانفعال مُبَالغَة وتنبيها على أَن حُصُول الْعلم بالانفعال لَا بِغَيْرِهِ. وَاعْترض بِأَن الكيف من الموجودات الخارجية لِأَن الموجودات الخارجية تَنْقَسِم إِلَى الْجَوَاهِر الْخَمْسَة والأعراض التِّسْعَة فَكيف تكون الصُّورَة الذهنية أَي الْعلم من مقولة الكيف وَالْجَوَاب أَن الْعلم من الموجودات الخارجية والمعلوم من الموجودات الذهنية كَمَا مر. وَأجَاب عَنهُ جلال الْعلمَاء فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة على الشَّرْح الْجَدِيد للتجريد فِي مَبْحَث الْوُجُود الذهْنِي أَن عدهم إِيَّاهَا كيفا على سَبِيل الْمُسَامحَة وتشبيه الْأُمُور الذهنية بالأمور العينية فعلى هَذَا يكون الْعلم من الموجودات الذهنية.
فَإِن قيل الْأَشْيَاء حَاصِلَة فِي الذِّهْن بأنفسها فَيجب أَن يكون الْعلم بالجواهر جوهرا وبالكم كَمَا وبالكيف كيفا وَهَكَذَا وَلَا يُمكن أَن يكون من مقولة الكيف مُطلقًا قُلْنَا أجَاب شَارِح التَّجْرِيد بِالْفرقِ بَين الْقيام والحصول بِأَن حُصُول الشَّيْء فِي الذِّهْن لَا يُوجب اتصاف الذِّهْن وقيامه بِهِ كحصول الشَّيْء فِي الزَّمَان وَالْمَكَان فَمَا هُوَ جَوْهَر حَاصِل فِي الذِّهْن وموجود فِيهِ وَمَا هُوَ عرض وَكَيف قَائِم بِهِ وموجود فِي الْخَارِج وَكَون الْأَشْيَاء حَاصِلَة فِي الذِّهْن بأنفسها بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرنَا آنِفا لَا يُنَافِي هَذَا الْفرق وَمَا فِي هَذَا الْجَواب سيتلى عَلَيْك. وَالشَّيْخ أورد فِي الهيات الشِّفَاء إشكالين أَحدهمَا أَن الْعلم هُوَ المكتسب من صور الموجودات مُجَرّدَة عَن موادها وَهِي صور جَوَاهِر وإعراض فَإِن كَانَت صور الْإِعْرَاض إعْرَاضًا فصور الْجَوَاهِر كَيفَ تكون إعْرَاضًا فَإِن الْجَوْهَر لذاته جَوْهَر فماهيته لَا تكون فِي مَوْضُوع الْبَتَّةَ وماهيته مَحْفُوظَة سَوَاء نسبت إِلَى إِدْرَاك الْعقل لَهَا أَو نسبت إِلَى الْوُجُود الْخَارِجِي.
فَنَقُول إِن مَاهِيَّة الْجَوْهَر جَوْهَر بِمَعْنى أَنه الْمَوْجُود فِي الْأَعْيَان لَا فِي مَوْضُوع وَهَذِه الصّفة مَوْجُودَة لماهية الْجَوْهَر المعقولة فَإِنَّهَا مَاهِيَّة شَأْنهَا أَن تكون مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان لَا فِي مَوْضُوع أَي إِن وجدت فِي الْأَعْيَان وجدت لَا فِي مَوْضُوع وَأما وجوده فِي الْعقل بِهَذِهِ الصّفة فَلَيْسَ ذَلِك فِي حَده من حَيْثُ هُوَ جَوْهَر أَي لَيْسَ حدا لجوهر أَنه فِي الْعقل لَا فِي مَوْضُوع بل حَده أَنه سَوَاء كَانَ فِي الْعقل أَو لم يكن فَإِن وجوده لَيْسَ فِي مَوْضُوع انْتهى.
وَحَاصِل الْجَواب أَنه لَا إِشْكَال فِي كَون الشي الْوَاحِد جوهرا وعرضا باعتبارين وتغاير وجودين فَإِن الْجَوْهَر على مَا عرف ماهيته إِذا وجدت فِي الْخَارِج كَانَت لَا فِي مَوْضُوع وَالْعرض هُوَ الْمَوْجُود فِي الْمَوْضُوع فالصورة الجوهرية لكَونهَا بِحَيْثُ إِذا وجدت فِي الْخَارِج كَانَت لَا فِي مَوْضُوع جَوْهَر وَمن حَيْثُ إِنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْمَوْضُوع عرض وَأَنت تعلم أَن بَين الْجَوْهَر وَالْعرض تباينا وتغايرا ذاتيا لَا اعتباريا.
وَأَيْضًا اعْترض الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة القطبية المعمولة حَيْثُ قَالَ لَا يخفى عَلَيْك أَن القَوْل بعرضية الصُّورَة الجوهرية منَاف لحصر الْعرض فِي المقولات التسع لِأَن المقولات أَجنَاس عالية متبائنة بِالذَّاتِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَادهم حصر الْأَعْرَاض الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج انْتهى. وَقَالَ فِي الْهَامِش قَوْله اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الْجَواب غير تَامّ وَذَلِكَ لِأَن التَّحْقِيق عِنْدهم أَن الْإِضَافَة وَغَيرهَا من المقولات التسع لَيست مَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَالصَّوَاب فِي الْجَواب أَن يُقَال مُرَادهم حصر الْأَعْرَاض الْمَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر. وَالْمَوْجُود فِيهَا هَاهُنَا أَمْرَانِ الْحَقِيقَة العلمية والحقيقة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن من حَيْثُ هِيَ وكل مِنْهُمَا مندرج فِي مقولة. الأولى من مقولة الكيف، وَالثَّانيَِة فِي مقولة أُخْرَى من مقولة الْجَوْهَر وَغَيرهَا، وَأما الْحَقِيقَة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن من حَيْثُ إِنَّهَا مكيفة بالعوارض الذهنية بِأَن يكون التَّقْيِيد دَاخِلا والقيد خَارِجا أَو بِأَن يكون كل مِنْهُمَا دَاخِلا أَي الْمركب من الْعَارِض والمعروض فَلَا شكّ أَنَّهَا من الاعتبارات الذهنية وَلَيْسَ لَهَا وجود فِي نفس الْأَمر انْتهى. ضَرُورَة أَن التَّقْيِيد أَمر اعتباري فَكَذَا مَا هُوَ مركب مِنْهُ فَافْهَم. وَثَانِيهمَا أَنه إِذا حصلت حَقِيقَة جوهرية فِي الذِّهْن كَانَت تِلْكَ الْحَقِيقَة علما وعرضا فَيلْزم أَن يكون شَيْء وَاحِد علما ومعلوما وجوهرا وعرضا. وَأجَاب شَارِح التَّجْرِيد بِالْفرقِ بَين الْقيام والحصول إِلَى آخر مَا ذكرنَا آنِفا وَاعْترض عَلَيْهِ الزَّاهِد حَيْثُ قَالَ وَحَاصِله كَمَا يظْهر بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِق أَن الْقَائِم بالذهن شبح الْمَعْلُوم ومثاله وَالْحَاصِل فِيهِ عين الْمَعْلُوم وَنَفسه فَهُوَ جمع بَين المذهبين انْتهى. ثمَّ اعْلَم أَن للزاهد فِي هَذَا الْمقَام فِي تصنيفاته تَحْقِيقا تفرد بِهِ فِي زَعمه وتفاخر بِهِ فِي ظَنّه وَتكلم عَلَيْهِ أَبنَاء الزَّمَان وجرحه بعض فضلاء الدوران وَأَنا شمرت بِقدر الوسع فِي تحريره وتفصيل مجملاته وَإِظْهَار مقاصده وإبراز مضمراته بعد إتْيَان كَلَامه ليظْهر على الناظرين علو مرامه.
فَأَقُول إِنَّه قَالَ فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على تَهْذِيب الْمنطق. اعْلَم أَن للْعلم مَعْنيين. الأول الْمَعْنى المصدري، وَالثَّانِي الْمَعْنى الَّذِي بِهِ الانكشاف. وَالْأول حُصُول الصُّورَة وَالثَّانِي هِيَ الصُّورَة الْحَاصِلَة وَلَا شكّ أَن الْغَرَض العلمي لم يتَعَلَّق بِالْأولِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كاسبا وَلَا مكتسبا فَالْمُرَاد بِحُصُول الصُّورَة هَاهُنَا الصُّورَة الْحَاصِلَة على سَبِيل الْمُسَامحَة هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ النّظر الْجَلِيّ. ثمَّ النّظر الدَّقِيق يحكم بِأَن المُرَاد بِحُصُول الصُّورَة الْمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَحَقِيقَته مَا يعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بدانش) وَهِي حَالَة إدراكية يتَحَقَّق عِنْد حُصُول الشَّيْء فِي الذِّهْن تِلْكَ الْحَالة الإدراكية تصدق على الْأَشْيَاء الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن صدقا عرضيا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا حصل فِي الذِّهْن شَيْء يحصل لَهُ وصف يحمل ذَلِك الْوَصْف عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ صُورَة علمية وَهَذَا الْمَحْمُول لَيْسَ نفس الْمَوْضُوع وَإِلَّا لَكَانَ مَحْمُولا عَلَيْهِ حَال كَونه فِي الْخَارِج ضَرُورَة أَن الذَّات والذاتي لَا يَخْتَلِفَانِ باخْتلَاف الْوُجُود فَهَذَا الْحمل من قبيل حمل الْكَاتِب على الْإِنْسَان فالعرضي من مقولة الكيف سَوَاء كَانَ معروضه من هَذِه المقولة أَو من مقولة أُخْرَى انْتهى.
فَأَقُول مستعينا بِاللَّه الْملك العلام، وَهُوَ الْهَادِي إِلَى الْحق فِي كل مقصد ومرام، أَن فِي تَحْقِيق الْعلم نظرين نظر جلي فويق، وَنظر دَقِيق خَفِي عميق. وبالقبول حري وحقيق، وَعَن الجروح الْمَذْكُورَة سليم وعتيق. أما الأول فَهُوَ أَن الْعلم هُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة والتعريف الْمَشْهُور أَعنِي حُصُول صُورَة الشَّيْء المُرَاد بِهِ الصُّورَة الْحَاصِلَة على الْمُسَامحَة لَا الْمَعْنى المصدري إِذْ لَا يتَعَلَّق بِهِ الْغَرَض العلمي لِأَنَّهُ لَا يكون كاسبا وَلَا مكتسبا كَمَا مر وَحِينَئِذٍ يرد الإشكالات الْمَذْكُورَة فَيحْتَاج فِي دَفعهَا إِلَى أجوبة لَا تَخْلُو عَن إِيرَاد كَمَا لَا يخفى وَأما الثَّانِي فَهُوَ أَن الْعلم هُوَ الْوَصْف الْعَارِض للصورة الْمَحْمُول عَلَيْهَا حملا عرضيا لَا ذاتيا وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال وَلَا إِيرَاد.
وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَنَّك قد علمت فِيمَا مر أَن الْأَشْيَاء بعد حُصُولهَا فِي الأذهان تسمى صورا فَأَقُول إِنَّه يحصل لتِلْك الصُّور فِي الأذهان وصف لَيْسَ بحاصل لَهَا وَقت كَونهَا فِي الْأَعْيَان وَذَلِكَ الْوَصْف هُوَ الْحَالة الإدراكية أَي كَيْفيَّة كَون تِلْكَ الصُّور مدركة ومنكشفة وَهَذَا الْوَصْف هُوَ الْعلم وَإِذا حصل للصور الذهنية هَذَا الْوَصْف أَي الْحَالة الإدراكية يحصل بِسَبَب هَذَا الْوَصْف وصف آخر لتِلْك الصُّور وَهُوَ كَونهَا صورا علمية وَذَلِكَ الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْعلم حَقِيقَة يحمل على الشَّيْء الْحَاصِل فِي الذِّهْن حملا عرضيا وَيصدق عَلَيْهِ صدقا عرضيا فَيُقَال للصورة الإنسانية مثلا علم وَكَذَا يُقَال عَلَيْهَا إِنَّهَا صُورَة علمية وَلَيْسَ كل من هذَيْن المحمولين نفس الْمَوْضُوع وَإِلَّا لَكَانَ مَحْمُولا عَلَيْهِ حَال كَونه فِي الْخَارِج ضَرُورَة أَن الذَّات والذاتي لَا يَخْتَلِفَانِ باخْتلَاف الْوُجُود فَهَذَا الْحمل من قبيل حمل الْكَاتِب على الْإِنْسَان فالعارض من مقولة الكيف سَوَاء كَانَ معروضه من هَذِه المقولة أَو من مقولة أُخْرَى.
فَالْحَاصِل أَن الْعلم بِحَسب الْحَقِيقَة لَيْسَ نفس الْحَاصِل فِي الذِّهْن بل عَارض لَهُ وَإِطْلَاق الْعلم على الْحَاصِل فِي الذِّهْن من قبيل إِطْلَاق الْعَارِض على المعروض مثل طَلَاق الضاحك على الْإِنْسَان فالعارض الَّذِي هُوَ الْعلم كَيفَ يصدق عَلَيْهِ رسمه والمعروض تَابع للموجود الْخَارِجِي فِي الجوهرية والكيفية وَغَيرهمَا لاتحاده مَعَه وَبِهَذَا التَّحْقِيق ينْحل كثير من الإشكالات الْمَذْكُورَة.
وَأَيْضًا ينْدَفع الْإِشْكَال الْمَشْهُور فِي التَّصَوُّر والتصديق وَهُوَ أَن الْمُحَقِّقين ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِحَسب الْحَقِيقَة وَإِذا تعلق التَّصَوُّر بالتصديق يلْزم اتحادهما لِاتِّحَاد الْعلم والمعلوم وَحَاصِل الدّفع أَن التَّصَوُّر والتصديق قِسْمَانِ لما هُوَ علم بِحَسب الْحَقِيقَة لَا لما صدق هُوَ عَلَيْهِ وَالْعلم الَّذِي هُوَ عين الْمَعْلُوم هُوَ مَا يصدق عَلَيْهِ الْعلم أَي مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن وَإِن تَأَمَّلت فِيمَا حررنا ينْدَفع مَا قيل إِن قَوْله فَيُقَال لَهُ صُورَة علمية يشْعر بِأَن الْحَالة الإدراكية الَّتِي هِيَ علم بِالْحَقِيقَةِ هِيَ الْوَصْف أَي هَذَا الْمَحْمُول أَعنِي كَونهَا صُورَة علمية، وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ مَفْهُوم لفظ هَذَا الْمَحْمُول فَظَاهر أَنه لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ من الكيفيات النفسانية العلمية، وَإِن أَرَادَ مصداقه فَهُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة فَهَذَا هُوَ الَّذِي فر عَنهُ.
وتوضيح الدّفع أَن هَاهُنَا وصفين متغائرين أَحدهمَا الْحَالة الإدراكية وَهِي علم فِي الْحَقِيقَة وَثَانِيهمَا كَون الْحَاصِل فِي الذِّهْن صُورَة علمية وَلَيْسَ أَحدهمَا عين الآخر نعم إِذا حصلت الْحَالة الإدراكية أَي الصّفة الأولى للصورة فِي الذِّهْن يحصل لتِلْك الصُّورَة بِسَبَب الصّفة الأولى صفة أُخْرَى وَهُوَ كَونهَا صُورَة علمية فالفاء فِي قَوْله فَيُقَال للتفريع والتعقيب أَي بعد حمل ذَلِك الْوَصْف الأول على الشَّيْء الْحَاصِل فِي الذِّهْن يُقَال لَهُ صُورَة علمية أَي يحمل هَذَا الْوَصْف الثَّانِي على ذَلِك الشَّيْء. فَإِن قلت الْمَقْصُود إِثْبَات زِيَادَة الْوَصْف الأول وعرضيته أَي الْكَيْفِيَّة الإدراكية الَّتِي هِيَ الْعلم وَلَا فَائِدَة فِي إِثْبَات الْوَصْف الثَّانِي وزيادته وعروضه مَعَ أَنه لَيْسَ بِعلم نعم لَكِن لما كَانَ إِثْبَات زِيَادَة الْوَصْف الثَّانِي وعرضيته توجب زِيَادَة الْوَصْف الأول وعرضيته لِأَن الْوَصْف الثَّانِي وَهُوَ كَون الْحَاصِل فِي الذِّهْن صُورَة علمية من لَوَازِم الْوَصْف الأول أَعنِي الْحَالة الإدراكية تعرض لإِثْبَات الْوَصْف الثَّانِي وزيادته وعرضيته. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْوَصْف الثَّانِي من لَوَازِم الْوَصْف الأول لِأَن الْوَصْف الثَّانِي اللَّازِم مُنْتَفٍ فِي ظرف الْخَارِج لِأَن الشَّيْء فِي الْخَارِج لَا تطلق عَلَيْهِ الصُّورَة العلمية فالوصف الأول الْمَلْزُوم أَيْضا يكون منتفيا عَنهُ فِي الْخَارِج.
وَبَقِي هَاهُنَا اعْتِرَاض قوي تَقْرِيره أَن قَوْله يصدق إِلَى آخِره وَقَوله حصل إِلَى آخِره وَقَوله فالعرض من مقولة الكيف إِلَى آخِره نُصُوص وشواهد على أَن الْحَالة الإدراكية من عوارض الصُّورَة الْحَاصِلَة ومحمولاتها وصفاتها مَعَ أَنَّهَا الْعلم حَقِيقَة فَيلْزم أَن يكون كل وَاحِد مِنْهَا عَالما حَقِيقَة لِأَن الْعَالم وكل مُشْتَقّ مِنْهُ يصدق على مَا قَامَ بِهِ مبدؤه ومأخذه وَهُوَ هَاهُنَا الصُّورَة الْحَاصِلَة فَتكون هِيَ عَالِمَة حَقِيقَة لَا النَّفس الناطقة الإنسانية اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن الْكَيْفِيَّة الإدراكية إِذا حصلت حصلت لَهَا جهتان جِهَة النِّسْبَة إِلَى النَّفس الناطقة وجهة النِّسْبَة إِلَى الصُّورَة الْحَاصِلَة كَمَا أَن للمصدر الْمُتَعَدِّي حِين حُصُوله نسبتان نِسْبَة إِلَى الْفَاعِل وَنسبَة إِلَى الْمَفْعُول كالضرب فَإِن لَهُ علاقَة بالضارب بالصدور وبالمضروب بالوقوع. والمصدر حَقِيقَة من عوارض الْفَاعِل وَمن صِفَاته فَإِن الضَّرْب حَقِيقَة صفة الضَّارِب لَكِن لَا بعد فِي أَن يعد من صِفَات الْمَفْعُول مجَازًا نظرا إِلَى العلاقة الثَّانِيَة فَيُقَال إِن الضَّرْب صفة الْمَضْرُوب كَمَا أَنه صفة الضَّارِب وَإِن كَانَ أَحدهمَا حَقِيقَة وَالْآخر تجوزا. وَلَا مشاحة أَيْضا فِي أَن يُقَال إِن الْمصدر مَحْمُول على الْمَفْعُول فِي ضمن مُشْتَقّ من مشتقاته فَإِن الضَّرْب مَحْمُول على الْمَفْعُول بِاعْتِبَار أَن مشتقا من مشتقاته مَحْمُول عَلَيْهِ.
وَحَاصِل هَذَا الْجَواب أَنه لَا بَأْس بِكَوْن الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن عَالِمَة وَيُمكن أَن يُقَال إِن الْعلم وصف للصورة الْحَاصِلَة بِحَال متعلقها لَا بِحَال نَفسهَا فَلَا يلْزم من كَون الْعلم وَصفا للصورة ومحمولا عَلَيْهَا كَونه وَصفا لَهَا على وزن الْمَوْصُوف بِحَال الْمَوْصُوف، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْعلم وصف الصُّورَة بِحَال متعلقها لِأَن معنى الْحَالة الإدراكية الَّتِي هِيَ الْعلم حَقِيقَة حَالَة إِدْرَاك النَّفس الناطقة للصورة الْحَاصِلَة فِيهَا فَهِيَ وصف النَّفس بِحَال نَفسهَا وَالصُّورَة بِحَال متعلقها الَّذِي هُوَ النَّفس الناطقة المدركة لَهَا. والمشتق الْمَبْنِيّ للْفَاعِل إِنَّمَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ المأخذ، والمشتق الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِنَّمَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ المأخذ الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول. أَلا ترى أَن الضَّارِب لَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ الضَّرْب الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول. والمضروب لَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ الضَّرْب الْمَبْنِيّ للْفَاعِل. هَذَا مَا خطر بالبال، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الأشكال، لِأَن الْمُتَبَادر من الْإِدْرَاك الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَفِيه مَا فِيهِ أَيْضا وَلَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا.
وَلَا يخفى على الذكي الوكيع مَا يرد على الزَّاهِد من الأبحاث القوية أَحدهَا أَن الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ يكون مُؤَخرا عَن الْمصدر فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن المُرَاد بِحُصُول الصُّورَة الْمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَجعل ذَلِك الْمَعْنى علما حَقِيقَة لِأَن الْعلم على مَا قَالَ مبدؤ الانكشاف ومقدم عَلَيْهِ فَلَو كَانَ الْعلم عبارَة عَن الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ يكون مُؤَخرا عَن الْمصدر أَي عَن حُصُول الصُّورَة الملازم للانكشاف فَيلْزم أَن يكون الْعلم مُؤَخرا عَن الانكشاف أَيْضا. وَثَانِيها أَن الْعلم من الموجودات الخارجية فَلَو كَانَ وَصفا عارضا للصورة الذهنية يلْزم زِيَادَة الْعَارِض على المعروض فِي الْوُجُود فَإِن الْعَارِض فرض كيفا مَوْجُودا فِي الْخَارِج والمعروض مَوْجُود ذهني وَثَالِثهَا أَنه لَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمَوْجُود الْخَارِجِي عارضا للوجود الذهْنِي فَإِن الْعَارِض يكون تَابعا لمعروضه فِي طرفه فَإِن وجود الْعَارِض الْمَحْمُول إِنَّمَا هُوَ وجود الْمَوْجُود الْمَوْضُوع فَيكون تَابعا لوُجُود الْمَوْضُوع وَوُجُود الْمَوْضُوع هَاهُنَا ذهني فَكيف يكون بعارضه الْمَحْمُول وجود خارجي. وَقد أجَاب عَنْهَا بعض أَبنَاء الزَّمَان بأجوبة مَا لَهَا خلاف ظَاهر بَيَان الزَّاهِد بل استحداث مَذْهَب آخر غير مذْهبه وَتَحْقِيق سوى تَحْقِيقه لم ألتفت إِلَيْهَا مَعَ أَن تردد البال وتشتت الْحَال لم يرخص أَيْضا بنقلها.
ثمَّ اعْلَم أَن هَاهُنَا تحقيقات وشبهات أذكرها للناظرين رَجَاء مِنْهُم دُعَاء بَقَاء الْإِيمَان، والتجاوز عَن جَزَاء الْعِصْيَان، قد أَشرت فِي العجالة إِلَى شُبْهَة مَشْهُورَة وجوابها بطرِيق الرَّمْز والألغاز وَهَاهُنَا أذكرها بتقرير وَاضح وتحرير لائح بِأَن البداهة والنظرية صفتان متبائنتان لَا يُمكن جَمعهمَا فِي شَيْء وَاحِد فالعلم لَا يكون إِلَّا بديهيا أَو نظريا على سَبِيل الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ وَهُوَ منقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق المنقسمين إِلَى البديهي والنظري فَيلْزم انقسام الْعلم إِلَيْهِمَا أَيْضا فَإِن كَانَ نظريا كَمَا هُوَ الْحق أَو ضَرُورِيًّا كَمَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام يلْزم انقسام الشَّيْء إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره وبطلانه أظهر من أَن يخفى. وَالْجَوَاب أَن الْعلم من حَيْثُ مَفْهُومه إِمَّا ضَرُورِيّ أَو كسبي وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ ضَرُورِيًّا أَو جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ كسبيا بل يجوز أَن يكون بعض مَا صدق عَلَيْهِ ضَرُورِيًّا وَالْبَعْض الآخر كسبيا. وَحَاصِل الْجَواب أَن الضَّرُورِيّ أَو الكسبي هُوَ مَفْهُوم الْعلم والمنقسم إِلَيْهِمَا إِنَّمَا هُوَ مَا صدق عَلَيْهِ الْعلم وَلَا يلْزم من كَون مَفْهُوم شَيْء ضَرُورِيًّا أَو كسبيا أَن يكون جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء أَيْضا كَذَلِك. أَلا ترى أَن الضَّرُورِيّ نَظَرِي مفهوما مَعَ أَن مَا صدق عَلَيْهِ إِنَّمَا يكون ضَرُورِيًّا بديهيا. فَإِن قلت، قَوْلهم الْعلم إِمَّا تصور أَو تَصْدِيق مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة أَو مَانِعَة الْجمع أَو مَانِعَة الْخُلُو فعلى الْأَوَّلين لَا يفهم أَن للْعلم قسمَيْنِ، وعَلى الثَّالِث لَا يحصل الْجَزْم بالقسمين مَعَ أَنه الْمَقْصُود. وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْقَضِيَّة لَيست بمنفصلة وَإِنَّمَا هِيَ حملية شَبيهَة بالمنفصلة والمنافاة قد تعْتَبر فِي القضايا المنفصلات وَقد تعْتَبر فِي الْمُفْردَات بِحَسب صدقهَا على الذَّات وَهِي الحمليات الشبيهة بالمنفصلات.
وَفِي الرسَالَة القطبية فِي الْحِكْمَة العملية الْعلم هُوَ الْمَوْجُود المستلزم عدم الْغَيْبَة فَإِن كَانَ بِآلَة فَهُوَ الْعلم وَإِن كَانَ بِغَيْر وَاسِطَة فَهُوَ الْمُشَاهدَة وَإِن كَانَ بِآلَة روحانية فَهُوَ الْمَعْقُول والجازم الَّذِي لَيْسَ مطابقا هُوَ الْجَهْل الْمركب والمطابق الَّذِي لَا مُسْتَند لَهُ هُوَ التَّقْلِيد الْحق وَالَّذِي لَهُ مُسْتَند وَكفى فِي التَّصْدِيق بِنِسْبَة أحد جزئيه إِلَى الآخر تصور أحد الطَّرفَيْنِ فَقَط فَهُوَ الفطري وَإِن لم يكف فَهُوَ الفكري وَإِن كَانَ غير جازم فأقرب الطَّرفَيْنِ إِلَى الْجَزْم ظن وأوسطها شكّ وأبعدهما وهم. والجازم المطابق الَّذِي لَهُ مُسْتَند إِن كَانَ برهَان الْآن فَهُوَ الْيَقِين وَإِن كَانَ ببرهان اللم فَهُوَ علم الْيَقِين، والمشاهدة إِن كَانَت على وَجه يُمكن أتم مِنْهَا فَهُوَ عين الْيَقِين، وَإِن كَانَ على وَجه لَا يُمكن أتم مِنْهَا فَهُوَ حق الْيَقِين انْتهى. قَالَ بعض الْحُكَمَاء لِابْنِهِ يَا بني خُذ الْعلم من أَفْوَاه الرِّجَال فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ أحسن مَا يسمعُونَ ويحفظون أحسن مَا يَكْتُبُونَ وَيَقُولُونَ أحسن مَا يحفظون.
الْعلم الحضوري وَالْعلم الحصولي قد عرفت تَعْرِيف كل مِنْهُمَا فِي تَحْقِيق الْعلم فَاعْلَم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقِيقَة نوعية محصلة عِنْدهم ذاتي لما تَحْتَهُ مغائر للْآخر مُغَايرَة نوعية، وَالْعلم والمعلوم فِي الْعلم الحضوري متحدان بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار. وَفِي الحصولي متحدان بِالذَّاتِ متغائران بِالِاعْتِبَارِ فَإِن الْعلم فِي الحصولي الْمَاهِيّة من حَيْثُ إِنَّهَا مكيفة بالعوارض الذهنية، والمعلوم فِيهِ الْمَاهِيّة مَعَ قطع النّظر عَن تِلْكَ الْحَيْثِيَّة. فَإِن قيل زعم بَعضهم أَن مَجْمُوع المعروض والعوراض الذهنية علم حصولي والمعروض فَقَط مَعْلُوم بِهِ فَيعلم من هَاهُنَا أَن التغاير بَينهمَا فِي الْعلم الحصولي بِالذَّاتِ، قُلْنَا، هَذَا المظنون غير صَحِيح لِأَن الْعلم عِنْدهم حَقِيقَة محصلة لَا أَمر اعتباري أَي لَيْسَ من الْأُمُور الَّتِي تحققها بِاعْتِبَار الْعقل واختراع الذِّهْن بل هُوَ أَمر مُحَقّق فِي نفس الْأَمر وَله حَقِيقَة محصلة مَوْجُودَة بِلَا اعْتِبَار واختراع فَلَو كَانَ الْعلم أَي مَا يصدق عَلَيْهِ الْكَيْفِيَّة العلمية مَجْمُوع الْعَارِض والمعروض مَجْمُوع الْإِنْسَان وعوارضه الذهنية مثلا يلْزم أَن يكون حَقِيقَة الْعلم ملتئمة عَن الْجَوْهَر وَالْعرض أَو عَن غَيرهمَا من المقولتين المتبائنتين.
وَلَا شكّ أَن كل حَقِيقَة مركبة كَذَلِك فَهُوَ أَمر اعتباري لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة وحدانية محصلة مَعَ أَن منَاط الانكشاف هُوَ أَن يحصل المعروض فَقَط لَا أَن يحصل مَجْمُوع المعروض والعوارض على مَا تشهد بِهِ الضَّرُورَة، أَلا ترى أَنه لَو حصل المعروض فِي الذِّهْن خَالِيا عَن الْعَوَارِض لتحَقّق الانكشاف فَإِن قيل زعم بَعضهم أَن التغاير بَين الْعلم والمعلوم فِي الحضوري تغاير اعتباري كتغاير المعالج والمعالج فَلَيْسَ بَينهمَا اتِّحَاد بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار قُلْنَا التغاير على نَوْعَيْنِ تغاير بِاعْتِبَار المصداق أَي التغاير الَّذِي هُوَ مصداق تحقق المتغائرين وتغاير بعد تحقق المتغائرين وَالْمُعْتَبر فِي الِاتِّحَاد بِالذَّاتِ هُوَ نفي التغاير الأول فالتغاير الثَّانِي لَا يضر فِي ذَلِك الِاتِّحَاد فقد اشْتبهَ على هَذَا الزاعم التغاير الأول بالتغاير الثَّانِي. وتفصيل هَذَا الْإِجْمَال أَن فِي المعالج والمعالج حيثيتين حيثية الْقُوَّة الفعلية وحيثية الْقُوَّة الانفعالية وَيُقَال المعالج بِالْكَسْرِ بِالِاعْتِبَارِ الأول والحيثية الأولى والمعالج بِالْفَتْح بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي والحيثية الثَّانِيَة وَالْعلم الحضوري لَيْسَ كَذَلِك لِأَن منَاط الانكشاف فِي الْعلم الحضوري هُوَ الصُّورَة الخارجية الْحَاضِرَة. نعم هَذِه الصُّورَة من حَيْثُ إِنَّهَا منَاط الانكشاف يُقَال لَهَا علم حضوري وَمن حَيْثُ إِنَّهَا منكشفة يُقَال لَهَا مَعْلُوم حضوري وَهَاتَانِ الحيثيتان متأخرتان عَن مصداق تحققهما وَهَذَا المصداق لَيْسَ إِلَّا وَاحِد، وَالْمرَاد باتحاد الْعلم والمعلوم فِي الْعلم الحضوري هُوَ الِاتِّحَاد بِاعْتِبَار المصداق وَهُوَ مُتحد فِي الْعلم الحضوري وَأَن تحدث بعد تحَققه حيثيتان بِخِلَاف المعالج والمعالج فَإِن مصداق تحققهما مُتَعَدد فيهمَا وَلَو كَانَ مصداق الْعلم والمعلوم فِي الْعلم الحضوري مُتَعَددًا بِأَن كَانَ التغاير بَينهمَا مَوْجُودا أَن تحققهما عِلّة لتحققهما مقدما على التغاير الَّذِي بعد تحققهما لَكَانَ الْعلم الحضوري صُورَة منتزعة من الْمَعْلُوم وَكَانَ علما حصوليا.
فَإِن قيل كَيفَ يكون الْعلم والمعلوم فِي الحصولي متحدين بِالذَّاتِ ومتغائرين بِالِاعْتِبَارِ قُلْنَا قَالَ الزَّاهِد أَن للشَّيْء الْحَاصِل صورته فِي الذِّهْن ثَلَاثَة اعتبارات الأول اعْتِبَاره من حَيْثُ هُوَ أَي مَعَ قطع النّظر عَن عوارضه الخارجية والذهنية وَالثَّانِي اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعَوَارِض الخارجية وَالثَّالِث اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعَوَارِض الذهنية وَذَلِكَ الشَّيْء بِالِاعْتِبَارِ الأول أَي من حَيْثُ هُوَ مَعْلُوم بِالْعلمِ الحصولي بِالذَّاتِ لحُصُول صورته فِي الذِّهْن وموجود فِي الْخَارِج لحصوله فِي الْخَارِج بِنَفسِهِ وموجود فِي الذِّهْن لحصوله فِي الذِّهْن بصورته الْحَاصِلَة فِيهِ وَالشَّيْء الْمَذْكُور بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي أَي من حَيْثُ الْعَوَارِض الخارجية مَعْلُوم بِالْعلمِ الحصولي بِالْعرضِ لِأَن الْعلم يتَحَقَّق عِنْد انتفائه. وَأَنت تعلم أَن الْعلم صفة ذَات إِضَافَة لَا بُد لَهُ من مَعْلُوم وموجود فِي الْخَارِج فَقَط لترتب الْآثَار الخارجية عَلَيْهِ دون الذهنية وَالشَّيْء المسطور بِالِاعْتِبَارِ الثَّالِث أَي من حَيْثُ الْعَوَارِض الذهنية علم حصولي لكَونه صُورَة ذهنية للاعتبار الأول وَعلم حضوري بِنَفس هَذَا الْعلم وَمَعْلُوم بِالْعلمِ الحضوري لكَونه صفة قَائِمَة بِالنَّفسِ وَعلمهَا بذاتها وصفاتها علم حضوري وموجود فِي الْخَارِج لترتب الْآثَار الخارجية واتصاف الذِّهْن بِهِ اتصافا انضماميا وَهُوَ يَسْتَدْعِي وجود الحاشيتين فِي الْخَارِج كَمَا حققناه فِي تَحْقِيق الاتصاف. وَلَا يخفى على الوكيع أَن جَمِيع مَا ذكر على تَقْدِير أَن يكون الْعلم الحصولي عبارَة عَن الصُّورَة الْحَاصِلَة لَا عَن كَيْفيَّة إدراكية، فَإِن قلت، إِن الْعلم الحضوري على مَا عرف بِكَوْن الصُّورَة العلمية فِيهِ الصُّورَة الخارجية وَنَفس الْعلم الحصولي أَي نفس الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل علم حضوري عِنْدهم لحضورها بِنَفسِهَا عِنْد الْعقل فَيلْزم أَن يكون تِلْكَ الصُّورَة خارجية وَغير خارجية قُلْنَا جَوَابه قد مر فِي تَحْقِيق الْعلم.
وَحَاصِله أَن الصُّورَة العلمية الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن من حَيْثُ إِنَّهَا صُورَة علمية حَاصِلَة فِي الذِّهْن لَهَا وجود يحذو حَذْو الْوُجُود الْخَارِجِي فِي ترَتّب الْآثَار الخارجية فَتلك الصُّورَة بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة خارجية وَلَا مُنَافَاة بَين كَونهَا خارجية بِهَذَا الْمَعْنى وَبَين كَونهَا لَيست بخارجية بِمَعْنى أَنَّهَا لَيست بموجودة فِي الْخَارِج أَي مَا وَرَاء الذِّهْن - فَالْمُرَاد بالموجود الْخَارِجِي فِي الْعلم الحضوري أَعم مِمَّا لَهُ وجود خارجي حَقِيقَة وَمِمَّا لَهُ وجود خارجي حكما بِأَن يكون لَهُ وجود يحذو حَذْو الْوُجُود الْخَارِجِي فِي ترَتّب الْآثَار الخارجية. وَلَا شكّ أَن مَا لَهُ وجود فِي الْخَارِج كالنار مثلا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْآثَار الخارجية مثل الإحراق واللمعان كَذَلِك تترتب على الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن آثَار خارجية كالفرح والانبساط والحزن والانقباض وَمن أَرَادَ زِيَادَة التَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فَليرْجع إِلَى الْعلم والتصور والتصديق.
وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور تَقْرِيره أَن الحضوري لما كَانَ عين الْمَوْجُود الْخَارِجِي وَعلم الْوَاجِب عينه فَيلْزم أَن يكون الْوَاجِب عين الممكنات وَالْجَوَاب أَن معنى كَون ذَاته تَعَالَى عين علمه أَنه يَتَرَتَّب على ذَاته مَا يَتَرَتَّب على الْعلم من انكشاف المعلومات كَمَا يُقَال إِن الْعَالم الْفُلَانِيّ عين الْكتاب أما سَمِعت أَن مقصودهم من نفي الصِّفَات عَن ذَاته تَعَالَى إِثْبَات غاياتها.
(الْعلم) الْعَالم

(الْعلم) إِدْرَاك الشَّيْء بحقيقته وَالْيَقِين وَنور يقذفه الله فِي قلب من يحب والمعرفة وَقيل الْعلم يُقَال لإدراك الْكُلِّي والمركب والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أَو الْبَسِيط وَمن هُنَا يُقَال عرفت الله دون عَلمته وَيُطلق الْعلم على مَجْمُوع مسَائِل وأصول كُلية تجمعها جِهَة وَاحِدَة كعلم الْكَلَام وَعلم النَّحْو وَعلم الأَرْض وَعلم الكونيات وَعلم الْآثَار (ج) عُلُوم وعلوم الْعَرَبيَّة الْعُلُوم الْمُتَعَلّقَة باللغة الْعَرَبيَّة كالنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والبديع وَالشعر والخطابة وَتسَمى بِعلم الْأَدَب وَيُطلق الْعلم حَدِيثا على الْعُلُوم الطبيعية الَّتِي تحْتَاج إِلَى تجربة ومشاهدة واختبار سَوَاء أَكَانَت أساسية كالكيمياء والطبيعة والفلك والرياضيات والنبات وَالْحَيَوَان والجيولوجيا أَو تطبيقية كالطب والهندسة والزراعة والبيطرة وَمَا إِلَيْهَا

(الْعلم) الْعَلامَة والأثر والفصل بَين الْأَرْضين وَشَيْء مَنْصُوب فِي الطَّرِيق يهتدى بِهِ ورسم فِي الثَّوْب وَسيد الْقَوْم والجبل والراية (ج) أَعْلَام

السَّهْو

(السَّهْو) الْغَفْلَة والذهول عَن الشَّيْء وَيُقَال افْعَل ذَلِك سَهوا رهوا عفوا وحملت الْمَرْأَة سَهوا حبلت على حيض واللين السهل الوطيء الملائم من النَّاس والأمور والمياه وَغَيرهَا واللين والسكون
السَّهْو: زَوَال الصُّورَة من النَّفس بِحَيْثُ يتَمَكَّن من ملاحظتها من غير تجشم إِدْرَاك جَدِيد - وَقيل السَّهْو عدم ملكة الْعلم وَهُوَ سَهْو لِأَن الصُّورَة مَحْفُوظَة فِي الخزانة فالملكة بَاقِيَة لَا مَعْدُومَة حَال السَّهْو. وَفِي حَال النسْيَان الصُّورَة زائلة عَن الخزانة أَيْضا فالســهو حَالَة متوسطة بَين الْإِدْرَاك وَالنِّسْيَان - وَإِرَادَة هَذِه الْحَالة من عدم ملكة الْعلم مستبعد جدا.

السّكُون

السّكُون: عِنْد الْحُكَمَاء عدم الْحَرَكَة عَمَّا من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك فالمجردات غير متحركة وَلَا سَاكِنة إِذْ لَيْسَ من شَأْنهَا الْحَرَكَة. والتقابل بَينهمَا تقَابل الْعَدَم والملكة. وَعند الْمُتَكَلِّمين السّكُون هُوَ الِاسْتِقْرَار زَمَانا فِيمَا يَقع فِيهِ الْحَرَكَة فالتقابل بَينهمَا تقَابل التضاد. ثمَّ اعْلَم أَن الْجَسَد إِذا لم يَتَحَرَّك عَن مَكَانَهُ كَانَ هُنَاكَ أَمْرَانِ أَحدهمَا حُصُوله فِي ذَلِك الْمَكَان الْمعِين وَالثَّانِي عدم حركته مَعَ أَنَّهَا من شَأْنه وَالْأول أَمر ثبوتي اتِّفَاقًا من مقولة الاين وَالثَّانِي أَمر عدمي اتِّفَاقًا. والمتكلمون أطْلقُوا لفظ السّكُون على الأول والحكماء على الثَّانِي فالنزاع لَفْظِي.

وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يرد. أَولا: على التَّعْرِيف الأول أَنه يلْزم أَن يكون الْإِنْسَان الْمَعْدُوم سَاكِنا إِذْ يصدق عَلَيْهِ أَنه عديم الْحَرَكَة عَمَّا من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك فِي حَال الْحَيَاة. وَثَانِيا: أَنه يلْزم أَن يكون الْجِسْم فِي آن الْحُدُوث سَاكِنا بِمثل مَا مر. وثالثا: أَنه يلْزم أَن لَا يكون الْفلك سَاكِنا بالحركة الْآنِية إِذْ لَيْسَ من شَأْنه تِلْكَ الْحَرَكَة لاستحالتها عَلَيْهِ لكَونه محددا للجهات. وَالْجَوَاب عَن الأول وَالثَّانِي بِأَنا لَا نسلم أَن الْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي حَال الْحُدُوث ليسَا بساكنين وَإِلَّا لكانا متحركين. مَدْفُوع بِأَنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهِمَا السَّاكِن والمتحرك كالمجردات.

وَيُمكن الْجَواب عَنْهُمَا: أَولا: بِأَن المُرَاد أَن السّكُون عرض هُوَ عدم الْحَرَكَة الخ وَالْعرض لَا بُد لَهُ من وجود الْمَوْضُوع وَالْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي آن الْحُدُوث لَا وجود لَهما فَلَا يكونَانِ ساكنين. وَثَانِيا: بِأَن المُرَاد من لَفظه مَا فِي قَوْله عَمَّا من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك هُوَ الشَّيْء أَو الْمَوْجُود وَالْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي آن الْحُدُوث ليسَا بموجودين وليسا أَيْضا بشيئين إِذْ الشَّيْء يساوق الْمَوْجُود.
وَأجِيب عَن الثَّالِث بِأَن المُرَاد مَا من شَأْنه بِحَسب الشَّخْص أَو النَّوْع أَو الْجِنْس أَن يَتَحَرَّك وجنس الْفلك وَهُوَ الْجِسْم قَابل للحركة الْآنِية. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يلْزم وَحِينَئِذٍ أَن يكون المجردات أَيْضا سَاكِنة لكَون جِنْسهَا وَهُوَ الْجَوْهَر قَابلا للحركة. وَلَا يخفى أَن لُزُوم سكونها مَمْنُوع وَإِنَّمَا يلْزم ذَلِك إِن لَو كَانَ الْجَوْهَر جِنْسا للجواهر وَالْحق أَنه لَيْسَ كَذَلِك. وَيُمكن الْجَواب عَن الإيرادات الثَّلَاثَة بِأَن المُرَاد من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك بِالنّظرِ إِلَى ذَاته فِي وَقت عدم حركته وَالْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي آخر حُدُوثه لَيْسَ من شَأْنهمَا الْحَرَكَة فِي وَقت عدم حركتهما وَإِن كَانَ من شَأْنهمَا الْحَرَكَة فِي وَقت مَا والفلك من شَأْنه الْحَرَكَة الْآنِية بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وَإِن لم يكن من شَأْنه الْحَرَكَة الْآنِية بِالنّظرِ إِلَى الْغَيْر وَهُوَ كَونه محددا للجهات.
وَاعْلَم أَن الشَّيْخ فِي طبيعيات الشِّفَاء زَاد فِي تَعْرِيف السّكُون قيدا وَهُوَ استعداد المتحرك فِي المقولة وَقَالَ إِن الْجِسْم فِي آن حُدُوثه لَيْسَ بساكن وَلَا متحرك وَأَنت تعلم أَن مَا فِي الشِّفَاء لَا يشفى العليل وَلَا يسقى الغليل إِذْ يصدق على الْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي حَال حُدُوثه أَنَّهُمَا مستعدان للحركة فِي مقولة مَا. وَكَذَا لَو كَانَ المُرَاد الاستعداد للحركة بِحَسب الشَّخْص أَو النَّوْع أَو الْجِنْس فَلَا بُد مَعَ مَا ذكره من الْقَيْد مثل مَا ذكر فِي الْجَواب فاحفظ.
ثمَّ إِن السّكُون عِنْد أَرْبَاب الْعَرَبيَّة هُوَ صُورَة الْجَزْم كَمَا قَالُوا إِن مَا قيل نون الضَّمِير يكون سَاكِنا وَإِنَّمَا سمي سكونا لسكون الصَّوْت وَعدم جَرَيَانه عِنْده وَهُوَ مرادف للْوَقْف فالســكون هُوَ صُورَة الْجَزْم الَّتِي تكون لغير الْعَامِل بِخِلَاف الْجَزْم فَإِنَّهُ مَخْصُوص بائر الْعَامِل الْجَازِم.

السّكُون كونان فِي آنين فِي مَكَان وَاحِد كَمَا أَن الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي مكانين. اعْلَم أَن الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله قَالَ فِي شرح العقائد النسفية الْجِسْم والجوهر لَا يَخْلُو عَن الْكَوْن فِي حيّز فَإِن كَانَ مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي ذَلِك الحيز بِعَيْنِه فَهُوَ سَاكن. وَإِن لم يكن مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي ذَلِك الحيز بل فِي حيّز آخر فمتحرك.
ثمَّ قَالَ وَهَذَا معنى الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي مكانين والسكون كونان فِي آنين فِي مَكَان وَاحِد انْتهى. وغرض الْعَلامَة من قَوْله وَهَذَا معنى قَوْلهم الْحَرَكَة كونان إِلَى آخِره أَنه يرد على ظَاهر هذَيْن التعريفين الْمَذْكُورين أَنه يعلم مِنْهُمَا صَرِيحًا أَن كلا من الْحَرَكَة والكون عبارَة عَن مَجْمُوع الكونين وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِلَّا يلْزم عدم امتياز الْحَرَكَة عَن السّكُون بِالذَّاتِ فِي الْوُجُود الْخَارِجِي وَلم يقل بِهِ أحد. وَوجه اللُّزُوم إِن مَا حدث فِي مَكَان وَاسْتقر آنين فِيهِ ثمَّ انْتقل مِنْهُ فِي الْآن الثَّالِث إِلَى مَكَان آخر لزم أَن يكون كَون ذَلِك الْحَادِث فِي الْآن الثَّانِي جُزْءا من الْحَرَكَة والسكون فَإِن هَذَا الْكَوْن مَعَ الْكَوْن الأول يكون سكونا وَمَعَ الْكَوْن الثَّالِث يكون حَرَكَة فَلَا تمتاز الْحَرَكَة عَن السّكُون بِالذَّاتِ بِمَعْنى أَنه يكون السَّاكِن فِي آن سكونه أَعنِي الْآن الثَّانِي شَارِعا فِي الْحَرَكَة فَيلْزم أَن يكون ذَلِك الْحَادِث فِي الْآن الثَّانِي متصفا بالحركة والسكون مَعًا فَلَا يمتازان بِحَسب الْوُجُود الْخَارِجِي وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أحد فَقَالَ وَهَذَا معنى قَوْلهم: إِن الْحَرَكَة كونان الخ يَعْنِي أَن مَا ذكرنَا من أَن الْحَرَكَة كَون أول فِي مَكَان ثَان والسكون كَون ثَان فِي مَكَان أول هُوَ الْحق وَلَا يَنْبَغِي أَن يحمل التعريفان الْمَذْكُورَان على ظاهرهما بل الْوَاجِب حملهما على مَا هُوَ الْحق وَإِن كَانَ خلاف ظاهرهما.
وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَا دلَالَة لَهما أصلا على مَا هُوَ الْحق فَكيف يحْملَانِ عَلَيْهِ مَعَ عدم دلالتهما عَلَيْهِ ظَاهر. أَو لَا غير ظَاهر. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن المُرَاد أَن الْحَرَكَة والسكون كَون من الكونين المتلازمين فَإِن الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ كَون أول فِي مَكَان ثَان لَا يكون إِلَّا وَأَن يُوجد قبله كَون فِي مَكَان أول وَكَذَا السّكُون الَّذِي هُوَ كَون ثَان فِي مَكَان أول لَا يُوجد إِلَّا وَأَن يكون قبله كَون أول فِي ذَلِك الْمَكَان فَلهَذَا عرفوهما بالكونين وَأَرَادُوا الْكَوْن الْوَاحِد فَافْهَم.
وَيرد على تعريفيهما بطلَان مَا تقرر عِنْدهم من أَن الْجِسْم والجوهر لَا يخلوان عَن الْحَرَكَة والسكون لِأَنَّهُمَا فِي آن الْحُدُوث ليسَا بمتحركين وَلَا ساكنين. وَلِهَذَا قَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة لَو قيل فَإِن كَانَ مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي حيّز آخر فحركة وَإِلَّا فَسُكُون لم يرد سُؤال آن الْحُدُوث انْتهى. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون دَاخِلا فِي السّكُون لِأَن معنى قَوْله وَإِلَّا الخ وَإِن لم يكن مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي حيّز آخر فَيجوز أَن لَا يكون مَسْبُوقا بِكَوْن آخر كَمَا فِي آن الْحُدُوث أَو لَا يكون فِي حيّز آخر بل فِي ذَلِك الحيز وَلَكِن لَا يخفى على المتأمل أَن اللّّبْث مُعْتَبر فِي السّكُون عرفا ولغة فالجسم أَو الْجَوْهَر فِي آن الْحُدُوث لَيْسَ بمتحرك كَمَا هُوَ الظَّاهِر وَلَيْسَ بساكن لعدم اللّّبْث فَعدم اعْتِبَار اللّّبْث فِي السّكُون وَجعله سَاكِنا فِي آن الْحُدُوث يهدم ذَلِك الِاعْتِبَار.
فَإِن قلت فينهدم حِينَئِذٍ مَا تقرر من أَن كل جسم وجوهر لَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون وَعَلِيهِ مدَار إِثْبَات حُدُوث الْعَالم. قُلْنَا: خلو الْجِسْم أَو الْجَوْهَر فِي آن الْحُدُوث عَن الْحَرَكَة والسكون لَا يضرنا فَإِن حُدُوثه ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان وَالْمَقْصُود إِثْبَات حُدُوث مَا تعدّدت فِيهِ الأكوان وتجددت عَلَيْهِ الْأَعْصَار والأزمان. فَالْمُرَاد مِمَّا تقرر أَن كل جسم أَو جَوْهَر تعدّدت فِيهِ الأكوان وتجددت عَلَيْهِ الْأَعْصَار لَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون لَا أَن كل جسم أَو جوهرم مُطلقًا لَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون حَتَّى يلْزم هدم مَا تقرر. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك جدا.

الإطناب

الإطناب:
[في الانكليزية] Prolixity
[ في الفرنسية] Prolixite

بالنون قال أهل البلاغة: الإطناب والإيجاز من أعظم أنواع البلاغة، حتى نقل عن البعض أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب.

قال صاحب الكشاف: كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل، كما إذا كان الكلام مع المحبوب فيؤتى بكلام طويل لأن كثرة الكلام توجب طول الصحبة معه، وكثرة الالتفات منه، كما قال الله تعالى حكاية عن قول موسى عليه السلام في جواب قوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى، كذا في الجرجاني.
واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز؟
فالســكّاكي وجماعة على الأول، لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسّروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة، وفسّروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من المتعارف، والإطناب بأدائه بأكثر منه.

وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا:
الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ ازيد.
وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إمّا بلفظ مساو لأصل المراد، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة، والأول المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب. واحترز بقوله واف عن الإخلال، وبقوله لفائدة عن الحشو والتطويل فعنده تثبت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول، كذا في الإتقان. لكن قال الچلپي في حاشية المطول إنّ الإطناب في اصطلاح السكّاكي يعم المساواة فتعريفه بأداء المقصود بأكثر منه لا يلائم مذهبه انتهى. قال صاحب الأطول: أمّا أنّ هذا التعميم المذكور اصطلاح السكّاكي فغير ثابت انتهى؛ فقول صاحب الإتقان أولى. ثم قال صاحب الأطول:
المساواة عند السكّاكي هي متعارف الأوساط الذين يكتفون بأداء أصل المعنى على ما ينبغي، أي كلامهم في مجرى عرفهم في تأدية المعاني وربما يشتمل متعارفهم على الحذف ومع ذلك لا يسمّى اختصارا وإيجازا لأنه متعارفهم فإن عرفهم في طلب الإقبال يا زيد وهو مشتمل على الحذف وفي التحذير إياك والأسد وامرأ ونفسه وحمدا وسقيا، وهي لا تحمد في باب البلاغة من الأوساط ولا تحمد أيضا من البليغ معهم، لأنه لا يقصد معهم بكلامه مزية سوى التجريد عن المزايا، وبذلك يرتقي عن أصوات الحيوانات، ولا تذم أيضا لا منهم ولا من البليغ. وأمّا التكلّم بمتعارفهم إذا عرى عن المزية فلا يحمد من البليغ معهم ويذم منه مع البليغ، وإذا اشتمل على المزايا التي هم غافلون عنها كما في إيّاك والأسد فمعهم لا يحمد من البليغ ولا يذمّ ومع البليغ يحمد لأن البليغ قصد به مزايا تتعلّق بالإيجازات التي فيها، فالإيجاز عنده أداء المقصود بأقل من المتعارف، والإطناب أداؤه بأكثر منه، لكن يرد على السكّاكي أمران: أحدهما أنهم جعلوا نحو: نعم الرجل زيد من الإطناب ولا عبارة للأوساط غيره. وثانيهما أنه لم يحفظ تعريف الإيجاز عن دخول الإخلال وتعريف الإطناب عن دخول الحشو والتطويل، ولذا عدل عنه القزويني وقال الأقرب الخ.

وفيما ذكر القزويني أيضا أنظار: الأول أنه إن أراد بالمقبول المقبول مطلقا سواء كان من البليغ أو من الأوساط فالزائد والناقص غير مقبولين من الأوساط لأنهما خروج عن طريقهم لا لداع، وإن أراد المقبول من البليغ فليس المساوي والناقص الوافيان مقبولين مطلقا، بل إذا كانا لداع. والثاني إنّ قولنا جاءني إنسان وقولنا جاءني حيوان ناطق كلاهما مساو بأنه أصل المراد بلفظ مساو فينبغي أن لا يكون أحدهما إطنابا والآخر إيجازا. وبالجملة لا يشتمل تعريف الإيجاز إيجاز القصر. والثالث إن قولنا حمدا لك ونظائره مساواة بتعريف السكّاكي وإيجاز بتعريف القزويني، فنزاعه مع السكّاكي في نقل اصطلاح القوم في مثله لا يسمع بدون سند قوي. ولو قيل المراد المساوي بحسب الأوساط فتعريفه يؤول إلى ما ذكره السكّاكي.
والرابع الإيجاز والإطناب والمساواة مختصّة بالكلام البليغ كما عرف، فلا يتمّ تعريف الإيجاز والإطناب ما لم يقيّد بالبلاغة لجواز أن يكون الناقص الوافي غير فصيح، وكذا الزائد لفائدة انتهى ما قال صاحب الأطول.

اعلم أنه قال السكّاكي: قد يوصف الكلام بالاختصار لكونه أقل من عبارة المتعارف كما سبق، وقد يوصف به لكونه أقل من العبارة اللائقة بالمقام بحسب مقتضى الظاهر نحو:
قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً فإنه إطناب بالنسبة إلى المتعارف، وهو قولنا يا ربي شخت، لكنه إيجاز بالنسبة إلى ما يقتضيه المقام لأنه مقام بيان انقراض الشباب ونزول المشيب، فينبغي أن يبسط الكلام فيه غاية البسط، فعلم أنّ للإيجاز معنيين: أحدهما كون الكلام أقل من عبارة المتعارف والثاني كونه أقل مما هو مقتضى ظاهر المقام، وأنه لا فرق بين الإيجاز والاختصار وإن توهّمه البعض كما ورد في لفظ الإجازة. ثم إنّ بين الإيجازين عموما من وجه لتصادقهما فيما هو أقلّ من عبارة المتعارف، ويقتضي المقام جميعا كما إذا قيل ربّ شخت بحذف حرف النداء وياء الإضافة، وصدق الأوّل بدون الثاني كما في قوله إذا قال: الخميس نعم بحذف المبتدأ فإنه أقل من المتعارف، وهو هذا نعم، وليس أقل من مقتضى المقام لأنّ المقام لضيقه يقتضي حذف المسند إليه وصدق الثاني بدون الأول كما في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ويمكن اعتبار هذين المعنيين في الإطناب أيضا.
والنسبة بين الإطنابين أيضا عموم من وجه لأنّ الإطناب بالمعنى الأول دون الثاني يوجد في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، وبالمعنى الثاني دون الأول يوجد في ما إذا قيل: هذا نعم بذكر المبتدأ بناء على مناسبة خفية مع ذلك المقام، ويوجد بالمعنيين فيما إذا زيد في هذا المثال نظرا إلى ما ذكر من المناسبة الخفية، فقيل مثلا: هذا نعم فاغتنموه؛ وكذا بين الإيجاز بالمعنى الثاني وبين الإطناب بالمعنى الأول عموم من وجه لوجودهما في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ووجود الإطناب بالمعنى الأول دون الإيجاز بالمعنى الثاني فيما إذا قال هذا نعم فسوقوه إذا طابق المقام على ما مرّ، وبالعكس فيما إذا قال يا ربي قد شخت، وكذا بين الإيجاز بالمعنى الأول والإطناب بالمعنى الثاني لوجودهما في غزال فاصطادوه إذا طابق المقام عند كون الأمر بالاصطياد مقصودا أصليا للمتكلّم، فإن متعارف الأوساط هذا غزال فاصطادوه. ومقتضى ظاهر المقام غزال ووجود الإيجاز بالمعنى الأول دون الإطناب بالمعنى الثاني في قوله قد شخت، وبالعكس في قوله هذا نعم عند مناسبة خفية.
واعلم أيضا أنه كما يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كونه ناقصا عمّا يساوي أصل المراد أو زائدا عليه وهو الأكثر كذلك قد يوصف الكلام بهما باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له، أي لذلك الكلام، في أصل المعنى. وإنما قيد المعنى بالأصل لعدم إمكان المساواة في تمام المراد فإن للإيجاز مقاما ليس للإطناب، وبالعكس، ولا يوصف بالمساواة بهذا الاعتبار إذ ليس المساواة بهذا الاعتبار مما يدعو إليه المقام بخلاف الإيجاز والإطناب، هكذا يستفاد من الأطول والمطول وأبي القاسم.
واعلم أيضا أنّ البعض على أن الإطناب بمعنى الإسهاب. والحق أنه أخصّ من الإسهاب، فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره.
التقسيم

الإطناب قسمان: إطناب بسط وإطناب زيادة. فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية في سورة البقرة أطنب فيها أبلغ إطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل، والمؤمن منهم والكافر والمنافق. والثاني يكون بأنواع: الأول دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد. والثاني الأحرف الزائدة. والثالث التأكيد. والرابع التكرير.
والخامس الصفة. والسادس البدل. والسابع عطف البيان. والثامن عطف أحد المترادفين على الآخر. والتاسع عطف الخاصّ على العام وعكسه. والعاشر الإيضاح بعد الإبهام.
والحادي عشر التفسير. والثاني عشر وضع الظاهر موضع المضمر. والثالث عشر الإيغال.
والرابع عشر التّذييل. والخامس عشر الطّرد والعكس. والسادس عشر التّكميل المسمّى بالاحتراس أيضا. والسابع عشر التّتميم. والثامن عشر الاستقصاء. والتاسع عشر الاعتراض.
والعشرون التعليل وفائدته التقرير، فإنّ النفوس أبعث على قبول الأحكام المعلّلة من غيرها، كذا في الإتقان وتفصيل كل في موضعه.
الإطناب: أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة، من أطنب الرجل إذا بالغ في قوله بمدح أو ذم. 
(الإطناب) (فِي علم الْمعَانِي) أَن يزِيد اللَّفْظ على الْمَعْنى لفائدة وَهُوَ يُقَابل الإيجاز وتتوسطهما الْمُسَاوَاة

الدَّهْر

(الدَّهْر) مُدَّة الْحَيَاة الدُّنْيَا كلهَا وَالزَّمَان الطَّوِيل وَالزَّمَان قل أَو كثر وَألف سنة وَمِائَة ألف سنة والنازلة والهمة والإرادة والغاية وَيُقَال مَا دهري بِكَذَا وَمَا دهري كَذَا مَا همي وغايتي وَالْعَادَة وَالْغَلَبَة (ج) أدهر ودهور وَيُقَال كَانَ ذَلِك دهر النَّجْم حِين خلق الله النُّجُوم أول الزَّمَان وَفِي الْقَدِيم

(الدَّهْر) الدَّهْر (ج) أدهار
الدَّهْر: وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الثَّابِت سرمد، وَكَون الزَّمَان بكله مَوْجُود فِي الدَّهْر والسرمد من غير مُضِيّ وَحَال واستقبال مستبعد عِنْد المبتدئين. فلتوضيحه يَكْفِي مَا قَالَه جلال الْعلمَاء والمدققين الدواني رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي شرح رباعياته فِي تَحْقِيق علم الله تَعَالَى وَكَلَامه وَالْإِشَارَة إِلَى حل الإشكالات الَّتِي تتراءى فِي قدمهَا:
(فِي علم الْحق سُبْحَانَهُ وَكَلَامه يَا أهل الْكَمَال ... )
(إِذا أَحْسَنت وامعنت النّظر فَإنَّك لَا تَجِد إشْكَالًا ... )
(هُنَا كل الْمَاضِي والمستقبل وَالْحَال وَهنا حَيْثُ ... )
(جَمِيع الْكَوْن فَكيف يكون الْعَدَم ... )
وَفِي الْعلم الإلهي وَالْكَلَام الرباني فَإِن السالكين المسالك النظرية والشهورية يشتبهون حِين يقررون الشّبَه فِي علم اللدني، معتبرين أَن علمه قديم ومتعلق بالحوادث الْأَمر الَّذِي يُوجب التَّغَيُّر فِي علمه فَإِذا كَانَ زيد قَائِما وَهُوَ عَالم بقيامه وَإِذا تبدل هَذَا الْقيام إِلَى الْقعُود، فَإِذا بَقِي علمه وَاقِفًا على الْقيام يصبح الْعلم الإلهي جهلا، وَإِذا تغير وتحول إِلَى الْعلم بالقعود فَإِن تبدلا قد حدث فِي علم الله، تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، وَأَيْضًا إِن الله عَالم بالحوادث الآتيه مُنْذُ الْأَزَل. فَإِذا كَانَ الْعلم على هَذَا الْوَجْه إِلَى أَنهم موجودون، فَهَذَا خلاف الْوَاقِع، وَإِذا كَانَ على وَجه أَنهم سيوجدون بعد وجود الْحَادِث فَإِذا بَقِي الْعلم على هَذَا الْوَجْه فَهُوَ الْجَهْل، وَإِذا ارْتَفع علمه وَأصْبح علمه بِمَا هُوَ مَوْجُود فَإِن هَذَا يَسْتَدْعِي زَوَال علمه الأول وحدوث علمه الثَّانِي وَكِلَاهُمَا محالين لَدَى ذَات الله تَعَالَى. وَبِنَاء على ذَلِك قَالَ بعض الحشوية أَن علم الله تَعَالَى بالحوادث فِي وَقت حُصُولهَا لَا غير، تَعَالَى عَن ذَلِك.
والمتكلمين المتقصين قَالُوا عَن أساس الشّبَه أَن الْعلم الإلهي قديم وَأَن تبدل الْعلم الْحَادِث وتعلقه يَقع فِي متعلقاته وَلَيْسَ فِي نفس الْعلم. وَهَذَا كَلَام واه. فَكيف يعلم أَن لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَلم يعلم هَذَا الشَّيْء، إِذا يجب أَن يكون الله تَعَالَى لَيْسَ عَالم بالحوادث مُنْذُ الْأَزَل وَهَذَا يعيدنا إِلَى كَلَام الحشوية. أما وَجه التَّقَصِّي فِيهِ فَهُوَ أَن الذَّات الإلهية لَيست زمانية وَلكنهَا مُحِيطَة وعالية عَن زمَان علمه تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَيْسَ زمانيا لكنه مُحِيط بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَة دفْعَة وَاحِدَة، وكل جُزْء مَفْرُوض من أَجزَاء الزَّمَان والحوادث الْوَاقِعَة فِيهِ وعَلى الْكَيْفِيَّة الْوَاقِعَة فَهِيَ فِي مشاهديه. مثلا فَإِن زمَان بعثة نوح عَلَيْهِ السَّلَام على هَذَا الْوَجْه هُوَ مَاض نِسْبَة إِلَى بعثة الْأَنْبِيَاء الْمُتَأَخِّرين عَنهُ وَهُوَ فِي الْمُسْتَقْبل بِالنِّسْبَةِ لبعثة آدم والأنبياء الآخرين الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ وَهُوَ حَاضر بِالنِّسْبَةِ للحوادث الْمُقَارنَة لَهُ. وعَلى هَذَا الْوَجْه فَإِن جَمِيع وَسَائِر الْأَزْمِنَة والحوادث لَا تَتَغَيَّر. وَلَا يُمكن أَن تكون بعثة نوح عَلَيْهِ السَّلَام خَالِيَة فِي هَذِه الصِّفَات. والماضي والمستقبل فِيهَا نِسْبَة للأمور الْأُخْرَى وَلَيْسَ بِالنِّسْبَةِ لله تَعَالَى. وأساس هَذَا الْمَعْنى أَن الذَّات الإلهية فالأمور السَّابِقَة أَو الْمُتَقَدّمَة على الزَّمَان الْمُطلق غير محاطة بِالزَّمَانِ لَكِنَّهَا مُحِيطَة بِالزَّمَانِ، إِذا الْمَاضِي والمستقبل لَا يُوجد بِالنِّسْبَةِ لَهُ ولكنهما موجودان بِالنِّسْبَةِ للزمنين المتساوين فِي أقدمية الْحُضُور وعَلى الرغم من أَن ثُبُوت الْمَاضِي والاستقبال حَاصِل من الْعَدَم وَذَلِكَ لِأَن الْمَاضِي والاستقبال هما الزَّمَان، وَالزَّمَان فرع من الْحَرَكَة وَالْحَرَكَة ناشئة من الْقُوَّة وَالْقُوَّة تَسْتَلْزِم الْعَدَم بِالْقُوَّةِ والعدم لَيْسَ لَهُ طَرِيق فِي ساحة الْوُجُود الْحَقِيقِيّ، بل فِي المجردات: والمثال على هَذَا الْوَجْه من الْمَعْنى أَن يعرض شخص مَا على آخر دفْعَة وَاحِدَة، ثمَّ يعمد إِلَى عرض هَذَا الْخط على حَيَوَان ضيق الحدقة بالتدريج بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الْإِحَاطَة بهَا كليا.
وَبِمَا أَن هَذَا الْحَيَوَان سيرى أَن اللَّوْن يتبدل بَين لَحْظَة وَأُخْرَى، فَإِنَّهُ يعْتَقد أَن الأول صَار مَعْدُوما وَأَن الثَّانِي إِن وجد وَذَلِكَ بِسَبَب تبدل علمه بالألوان، وَهَذَا بِمَعْنى غياب آحَاد الألوان عَن ناظريه وتعاقب الْحُضُور عِنْده ...
وَمَا ينْقل عَن أساطين الْحِكْمَة السَّابِقين أَن نِسْبَة الثَّابِت إِلَى الثَّابِت هُوَ السرمد، وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الْمُتَغَيّر هُوَ الدَّهْر، وَنسبَة الْمُتَغَيّر إِلَى الْمُتَغَيّر هُوَ الزَّمَان، وَيَا أَيهَا الذكي الْعَالم بالدقائق إِلَيْك التَّنْبِيه على هَذَا الْمَعْنى. إِذا أزيلت غشاوة الامتراء وسبل الْجِدَال عَن أعين أهل البصيرة وألقوا من يدهم عَصا تَقْلِيد المصطلحات واتجهوا إِلَى وَادي إِدْرَاك الْأَشْيَاء الْمُقَدّس وينير لَهُم الْهَادِي نور الطَّرِيق فَيجب أَن يعلمُوا أَنه من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد هُوَ مجَال الْعلم الإلهي ودفعة وَاحِدَة. وَلَا يُمكن لأي شَيْء أَن يغيب عَن خطّ شُهُوده مَاضِيا كَانَ أم اسْتِقْبَالًا. وبنظري الْقَاصِر، فَإِن الْعَالم إِمْكَان ممزوج بِثَوْب الْعَدَم، وَلَا طَرِيق لغبار الْعَدَم إِلَى الساحة المقدسة للكمال والوجود الْمَحْض. وَلَا وجود بعْدهَا للماضي والاستقبال، وَقد أورد بعض أَصْحَاب الْحِكْمَة هَذَا الْمَعْنى شعرًا فَقَالَ:
(الْمَاضِي والمستقبل والحاضر فِي علم الله ... للَّذي يعلم أَنه لَا يعلم ذَلِك)
(وهم جَمِيعًا فِي سجن الزَّمَان ... وَمن ضيق الْمقَال اطلق سراحهم)
الدَّهْر: قد يعد من الْأَسْمَاء الْحسنى. وَلذَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الدَّهْر هُوَ الله تَعَالَى. وَأَيْضًا الدَّهْر الزَّمَان الطَّوِيل فَمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تسبوا الدَّهْر. فَإِن خَالق الدَّهْر هُوَ الله. وَقيل الدَّهْر ألف سنة. وَقيل الدَّهْر الْأَبَد. وَقيل الدَّهْر منشأ الْأَزَل وَإِلَّا بَدَلا ابْتِدَاء لَهُ وَلَا انْتِهَاء لَهُ كل ذِي ابْتِدَاء وَذي انْتِهَاء فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي غَيره. وَهَذَا هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ أساطين الْحُكَمَاء كَمَا سنبين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا أَدْرِي مَا الدَّهْر فَإِنَّهُ رَحمَه الله توقف فِي الدَّهْر كَمَا توقف فِي وَقت الْخِتَان وَفِي أَحْوَال أَطْفَال الْمُشْركين يَوْم الْقِيَامَة. وَيعلم من كتب الْفِقْه أَن الدَّهْر الْمُنكر أَي الْمُجَرّد عَن لَام التَّعْرِيف مُجمل والمعرف بهَا الْعُمر فَلَو قَالَ إِن صمت الدَّهْر فَعَبْدي حر فَهُوَ على الْعُمر. وَفِي تَحْقِيق الزَّمَان والدهر والسرمد كَلَام طَوِيل للحكماء الْمُحَقِّقين. وَهَذَا الْغَرِيب الْقَلِيل البضاعة يُرِيد إِيرَاد خُلَاصَة بيانهم. وتبيان زبدة مرامهم. فَأَقُول إِن السرمد وعَاء الدَّهْر والدهر وعَاء الزَّمَان وَالزَّمَان وعَاء المتغيرات تدريجية أَولا. وَبَيَان هَذَا أَن الْمَوْجُود إِذا كَانَ لَهُ هوية وَوُجُود اتصافي غير قار الْأَجْزَاء كالحركة كَانَ مُشْتَمِلًا على أَجزَاء بَعْضهَا مُتَقَدم على بعض وَبَعضهَا مُتَأَخّر عَن بعض لَا يَجْتَمِعَانِ فَلذَلِك الْمَوْجُود بِهَذَا الِاعْتِبَار مِقْدَار وامتداد غير قار ينطبق ذَلِك الْمَوْجُود الاتصالي على ذَلِك الْمِقْدَار بِحَيْثُ يكون كل جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوُجُود الاتصالي مطابقا بِكُل جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْمِقْدَار الْمُقدم بالمقدم والمؤخر بالمؤخر وَهَذَا الْمِقْدَار الْمُتَغَيّر الْغَيْر القار الْمَنْسُوب إِلَيْهِ ذَلِك الْمَوْجُود الْمُتَغَيّر الْغَيْر القار هُوَ الزَّمَان وَمثل هَذَا الْمَوْجُود يُسمى متغيرا تدريجيا لَا يُوجد بِدُونِ الانطباق على الزَّمَان والمتغيرات الدفعية إِنَّمَا تحدث فِي آن هُوَ طرف الزَّمَان فَهِيَ أَيْضا لَا تُوجد بِدُونِ الزَّمَان فالزمان وعَاء المتغيرات وظرفها وَلذَا قَالَ الشَّيْخ الرئيس الْكَوْن فِي الزَّمَان مَتى الْأَشْيَاء المتغيرة انْتهى.
والماضي وَالْحَال والاستقبال إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المتغيرات التدريجية أَو الدفعية الَّتِي منطبقة بأجزاء ذَلِك الامتداد الْغَيْر القار الَّذِي هُوَ الزَّمَان. وَإِذا نسب الْأَمر الثَّابِت سَوَاء كَانَ ثُبُوته بِالذَّاتِ كالواجب تَعَالَى شَأْنه أَو بعلته كالجواهر الْمُجَرَّدَة والأفلاك إِلَى الزَّمَان وَلَا يُمكن نسبته إِلَيْهِ إِلَّا بالمعية فِي الْحُصُول والكون يَعْنِي أَنه مَوْجُود مَعَ الزَّمَان كَمَا أَن الزَّمَان مَوْجُود وَلَا يُمكن نسبته إِلَى الزَّمَان بالحصول يَعْنِي كَون الزَّمَان ظرفا لذَلِك الْأَمر الثَّابِت لِأَن كَون الزَّمَان ظرفا لشَيْء مَوْقُوف على كَون ذَلِك الشَّيْء ذِي أَجزَاء وعَلى انطباق تِلْكَ الْأَجْزَاء على أَجزَاء الزَّمَان وَهَذَا الانطباق مَوْقُوف على التَّغَيُّر والتقضي فِي الْأَجْزَاء حَتَّى تنطبق تِلْكَ الْأَجْزَاء الْغَيْر القارة بأجزاء الزَّمَان الْغَيْر القارة حَتَّى يكون الزَّمَان متناه وَلَيْسَ كل مَا يُوجد مَعَ الشَّيْء كَانَ حَاصِلا فِيهِ ومظروفا لَهُ وَذَلِكَ الشَّيْء ظرفا لَهُ.
أَلا ترى أَن الأفلاك مَوْجُودَة مَعَ الخردلة وَلَيْسَت هِيَ فِيهَا فَيكون ذَلِك الْأَمر الثَّابِت فِي حد نَفسه مستغنيا عَن الزَّمَان بِحَيْثُ إِذا نظر إِلَى ذَاته يُمكن أَن يكون مَوْجُودا بِلَا زمَان. فَلذَلِك الْأَمر الثَّابِت بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَان حُصُول صرف وَكَون مَحْض مُجَرّد عَن كَونه فِيهِ ووعاء هَذَا الْكَوْن والحصول هُوَ الدَّهْر. وَقد علم مِمَّا ذكرنَا أَن الْأَمر الثَّابِت نَوْعَانِ ثَابت بِالذَّاتِ وثابت بِالْغَيْر أَي بعلته فَإِذا نسب الْأَمر الثَّابِت بِالذَّاتِ إِلَى الثَّابِت بِالْغَيْر بالمعية أَيْضا لما مر يحصل لَهُ حُصُول وَكَون أرفع من الْحُصُول والكون الَّذِي لِلْأَمْرِ الثَّابِت بِالْغَيْر لِأَنَّهُ حِين النّظر فِي ذَات الْأَمر الثَّابِت بِالذَّاتِ أَي الْوَاجِب تَعَالَى شَأْنه يغرق جَمِيع مَا سواهُ تَعَالَى فِي بَحر الْهَلَاك والبطلان فِي حد نَفسه وَلَا تهب ريح مِنْهَا إِلَى ساحة جنابه الْمُقَدّس وحضرة وجوده الأقدس فِي هَذَا اللحاظ وَالنَّظَر ووعاء هَذَا الْكَوْن إِلَّا رفع وظرفه هُوَ السرمد. قيل الْحق أَن يخص السرمد والوجود السرمدي بالقيوم الْوَاجِب بِالذَّاتِ جلّ جَلَاله انْتهى.
فالســرمد وعَاء الْكَوْن الْكَوْن إِلَّا رفع للْوَاجِب تَعَالَى ووعاء الدَّهْر أَيْضا وللجواهر الْمُجَرَّدَة وَسَائِر الْأُمُور الثَّابِتَة بِالْغَيْر كَون دهري لَا سرمدي لاختصاصه بِالْوَاحِدِ الْأَحَد الصَّمد عز شَأْنه. والكون الدهري فِي نَفسه وباللحاظ إِلَى ذَاته هَالك كَمَا مر والدهر وعَاء الزَّمَان وَالزَّمَان وعَاء التغيرات التدريجية والدفعية وَسَائِر الزمانيات الَّتِي يتَعَلَّق تقررها ووجودها بأزمنة وآنات متعينة. فَجَمِيع الأكوان والأزمان وأجزاء الزَّمَان والحوادث الزمانية والآنية حَاضر مَوْجُود دفْعَة فِي الدَّهْر من غير مُضِيّ وَحَال واستقبال وعروض انْتِقَال وَزَوَال إِذْ جملَة الزَّمَان وإبعاضه وحدوده لَا يخْتَلف انْقِضَاء أَو حصولا بِالْقِيَاسِ إِلَى الثَّابِت الْمَحْض أصلا فَأذن بعض الزَّمَان وَكله يكونَانِ مَعًا بِحَسب الْحُصُول فِي الدَّهْر وَإِلَّا لَكَانَ فِي الدَّهْر انقضاءات وتجددات فَيلْزم فِيهِ امتداد فينقلب الدَّهْر حِينَئِذٍ بِالزَّمَانِ وَهَذَا خلف محَال فحصول حُصُول الأكوان والأزمان كَذَلِك فِي السرمد بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَإِذ قد علمت أَن المتغيرات التدريجية لَا تُوجد بِدُونِ الانطباق على الزَّمَان. والدفعية إِنَّمَا تحدث فِي آن هُوَ ظرف الزَّمَان فَهِيَ أَيْضا لَا تُوجد بِدُونِ الزَّمَان وَأما الْأُمُور الثَّابِتَة الَّتِي لَا تغير فِيهَا أصلا لَا تدريجيا وَلَا دفعيا فَهِيَ وَإِن كَانَت مَعَ الزَّمَان إِلَّا أَنَّهَا مستغنية فِي حد أَنْفسهَا عَن الزَّمَان بِحَيْثُ إِذا نظر إِلَى ذواتها يُمكن أَن تكون مَوْجُودَة بِلَا زمَان. فَاعْلَم أَنه إِذا نسب متغير إِلَى متغير بالمعية أَو الْقبلية فَلَا بُد هُنَاكَ من زمَان فِي كلا الْجَانِبَيْنِ وَإِذا نسب بهما ثَابت إِلَى متغير فَلَا بُد من الزَّمَان فِي أحد جانبيه دون الآخر. وَإِذا نسب ثَابت إِلَى ثَابت بالمعية كَانَ الجانبان مستغنيين عَن الزَّمَان وَإِن كَانَا مقارنين. والحكماء الْمُحَقِّقُونَ أشاروا إِلَى مَا فصلنا فِي بَيَان الزَّمَان والدهر والسرمد بِمَا قَالُوا. إِن نِسْبَة الْمُتَغَيّر إِلَى الْمُتَغَيّر (زمَان) وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الْمُتَغَيّر (دهر) وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الثَّابِت (سرمد) .
ف (45) :

الْبُرْهَان

الْبُرْهَان: فِي الْقَامُوس الْحجَّة. وَعند المنطقيين هُوَ الْقيَاس الْمُؤلف من اليقينيات سَوَاء كَانَت بديهيات أَو نظريات منتهية إِلَى البديهيات.
ثمَّ اعْلَم أَن الْبُرْهَان لمي وَأَنِّي - لِأَن الْحَد الْأَوْسَط فِي الْبُرْهَان بل فِي كل قِيَاس لَا بُد وَأَن يكون عِلّة لحُصُول التَّصْدِيق بالحكم الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب أَي لنسبة الْأَكْبَر إِلَى الْأَصْغَر فِي الذِّهْن. وَإِلَّا لم يكن برهانا على ذَلِك الْمَطْلُوب. فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك عِلّة أَيْضا لوُجُود تِلْكَ النِّسْبَة فِي الْخَارِج فالبرهان لمي كَقَوْلِنَا هَذَا متعفن الإخلاط وكل متعفن الإخلاط مَحْمُوم فَهَذَا مَحْمُوم فتعفن الإخلاط كَمَا أَنه عِلّة لثُبُوت الْحمى فِي الذِّهْن كَذَلِك عِلّة لثُبُوت الْحمى فِي الْخَارِج. وَإِن لم يكن عِلّة للنسبة لَا فِي الذِّهْن وَلَا فِي الْخَارِج فالبرهان أَنِّي سَوَاء كَانَ ذَلِك الْأَوْسَط معلولا لثُبُوت الحكم فِي الْخَارِج أَولا وَالْأول يُسمى دَلِيلا وَالثَّانِي لَا يخص باسم بل يُقَال لَهُ برهَان أَنِّي فَقَط. مِثَال الأول قَوْلنَا هَذَا مَحْمُوم وكل مَحْمُوم متعفن الإخلاط فَهَذَا متعفن لإخلاط فالحمى وَإِن كَانَت عِلّة لثُبُوت تعفن الإخلاط فِي الذِّهْن إِلَّا أَنَّهَا لَيست عِلّة لَهُ فِي الْخَارِج بل الْأَمر بِالْعَكْسِ. وَالْحَد الْأَوْسَط فِي الثَّانِي قد يكون مضايفا للْحكم بِوُجُود الْأَكْبَر للأصغر كَقَوْلِنَا هَذَا الشَّخْص أَب وكل أَب لَهُ ابْن فَلهُ ابْن. وَقد يكون الْأَوْسَط وَالْحكم معلولي عِلّة وَاحِدَة كَقَوْلِنَا هَذِه الْخَشَبَة محترقة وكل محترقة مستها النَّار فَهَذِهِ الْخَشَبَة مستها النَّار. وَقد لَا يكون كَذَلِك وَإِنَّمَا سميا ببرهان اللم والآن لِأَن اللمية هِيَ الْعلية والآنية هِيَ الثُّبُوت. وبرهان اللم يعلم مِنْهُ عِلّة الحكم ذهنا وخارجا لاشْتِمَاله على مَا هُوَ عِلّة الحكم فِي نفس الْأَمر فَسُمي باسم اللم الدَّال على الْعلية. وبرهان الْآن إِنَّمَا يُفِيد عِلّة الحكم ذهنا لَا خَارِجا فَهُوَ إِنَّمَا يُفِيد ثُبُوت الحكم فِي الْخَارِج وَأَن علته مَاذَا فَهُوَ لَا يُفِيد ذَلِك. وَإِنَّمَا قُلْنَا فَهُوَ لايفيد ذَلِك كَمَا فِي شرح التَّجْرِيد لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ مَا قَالَ الْفَاضِل المدقق مرزا جَان إِنَّمَا هَذِه الْعبارَة مشعرة بِأَن برهَان اللم يُفِيد أَن عِلّة الحكم مَاذَا وَأي شَيْء هِيَ وَلَيْسَ كَذَلِك بل برهَان اللم لَا يُفِيد سوى ثُبُوت الحكم فِي الْوَاقِع وَلَا يُفِيد الْعلَّة أصلا فضلا عَن أَن علته مَاذَا بل هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ المُرَاد انْتهى. فَسمى باسم الْآن الدَّال على الثُّبُوت والتحقق فَإِن قلت: الِاسْتِدْلَال بِوُجُود الْمَعْلُول على أَن لَهُ عِلّة مَا كَقَوْلِنَا كل جسم مؤلف وَلكُل مؤلف مؤلف برهَان لمي بالِاتِّفَاقِ مَعَ أَن الْأَوْسَط فِيهِ وَهُوَ الْمُؤلف بِالْفَتْح مَعْلُول للأكبر وَهُوَ الْمُؤلف بِالْكَسْرِ مثل قَوْلنَا هَذَا مَحْمُوم وكل مَحْمُوم متعفن الإخلاط فَإِن الْأَوْسَط فِيهِ أَيْضا مَعْلُول للأكبر أَعنِي متعفن الإخلاط وَهُوَ برهَان أَنِّي بالِاتِّفَاقِ.
فَالْحَاصِل أَن تَعْرِيف اللمي غير جَامع وتعريف الآني لَيْسَ بمانع قُلْنَا الْمُعْتَبر فِي برهَان اللم كَون الْأَوْسَط عِلّة للوجود الرابطي للأكبر أَي لثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر لَا للوجود المحمولي للأكبر أَي لثُبُوته فِي نَفسه والأوسط فِي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور عِلّة لثُبُوت الْأَكْبَر أَعنِي الْمُؤلف (بِالْكَسْرِ) للجسم يَعْنِي عِلّة لكَونه ذَا مؤلف (بِالْكَسْرِ) . وَالْحَاصِل أَن الْأَكْبَر هُنَاكَ لَيْسَ هُوَ الْمُؤلف (بِالْكَسْرِ) بل الْأَكْبَر قَوْلنَا لَهُ مؤلف (بِالْكَسْرِ) فالمؤلف جُزْء الْأَكْبَر لَا عينه. والأوسط فِي الْمِثَال الثَّانِي وَهُوَ الْحمى مَعْلُول لثُبُوت الْأَكْبَر أَعنِي تعفن الإخلاط للأصغر فالســؤال ناش من اشْتِبَاه جُزْء الْأَكْبَر بالأكبر فَالْفرق بَينهمَا وَاضح وكل من التعريفين مطرد ومنعكس. فَإِن قيل كَون النتيجة يقينية مُعْتَبر فِي تَعْرِيف الْبُرْهَان سَوَاء كَانَ لميا أَو آنيا. وَمذهب الشَّيْخ الرئيس أَن الْيَقِين بالنتيجة لَا يحصل إِلَّا إِذا اسْتدلَّ بِوُجُود السَّبَب على وجود الْمُسَبّب. فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يكون الْبُرْهَان الآني برهانا لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهِ اسْتِدْلَال من وجود السَّبَب على وجود الْمُسَبّب بل قد يكون بِوُجُود الْمَعْلُول على وجود الْعلَّة أَو بِوُجُود الْمَلْزُوم على وجود لَازمه أَو بِوُجُود غير ذِي الْعلَّة على غير ذِي الْعلَّة فَيكون حِينَئِذٍ اسْتِدْلَال لغير ذِي الْعلَّة وَهُوَ ثُبُوت الْأَوْسَط للأصغر على غير ذِي الْعلَّة وَهُوَ ثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر. فَإِن قلت: من أَيْن يعلم أَن مَذْهَب الشَّيْخ مَا ذكر قُلْنَا: إِن الشَّيْخ أورد فِي برهَان الشِّفَاء فصلا لبَيَان أَن الْعلم اليقيني لكل مَا لَهُ سَبَب إِنَّمَا يكون من جِهَة الْعلم بِسَبَبِهِ انْتهى.
وتوضيحه على مَا يعلم من كَلَام السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على حَوَاشِيه على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد أَن كل مَوْجُود لَهُ عِلّة يكون مُمكن الْوُجُود جَائِز الطَّرفَيْنِ فَلَا يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ إِلَّا إِذا علم بِوُجُود سَببه مثلا لزيد سَبَب. فَإِذا اسْتدلَّ على وجوده بِوُجُود سَببه يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ دَائِما. وَإِذا اسْتدلَّ بِوُجُودِهِ بالإحساس والرؤية فَمَا دَامَ زيد مرئيا ومحسوسا يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ وَإِذا غَابَ عَن بَصَره يرْتَفع الْيَقِين بِوُجُودِهِ. أَقُول فَلَا فرق بَين الاستدلالين فَإِن حُصُول الْيَقِين بِوُجُود زيد مَا دَامَ مرئيا ومحسوسا كحصول الْيَقِين بِوُجُودِهِ مَا دَامَ وجود سَببه مَعْلُوما. نعم فِي غير المحسوس والمربي لَا يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ إِلَّا إِذا علم بِوُجُود سَببه فَافْهَم. فَلَمَّا ثَبت أَن مَذْهَب الشَّيْخ مَا ذكرنَا فخروج الْبُرْهَان الآني عَن الْبُرْهَان وَاضح غير مُحْتَاج إِلَى الْبُرْهَان فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الشَّيْخ قَالَ إِن الْعلم اليقيني بِكُل مَا لَهُ سَبَب الخ وَلم يقل إِن الْعلم اليقيني بِكُل شَيْء سَوَاء كَانَ لَهُ سَبَب أَو لَا إِنَّمَا يحصل من جِهَة الْعلم بِسَبَبِهِ حَتَّى يعلم انحصار حُصُول الْعلم اليقيني بِكُل شَيْء فِي الِاسْتِدْلَال بِوُجُود الْعلَّة على وجود الْمَعْلُول وَيلْزم انحصار الْبُرْهَان فِي اللمي وَخُرُوج الآني عَن الْبُرْهَان. فَيجوز حُصُول الْعلم اليقيني فِيمَا لَهُ سَبَب بالبرهان الآني كَيفَ لَا فان الشَّيْخ قَالَ فِي الْفَصْل الْمَذْكُور أَن الشَّيْء إِذا كَانَ لَهُ سَبَب لم يتَيَقَّن إِلَّا من سَببه فَإِذا كَانَ الْأَكْبَر للأصغر لَا بِسَبَب بل لذاته لكنه لَيْسَ بَين الْوُجُود لَهُ والأوسط كَذَلِك للأصغر إِلَّا أَنه بَين الْوُجُود للأصغر ثمَّ الْأَكْبَر بَين الْوُجُود للأوسط فَينْعَقد برهَان يقيني وَيكون برهَان أَن لَيْسَ برهَان لم انْتهى.
فَيعلم من هَا هُنَا أَنه إِذا لم يكن لثُبُوت الحكم فِي الْخَارِج سَبَب يُمكن أَن يُقَام عَلَيْهِ الْبُرْهَان الآني مأخوذا من مسبب الحكم أَو من أَمر آخر. وَالشَّيْخ مقربه من غير إِنْكَار. وَالثَّانِي: أَن مُرَاد الشَّيْخ بِالْعلمِ اليقيني فِي هَذِه الدَّعْوَى هُوَ الْعلم اليقيني الدَّائِم كَمَا يعلم من كَلَامه هُنَاكَ. فالشيخ إِنَّمَا يسلب من الْبُرْهَان الآني الْيَقِين الدَّائِم وسلب الْيَقِين الدَّائِم لَا يُنَافِي الْيَقِين فِي الْجُمْلَة. وَالْمُعْتَبر فِي الْبُرْهَان هُوَ الْيَقِين فِي الْجُمْلَة فسلب الْيَقِين الدَّائِم لَا يُنَافِي الْبُرْهَان فَلَا يلْزم أَن لَا يكون الآني برهانا لجَوَاز أَن يكون الْحَاصِل بِهِ الْيَقِين فِي الْجُمْلَة. فَإِن قلت لَا نسلم أَن الْبُرْهَان الآني لَا يُفِيد الْعلم اليقيني الدَّائِم فَإنَّا إِذا رَأينَا صَنْعَة علمنَا ضَرُورَة أَن لَهَا صانعا وَلم يُمكن أَن يَزُول عَنَّا هَذَا التَّصْدِيق وَهُوَ اسْتِدْلَال بالمعلول على الْعلَّة قُلْنَا لهَذَا السُّؤَال وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يُؤْخَذ الْمَوْضُوع جزئيا كَقَوْلِك هَذَا الْبَيْت مُصَور وكل مُصَور فَلهُ مُصَور. وَثَانِيهمَا: أَن يُؤْخَذ كليا كَقَوْلِك كل جسم مؤلف وكل مؤلف فَلهُ مؤلف. وَالْأول برهَان أَنِّي غير مُفِيد لليقين الدَّائِم لِأَن هَذَا الْبَيْت مِمَّا يفْسد فيزول الِاعْتِقَاد الَّذِي كَانَ فَإِن الِاعْتِقَاد إِنَّمَا يَصح مَعَ وجوده وَالْيَقِين الدَّائِم لَا يَزُول وكلامنا فِي الْيَقِين الدَّائِم الْكُلِّي. وَالثَّانِي برهَان لمي مُفِيد لليقين الدَّائِم الْكُلِّي كَمَا مر. فَإِن قلت الْعلم بِوُجُود الْعلَّة عِلّة للْعلم بِوُجُود الْمَعْلُول والأكذب اللمي وَبِالْعَكْسِ وَإِلَّا كذب الآني وَهُوَ دور قُلْنَا إِنَّه يعلم وجود أَحدهمَا ضَرُورَة أَو كسبا ثمَّ يعلم أَنه عِلّة للْآخر فَيعلم وجوده.
ثمَّ اعْلَم أَن اللم هُوَ الْعلَّة فَقَوْلهم لِأَن اللمية هُوَ الْعلية لَا يَخْلُو عَن حزازة لِأَن الْيَاء فِي اللمية إِمَّا للمصدرية أَو للنسبة فَإِن كَانَ للمصدرية فَمَعْنَاه السُّؤَال بِالْمَعْنَى المصدري وَالْعلَّة لَيست هِيَ السُّؤَال. وَإِن كَانَ للنسبة فَمَعْنَاه الْمَنْسُوب إِلَى السُّؤَال وَالْعلَّة لَيست منسوبة إِلَى السُّؤَال حَتَّى يَصح يَاء النِّسْبَة فَإِن قلت بَيَان الْعلَّة يكون جَوَابا للسؤال عَن الْعلَّة وَالْجَوَاب مَنْسُوب إِلَى السُّؤَال فَيكون الْعلَّة أَيْضا منسوبة إِلَى السُّؤَال فَيصح يَاء النِّسْبَة قلت مُسلم أَن بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب تعلقا شَدِيدا لَكِن كل تعلق لَا يكون منشأ للنسبة أَي لإلحاق يَاء النِّسْبَة أَلا ترى إِن أَحْمد (نكرِي) مَعَ يَاء النِّسْبَة يُقَال لمن تولد فِي أَحْمد (نكر) وَلَا يُقَال لحَاكم أَحْمد (نكر) إِنَّه أَحْمد (نكرِي) وَإِن كَانَ تعلقه بِأَحْمَد (نكر) قَوِيا من تعلق الأول بِهِ. فَلَو كَانَ منشأ النِّسْبَة هُوَ التَّعَلُّق الْقوي لما صَحَّ ذَلِك وَصَحَّ هَذَا كَيفَ والمحال أَن يكون التَّعَلُّق الضَّعِيف مُوجبا للنسبة دون التَّعَلُّق الْقوي للُزُوم الترجح بِلَا مُرَجّح. وَالْحَاصِل أَن لَيْسَ كل تعلق مُوجبا لصِحَّة النِّسْبَة وَلَا التَّعَلُّق الْقوي مُوجبا لَهَا بل لكل تعلق خُصُوصِيَّة فِي كل مَحل توجب صِحَة النِّسْبَة وَلَيْسَ للتعلق بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب خُصُوصِيَّة مصححة للنسبة. وَلِهَذَا أَلا يُقَال أَن الْجَواب سُؤَالِي مَعَ يَاء النِّسْبَة فَافْهَم.

الْأُمُور الاتفاقية

الْأُمُور الاتفاقية: اعْلَم أَن الْحُكَمَاء ذكرُوا إِن تأدى السَّبَب إِلَى الْمُسَبّب إِمَّا أَن يكون دَائِما أَو أكثريا أَو مُسَاوِيا أَو أقليا فالســبب الَّذِي يتَأَدَّى إِلَى الْمُسَبّب على أحد الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين يُسمى سَببا ذاتيا وَذَلِكَ الْمُسَبّب يُسمى غَايَة ذاتية وَالسَّبَب الَّذِي يتَأَدَّى إِلَى الْمُسَبّب على أحد الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ يُسمى سَببا اتفاقيا وَذَلِكَ الْمُسَبّب يُسمى غَايَة اتفاقية. فَيعلم من هَا هُنَا أَن الْأُمُور الاتفاقية هِيَ الَّتِي لَا دائمة وَلَا أكثرية وَالْمرَاد بالمساوي هَا هُنَا مَا بَين الأقلي والأكثري فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك جدا.

المعرفة

المعرفة: عند النحاة: ما وضع ليدل على شيء بعينه وهي المضمرات والأعلام والمبهمات، وما عرف باللام، والمضاف إلى أحدهما.وعند أهل النظر: إدراك الشيء على ما هو عليه وهي مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم، ولذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف.المعرفة عند القوم: سمو اليقين. وقيل سقوط الوهم لوضوح الاسم. وقيل زوال البرهان بكمال العيان. وقيل دثور الريب لظهور الغيب. وقيل هجوم الأنوار على الأبرار.
المعرفة:
[في الانكليزية] Knowledge
[ في الفرنسية] Connaissance
هي تطلق على معان. منها العلم بمعنى الإدراك مطلقا تصوّرا كان أو تصديقا. ولهذا قيل كلّ معرفة وعلم فإمّا تصوّر أو تصديق.
ومنها التصوّر كما سبق وعلى هذا يسمّى التصديق علما كما مرّ أيضا. ومنها إدراك البسيط سواء كان تصوّرا للماهية أو تصديقا بأحوالها، وإدراك المركّب سواء كان تصوّرا أو تصديقا، على هذا الاصطلاح يخصّ بالعلم، فبين المعرفة والعلم تباين بهذا المعنى، وكلاهما أخصّ من العلم بمعنى الإدراك مطلقا، وكذا الحال في المعنى الثاني للمعرفة والعلم. وبهذا الاعتبار يقال عرفت الله دون علمته. ومناسبة هذا الاصطلاح بما نسمعه من أئمة اللغة من حيث إنّ متعلّق المعرفة في هذا الاصطلاح وهو البسيط واحد ومتعلّق العلم وهو المركّب متعدّد، كما أنّهما كذلك عند أهل اللغة وإن اختلف وجه التعدّد والوحدة، فإنّ وجه التعدّد والوحدة في اللغوي يرجع إلى تقييد الاسم الأول بإسناد أمر إليه وإطلاقه عنه، سواء كان مدخوله مركّبا أو بسيطا، وفي الاصطلاحي إلى نفس المحكوم عليه. فإن كان مركّبا فهو متعلّق العلم وإن كان بسيطا فمتعلّق المعرفة. ومنها إدراك الجزئي سواء كان مفهوما جزئيا أو حكما جزئيا، وإدراك الكلّي مفهوما كلّيا كان أو حكما كلّيا على هذا الاصطلاح يخصّ بالعلم، وبالنظر إلى هذا يقال أيضا عرفت الله دون علمته، والمراد بالحكم التصديق، والنسبة بينهما على هذا على قياس المعنى الثاني والثالث، والنسبة بين تلك المعاني الثلاثة للمعرفة هي العموم من وجه، وكذا بين تلك المعاني الثلاثة للعلم، وكذا بين المعرفة بالمعنى الثاني أي بمعنى التصوّر وبين العلم بالمعنى الثالث الرابع، وكذا بين المعرفة بالمعنى الثالث والعلم بالمعنى والرابع، وكذا بين المعرفة بالمعنى الرابع والعلم بالمعنى الثالث كما لا يخفى. قيل الاصطلاح الثاني والرابع متفرّعان على الثالث لأنّ الجزئي والتصوّر أشبه بالبسيط والكلّي والتصديق بالمركّب، هذا والأقرب أن يجعل استعمال المعرفة في التصوّرات والعلم في التصديقات أصلا لأنّه عين المعنى اللغوي ثم يفرّع عليه المعنيان الآخران، هكذا في شرح المطالع وحواشيه وحواشي المطول. ومنها إدراك الجزئي عن دليل كما في التوضيح في تعريف الفقه ويسمّى معرفة استدلالية أيضا. ومنها الإدراك الأخير من الإدراكين لشيء واحد إذا تخلّل بينهما عدم بأن أدرك أولا ثم ذهل عنه ثم أدرك ثانيا. قيل المراد بالذهول هو ما يفضي إلى نسيان محوج إلى كسب جديد وإلّا فالحاصل بعد الذهول التفات لا إدراك إلّا مجازا. والحقّ أنّ الذهول زوال الصورة عن المدركة فيكون الموجود بعده إدراكا، وإن كان بلا كسب جديد. ومنها الإدراك الذي هو بعد الجهل ويعبّر عنه أيضا بالإدراك المسبوق بالعدم والعلم يقال للإدراك المجرّد من هذين الاعتبارين بمعنى أنّه لم يعتبر فيه شيء من هذين القيدين، وبالنظر إلى هذه المعاني الثلاثة يقال: الله تعالى عالم ولا يقال عارف، إذ ليس إدراكه تعالى استدلاليا ولا مسبوقا بالعدم ولا قابلا للذهول، والنسبة بين المعرفة والعلم بهذين المعنيين هي العموم مطلقا، هكذا في حواشي المطول في تعريف علم المعاني، وباقي النّسب يظهر بأدنى توجّه.
ومنها ما هو مصطلح الصوفية. قال في مجمع السلوك: المعرفة لغة العلم، وعرفا العلم الذي تقدّمه نكرة. وفي عبارة الصوفية العلم الذي لا يقبل الشكّ إذا كان المعلوم ذات الله تعالى وصفاته، ومعرفة الذات أن يعلم أنّه تعالى موجود واحد فرد وذات وشيء وقائم ولا يشبه شيئا ولا يشبهه. وأما معرفة الصفات فأن يعرف الله تعالى حيّا عالما سميعا بصيرا مريدا متكلّما إلى غير ذلك من الصفات. وإنما لا تطلق المعرفة على الله تعالى لأنّها في الأصل اسم لعلم كان بعد أن لم يكن، وعلمه تعالى قديم.
ثم المعرفة إمّا استدلالية، وهو الاستدلال بالآيات على خالقها لأنّ منهم من يرى الأشياء فيراه بالأشياء، وهذه المعرفة على التحقيق إنّما تحصل لمن انكشف له شيء من أمور الغيب حتى استدلّ على الله تعالى بالآيات الظاهرة والغائبة، فمن اقتصر استدلاله بظاهر العالم دون باطنه فلم يستدل بالدليلين فتعطّل استدلاله بالباطن وهي درجة العلماء الراسخين في العلم.
وأمّا شهودية ضرورية وهو الاستدلال بناصب الآيات على الآيات، وهي درجة الصّدّيقين وهم أصحاب المشاهدة. قال بعض المشايخ: رأيت الله قبل كلّ شيء وهو عرفان الإيقان والإحسان، فعرفوا كلّ شيء به لا أنّهم عرفوه بشيء انتهى. ويقرب من هذا ما في شرح القصيدة الفارضية من أنّ المعرفة أخصّ من العلم لأنّها تطلق على معنيين، كلّ منهما نوع من العلم، أحدهما العلم بأمر باطن يستدلّ عليه بأثر ظاهر كما توسّمت شخصا فعلمت باطن أمره بعلامة ظاهرة منه، ومن ذلك ما خوطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ. وثانيهما العلم بمشهود سبق به عهد كما رأيت شخصا رأيته قبل ذلك بمدة فعلمت أنّه ذلك المعهود، فقلت عرفته بعد كذا سنّة عهده، فالمعروف على الأول غائب وعلى الثاني شاهد. وهل التفاوت البعيد بين عارف وعارف إلّا لبعد التفاوت بين المعرفتين؟ فمن العارفين من ليس له طريق إلى معرفة الله تعالى إلّا الاستدلال بفعله على صفته وبصفته على اسمه وباسمه على ذاته، أولئك ينادون من مكان بعيد. ومنهم من يحمله العناية الأزلية فتطرقه إلى حريم الشّهود فيشهد المعروف تعالى جده بعد المشاهدة السابقة في معهد أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ويعرف به أسماءه وصفاته على عكس ما يعرفه العارف الأول، فبين العارفين بون بيّن، إذ الأول لغيبة معروفة كنائم يرى خيالا غير مطابق للواقع، والثاني لشهود معروفه كمستيقظ يرى مشهودا حقيقيا مطابقا للواقع انتهى كلامه.

قال في مجمع السلوك: أوحى الله تعالى لداود عليه السلام يا داود: أتدري ما معرفتي؟ قال:

لا. قال: حياة القلب في مشاهدتي. وقال الواسطي: المعرفة ما شاهدته حسّا والعلم ما شاهدته خبرا أي بخبر الأنبياء عليهم السلام.

وقال البعض: المعرفة اسم لعلم تقدّمه نكرة وغفلة، ولهذا لا يصحّ إطلاقه على الله تعالى.

وقال الشبلي: إذا كنت بالله تعالى متعلّقا لا بأعمالك غير ناظر إلى ما سواه فأنت كامل المعرفة. وقيل الرؤية في الآخرة كالمعرفة في الدنيا كما أنّه تعالى يعرف في الدنيا من غير إدراك كذلك يرى في العقبى من غير إدراك، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ.
وقالوا من لم يعرف الله تعالى فالســكوت عليه حتم، ومن عرف الله تعالى فالصّمت له جزم.
ولذلك قيل من عرف الله كلّ لسانه، ولا يعارضه ما قيل: من عرف الله طال لسانه: إذ المعنى من عرف الله بالذات كلّ لسانه ومن عرف الله بالصفات طال لسانه. لأنّ الشّخص الذي له مقام التلوين يكون له معرفة الصفات، وأمّا من كان في مقام التمكين فله معرفة الذات.
وذلك مثل سيدنا موسى عند ما كان في مقام التلوين فتطاول قائلا: ربّ أرني أنظر إليك.

فجاءه الجواب: لن تراني. وأمّا نبيّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فلكونه في مقام التمكين فلم يتطاول بلسانه ولم يطلب الرؤية لهذا حظي بالرؤية. أو يقال: المعنى من عرف الله بمعرفته الشهودية الضرورية كلّ لسانه، ومن عرف الله بمعرفته الاستدلالية طال لسانه انتهى. وفي خلاصة السلوك: المعرفة ظهور الشيء للنفس عن ثقة، قال به عليّ بن عيسى. وقال عبد الله بن يحيى إذا أراك الاضطراب عن مقام العلم بدوام الصحبة فهو معرفة. وقيل المعرفة إحاطة العلم بالأشياء، قال عليه الصلاة والسلام: «لو عرفتم الله حقّ معرفته لزال الجبال عن دعائكم». قال أبو يزيد: حقيقة المعرفة الحياة بذكر الله وحقيقة الجهل الغفلة عن الله.
حكى أبو عليّ ثمرة المعرفة إذا ابتلي صبر وإذا أعطي النّعم شكر وإذا أصابه المكروه رضي.

وقال أهل الإشارات: العارف من لا يشغله شاغل طرفة عين. قال الجنيد: العارف الذي نطق الحقّ عن سرّه وهو ساكت. وقيل الذي ضاقت الدنيا عليه بسعتها. وقيل: الناس على أربعة أصناف: الثابت الذي يعمل للدرجات، والمحبّ الذي يعمل للزلفى القريبة، والعارف الذي يعمل لرضاء ربه من غير حفظ لنفسه منه.
ومنها ما هو مصطلح النحاة وهي اسم وضع لشيء بعينه. وقيل اسم وضع ليستعمل في شيء بعينه ويقابلها النكرة. اعلم أنّ التعريف عبارة عن جعل الذات مشارا بها إلى خارج إشارة وضعية ويقابلها التنكير وهو جعل الذات غير مشار بها إلى خارج في الوضع، والمراد بالذات المعنى المستقلّ بالمفهومية الذي يصلح أن يحكم عليه وبه، وهو معنى الاسم فقط، فإنّ معنى الفعل والجملة لدخول النسبة فيه خارج عن تلك الصلاحية، وكذا معنى الحرف. ثم لا يخفى أنّ المشار به إلى خارج إنّما هو اللفظ الدالّ على الذات وإنّما نسب إليها مجازا أو أراد بالذات ما يدلّ عليها مجازا، فالتعريف والتنكير من عوارض الذات أي من عوارض ما يكون مدلوله الذات، فلا يجريان في غير الاسم. فعلى هذا لو بدّل الذات بالاسم لكان أنسب. والمراد بالخارج مقابل الذهن. وإنّما قيل إلى خارج لأنّ كلّ اسم موضوع للدلالة على ما سبق في علم المخاطب بكون ذلك الاسم دالا عليه، ومن ثمّة لا يحسن أن يخاطب بلسان إلّا من سبق معرفته بذلك اللسان، فعلى هذا كلّ لفظ فهو إشارة إلى ما ثبت في ذهن المخاطب أنّ ذلك اللفظ موضوع له، فلو لم يقل إلى خارج لدخل في الحدّ جميع الأسماء معارفها ونكراتها. وتوضيحه أنّ المعرفة يشار بها إلى ما في الذهن من حيث حضوره فيه، ولهذا قيل المعرفة يقصد بها معيّن عند السامع من حيث هو معيّن كأنه إشارة إليه بذلك الاعتبار. وأمّا النكرة فيقصد بها التفات الذهن إلى المعيّن من حيث ذاته ولا يلاحظ فيها تعيينه وإن كان معيّنا في نفسه، لكن بين مصاحبة التعيين وملاحظته فرق جلي. ولا شكّ في أنّ الأمر الحاضر في الذهن وإن كان أمرا ذهنيا إلّا أنه مع قيد الحضور في الذهن أمر خارج عن الذهن لأنّ الموجود في الذهن مجرّد ذاته لا مع قيد الحضور فيه، فالمراد بالخارج المعيّن من حيث هو معيّن، وقد يقيّد الخارج بالمختصّ ويجعل فائدته الاحتراز عن الضمائر العائدة إلى ما لم يختص بشيء قبله نحو: أرجل قائم أبوه، ونحو: ربّه رجلا وربّ رجل وأخيه، ويا لها قصة، فإنّ هذه الضمائر نكرات إذ لم يسبق اختصاص المرجوع إليه بحكم. ولو قلت ربّ رجل كريم وأخيه، وربّ شاة سوداء وسخلتها لم يجز لأنّ الضمير معرفة لرجوعه إلى نكرة مخصصة بالصفة. وفيه بحث لأنّه إن كانت هذه الضمائر إشارة إلى ما في الذهن من حيث حضوره فيه كان الظاهر كونها معرفة لا نكرة، وإن كانت إشارة إليه من حيث ذاته خرجت من قيد خارج فلم يحتج إلى قيد مختص. وأيضا معنى التعريف هو التعيين أي الإشارة إلى معلوم حاضر في ذهن السامع من حيث هو معلوم وإن كان مبهما كما سبق، وهذا المعنى موجود في الضمير العائد إلى النكرة، فلا وجه للحكم بكونه نكرة. وأيضا لمّا اعتبر مجرّد الإشارة إلى الخارج فاعتبار التخصيص الغير الواصل إلى حدّ التعيين مستبعد جدا. ولما كان الحقّ إدخال تلك الضمائر في المعارف لم يقيّد الخارج بالمختص. وإنّما قيل إشارة وضعية ليخرج عن الحدّ النكرات المعيّنة عند المخاطب نحو أتيت رجلا إذا علمه المتكلّم بعينه إذ ليس في رجلا إشارة لا وضعا ولا استعمالا إلى معيّن؛ ويدخل في الحدّ تعريف الأعلام المشتركة إذ يشار بها إلى معيّن بحسب الوضع.
فالمعرفة على هذا ما أشير به إلى خارج إشارة وضيعة. وعند من قيّد الخارج بالمختصّ هي ما أشير به إلى خارج مختصّ إشارة وضعية، والنكرة ما ليس كذلك.
ثم اعلم أنّ الجمهور على أنّ المعتبر في المعرفة التعيين عند الاستعمال دون الوضع، فعرّفوا المعرفة بما وضع ليستعمل في شيء بعينه أي متلبّس بعينه أي في شيء معيّن من حيث إنّه معيّن. وحاصله الإشارة إلى أنّه معهود ومعلوم بوجه ما، وبهذا خرج النكرة لأنّ معاني النكرات وإن أوجبت معلوميتها للسامع لكن ليس في اللفظ إشارة إلى تلك المعلومية. ولمّا اعتبر التعيين عند الاستعمال دخل في الحدّ المضمرات والمبهمات وسائر المعارف، فإنّ لفظ أنا لا يستعمل إلّا في الاشخاص المعيّنة إذ لا يصحّ أن يقال إنا ويراد به متكلّم لا بعينه، وليست موضوعة لواحد منها وإلّا لكانت في غيره مجازا، ولا لكلّ واحد منها وإلّا لكانت مشتركة موضوعة أوضاعا بعدد الأفراد. وأيضا لا قدرة على وضعها لأمور متعيّنة لا يمكن ضبطها وملاحظتها حين الوضع، فوجب أن تكون موضوعة لمفهوم كلّي شامل لكلّ الأفراد، ويكون الغرض من وضعها له استعمالها في أفراده المعيّنة دونه، فما سوى العلم معارف استعمالية لا وضعية، فالشيء المذكور في التعريف أعمّ ممّا وضع اللفظ المستعمل فيه له كالأعلام وممّا وضع لما يصدق عليه كما في سائر المعارف. وهذا هو الذي اختاره المحقّق التفتازاني. وقال في التلويح بأنّه الأحسن.
وذهب بعض المتأخّرين إلى أنّ المعتبر التعيين عند الوضع وعرّفوها بما وضع لشيء بعينه.
فالموضوع له لا بدّ أن يكون معيّنا سواء كان الوضع خاصا كما في العلم أو عاما كما في غيره من المعارف، ولا يلزم المجاز ولا الاشتراك وتعدّد الأوضاع. ويرد على قولهم لا قدرة على وضعها لأمور الخ أنّه كيف صحّ منكم اشتراط أن لا يستعمل إلّا في واحد معيّن من طائفة من المعيّنات فيما ضبطتم للمستعمل فيه يمكن أن يضبط الموضوع له ويوضع له، ولو صحّ ما ذكرتموه لكانت أنت وأنا وهذا مجازات لا حقائق لها إذ لا تستعمل فيما وضعت هي لها من المفهومات الكلّية، بل لا يصحّ استعمالها فيها أصلا، وهذا مستبعد جدا، كيف لا ولو كانت كذلك لما اختلف أئمّة اللغة في عدم استلزام المجاز الحقيقة ولما احتيج في نفي الاستلزام أن يتمسّك في ذلك بأمثلة نادرة، وهذا هو الذي اختاره السّيّد السّند وصاحب الأطول وغيرهما، وقالوا بأنّه هو الحقّ الحقيق بالتحقيق ويجيء لذلك توضيح في لفظ الوضع.
هذا كلّه خلاصة ما في المطول وحواشيه والأطول في بيان فائدة تعريف المسند إليه.

اعلم أنّ المعارف بحسب الاستقراء ستّ:
المضمرات والأعلام والمبهمات وما عرّف باللام وما عرّف بالنداء والمضاف إلى إحدى هذه الخمسة، ولم يذكر المتقدّمون ما عرّف بالنداء لرجوعه إلى ذي اللام إذ أصل يا رجل يا أيّها الرجل، ويذكر هاهنا المعرّف باللام والإضافة. فأقول اشتهر فيما بينهم أنّ لام التعريف يكون للعهد الخارجي ولتعريف الجنس وللعهد الذهني وللاستغراق وكذلك المعرّف بالإضافة. وذهب المحقّقون إلى أنّ اللام لتعريف العهد والجنس لا غير، إلّا أنّ القوم أخذوا بالحاصل وجعلوه أربعة أقسام: توضيحا وتسهيلا، وجعلوا تعريف الاستغراق من أقسام تعريف الجنس، واختلفوا في المعهود الذهني.
فبعضهم جعله من أقسام العهد الخارجي وقال إذا ذكر بعض أفراد الجنس خارجا أو ذهنا فحمل الفرد على ذلك البعض أولى من حمله على جميع الأفراد ويسمّى المعهود خارجيا أو ذهنيا، وإلى هذا ذهب صاحب التوضيح كما صرّح به الفاضل الچلپي في حاشية التلويح في بيان ألفاظ العموم، وإلى هذا يشير أيضا ما وقع في الاتقان حيث قال: التعريف باللام نوعان:

عهدية وجنسية، وكلّ منهما ثلاثة أقسام:
فالعهدية إمّا أن يكون مصحوبها معهودا ذكريا نحو كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ وضابطته أنّ يسدّ الضمير مسدّها مع مصحوبها أو معهودا ذهنيا نحو إِذْ هُما فِي الْغارِ أو معهودا حضوريا نحو الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. قال ابن عصفور وكذا كلّ ما وقع بعد اسم الإشارة نحو جاءني هذا الرجل، وبعد أيّ في النداء نحو يا أيّها الرجل، أو إذا الفجائية نحو خرجت فإذا الأسد، أو في اسم الزمان الحاضر نحو الآن انتهى نظرك. والجنسية إمّا لاستغراق الأفراد وهي التي يخلفها لفظ كلّ حقيقة نحو وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ومن دلائلها صحة الاستثناء من مدخولها نحو إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا أو وصفه بالجمع نحو أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا وإمّا لاستغراق خصائص الأفراد وهي التي يخلفها لفظ كلّ مجازا نحو ذلك الكتاب أي الكتاب الكامل في الهداية الجامع لصفات جميع الكتب المنزّلة وخصائصها. وإمّا لتعريف الماهية والحقيقة والجنس وهي التي لا يخلفها كلّ لا حقيقة ولا مجازا نحو جعلنا من الماء كل شيء حيّا، ومثل هذا في المغني أيضا. وبعضهم جعله أي المعهود الذهني من أقسام الجنس ولذا حقّق صاحب المفتاح أنّ لام التعريف للإشارة إلى تعيين حصّة من مفهوم مدخوله أو تعيين نفس المفهوم والعهد الذهني والاستغراق من أقسام لام تعريف الجنس. واعلم أنّ معنى التعريف مطلقا هو الإشارة إلى أنّ مدلول اللفظ معهود أي معلوم حاضر في الذهن فلا فرق بين لام الجنس ولام العهد في الحقيقة إذ كلّ منهما إشارة إلى معهود غايته أنّ المعهود في أحدهما جنس وفي الآخر حصّة منه، فتسمية أحدهما بلام الجنس والآخر بلام العهد اصطلاح عائد إلى معروض التعيين، أي التعريف، لا إلى التعيين نفسه. ولهذا قال أئمة الأصول حقيقة التعريف العهد لا غير، وإلى هذا أشار السّكّاكي واختار في اللام أنّ معناها العهد، أي الإشارة إلى أنّ مدلول اللفظ معهود أي معلوم حاضر في ذهن السامع. وإذا كانت اللام موضوعة لمعنى العهد مطلقا أي سواء كان الحاضر ماهية أو حصة منها كان تعريف الحقيقة قسما من العهد، كما أنّ ما سمّوه تعريف عهد قسم آخر منه، وهذا كلام حقّ. هكذا يستفاد من الأطول وحواشي المطول، وبهذا ظهر فساد ما في بعض شروح المغني أنّ الألف واللام عند السّكّاكي إنّما هي لتعريف العهد الذهني خاصة. وأمّا الجنسية والاستغراقية والعهدية خارجيا فكلّها داخلة في العهد الذهني انتهى. واعلم أيضا أنّه إذا دخلت اللام على اسم الجنس فإمّا أن يشار بها إلى حصّة معيّنة منه فردا كان أو أفرادا مذكورة تحقيقا أو تقديرا، ويسمّى لام العهد الخارجي والأول وهو ما كان مذكورا تحقيقا بأن يذكر سابقا في كلامك أو كلام غيرك صريحا أو غير صريح هو العهد التحقيقي، والثاني وهو ما كان مذكورا تقديرا بأن يكون معلوما حقيقة أو ادعاء لغرض وهو العهد التقديري. وأمّا أن يشار بها إلى الجنس نفسه وحينئذ إمّا أن يقصد الجنس من حيث هو كما في التعريفات وفي نحو قولنا الرجل خير من المرأة ويسمّى لام الحقيقة والطبيعة، وإمّا أن يقصد الجنس من حيث هو موجود في ضمن الأفراد بقرينة الأحكام الجارية عليه الثابتة له في ضمنها، فأمّا في جميعها كما في المقام الخطابي وهو الاستغراق أو في بعضها وهو المعهود الذهني. فإن قلت هلّا جعلت العهد الخارجي كالذهني راجعا إلى الجنس؟ قلت:
لأنّ معرفة الجنس غير كافية في تعيين شيء من أفراده، بل يحتاج فيه إلى معرفة أخرى. ثم الظاهر أنّ الاسم في المعهود الخارجي له وضع آخر بإزاء خصوصية كلّ معهود. ومثله يسمّى وضعا عاما، ولا حاجة إلى ذلك في العهد الذهني والاستغراق، والتعريف الجنسي إذا جعل أسماء الأجناس موضوعة للماهيات من حيث هي. هذا خلاصة ما قال عضد الملّة في الفوائد الغياثية، فهذا صريح في أنّ لام الحقيقة ولام الطبيعة بمعنى واحد، وهو قسم من لام الجنس مقابل للعهد الذهني والاستغراق، والمفهوم من المطول والإيضاح أنّ لام الجنس ولام الحقيقة بمعنى واحد كذا في الأطول.
فائدة:
قولهم لام الجنس تشير إلى نفس الحقيقة معناه أنّ لام الجنس تشير إلى مطلق المفهوم أي مفهوم المسمّى، سواء كان حقيقيا أو مجازيا، فإنّها كما تدخل على الحقيقة تدخل على المجاز أيضا، كقولك الأسد الذي يرمي خير من الأسد المفترس، وسواء اقتصر الحكم على المفهوم أو أفضي صرفه إلى الفرد، وليس معناه أنّها تشير إلى نفس المفهوم من غير زيادة كما توهّم، وإلّا لم يصح جعل العهد الذهني والاستغراق داخلين تحته. وقد تكون الإشارة إلى نفس الحقيقة لدعوى اتحاده مع شيء، وجعل منه قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وهو الذي قصده جار الله حيث قال: إنّ معنى التعريف في «المفلحون» الدلالة على أن المتقين هم الذين إن حصلت صفة المفلحين وتحقّقوا بما هم فيه وتصوّروا بصورتهم الحقيقية فهم هم لا يعدون تلك الحقيقة، كما تقول لصاحبك هل عرفت الأسد وما جبل إليه من فرط الإقدام أنّ زيدا هو هو. وقد يشار بها إلى تعيين الجنس من حيث انتسابه إلى المسند إليه فيرجع التعيين إلى الانتساب كما في بيت حسّان ووالدك العبد أي المعروف بالعبودية، فظهر أنّ تعريف الجنس ليس تعريفا لفظيا لا يحكم به إلّا بضبط أحكام اللفظ من غير حظّ المعنى فيه، كما قال بعض محقّقي النحاة، كلّ لام تعريف سوى لام العهد لا معنى للتعريف فيها، فإنّ الناظرين في المعاني لهم شرب آخر ولا يعتبرون التعريف اللفظي، ولذلك تراهم طووا ذكر علم الجنس بأقسامه في مقام التعرض للعلم وأحكامه؛ فلام الجنس تشير إلى نفس الحقيقة باعتبار حضورها وتعيّنها وعهديتها في الذهن. ولذا قال السّكّاكي لا بدّ في تعريف الجنس من تنزيله منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إمّا لكون ذلك الشيء محتاجا إليه على طريق التحقيق أو على طريق التحكّم، فهو لذلك حاضر في الذهن، أو لأنّه عظيم الخطر معقود به الهمم لذلك على أحد الطريقين، أو لأنّه لا يغيب عن الجنس على أحد الطريقين، وإمّا لأنّه جار على الألسن كثير الدور في الكلام على أحد الطريقين، فإن قلت لم لم يجعل علم الجنس موضوعا بجوهره لما وضع له المعرّف بلام الجنس؟ قلت: لأنّ اعتبار التعين الذهني تكلّف إذ ليس نظر أرباب وضع اللفظ إلّا على الأمور الخارجية، وذو اللام يدعو إليه لئلّا يلغو اللام، ولا داعي إليه في نحو أسامة كذا في الأطول.
فائدة:
الاستغراق مطلقا باللام كان أو غيره ضربان: حقيقي نحو عالم الغيب والشّهادة وعرفي نحو جمع الأمير الصاغة أي صاغة بلده أو مملكته. وفسّر المحقّق التفتازاني الحقيقي بالشمول لكلّ ما يتناوله اللفظ بحسب اللغة وكأنّه أراد أعم من التناول بحسب المعنى المجازي أو الحقيقي والعرفي بالشمول لما يتناوله اللفظ بحسب متفاهم العرف. والعرف إذا أطلق يراد به العرف العام فيتّجه أنّه يبقى الشمول شرعا واصطلاحا واسطة وأنّ الظاهر لغوي وعرفي. وفسّر في شرح المفتاح السّيد السند أيضا الحقيقي بما كان شموله للأفراد على سبيل الحقيقة بأن لا يخرج فرد والعرفي مما يعدّ شمولا في عرف الناس، وإن خرج عنه كثير من أفراد المفهوم. هذا ولا يخفى عليك أنّ التقسيم إلى الحقيقي والعرفي لا يختص الاستغراق بل هو تخصيص من غير مخصّص إذ المعرّف باللام أيضا لواحد منها يكون عرفيا وحقيقيا، فنحو أدخل السوق عرفي إذ المراد سوق من أسواق البلد لا أسواق الدنيا، بل الإشارة إلى الحقيقة من حيث هي أيضا كذلك لأنّك ربما تقول في بلد البطيخ خير من العنب لأنّ بطيخه خير من عنبه، فالإشارة في كلّ من البطيخ والعنب إلى جنس خاص منهما بمعونة العرف. ولذا قد يعكس ذلك في بلد آخر وهذه دقيقة قد أبدعها السّكّاكي واتخذها من جاء بعده مذهبا. والحق أن لا استغراق إلّا حقيقيا والتصرّف في أمثال هذا المثال في الاسم المعرّف حيث خصّ ببعض مفهومه بقرينة التعارف فأريد بالصاغة إحدى الصاغتين، وأدخل اللام فاستفيد العموم كذا في الأطول.
فائدة:
الفرق بين المعرّف بلام الحقيقة والطبيعة وبين أسماء الأجناس التي ليست فيها دلالة على البعضية والكلّية نحو رجعى وذكرى ونحوهما من المصادر لأنّ المصادر ليس فيها القصد إلّا إلى الحقيقة المتحدة بالإجماع هو أنّ المعرّف بلام الحقيقة يقصد فيه الإشارة إلى الحقيقة باعتبار حضورها في الذهن وليس أسماء الأجناس المذكورة كذلك. والفرق بينه وبين علم الجنس هو أنّ علم الجنس يدلّ بجوهره على حضور الماهية في الذهن بخلاف المعرّف باللام فإنّه يدلّ على الحضور بالآلة. ومثل هذا الفرق بين المعهود الخارجي وعلم الشخص. وأيضا المعرّف باللام كثيرا ما لا يدلّ على المعهود بشخصه بخلاف علم الشخص. والفرق بين المعرّف بلام الاستغراق وبين كل مضافا إلى النكرة أنّ المعرّف مستعمل في الماهية بخلاف كلّ مضافا إلى النكرة، وأيضا في المعرّف باللام إشارة إلى حضورها في الذهن دون كلّ مضافا إلى النكرة، هكذا في المطول وأبي القاسم.
والفرق بين المعهود الذهني وبين النكرة هو أنّ النكرة تفيد أنّ ذلك الاسم بعض من جملة الحقيقة نحو أدخل سوقا سواء كانت موضوعة للحقيقة مع وحدة أو كانت موضوعة للحقيقة المتحدة، لأنّها مع التنوين تفيد الماهية مع وحدة لا بعينها، فإطلاقها على الواحد حقيقة بخلاف المعرّف باللام نحو أدخل السوق فإنّ المراد به نفس الحقيقة والبعضية مستفادة من القرينة، فإنّ الدخول أفاد أنّ الحقيقة المتحدة المرادة بالمعرّف باللام متحدة مع معهود، فإطلاقه على الواحد مجاز. وبالجملة قولك أدخل سوقا يأتي لواحد من حاق اللفظ فالنكرة أقوى في الإتيان لواحد، ولذا قالوا المعهود الذهني في المعنى كالنكرة وإن كان في اللفظ معرفة صرفة لوجود اللام وعدم التنوين، ولذا يجري عليه أحكام المعارف تارة من وقوعه مبتدأ وذا حال ووصفا للمعرفة ونحو ذلك، وأحكام النكرات تارة أخرى كتوصيفه بالجملة في قول الشاعر:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني وفي قوله تعالى كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً. هذا حاصل ما في الأطول. لكن في المطول أنّ إطلاق المعرّف بلام الحقيقة وكذا علم الجنس على الواحد حقيقة إذ لم يستعمل إلّا فيما وضع له، والفرق بين المعرّف والنكرة أنّ إرادة البعض في النكرة بنفس اللفظ، وفي المعرّف بالقرينة. واعترض عليه بأنّ الموضوع له الماهية المطلقة والمستعمل فيه هو الماهية المخلوطة، ولا شك في تغايرهما فينبغي أن يكون مجازا. وأجيب بأن الموضوع له هو الماهية لا بشرط شيء، وهي تتحقّق في ضمن المخلوطة، فالمستعمل فيه ليس إلّا الماهية لا بشرط شيء، والفرد المنتشر إنّما فهم من القرينة، وإنّما سمّي معهودا باعتبار مطابقته للماهية المعهودة فله عهد بهذا الاعتبار فسمّي معهودا ذهنيا. قال صاحب الأطول: لا يخفى أنّ المعرّف في مقام الاستغراق أيضا كالنكرة لأنّه يأتي للوحدات من غير إشارة إلى تعيينها، غايته أنّه متحد مع الماهية المعهودة كالمعهود الذهني، والمعرّف بلام الحقيقة من المصادر كالنكرة منها في المعنى، فلا وجه لتخصيص هذا الحكم بهذا القسم. ويمكن أن يقال يراد أنّ هذا في المعنى كالنكرة في اعتبار البلغاء وليس غيره كذلك. ولذا لم يعامل معه معاملة النكرة، ونظرهم في هذا التخصيص محمود لأنّ مناط الإفادة وهو الفرد في هذا القسم مبهم فلم يعتدّ بتعيين تعلّق بالمفهوم بخلاف ما إذا أريد جميع الأفراد فإنّها لتعيّنها بالعموم نائبة مناب المتعيّن.
فائدة:
اعلم أنّ التعريف باللام والنداء وبالإضافة جاء لمدلول اللفظ من الخارج. وأمّا تعريف باقي المعارف فمن جوهر اللفظ ولوضعه للأمر المأخوذ مع التعيّن. وما ذكره السّيّد السّند ناقلا عن الرّضي أنّ تعريف الموصول واسم الإشارة والضمير من الخارج كالمعرّف باللام والنداء والإضافة والانقسام إلى الخمسة بحسب تفاوت ما يستفاد منه مزيّف لأنّ الخارج في الموصول ونظيريه قرينة المراد من اللفظ لا الإشارة إلى تعيّنه كما قال، ولأنّ تفاوت ما يستفاد منه أزيد من الخمسة كذا في الأطول.

القول بالموجب

القول بالموجب: تسليم الدليل مع بقاء النزاع. 
القول بالموجب:
[في الانكليزية] Objection concerning the cause
[ في الفرنسية] Objection concernent la cause
هو عند الأصوليين من أنواع الاعتراضات وهو التزام السائل ما يلزم المعلّل بتعليله مع بقاء النزاع في الحكم المقصود، وهذا معنى قولهم هو تسليم ما اتّخذه المستدلّ حكما لدليله على وجه لا يلزم منه تسليم الحكم المتنازع فيه. وحاصله دعوى المعترض أنّ المعلّل نصب الدليل في غير محلّ النزاع ويقع على ثلاثة أوجه. الأول أن يلزم المعلّل بتعليله ما يتوهّم أنّه محلّ النزاع أو ملازمه مع أنّه لا يكون محلّ النزاع ولا ملازمه، إمّا بصريح عبارة المعلّل كما إذا قال الحنفي القتل بالمثقل قتل بما يقتل غالبا فلا ينافي القصاص كالقتل بالحرق، فيردّ القول بالموجب، فيقول المعترض عدم المنافاة ليس محلّ النزاع بل محلّ النزاع وجوب القصاص ولا يقتضي أيضا محلّ النزاع إذ لا يلزم من عدم منافاته للوجوب أن يجب، وأمّا بحمل المعترض عبارته على ما ليس مراده كما في مسئلة تثليث المسح، فإنّ المعلّل يريد بالتثليث إصابة الماء محلّ الفرض ثلاث مرّات والسائل يحمل التثليث على جعله ثلاثة أمثال الفرض حتى لو صرّح المعلّل بمراده لم يكن القول بالموجب بل يتعيّن الممانعة. الثاني أن يلزم المعلّل بتعليله إبطال أمر بتوهّم أنّه مأخذ الخصم ومذهبه، وهو يمنع كونه مأخذا لمذهبه فلا يلزم من إبطال إبطال مذهبه، كما يقول الشافعي في مسئلة القتل بالمثقل المذكورة التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص كالمتوسّل إليه وهو أنواع الجراحات القاتلة، فيردّ القول بالموجب فيقول الحنفي الحكم لا يثبت إلّا بارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط بعد قيام المقتضي وهذا غايته عدم مانع خاصّ، ولا يستلزم ارتفاع الموانع ولا وجود الشرائط ولا وجود المقتضي فلا يلزم ثبوت الحكم. الثالث أن يسكت المعلّل عن بعض المقدّمات لشهرته، فالســائل يسلّم المقدّمة المذكورة ويبقى النزاع في المطلوب للنزاع في المقدّمة المطوية كما يقول الشافعي في الوضوء ما ثبت قربة فشرطه النّية كالصلاة، ويسكت عن أن يقول الوضوء ثبت قربة، فيردّ القول بالموجب فيقول المعترض مسلّم ومن أين يلزم أن يكون الوضوء شرطه النّية، وربّما يحمل المقدّمة المطوية على ما ينتج مع المقدّمة المذكورة نقيض حكم المعلّل فيصير قلبا كما في مسئلة غسل المرفق، فإنّ المعلّل يريد أنّ الغاية المذكورة في الآية غاية للغسل والغاية لا تدخل تحت المغيّا، فلا يدخل المرفق في الغسل، والسائل يريد أنّها غاية للإسقاط فلا يدخل في الإسقاط، فتبقى داخلة في الغسل. فلو صرّح بالمقدمة المطوية فلا يرد القول بالموجب بل المنع أي منع تلك المقدّمة.
وعند أهل البديع هو من المحسّنات المعنوية، قال ابن أبي الإصبع وحقيقته ردّ كلام الخصم من فحوى كلامه. وقال غيره وهو قسمان:
أحدهما أن يقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له أي لذلك الشيء حكم فتثبتها لغيره أي فتثبت أنت في كلامك تلك الصفة لغير ذلك الشيء كقوله تعالى يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ الآية، فالأعزّ وقع في كلام المنافقين كناية عن فريقهم والأذلّ عن فريق المؤمنين، وأثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة فأثبت الله في الرّدّ عليهم صفة العزّة لغير فريقهم وهو الله ورسوله والمؤمنون، فكأنّه قيل صحيح ذلك ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، لكنهم الأذلّ المخرج والله ورسوله الأعزّ المخرج، كذا في الاتقان في نوع جدل القرآن. وثانيهما حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلّقه، فقولهم بذكر متعلّقه متعلّق بالحمل ومما يحتمله حال أي حال كون خلاف مراده من المعاني التي يحتملها ذلك اللفظ كقول الشاعر:
قلت ثقّلت إذ أتيت مرارا قال ثقّلت كاهلي بالأيادي فلفظ ثقلت وقع في كلام الغير بمعنى حملتك المئونة وثقلتك بالإتيان مرّة بعد أخرى، وقد حمله على تثقيل عاتقه بالأيادي والمنن والنّعم في الاتقان، ولم أر من أورد لهذا القسم مثالا من القرآن، وقد ظفرت بآية منه وهي قوله تعالى وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.