Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: عمى

السّرقة

السّرقة
[في الانكليزية] Theft
[ في الفرنسية] Vol
كالسّرق محركتين بكسر الراء مصدر سرق منه شيئا أي جاء مستترا إلى حرز فأخذ مال غيره. وعند الفقهاء هو نوعان لأنّه إمّا أن يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين.
فالأول يسمّى السّرقة الصغرى، والثاني السّرقة الكبرى، وهما مشتركان في التعريف وأكثر الشروط. فعرّفهما صاحب مختصر الوقاية بأخذ مكلّف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة مملوكا محرزا بلا شبهة بمكان أو حافظ، أي أخذ مكلّف بطريق الظلم كما هو المتبادر من الإضافة، فاحترز بالمكلّف عن غيره، فلا يقطع الصبي والمجنون ولا غيرهما إذا كان معه أحدهما، وإن كان الآخذ الغير. وعند أبي يوسف يقطع الغير. ولا يقطع بأخذ المصحف والكتب وآلات اللهو لاحتمال أن يأخذه للقراءة والنهي عن المنكر، فمن الظن بطلان التعريف منعا. وقوله خفية احتراز عن الأخذ مكابرة فإنّه غصب كما إذا دخل نهارا أو بين العشاءين في دار بابها مفتوح أو ليلا، وكلّ من الصاحب والسارق عالم بالآخر، فلو علم أحدهما لا الآخر قطع كما لو دخل بعد العتمة وأخذ خفية أو مكابرة معه سلاح أو لا، والصاحب عالم به أو لا، ولو كابره نهارا فنقب البيت سرا وأخذ مغالبة لم يقطع. وقوله قدر عشرة دراهم أي بوزن سبعة يوم السرقة والقطع، فلو انتقص عن ذلك يوم القطع لنقصان العين قطع لأنّه مضمون على السارق فكأنه قائم، بخلاف ما انتقص للسّعر فإنّه لا يقطع لأنّه غير مضمون عليه. وعن محمد أنّه يقطع. وذكر الطحاوي أنّ المعتبر يوم الأخذ والمتبادر أن يكون الأخذ بمرة فلو أخرج من الحرز أقل من العشرة ثم دخل فيه وكمل لم يقطع. وقوله مضروبة احتراز عن أخذ تبر وزنه عشرة وقيمته أقل فإنّه حينئذ لا يقطع، فيقوّم بأعز نقد رائج بينهم، ولا يقطع بالشّك ولا بتقويم بعض المقومين. وقوله مملوكا احتراز عن أخذ غير المملوك. وقوله محرزا أي ممنوعا من وصول يد الغير إليه. وقوله بلا شبهة تنازع فيه مملوكا ومحرزا فلا قطع بأخذ الأعمى لجهله بمال غيره ولا بالأخذ من السّيّد والغنيمة وبيت المال.
وقوله بمكان أي بسبب موضع معدّ لحفظ الأموال كالدور والدكاكين والحانات والخيام والصناديق. والمذهب أنّ حرز كلّ شيء معتبر بحرز مثله حتى لا يقطع بأخذ لؤلؤ من اصطبل، بخلاف أخذ الدابة. وقوله حافظ أي بسبب شخص يحفظ فلا قطع بالأخذ عن الصبي والمجنون ولا يأخذ شاة أو بقرة أو غيرها من مرعى معها راع، ولا بأخذ المال من نائم إذا جعله تحت رأسه أو جنبه. أما إذا وضع بين يديه ثم نام ففيه خلاف، كذا في جامع الرموز

وفي الدرر: السرقة لغة أخذ الشيء من الغير خفية أيّ شيء كان. وشرعا أخذ مكلّف أي عاقل بالغ خفية قدر عشرة دراهم مضروبة جيدة محرزا بمكان أو حافظ، فقد زيدت على المعنى اللغوي أوصاف شرعا منها في السارق وهو كونه مكلفا، ومنها في المسروق وهو كونه مالا متقوّما مقدرا، ومنها في المسروق منه وهو كونه حرزا. ثم إنها إمّا صغرى وهي السرقة المشهورة وفيها مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه. وإمّا كبرى وهي قطع الطريق وفيها مسارقة عين الإمام لأنه المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه انتهى.
وفي كليات أبي البقاء السرقة أخذ مال معتبر من حرز أجنبي لا شبهة فيه خفية وهو قاصد للحفظ في نومه أو غيبته. والطرّ أخذ مال الغير وهو حاضر يقظان قاصد حفظه وهو يأخذه منه بنوع غفلة وخدع، وفعل كلّ واحد منهما وإن كان شبيها بفعل الآخر، لكنّ اختلاف الاسم يدل على اختلاف المسمّى ظاهرا، فاشتبه الأمر أنّه دخل تحت لفظ السارق حتى يقطع كالسارق أم لا فنظرنا في السرقة فوجدناه جناية، لكن جناية الطرار أقوى لزيادة فعله على فعل السارق، حيث يأخذ من اليقظان فيثبت القطع بالطريق الأولى كثبوت حرمة الضرب بحرمة التأفيف، وهذا يسمّى بالدلالة عند الأصوليين. بخلاف النباش فإنّه يأخذ مالا لا حافظ له من حرز ناقص خفية فيكون فعله أدنى من فعل السارق، فلا يلحق به ولا يقطع عند أبي حنيفة ومحمد، خلافا لأبي يوسف رحمهم الله. وعند الشافعي يقطع يمين السارق بربع دينار حتى سأل الشاعر المعري للإمام محمد رحمه الله:
يد بخمس مئين عسجد فديت ما بالها قطعت بربع دينار فقال محمد في الجواب: [لمّا] كانت أمينة ثمينة فلما خانت هانت كذا في الجرجاني.
وعند الشعراء ويسمّى الأخذ أيضا هو أن ينسب الشاعر شعر الغير أو مضمونه إلى نفسه.
قالوا اتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة أو السخاء أو نحو ذلك فلا يعدّ سرقة ولا استعانة ولا أخذا ونحو ذلك، لتقرره في العقول والعادات. وإن كان اتفاقهم في وجه الدلالة على الغرض كالتشبيه والمجاز والكناية وكذكر هيئات تدلّ على الصفة لاختصاص تلك الهيئات بمن تثبت تلك الصفة له كوصف الجواد بالتهلل عند ورود السائلين، فإن اشترك الناس في معرفته أي معرفة وجه الدلالة على الغرض لاستقراره فيهما أي في العقول والعادة كتشبيه الشجاع بالأسد والجود بالبحر فهو كالأول، أي فالاتفاق في هذا النوع من وجه الدلالة على الغرض كالاتفاق في الغرض العام في أنّه لا يعدّ سرقة ولا أخذا، وإلّا أي وإن لم يشترك الناس في معرفته ولم يصل إليه كل أحد لكونه مما لا ينال إلّا بفكر صائب صادق جاز أن يدعى فيه السبق والزيادة بأن يحكم بين القائلين فيه بالتفاضل، وإنّ أحدهما فيه أكمل من الآخر، وإنّ الثاني زاد على الأول أو نقص عنه. وهذا ضربان خاصي في نفسه غريب لا ينال إلّا بفكر وعامي تصرف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما في التشبيه الغريب الخاصي والمبتذل العامي. وإذا تقرّر هذا فالسّرقة والأخذ نوعان، ظاهر وغير ظاهر. أمّا الظاهر فهو أن يؤخذ المعنى كله إمّا مع اللفظ كله أو بعضه، وإمّا وحده. فإن أخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم لأنّه سرقة محضة ويسمّى نسخا وانتحالا، كما حكي أنّ عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشد بيتين:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حدّ السّيف من أن تضيمه إذا لم يكن عن شفرة السّيف مزحل أي إذا لم تعط أخاك النصفة ولم توفّه حقوقه تجده هاجرا لك ومتبدلا بك إن كان به عقل وله معرفة. وأيضا تجده راكبا حدّ السيوف أي ويتحمّل شدائد تؤثر فيه تأثير السّيف مخافة أن يدخل عليه ظلمك أو بدلا من أن تظلمه متى لم يجد عن ركوب حدّ السيف مبعدا ومعدلا.
فقال له معاوية لقد شعرت بعدي يا أبا بكر، أي صرت شاعرا، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزني الشاعر فأنشد قصيدته التي أولها:
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل على أيّنا تغدو المنية أول حتى أتمها وفيها هذان البيتان. فأقبل معاوية على عبد الله بن الزبير وقال له: ألم تخبرني أنّهما لك؟ فقال: اللفظ له والمعنى له، وبعد فهو أخي من الرضاعة وأنا أحقّ بشعره فقلته مخبرا عن حاله وحاكيا عن حالي هكذا في المطول وفي معناه أن يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها، يعني أنه مذموم وسرقة محضة كما يقال في قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي إنّه بدّل الكلمات وأبقى المعاني فقيل:
ذر المآثر لا تذهب لمطلبها واجلس فإنّك أنت الآكل اللابس وإن أخذ اللفظ كلّه مع تغيير نظمه أو أخذ بعض اللفظ لا كله سمّي هذا الأخذ إغارة ومسخا، وهو ثلاثة أقسام: لأنّ الثاني إمّا أن يكون أبلغ من الأول أو دونه أو مثله، فإن كان الثاني أبلغ لاختصاصه بفضيلة فممدوح ومقبول، وإن كان الثاني دونه فمذموم، وإن كان مثله فأبعد من الذمّ، والفضل للأول. وإنّما يكون أبعد من الذمّ إن لم يكن في الثاني دلالة على السرقة كاتفاق الوزن والقافية وإلّا فهو مذموم جدا. مثال الأول قول بشار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج أي الشجاع القتال وراقب بمعنى خاف.

وقول سلم:
من راقب الناس مات همّا وفاز باللذة الجسور أي شديد الجرأة فبيت سلم مأخوذ من بيت بشّار إلّا أنّه أجود سبكا وأخصر لفظا.

ومثال الثاني قول أبي تمام:
هيهات لا يأتي الزمان بمثله إنّ الزمان بمثله لبخيل فأخذ منه أبو الطيب المصراع الثاني فقال:
أعدى الزمان سخاؤه فسخا به ولقد يكون به الزمان بخيلا يعني تعلّم الزمان منه السخاء وسرت سخاوته إلى الزمان فأخرجه من العدم إلى الوجود، ولولا سخاؤه الذي استفاد منه لبخل به على الدنيا واستبقاه لنفسه، كذا ذكره ابن جني. وقال ابن فورة: هذا تأويل فاسد لأنّ سخاءه غير موجود قبل وجوده فلا يوصف بالعدوى إلى الزمان وإنّما المراد سخا الزمان بالممدوح عليّ وكان بخيلا به لا يجود به على أحد ومستبقيا لنفسه، فلما أعداه سخاءه أسعدني بضمي إليه وهدايتي له. فالمصراع الثاني مأخوذ من المصراع الثاني لأبي تمام كذا في المطول والمختصر. لكن مصراع أبي تمام أجود سبكا من مصراع أبي الطيّب لأنّ قوله ولقد يكون لم يصب محله إذ المعنى به هاهنا لقد كان أي على المضي. ومثال الثالث قول أبي تمام:
لو حار مرتاد المنية لم تجد إلا الفراق على النفوس دليلا الارتياد الطلب أي المنية الطالبة للنفوس لو تحيّرت في الطريق إلى إهلاكها ولم يمكنها التوصّل إليها لم يكن لها دليل عليها إلّا الفراق فأخذ منه أبو الطيب فقال:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا وإن أخذ المعنى وحده سمّي ذلك الأخذ سلخا وإلماما، من ألمّ بالمنزل إذا نزل به، فكأنّه نزل من اللفظ إلى المعنى. وهو أيضا ثلاثة أقسام كذلك، أي مثل أقسام الإغارة والمسخ، لأنّ الثاني إمّا أبلغ من الأول أو دونه أو مثله. مثال الأول قول أبي تمام:
هو الصنع إن يعجل فخير وإن يرث فللرّيث في بعض المواضع أنفع ضمير هو عائد إلى حاضر في الذهن وهو مبتدأ وخبره الصنع، والشرطية ابتداء الكلام، يعني أنّ الشيء المعهود هو الإحسان فإن يعجل فهو خير وإن يبطأ فالبطء في بعض الأوقات وبعض المحال يكون أنفع من العجلة. وقول أبي الطيب:
ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السّحب في المسير الجهام السيب العطاء والسحب جمع سحاب والجهام هو السحاب الذي لا ماء فيه. يقول وتأخير عطائك عني خير في حقي لأنّه يدل على كثرته كالسحب إنما يسرع منها ما كان جهاما لا ماء فيه، وما كان فيه الماء يكون بطيئا. ففي بيت أبي الطيب زيادة بيان لاشتماله على ضرب المثل فكان أبلغ. ومثال الثاني قول البحتري:
وإذا تألّق في النديّ كلامه المصقول خلت لسانه من عضبه يعني إذا لمع في المجلس كلامه المنقّح حسبت لسانه سيفه القاطع. وقول أبي الطيب:
كأنّ ألسنهم في النطق قد جعلت على رماحهم في الطعن خرصانا جمع خرص بمعنى سنان الرماح يعني أنّ ألسنتهم عند النطق في المضاء والنفاذ تشابه أسنّتهم عند الطعن، فكأنّ ألسنتهم جعلت أسنة رماحهم. فبيت البحتري أبلغ لما في لفظي تألق والمصقول من الاستعارة التخييلية، فإنّ التألّق والصقال من لوازم السيف، وتشبيه كلامه بالسيف استعارة بالكناية، وبيت أبي الطيب خال عنهما. ومثال الثالث قول أبي زياد:
ولم يك أكثر الفتيان مالا ولكن كان أرحبهم ذراعا يعني أن الممدوح ليس أكثر الناس مالا ولكن أوسعهم باعا أي سخي. وقول أشجع:
وليس بأوسعهم في الغنى ولكنّ معروفه أوسع فالبيتان متماثلان هكذا في المطوّل والمختصر.
وأمّا غير الظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان أي معنى البيت الأول والثاني كقول جرير:
فلا يمنعك من إرب لحاهم سواء ذو العمامة والخمار أي لا يمنعك من الحاجة كون هؤلاء على صورة الرجال، لأنّ الرجال منهم والنساء في الضعف سواء. وقول أبي الطيب:
ومن في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب ويجوز في تشابه المعنيين أن يكون أحد البيتين نسيبا والآخر مديحا أو هجاء أو افتخارا أو غير ذلك، فإنّ الشاعر الحاذق إذا قصد إلى المعنى المختلس لينظمه احتال في إخفائه فيغير لفظه ويصرفه عن نوعه من النسيب أو المديح أو غير ذلك، وعن وزنه وعن قافيته كقول البحتري:
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم محمرّة فكأنّهم لم يسلبوا يعني أنّهم سلبوا عن ثيابهم ثم كانت الدماء المشرقة عليهم بمنزلة الثياب لهم، وقول أبي الطيب:
يبس النجيع عليه وهو مجرّد عن غمده فكأنّما هو مغمد يعني أنّ السيف جرد عن غمده فكأنّ الدم اليابس عليه بمنزلة الغمد له. فنقل أبو الطيب المعنى من القتلى إلى السيف، كذا في المطول والمختصر. ومنه أن يكون معنى الثاني أشمل من معنى الأول كقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم وجدت الناس كلهم غضابا وقول أبي نواس:
ليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد فالأول يختص ببعض العالم وهم الناس وهذا يشملهم وغيرهم لأنّ العالم ما سوى الله تعالى مشتقّ من العلم بمعنى العلامة لأنّ كل ما سواه دليل وعلامة على وجوده تعالى. ومنه القلب وهو أن يكون معنى الثاني نقيضا لمعنى الأول كقول أبي الشيص:
أجد الملامة في هواك لذيذة حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم وقول أبي الطيب:
أأحبه وأحب فيه ملامة إنّ الملامة فيه من أعدائه الاستفهام للإنكار الراجع إلى القيد الذي هو الحال وهو قوله وأحب فيه ملامة، وما يكون من عدو الحبيب يكون ملعونا مبغوضا لا محبوبا، وهو المراد من قوله إنّ الملامة الخ، فهذا المعنى نقيض لمعنى بيت أبي الشيص، والأحسن في هذا النوع أنّ يبيّن السبب كما في هذين البيتين، إلّا أن يكون ظاهرا. ومنه أن يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الأفوه:
وترى الطير على آثارنا رأي عين ثقة أن تمار أي ترى أيها المخاطب الطيور تسير كائنة على آثارنا رؤية مشاهدة لا تخيّل لوثوقها على أن ستطعم من لحوم قتلانا. وقول أبي تمام:
قد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى بعقبان طير في الدماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنّها من الجيش إلّا أنها لم تقاتل أي أنّ تماثيل الطيور المعمولة على رءوس الأعلام قد صارت مظللة وقت الضحى بالطيور العقبان الشوارب في دماء القتلى لأنّه إذا خرج للغزو وتساير العقبان فوق راياته رجاء أن تأكل لحوم القتلى وتشرب دماءهم، فتلقي ظلالها عليها، ثم إذا أقام أقامت الطيور مع راياته وثوقا بأنها تطعم وتشرب حتى يظن أنها من الجيوش، لكنها لم تقاتل. فأخذ أبو تمام بعض معنى قول الأفوه من المصراع الأول لكن زاد عليه زيادات محسّنة بقوله ظللت، وبقوله في الدماء نواهل، وبقوله أقامت مع الرايات إلى آخر البيت، وبإيراد التجنيس بقوله عقبان أعلامه وعقبان طير هكذا في المطول وحواشيه. وأكثر هذه الأنواع المذكورة لغير الظاهر ونحوها مقبولة بل منها ما يخرجه حسن التصرّف من قبيل الاتباع إلى حيز الإبداع. وكلما كان أشد خفاء بحيث لا يعرف أنّ الثاني مأخوذ من الأول إلّا بعد إعمال روية ومزيد تأمل كان أقرب إلى القبول. هذا الذي ذكر كله في الظاهر وغيره من ادعاء سبق أحدهما واتباع الثاني وكونه مقبولا أو مردودا، وتسمية كلّ بالأسامي المذكورة إنّما يكون إذا علم أنّ الثاني أخذ من الأول بأن يعلم أنه كان يحفظ قول الأول حين نظم أو بأن يخبر هو عن نفسه أنّه أخذه منه، وإلّا فلا يحكم بذلك لجواز أن يكون الاتفاق من توارد الخواطر، أي مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الأخذ، فإذا لم يعلم الأخذ قيل: قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان بكذا، هذا كله خلاصة ما في المطول. أمّا هاهنا فمن الضّروري معرفة الفرق بين السّرقة وتوارد الخواطر كي لا يختلط أحدهما بالآخر. إذن، فليعلم بأنّ توارد الخواطر هو أن يرد في كلام أحد الشعراء مصراع من الشعر أو مضمون كلام شاعر ما في شعر أو كلام شاعر آخر دون أن يكون ذلك قد خطر على بال قائله بأنّه من كلام شاعر آخر، وذلك كما حصل للشاعر أمير خسرو الدّهلوي الذي توارد خاطره مع بيت للشاعر نظامي كنجوي حيث قال:

ما ترجمته:
يا من أنت موصوف بإكرام العبد فمنك الربوبيّة ومنّا العبوديّة بينما قال النظامي الكنجوي ما ترجمته:
أمران أو عملان بالبهاء والبركة الربوبيّة منك ومنّا العبوديّة وكذلك وقع مثل هذا في ما نظمه الملّا عبد الرحمن الجامي في منظومته يوسف وزليخا، فقد اتفق له توارد الخاطر مع منظومة شيرين وخسرو لمولانا النظامي الگنجوي، كما في البيت التالي للملا الجامي وترجمته:
ليت أمّي لم تلدني ولو أنّي حين ولدت لم يرضعني أحد وقال النظامي ما ترجمته:
يا ليت أمي لم تلدني وليتها إذ ولدتني أطعمتني لكلب ومثال آخر من أقوال الملّا جامي وترجمته:
لقد خلقت المرأة من الجانب الأيسر ولم ير أحد الصدق والاستقامة من اليسار بينما يقول النظامي ما ترجمته:
يقولون إنّ المرأة من الجانب الأيسر برزت ولا يأتي أبدا من اليسار الاستقامة ومن هنا يزعم بعضهم أنّ مولانا الجامي وأمير خسرو الدهلوي قد أغارا على منزل النظامي الگنجوي ونهبوا ما فيه.
والحق أنّه قلما توجد قصة في كتبهما أو بعض أبيات يمكن اعتبارها بشيء من التصحيف أو التغيير من كلام الخواجه نظامي الذي كانت آثاره نصب عين كلّ واحد منهما. فلا عجب إذن أن تتفاعل تلك الآثار في حافظة كلّ منهما. ثم عند ما يكتبون شيئا بدون تعمّد أو قصد تفيض من قرائحهما. وعليه فلا يكون مثل هذا التوارد مذموما.
كما يمكن أيضا أن تكون ثمّة توأمة فكرية لدى هذين الأستاذين، أو ثمّة علاقة روحيّة بينهما. كما أنّه ليس عجيبا أن يكون هذان العلمان الكبيران سواء المتقدّم أو المتأخّر متصلين اتصالا قويّا بالله الذي يفيض عليهما من لدنه؛ فإذن العلوم القديمة سواء بمعانيهما ومضامينهما أو بألفاظهما على سبيل الإلهام وردت على قلوبهم، كما هو حال أكثر الأولياء في عالم الرؤيا، حيث يتلقّون شيئا واحدا ذا مضمون واحد. فلماذا إذن يكون التعجّب من حدوث ذلك في حال اليقظة. وبناء على هذا يكون من سوء الأدب نسبة هؤلاء الأكابر إلى السّرقة، وهو غلط محض، لأنّ السّرقة هي أن يورد الشاعر كلام غيره عن سابق علم وتصميم في ما ينظمه بزيادة أو نقصان أو تبديل في الوزن أو بتبديل بعض الألفاظ. هكذا في مخزن الفوائد.
ومن هذا القبيل ما ورد أنّ بعض الصحابة خاصة سيدنا عمر رضي الله عنه أنّه كان قد قال عدة أمور فوافقه القرآن عليها. والسّبب في ذلك والله أعلم عائد لصفاء عقيدته وقداسة قلبه ونورانية روحه، ففاض عليه من حضرة علام الغيوب كلمات وافقت التنزيل الإلهي. ذلك أنّ القرآن الكريم نزل من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا مرّة واحدة، ومن ثمّ نزل منجّما حسب النوازل والمصالح على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كما هو مدوّن في كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه». وعن أنس قال عمر: «وافقت ربي في ثلاث. قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟» فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى. وقلت يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر. فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلّى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك». وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديّا لقي عمر بن الخطاب فقال: «إنّ جبرئيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدو للكافرين فنزلت كذلك».
وعن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في عائشة رضي الله عنها قال:
سبحانك هذا بهتان عظيم، فنزلت كذلك انتهى من الاتقان.

المدح

المدح: الثناء باللسان على الصفات الجميلة، خلقية كانت أو اختيارية. فهو أعم من الحمد.
المدح:
[في الانكليزية] Panegyric ،praise
[ في الفرنسية] Panegyrique ،eloge ،louange
بفتح الميم والدال قد سبق تفسيره في لفظ الحمد. والمدح الموجه عند البلغاء هو أن يمدح الممدوح في تركيب واحد بنوعين من المدح، ومثاله في البيت التالي وترجمته:
من عدلك المظلوم شاكر كما الفقير من بذلك قد غدا مسرورا كذا في جامع الصنائع.

ويقول أيضا في الكتاب المذكور:
الاستتباع هو أن يمدح الممدوح بوجه ينتج عنه صورة أخرى من المديح ومثاله الشعر الآتي ترجمته:
إنّكم في السّخاء كالسحاب الذي في ظله جملة العالم في رفاهية من حرارة الفتن انتهى.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 2 1500 المدخل: ..... ص: 1500

إنّكم في السّخاء كالسحاب الذي في ظله جملة العالم في رفاهية من حرارة الفتن انتهى.
وقد اعتبر صاحب مجمع الصنائع المدح الموجّه مرادفا للاستتباع.
المدح
أثنى الله على نفسه بما هو له أهل، وبهذا الثناء الحق يثنى عليه من يتقدم إليه بالعبادة، وفاتحة الكتاب التى تتلى في الصلاة، كلها مدح له وثناء، مدح له بالعظمة والجلال، فهو رب العالمين، وصاحب النعمة عليهم بالقليل والكثير، وبأنه السيد ذو السلطان يسألهم عن تصرفاتهم يوم الدين. ولا تخلو صفحة في القرآن من ثناء على الله ومدح له، وذلك طبيعى في كتاب جاء ليوجه الناس الوجهة الصحيحة في عبادة الله وتوحيده.
وأثنى القرآن على محمد ثناء جمّا، فجعله وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم 3 - 4)، ومن أهم ما أشاد به القرآن أخلاقه الكريمة، وقد أكد ذلك في
قوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم 4)، كما كان خلق الرفق واللين من بين الصفات التى خصها القرآن بالحديث عنها، إذ قال: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران 159)، فبالرفق تملك قلوب الأتباع، وينال صادق مودتهم.
ومدح القرآن أصحاب محمد، وكان من أهم ما وصفهم به التراحم بينهم، والشدة على أعدائهم، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح 29). ومدح من آمن واتبع الرسول، فوصفهم حينا بأنهم على الهدى، فقال: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (البقرة 2 - 5)، وبأنهم أولو الألباب إذ قال:
فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر 17، 18)، وبأنهم كالسميع البصير الذى يهديه سمعه وبصره، على عكس أولئك الذين لا يتبعون أحسن القول: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَــعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (هود 24). وجعل القرآن للمؤمن نورا يمشى به في الناس، فإنه يهتدى بهذا النور إلى طريق الخير وإلى صراط مستقيم، أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام 122). وفي عقد هذه الموازنات تمجيد للإيمان وتعظيم من شأن المؤمنين.

المعدولة

المعدولة: القضية التي يكون حرف السلب فيها جزءا للشيء، سواء كانت موجبة أو سالبة.
المعدولة:
[في الانكليزية] Written but not pronounced letter ،predicative negative proposition
[ في الفرنسية] Lettre ecrite mais non prononcee ،proposition predicative negative
عند الشعراء هي حرف عطل وحرف العطل هو الذي لا يحسب له وزن في العروض ولكنه يكتب. وذلك مثل الواو في (خود- نفس) و (خورد- اكل) والهاء في (چهـ-ماذا) و (كه- الذي) و (سه- ثلاثة) كما وقع في جامع الصنائع. وعند المنطقيين قضية حملية موضوعها أو محمولها عدمي أو كلاهما عدميان وتسمّى مغيّرة وغير محصلة أيضا. والمراد بالعدمي ما يكون السلب جزءا من مفهومه والأولى أي ما يكون موضوعه عدميا معدولة الموضوع نحو اللاحيّ جماد، والثانية معدولة المحمول نحو الجماد لا عالم، والثالثة معدولة الطرفين نحو اللاحيّ لا عالم، وهذا أولى مما قيل: العدمي ما يكون حرف السلب جزءا من طرف لعدم شموله للفظ غير، وكذا لا يشتمل المعدولة المعقولة نحو زيد أعمى فإنّها معدولة من حيث المعنى لا من حيث اللّفظ ولشموله لنحو اللاجماد حيّ إذا سمّي باللاجماد شخص فإنّها محصّلة وإن كان حرف السلب جزءا منه بخلاف ما إذا فسّر العدمي بما يكون السّلب جزءا من مفهومه فإنّه يشتمل الصورتين الأوليين ولا يشتمل الصورة الثالثة. ولا يرد سالبة المحمول لأنّ السّلب فيها ليس جزءا لشيء من طرفيها بل خارجا عنهما، ويقابل المعدولة المحصّلة وهي قضية حملية موضوعها ومحمولها كلاهما وجوديان، نحو زيد قائم وكلّ منهما موجبة وسالبة. وقيل الحملية التي موضوعها ومحمولها وجوديان، إن كانت موجبة سمّيت محصّلة، وإن كانت سالبة سمّيت بسيطة، والعبرة في إيجاب القضية وسلبها بإيقاع النسبة ورفعها لا بطرفيها، فمتى كانت النسبة واقعة كانت القضية موجبة، وإن كان طرفاها عدميّين، ومتى كانت مرفوعة كانت سالبة وإن كان طرفاها وجوديين. والفرق بين الموجبة المعدولة والسالبة المحصّلة أنّ القضية إن كانت ثلاثية وتقدّمت الرابطة على حرف السلب كانت موجبة معدولة وإن تأخرت كانت سالبة محصّلة وإن كانت ثنائية فلا فارق إلّا النية أو الاصطلاح على تخصيص بعض الألفاظ بالإيجاب المعدول، وبعضها بالسلب المحصّل كتخصيص لفظ غير بالعدول وليس للسلب. وقيل الفرق بين الإيجاب المعدول والسلب المحصّل أنّ الإيجاب المعدول عدم شيء عما من شأنه أن يكون له ذلك الشيء وقت الحكم، والسلب المحصّل عدم شيء عمّا ليس من شأنه ذلك الشيء في ذلك الوقت. فعدم اللّحية عن الطفل سلب وعن غيره إيجاب. ومنهم من فسّر بأعمّ من هذا وقال الإيجاب المعدول عدم شيء عمّا من شأنه ذلك الشيء في الجملة، سواء كان وقت الحكم أو قبله أو بعده، والسلب المحصّل عدم شيء عمّا ليس من شأنه ذلك الشيء أصلا، فعدم اللحية عن الطفل إيجاب وعن المرأة سلب. ومنهم من فسّره بأعمّ منه وقال: الإيجاب المعدول عدم شيء عمّا من شأنه أو شأن نوعه أو جنسه القريب أن يتّصف بذلك الشيء، فعدم اللحية عن الحمار إيجاب وعن الشجر سلب. ومنهم من بلغ الغاية في التعميم وقال الإيجاب المعدول عدم شيء عمّا من شأنه أو شأن نوعه أو جنسه القريب أو البعيد أن يكون له ذلك الشيء، فعدم اللحية عن الشجر إيجاب وعدم الموضوع للجوهر سلب، إذ ليس ذلك من شأنه ولا من شأن نوعه ولا جنسه إذ لا جنس له. هذا كلّه خلاصة ما في شرح المطالع وحاشية الحاشية الجلالية وغيرهما.
المعدولة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي يكون حرف السَّلب جُزْءا من جزئها مُوجبَة أَو سالبة سَوَاء كَانَ من الْمَوْضُوع فَقَط مثل كل لاحي جماد وَتسَمى حِينَئِذٍ:

المنصرف

المنصرف: ما دخله حرف الجر مع التنوين.
المنصرف:
[في الانكليزية] Variable ،declinable
[ في الفرنسية] Variable ،declinable
على صيغة اسم الفاعل من الانصراف، عند النحاة قسم من الاسم المعرب. وفي اللباب المعرب على نوعين الاسم المتمكّن والفعل المضارع، فالأول إمّا منصرف أو غير منصرف انتهى. فغير المنصرف يسمّى بالممتنع والمنعي أيضا لمنعه الكسرة والتنوين على ما في أصول الأكبري. وفي الاصطلاح القديم يسمّى المنصرف بالمجرى وغير المنصرف بغير المجرى كما مرّ. ثم غير المنصرف عرّفه ابن الحاجب بما فيه علّتان من العلل التسع مؤثّرتان باجتماعهما واستجماع شرائطهما في منع الكسرة والتنوين أو علّة واحدة منها تقوم مقامهما في ذلك التأثير، وتلك العلل التسع هي المشار إليها في قول الشاعر:
عدل ووصف وتأنيث ومعرفة وعجمة ثم جمع ثم تركيب والنون زائدة من قبلها ألف. ووزن فعل وهذا القول تقريب. أي تقريب لها إلى الصواب لأنّ في عددها خلافا، فقال بعضهم تسع وهو المختار، وقال بعضهم اثنان، وقيل عشرة بزيادة الألف المزيدة في آخر الاسم للإلحاق أو غيره كأرطى وقبعثرى، وقيل أحد عشر وزاد على العشرة المذكورة مراعاة الأصل في مثل أحمر، وقيل ثلاثة عشرة وزاد لزوم التأنيث وتكرار الجمع. وقيل القول بأنّها عشرة هو الصواب فالقول بأنّها تسع تقريب إلى الصواب وهو القول بأنّها عشرة. وقيل القول بأنّ كلّ واحد من الأمور التسعة علّة قول تقريبي ومجازي لا تحقيقي، إذ العلّة في الحقيقة اثنتان منها لا واحدة. وقيل المراد منه أنّ ذكر العلل في صورة النظم تقريب لها إلى الحفظ لأنّ حفظ النظم أسهل. والمنصرف بخلاف ذلك فما دخل فيه الكسرة والتنوين للضرورة أو الخفة أو التناسب لا يصير منصرفا بذلك حقيقة لصدق تعريفه عليه بل إنّما يصير في حكم المنصرف.
فعلى هذا ما في الإرشاد من أنّ المنصرف هو الاسم المستوفي للحركات الثلاث مع التنوين ويسمّى أمكن كزيد، وغير المنصرف اسم غير مستوف لها بمنع الكسرة مع التنوين إلّا لضرورة أو وفق نظائر أو غاية خفّة بكونه من باب نوح أو هند أو عند لام أو إضافة تعريف بالحكم.
وعند المنجّمين هو الكوكب الذي ينصرف عن الاتصال.
المنصرف: عِنْد النُّحَاة هُوَ الِاسْم الَّذِي لَا يكون فِيهِ عِلَّتَانِ من علل تسع أَو وَاحِدَة مِنْهَا تقوم مقامهما وَمُقَابِله غير المنصرف تقَابل الْعَدَم والملكة كالــعمى وَالْبَصَر فَهُوَ الِاسْم الَّذِي يكون فِيهِ عِلَّتَانِ أَو وَاحِدَة من تِلْكَ الْعِلَل التسع. وَقَالَ أَبُو سعيد الْأَنْبَارِي النَّحْوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تعداد الْعِلَل التسع الْمَانِعَة للصرف.
(مَوَانِع الصّرْف تسع كلما اجْتمعت ... ثِنْتَانِ مِنْهَا للصرف تصويب)
(عدل وَوصف وتأنيث وَمَعْرِفَة ... وعجمة ثمَّ جمع ثمَّ تركيب)
(وَالنُّون زَائِدَة من قبلهَا الف ... وَوزن فعل وَهَذَا القَوْل تقريب)
فِي التَّاج التصويب (بيشت فرودآمدن وكسى رابصواب نسبت كردن) وَإِنَّمَا سمي ذَلِك الِاسْم منصرفا لِأَنَّهُ من الصّرْف بِمَعْنى الْفضل وَالزِّيَادَة وَذَلِكَ الِاسْم أَيْضا مُشْتَمل على أَمر زَائِد على الْإِعْرَاب وَهُوَ تَنْوِين التَّمَكُّن وَقيل المنصرف من الصّرْف بِمَعْنى الصَّوْت وَفِي آخر ذَلِك الِاسْم أَيْضا صَوت يحصل بتنوين التَّمَكُّن - وَيعلم من هَا هُنَا وَجه تَسْمِيَة الِاسْم الَّذِي فِيهِ عِلَّتَانِ أَو وَاحِدَة بِغَيْر المنصرف.

التّكميل

التّكميل:
[في الانكليزية] Surplus ،annex ،prolixity
[ في الفرنسية] Surplus ،annexe ،prolixite
هو عند أهل البيان الاحتراس وقد سبق.
وعند المحاسبين اسم لعمل يستعمل في علم الجبر والمقابلة مقابل للردّ. وعند أهل التعمية قسم من الأعمال المعمائية مقابل للتحصيل وسيأتي في لفظ المــعمى.

علم الكلام

علم الكلام:
[في الانكليزية] Kalam (islamic rational or dogmatic theology)
[ في الفرنسية]
Le Kalam( theologie dogmatique ou rationnelle musulmane )
ويسمّى بعلم أصول الدين أيضا، هو اسم علم من العلوم الشرعية المدونة وقد سبق في المقدمة.
علم الكلام
قال أبو الخير في الموضوعات: هو علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته عند المتقدمين. وقيل: موضوعه الموجود من حيث هو موجود.
وعند المتأخرين موضوعه المعلوم من حيث ما يتعلق به من إثبات العقائد الدينية متعلقا قريبا أو بعيدا أو أرادوا بالدينية المنسوبة إلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصاً.
والكتب المؤلفة فيه كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون.
وللسيد الإمام العلامة محمد بن الوزير كتاب ترجيح أساليب القرآن لأهل الإيمان على أساليب اليونان وبيان ذلك بإجماع الأعيان بأوضح التبيان وكتاب البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع رد في هذين الكتابين على المتكلمين والكلام وأثبت أن جميع مسائل هذا العلم تثبت بالسنة والقرآن ولا يحتاج معهما إلى قوانين المتكلمين وقواعد الكلام وهما نفيسان جدا وما أحسن ما قال الغزالي في الإحياء.
وحاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما فهو إما مجادلة مذمومة وهي من البدع وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ولم يكن شيئا منها مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع انتهى.
قال ابن خلدون: علم الكلام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق والمآخذ ثم نرجع إلى تحقيق علمه وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملة وما دعا إلى وضعه.
فنقول إن الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلا بد لها من أسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونه وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا فلا بد له من أسباب أخر ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلا هو وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسح وتتضاعف طولا وعرضا ويحار العقل في إدراكها وتعديدها فإذا لا يحصرها إلا العلم المحيط سيما الأفعال البشرية والحيوانية فإن من جملة أسبابها في الشاهد المقصود والإرادات إذ لا يتم كون الفعل إلا بإرادته والقصد إليه والقصود والإرادات أمور نفسانية ناشئة في الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضا وتلك التصورات هي أسباب قصد الفعل وقد تكون أسباب تلك التصورات تصورات أخرى وكل ما يقع في النفس من التصورات مجهول سببه إذ لا يطلع أحد على مبادئ الأمور النفسانية ولا على ترتيبها إنما هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعضا والإنسان عاجز عن معرفة مباديها وغاياتها وإنما يحيط علما في الغالب بالأسباب التي هي طبيعية ظاهرة يوقع في مداركها على نظام وترتيب لأن لا طبيعة محصورة للنفس وتحت طورها.
وأما التصورات فنطاقها أوسع من النفس لأنها للعقل الذي هو فوق طور النفس فلا تدرك الكثير منها فضلا عن الإحاطة بها وتأمل من ذلك حكمة الشارع في نهيه عن النظر إلى الأسباب والوقوف معها فإنه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو منه بطائل ولا يظفر بحقيقة {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} وربما انقطع في وقوفه عن الارتقاء إلى ما فوقه فزلت قدمه وأصبح من الضالين الهالكين نعوذ بالله من الحرمان والخسران المبين ولا تحسبن أن هذا الوقوف أو الرجوع عنه في قدرتك واختيارك بل هو لون يحصل للنفس وصبغة تستحكم من الخوض في الأسباب على نسبة لا نعلمها إذ لو عملناها لتحرزنا منها فلنتحرز من ذلك بقطع النظر عنها جملة وأيضا فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبباتها مجهول لأنها إنما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر. وحقيقة التأثير وكيفية مجهولة {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها وإلغائها جملة والتوجه إلى مسبب الأسباب كلها وفاعلها وموجدها لترسخ صفة التوحيد في النفس على ماعلمنا الشارع الذي هو أعرف بمصالح ديننا وطرق سعادتنا لاطلاعه على ما وراء الحس قال صلى الله عليه وآله وسلم:
"من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة" فإن وقف عند تلك الأسباب فقد انقطع وحقت عليه كلمة الكفر وإن سبح في بحر النظر والبحث عنها وعن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فأنا الضامن له أن لا يعود إلا بالخيبة فلذلك نهانا الشارع عن النظر في الأسباب وأمرنا بالتوحيد المطلق {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ولا تثقن بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كله وسفه رأيه في ذلك.
واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعدوها والأمر في نفسه بخلاف ذلك والحق من ورائه ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده في المحسوسات الأربع والمعقولات ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات وكذلك الأعمى أيضا يسقط عنده صنف المرئيات
ولولا ما يردهم إلى ذلك تقليد الآباء هذه الأصناف لا بمقتضى فطرتهم وطبيعة إدراكهم ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكرا للمعقولات وساقطة لديه بالكلية فإذا علمت هذا فلعل هناك ضربا من الإدراك غير مدركاتنا لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة وخلق الله أكبر من خلق الناس والحصر مجهول الوجود أوسع نطاقا من ذلك {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} فاتهم إدراكك ومدركاتك في الحصر واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك وعملك فهو أحرص على سعادتك واعلم بما ينفعك لأنه من طور فوق إدراكك ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال ومثال ذلك: مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال وهذا لا يدرك على أن الميزان في أحكامه غير صادق لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه وتفطن في هذا الغلط من يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه فقد تبين لك الحق من ذلك إذا تبين ذلك فلعل الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضل العقل في بيداء الأوهام ويحار وينقطع فإذا التوحيد هو العجز عن إدراك الأسباب وكيفيات تأثيرها وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها إذ لا فاعل غيره وكلها ترتقي إليه وترجع إلى قدرته وعلمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنه وهذا هو معنى ما نقل عن بعض الصديقين العجز عن الإدراك إدراك.
ثم إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو الإيمان فقط الذي هو تصديق حكمي فإن ذلك من حديث النفس وإنما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيف بها النفس كما أن المطلوب من الأعمال والعبادات أيضا حصول ملكة الطاعات والانقياد وتفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود حتى ينقلب المريد السالك ربانياً.
والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتصاف.
وشرحه أن كثيرا من الناس يعلم أن رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها ويقول بذلك ويعترف به ويذكر مأخذه من الشريعة وهو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين لفر عنه واستنكف أن يباشره فضلا عن التمسح عليه للرحمة وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنو والصدقة
فهذا إنما حصل له من رحمة اليتيم مقام العلم ولم يحصل له مقام الحال والاتصاف ومن الناس من يحصل له مع مقام العلم والاعتراف بأن رحمة المسكين قربة إلى الله تعالى مقام آخر أعلى من الأول وهو الاتصاف بالرحمة وحصول ملكتها فمتى رأى يتيما أو مسكينا بادر إليه ومسح عليه والتمس الثواب في الشفقة عليه لا يكاد يصبر عن ذلك ولو دفع عنه ثم يتصدق عليه بما حضره من ذات يده وكذا علمك بالتوحيد مع اتصافك وليس الاتصاف ضرورة هو أوثق مبني من العلم الحاصل قبل الاتصاف وليس الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف والتحقيق ويجيء العلم الثاني النافع في الآخرة فان العلم الأول المجرد عن الاتصاف قليل الجدوى والنفع وهذا علم أكثر النظار والمطلوب إنما هو العلم الحالي الناشئ عن العادة.
واعلم أن الكمال عند الشارع في كل ما كلف به إنما هو في هذا فما طلب اعتقاده فالكمال في العلم الثاني الحاصل عن الاتصاف وما طلب عمله من العبادات فالكمال فيها في حصول الاتصاف والتحقق بها ثم إن الإقبال على العبادات والمواظبة عليها هو المحصل لهذه الثمرة الشريفة قال صلى الله عليه وسلم في رأس العبادات: "جعلت قرة عيني في الصلاة" فإن الصلاة صارت له صفة وحالا يجد فيها منتهى لذته وقرة عينه وأين هذا من صلاة الناس ومن لهم بها {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} اللهم وفقنا واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
فقد تبين لك من جميع ما قررنا أن المطلوب في التكاليف كلها حصول ملكة راسخة في النفس يحصل عنها علم اضطراري للنفس هو التوحيد وهو: العقيدة الإيمانية وهو: الذي تحصل به السعادة وإن ذلك سواء في التكاليف القلبية والبدنية ويتفهم منه أن الإيمان الذي هو أصل التكاليف وينبوعها هو بهذه المثابة ذو مراتب: أولها: التصديق القلبي الموافق اللسان.
وأعلاها: حصول كيفية من ذلك الاعتقاد القلبي وما يتبعه من العمل مستولية على القلب فيستتبع الخوارج وتندرج في طاعتها جميع التصرفات حتى تنخرط الأفعال كلها في طاعة ذلك التصديق الإيماني.
وهذا ارفع مراتب الإيمان وهو الإيمان الكامل الذي لا يقارف المؤمن معه صغير ولا كبيرة إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين قال صلى الله عليه وسلم:
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" وفي حديث هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله فقال في أصحابه: هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ قال: لا قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
ومعناه: أن ملكة الإيمان إذا استقرت عسر على النفس مخالفتها شأن الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة والفطرة وهذه هي المرتبة العالية من الإيمان وهي في المرتبة الثانية من العصمة لأن العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا وهذه حاصلة للمؤمنين حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم وبهذه الملكة ورسوخها يقع التفاوت في الإيمان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف وفي تراجم البخاري رضي الله عنه في باب الإيمان كثير منه مثل: أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وأن الصلاة والصيام من الإيمان وإن تطوع1 رمضان من الإيمان والحياء من الإيمان والمراد بهذا كله الإيمان الكامل الذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعلي.
وأما التصديق الذي هو أول مراتبه ومن اعتبروا آخر الأسماء وحمله على هذه الملكة التي هي الإيمان الكامل ظهر له التفاوت وليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الأولى التي هي التصديق إذ التصديق موجود في جميع رتبه لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الإيمان وهو المخلص من عهدة الكفر والفيصل بين الكافر والمسلم فلا يجزى أقل منه وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنما التفاوت في الحال الحاصلة عن الأعمال كما قلناه فافهم.
واعلم أن الشارع وصف لنا هذه الإيمان الذي في المرتبة الأولى الذي هو تصديق وعين أمورا مخصوصة كلفنا التصديق بها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الإقرار بألسنتنا وهي العقائد التي تقررت في الدين قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" وهذه هي العقائد الإيماينة المقررة في علم الكلام.
ولنشر إليها بجملة لتتبين لك حقيقة هذا الفن وكيفية حدوثه فنقول.
اعلم أن الشارع لما أمرنا بالإيمان بهذا الخالق الذي رد الأفعال كلها إليه وأفرده به كما قدمناه وعرفنا أن في هذا الإيمان نجاتنا عند الموت إذا حضرنا لم يعرفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود إذ ذاك متعذر على إدراكنا ومن فوق طورنا فكلفنا أولا اعتقاد تنزيهه في ذاته عن مشابهة المخلوقين وإلا لما صح أنه خالق لهم لعدم الفارق على هذا التقديم ثم تنزيهه عن صفات النقص وإلا لشابه المخلوقين ثم توحيده بالاتحاد وإلا لم يتم الخلق للتمانع ثم اعتقاد أنه عالم قادر فبذلك تتم الأفعال شاهد قضيته لكمال الاتحاد والخلق.
ومريد وإلا لم يخصص شيء من المخلوقات.
ومقدر لكل كائن وإلا فالإرادة حادثة.
وأنه يعيدنا بعد الموت
ثم اعتقاد بعثة الرسل لنجاة من شقاء هذا المعاد لاختلاف أحواله بالشقاء والسعادة وعدم معرفتنا بذلك وتمام لطفه بنا في الإيتاء بذلك وبيان الطريقين وأن الجنة للنعيم وجهنم للعذاب.
هذه أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثيرة وعن تلك الأدلة أخذها السلف وأرشد إليها العلماء وحققتها الأئمة إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والتناظر. والاستدلال بالعقل زيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلام ولنبين لك تفصيل هذا المجمل وذلك.
أن القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظاهر الدلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب كلها وصريحة في بابها فوجب الإيمان بها ووقع في كلام الشارع صلوات الله عليه وكلام الصحابة والتابعين تفسيرها على ظاهرها.
ثم وردت في القرآن آي أخر قليلة توهم التشبيه مرة في الذات وأخرى في الصفات.
فأما السلف فغلبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضح دلالتها وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل وهذا معنى قول الكثير منهم اقرؤوها كما جاءت أي: آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له.
وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه.
ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظاهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد وأوضح دلالة لأن معقولية الجسم تقتضي النقص والافتقار وتغليب آيات السلوب في التنزيه المطلق الذي هي أكثر موارد وأوضح دلالة أولى من التعلق بظواهر هذه التي لنا عنها غنية وجمع بين الدليلين بتأويلهم ثم يفرون من شناعة ذلك بقولهم جسم لا كالأجسام وليس ذلك بدافع لأنه قول متناقض وجمع بين نفي وإثبات إن كان بالمعقولية واحدا من الجسم وإن خالفوا بينهما ونفوا المعقولية المتعارفة فقد وافقونا في التنزيه ولم يبق إلا جعلهم لفظ الجسم اسما من أسمائه ويتوقف مثله على الأذن.
وفريق منهم ذهبوا إلى التشبيه في الصفات كثبات الجبهة والاستواء والنزول والصوت والحرف وأمثال ذلك وآل قولهم إلى التجسيم فنزعوا مثل الأولين إلى قولهم وصوت لا كالأصوات جهة لا كالجهات، ونزول لا كالنزول يعنون من الأجسام واندفع ذلك بما اندفع به الأول ولم يبق في هذه الظواهر إلا اعتقادات السلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي لئلا يكر النفي على معانيها بنفيها مع أنها صحيحة ثابتة من القرآن ولهذا تنظر ما تراه في عقيدة الرسالة لابن أبي زيد وكتاب المختصر له وفي كتاب الحافظ ابن عبد البر وغيرهم فإنهم يحومون على هذا المعنى ولا تغمض عينك عن القرائن الدالة على ذلك في غصون كلامهم.
ثم لما كثرت العلوم والصنائع وولع الناس بالتدوين والبحث في سائر الأنحاء وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب.
فقضوا بنفي صفات المعاني من العلم والقدرة والإرادة والحياة زائدة على أحكامها لما يلزم على ذلك من تعدد القديم بزعمهم وهو مردود بأن الصفات ليست عين الذات ولا غيرها.
وقضوا بنفي السمع والبصر لكونهما من عوارض الأجسام وهو مردود لعدم اشتراط البينة في مدلول هذا اللفظ وإنما هو إدراك المسموع أو المبصر.
وقضوا بنفي الكلام لشبه ما في السمع والبصر ولم يعقلوا صفة الكلام التي تقوم بالنفس فقضوا بأن القرآن مخلوق بدعة صرح السلف بخلافها وعظم ضرر هذه البدعة ولقنها بعض الخلفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها وخالفهم أئمة السلف فاستحل لخلافهم أيسار كثير منهم ودماءهم كان ذلك سببا لإنتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري ما المتكلمين فوسط بين الطرق ونفي التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم: أنها من عقائد الإيمان وأنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية لا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة علم الكلام.
أما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل.
وأما لأن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي.
وكثر اتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني فتصدر للأمة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء وإن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمانين وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها
وإن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول وجملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية إلا أن صور الأدلة تعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملة، ولو ظهر منها بعض الشيء فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة للعقائد الشرعية بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك.
ثم جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطريقة كتاب الشامل وأوسع القول فيه ثم لخصه في كتاب الإرشاد واتخذه الناس إماما لعقائدهم ثم انتشرت من بعد ذلك علوم المنطق في الملة وقرأه الناس وفرقوا بينه وبين العلوم الفلسفية بأنه قانون ومعيار للأدلة فقط يسير به الأدلة منها كما يسير من سواها.
ثم نظروا في تلك القواعد والمقدمات في فن الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين التي أدلت إلى ذلك وربما أن كثيرا منها مقتبس من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات فلما سيروها لمعيار المنطق ردهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان دليله كما صار إليه القاضي فصارت هذه الطريقة من مصطلحهم مباينة للطريقة الأولى وتسمى طريقة المتأخرين وربما أدخلوا فيها الرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من العقائد الإيمانية وجعلوهم من خصوم العقائد لتناسب الكثير من مذاهب المبتدعة ومذاهبهم.
وأول من كتب في طريقة الكلام على هذا المنحى الغزالي رحمه الله وتبعه الإمام ابن الخطيب وجماعة قفوا أثرهم واعتمدوا تقليدهم ثم توغل المتأخرون من بعدهم في مخالطة كتب الفلسفة والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيها واحدا من اشتباه المسائل فيهما.
واعلم أن المتكلمين لما كانوا يستدلون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود الباري وصفاته وهو نوع استدلالهم غالبا والجسم الطبيعي ينظر فيه الفيلسوفي في الطبيعيات وهو بعض من هذه الكائنات إلا أن نظره فيها مخالف لنظر المتكلم وهو ينظر في الجسم من حيث يتحرك ويسكن.
والمتكلم ينظر فيه من حيث يدل على الفاعل.
وكذا نظر الفيلسوفي في الإلهيات إنما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته.
ونظر المتكلم في الوجود من حيث أنه يدل على الموجد وبالجملة فموضوع علم الكلام عند أهله إنما هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية فترفع البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد.
وإذا تأملت حال الفن في حدوثه وكيف تدرج كلام الناس فيه صدرا بعد صدر وكلهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلة علمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع الفن وأنه لا يعدوه.
ولقد اختلطت الطريقتان عند هؤلاء المتأخرين والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاوي في الطوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميع تآليفهم إلا أن هذه الطريقة قد يعني بها بعض طلبة العلم للاطلاع على المذاهب والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها.
وأما محاذاة طريقة السلف بعقائد علم الكلام فإنما هو الطريقة القديمة للمتكلمين وأصلها كتاب الإرشاد وما حذا حذوه. ومن أراد إدخال الرد على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزالي والإمام ابن الخطيب فإنها وإن وقع فيها مخالفة للاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط في المسائل والالتباس في الموضوع ما في طريقة هؤلاء المتأخرين من بعدهما.
وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أن هذا العلم الذي هو علم الكلام غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه الباري عن كثير إيهاماته وإطلاقه.
ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مر بهم من المتكلمين يفيضون فيه فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص فقال: نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب.
لكن فائدته في آحاد الناس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها والله تعالى ولي المؤمنين.

التّكرير

التّكرير:
[في الانكليزية] Repetition ،pleonasm ،-
[ في الفرنسية] Repetition ،pleonasme ،
بالراء هو ذكر الشيء مرة فصاعدا بعد أخرى وكذا التكرار كما يستفاد من المطول في تعريف الفصاحة. وفي الاتقان التكرير من أنواع إطناب الزيادة وهو أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط، وله فوائد. منها التقرير وقد قيل الكلام إذا تكرّر تقرّر. ومنها التأكيد. ومنها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقّي الكلام بالقبول ومنه وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ، يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ الآية، فإنّه كرر فيه النداء لذلك. ومنها إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيا توطئة له وتجديدا لعهده، ومنه قوله تعالى وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إلى قوله فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا الآية. ومنها التعظيم والتهويل نحو الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فإن قلت هذا النوع أحد أقسام التأكيد الصناعي فإنّ منها التوكيد بتكرار اللفظ فلا يحسن عدّه نوعا مستقلا. قلت هو يجامعه ويفارقه ويزيد عليه وينقص عنه فصار أصلا برأسه، فإنّه قد يكون التأكيد تكرارا وقد لا يكون تكرارا، وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيدا للتأكيد معنى؛ ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين فإنّ التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده نحو اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ فالآية من باب التكرير لا التأكيد الصناعي. ومن التكرير نوع يسمّى بالترديد، وهو ما كان لتعدّد المتعلّق بأن يكون المكرر ثانيا متعلّقا بغير ما تعلّق به الأول كقوله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية ومنه قوله وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ لتعلّق كلّ واحدة بما قبلها.

قال في عروس الأفراح فإن قلت: إذا كان المراد بكل ما قبله فليس ذلك بإطناب بل هي ألفاظ بكل أريد به غير ما أريد بالآخر؟ قلت:
إذا قلنا العبرة لعموم اللفظ فكلّ واحد أريد به ما أريد بالآخر، ولكن كرّر ليكون نصا فيما يليه وظاهرا في غيره. فإن قلت يلزم التأكيد؟ قلت:
والأمر كذلك، ولا يرد عليه أنّ التأكيد لا يزداد على ثلاثة لأنّ ذلك في التأكيد الذي هو تابع، أمّا ذكر الشيء في مقامات متعدّدة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع. ومن أمثلة ما يظن تكرارا وليس منه فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ثم قال فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ثم قال وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فإنّ المراد بكل واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر. فالأول الذكر في المزدلفة عند الوقوف بقزح وقوله وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ إشارة إلى تكرّره ثانيا. وثالثا ويحتمل أن يراد به طواف الإفاضة منه بدليل تعقيبه بقوله فَإِذا قَضَيْتُمْ والذكر الثالث إشارة إلى رمي جمرة العقبة والذكر الأخير لرمي أيام التشريق. ومن ذلك تكرير الأمثال الواقعة في القرآن كقوله وَما يَسْتَوِي الْأَــعْمى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة بالمستوقد نارا ثم ضربه بأصحاب الصيّب ومن ذلك تكرير القصص الواقعة في القرآن كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام. وفي تكرير القصص فوائد. منها أنّ في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله، أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة وهي عادة البلغاء. ومنها أنّ في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة. ومنها أنّ الدواعي لا تتوفر على نقلها لتوفرها على نقل الأحكام، فلذا كررت القصص دون الأحكام. ومنها أنّه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله ثم أوضح الأمر في عجزهم بأن كرّر ذكر القصة في مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأيّ نظم جاءوا وبأي عبارة عبّروا. ومنها أنه لما تحداهم قال فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فلو ذكرت القصة في موضع واحد فقط لقال العربي ائتونا أنتم بسورة من مثله، فأنزلها سبحانه في تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه، انتهى ما في الإتقان.

الْحَقِيقَة

(الْحَقِيقَة) الشَّيْء الثَّابِت يَقِينا و (عِنْد اللغويين) مَا اسْتعْمل فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ وَحَقِيقَة الشَّيْء خالصه وكنهه وَحَقِيقَة الْأَمر يَقِين شَأْنه وَحَقِيقَة الرجل مَا يلْزمه حفظه والدفاع عَنهُ يُقَال فلَان يحمي الْحَقِيقَة والراية (ج) حقائق
الْحَقِيقَة: هِيَ الْقَضِيَّة الْمُنْفَصِلَة الَّتِي حكم فِيهَا بالمنافاة فِي الصدْق وَالْكذب مَعًا أَو بسلبها كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن يكون هَذَا الْعدَد زوجا أَو هَذَا الْعدَد فَردا وَقَوْلنَا لَيْسَ إِمَّا أَن يكون هَذَا الْعدَد زوجا أَو منقسما إِلَى المتساويين. الأولى: حَقِيقِيَّة مُوجبَة وَالثَّانيَِة حَقِيقِيَّة سالبة وَإِنَّمَا سميت حَقِيقِيَّة لِأَن التَّنَافِي بَين جزئيها أَشد من التَّنَافِي بَين جزئي مَانِعَة الْجمع ومانعة الْخُلُو لِأَنَّهُ فِي الصدْق وَالْكذب مَعًا فَهِيَ أَحَق باسم الْمُنْفَصِلَة بل هِيَ حَقِيقَة الِانْفِصَال. والحقيقة الْمُقَابلَة للخارجية فِي الْقَضِيَّة الْحَقِيقِيَّة.
الْحَقِيقَة: لَهَا معَان بِحَسب الاستعمالات فَإِنَّهَا. قد تسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الِاعْتِبَار فيراد بهَا الذَّات وَالْمرَاد بالاعتبارات الحيثيات اللاحقة للذات. وَقد تطلق فِي مُقَابلَة الْفَرْض وَالوهم وَيُرَاد بهَا حِينَئِذٍ نفس الْأَمر. وَقد تسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الْمَفْهُوم كَمَا يُقَال إِن الْبَصَر دَاخل فِي مَفْهُوم الْــعَمى لَا فِي حَقِيقَته وَنسبَة تَدْبِير الْبدن دَاخِلَة فِي مَفْهُوم النَّفس لَا فِي حَقِيقَتهَا. وَقد تسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الحكم أما سَمِعت أَن اللَّفْظ مَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان حَقِيقَة أَو حكما. وَقد تطلق فِي مُقَابلَة الْمجَاز كَمَا يُقَال إِن كلمة الْأسد حَقِيقَة فِي الْحَيَوَان المفترس مجَاز فِي الرجل الشجاع. فالحقيقة هِيَ الْكَلِمَة المستعملة فِيمَا وضعت لَهُ فِي اصْطِلَاح بِهِ التخاطب فَيخرج عَنْهَا الْمجَاز الَّذِي اسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ فِي اصْطِلَاح بِهِ التخاطب كَالصَّلَاةِ إِذا استعملها الْمُخَاطب بعرف الشَّرْع فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ يكون مجَازًا لكَون الدُّعَاء غير مَا وضعت هِيَ لَهُ فِي اصْطِلَاح الشَّرْع لِأَنَّهَا فِي اصْطِلَاح الشَّرْع للأركان والأذكار الْمَخْصُوصَة مَعَ أَنَّهَا مَوْضُوعَة للدُّعَاء فِي اصْطِلَاح اللُّغَة والاستعمال شَرط فِي كَونهَا حَقِيقَة كَمَا أَن الِاسْتِعْمَال فِي غير الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ شَرط فِي كَونهَا مجَازًا فاللفظ الْمَوْضُوع قبل الِاسْتِعْمَال لَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز وَإِنَّمَا سمي ذَلِك اللَّفْظ حَقِيقَة لِأَنَّهَا إِمَّا مَأْخُوذ من حق الْمُتَعَدِّي وَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَعْنيين يُقَال حق فلَان الْأَمر أَي أثْبته وَيُقَال حَقَّقَهُ إِذا كنت مِنْهُ على يَقِين. فعلى هَذَا الْحَقِيقَة فعيلة بِمَعْنى مفعول سَوَاء كَانَت مَأْخُوذَة من حق الْمُتَعَدِّي بِالْمَعْنَى الأول أَو بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَاللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع الْأَصْلِيّ شَيْء مُثبت فِي مقَامه وَمَعْلُوم بِسَبَب معلومية دلَالَته عَلَيْهِ. وَإِمَّا مَأْخُوذَة من حق اللَّازِم فَهِيَ حِينَئِذٍ بِمَعْنى الثَّابِت. وَلَا شكّ أَن اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع لَهُ الْأَصْلِيّ ثَابت فِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه مَعْلُوم بِسَبَب معلومية دلَالَته عَلَيْهِ لِأَن اللَّفْظ الْمَوْضُوع لَا يعلم إِلَّا إِذا كَانَت دلَالَته على الْمَعْنى مَعْلُومَة.
فَإِن قيل إِن الفعيل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَيكون عَارِيا عَن التَّاء فَلَا بُد أَن تكون الْحَقِيقَة على المأخذ الأول عَارِية عَن التَّاء، قلت: الْوَاجِب على ذَلِك المأخذ التَّأْوِيل فِي لفظ الْحَقِيقَة بِنَاء على الضابطة الْمَذْكُورَة والتأويل فِيهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن التَّاء للنَّقْل من الوضعية إِلَى الاسمية فَإِن الفعيل الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث إِذا نقل من الوصفية الَّتِي علامتها العري عَن التَّاء إِلَى الاسمية الْحق بِآخِرهِ التَّاء للدلالة على عدم بَقَاء الْمَعْنى الوصفي. وَثَانِيهمَا: أَن ذَلِك الفعيل إِذا كَانَ جَارِيا على مَوْصُوف مؤنث غير مَذْكُور لَا بُد لَهُ من التَّاء كَمَا فِي قَوْلك مَرَرْت بقتيلة بني فلَان أَي مَرَرْت بِامْرَأَة قتيلة بني فلَان أَي بِامْرَأَة مقتولة قَتلهَا بَنو فلَان فَيجْعَل لفظ الْحَقِيقَة جَارِيا على مَوْصُوف مؤنث غير مَذْكُور وَأما إِذا كَانَت الْحَقِيقَة مَأْخُوذَة من حق اللَّازِم فَلَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذكر والمؤنث بل تذكر فِي الْمُذكر وتؤنث فِي الْمُؤَنَّث فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ فِي التَّاء فَيكون لفظ الْحَقِيقَة الْجَارِي على الْمَوْصُوف الْمُؤَنَّث نقل فِي الِاصْطِلَاح إِلَى اللَّفْظ الْمَذْكُور. هَذَا مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحَقِيقَة عِنْد الْحُكَمَاء هِيَ الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان أَي الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج بِوُجُود أُصَلِّي - وَلِهَذَا قَالُوا الْحَقِيقَة هِيَ الْأَمر الثَّابِت المتأصل فِي الْوُجُود خص فِي الِاصْطِلَاح بكنه الشَّيْء المتحقق. وَحَقِيقَة الشَّيْء مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ كالحيوان النَّاطِق للْإنْسَان بِخِلَاف مثل الضاحك وَالْكَاتِب مِمَّا يُمكن تصور الْإِنْسَان بِدُونِهِ. وَقد يُقَال إِن مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ بِاعْتِبَار تحَققه حَقِيقَة وَبِاعْتِبَار تشخصه هوية وَمَعَ قطع النّظر عَن ذَلِك مَاهِيَّة. وَتَحْقِيق مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ والاعتراضات الْوَارِدَة فِيهِ فِي الْمَاهِيّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى والحقيقة والماهية مُتَرَادِفَانِ.

الدّلَالَة

(الدّلَالَة) الْإِرْشَاد وَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ عِنْد إِطْلَاقه (ج) دَلَائِل ودلالات

(الدّلَالَة) الدّلَالَة وَاسم لعمل الدَّلال وَمَا جعل للدليل أَو الدَّلال من الْأُجْرَة
الدّلَالَة: (رَاه نمودن) وَفِي الِاصْطِلَاح كَون الشَّيْء بِحَالَة يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء آخر وَيُسمى الشَّيْء الأول دَالا وَالثَّانِي مدلولا. وَعرفُوا الدّلَالَة اللفظية الوضعية بِأَنَّهَا فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْفَهم إِن كَانَ مصدرا مُبينًا للْفَاعِل أَعنِي الفاهمية فَهُوَ صفة السَّامع وَإِن كَانَ مُبينًا للْمَفْعُول أَعنِي المفهومية فَهُوَ صفة للمعنى فَلَا يَصح حمله على الدّلَالَة الَّتِي هِيَ صفة اللَّفْظ. وَأجَاب عَنهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله بِأَنا لَا نسلم أَن الْفَهم لَيْسَ صفة اللَّفْظ فَإِن الْفَهم وَحده وَإِن كَانَ صفة الفاهم وَكَذَا الانفهام وَحده صفة الْمَعْنى إِلَّا أَن فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ صفة اللَّفْظ فَإِن معنى فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ أَو انفهام الْمَعْنى مِنْهُ هُوَ معنى كَون اللَّفْظ بِحَيْثُ يفهم مِنْهُ أَو ينفهم مِنْهُ الْمَعْنى. غَايَة مَا فِي الْجَواب أَن الدّلَالَة مُفْرد يَصح أَن يشتق مِنْهُ صفة تحمل على اللَّفْظ وَفهم الْمَعْنى وانفهامه مركب لَا يُمكن اشتقاقها مِنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَة مثل أَن يُقَال اللَّفْظ منفهم مِنْهُ الْمَعْنى.
ثمَّ اعْلَم أَن الدّلَالَة مُطلقًا على نَوْعَيْنِ (لفظية) إِن كَانَ الدَّال لفظا (وَغير لفظية) إِن كَانَ غير لفظ. ثمَّ الدّلَالَة مُطلقًا إِن كَانَت بِحَسب وضع الْوَاضِع فوضعية كدلالة زيد على الشَّخْص الْمعِين وَالنّصب على الْميل. وَإِلَّا فَإِن كَانَ حُدُوث الدَّال بِمُقْتَضى الطَّبْع فطبعية كدلالة اح اح على وجع الصَّدْر وَسُرْعَة النبض على الْحمى وَإِلَّا فعقلية كدلالة لفظ ديز المسموع من وَرَاء الْجِدَار على وجود اللافظ وَالدُّخَان على النَّار. ثمَّ الدّلَالَة اللفظية الوضعية مُطَابقَة وتضمن والتزام لِأَنَّهَا إِن كَانَت دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على تَمام مَا وضع لَهُ فمطابقة كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان النَّاطِق. وَإِلَّا فَإِن كَانَت دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على جُزْء مَا وضع لَهُ أَو على خَارج لَازم لما وضع لَهُ لُزُوما ذهنيا بَينا بِالْمَعْنَى الْأَخَص فَالْأول تضمن كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان أَو النَّاطِق وَالثَّانِي الْتِزَام كدلالة الْــعَمى على الْبَصَر. ومدار الإفادة والاستفادة على الدّلَالَة اللفظية الوضعية. وَكَيْفِيَّة دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول منحصرة فِي عبارَة النَّص وَإِشَارَة النَّص وَدلَالَة النَّص واقتضاء النَّص. وَوجه الضَّبْط أَن الحكم الْمُسْتَفَاد من النّظم إِمَّا أَن يكون ثَابتا بِنَفس اللَّفْظ أَو لَا. وَالْأول إِن كَانَ النّظم مسوقا لَهُ فَهُوَ الْعبارَة وَإِلَّا فالإشارة وَالثَّانِي إِن كَانَ الحكم مفهوما من اللَّفْظ لُغَة فَهُوَ الدّلَالَة أَو شرعا فَهُوَ الِاقْتِضَاء وَاعْلَم أَنه لَا دلَالَة للعام على الْخَاص بِإِحْدَى الدلالات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة لِأَن الْخَاص لَيْسَ تَمام مَا وضع لَهُ الْعَام وَلَا جزؤه وَلَا خَارج لَازم لَهُ فَلَا دلَالَة للحيوان على الْإِنْسَان وَلَا للْإنْسَان على زيد فَإِن قلت: إِن الْمَوْجُود عَام وَإِذا أطلق يتَبَادَر مِنْهُ الْمَوْجُود الْخَارِجِي وَكَذَا الْوَضع عَام شَامِل للوضع التحقيقي والوضع النوعي كَمَا فِي المجازات. وَإِذا أطلق يتَبَادَر مِنْهُ الْوَضع التحقيقي والتبادر فرع الدّلَالَة أَقُول أَولا: إِن لفظ الْمَوْجُود حَقِيقَة فِي الْمَوْجُود الْخَارِجِي ومجاز فِي الْمَوْجُود الذهْنِي وَكَذَا الْوَضع وَإِن قلت: فَكيف يَصح تَقْسِيم الْمَوْجُود إِلَيْهِمَا أَقُول: إِن صِحَة التَّقْسِيم إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار إِطْلَاقه على معنى ثَالِث مجازي يتناولهما من بَاب عُمُوم الْمجَاز فَيُقَال فِي الْمَوْجُود مثلا إِن الْوُجُود بِمَعْنى الثُّبُوت أَو الْكَوْن فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى منقسم إِلَى الْمَوْجُود الْخَارِجِي والذهني وَثَانِيا: إِن لفظ الْمَوْجُود مثلا حَقِيقَة فِي الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْمَوْجُود الْخَارِجِي والذهني فسبب تبادر أَحدهمَا حِينَئِذٍ كَثْرَة إِطْلَاقه على الْقدر الْمُشْتَرك فِي ضمنه حَتَّى صَار كَأَنَّهُ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَقد يُرَاد بِالْعَام الْخَاص بِالْقَرِينَةِ أَو بِسَبَب أَنه كَامِل أَفْرَاده تَحَرُّزًا عَن التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ عَاما حِينَئِذٍ بل صَار خَاصّا مُقَيّدا بِقَيْد يفهم من الْقَرِينَة أَو مُقَيّدا بِقَيْد الْكَمَال فَلَا إِشْكَال.
ثمَّ اعْلَم أَن دلَالَة الْمُطَابقَة مُعْتَبرَة فِي التعريفات كلا وجزءا وَدلَالَة التضمن مُعْتَبرَة جُزْءا ومهجورة كلا. وَدلَالَة الِالْتِزَام مهجوة كلا وجزءا. فَلَا يُقَال الْهِنْدِيّ فِي جَوَاب مَا زيد لِأَنَّهُ دَال على ماهيته بالتضمن لِأَنَّهُ صنف وَهُوَ نوع مُقَيّد بِقَيْد عرضي فَمَعْنَاه الْحَيَوَان النَّاطِق الْمَنْسُوب إِلَى الْهِنْد وَكَذَا لَا يُقَال الْكَاتِب فِي جَوَاب مَا زيد لِأَن معنى الْكَاتِب ذَات لَهُ الْكِتَابَة وماهية الْإِنْسَان من لوازمه فَهُوَ دَال عَلَيْهَا بالالتزام وكل ذَلِك للِاحْتِيَاط فِي الْجَواب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ إِذْ يحْتَمل انْتِقَال الذِّهْن من الدَّال بالتضمن على الْمَاهِيّة إِلَى جُزْء آخر من معنى ذَلِك الدَّال كالمنسوب إِلَى الْهِنْد الَّذِي هُوَ جُزْء آخر من معنى الْهِنْدِيّ فَيفوت الْمَقْصُود وَهَكَذَا يحْتَمل انْتِقَال الذِّهْن من الدَّال بالالتزام على الْمَاهِيّة إِلَى لَازم آخر فَيفوت الْمَقْصُود أَيْضا فَإِنَّهُ يجوز الِانْتِقَال من الْكَاتِب إِلَى الْحَرَكَة أَو الْقَلَم اللَّازِم بِمَعْنى الْكَاتِب. وَإِن أردْت التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَى حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على شرح الشمسية فِي الْبَحْث الْخَامِس من مبَاحث الْكُلِّي والجزئي.

السّمع

(السّمع) قُوَّة فِي الْأذن بهَا تدْرك الْأَصْوَات وَالْأُذن والمسموع وَالذكر (ج) أسماع وَيُقَال سمعا وَطَاعَة أَي أسمع سمعا وَأطِيع طَاعَة وَسمع وَطَاعَة أَي أَمْرِي سمع وَطَاعَة وَأخذت عَنهُ سمعا سَمَاعا وسمعك إِلَيّ اسْمَع مني وَهُوَ بَين سمع الأَرْض وبصرها أَي طولهَا وعرضها أَو لَا يدرى أَيْن توجه أَو بِأَرْض خَالِيَة لَا يسمع كَلَامه أحد وَلَا يبصره أحد إِلَّا الأَرْض القفر وَألقى نَفسه بَين سمع الأَرْض وبصرها أَي غرر بِهِ وَأَلْقَاهَا حَيْثُ لَا يدرى أَيْن هُوَ وَأم السّمع الدِّمَاغ

(السّمع) يُقَال فِي الدُّعَاء (اللَّهُمَّ سمعا لَا بلغا) و (سمع لَا بلغ) أَي يسمع وَلَا يبلغ يَقُوله من يسمع خَبرا لَا يُعجبهُ أَو أسمع بالدواهي وَلَا تبلغني وَيُقَال سمع أُذُنِي أَي على مسمع مني

(السّمع) الذّكر المسموع وحيوان من الفصيلة الْكَلْبِيَّة أكبر من الْكَلْب فِي الحجم قوائمه طَوِيلَة وَرَأسه مفلطح يضْرب بِهِ الْمثل فِي حِدة سَمعه فَيُقَال (أسمع من سمع) و (أسمع من السّمع الْأَزَل) 
السّمع: قُوَّة مودعة فِي الْعصبَة المفروشة فِي مُؤخر الصماخ الَّتِي فِيهَا هَوَاء محتبس كالطبل فَإِذا وصل الْهَوَاء المتكيف بكيفية الصَّوْت لتموجه الْحَاصِل من قرع أَو قلع عنيفين مَعَ مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع إِلَى تِلْكَ الْعصبَة وقرعها أَدْرَكته الْقُوَّة بالمودعة فِيهَا وَكَذَا إِذا كَانَ الْهَوَاء المتكيف بكيفية الصَّوْت قَرِيبا مِنْهَا وَإِن لم يكن قارعا وَلَيْسَ المُرَاد بوصول الْهَوَاء الْحَامِل للصوت إِلَى السامعة أَن هَوَاء وَاحِدًا بِعَيْنِه يتموج ويتكيف بالصوت ويوصل التموج ذَلِك الْهَوَاء إِلَى السامعة بل أَن الْهَوَاء المجاور لذَلِك الْهَوَاء المتكيف بالصوت يتموج ويتكيف بِهِ الْهَوَاء الراكد فِي الصماخ فَتُدْرِكهُ السامعة حِين الْوُصُول.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن السّمع قُوَّة مؤدعة لِأَن الْوَدِيعَة تَزُول بِأخذ الْمُودع والسمع وَالْبَصَر أَيْضا كَذَلِك بِخِلَاف اللَّمْس والذوق والشم فَإِنَّهَا لَا تَزُول مَا دَامَت الْحَيَاة بَاقِيَة نعم قد يحدث النُّقْصَان فِيهَا وَهُوَ لَا يُوجب الزَّوَال كَمَا لَا يخفى.
ثمَّ اعْلَم أَن السّمع أفضل الْحَواس الظَّاهِرَة فَإِن التَّعْلِيم والتعلم والنطق مَوْقُوف عَلَيْهِ وَهُوَ يتَعَلَّق بالقريب والبعيد وَلِهَذَا كَانَ بعض الْأَنْبِيَاء أعمى لَا أَصمّ فَلَا بُد من احتياطه ومحافظته وَصِحَّته بالاجتناب عَن الْهَوَاء الْحَار والبارد وَدخُول المَاء وَالْغُبَار وَالتُّرَاب والهوام وَالْوَاجِب تقطير الدّهن المحرور بالنَّار المعتدل والاجتناب عَن كَثْرَة الْكَلَام وَسَمَاع الْأَصْوَات القوية وَالْقِرَاءَة الجهرية وَالْحَرَكَة العنيفة والقيء وَالْحمام الْحَار وَالنَّوْم على الامتلاء وَالسكر المتوالي وَتَنَاول الأغذية المبخرة وَمن أَرَادَ حفظ صِحَة لسمع فَعَلَيهِ أَن يضع الْقطن فِي الْأذن لَيْلًا وَنَهَارًا.
السّمع:
[في الانكليزية] Hearing
[ في الفرنسية] Audition
بالفتح وسكون الميم في اللّغة الإذن.
وحسّ الأذن وهو قوة مودعة في العصب المفروش في مقعّر الصماخ الذي فيه هو محتقن كالطبل، فإذا وصل الهواء الحامل للصوت إلى ذلك العصب وقرعه أدركته القوة السامعة المودعة في ذلك العصب، فإذا انخرق ذلك العصب أو بطل حسّها بطل السمع. اعلم أنّ المسلمين اتفقوا على أنّه تعالى سميع بصير لكنهم اختلفوا في معناه. فقالت الفلاسفة والكعبي وأبو الحسين البصري: ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات. وقال الجمهور منا أي من الأشاعرة ومن المعتزلة والكرّامية إنّهما صفتان زائدتان على العلم. وقال ناقد المحصل: أراد فلاسفة الإسلام، فإنّ وصفه تعالى بالسمع والبصر مستفاد من النقل، وإنّما لم يوصف بالشّمّ والذّوق واللّمس لعدم ورود النقل بها. وإذا نظر في ذلك من حيث العقل لم يوجد لها وجه سوى ما ذكره هؤلاء فإنّ إثبات صفتين شبيهتين بسمع الحيوانات وبصرها مما لا يمكن بالعقل، والأولى أن يقال لما ورد النقل بهما آمنّا بذلك وعرفنا أنهما لا يكونان بالآلتين المعروفتين، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما كذا في شرح المواقف.

قال الصوفية: السمع عبارة عن تجلّي علم الحق بطريق إفادته من المعلوم لأنّه سبحانه يعلم كلّ ما يسمعه من قبل أن يسمعه ومن بعد ذلك، فما ثمّ إلّا تجلّي علمه بطريق حصوله من المعلوم سواء كان المعلوم نفسه أو مخلوقه فافهم، وهو لله وصف نفسي اقتضاه لكماله في نفسه فهو سبحانه يسمع كلام نفسه وشأنه كما يسمع مخلوقاته من حيث منطقها ومن حيث أحوالها. فسماعه لنفسه من حيث كلامه مفهوم سماعه لنفسه من حيث شئونه وهو ما اقتضته أسماؤه وصفاته من اعتباراتها وطلبها لمؤثراتها فإجابته لنفسه وهو إبراز تلك المقتضيات، فظهور تلك الآثار للأسماء والصفات. ومن هذا الأسماع الثاني تعليم الرحمن القرآن لعباده المخصوصين بذاته الذين نبّه عليهم النبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «أهل القرآن أهل الله وخاصته» فيسمع العبد الذاتي مخاطبة الأوصاف والأسماء للذات فيجيبها إجابة الموصوف للصّفات، وهذا السّماع الثاني أعزّ من السّماع الكلامي، فإنّ الحقّ إذا أعار عبده الصفة السمعية يسمع ذلك العبد كلام الله بسمع الله، ولا يعلم ما هي عليه الأوصاف والأسماء مع الذّات في الذّات، ولا تعدّد بخلاف السمع الثاني الذي يعلم الرحمن عباده القرآن، فإنّ الصفة السمعية تكون هنا للعبد حقيقة ذاتية غير مستعارة ولا مستفادة. فإذا صحّ للعبد هذا التجلّي السمعي نصب له عرش الرحمانية فيتجلّى ربّه مستويا على عرشه. ولولا سماعه أولا بالشأن لما اقتضته الأسماء والأوصاف من ذات الديان لما أمكنه أن يتأدّب بآداب القرآن في حضرة الرحمن، ولا يعلم ذلك الأدباء وهم الأفراد المحققون. فسماعهم هذا الشأن ليس له انتهاء لأنّه لا نهاية لكلمات الله تعالى، وليست هذه الأسماء والصفات مخصوصة بما نعرفه منها بل لله أسماء وأوصاف مستأثرات في علمه لمن هو عنده، وهي الشئون التي يكون الحقّ بها مع عبده وهي الأحوال التي يكون بها العبد مع ربّه. فالأحوال بنسبتها إلى العبد مخلوقة والشئون بنسبتها إلى الله تعالى قديمة، وما تعطيه تلك الشئون من الأسماء والأوصاف هي المستأثرات في غيب الله تعالى.
وإلى قراءة هذا الكلام الثاني الإشارة في قوله:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، فإنّ هذه القراءة قراءة أهل الخصوص وهم أهل القرآن، أعني الذاتيين المحمديين. أما قراءة الكلام الإلهي وسماعه من ذات الله بسمع الله تعالى فإنّها قراءة الفرقان وهو قراءة أهل الاصطفاء وهم النفسيون الموسويون. قال الله لموسى عليه السلام:
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي. فأهل القرآن ذاتيون وأهل الفرقان نفسيون، وبينهما من الفرق ما بين مقام الحبيب ومقام الكليم. كذا في الإنسان الكامل.

شُبْهَة الْملك

شُبْهَة الْملك: أَن يظنّ الْوَاطِئ الْمَوْطُوءَة امْرَأَته أَو جَارِيَته. وَقد تطلق على الشُّبْهَة فِي الْمحل كَمَا مر وبهذه الشُّبْهَة لَا يسْقط الْحَد فَيحد الْوَاطِئ بوطئ أَجْنَبِيَّة وجدهَا فِي فرَاشه وَإِن قَالَ ظننتها امْرَأَتي إِذْ الظَّاهِر عدم الِاشْتِبَاه بَين امْرَأَته الَّتِي صَاحبهَا ومسها مرَارًا وَبَين غَيرهَا. وَأما إِن وطئ أَجْنَبِيَّة زفت إِلَيْهِ وقلن هِيَ زَوجتك فَلَا يحد لِأَنَّهُ اعْتمد دَلِيلا مُعْتَبرا وَهُوَ الْأَخْبَار فِي مَوضِع الِاشْتِبَاه كالأخبار بِجِهَة الْقبْلَة وطهارة المَاء. وعَلى الْوَاطِئ حِينَئِذٍ مهر الْمثل وَعَلَيْهَا الْعدة. وَفِي الْخُلَاصَة لَو كَانَ الْوَاطِئ أعمى ودعا امْرَأَته فَجَاءَتْهُ غَيرهَا فجامعها يحد وَلَو قَالَت إِنِّي فُلَانَة أَي امْرَأَته.

التّصحيف

التّصحيف:
[في الانكليزية] Alteration of a text
[ في الفرنسية] Alteration d'un texte

بالحاء كالتصريف بحسب اللغة الفارسية:

الخطأ في الكتابة، وعند أهل التعمية: تغيير صورة اللفظة خطا بأن تمحى نقطة أو تزاد نقطة أو بتقديم بعض الحروف أو تأخيرها كما في لفظة: مــعمّى وسيأتي بيانه مع بيان التصحيف الوضعي والتصحيف الخطّي. وأمّا التصحيف عند البلغاء (الشعراء) فهو الإتيان بألفاظ بحيث يمكن بتحويل نقطة من مكانها أن يتحوّل المدح إلى ذمّ. والناس يخطئون عند ما يسمّون التصحيف تجنيسا. وليس الأمر كذلك، ذلك لأنّ في التجنيس شرطا لا بدّ منه والإتيان بألفاظ متجانسة. وعليه فإن جاء بلفظة ثم تلاها بلفظة أخرى مجانسة لها فذلك التجنيس. وأمّا إذا جاء بلفظة ثم بتغيير مواضع النقطة فيها يتحوّل المعنى من مدح إلى قدح فذلك هو التصحيف.

ومثاله: حبيبنا بذاته مخدوم موقّر العزة في الأيام وهو بهذا الشكل مدح.

وأمّا تصحيفه فهكذا:
حبيبنا بذاته مجزوم موفّر العزة في الآثام وعلى هذا فهو قدح. ومثل هذا الكلام يقال له: مصحّف. هذا ما ورد في «جامع الصنائع» وإعجاز خسروي». ومثاله التصحيف في الشعر الفارسي: نحن نعيش في عزّك. فإذا صحّفنا كلمة: دولت إلى دو لب (شفتيك) وكلمة: ميزئيم (نعيش) إلى ميريم (نموت) يتغير المعنى ويصبح هجوا. كذا في مجمع الصنائع.

والتصحيف عند المحدّثين: هو تغيير الحديث بتغيير النقاط.
قالوا مخالفة الراوي للثقات إن كانت بتغير الحروف أو الحروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقطة يسمّى ذلك الحديث مصحّفا بفتح الحاء المشدّدة، وإن كان بالنسبة إلى الشّكل والإعراب سمّي محرّفا، وابن الصّلاح وغيره سمّى القسمين محرّفا، كذا في شرح شرح النخبة. وفي خلاصة الخلاصة المصحّف إمّا لفظي محسوس بالبصر أو بالسمع، والأول إمّا في الإسناد كما صحف مراجم بالراء والجيم بمزاحم بالزاء والحاء، وإما في المتن كتصحيف ستا من حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من الشوال الحديث بشيئا بالشين المعجمة والياء المثناة التحتانية.
والثاني أيضا إمّا في الإسناد كما قال عن عاصم الأحول فسمع واصل الأحدب وإمّا في المتن كما قيل في حديث الكهان فرّ الدجاجة فسمع الزجاجة. وإمّا معنوي كما قال أبو موسى العنزي نحن من عترة يصلي لنا النبي صلى الله عليه وسلم يريد ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى عترته وهي حزبته، فتوهم أنه قبيلة. وأصل العبارة صلى إلى عنزته.
وهي حربته والتصحيف قريب من الوضع في المتن. وإمّا في الإسناد فيصيره ضعيفا بهذا الاسناد انتهى كلامه.

الْعَيْب

(الْعَيْب) الوصمة (ج) عُيُوب
الْعَيْب: مَا يُوجب النُّقْصَان فِي الْعِزَّة وَالْحُرْمَة أَو الْقيمَة والمالية عِنْد التُّجَّار وَيُطلق على النُّقْصَان أَيْضا، وَفِي التحفه الْعُيُوب على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا مَا يُوجب فَوَات جُزْء من الْمَبِيع وتغيره من حَيْثُ الظَّاهِر دون الْبَاطِن - وَالثَّانِي مَا يُوجب النُّقْصَان من حَيْثُ الْمَعْنى دون الصُّورَة - أما الأول فكثير نَحْو الْــعَمى والعور والصم والشلل والزمانة والأصبع النَّاقِصَة وَالسّن السَّاقِط وَالظفر الْأسود والخدش والكلم والقروح والشجاج والأمراض كلهَا الَّتِي فِي سَائِر الْبدن والحميات وَأما الثَّانِي فنحو السعال الْقَدِيم وارتفاع الْحيض فِي زمَان طَوِيل أدناه شَهْرَان فَصَاعِدا فِي الْجَوَارِي وَمِنْهَا صهوبة الشّعْر والشمط فِي العَبْد والجواري وَالْحَبل فِي الْجَارِيَة لَا فِي الْبَهَائِم وَالنِّكَاح فِي الْجَارِيَة والغلام عيب.

الْقَضِيَّة الخارجية

الْقَضِيَّة الخارجية: والقضية الْحَقِيقِيَّة والقضية الذهنية أَقسَام ثَلَاثَة للقضية الحملية بِاعْتِبَار وجود موضوعها.
وَاعْلَم أَن كل قَضِيَّة لَا بُد لَهَا من الحكم وَلَا بُد للْحكم من تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَوْجُود الذهْنِي. فالقضايا الثَّلَاث الْمَذْكُورَة مُشْتَركَة فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع ومتساوية الْإِقْدَام فِيهِ. ثمَّ إِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الذهنية فَقَط للموضوع أَو على أَفْرَاده الخارجية فَإِن كَانَ الحكم على أَفْرَاده الذهنية فَقَط مُحَققَة أَو مقدرَة فَهِيَ الْقَضِيَّة الذهنية مثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع بِمَعْنى أَن كل مَا يُوجد فِي الْعقل ويفرضه الْعقل شريك الْبَارِي فَهُوَ مَوْصُوف فِي الذِّهْن بالامتناع فِي الْخَارِج. وَإِنَّمَا فسرنا مَعْنَاهُ بذلك بِنَاء على أَن الْمُمْتَنع لَيْسَ بموجود فِي الذِّهْن أَيْضا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُوجبَة وكالقضايا المستعملة فِي الْمنطق فَإِن موضوعاتها معقولات ثَانِيَة لَا يحاذيها أَمر فِي الْخَارِج وَهِي كلهَا موجودات ذهنية بِالْفِعْلِ - أما فِي القوى الْعَالِيَة أَو القوى القاصرة. وَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا أَو على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج مُقَدرا - فَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا فَهِيَ الْقَضِيَّة الخارجية مثل كل إِنْسَان حَيَوَان بِمَعْنى أَن كل إِنْسَان مَوْجُود فِي الْخَارِج فَهُوَ حَيَوَان فِي الْخَارِج وَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج مُقَدرا يَعْنِي على الْأَفْرَاد الممكنة الَّتِي قدر وَفرض وجودهَا فِي الْخَارِج سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا أَو لَا فَهِيَ الْحَقِيقِيَّة مثل كل إِنْسَان حَيَوَان أَي كل مَا لَو وجد فِي الْخَارِج وَكَانَ إنْسَانا فَهُوَ على تَقْدِير وجوده حَيَوَان وَقس عَلَيْهِ معنى كل عنقاء طَائِر - وَهَذَا الْوُجُود الْمُقدر إِنَّمَا اعتبروه فِي الْأَفْرَاد الممكنة لَا الممتنعة كأفراد اللاشيء وَشريك الْبَارِي.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَهَذَا الْقَيْد أَعنِي إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا لم يعْتَبر إِمْكَان صدق الْوَصْف العنواني على ذَات الْمَوْضُوع بِحَسب نفس الْأَمر بل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد فرض صدقه. أَو إِمْكَان فرض صدقه عَلَيْهِ كَمَا فِي صدق الْكُلِّي على جزئياته حَتَّى إِذا وَقع الْكُلِّي مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْكُلية كَانَ متناولا لجَمِيع أَفْرَاده الَّتِي هُوَ كلي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا سَوَاء أمكن صدقه عَلَيْهَا أَو لَا. وَإِمَّا إِذا اعْتبر إِمْكَان صدق العنوان على ذَات الْمَوْضُوع فِي نفس الْأَمر كَمَا هُوَ مَذْهَب الفارابي. أَو اعْتبر مَعَ الْإِمْكَان الصدْق بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ فَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد انْتهى.
وَإِن أردْت أَن مُرَاد الفارابي بالإمكان هَا هُنَا مَا هُوَ فَعَلَيْك الرُّجُوع إِلَى الْوَصْف العنواني فهناك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِل الْكَلَام أَنهم إِنَّمَا قسموا القضايا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة لِأَن أَحْوَال الْأَشْيَاء أَي محمولاتها ثَلَاثَة لِأَنَّهَا إِمَّا شَامِلَة للأفراد الذهنية والخارجية المحققة والمقدرة لموضوعاتها وَتسَمى لَوَازِم الماهيات كالزوجية للأربعة والفردية للثَّلَاثَة وتساوي الزوايا القائمتين للمثلث.
والقضايا الَّتِي يكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال تسمى حَقِيقِيَّة مثل كل أَرْبَعَة زوج وكل ثَلَاثَة فَرد وكل مثلث تَسَاوِي زواياه للقائمتين وَإِمَّا مُخْتَصَّة بالأفراد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج لموضوعاتها كالحركة والسكون والإضاءة والإحراق والقضايا الَّتِي تكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال خارجية مثل كل فلك متحرك وكل أَرض سَاكِنة وكل نَار مضيئة ومحرقة. وَإِمَّا مُخْتَصَّة بالأفراد الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن كالكلية والجزئية والقضايا الَّتِي تكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال تسمى ذهنية مثل الْإِنْسَان كلي وَنَوع - وَالْحَيَوَان جنس وَزيد المتصور جزئي فَافْهَم.
ثمَّ اعْلَم أَن التَّسْمِيَة بالحقيقية من قبيل نِسْبَة الْفَرد إِلَى الْكُلِّي فَإِن الْقَضِيَّة لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا فِي ذَلِك الْمَعْنى كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَهُ وَحَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. فالقضية فَرد من أَفْرَاد الْحَقِيقَة فنسبت إِلَيْهَا. وَلَك أَن تَقول إِن هَذَا الْمَعْنى حَقِيقَة الْقَضِيَّة وماهيتها إِذْ لم يعْتَبر فِيهِ قيد زَائِد على مفهومها الْمُتَبَادر وَهُوَ تَقْيِيد اتصاف ذَات الْمَوْضُوع بالعنوان بِكَوْنِهِ فِي الْخَارِج فَإِذا اسْتعْملت فِي ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي هُوَ حَقِيقَتهَا بِدَلِيل التبادر وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي شرح الشمسية بقوله وَتسَمى حِينَئِذٍ حَقِيقِيَّة كَأَنَّهَا حَقِيقَة الْقَضِيَّة وكما أَن القضايا الثَّلَاث الْمَذْكُورَة مُتَسَاوِيَة الْإِقْدَام فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع كَذَلِك الْقَضِيَّة الْمُوجبَة والقضية السالبة سَوَاء كَانَتَا خارجيتين أَو حقيقيتين أَو ذهنيتين مشتركتان فِي ذَلِك الِاقْتِضَاء لِأَن الحكم بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَانْتِفَاء الْمَحْمُول عَنهُ لَا يُمكن إِلَّا بعد تصور الْمَوْضُوع. فَلَا فرق بَينهمَا فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي بِحَسب الحكم وَإِنَّمَا الْفرق بَينهمَا بِأَن صدق الْمُوجبَة يتَوَقَّف على وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات لِأَن الحكم فِي الْمُوجبَة بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَثُبُوت شَيْء وجودي أَو عدمي فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرف الثُّبُوت وبحسب الثُّبُوت إِن دَائِما فدائما وَإِن سَاعَة فساعة وَإِن خَارِجا فخارجا وَإِن ذهنا فذهنا. بِخِلَاف السالبة فَإِن صدقهَا لَا يتَوَقَّف على وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف سلب الْمَحْمُول عَن الْمَوْضُوع لِأَن سلب الْمَحْمُول عَن الْمَوْضُوع كَمَا يصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع وَانْتِفَاء الْمَحْمُول عَنهُ كَذَلِك يصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع لِأَن الْمَوْضُوع إِذا لم يكن مَوْجُودا لم يكن الْمَحْمُول ثَابتا لَهُ لما مر من أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرف الْإِثْبَات فَيكون الْمَحْمُول مسلوبا عَنهُ الْبَتَّةَ - فللموضوع وجودان وجود ذهني وَوُجُود فِي ظرف الْإِثْبَات أما الْوُجُود الذهْنِي فَلَا بُد مِنْهُ لأجل الحكم إيجابيا كَانَ أَو سلبيا وَأما الْوُجُود فِي ظرف الْإِثْبَات أَي ظرف كَانَ ذهنا أَو خَارِجا إِنَّمَا هُوَ لأجل صدق الْإِيجَاب وتحققه والسالبة لَا تستدعي صدقهَا هَذَا الْوُجُود. وَمن هَا هُنَا قَالُوا إِن الْإِثْبَات إِن كَانَ فِي الْخَارِج فَيجب لصدقه أَن يكون ثُبُوت الْمَوْضُوع أَيْضا محققا أَو مُقَدرا فِي الْخَارِج وَإِن كَانَ فِي الذِّهْن فليعتبر وجود الْمَوْضُوع فِي الذِّهْن وَرَاء اقْتِضَاء الحكم فَإِنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنى فِي السالبة أَيْضا بل لصِحَّة ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ فَافْهَم.
ثمَّ اعْلَم أَن الْقَضِيَّة الخارجية قد يتَوَقَّف صدقهَا أَي تحققها فِي الْخَارِج على وجود الْمَوْضُوع ومبدأ الْمَحْمُول فِي الْخَارِج مثل قَوْلك زيد أسود فِي الْخَارِج وَقد يتَوَقَّف صدقهَا على وجود الْمَوْضُوع فَقَط فِي الْخَارِج كَمَا إِذا كَانَ الْمَحْمُول عدميا مثل زيد أعمى وَزيد كَاتب. وَهَاتَانِ القضيتان خارجيتان لَكِن يتَوَقَّف تحققهما على وجود الْمَوْضُوع فَقَط فِي الْخَارِج وَإِمَّا فِي قَوْلك زيد مَوْجُود فِي الْخَارِج فقضية ذهنية لِأَن الْخَارِج فِي الْقَضِيَّة الخارجية ظرف لاتصاف الْمَوْضُوع الْمَوْجُود فِي الْخَارِج بالمحمول فِيهِ فَيتَوَقَّف صدقهَا وتحققها على وجود الْمَوْضُوع فِي الْخَارِج أَو لَا ثمَّ الحكم عَلَيْهِ فِي الْخَارِج بِأَيّ مَحْمُول كَانَ وَفِي الْمِثَال الْمَذْكُور لَيْسَ كَذَلِك.
وتوضيحه أَن معنى قَوْلك زيد مَوْجُود فِي الْخَارِج أَنه مَوْجُود بِوُجُود أُصَلِّي تترتب عَلَيْهِ الْآثَار وَتظهر مِنْهُ الْأَحْكَام. وَلَا شكّ أَن كَونه كَذَلِك لَا يتَوَقَّف على كَونه مَوْجُودا أَصْلِيًّا أَو لَا حَتَّى يتَصَوَّر اتصافه بالوجود الْأَصْلِيّ أَو لَا. ثمَّ الحكم عَلَيْهِ فِي الْخَارِج بالوجود الْأَصْلِيّ أَي بالوجود فِي الْخَارِج. هَكَذَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي أم الْحَوَاشِي على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد وَالْحَاصِل أَنه لَا بُد فِي الْقَضِيَّة الخارجية من اتصاف الْمَوْضُوع بالوجود الْخَارِجِي أَو لَا. ثمَّ الحكم عَلَيْهِ بالمحمول فعلى هَذَا زيد كَاتب قَضِيَّة خارجية. وَزيد مَوْجُود فِي الْخَارِج قَضِيَّة ذهنية إِذْ لَيْسَ الحكم فِيهَا بالوجود فِي الْخَارِج بعد اتصاف زيد بالوجود فِيهِ وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع على دفع الْإِشْكَال فِي الْحمل الإيجابي على المفهومات الممتنعة مثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع واجتماع النقيضين محَال والخلاء مَعْدُوم ونظائره فَلْينْظر إِلَى تحقيقنا فِي الْمُوجبَة واشكر شكرا جميلا واسأل لهَذَا العَاصِي الغفران وَأَجرا جزيلا.

الْقِيَامَة

(الْقِيَامَة) القوامة وَيَوْم الْقِيَامَة يَوْم بعث الْخَلَائق لِلْحسابِ
الْقِيَامَة: بِالْفَارِسِيَّةِ (رستخيز) وخلاصة مَا فِي إحْيَاء الْعُلُوم أَن الْقِيَامَة قيامتان الْقِيَامَة الْكُبْرَى وَهُوَ يَوْم الْحَشْر وَالْقِيَامَة الصُّغْرَى وَهِي حَالَة الْمَوْت وَإِلَيْهِ أَشَارَ نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته ". وَفِي هَذِه الْقِيَامَة يكون الْإِنْسَان وَحده وَعِنْدهَا يُقَال لَهُ لقد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وَأما فِي الْقِيَامَة الْكُبْرَى الجامعة لأصناف الْخَلَائق فَلَا يكون وَحده وأهوال الْقِيَامَة الصُّغْرَى تحاكي وتماثل أهوال الْقِيَامَة الْكُبْرَى. إِلَّا أَن أهوال الصُّغْرَى تخصك وَحدك وأهوال الْكُبْرَى تعم الْخَلَائق أَجْمَعِينَ. وَقد تعلم أَنَّك أَرض مَخْلُوق من التُّرَاب وحظك الْخَالِص من التُّرَاب بدنك خَاصَّة وَأما بدن غَيْرك فَلَيْسَ حظك وَالَّذِي يخصك من زَلْزَلَة الأَرْض زَلْزَلَة بدنك فَقَط الَّذِي هُوَ أَرْضك فَإِن انْهَدَمت بِالْمَوْتِ أَرْكَان بدنك فقد زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا. وَلما كَانَت عظامك جبال أَرْضك ورأسك سَمَاء أَرْضك وقلبك شمس أَرْضك وسمعك وبصرك وَسَائِر حواسك نُجُوم سمائك والعرق بَحر أَرْضك فَإِذا رمت الْعِظَام فقد نسفت الْجبَال نفسا. وَإِذا أظلم قَلْبك عِنْد الْمَوْت فقد كورت الشَّمْس تكويرا. وَإِذا بَطل سَمعك وبصرك وَسَائِر حواسك فقد انكدرت النُّجُوم انكدارا فَإِذا انْشَقَّ دماغك فقد انشقت السَّمَاء انشقاقا فَإِذا انفجر من هول الْمَوْت عرق جبينك فقد فجرت الْبحار تفجيرا فَإِذا الْتفت أحد ساقيك بِالْأُخْرَى وهما مطياتك فقد عطلت العشار تعطيلا فَإِذا فَارق الرّوح الْجَسَد فقد أَلْقَت الأَرْض مَا فِيهَا وتخلت.
وَاعْلَم أَن أهوال الْقِيَامَة الْكُبْرَى أعظم بِكَثِير من أهوال هَذِه الصُّغْرَى وَهَذِه الْأَمْثِلَة لأهوال تِلْكَ فَإِذا قَامَت عَلَيْك هَذِه بموتك فقد جرى عَلَيْك مَا كَأَنَّهُ جرى على كل الْخَلَائق فَهِيَ أنموذج للقيامة الْكُبْرَى. فَإِن حواسك إِذا عطلت فَكَأَنَّمَا الْكَوَاكِب انتثرت إِذْ الْأَــعْمَى يَسْتَوِي عِنْده اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن انْشَقَّ رَأسه فقد انشقت السَّمَاء فِي حَقه إِذْ من لَا رَأس لَهُ لَا سَمَاء لَهُ. وَنسبَة الْقِيَامَة الصُّغْرَى إِلَى الْقِيَامَة الْكُبْرَى كنسبة الْولادَة الصُّغْرَى وَهِي الْخُرُوج من الصلب والترائب إِلَى فضاء الرَّحِم إِلَى الْولادَة الْكُبْرَى وَهِي الْخُرُوج من الرَّحِم إِلَى فضاء الدُّنْيَا وَنسبَة سَعَة عَالم الْآخِرَة الَّذِي تقدم عَلَيْهِ العَبْد بِالْمَوْتِ إِلَى فضاء الدُّنْيَا كنسبة فضاء الدُّنْيَا إِلَى الرَّحِم بل أوسع وَأعظم بِمَا لَا يُحْصى.

المشائيون

المشائيون: فِي الاشراقيين - وَقَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي كشكوله التَّوَصُّل إِلَى المطالب النظرية والمعارف الْأُصُولِيَّة إِمَّا بطرِيق الْفِكر وَهُوَ مَسْلَك الْمُتَكَلِّمين والمشائين. أَو بالرياضة وَهُوَ طَرِيق الصُّوفِيَّة والإشراقيين مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَل يستويان مثلا أَفلا تذكرُونَ. وَالطَّرِيق الأول لَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ لابتنائه على التخمين وَالْقِيَاس وَلذَلِك وَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف الْعَظِيم - وَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب رشف النصائح الإيمانية أَنه أحرق عشر نسخ من كتاب الشِّفَاء وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى.
شعر:
(وَكم قلت للْقَوْم أَنْتُم على ... شفا حُفْرَة من كتاب الشفا)
(فَلَمَّا استهانوا بتوبيخنا ... فَدَعْنَا على مِلَّة الْمُصْطَفى)

التّبديل

التّبديل:
[في الانكليزية] Substition ،hesteron porteron ،anastrophe
[ في الفرنسية] Substitution ،inversion
لغة هو الإبدال وقيل غيره وقد عرفت.
وعند الأصوليين هو النسخ. وعند أهل البديع هو العكس. وعند أهل التّعمية وضع حرف بلا توسّط عمل التصحيف، مثل اسم خليل في هذا البيت:
خلقي شده جاك دامن أز گُل روي كو باد كه آورد از آن گل رو بوي والمعنى:
لقد مزّق بعض الناس ثيابهم من ورد وجهك لأنّه ارسل نسيما من ذلك الوجه الوردي الرائحة
كذا في بعض الرسائل المنسوبة إلى مولانا عبد الرحمن جامي. وفي جامع الصنائع يقول:
المــعمّى المبدل هو أن يأتي بلفظ بحيث إذا جيء بمعناه في لغة أخرى يخرج منه اسم يكون هو المطلوب، مثل اسم شمس في هذا البيت:

گفتند: كه معشوق كدام است ترا گفت: آن كس كه آفتابش خوانند. لأنّ «آفتاب» بالعربية هي الشمس، ولكن لا توجد هنا قرينة على البدل، فإن ذكرت قرينة دالّة على البدل فهو أفضل، ومثال ذلك الرباعي التالي:
شب خواجه أبو بكر بديدم در راه گفتم كه شوم ز سرّ نامت آگاه ما را چوز درهاى عرب بيرون بُرد بر عكس سوار شد به تازى ناگاه فيعني بدرها بالعربية أبواب والماء بالفارسية آب ومتى حذفنا من أبواب آب فيبقى أبو وسوار بالعربية تعنى ركب فإذا عكسناها تصبح بكر.

التّحصيل

التّحصيل:
[في الانكليزية] Acquisition of science 2 L Acquisition de la science
في اللغة الجمع، وفي العرف العام جمع العلم مطلقا كذا في جامع الرموز. ويؤيده ما في البرجندي من أنّ التحصيل عام في تحصيل كل شيء، لكنه غلب استعماله في تحصيل العلوم. وعند أهل التعمية عبارة عن تحصيل حروف الاسم ويجيء في لفظ المــعمى. وعند المنطقيين عبارة عن جعل القضية محصّلة بفتح الصاد المشدّدة، وهي عندهم قضية حملية يكون كلّ من موضوعها ومحمولها وجوديا بأن يكون السلب خارجا من مفهومي الموضوع والمحمول جميعا سواء كانت موجبة كقولنا: زيد كاتب، أو سالبة كقولنا: زيد ليس بكاتب. سمّيت بها لكون كلّ واحد من الطرفين فيها وجوديّا محصّلا. وربما يخصّص اسم المحصّلة بالموجبة وتسمّى السالبة بسيطة لأنّ البسيط ما لا جزء له، وحرف السلب وإن كان موجودا فيها إلّا أنّه ليس جزءا من طرفيها ويجيء ما يتعلق بهذا في لفظ السلب ولفظ المعدولة.

العَشَا

العَشَا، مَقْصورَةً: سوءُ البَصَرِ باللَّيْلِ والنَّهارِ،
كالعَشاوةِ، أو الــعَمَى. عَشِيَ، كَرَضِيَ ودَعا، عَشًى، وهو عَشٍ وأعْشَى، وهي عَشْواءُ.
وعَشَّى الطَّيْرَ تَعْشِيَةً: أوْقَدَ لَها ناراً لتَعْشَى، فَتُصادَ.
وتَعاشَى: تَجَاهَلَ.
وخَبَطَهُ خَبْطَ عَشْواءَ: رَكِبَه على غيرِ بَصيرةٍ.
والعَشْواءُ: الناقةُ لا تُبْصِرُ أمامَها.
وعَشا النارَ،
وـ إليها عَشْواً وعُشُوًّا: رآها لَيْلاً من بعيدٍ، فَقَصَدَها مُسْتَضِيئاً،
كاعْتَشاها،
وـ بها.
والعُشْوَةُ، بالضم والكسر: تلك النارُ، ورُكوبُ الأمرِ على غيرِ بيانٍ، ويُثَلَّثُ، وبالفتح: الظُّلْمَةُ،
كالعَشْواءِ، أو ما بين أوَّلِ الليلِ إلى رُبْعِهِ.
والعِشاءُ: أوَّلُ الظَّلامِ، أو من المَغْرِبِ إلى العَتَمَةِ، أو من زَوالِ الشمسِ إلى طُلُوعِ الفجرِ.
والعَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخِرُ النَّهارِ
ج: عَشايا وعَشِيَّاتٌ، والسَّحابُ. ولَقِيتُهُ عُشَيْشَةً وعُشَيْشاناً وعُشَّاناً وعُشَيْشِيَةً وعُشَيْشِياتٍ وعُشَيْشِياناتٍ.
والعِشْيُ، بالكسر،
والعَشاءُ، كسَماءٍ: طَعامُ العَشِيِّ
ج: أعْشِيَةٌ.
وَعَشِيَ وتَعَشَّى: أَكَلَه، وهو عَشْيانُ ومُتَعَشٍّ.
وعَشاهُ عَشْواً وعَشْياناً: أطْعَمَه إيَّاهُ،
كعَشَّاهُ وأعْشاهُ.
والعَواشِي: الإِبِلُ والغَنَمُ التي تَرْعَى لَيْلاً،
وبعيرٌ عَشِيٌّ: يُطيلُ العَشاءَ، وهي: بهاءٍ.
وعَشا الإِبِلَ،
وعَشَّاها: رَعاها لَيْلاً.
وعَشِيَ عليه عَشاً، كَرَضِيَ: ظَلَمَهُ،
وـ الإِبِلُ: تَعَشَّتْ، فهي عاشِيَةٌ.
وعَشَّى عنه تَعْشِيَةً: رَفَقَ به.
والعُشْوانُ، بالضم: تَمْرٌ، أو نَخْلٌ،
كالعَشْواءِ.
وصلاتا العَشِيِّ: الظُّهْرُ والعَصْرُ.
والعِشاآنِ: المَغْرِبُ والعَتَمَةُ.
وأعْشَى: أعْطَى.
واسْتَعْشاهُ: وجدَهُ حائراً،
وـ ناراً: اهْتَدَى بها.
والعِشْوُ، بالكسر: قَدَحُ لَبَن يُشْرَبُ ساعَةَ تَرُوحُ الغَنَمُ أو بعدَها.
وعَشا: فَعَلَ فِعْلَ الأعْشَى.
واعْتَشَى: سارَ وقْتَ العِشاءِ.
وأعْشَى باهِلَةَ: (عامِرٌ) .
وأعْشَى بني نَهْشَلٍ: (أسْودُ بنُ يَعْفُرَ) ، وهَمْدَانَ (عبد الرحمنِ) ، وبني أبي رَبيعَةَ، وطِرْوَدٍ، وبني الحِرْمازِ، وبني أسَدٍ وعُكْلٍ، (كَهْمَسٌ) ، وابنُ مَعْرُوفٍ (خَيْثَمَةُ) ، وبني عُقَيْلٍ، وبني مالِكٍ، وبني عَوْفٍ (ضابِئٌ) ، وبني ضَوْزَةَ (عبدُ اللهِ) ، وبنِي جِلاَّنَ (سَلَمَةُ) ، وبني قَيْسٍ (أبو بَصيرٍ) ،
والأعْشَى التَّغْلَبِيُّ (النُّعْمانُ) : شُعَراءُ. وغيرُهم من العُشْيِ: جماعَةٌ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.