Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: شريعة

بَيْنَمَا وبينما

بَيْنَمَا وبينما: اعْلَم أَن بَين مصدر بِمَعْنى الْفِرَاق فَمَعْنَى جَلَست بَيْنكُمَا جَلَست مَكَان فراقكما وَمعنى جَلَست بَين خُرُوجك ودخولك جَلَست زمَان فراقهما وَهُوَ لَازم الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد وَحِينَئِذٍ يكون مُسْتَعْملا فِي الْمَكَان وَالزَّمَان كَمَا ذكرنَا. وَإِذا قصد إِضَافَته إِلَى الْجُمْلَة أشبعت الفتحة فتولدت الْألف ليَكُون دَلِيلا على عدم اقتضائه للمضاف إِلَيْهِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُؤْتى للْوَقْف أَو زيدت مَا الكافة الزَّائِدَة فِي آخِره لِأَنَّهَا تكف وتمنع الْمُقْتَضِي عَن الِاقْتِضَاء والمضاف إِلَى الْجُمْلَة مُضَاف إِلَى مضمونها فَكَأَنَّهُ مَقْطُوع عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَغير مُقْتَض لَهُ وَحين هَذَا الإشباع أَو الْكَفّ لَا يكون إِلَّا من الظروف الزمانية دون المكانية. وَفِي بَينا وبينما معنى المجازاة أَي معنى الشَّرْط وَهُوَ تَعْلِيق أَمر بآخر. وَقَالَ صَاحب اللّبَاب أَنَّهُمَا لازمتا الْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الاسمية وَلما كَانَ فيهمَا معنى المجازاة فَلَا بُد لَهما من الْجَواب ولكونهما من الظروف لَا بُد لَهما من الْعَامِل وَالْعَامِل فيهمَا إِمَّا جوابهما أَو معنى المفاجأة.

وتفصيل: هَذَا الْإِجْمَال أَن جوابهما لَا يَخْلُو من أَن يكون مُجَردا عَن كلمتي المفاجأة أَعنِي (إِذْ) أَو (إِذا) أَولا. فعلى الأول الْعَامِل فيهمَا هُوَ جوابهما لعدم الْمَانِع كَمَا فِي قَول الْأَصْمَعِي. فَبينا نَحن نرقبه أَتَانَا. أَي فَأَتَانَا بَين أَوْقَات نَحن نرقبه. وعَلى الثَّانِي الْعَالم فيهمَا معنى المفاجأة الْمَفْهُوم من (إِذْ وَإِذا) كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بَينا رجل يَسُوق بقرة قد حمل عَلَيْهَا إِذا التفتت الْبَقَرَة إِلَيْهِ وَقَالَت إِنِّي لم أخلق لهَذَا بل إِنَّمَا خلقت للحرث فَقَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله بقرة تكلم. وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آمَنت بِهَذَا انْتهى.
فكلمة (بَين) فِي هَذَا الحَدِيث الشريف بِأَلف الإشباع مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الاسمية وَهِي رجل يَسُوق بقرة قد حمل عَلَيْهَا. وفيهَا معنى المجازاة وَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ التفتت بقرة جوابها وَالْعَامِل فِيهَا معنى المفاجأة فَمَعْنَى قَوْله بَينا رجل يَسُوق بقرة إِذْ التفتت بقرة إِلَيْهِ فاجأ الْتِفَات الْبَقَرَة بَين أَوْقَات رجل يَسُوق بقرة. فَإِن قيل إِن الْجَواب إِذا لم يكن مُجَردا عَن كلمة المفاجأة لم لَا يكون عَاملا فِي بَينا وبينما قُلْنَا جوابهما حِينَئِذٍ يكون مجرورا بِإِضَافَة (إِذْ وَإِذا) إِلَيْهِمَا وَمَا فِي صلَة الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يتَقَدَّم على الْمُضَاف.
اعْلَم أَن هَذِه قصَّة سَمعهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْملك فحكاها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد النَّاس ثمَّ لما قَالَ النَّاس متعجبين بقرة تكلم قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آمَنت بِهَذَا. أَي صدقت الْملك فِيمَا سَمِعت مِنْهُ من تكلم الْبَقَرَة. و (تكلم) صِيغَة مضارع من بَاب التفعل بِحَذْف إِحْدَى التائين هَكَذَا فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة. البيد: مثل الْغَيْر وَلَا يَجِيء إِلَّا فِي الْمُنْقَطع مُضَافا إِلَى (أَن) وصلتها. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا أفْصح الْعَرَب بيداني من قُرَيْش. وَيجوز أَن يُقَال بِنَاؤُه لِإِضَافَتِهِ إِلَى (أَن) وَأَن يُقَال إِنَّه وَاقع موقع الْمَنْصُوب فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع كَذَا فِي الرضي. وبالكسر شَجَرَة لَا ثَمَر لَهَا وَهِي على سَبْعَة عشر قسما مثل كرابه بيد - وبيد مَجْنُون - ومشك بيد - وبيدموش - وبيدطبري - وَغَيرهَا.
وَأَيْضًا اسْم كتاب كفار الْهِنْد فَإِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَنه كَلَام الله تَعَالَى وَيَقُولُونَ إِنَّه فِي الأَصْل وَاحِد مُشْتَمل على أَرْبَعَة دفاتر وَلِهَذَا اشْتهر فِيمَا بَينهم (جهاربيد) . الأول: (سَام بيد) . وَالثَّانِي: (ركهه بيد) . وَالثَّالِث: (يجربيد) . وَالرَّابِع: (لهرون بيد) . وَفِي الثَّلَاثَة الأول الْأَوَامِر والنواهي والوعد والوعيد وَسَائِر أَحْكَام شرائعهم الْبَاطِلَة. وَفِي النّصْف الأول من الرَّابِع أَيْضا أحكامهم وَفِي النّصْف الْأَخير مِنْهُ بَيَان أَوْصَاف نَبينَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتفصيل الْكَلِمَة الطّيبَة وَأَحْكَام الــشَّرِيعَة المحمدية والطريقة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.

الْبَدنَة

(الْبَدنَة) نَاقَة أَو بقرة تنحر بِمَكَّة قربانا وَكَانُوا يسمنونها لذَلِك وَالثَّوْب يشق فتلبسه الْمَرْأَة من غير جيب وَلَا كمين (ج) بدن وبدن وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله}
الْبَدنَة: كالمدن جمع الْمَدِينَة. وَهِي فِي اللُّغَة من الْإِبِل خَاصَّة. وَفِي الــشَّرِيعَة الْإِبِل وَالْبَقر سميت بَدَنَة لضخامتهما من بدن بَدَنَة إِذا ضخم. الْمُوسر الَّذِي لَهُ مِائَتَا دِرْهَم أَو عرض يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم سوى الْمسكن وَالْخَادِم وَالثيَاب الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهَا.

أصُول الْفِقْه

أصُول الْفِقْه: مركب إضافي ثمَّ نقل من التَّرْكِيب الإضافي وَجعل علما لقبا للْعلم الْمَخْصُوص فَلهُ تعريفان: تَعْرِيف بِاعْتِبَار الْإِضَافَة وتعريف بِاعْتِبَار أَنه لقب لعلم مَخْصُوص. وَقدم ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعْرِيفه اللقبي وَصدر الــشَّرِيعَة رَحمَه الله تَعْرِيفه الإضافي وَلكُل وجهة هُوَ موليها. فَإِن من قدم تَعْرِيفه اللقبي نظر إِلَى أَمريْن أَحدهمَا أَن الْمَعْنى اللقبي هُوَ الْمَقْصُود فِي الْإِعْلَام والاشتغال بِالْمَقْصُودِ أولى وَالثَّانِي أَن ذَلِك الْمَعْنى بملاحظة مَعْنَاهُ الإضافي بِمَنْزِلَة الْبَسِيط من الْمركب وَتَقْدِيم الْبَسِيط على الْمركب أَحْرَى. فَإِن قيل نعم إِن مَعْنَاهُ اللقبي أَعنِي الْعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى الْفِقْه بسيط فِي نَفسه إِلَّا أَنه لَيْسَ بسيطا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْنَاهُ الإضافي حَتَّى يكون بِمَنْزِلَة الْبَسِيط من الْمركب لِأَنَّهُ غير الْمَعْنى الَّذِي أُرِيد بِلَفْظ الْأُصُول الْوَاقِع فِي الْمركب الإضافي. قيل إِنَّه بسيط من الْمركب من حَيْثُ إِن مَوْضُوعَات مسَائِله وَهِي الْقَوَاعِد الْمَذْكُورَة أصُول بِالْمَعْنَى المُرَاد فِي الْمركب الإضافي فموضوع كل مَسْأَلَة مِنْهُ أصل من أصُول الْفِقْه أَي دَلِيل من أَدِلَّة الْفِقْه وَهِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس. وَلَا شكّ أَن الْكتاب مثلا بسيط بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوع الْمركب من هَذِه الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَقس عَلَيْهِ الْبَوَاقِي. وَيُمكن أَن يُقَال إِن مَعْنَاهُ الإضافي بشموله عِنْد الْعقل لهَذَا الْعلم الْمَخْصُوص وَلغيره بِمَنْزِلَة الْمركب فَمَعْنَاه اللقبي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْبَسِيط. وَمن قدم تَعْرِيفه الإضافي نظر إِلَى وَجْهَيْن أَيْضا أَحدهمَا مُرَاعَاة التَّرْتِيب فَإِن الْمَنْقُول عَنهُ مقدم على الْمَنْقُول وَثَانِيهمَا الِاحْتِرَاز عَن التّكْرَار يَعْنِي لَو قدم تَعْرِيفه اللقبي لاحتيج إِلَى تَفْسِيره تَارَة فِي اللقبي وَتارَة فِي الإضافي. وَذَلِكَ أَن اللقبي يشْتَمل على تَعْرِيف الْفِقْه من حَيْثُ الْمَاهِيّة لَا من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول لفظ الْفِقْه. فَإِذا قدم التَّعْرِيف اللقبي يحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف الإضافي مرّة أُخْرَى كَمَا فعله ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله لِأَنَّهُ لم يعرف من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول لفظ الْفِقْه بِخِلَاف مَا لَو قدم التَّعْرِيف الإضافي فَإِنَّهُ يعلم مِنْهُ الْفِقْه بالحيثيتين لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يذكر أَن مَدْلُول لفظ الْفِقْه هَذَا الْمَعْنى فَيكون ذَلِك الْمَعْنى مدلولا لَهُ وتعريفا لفظيا لَهُ أَيْضا. فَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة تَعْرِيفه فِي التَّعْرِيف اللقبي بل يَكْفِي فِيهِ أَن يُقَال هُوَ الْعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى الْفِقْه هَذَا مَا ذكره وجيه الْعلمَاء قدس سره فِي وَجه التّكْرَار وَإِلَيْهِ مآل مَا ذكره الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله. أما الِاحْتِيَاج الأول فَلِأَنَّهُ مَأْخُوذ مُعْتَبر فِي مَفْهُوم اللقب، وَأما الِاحْتِيَاج الثَّانِي فَليعلم أَنه مَفْهُوم لفظ الْفِقْه لِأَن لفظ الْفِقْه وَإِن وَقع جُزْء الْمُعَرّف وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ جُزْء الْمُعَرّف لَكِن لم يعلم مِنْهُ أَنه مَعْنَاهُ إِذْ لَا يزِيد دلَالَة لفظ التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ على أَن مَجْمُوع هَذَا الْمَعْنى لمجموع هَذَا اللَّفْظ أما إِن هَذَا الْجُزْء من الْمَعْنى لهَذَا الْجُزْء من اللَّفْظ فَلَا. فبالضرورة تمس الْحَاجة عِنْد قصد التَّعْرِيف الإضافي إِلَى إِيرَاد تَفْسِير لفظ الْفِقْه مرّة أُخْرَى. إِن قلت فليورد لفظ الْفِقْه فِي التَّعْرِيف اللقبي وليفسر بِكَلِمَة أَي المفسرة ثمَّ ليذكر فِي التَّعْرِيف الإضافي بِلَا احْتِيَاج إِلَى إِيرَاد تَفْسِيره لسبق الْعلم بِهِ من حَيْثُ ذَاته وَمن حَيْثُ كَونه مَفْهُوم لفظ الْفِقْه. قلت لَا وَجه لذَلِك لِأَن اللَّائِق لشأن التَّعْرِيف أَن يكون فِي ذَاته تَاما مُفِيدا للمطلوب غير مُشْتَمل على مَجْهُول انْتهى. وتعريف الْمركب يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف أَجْزَائِهِ فتعريفه بِاعْتِبَار الْإِضَافَة يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف ثَلَاثَة أُمُور.
أَحدهَا الْمُضَاف وَهُوَ الْأُصُول الَّذِي جمع الأَصْل وَقد عرفت تَعْرِيفه فِي تَحْقِيق الأَصْل بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَثَانِيها الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ الْفِقْه وتعريفه سَيَجِيءُ فِي الْفِقْه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَثَالِثهَا الْإِضَافَة لِأَنَّهَا وَإِن لم تكن جُزْءا صوريا للمركب الإضافي لاختصاصه بالأجسام لَكِنَّهَا بِمَنْزِلَة الْجُزْء الصُّورِي. وَمعنى إِضَافَة الْمُشْتَقّ كالضارب وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالأصل الَّذِي بِمَعْنى المبنى عَلَيْهِ والغلام الَّذِي بِمَعْنى الْمَمْلُوك اخْتِصَاص الْمُضَاف بالمضاف إِلَيْهِ بِاعْتِبَار معنى يفهم من الْمُضَاف فَإِن معنى فلَان ضَارب زيد اخْتِصَاصه بإيقاع الضَّرْب على زيد. وَمعنى هَذَا أصل الْمَسْأَلَة أَن هَذَا مُخْتَصّ بهَا بِاعْتِبَار أَنه دَلِيل عَلَيْهَا وَمعنى غُلَام زيد اخْتِصَاصه بزيد بِاعْتِبَار أَنه مَمْلُوك لَهُ فتعريفه الإضافي الْأَدِلَّة الَّتِي يبتنى عَلَيْهَا الْفِقْه ويستند إِلَيْهَا وفسرنا الْأُصُول بالأدلة لَا لِأَن الأَصْل مَنْقُول عَن مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ فِي الْعرف الْعَام إِلَى الدَّلِيل بل لِأَن مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ أَعنِي مَا يبتنى عَلَيْهِ الشَّيْء شَامِل للدليل وَغَيره لِأَن الابتناء الْمَأْخُوذ فِيهِ شَامِل للابتناء الْحسي والعقلي كَمَا مر فِي الأَصْل. لَكِن لما أضيف الْأُصُول إِلَى الْفِقْه الَّذِي هُوَ معنى عَقْلِي يُرَاد بالابتناء الابتناء الْعقلِيّ وبالأصول الْأَدِلَّة لِأَن الْمُسْتَند لِلْأَمْرِ الْعقلِيّ ومبتناه لَيْسَ إِلَّا دَلِيله وَالْعقل خلاف الأَصْل وَلَا ضَرُورَة فِي الْعُدُول إِلَيْهِ. فَانْدفع مَا قيل إِن المُرَاد بالأصول الْأَدِلَّة قطعا لَكِن بطرِيق النَّقْل وَلَا حَاجَة إِلَى جعله بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ شَامِلًا للمقصود وَغَيره وتعريفه اللقبي علم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى الْفِقْه وَإِنَّمَا صَار أصُول الْفِقْه علما لقبا لهَذَا الْعلم لِأَنَّهُ مَوْضُوع بإزائه بِعَيْنِه مشْعر بمدحه بِكَوْنِهِ مبْنى الْفِقْه الَّذِي هُوَ أساس صَلَاح المعاش فِي الدُّنْيَا وَسبب الْفَلاح والنجاة فِي الْأُخْرَى.

الْأَدَاء المشابه للْقَضَاء

الْأَدَاء المشابه للْقَضَاء: هُوَ أَدَاء اللَّاحِق بعد فرَاغ الإِمَام لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار الْوَقْت مؤد وَبِاعْتِبَار أَنه الْتزم أَدَاء الصَّلَاة مَعَ الإِمَام حِين يحرم مَعَه قَاض لما فَاتَهُ مَعَ الإِمَام. الْأَدَب: (نكاه داشتن حدهر جيزي) وَجمعه الْآدَاب وَمن كَانَ مؤدبا يكون جَامعا للــشريعة النَّبَوِيَّة والأخلاق الْحَسَنَة قَالَ الْعَارِف الْجلَال الرُّومِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي المثنوي.
(از خدا جوئيم توفيق ادب ... بِي ادب محروم كشت از لطف رب)

(بِي ادب تنهانه خودراداشت بُد ... بلكه آتش درهمه آفَاق زد)

الرُّؤْيَا

(الرُّؤْيَا) مَا يرى فِي النّوم (ج) رؤى
الرُّؤْيَا: بِالضَّمِّ مصدر كالبشرى وَجَمعهَا رُؤِيَ بِالتَّنْوِينِ ذكره الْجَوْهَرِي وَهِي مَا يرى فِي الْمَنَام وَهِي صَادِقَة وكاذبة. ف (52) "
الرُّؤْيَا: صَادِق المؤخرين مُحَمَّد بن خاوند شاه رَحمَه الله تكفل بتحقيق الرُّؤْيَا وأقسامها فِي رَوْضَة الصَّفَا فِي بَيَان رُؤْيا عبد الْمطلب وتعبيرها بقدوم نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ الصَّلَوَات وَالسَّلَام من الله الْملك المنان حَيْثُ قَالَ: لَا يخفى على العارفين أَن النّوم هُوَ عبارَة عَن توقف الْحَواس الظَّاهِرَة عَن مُشَاهدَة وَإِدْرَاك المحسوسات عَن طَرِيق ميل الرّوح الحيوانية نَحْو الْبَاطِن. وَفِي هَذِه الْحَالة إِذا مَا النَّفس أَو تلاحظه هُوَ صُورَة مَا فَإِن ذَلِك يعْتَبر أَيْضا (حلما) . والحلم بِمَعْنى ثَان يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ صَادِق وكاذب. فالنوم الصَّادِق هُوَ أَن تفرغ النَّفس البشرية من الشواغل والمضايقات وَبِنَاء على ذَلِك تصبح مُنَاسبَة للاتصال الروحاني بالملأ الْأَعْلَى والمنتسبين لهَذَا الْعَالم الْعلوِي وَأَن تطلع على بعض التصورات الَّتِي تخْتَص بالمبادىء الْعَالِيَة. وَبِمَا أَن هَذِه الْقَضِيَّة مقررة لَدَى الصُّوفِيَّة وَجَمِيع الْحُكَمَاء أَي أَن جَمِيع صور الْحَوَادِث الكونية والمفاسد مرتسمة فِي النُّفُوس الفلكية كَمَا ترتسم صور الْأَشْيَاء فِي الخيال وَبِمَا أَن النَّفس الناطقة تكون قَوِيَّة وتضعف الْقُوَّة المتخيلة فِيهَا فَإِن الْجَوَاهِر الشَّرِيفَة والعالية فِي الْعَالم تغلب النَّفس وَلَا يُمكنهَا الاتيان بِأَيّ شَيْء وَحَتَّى لَا يُمكنهَا الْمُمَاثلَة بِأَيّ شَيْء آخر. لَكِنَّهَا توكله إِلَى الخيال ويجد النَّائِم بعد استيقاظه أَن الرَّسْم الَّذِي تقبله فِي نَفسه مَوْجُود فِي خياله بِلَا تَغْيِير. وَهَذَا هُوَ الْحلم الصَّادِق الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى تَعْبِير أَو تَفْسِير وَإِذا كَانَت المتخيلة قَوِيَّة بِحَيْثُ تنعكس النَّفس الفلكية على النَّفس البشرية وتنصرف فِيهَا وتلبسها من لبوسها الْمُنَاسب فَإِنَّهَا توكلها للخيال، وَهَذَا الْحلم صَادِق وَلكنه يحْتَاج إِلَى تَعْبِير أَو تَفْسِير وَمن هَذِه الْمُقدمَات أصبح لَازِما أَن الْحلم الصَّادِق يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ وَكَذَلِكَ كل حلم يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ.
وَلَيْسَ خافيا على أَصْحَاب الْعلم أَن الرُّؤْيَا لَا تَنْحَصِر فَقَط بِأَهْل الْعلم والــشريعة وَالْملك فَإِذا كَانَت الْقُدْرَة المتخيلة قَوِيَّة وَالنَّفس ضَعِيفَة، فَإِن المتخيلة دَائِما تَأْخُذ النَّفس وعَلى عَادَتهَا الْقَدِيمَة فِي الْحلم إِلَى حركتها من التَّشْبِيه والتمثيل والتأليف وَالتَّفْصِيل وتمنعها من مُتَابعَة عالمها المشغول:
(إِذا اسْتَقر الطَّبْع السيء فِي الطبيعة ... )
(فَإِنَّهُ لَا يذهب إِلَّا حِين وَقت الْمَوْت ... )
وَكَذَلِكَ فَإِن عمل المتخيلة أَن تشابه الْأَشْيَاء المرتبطة بَعْضهَا بِالْبَعْضِ الآخر وقوائم الْأَشْيَاء الْمُنْفَصِلَة، وَأَحْيَانا تفصل الْأَشْيَاء المتوائمة عَن بَعْضهَا الْبَعْض الآخر.
مصرع:
(مِنْهَا التَّصَوُّر الْبَاطِل وَمِنْهَا الخيال الْمحَال ... )
وَأَحْيَانا يسيطر على الْبدن أحد الأخلاط الْأَرْبَعَة وحينها فَإِن المتخيلة تكون فِي الْمقَام الْمُنَاسب لهَذَا الْخَلْط فتظهر للنَّفس صورا توافقه، مثلا إِذا سيطر الدَّم على الْبدن، فَإِن النَّفس الناطقة وبمساعدة من المتخيلة تعرض فِي الْحلم الْأَشْيَاء الْحَمْرَاء وعَلى هَذَا الْقيَاس، وَهَذَا من أَقسَام الْحلم الْكَاذِب. وَمن جملَة المنامات الكاذبة أَن المتخيلة وأثناء الْيَقَظَة تدْرك صُورَة مَا، فتعكس هَذِه الصُّورَة فِي عَالم الْحلم. وَمن فحوى هَذِه السطور يصبح وَاقعا أَن الرُّؤْيَا الكاذبة على ثَلَاثَة أوجه (انْتهى) .

الْآل

الْآل: أَصله أهل بِدَلِيل أهيل لِأَن التصغير محك الْأَلْفَاظ يعرف بِهِ جَوَاهِر حروفها وأعراضها إِلَى أُصُولهَا وزوائدها سَوَاء كَانَت مبدلة من الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة أَو لَا فأبدل الْهَاء بِالْهَمْزَةِ لقرب الْمخْرج ثمَّ أبدلت الْهمزَة الثَّانِيَة بِالْألف على قانون آمن لَكِن الْآل يسْتَعْمل فِي الْأَشْرَاف والأهل فِيهِ وَفِي الأرذال أَيْضا فَيُقَال أهل الْحجام لَا آله وَآل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأَهله. وَأَيْضًا يُضَاف الْأَهْل إِلَى الْمَكَان وَالزَّمَان دون الْآل فَيُقَال أهل الْمصر وَأهل الزَّمَان لَا آل الْمصر وَآل الزَّمَان. وَأَيْضًا يُضَاف الْأَهْل إِلَى الله تَعَالَى بِخِلَاف الْآل فَيُقَال أهل الله وَلَا يُقَال آل الله. وَاخْتلف فِي آل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ بَعضهم آل هَاشم وَالْمطلب وَعند الْبَعْض أَوْلَاد سيدة النِّسَاء فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَمَا رَوَاهُ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف أَن آل مُحَمَّد كل تَقِيّ وَاخْتَارَهُ جلال الْعلمَاء فِي شرح (هياكل النُّور) وَفِي مَنَاقِب آل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم بَنو فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا كتب ودفاتر.
وَاعْلَم أَن أَفضَلِيَّة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة مَخْصُوصَة بِمَا عدا بني فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَمَا فِي تَكْمِيل الْإِيمَان وَقَالَ الشَّيْخ جلال الدّين السُّيُوطِيّ رَحمَه الله فِي الخصائص الْكُبْرَى أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ 
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يقومن أحد من مَجْلِسه إِلَّا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن أَو ذريتهما وَفِي شرعة الْإِسْلَام وَيقدم أَوْلَاد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَشْيِ وَالْجُلُوس وَفِي التشريح للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ لَا يجوز للرجل الْعَالم أَن يجلس فَوق الْعلوِي الْأُمِّي لِأَنَّهُ إساءة فِي الدّين. وَفِي جَامع الْفَتَاوَى ولد الْأمة من مَوْلَاهُ حر لِأَنَّهُ مَخْلُوق من مَائه. وَكَذَا ولد الْعلوِي من جَارِيَة الْغَيْر حر لَا يدْخل فِي ملك مَوْلَاهَا لَا يجوز بَيْعه كَرَامَة وشرفا لجده رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا يُشَارك فِي هَذَا الحكم أحد من أمته. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ ولد الْعلوِي من جَارِيَة الْغَيْر حر خَاص لَا يدْخل فِي ملك مَوْلَاهَا وَلَا يجوز بَيْعه فرجح جَانب الْأَب بِاعْتِبَار جده مُحَمَّد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَقَالَ الإِمَام علم الدّين الْعِرَاقِيّ رَحمَه الله إِن فَاطِمَة وأخاها إِبْرَاهِيم أفضل من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ مَا أفضل على بضعَة النَّبِي أحدا. وَقَالَ الشَّيْخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي رَحمَه الله فَاطِمَة أفضل من خَدِيجَة وَعَائِشَة بِالْإِجْمَاع ثمَّ خَدِيجَة ثمَّ عَائِشَة. وَاسْتدلَّ السُّهيْلي بالأحاديث الدَّالَّة على أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا بضعَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَن شتمها رَضِي الله عَنْهَا يُوجب الْكفْر وكما أَن لنسب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شرافة على غَيرهم كَذَلِك لسببه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَرَامَة على من سواهُم لما جَاءَ فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب أم كُلْثُوم من عَليّ فاعتل بصغرها وَبِأَنَّهُ أعدهَا لِابْنِ أَخِيه جَعْفَر فَقَالَ مَا أردْت الباه وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة مَا خلا سببي ونسبي وكل بني أُنْثَى عصبتهم لأبيهم مَا خلا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا أبوهم وعصبتهم.
الْآل: خطب عمر رَضِي الله عَنهُ أم كُلْثُوم ابْنة عَليّ رَضِي الله عَنهُ لكنه اعتذر لصِغَر سنّهَا وَبِأَن لَهُ رَأْي بِأَن يُعْطِيهَا لِابْنِ أَخِيه جَعْفَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْدهَا قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم أرد من هَذَا التَّزْوِيج الباه وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: ((كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة، سوى سببي ونسبي)) وكل أَبنَاء الْبِنْت ينسبون لأبائهم سوى أَبنَاء فَاطِمَة. فَعَلَيْكُم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ بحب بني فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وتعظيمهم وتكريمهم وإعانتهم بالجنان وَاللِّسَان والأبدان. نعم الْقَائِل.(هم السَّادة الْعِظَام وأوصافهم جلية ... )
(أَبنَاء الْمُصْطَفى وَقطعَة من كبد عَليّ ... )
(لَا تنظر أَيهَا الْقلب إِلَى أفعالهم بِجَهْل ... ) (الصالحون لله والطالحون لي ... )
وَأَيْضًا:
(هم السَّادة المنورون وأعيان الْعَالم ... من حُرْمَة مُحَمَّد وَعزة عَليّ)
(غَدا يصبح طَعَاما لمعدة جَهَنَّم كل فَرد ... لم تمتلء جنبتاه وخباياه من محبتهم)
(وَإِذا مَا صدرت زلَّة من أحدهم ... )
(لَا يُمكن أَن تنكسر حرمتهم من الْجَهْل ... )
(وَمن بِفضل قَول سيد الكونين ... )
(الصالحون لله والطالحون لي ... )
قَالَ الْفَاضِل السَّيِّد غُلَام عَليّ آزاد بلكرامي سلمه الله تَعَالَى فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة: ((أفضل السعادات فِي حسن خَاتِمَة السادات)) أَن مَا وصل إِلَى كَاتب هَذِه الأوراق فِي بَاب بِشَارَة السَّادة أَعلَى الله درجاتهم ووفقهم لِلْخَيْرَاتِ وَإِن كَانَ غير خَافَ على أَصْحَاب الفطنة والذكاء ثمَّ إِن قرَابَة وشفاعة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تطال العاصين من أهل الْبَيْت وَهِي ثَابِتَة ومقررة، وَلَيْسَ هُنَاكَ شكّ من أَن النَّهْي قد صدر عَن ذَات الرَّسُول فِي النَّهْي عَن الْمعاصِي وَالْعَمَل خلاف الَّذِي يرضيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِذا مَا فعل أحد من السَّادة أفعالا غير مرضية وَغير مَقْبُولَة فَإِن خاطره الشريف يتكدر ويغلي لِأَن أحد أَوْلَاده اخْتَار طَرِيقا غير طَرِيقه وَيعْمل على اضلال وضلال الْأمة. وَفِي الْحَقِيقَة أَن السَّادة الَّذين سلكوا طَرِيقا مُخَالفَة لطريقة جدهم الْعَظِيم، وَسَارُوا فِي طَرِيق العقوق والمخالفة عَن معرفَة وَعلم فَإِنَّهُم يسببون الخجل للرسول بِالْقربِ من الْعَزِيز تَعَالَى شَأْنه معَاذ الله مِنْهَا وعندما يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يُرِيدُونَ شَفَاعَة مِنْهُ، وَهَذَا الْأَمر بعيد عَن الْإِنْصَاف بمراحل كَبِيرَة، وَخير مَا قيل:
(لَيْسَ ابْن النَّبِي من لَيْسَ على طَرِيق النَّبِي ... )
كَمثل الْآيَة المنسوخة.
وصلنا أَن الرَّسُول الأكرم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعْطى صلَة الرَّحِم الرِّعَايَة الْكُبْرَى من توجهه الْمُقَدّس وتحدث عَن أَثَرهَا فِي الشَّفَاعَة وَمَا لَهَا من مكانة ووجاهة لَدَى الْإِخْوَة والأقران، وَهَذَا مَا جعل اهتمام الرَّسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينصب على صلحاء أهل الْبَيْت فِي الدرجَة الأولى يليهم فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة العصاة وَالدُّعَاء بهدايتهم. وَأَن الاهتمام الأول طبيعي أما الثَّانِي فَإِنَّهُ قسري، لِأَن الطَّائِفَة الأولى مِنْهُم مكانتها فِي الْمقَام الرفيع فِي الْجنَّة يتنعمون بِهِ أما الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَإِنَّهَا غارقة فِي الخجالة والندامة وَقد قَالَ الشَّاعِر (عرفي) :
(كل وَاحِد كَانَ محروما من لَذَّة الطَّاعَة ... )
فَأَنا فأكيد أَنه سَيكون فِي الْجنَّة يتلضى بحرمانه ... )
إِذن على السَّادة أَن يشكروا طهر الطينة وَبشَارَة الْمَغْفِرَة ويعتبروها ويختاروها وَسِيلَة الْمجد الْأَشْرَف وَأَن يثبتوا أَقْدَامهم على إتباع الْمَأْمُور بِهِ وَاجْتنَاب الْمُحرمَات وَأَن يهدوا الْأمة إِلَى طَرِيق الشَّرْع القويم حَتَّى يَكُونُوا كمنطوق القَوْل ((الْوَلَد الْحر يَقْتَدِي بآبائه الغر)) ، وَمن الْحق والأجدر بهم اتِّبَاع طَرِيق النُّبُوَّة وعدالة الــشَّرِيعَة. حَتَّى لَا يعتمدوا على شرف النّسَب وينحرفوا عَن الطَّرِيق ويذهبوا فِي تيه الْمعاصِي وَالْمُنكر وَقد قَالَ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} . وَالْمرَاد بِأَهْل الْبَيْت فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} . أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لدلَالَة مَا قبل هَذِه الْآيَة وَمَا بعْدهَا. وَمَا روى مُسلم فِي صَحِيحه أَنه خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرجل من شعر أسود فجَاء الْحسن بن عَليّ فَأدْخلهُ فِيهِ ثمَّ جَاءَ الْحُسَيْن فَأدْخلهُ مَعَه ثمَّ جَاءَت فَاطِمَة فَأدْخلهَا ثمَّ جَاءَ عَليّ فَأدْخلهُ ثمَّ قَالَ {إِنَّمَا يُرِيد الله} الْآيَة يدل على أَنهم أهل بَيت لَا على أَنهم لَيْسَ غَيرهم لِأَن تَخْصِيص أهل الْبَيْت بهم لَا يُنَاسب مَا قبل الْآيَة الْمَذْكُورَة وَمَا بعْدهَا كَمَا لَا يخفى على المتأمل وَالضَّمِير فِي يطهركم على التغليب لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَاخل فِي هَذَا الحكم وَكَلَام القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ صَرِيح فِيمَا ذكرنَا وَفِي التَّفْسِير الْحُسَيْنِي.وَقَالَ صَاحب عين الْمعَانِي أَن ظَاهر تَفْسِير الْآيَة يدل على أَن الْمَقْصُود هُنَا أَزوَاج النَّبِي. وَلَكِن نقل عَن عَائِشَة وَأم سَلمَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن أهل الْبَيْت هم فَاطِمَة وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.
وَجَاء فِي أَسبَاب النُّزُول عَن أم سَلمَة رَضِي تَعَالَى عَنْهَا أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أَتَت الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِطَعَام (سنبوسات أَو لحم) فَقَالَ لَهَا الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا فَاطِمَة نَادِي على عَليّ وولديك حَتَّى يشاركوني فِي هَذَا الطَّعَام وَقد كَانَ الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يضع بردته عَلَيْهِ وَقَالَ يَا رب هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَأذْهب عَنْهُم الرجس وطهرهم فَنزلت هَذِه الْآيَة، وَقد كنت مَوْجُودَة وحاولت أَن أَضَع رَأس تَحت الْبردَة وَقلت يَا رَسُول الله أَلَسْت من أهل الْبَيْت فَقَالَ لي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أَنْت على خير)) . وَمن هَذَا المنطلق فَإِن آل الْبَيْت خَمْسَة أشخاص. (انْتهى) . وَأَنت تعلم أَن القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ لم يطلع على شَأْن نزُول هَذِه الْآيَة الَّذِي ذكره صَاحب عين الْمعَانِي أَو أغمض عَنهُ أَو لم يثبت عِنْده وَإِن ثَبت أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت مرَّتَيْنِ مرّة فِي حَادِثَة الْأزْوَاج المطهرة وَمرَّة فِي هَذِه الْحَادِثَة الَّتِي روتها عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَغَيرهَا فَلَا إِشْكَال وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.
(الْآل) السراب أَو هُوَ خَاص بِمَا فِي أول النَّهَار وَآخره (يذكر وَيُؤَنث) وَآل كل شَيْء شخصه وَآل الرجل أَهله وَعِيَاله وَأَتْبَاعه وأنصاره

اليزيدية

اليزيدية:
[في الانكليزية] Al -Yazidiyya (sect)
[ في الفرنسية] Al -Yazidiyya (secte)
فرقة من الإباضية أصحاب يزيد بن أنيسة وقد سبق.
اليزيدية: أصحاب يزيد بن أنيسة. زادوا على الإباضية أن قالوا: سيبعث نبي من العجم بكتاب سيكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة، وينزل بــشريعة محمد إلى ملة الصابئة المذكورة في القرآن. وقالوا: كل ذنب شرك كبيرة أو صغيرة.

الهداية

الهداية:
[في الانكليزية] Way of salvation ،straight way ،conversion
[ في الفرنسية] Chemin du salut ،voie droite ،conversion
بالكسر هي عند الأشاعرة الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب ونقض بقوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إذ الدلالة بهذا المعنى عام لجميع المؤمنين والكافرين، لأنّه عليه الصلاة والسلام بيّن طريق الإسلام لجميعهم، فلا يصحّ نفيها عنه عليه الصلاة والسلام. وأجيب بأنّ الهداية منها ما لا تنفى عن أحد بوجه ومنها ما تنفى عن بعض دون بعض، ومن هذا الوجه قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي فإنّه عنى نفي الهداية التي هي التوفيق وإدخال الجنّة لا نفي الهداية التي هي الدعاء إلى الإسلام، ويؤيّده ما قال المحقّق البيضاوي في تفسيره هداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عدد لكنها تنحصر في أجناس مترتّبة. الأول إفاضة القوى التي بها يتمكّن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية والحواس الظاهرة والباطنة. والثاني نصب الدّلائل الفارقة بين الحقّ والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار تعالى بقوله وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. وقال وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى. والثالث الهداية بإرسال الرّسل وإنزال الكتب وإياها عنى بقوله تعالى وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وقوله إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالذي مصدره هدى فإنّه يجيء لازما بمعنى الاهتداء وهو وجدان ما يوصل إلى المطلوب، ويقابلها الضلالة وهي فقدان ما يوصل إلى المطلوب، ومتعديا بمعنى الهداية وأمّا الهداية فهو متعدّ لا غير، كذا في بعض حواشي شرح المطالع.
الهداية: دلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب وقيل سلوك طريق يوصل إلى المطلوب. وقيل: سلوك طريق توصل إلى المطلوب.

الوجوب

الوجوب:
[في الانكليزية] Necessity ،obligation
[ في الفرنسية] Necessite ،obligation
بالضم وتخفيف الجيم في اللغة هو الثبوت وفي العرف هو الاستحسان والأولوية، يقال يجب أي يستحسن ويسمّى بالوجوب العرفي والاستحساني، ويقابله الوجوب العقلي والشرعي. أمّا الوجوب العقلي فقال المتكلّمون والحكماء الوجوب والإمكان والامتناع قد تطلق على المعاني المصدرية الانتزاعية وتصوّراتها بالكنه ضرورية إذ ليس كنهها إلّا هذه المعاني الثلاثة المنتزعة الحاصلة في الذّهن، فإنّ كلّ عاقل غير قادر على الكسب يتصوّر حقيقتها كوجوب حيوانية الإنسان وإمكان كاتبيته وامتناع حجريته وتصوّر الحصّة يستلزم تصوّر الطبيعة ضرورة أنّها طبيعة مقيّدة، ومن عرّفها فلم يزد على أن يقول الواجب ما يمتنع عدمه أو لا يمكن عدمه، فإذا قيل له ما الممتنع؟ قال: ما يجب عدميا وما لا يمكن وجوده. وإذا قيل له ما الممكن؟ قال: ما لا يجب وجوده أو ما لا يمتنع وجوده ولا عدمه فيأخذ كلا من الثلاثة في تعريف الآخر وأنّه دور، وعلى هذا القياس الوجوب والإمكان والامتناع. فإن قلت قد عرف الواجب بالممكن العام ثم عرّف الممكن الخاص بالواجب فلا دور. قلت الإمكان العام والخاص حصّة من الإمكان المطلق بهذا المعنى وكذا مشتقّ كلّ منهما حصّة من مشتقّه، وخفاء الحصّة إنّما هو لخفاء الطبيعة. نعم لو عرف الوجوب بالمعنى الآتي مثلا بالإمكان والامتناع بهذا المعنى لم يلزم الدور. وقد تطلق على المعاني التي هي منشأ لانتزاع المعاني المصدرية، والظاهر أنّ تصوّراتها نظرية، ولذا اختلف في ثبوتها واعتباريتها، والظاهر أنّ المبحوث عنها في فنّ الكلام هذه المفهومات بمعنى مصداق الحمل والمبحوث عنها في المنطق بالمعاني المصدرية، والمشهور أنّ المبحوث عنها في فنّ الكلام هي التي جهات القضايا في المنطق، لكن في قضايا مخصوصة محمولاتها وجود الشيء في نفسه، فإنّه إذا أطلق المتكلّمون الواجب والممكن والممتنع أرادوا بها الواجب الوجود والممكن الوجود والممتنع الوجود. ثم الوجوب أي بمعنى مصداق الحمل ومنشأ الانتزاع يقال على الواجب باعتبار ما له من الخواص لا بالمعنى المصدري، فإنّه إذا كان الوجوب مقولا على الواجب ومحمولا عليه باعتبار هذه الخواص فهذه الخواص منشأ لانتزاعه ومصداق لحمله. الأولى استغناء في وجوده عن الغير وقد يعبّر عنها بعدم احتياجه أو بعدم توقّفه فيه على غيره. والثانية كون ذاته مقتضية لوجوده اقتضاء تاما. والثالثة الشيء الذي به يمتاز الذات عن الغير فالمعنيان الأوّلان أمران نسبيان بتاء على أنّ المراد منهما كون وجود الواجب عين ذاته، إلّا أنّ الأول منهما عدمي والثاني ثبوتي. ثم النظر الدقيق يحكم بأنّ كلاهما أمران ثبوتيان لرجوعهما إلى نحو وجود الواجب وخصوصية ذاته فالخاصة الثالثة كما أنّها غير الذات بحسب المفهوم وعينها بحسب ما هو المراد منها كذلك الأولى والثانية إلّا أن يبنى ذلك على مذهب المتكلّمين، ويحمل العينية على حمل المواطأة مطلقا، وبهذا التقرير اندفع ما قيل الخاصة الثانية لا تصدق عليه تعالى على مذهب الحكماء القائلين بغيبة الوجود، هذا هو المستفاد من كلام مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف، وهذا تحقيق تفرّد به. والمستفاد من كلام مولانا عبد الحكيم أنّ الوجوب الذي يقال على الواجب باعتبار تلك الخواص هو الوجوب بالمعنى المصدري يعنى أنّ الوجوب بالمعنى الضروري كيفية نسبة الوجود فهو صفة للنسبة ولا يوصف به ذاته تعالى وإلّا لكان وصفا بحال متعلّقه، بل إنّما يوصف به باعتبار استعماله في أحد تلك المعاني التي تختصّ بذاته تعالى لكون هذه المفهومات لازمة لذلك المعنى الذي هو صفة للنسبة، إمّا بطريق المجاز أو الاشتراك وإطلاق الوجوب على المعنيين الأوّلين ظاهر.
وأمّا إطلاقه على الثالث فإمّا بتأويل الواجب أو إرادة مبدأ الوجوب إذ ليس الوجوب بالمعنى الثالث قائما بذاته تعالى حتى يوصف بما يشتقّ منه، بل هو محمول عليه مواطأة، فلا بدّ من أحد التأويلين، وعلى التأويلين يكون الوجوب عبارة عن كون الشيء بحيث يمتاز عن غيره، وهذه الخواص متغايرة مفهوما لكنها متلازمة، إذ متى كان ذاته كافيا في اقتضاء وجوده لم يحتج في وجوده إلى غيره وبالعكس، ومتى وجد أحد هذين الأمرين وجد ما به يتميّز الذات عن الغير وبالعكس. قال شارح التجريد ما حاصله إنّ الوجوب بالمعنى الأول أي بمعنى الاستغناء عن الغير صفة للوجود وبالمعنى الثاني أي بمعنى اقتضاء الذات للوجود صفة للذات بالقياس إلى الوجود وهو لا يتصوّر إلّا في ذات مغايرة للوجود، فهو عند الحكماء القائلين بعينية الوجود ليس بمتحقّق إذ الشيء لا يقتضي نفسه، ومعنى ذلك الاقتضاء عدم انفكاك الوجود عن الذات، لا أن يكون هناك اقتضاء وتأثير فإنّ ذات البارئ لمّا وجب اتصافه بالوجود ولم يجز أن لا يتصف به لم يكن هناك علّة بها يصير متصفا بالوجود إذ شأن العلّة ترجيح أحد المتساويين على الآخر، فإذا لم يكن هناك طرفان متساويان، فأي حاجة إلى العلّة. ولهذا قال بعض المحقّقين صفات الواجب تعالى لا تكون آثارا له وإنّما يمتنع عدمها لكونها من لوازم الذات. وتوضيح ما قلنا هو أنّ مراتب الوجود في الموجودية بحسب التقسيم العقلي ثلاث لا مزيد عليها، أدناها الموجود بالغير أي الذي يوجده غيره، فهذا الموجود له ذات ووجود مغاير له وموجد مغاير لهما، فإذا نظر إلى ذاته مع قطع النظر عن موجده أمكن في نفس الأمر انفكاك الوجود عنه، ولا شكّ أنّه يمكن تصوّر انفكاكه عنه أيضا. فالتصوّر والمتصوّر كلاهما ممكن، وهذا حال الماهيات الممكنة كما هو المشهور. وأوسطها الموجود بالذات بوجود هو غيره أي الذي يقتضي ذاته وجوده اقتضاء تاما يستحيل معه انفكاك الوجود عنه فهذا الموجود له ذات ووجود مغاير له فيمتنع انفكاك الوجود عنه بالنّظر إلى ذاته، لكن يمكن تصوّر هذا الانفكاك فالمتصوّر محال والتصوّر ممكن، وهذا حال الواجب تعالى عند جمهور المتكلّمين. وأعلاها الموجود بالذات بوجود هو عينه أي الذي وجوده عين الذات فهذا الموجود ليس له وجود مغاير للذات فلا يمكن تصوّر انفكاك الوجود عنه بل الانفكاك وتصوّره كلاهما محال، وهذا حال الواجب تعالى عند جمهور الحكماء. وهذه المراتب مثل مراتب المضيء كما سبقت في محله. قال الصادق الحلواني في حاشية الطيبي: وجوب الوجود عند الحكماء استغناؤه تعالى في الموجودية في الخارج عن غيره. وعند المتكلّمين اقتضاء ذاته وجوده اقتضاء تاما. ومن هاهنا تسمعهم يقولون في الواجب تارة هو ما يستغني في موجوديته عن غيره وأخرى هو ما يقتضي ذاته وجوده اقتضاء تاما، وقد يفسّر بما يكون وجوده ضروريا بالنظر إلى ذاته انتهى.
ومآل التفسير الثالث مع الثاني واحد كما لا يخفى.
اعلم أنّ هذه الثلاثة قد تؤخذ بحسب الذات كما عرفت والقسمة أي قسمة كيفية نسبة المحمول إلى الموضوع إلى هذه الثلاثة حينئذ قسمة حقيقية حاصرة بأن يقال نسبة كلّ محمول سواء كان وجودا أو غيره إلى موضوعه، سواء كانت النسبة إيجابية أو سلبية لا يخلو ذات الموضوع إمّا أن يقتضي تلك النسبة أو لا، وعلى الثاني إمّا أن يقتضي نقيض تلك النسبة أو لا، والأول هو الوجوب والثاني هو الامتناع والثالث هو الإمكان، ولا يمكن انقلاب أحد هذه الثلاثة بالآخر بأن يزول أحدهما عن الذات ويتّصف الذات بالآخر مكانه، فيصير الواجب بالذات ممكنا بالذات وبالعكس لأنّ ما بالذات لا يزول، وقد يؤخذ الوجوب والامتناع بحسب الغير إذ لا ممكن بالغير فالوجوب بالغير هو الذي للذات باعتبار غيره، وهكذا الامتناع بالغير وحينئذ القسمة مانعة الجمع لاستحالة اجتماع الوجود والعدم في ذات دون الخلوّ لانتفائهما عن كلّ من الواجب والممتنع بالذات، ويمكن انقلابهما إذ الواجب بالغير قد يعدم علّته فيصير ممتنعا بالغير، وكذا الممتنع بالغير قد يوجد علّته فيصير واجبا بالغير فالوجوب شامل للذاتي والغيري، وكذا الامتناع والوجوب بالغير والامتناع بالغير إنّما يعرضان للممكن بالذات، وأمّا الواجب بالذات فيمتنع عروض الوجوب بالغير له وإلّا لتوارد علّتان مستقلتان أعني الذات والغير على معلول واحد شخصي هو وجوب ذلك الوجوب، وكذا عروض الامتناع بالغير له وإلّا لكان موجودا ومعدوما في حالة، وعلى هذا القياس الممتنع بالذات. والتحقيق أنّه إن أريد بالإمكان بالغير أن لا يقتضي الغير وجود الماهية ولا عدمها كما أنّ الوجوب بالغير أن يقتضي الغير وجوبها والامتناع بالغير أن يقتضي الغير عدمها، فلا شكّ أنّه لا ينافي الوجوب الذاتي ولا الامتناع الذاتي، وإن أريد بالإمكان بالغير أن يقتضي الغير تساوي نسبة الماهية إلى الوجود والعدم فلا كلام في أنّه ينافي الوجوب والامتناع الذاتيين وكذا الإمكان الذاتي للزوم توارد العلتين على معلول واحد. ثم الإمكان إنّما يعرض للماهية من حيث هي لا مأخوذة مع وجودها ولا مع عدمها ولا مع وجود علّتها وعدمها، أمّا إذا أخذت الماهية مع الوجود فإنّ نسبتها حينئذ إلى الوجود بالوجوب ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا، وإذا أخذت مع العدم فنسبتها إلى الوجود حينئذ يكون بالامتناع لا بالإمكان ويسمّى ذلك امتناعا لاحقا، وكلاهما يسمّى ضرورة بشرط المحمول، وإذا أخذت مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ويسمّى ذلك وجوبا سابقا وإذا اخذت مع عدم علتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة معدومة ويسمّى ذلك امتناعا سابقا. فكلّ وجود محفوف بوجوبين سابق ولاحق وكلاهما وجوب بالغير، وكلّ معدوم محفوف بامتناعين سابق ولاحق وكلاهما امتناع بالغير.
فائدة:
قال بعض المتكلّمين الواجب والقديم مترادفان لكنه ليس بمستقيم المقطع بتغاير المفهومين، إنّما النزاع في التساوي بحسب الصدق. فقيل القديم أعمّ لصدقه على صفات الواجب وبعض المتأخّرين كالإمام حميد الدين الضريري ومن تبعه صرّحوا بأنّ الواجب الوجود لذاته هو الله تعالى وصفاته، وأوّله البعض بأنّ معناه أن الصفات واجبة الواجب أي لا تفتقر إلى غير الذات، لكن هذا لا يوافق استدلالهم. بأنّ كلّ ما هو قديم لو لم يكن واجبا لذاته لكان جائز العدم في نفسه فيحتاج في وجوده إلى مخصّص فيكون محدثا، إذ لا نعني بالمحدث إلّا ما يتعلّق وجوده بإيجاد شيء آخر.
وقيل منشأ هذا القول إمّا التلبيس خوفا من القول بإمكان الصفات الموجب لحدوثها على أصلهم من أنّ كلّ ممكن حادث، وهو أن يقال لمّا كان الواجب لذاته بمعنيين الواجب بحقيقته بأن تكون ضرورة وجوده ناشئة من حقيقته، والواجب بموصوفه بأن تكون ضرورة وجوده ناشئة من اقتضاء موصوفه لوجوده واستقلاله به وضع أحدهما مكان الآخر في القول بأنّ الصفات واجبة لذواتها، حتى لو سئل هل الصفات واجبة لذواتها لم يكن للقائل أن يجيب عنه بنعم، ويظهر أمر التلبيس، وإمّا الالتباس بأن يقال لمّا كان اقتضاء الواجب وجوده جعل وجوده واجبا توهّم مثلا أنّ اقتضاء العلم مثلا يقتضي كون العلم واجبا، فرّق بينهما بأنّ اقتضاء الواجب وجوده لوجوب غذائه في وجوده عن وجود غيره، واقتضاؤه وجود العلم بوجوب احتياج العلم إلى وجود غيره انتهى.
فائدة:
الإمكان أيضا يقال على الممكن باعتبار ما له من الخواص الأولى احتياجه في وجوده إلى غيره، والثانية عدم اقتضاء ذاته وجوده أو عدمه، والثالثة ما به يمتاز ذات الممكن عن الغير فإمّا أن يراد بالإمكان بمعنى مصداق الحمل والمراد بالخاصتين الأوليين زيادة الوجود على الماهية فهما ترجعان إلى خصوصية الذات، ونحو تقرّرها على قياس الوجوب فكما أنّ الوجوب بمعنى مصداق الحمل نفس ذات الواجب كذلك الإمكان بهذا المعنى نفس ذات الممكن. وإمّا بالمعنى المصدري والحال في تغايرها وتلازمها كما عرفت في الوجوب، وهكذا الامتناع يطلق باعتبار الخواص على الممتنع، إلّا أنّه لا كمال في معرفته، ولذا تركوا بيانه. وأمّا الوجوب الشرعي فقد اختلفت العبارات في تفسيره، فقيل هو حكم بطلب فعل غير كفّ ينتهض تركه في جميع وقته سببا للعقاب، وذلك الفعل المطلوب يسمّى واجبا، فالوجوب قسم من الحكم والواجب قسم من الأفعال وما وقع في عبارة البعض من أنّ الواجب والمندوب ونحوهما أقسام للحكم ليس على ظاهر. فبقيد الطلب خرج الإباحة والوضع. وقوله غير كفّ يخرج الحرمة لأنّها أيضا طلب فعل لكنه فعل هو كفّ، وهذا إشارة إلى الخلاف الواقع بين الأصوليين من أنّ المراد بالنهي هو نفي الفعل أو فعل الضدّ، فقال أبو هاشم بالأول والأشعري بالثاني. وبالجملة فمن يقول بأنّ الكفّ فعل يعرف الوجوب بما مرّ والحرمة بأنّها حكم بطلب الكفّ عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببا للعقاب. وأمّا من يقول بأنّ الكفّ نفي فعل فيطرح من حدّ الوجوب قيد غير كفّ ويقول الوجوب حكم بطلب فعل ينتهض تركه الخ، والحرمة حكم بطلب نفي فعل ينتهض فعله سببا للعقاب، وكذا يخرج الكراهة لأنّها طلب كفّ لا فعل عند من يقول بأنّ الكفّ فعل، وأمّا عند من لا يقول به فيخرج بقيد ينتهض، إذ فعلها وتركها كلّ منهما لا ينتهض سببا للعقاب. ثم قوله ينتهض يخرج النّدب. وقوله في جميع وقته ليشتمل الحدّ الواجب الموسع إذ تركه ليس سببا للعقاب إلّا إذا ترك في جميع الوقت، وفيه أنّه لو لم يذكره لما لزم الخلل لأنّ انتهاض تركه سببا في الجملة لا يوجب انتهاضه دائما، فالواجب الموسع داخل فيه حينئذ أيضا. والمراد بسببية الفعل للثواب والعقاب أنّه من الأمارات الدّالة عليه والأسباب العادية له لا السبب الموجب له عقلا كما ذهب إليه الأشعري. قيل يلزم أن لا يكون الصوم واجبا لأنّ صوموا طلب لفعل هو كفّ. وأجيب بمنع كونه كفّا لأنّ جزءه أعني النية غير كفّ. قيل يرد عليه كفّ نفسك عن كذا فإنّه إيجاب ولا يصدق عليه أنّه طلب فعل غير كفّ ويصدق عليه أنّه طلب كفّ عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببا للعقاب مع أنّه ليس بتحريم. وأجيب بأنّ الحيثية معتبرة، فالمراد أنّ الوجوب طلب يعتبر من حيث تعلّقه بفعل والحرمة طلب يعتبر من حيث تعلّقه بكفّ عن فعل، فيكون اكفف عن فعل كذا من حيث تعلّقه بالكفّ إيجابا، وبالفعل المكفوف عنه تحريما، ولكنه حينئذ لم يكن قوله غير كفّ محتاجا إليه ويكفي أن يقال طلب فعل ينتهض تركه الخ، اللهم إلّا أن يقصد زيادة الوضوح والتنبيه.
اعلم أنّ الوجوب والإيجاب متحدان ذاتا مختلفان اعتبارا وقد سبق في لفظ الحكم. وقيل الواجب ما يعاقب تاركه، وردّ بأنّه يخرج عنه الواجب المعفو عن تركه. وقيل ما أوعد بالعقاب على تركه ليندفع ذلك لأنّ الخلف في الوعيد جائز وإن لم يجز في الوعد كما ذهب إليه بعض المتكلّمين. وأمّا عند من لم يجوّز ذلك فالنقض عنده بحاله. وقيل ما يخاف العقاب على تركه وهو مردود بما شكّ في وجوبه ولا يكون واجبا في نفسه فإنّه يخاف العقاب. وقال القاضي أبو بكر ما يذمّ شرعا تاركه بوجه ما، والمراد بالذمّ نصّ الشارع به أو بدليله إذ لا وجوب إلّا بالشرع، وقال بوجه ما ليدخل الواجب الموسع فإنّه يذمّ تاركه إذا تركه في جميع وقته لا في بعض الوقت، وكذا فرض الكفاية فإنّه يذمّ تاركه إذا لم يقم به غيره. ويرد عليه صلاة النّائم والناسي وصوم المسافر لأنّه يصدق على كلّ منها لأنّه يذمّ تاركه على تقدير عدم القضاء بعد التذكّر والتنبه والإقامة. وأجيب بأنّ المراد أنّه يذمّ تاركه من حيث إنّه تارك وباعتبار ذلك الترك وإلّا فيصدق على كلّ فعل أنّه يذم تاركه على تقدير تركك الفرض معه، وفي الصلاة المذكورة ليس الذمّ على ترك الصلاة حال النسيان والنوم والصوم حال السفر بل على ترك القضاء. وإن شئت الزيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ جميع التعاريف للمواجب بالمعنى الأعم الشامل للقطعي والظّنّي على ما ذهب إليه جمهور الأصوليين. وأمّا عند الحنفية القائلين بتخصيصه بالظّنّي فيقال الواجب ما ثبت بدليل ظنّي واستحقّ الذّمّ على تركه مطلقا من غير عذر، وقد سبق في لفظ الفرض. والواجب عند المعتزلة فيما يدرك جهة حسنه أو قبحه بالعقل هو ما اشتمل تركه على مفسدة وقد سبق في لفظ الحسن.
اعلم أنّهم قد يقولون نفس الوجوب وقد يقولون وجوب الأداء فلا بدّ من بيان الفرق، فنقول: الوجوب في عرف الفقهاء على اختلاف العبارات في تفسيره يرجع إلى كون الفعل بحيث يستحقّ تاركه الذّمّ في العاجل والعقاب في الآجل. فمن هاهنا ذهب جمهور الشافعية إلى أنّه لا معنى له إلّا لزوم الإتيان بالفعل وأنّه لا معنى للوجوب بدون وجوب الأداء، بمعنى الإتيان بالفعل أعمّ من الأداء والقضاء والإعادة، فإذا تحقّق السبب ووجد المحل من غير مانع تحقّق وجوب الأداء حتى يأثم تاركه ويجب عليه القضاء، وإن وجد في الوقت مانع شرعي أو عقلي من حيض أو نوم أو نحو ذلك فالوجوب يتأخّر إلى زمان ارتفاع المانع، وحينئذ افترقوا ثلاث فرق. فذهب الجمهور إلى أنّ الفعل في الزمان الثاني قضاء بناء على أنّ المعتبر في وجوب القضاء سبق الوجوب في الجملة لا سبق الوجوب على ذلك الشخص، فعلى هذا يكون فعل النائم والحائض ونحوهما قضاء. وبعضهم يعتبر سبق الوجوب عليه حتى لا يكون فعل النائم والحائض ونحوهما قضاء لعدم الوجوب عليهم بدليل الإجماع على جواز الترك.
وبعضهم يقول بالوجوب عليهم بمعنى انعقاد السبب وصلاحية المحل وتحقّق اللزوم لولا المانع ويسمّيه وجوبا بدون وجوب الأداء، وليس هذا إلّا تغيير عبارة بالنسبة إلى مذهب الحنفية لأنّ مرادهم بتحقّق اللزوم تحقّق لزوم الأداء لولا المانع، فإذا وجد المانع لم يتحقّق وجوب الأداء، وقد قالوا بالوجوب عليهم عند المانع. وأمّا الحنفية فذهب بعضهم إلى أنّه لا فرق بين الوجوب ووجوب الأداء في العبادات البدنية حتى أنّ الشيخ المحقّق أبا المعين بالغ في ردّه وادّعى أنّ استحالته غنية عن البيان. ثم قال إنّ الشارع أوجب على من مضى عليه الوقت وهو نائم مثلا بعد زوال النوم ما كان يوجبه في الوقت لولا النوم بشرائط مخصوصة، ولم يوجب ذلك في باب الصبي والكفر، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وأوجب الصوم على المريض والمسافر معلّقا باختيارهما الوقت تخفيفا ومرحمة، فإن اختار الأداء في الشهر كان الصوم واجبا فيه وإن أخّراه إلى الصحة والإقامة كان واجبا بعدهما، وهذا بخلاف الواجب المالي فإنّ فيه شيئين إذ الواجب هو المال والأداء فعل في ذلك المال، فيجب على الولي أداء ما وضع في ذمّة الصبي من المال كما لو وضع في بيت الصبي مال معيّن. وأما الذاهبون إلى الفرق فمنهم من اكتفى بالتمثيل فقال نفس وجوب الثمن بالبيع ووجوب الأداء بالمطالبة. وذهب صاحب الكشف إلى أنّ نفس الوجوب عبارة عن اشتغال الذمة بوجود الفعل الذهني ووجوب الأداء عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود الخارجي، ولا شكّ في تغايرهما. ولذا لا يتبدّل ذلك التصوّر بتبدّل الوجود الخارجي بالعدم بل يبقى على حاله، وكذا في المالي أصل الوجوب لزوم مال تصوّر في الذمة ووجوب الأداء إخراجه من العدم إلى الوجود الخارجي، إلّا أنّه لمّا لم يكن في وسع العبد ذلك أقيم مال آخر من جنسه مقامه في حقّ صحة الأداء والخروج عن العهدة وجعل كأنّه ذلك المال الواجب، وهذا معنى قولهم:
الدّيون تقضى بأمثالها لا بأعيانها، فظهر الفرق بين الفعل وأداء الفعل، هذا كلامه. والمراد بالفعل الذّهني أنّه أمر عقلي لا وجود له في الخارج لا أنّه شرط في اشتغال الذّمة به أن يتصوّره من عليه الوجوب أو غيره. وفي تفسير وجوب الأداء بالإخراج تسامح، والمراد لزوم الإخراج. وذهب صدر الــشريعة إلى أنّ نفس الوجوب هو اشتغال الذّمة بفعل أو مال ووجوب الأداء لزوم تفريغ الذمة عمّا اشتغلت به، وتحقيقه أنّ للفعل معنى مصدريا وهو الإيقاع ومعنى حاصلا بالمصدر وهو الحالة المخصوصة، فلزوم وقوع تلك الحالة هو نفس الوجوب ولزوم إيقاعها وإخراجها من العدم إلى الوجود هو وجوب الأداء، وكذا في المالي لزوم المال وثبوته في الذّمة نفس الوجوب ولزوم تسليمه إلى من له الحقّ وجوب الأداء، فالوجوب في كلّ منهما صفة لشيء آخر فافترقا في المعنى. ثم إنّهما يفترقان في الوجود أيضا.
أمّا في البدني فكما في صلاة النائم والناسي وصوم المسافر والمريض، فإنّ وقوع الحالة المخصوصة التي هي الصلاة والصوم لازم نظرا إلى وجود السبب وأهلية المحلّ وإيقاعها من هؤلاء غير لازم لعدم الخطاب وقيام المانع.
وأمّا في المالي فكما في الثمن إذا اشترى الرجل شيئا بثمن غير مشار إليه بالتعيين فإنّه يجب في الذمة الامتناع البيع بلا ثمن ولا يجب أداؤه إلّا بعد المطالبة. وإن شئت زيادة التوضيح فارجع إلى التوضيح والتلويح وحواشيه.

التقسيم:
للواجب تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار فاعله ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية. ففرض الكفاية واجب يحصل منه الغرض بفعل بعض المكلّفين، أيّ بعض كان، وفرض العين بخلافه، مثال الكفاية الجهاد فإنّ الغرض منه حراسة المؤمنين وإذلال العدو وإعلاء كلمة الحقّ وذلك حاصل بوجود الجهاد من أيّ فاعل كان، وكذا إقامة الحجج ودفع الشبه إذ الغرض منها حفظ قواعد الدين من أن تزلزلها شبه المبطلين، وحصوله لا يتوقّف إلّا من صدوره من فاعل ما، ومثل هذا لا يتعلّق بكلّ واحد من الأعيان بحيث لا يسقط بفعل البعض لاقتضائه إلى إلزام ما لا حاجة إليه، ولا ببعض معيّن لأدائه إلى الترجيح من غير مرجّح، فتعيّن أن يتعلّق وجوبه بالكلّ على وجه يسقط بفعل البعض أو يتعلّق ببعض غير معيّن. ومثال فرض العين الصلاة والصوم. وبالجملة ففرض العين ما وجب على كلّ واحد واحد من آحاد المكلّفين وفرض الكفاية ما وجب على بعض غير معيّن أو على الكلّ بحيث لو فعل البعض سقط عن الباقين. والثاني باعتبار نفسه إلى معيّن ومخيّر، فالمعيّن ما ثبت بالأمر بواحد معيّن كما يقال سلّ أو يقال أوجبت عليك الصلاة، والمخيّر ما ثبت بالأمر بواحد مبهم من أمور مبهمة ولا فائدة فيه أصلا. فالواجب واحد من تلك الأمور المبهمة يعيّنه فعل المكلّف ولا يعيّنه قوله بأن يقول عيّنت كذا وهذا هو مذهب الفقهاء. وذهب الجبّائي وابنه أنّ الكل واجب على التخيير وفسّره البعض بأنّه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به، وللمكلّف أن يختار أيا ما كان وهو بعينه مذهب الفقهاء، ولكنه ما ذهب إليه بعض المعتزلة من أنّه يثاب ويعاقب على كلّ واحد ولو أتى بواحد سقط عنه الباقي بناء على أنّ الواجب واحد معيّن عند الله دون المكلّف، ويسقط بفعله أي بفعل ذلك الواحد المعيّن أو بفعل غيره.
والثالث باعتبار وقته إلى مضيّق وموسّع فإنّ زمان الواجب إن كان مساويا له سمّي واجبا مضيّقا كالصوم ووقته يسمّى معيارا، وإن كان زائدا عليه يسمّى واجبا موسّعا كالظهر وقته يسمّى ظرفا، ولا يجوز كون الوقت ناقصا عنه إلّا لغرض القضاء، كما إذا طهرت وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فذهب الجمهور من الشافعية والحنفية والمتكلّمين إلى أنّ جميعه وقت للأداء.
وقال القاضي الباقلاني إنّ الواجب الفعل في كلّ جزء ما لم يتضيّق الوقت أو العزم على الفعل، لكن الفعل أصل، وإنّما يجوز تركه ببدل وهو العزم وآخره متعيّن للفعل. ومن الشافعية من عيّن أوله للأداء فإن أخّره فقضاء. ومن الحنفية من عكس وقال آخر الوقت متعيّن للأداء فإن قدّمه فهو نفل يسقط به الفرض كتعجيل الزكاة قبل وقوعها. والرابع باعتبار مقدّمة وجوده إلى مطلق ومقيّد، فالمطلق ما لا يتوقّف وجوبه على مقدّمة وجوده من حيث هو كذلك والمقيّد بخلافه، وفي اعتبار الحيثية إشارة إلى جواز كون الشيء واجبا مطلقا بالقياس إلى المقدّمة ومقيّدا بالقياس إلى أخرى، فإنّ الصلاة بل التكاليف بأسرها موقوفة على البلوغ والعقل فهي بالقياس إليهما مقيّدة، وأمّا بالإضافة إلى الطهارة فواجبة مطلقا. وقد فسّر الواجب المطلق بما يجب في كلّ وقت وعلى كلّ حال فنوقض بالصلاة، فزيد كلّ وقت قدّره الشارع فنوقض بصلاة الحائض، فزيد إلّا لمانع وهذا لا يشتمل غير المؤقتات ولا مثل الحج والزكاة في إيجاب ما يتوقّف عليه من الشروط والمقدّمات. وان شئت توضيح المقام فارجع إلى العضدي وحواشيه.
الوجوب: الشرعي ما يستحق تاركه الذم والعقاب.

النص

النص: ما ازداد وضوحا على الظاهر لمعنى في المتكلم، وهو سوق الكلام لأجل ذلك المعنى.
النص:
" الرواية الواردة عن الإمام "، فهو ما ينقل عن بعض أئمة القراء -القراء السبعة- من الأقوال في كيفية قراءة ما.
النصُّ: عند الأصوليين ما ازدادَ وضوحاً على الظاهر بمعنى في المتكلم وهو سوقُ الكلام لأجل ذلك المعنى، قيل: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما لا يحتمل التأويل، وأيضاً النَّصُّ من السير هو أرفع السير قال في الكليات: "النص أصلُه أن يتعدى بنفسه، لأن معناه الرفيع البالغ" ثم نقل في الاصطلاح إلى الكتاب والسنة وإلى ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً أو ما لا يحتمل التأويلَ. والنصّ قد يطلق على كلام مفهوم سواء كان ظاهراً أو نصّاً أو مفسّراً اعتباراً من الغالب لأن عامّة ما ورد من صاحب الــشريعة نصوص، وأيضاً يطلق النصوص على ما نصّه الفقهاءُ في كُتُبهم.

الناموس

الناموس: الشرع الذي شرعه الله.
الناموس: هُوَ الشَّرْع الَّذِي شَرعه الله تَعَالَى أَعنِي الْإِسْلَام كَمَا مر فِي الْإِسْلَام - والناموس الْأَكْبَر هُوَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
الناموس: هو الشرع الذي شرعه الله تعالى أعني الإسلامَ، والناموس الأكبر، هو جبريل عليه السلام ويطلق على الوحي، وأيضاً الناموسُ صاحب السرِّ الخير، والجاسوسُ: ضده أي صاحب السر الشر.
(الناموس) صَاحب سر الرجل وَالَّذِي يطلعه دون غَيره على بَاطِن أمره وَجِبْرِيل وَالْوَصِيّ والقانون أَو الــشَّرِيعَة (مو) والحاذق وَبَيت الصَّائِد يسْتَتر فِيهِ عَن الصَّيْد وَبَيت الراهب ومأوى الْأسد (ج) نواميس

المهايأة

المهايأة: قسمة المنافع على التعاقب والتناوب.
المهايأة:
[في الانكليزية] Deal agreed ،sharing of services
[ في الفرنسية] Affaire convenue ،partage des services
لغة مفاعلة من الهيئة وهي الحالة الظاهرة للمتهيّئ للشيء، والتّهايؤ تفاعل منها، وهي أن يتواضعوا على أمر فتراضوا به. وحقيقته أنّ كلّ واحد منهم رضي بهيئة واحدة ويختارها. يقال هايأ فلان فلانا، فالمهايأة مهموز اللام إمّا بهمزة غير مبدلة من الألف أو بهمزة مبدلة من الألف، كذا في المغرب. وشريعة عبارة عن قسمة المنافع وهي جائزة استحسانا. وتفصيل المسائل يطلب من جامع الرموز والبرجندي وغيرهما في كتاب القسمة. 

المفقود

المفقود: الغائب الذي لا يعرف موضعه، ولا يعلم حياته ولا موته.
المفقود:
[في الانكليزية] Lost ،missing
[ في الفرنسية] Perdu ،disparu
بالقاف يقال فقد الشيء إذا أضللته وفقدت الشيء إذا طلبته فلم تجد وشريعة غائب أي بعيد عن أهله لم يدر أثره لا موته ولا حياته ولا مكانه، كذا في جامع الرموز ومؤنّثه مفقودة.
ويقول أهل الرمل إذا كان شكل وفيه نقطة مطلوبة فإذا ضرب ذلك الشكل بصاحب رتبته فتلك النقطة لا تبقى ثابتة بل تزول. ويقال لتلك النقطة النقطة المفقودة. وهذا دليل على عدم استقرار المطلوب وعدم المراد منه. فمثلا:
المطلوب هو نار لحيان. ولحيان في أول رتبة.
فإذا ضرب في صاحب الرتبة (الخانه) الذي هو لحيان فالحاصل يكون جماعة يكون فيها بدلا من نقطة النار: زوج النار. هكذا في (السرخاب: ومعناه الماء الأحمر).

المسح

المسح: إمرار اليد على الشيء وإزالة الأثر عنه. وقد يستعمل في كل واحد منهما. والمسح في تعارف الشرع: إمرار اليد مبتلة بلا تسييل.
المسح:
[في الانكليزية] Rubbing ،anointing
[ في الفرنسية] Essuyage ،onction
بالفتح وسكون السين لغة إمرار اليد.
وشرعا إصابة اليد المبتلة العضو إمّا بللا يأخذه من الإناء أو بللا باقيا في اليد بعد غسل عضو من الأعضاء المغسولة، ولا يكفي البلل الباقي في يده بعد مسح عضو من الممسوحات ولا بلل يأخذه من بعض أعضائه، سواء كان ذلك العضو مغسولا أو ممسوحا كذا في مسح الوضوء ومسح الخفّ وفيه بحث، فإنّه ذكر شمس الأئمة في شرح المختصر: المسح لغة إمرار شيء بشيء كما في المقايس، وكذا في الــشريعة إلّا أنّ الإمرار شامل للحكمي. كما أنّ الشيء شامل للمبتل وغير اليد، فإنّه لو سقط خرقة مبتلّة على الرأس أو أصابه المطر أو دخل في إناء لأجزأه من المسح. وفي التلويح المسح المسّ بباطن الكفّ، هكذا في العارفية حاشية شرح الوقاية في بيان الوضوء.

الْخِتَان

(الْخِتَان) مَوضِع الْقطع من الذّكر وَالْأُنْثَى يُقَال برِئ ختانه والدعوة لشهود الْخِتَان
الْخِتَان: يَقُول أفضل الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره فِي شرح (الصِّرَاط الْمُسْتَقيم) محاججا على وجوب الْخِتَان، بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنَا بِاتِّبَاع مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام والمحقق وَالثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن ختان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ وَهُوَ فِي سنّ الثَّمَانِينَ وروى أَبُو دَاوُد أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر شخصا أسلم حَدِيثا أَن ينْزع عَنهُ شعر الْكفْر وَأَن يختتن. وَبِمَا أَن القلفة تحتفظ بِالنَّجَاسَةِ وتمنع صِحَة الصَّلَاة لذا وَجب إِزَالَتهَا.
وَقَالَ الإِمَام الْفَخر الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْحِكْمَة الشَّرْعِيَّة من الْخِتَان أَن الملاحظ عِنْدَمَا تكون الْحَشَفَة مغطاة بالقلفة تكون ناعمة واللذة فِيهَا قَوِيَّة عِنْد الْمُبَاشرَة، وعندما تقطع يصبح جلد القلفة سميكا وتقل عِنْدهَا اللَّذَّة. وبالإجمال فَإِن الإحساس واللمس بالشَّيْء المستورة أتم وأكمل مِنْهَا بالشَّيْء المكشوف. وَهَذَا مَا يُمكن أَن نستخلصه من حَالَة اللِّسَان والشفتين، وَهَذَا مَا يتوافق ويليق بشريعتنا لِأَنَّهَا شَرِيعَة الْوسط والاعتدال فِيمَا بَين الإفراط والتفريط فَإِنَّهَا تقلل وتعديل اللَّذَّة بالختان فَلَا تقطعها مُطلقًا وَلَا تتركها حد الإفراط. والختان يُوجب الِاعْتِدَال (انْتهى) . وَلَكِن مؤلف هَذَا الْكتاب يقدم لأولي الْأَلْبَاب أَن الْخِتَان يُؤَخر ويقلل من سرعَة الْإِنْزَال بِحَسب الطبيعة بِخِلَاف غير المختون الَّذِي يكون سريع الْإِنْزَال بِسَبَب اللَّذَّة الْكَامِلَة الناتجة من تماس جلدين أَي جلده (القلفة) وجانبي بَاطِن الْفرج، وَقد سَأَلت شخصا حَدِيث الْإِسْلَام وَهُوَ شخص كَانَت بيني وَبَينه مَوَدَّة وَلَا كلفة بَيْننَا عَن الْحَالَتَيْنِ، فَقَالَ عِنْدَمَا كنت غير مختون كَانَت لذتي عالية وَلَكِنِّي كنت سريع الْإِنْزَال وَهَذَا لم يكن يُرْضِي زَوْجَتي، وعندما اختتنت أصبح الْإِنْزَال عِنْدِي بطيئا وَهَذَا مَا أَرض زَوْجَتي. وَفِي شريعتنا إِذا مَا كَانَت نعْمَة اللَّذَّة الْكَامِلَة مفقودة فَإِن واهب العطيات قد أبدلنا عَن ذَلِك بالختان وَنعم الْبَدَل.
الْخِتَان: (ختنه كردن) وَهُوَ قطع الْجلد الزَّائِد على الْحَشَفَة. فِي الْيَنَابِيع وَإِن ولد وَهُوَ شَبيه المختون لَا يقطع مِنْهُ شَيْء. وَفِيه أَيْضا للْأَب أَن يختن وَلَده الصَّغِير ويداويه. وَفِي الظَّهِيرِيَّة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام شمس الْأَئِمَّة الحلوائي رَحمَه الله فِي الْخِتَان ثَلَاثَة أَقْوَال: (سنة) وَقَالَ بَعضهم (وَاجِب) وَقَالَ بَعضهم (فَرِيضَة) وَالصَّحِيح أَنه سنة لما رُوِيَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ختان الرِّجَال سنة وَالنِّسَاء مكرمَة وَكَانَت النِّسَاء يختن فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك مكرمَة لِأَن يكون ألذ للرجل على المواقعة. فِي كِفَايَة الشّعبِيّ قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يُؤَخر الْخِتَان إِلَى أَن يبلغ سبع سِنِين - وَقَالَ بَعضهم إِلَى عشر سِنِين. وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بِأَنَّهُ لَا يُوَقت وَلَكِن ينظر إِلَى حَال الصَّبِي فَإِن كَانَ بِهِ من الْقُوَّة مَا يُطيق ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر وَأما إِذا كَانَ ضَعِيفا فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى أَن يتقوى ثمَّ يختن. وَفِي آخر كنز الدقائق فِي مسَائِل شَتَّى وَوَقته أَي وَقت الْخِتَان سبع سِنِين أَي ابْتِدَاء وَقت الْخِتَان الْمُسْتَحبّ سبع سِنِين وَذكر فِي الذَّخِيرَة أقْصَى وَقت الْخِتَان اثْنَتَا عشرَة سنة. ثمَّ اعْلَم أَن ولد الْمُسلم يختن مَا لم يبلغ وَإِمَّا بعد الْبلُوغ فَلَا لِأَن الْخِتَان مسنون وَستر الْعَوْرَة فرض فِي حَقه فَفِي ختانه ترك الْفَرْض لتَحْصِيل السّنة بِخِلَاف من أسلم بعد كفره فَإِنَّهُ يجوز ختانه وَإِن كَانَ بَالغا صِيَانة عَن لُحُوقه بالكفار. ف (38) .

الصدْق

(الصدْق) الْكَامِل من كل شَيْء يُقَال رمح صدق مستو صلب وَرجل صدق اللِّقَاء ثَبت فِيهِ

(الصدْق) مُطَابقَة الْكَلَام للْوَاقِع بِحَسب اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم والصلابة والشدة وَيُقَال رجل صدق وَامْرَأَة صدق وَالْأَمر الصَّالح لَا شية فِيهِ من نقص أَو كذب وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق}
الصدْق: وَالتَّحْقِيق الْحقيق والتدقيق الأنيق مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول بقوله. قَوْله: وَذكر بَعضهم أَنه لَا فرق بَين النِّسْبَة فِي الْمركب الإخباري وَغَيره الْإِبَانَة إِلَى آخِره إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا أصلا إِلَّا فِي التَّعْبِير فَالْفرق بِوُجُوب علم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ التقييدية دون الإخبارية يُبطلهُ قطعا وَإِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. وَهَذَا مُنَاسِب لما مر من أَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب من خَواص الْخَبَر فِي الْمَشْهُور وَلَا يجْرِي فِي غَيره وكاف فِي إِثْبَات مَا قَصده من شُمُول الِاحْتِمَال للمركبات التقييدية والخبرية فَذَلِك الْفرق بَاطِل لَا طائل تَحْتَهُ لِأَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب فِي الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى نفس مَفْهُومه مُجَردا عَن اعْتِبَار حَال الْمُتَكَلّم والمخاطب بل عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَيْضا ليندرج فِي تَعْرِيفه الْأَخْبَار الَّتِي يتَعَيَّن صدقهَا أَو كذبهَا نظرا إِلَى خصوصياتها كَقَوْلِنَا النقيضان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان والضدان يَجْتَمِعَانِ.
فَإِن الأول يجب صدقه ويستحيل كذبه فِي الْوَاقِع وَعند الْعقل أَيْضا إِذا لاحظ مَفْهُومه الْمَخْصُوص. وَالثَّانِي: بِالْعَكْسِ لكنهما إِذا جردا عَن خصوصيتهما ولوحظ مَاهِيَّة مفهومهما أَعنِي ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ احتملا الصدْق وَالْكذب على السوية. فَإِذا قيل إِن المركبات التقييدية تحتملهما الْمركب الخبري كَانَ مَعْنَاهُ على قِيَاس الْخَبَر أَن النِّسْبَة التقيدية من حَيْثُ ماهيتها مُجَرّدَة عَن الْعَوَارِض والخصوصيات تحْتَمل الصدْق وَالْكذب. وَالظَّاهِر أَن كَون تِلْكَ النِّسْبَة مَعْلُومَة للمخاطب مِمَّا لَا مدْخل لَهُ فِي نفي ذَلِك الِاحْتِمَال فَإِن الْأَخْبَار البديهية مَعْلُومَة لكل وَاحِد مَعَ كَونهَا مُحْتَملَة لَهما وَكَذَلِكَ كَون معلومية تِلْكَ النّسَب مستفادة من نفس اللَّفْظ بِخِلَاف النِّسْبَة الخبرية فَإِن معلوميتها إِنَّمَا تستفاد من خَارج اللَّفْظ لَا يجدي نفعا فِيمَا نَحن بصدده لِأَن الْأَحْكَام الثَّابِتَة للماهيات من حَيْثُ ذواتها لَا تخْتَلف بتبدل أحوالها وَاخْتِلَاف عوارضها _ فَظهر بِمَا ذكرنَا أَن قَوْله وَظَاهر أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة من حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَة لَا تحْتَمل الصدْق وَالْكذب مِمَّا لَا يُغني من الْحق شَيْئا لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة من حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَة لَا تحتملها عِنْد الْعَالم بهَا فَمُسلم لَكِن الْمُدَّعِي أَن النِّسْبَة من حَيْثُ ذَاتهَا وماهيتها تحتملهما وَأَيْنَ أَحدهمَا من الآخر _ وَإِن أَرَادَ أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة للمخاطب لَا تحْتَمل الصدْق وَالْكذب أصلا فَهُوَ فَاسد لما مر بل الْحق أَن يُقَال إِن النِّسْبَة الذهنية فِي المركبات الخبرية تشعر من حَيْثُ هِيَ هِيَ بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا فَلذَلِك احتملت عِنْد الْعقل مطابقتها أَو لَا مطابقتها. (وَأما النِّسْبَة) فِي المركبات التقييدية فَلَا إِشْعَار لَهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا تطابقها أَو لَا تطابقها _ بل رُبمَا أشعرت بذلك من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى نِسْبَة خبرية بَيَان ذَلِك إِنَّك إِذا قلت زيد فَاضل فقد اعْتبرت بَينهمَا نِسْبَة ذهنية على وَجه تشعر بذاتها بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا وَهِي أَن الْفضل ثَابت لَهُ فِي نفس الْأَمر لَكِن النِّسْبَة الذهنية لَا تَسْتَلْزِم هَذِه الخارجية استلزاما عقليا فَإِن كَانَت النِّسْبَة الخارجية الْمشعر بهَا وَاقعَة كَانَت الأولى صَادِقَة وَإِلَّا فكاذبة. وَإِذا لاحظ الْعقل تِلْكَ النِّسْبَة الذهنية من حَيْثُ هِيَ جوز مَعهَا كلا الْأَمريْنِ على السوَاء وَهُوَ معنى الإحتمال. وَأما إِذا قلت يَا زيد الْفَاضِل فقد اعْتبرت بَينهمَا نِسْبَة ذهنية على وَجه لَا تشعر من حَيْثُ هِيَ بِأَن الْفضل ثَابت لَهُ فِي الْوَاقِع بل من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى معنى قَوْلك زيد فَاضل إِذْ الْمُتَبَادر إِلَى الأفهام أَن لَا يُوصف شَيْء إِلَّا بِمَا هُوَ ثَابت لَهُ فالنسبة الخبرية تشعر من حَيْثُ هِيَ بِمَا يُوصف بِاعْتِبَارِهِ بالمطابقة واللامطابقة أَي الصدْق وَالْكذب فَهِيَ من حَيْثُ هِيَ مُحْتَملَة لَهما.
وَأما التقييدية فَإِنَّهَا تُشِير إِلَى نِسْبَة خبرية والإنشائية تَسْتَلْزِم نِسْبَة خبرية فهما بذلك الِاعْتِبَار يحتملان الصدْق وَالْكذب. وَأما بِحَسب مفهوميتهما فكلا فصح أَن الْحق مَا هُوَ الْمَشْهُور من كَون الإحتمال من خَواص الْخَبَر انْتهى.
قَوْله: إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا أصلا. أَي إِن أَرَادَ نفي الْفرق مُطلقًا إِلَّا بِأَنَّهُ إِلَى آخِره فَحِينَئِذٍ يكون الْمُسْتَثْنى مُتَّصِلا.
قَوْله: وَإِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ أَي إِن أَرَادَ نفي الْفرق الْخَاص أَي الْفرق الَّذِي بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن قَوْله إِلَّا بِأَنَّهُ إِلَى آخِره يكون حِينَئِذٍ مُسْتَثْنى مُنْقَطِعًا وَالْقصر إضافيا.
قَوْله: وَهَذَا مُنَاسِب أَي حَال كَون هَذَا المُرَاد مناسبا لما مر إِلَى آخِره لِأَن غَرَض ذَلِك الْبَعْض إِثْبَات مَا هُوَ خلاف الْمَشْهُور فَعَلَيهِ أَن يُرِيد أَن بَينهمَا لَيْسَ فرقا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الصدْق وَالْكذب فَإِن الْمَشْهُور أَن بَينهمَا فرقا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فيهمَا.
قَوْله: فَذَلِك الْفرق جَزَاء الشَّرْط أَعنِي قَوْله وَإِن أَرَادَ أَي إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه فَذَلِك الْفرق بِوُجُوب علم الْمُخَاطب لَا طائل تَحْتَهُ فَإِن الْمُفِيد إِثْبَات الْفرق الَّذِي بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه.
قَوْله: لِأَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب يَعْنِي أَنه لَا يلْزم من الْفرق الَّذِي بَينه وَهُوَ وجوب علم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ فِي الْمركب التقييدي دون الخبري أَن يكون بَينهمَا فرق بِهِ يكون للمركب الخبري احْتِمَال الصدْق وَالْكذب دون التقييدي لِأَن الِاحْتِمَال وَعَدَمه لَيْسَ إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُوم الْخَبَر وَلَا مدْخل لعلم الْمُتَكَلّم والمخاطب فِيهِ _ وَكَذَا حَال الْمركب التقييدي بل عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَي بل مُجَردا عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَيْضا.
قَوْله: ليندرج فِي تَعْرِيفه أَي تَعْرِيف الْخَبَر.
قَوْله: فَإِذا قيل يَعْنِي لما ثَبت أَنه لَا دخل لعلم الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب فِي احْتِمَال الْخَبَر الصدْق أَو الْكَذِب بل الْخَبَر يحتملهما بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُومه مُجَردا عَن حَال الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب قَوْله: وَالظَّاهِر إِلَى آخِره يَعْنِي إِن قلت أَن بَينهمَا فرقا بِأَن النِّسْبَة التقييدية تكون مَعْلُومَة للمخاطب والخبرية مَجْهُولَة فَأَقُول وَالظَّاهِر إِلَى آخِره.
قَوْله: وَكَذَلِكَ كَون معلومية تِلْكَ النّسَب إِلَى آخِره يَعْنِي إِن قلت إِن بَينهمَا فرقا بِأَن معلومية النّسَب التقييدية مستفادة من نفس اللَّفْظ بِخِلَاف النِّسْبَة الخبرية. أَقُول: كَذَلِك كَون معلومية تِلْكَ النّسَب إِلَى آخِره.
قَوْله: فَإِن الْأَخْبَار البديهية إِلَى آخِره يَعْنِي لَو كَانَ لعلم الْمُخَاطب مدْخل فِي نفي ذَلِك الِاحْتِمَال لما كَانَت الْأَخْبَار البديهية مُحْتَملَة لَهما.
قَوْله: فِيمَا نَحن بصدده أَي من إِثْبَات الْفرق بَينهمَا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه.
قَوْله: لِأَن الْأَحْكَام الثَّابِتَة أَي كالاحتمال وَعَدَمه فِيمَا نَحن فِيهِ.
قَوْله: لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب أصلا أَي لَا من حَيْثُ إِنَّهَا مَعْلُومَة عِنْد الْعَالم بهَا وَلَا من حَيْثُ ذَاتهَا وماهياتها.
قَوْله: لما مر أَي من أَن الْأَخْبَار البديهية إِلَى آخِره.
قَوْله: فَلذَلِك احتملت أَي النِّسْبَة الذهنية.
قَوْله: مطابقتها أَو لَا مطابقتها أَي مُطَابقَة النِّسْبَة الذهنية لنسبة أُخْرَى خَارِجَة فَيكون للْخَبَر احْتِمَال الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الْمركب التقييدي.
قَوْله: رُبمَا أشعرت بذلك أَي بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا تطابقها أَو لَا تطابقها.
قَوْله: من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى نِسْبَة خبرية وَهِي تشعر بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا فالنسبة التقييدية من هَذِه الْحَيْثِيَّة تحْتَمل الْمُطَابقَة واللامطابقة.
قَوْله: والإنشائية تَسْتَلْزِم نِسْبَة خبرية لِأَن اضْرِب مثلا يسْتَلْزم قَوْلنَا اطلب مِنْك الضَّرْب أَو أَنْت مَأْمُور بِالضَّرْبِ _ هَذِه الْحَوَاشِي من تعليقاتي على تِلْكَ الْحَوَاشِي الشَّرِيفَة الشريفية وَلَا أَزِيد على هَذَا فِي إِظْهَار الصدْق وَبَيَانه _ وَللَّه در الصائب رَحمَه الله تَعَالَى.
شعر:
(إِن إِظْهَار الصدْق يبْعَث على الْعَذَاب ... فَإِذا مَا ارْتَفع قَول الْحق يصبح وَاقعا)
الصدْق: فِي اللُّغَة (راستي) وَخلاف الْكَذِب. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب التصوف الصدْق قَول الْحق فِي مَوَاطِن الْهَلَاك. وَقيل هُوَ إِن تصدق فِي مَوضِع لَا ينجيك عَنهُ إِلَّا الْكَذِب. وَقَالَ الْقشيرِي رَحمَه الله الصدْق أَن لَا يكون فِي أحوالك شوب وَلَا فِي اعتقادك ريب وَلَا فِي أعمالك عيب.
ثمَّ اعْلَم أَن الصدْق يُطلق على ثَلَاثَة معَان الأول الْحمل فَيُقَال هَذَا صَادِق عَلَيْهِ أَي مَحْمُول عَلَيْهِ وَالثَّانِي التحقق كَمَا يُقَال هَذَا صَادِق فِيهِ أَي مُتَحَقق وَالثَّالِث مَا يُقَابل الْكَذِب. وَفِي تعريفيهما اخْتِلَاف فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة الحكم للْوَاقِع وَكذب الْخَبَر عدم مُطَابقَة الحكم لَهُ. وَالْمرَاد بالواقع الْخَارِج وَالْخَارِج هَا هُنَا بِمَعْنى نفس الْأَمر فَالْمَعْنى أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكمه للنسبة الخارجية أَي نفس الأمرية وَكذبه عدم تِلْكَ الْمُطَابقَة. فَالْمُرَاد بالخارج فِي النِّسْبَة الخارجية نفس الْأَمر لَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول أَن المُرَاد بِهِ مَا يرادف الْأَعْيَان. وَمعنى كَون النِّسْبَة خارجية أَن الْخَارِج ظرف لنَفسهَا لَا لوجودها حَتَّى يرد أَن النِّسْبَة لكَونهَا من الْأُمُور الاعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج فَلَا يَصح توصيفها بالخارجية فَهِيَ كالوجود الْخَارِجِي فَإِن مَعْنَاهُ أَن الْخَارِج ظرف لنَفس الْوُجُود لَا لوُجُوده فَهِيَ أَمر خارجي لَا مَوْجُود خارجي كَمَا أَن الْوُجُود أَمر خارجي لَا مَوْجُود خارجي وَإِنَّمَا تركنَا هَذِه الْإِرَادَة لِأَنَّهَا لَا تجْرِي فِي النِّسْبَة الَّتِي أطرافها أُمُور ذهنية فَإِن الْخَارِج لَيْسَ ظرفا لأطرافها فضلا عَن أَن يكون ظرفا لَهَا فَيلْزم أَن لَا يكون الْأَخْبَار الدَّالَّة على تِلْكَ النِّسْبَة مَوْصُوفَة بِالصّدقِ لعدم الْخَارِج لمدلولاتها فضلا عَن الْمُطَابقَة فالخارج فِي النِّسْبَة الخارجية بِمَعْنى نفس الْأَمر.
وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الْخَارِج فِي قَوْلهم النِّسْبَة لَيست خارجية مَا يرادف الْأَعْيَان لَا بِمَعْنى نفس الْأَمر لِأَن النّسَب مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر. فَمَعْنَى أَن النِّسْبَة خارجية أَن الْخَارِج بِمَعْنى نفس الْأَمر ظرف لنَفسهَا. وَمعنى قَوْلهم النِّسْبَة لَيست خارجية أَن الْخَارِج بِمَعْنى الْأَعْيَان لَيْسَ ظرفا لوجودها هَذَا هُوَ التَّحْقِيق الْحقيق فِي هَذَا الْمقَام.
وَالْخَبَر عِنْدهم منحصر فِي الصَّادِق والكاذب. وَعند النظام من الْمُعْتَزلَة وَمن تَابعه صدق الْخَبَر عبارَة عَن مُطَابقَة حكم الْخَبَر لاعتقاد الْمخبر سَوَاء كَانَ ذَلِك الِاعْتِقَاد مطابقا للْوَاقِع أَو لَا. وَكذب الْخَبَر عدم مُطَابقَة حكمه لاعتقاد الْمخبر سَوَاء كَانَ مطابقا للْوَاقِع أَو لَا. وَالْمرَاد بالاعتقاد الحكم الذهْنِي الْجَازِم أَو الرَّاجِح فَيشْمَل الْيَقِين واعتقاد الْمُقَلّد وَالظَّن. وَهُوَ أَيْضا يَقُول بانحصار الْخَبَر فِي الصدْق وَالْكذب وَلَكِن لَا يخفى على المتدرب أَنه يلْزم أَن لَا يكون الْمَشْكُوك على مذْهبه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا لِأَن الشَّك عبارَة عَن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ والتردد فيهمَا من غير تَرْجِيح فَلَيْسَ فِيهِ اعْتِقَاد وَلَا جازم وَلَا رَاجِح فَلَا يكون صَادِقا وَلَا كَاذِبًا فَيلْزم من بَيَانه مَا لَا يَقُول بِهِ. والجاحظ من الْمُعْتَزلَة أنكر انحصار الْخَبَر فِي الصدْق وَالْكذب لِأَنَّهُ يَقُول إِن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكمه للْوَاقِع والاعتقاد جَمِيعًا وَالْكذب عدم مطابقته لَهما مَعَ الِاعْتِقَاد بِأَنَّهُ غير مُطَابق وَالْخَبَر الَّذِي لَا يكون كَذَلِك لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب عِنْده وَهُوَ الْوَاسِطَة بَينهمَا.
وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن غَرَضه ان الْخَبَر إِمَّا مُطَابق للْوَاقِع أَو لَا وكل مِنْهُمَا إِمَّا مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق أَو اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق أَو بِدُونِ ذَلِك الِاعْتِقَاد فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام. وَاحِد مِنْهَا صَادِق وَهُوَ المطابق للْوَاقِع مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق. وَوَاحِد كَاذِب وَهُوَ غير المطابق لَهُ مَعَ اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق. وَالْبَاقِي لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب. فَفِي الصدْق وَالْكذب ثَلَاثَة مَذَاهِب. مَذْهَب الْجُمْهُور، وَمذهب النظام، وَمذهب الجاحظ وَاتَّفَقُوا على انحصار الْخَبَر فِي الصَّادِق والكاذب خلافًا للجاحظ. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور لِأَن النظام تمسك بقوله تَعَالَى {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم أَنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فَإِنَّهُ تَعَالَى حكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم كاذبون فِي قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله مَعَ أَنه مُطَابق للْوَاقِع فَلَو كَانَ الصدْق عبارَة عَن مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع لما صَحَّ هَذَا.
وَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله بِسَنَدَيْنِ أَحدهمَا أَنه لم لَا يجوز أَن يكون رَاجعا إِلَى الْخَبَر الْكَاذِب الَّذِي تضمنه قَوْلهم نشْهد وَهُوَ أَن شهادتنا هَذِه من صميم الْقلب وخلوص الِاعْتِقَاد وَلَا شكّ أَن هَذَا الْخَبَر غير مُطَابق للْوَاقِع لكَوْنهم الْمُنَافِقين الَّذين يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم. اللَّهُمَّ احفظنا من شرور أَنْفُسنَا وأنفسهم.
وَالثَّانِي أَنه لم لَا يجوز أَن يكون التَّكْذِيب رَاجعا إِلَى الْخَبَر الْكَاذِب الَّذِي تضمنه قَوْلهم نشْهد أَيْضا لكنه هَا هُنَا هُوَ أَن أخبارنا هَذَا شَهَادَة مَعَ مواطأة الْقلب وموافقته - وَإِن سلمنَا أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله لَكنا نقُول إِنَّه رَاجع إِلَيْهِ بِاعْتِبَار أَنه مُخَالف للْوَاقِع فِي اعْتِقَادهم لَا لِأَنَّهُ مُخَالف لاعتقادهم حَتَّى ثَبت مَا ادَّعَاهُ النظام.
وَلَا يخفى عَلَيْك أَن التَّكْذِيب لَيْسَ براجع إِلَى نشْهد لِأَنَّهُ إنْشَاء - والصدق وَالْكذب من أَوْصَاف الْأَخْبَار لَا غير وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّه رَاجع إِلَى الْخَبَر الَّذِي تضمنه نشْهد فَافْهَم. وَالْجَوَاب القالع لأصل التَّمَسُّك أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى حلف الْمُنَافِقين وزعمهم أَنهم لم يَقُولُوا لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله. كَمَا يشْهد بِهِ شَأْن النُّزُول لما ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن زيد بن أَرقم أَنه قَالَ كنت فِي غزَاة فَسمِعت عبد الله بن أبي ابْن سلول يَقُول لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله وَلَو رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل. فَذكرت ذَلِك لِعَمِّي فَذكره للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فدعاني فَحَدَّثته فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا أَنهم مَا قَالُوا فَكَذبنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصدقه فَأَصَابَنِي هم لم يُصِبْنِي مثله قطّ فَجَلَست فِي الْبَيْت فَقَالَ لي عمي مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ومقتك فَأنْزل الله {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} الْآيَة فَبعث إِلَيّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَرَأَ فَقَالَ إِن الله صدقك يَا زيد انْتهى. اعْلَم أَن قَوْلهم لَا تنفقوا خطاب للْأَنْصَار أَي لَا تنفقوا على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين حَتَّى يَنْفضوا أَي يتفرقوا وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا نَازع أَنْصَارِيًّا فِي بعض الْغَزَوَات على مَاء فَضرب الْأَعرَابِي رَأسه بخشبة فَشَكا إِلَى ابْن أبي فَقَالَ {لَا تنفقوا} الْآيَة ثمَّ قَالَ وَلَو رَجعْنَا من عِنْده أَي من الْمَكَان الَّذِي فِيهِ مُحَمَّد الْآن إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل - أَرَادَ ذَلِك الْأَذَل بالأعز نَفسه وَبِالْأَذَلِّ جناب الرسَالَة الْأَعَز نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الجاحظ أَيْضا بَاطِل لِأَنَّهُ تمسك بقوله تَعَالَى {افترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} بِأَن الْكفَّار حصروا أَخْبَار النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالحشر والنشر فِي الافتراء وَالْأَخْبَار حَال الْجُنُون وَلَا شكّ أَنهم أَرَادوا بالأخبار حَال الْجُنُون غير الْكَذِب لأَنهم جعلُوا هَذَا الْأَخْبَار قسيم الْكَذِب إِذْ الْمَعْنى أكذب أم أخبر حَال الْجنَّة. وقسيم الشَّيْء يحب أَن يكون غَيره فَثَبت أَن هَذَا الْأَخْبَار غير الْكَذِب. وَأَيْضًا غير الصدْق عِنْدهم لأَنهم لم يُرِيدُوا بِهِ الصدْق لأَنهم لم يعتقدوا صدقه فَكيف يُرِيدُونَ صدقه. - وَالْجَوَاب أَن هَذَا التَّمَسُّك مَرْدُود. أما أَولا فَلِأَن هَذَا الترديد إِنَّمَا هُوَ بَين مُجَرّد الْكَذِب وَالْكذب مَعَ شناعة أُخْرَى. وَأما ثَانِيًا فَلِأَن هَذَا الترديد بَين الافتراء وَعَدَمه يَعْنِي افترى على الله كذبا أم لم يفتر لكِنهمْ عبروا عَن عدم الافتراء بِالْجنَّةِ لِأَن الْمَجْنُون يلْزمه أَن لَا افتراء لَهُ لِأَن الافتراء بِشَهَادَة أَئِمَّة اللُّغَة وَاسْتِعْمَال الْعَرَب عبارَة عَن الْكَذِب عَن عمد وَلَا عمد للمجنون فَذكرُوا الْمَلْزُوم وَأَرَادُوا اللَّازِم فَالثَّانِي أَعنِي أم بِهِ جنَّة لَيْسَ قسيما للكذب بل هُوَ قسيم لما هُوَ أخص من الْكَذِب أَعنِي الافتراء فَيكون هَذَا حصرا للْخَبَر الْكَاذِب فِي نوعيه أَعنِي الْكَذِب من عمد وَالْكذب لَا عَن عمد.
وَاعْلَم إِن افترى بِفَتْح الْهمزَة أَصله افترى بهمزتين أَولهمَا استفهامية مَفْتُوحَة وَالثَّانيَِة همزَة وصل مَكْسُورَة حذفت الثَّانِيَة للتَّخْفِيف وأبقيت الأولى لِأَنَّهَا عَلامَة الِاسْتِفْهَام بِخِلَاف الثَّانِيَة فَإِنَّهَا همزَة الْوَصْل. وَقد يُطلق الصدْق على الْخَبَر المطابق للْوَاقِع وَالْكذب على الْخَبَر الْغَيْر المطابق لَهُ. فَإِن قلت، إِن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب من خَواص الْخَبَر أم يجْرِي فِي غَيره أَيْضا من المركبات، قلت لَا يجْرِي ذَلِك فِي الِاحْتِمَال فِي المركبات الإنشائية بالِاتِّفَاقِ.
وَأما فِي غَيرهَا فَعِنْدَ الْجُمْهُور أَنه من خَواص الْخَبَر لَا يجْرِي فِي غَيره من المركبات التقييدية وَذكر صدر الــشَّرِيعَة رَحمَه الله أَنه يجْرِي فِي الْأَخْبَار والمركبات التقييدية جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا فرق بَين النِّسْبَة فِي الْمركب الإخباري والتقييدي إِلَّا بالتعبير عَنْهَا بِكَلَام تَامّ فِي الْمركب الإخباري كَقَوْلِنَا زيد إِنْسَان أَو فرس. وبكلام غير تَامّ فِي الْمركب التقييدي كَمَا فِي قَوْلنَا يَا زيد الْإِنْسَان أَو الْفرس وأيا مَا كَانَ فالمركب إِمَّا مُطَابق فَيكون صَادِقا أَو غير مُطَابق فَيكون كَاذِبًا فيا زيد الْإِنْسَان صَادِق وَيَا زيد الْفرس كَاذِب وَيَا زيد الْفَاضِل مُحْتَمل. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور بِالنَّقْلِ وَالْعقل. أما الأول فَمَا ذكره الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى أَن الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا يتوجهان إِلَى مَا قصد الْمُتَكَلّم إثْبَاته أَو نَفْيه وَالنِّسْبَة التقييدية لَيست كَذَلِك. وَأما الثَّانِي فَإِن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي النِّسْبَة المجهولة وَعلم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ فِي الْمركب التقييدي دون الإخباري وَاجِب بِالْإِجْمَاع.
.
صدق الْمُشْتَقّ على شَيْء يسْتَلْزم ثُبُوت مَأْخَذ الِاشْتِقَاق لَهُ: لِأَن لفظ الْمُشْتَقّ مَوْضُوع بِإِزَاءِ ذَات مَا مَوْصُوف بمأخذ الِاشْتِقَاق فَلهَذَا صَار حمل الِاشْتِقَاق فِي قُوَّة حمل التَّرْكِيب أَعنِي حمل هُوَ ذُو هُوَ. وَالْجَوَاب عَن المغالطة بِالْمَاءِ المشمس وَالْإِمَام الْحداد وأضح بِأَدْنَى تَأمل. فَإِن مَأْخَذ المشمس هُوَ التشميس الَّذِي هُوَ مصدر مَجْهُول من التفعيل لَا الشَّمْس والحداد الَّذِي بِمَعْنى صانع الْحَدِيد مأخذه مَا هُوَ بِمَعْنى صنع الْحَدِيد لَا الْحَدِيد بِمَعْنى (آهن) مَعَ أَن الْكَلَام فِي الْمُشْتَقّ الْحَقِيقِيّ لَا الصناعي. وَتَقْرِير المغالطة أَن المشمس مُشْتَقّ صَادِق على المَاء ومأخذه وَهُوَ الشَّمْس لَيْسَ بِثَابِت لَهُ وَكَذَا الْحداد مُشْتَقّ يصدق على ذَات مَا وَلَا يَتَّصِف بمأخذه وَهُوَ الْحَدِيد.
صدق الْمُشْتَقّ على مَا يصدق عَلَيْهِ الْمُشْتَقّ الآخر لَا يسْتَلْزم صدق المبدأ على المبدأ: فَإِن الضاحك والمتعجب يصدقان على الْإِنْسَان وَلَا يصدق الضحك على التَّعَجُّب. نعم إِذا كَانَ بَين المبدئين ترادف واتحاد فِي الْمَفْهُوم يسْتَلْزم الصدْق الأول الصدْق الثَّانِي كالتفسير والتبيين أَو كَانَ أحد المشتقين بِمَنْزِلَة الْجِنْس للْآخر كالمتحرك والماشي فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال الْمَشْي حَرَكَة مَخْصُوصَة فَافْهَم.

الْوَقْف

(الْوَقْف) فِي الْقِرَاءَة قطع الْكَلِمَة عَمَّا بعْدهَا و (عِنْد الْفُقَهَاء) حبس الْعين على ملك الْوَاقِف أَو على ملك الله تَعَالَى وسوار من عاج والخلخال من فضَّة أَو ذبل وَأكْثر مَا يكون من الذبل وَمَا يستدير بحافة الترس من قرن أَو حَدِيد وَشبهه (ج) وقُوف
الْوَقْف: مصدر وَقفه أَي حَبسه فَهُوَ وَاقِف وهم وقُوف وَذَاكَ مَوْقُوف وَقد يُطلق على الْمَوْقُوف تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ فَيجمع على الْأَوْقَاف وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَلَا يتَعَدَّى فَلَا يُقَال أوقفهُ إِلَّا على لُغَة ردية كَمَا فِي الْمغرب.
وَفِي الــشَّرِيعَة عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هُوَ حبس الْعين بالْقَوْل حَال كَونهَا مقتصرة على ملك الْوَاقِف والتصديق بِالْمَنْفَعَةِ على الْفُقَرَاء أَو على وَجه من وَجه الْخَيْر. وَالْمرَاد بحبسها ومنعها على ملك الْوَاقِف أَن لَا يتَجَاوَز إِلَى ملك غَيره من الْعباد فَلَا يشكل بوقف الْمَسْجِد فَإِنَّهُ حبس على ملك الله تَعَالَى بِالْإِجْمَاع وَملك الْوَاقِف عَن الْمَوْقُوف إِنَّمَا يَزُول بِقَضَاء القَاضِي بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إِلَى يَد مَالك من الْخلق. وَلَا يتم الْوَقْف حَتَّى يقبض الْمُتَوَلِي ويفرز وَيجْعَل آخِره بِجِهَة لَا تَنْقَطِع أَي على طَريقَة لَا تَنْقَطِع تِلْكَ الطَّرِيقَة بِأَن يَقُول وقفت على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين لَا على أَوْلَاده فَإِنَّهُم ينقطعون. وَإِنَّمَا قُلْنَا بالْقَوْل لِأَنَّهُ لَو كتب صُورَة الوقفية على الشَّرَائِط بِلَا تلفظ لم تصر وَقفا بالِاتِّفَاقِ. وَصُورَة حكم الْحَاكِم مَا ذكره فِي فَتَاوَى قَاضِي خَان وَهِي أَن يسلم الْوَاقِف مَا وَقفه إِلَى الْمُتَوَلِي ثمَّ يُرِيد أَن يرجع عَنهُ فنازعه بعلة اللُّزُوم فيختصمان إِلَى القَاضِي فَقضى القَاضِي بلزومه. -

وَالْوَقْف عِنْد عُلَمَاء الصّرْف: قطع الْكَلِمَة عَمَّا بعْدهَا أَي على تَقْدِير أَن يكون بعْدهَا شَيْء وَإِنَّمَا فسرناه بِهَذَا لِأَنَّهُ قد يقف وَلَا يكون بعد ذَلِك شَيْء - وَقَالَ بَعضهم الْوَقْف قطع الْكَلِمَة عَن الْحَرَكَة. وَأورد عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بواضح لِأَنَّهُ قد لَا يكون متحركا وَجَوَاب هَذَا يحصل بتفسيره بِمثل مَا مر أَي على تَقْدِير أَن يكون متحركا.
ثمَّ اعْلَم أَن الْوَقْف ضد الِابْتِدَاء فَيجب أَن يكون علامته ضد عَلامَة الِابْتِدَاء فَلَو وقفت على متحرك كَانَ خطأ بل الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَا يكون إِلَّا سَاكِنا أَو فِي حكمه إِلَّا أَن الِابْتِدَاء بالمتحرك ضَرُورِيّ لما بَين فِي الِابْتِدَاء بالساكن. وَالْوَقْف على السَّاكِن استحساني عِنْد كلال اللِّسَان من ترادف الْأَلْفَاظ والحروف - والحركات.
وَفِي كتب التجويد أَن الْوَقْف فِي الْقِرَاءَة عبارَة من قطع الصَّوْت زَمَانا بِمِقْدَار التنفس عَادَة بنية اسْتِئْنَاف الْقِرَاءَة وَهُوَ على أَرْبَعَة أَقسَام - تَامّ - وكاف - وَحسن - وقبيح - أما التَّام فَهُوَ مَا يكون على الْكَلَام المقطع عَمَّا بعده وَذَلِكَ يُوجد غَالِبا فِي أَوَاخِر الْقَصَص كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} . فَإِنَّهُ آخر قصَّة الْمُتَّقِينَ وَقَوله تَعَالَى: {وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} . فَإِنَّهُ آخر قصَّة الْكَافرين - وَقَوله تَعَالَى: {مَالك يَوْم الدّين} . فَإِنَّهُ آخر صِفَات الله تَعَالَى - وَقد يُوجد فِي رُؤُوس الْآي كَمَا مر وَقبل رؤوسها وَبعد رؤوسها كَقَوْلِه تَعَالَى: حِكَايَة عَن بلقيس {وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} . هُوَ التَّام. ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى: تقريرا لكلامها {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . وَهَذَا هُوَ رَأس الْآيَة - وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين} . هَذَا هُوَ رَأس الْآيَة وبالليل. هَذَا هُوَ التَّام.
وَأما الْكَافِي فَهُوَ مَا يكون على الْكَلَام الْمُتَعَلّق بِمَا بعده فِي الْمَعْنى وَيُرَاد بِهِ التَّفْسِير وَذَلِكَ يُوجد فِي رَأس الْآيَة وَغير رَأسهَا كَمَا تَقول فِي مِثَال رَأس الْآيَة {أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} . فالوقف على قَوْله تَعَالَى: {لَا يُؤمنُونَ} كَاف لِأَنَّهُ مُتَعَلق بقوله تَعَالَى: {ختم الله} . من حَيْثُ الْمَعْنى. وَتقول فِي مِثَال غير رَأس الْآيَة {وآمنوا بِمَا أنزلت مُصدقا لما مَعكُمْ} - فالوقف على قَوْله تَعَالَى: {لما مَعكُمْ} كَاف لِأَنَّهُ مُتَعَلق بقوله تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} . فِي الْمَعْنى وَيجوز الْوَقْف على هذَيْن النَّوْعَيْنِ والابتداء بِمَا بعدهمَا.
وَأما الْحسن فَهُوَ مَا يكون على الْكَلَام الْمُتَعَلّق بِمَا بعده فِي اللَّفْظ وَأُرِيد بِهِ الْإِعْرَاب وَيُسمى هَذَا الْقسم حسنا لِأَنَّهُ يُوجد على الْكَلَام يفهم مِنْهُ معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ. وَهَذَا النَّوْع يُوجد فِي رَأس الْآيَة وَغير رَأسهَا فَإِن وجد فِي رَأس الْآيَة يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده فَيجوز للقارئ أَن يقف على قَوْله تَعَالَى: {رب العلمين} ويبتدئ بقوله تَعَالَى: {الرَّحْمَن} وَكَذَلِكَ يقف على قَوْله تَعَالَى: {الرَّحِيم} ويبتدئ بقوله: {مَالك يَوْم الدّين} . وَأَيْضًا يقف على قَوْله: {هدى لِلْمُتقين} ويبتدئ بقوله تَعَالَى: {الَّذين يُؤمنُونَ} وَمَا أشبه ذَلِك. وَإِن وجد فِي غير رَأس الْآيَة نَحْو: {بِسم الله} {وَالْحَمْد لله وَسبح اسْم رَبك} . جَازَ الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يجوز الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَإِنَّمَا جَازَ الْوَقْف على رَأس الْآي والابتداء بِمَا يعقبها وَإِن كَانَت مُتَعَلقَة بِمَا بعْدهَا فِي اللَّفْظ لما رُوِيَ عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَرَأَ قطع قِرَاءَته آيَة آيَة فَيَقُول: {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} . ثمَّ يقف. {الْحَمد لله رب العلمين} . ثمَّ يقف. {الرَّحْمَن الرَّحِيم} . ثمَّ يقف. {مَالك يَوْم الدّين} . ثمَّ يقف هَكَذَا.وَأما الْقَبِيح فَهُوَ وقُوف الْقَارئ على القَوْل دون الْمَقُول نَحْو قَالَ إِنِّي عبد الله وعَلى الشَّرْط دون الْجَواب نَحْو وَمَا تَفعلُوا من خير. وعَلى اسْم أَن دون خَبَرهَا نَحْو إِن الله. وعَلى اسْم كَانَ دون خَبَرهَا نَحْو وَكَانَ الله - وعَلى الْمُبْتَدَأ دون خَبره نَحْو الْحَمد من قَوْله تَعَالَى: {الْحَمد لله} وَمَا أشبه ذَلِك فَلَا يكون الْوَقْف على شَيْء من ذَلِك اخْتِيَارا - فَإِن اضْطر الْقَارئ ووقف على شَيْء عَن ذَلِك أعَاد الْكَلَام وَوصل بعضه بِبَعْض.
وَاعْلَم أَن للْوَقْف عَلَامَات فِي الْمُصحف الْمجِيد فالميم (م) عَلامَة الْوَقْف اللَّازِم والوصل عِنْده فِي بعض الْمَوَاضِع يُوجب تغير الْمَعْنى بل يُفْضِي إِلَى الْكفْر وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّاعِر:
(مِيم وقف لَازم است مكذر ازو ... كرّ كذشتى بيم كفراست اندرو)

كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّهُم أَصْحَاب النَّار (م} الَّذين يحملون الْعَرْش} . فَمن لم يقف على قَوْله تَعَالَى: {النَّار} وَوصل الَّذين يكون الْمَوْصُول مَعَ صلته صفة لقَوْله: {أَصْحَاب النَّار} وَهُوَ بَاطِل. والطاء (ط) عَلامَة الْوَقْف الْمُطلق غير الْمُقَيد بِكُل وَاحِد من اللُّزُوم وَالْجَوَاز والرخصة وَغَيرهَا. وَهَذَا الْوَقْف يكون فِي آخر الْكَلَام الَّذِي إِن قطع عَمَّا بعده فمستحسن وثواب. وَإِن وصل بِهِ لَا يُغير الْمَعْنى. والوقفة (وَقْفَة) بِالتَّاءِ عَلامَة الْقطع. وَالْحَلقَة المدروة (هـ) تعبر بِالْآيَةِ مثله إِن لم يكن مَعهَا شَيْء وَإِذا كَانَت مَعهَا (لَا) فالوجهان الْوَصْل وَالْوَقْف لَكِن الأول أفضل - وَإِذا كَانَ مَعهَا شَيْء من الْجِيم (ج) وَالزَّاي (ز) وَالْمِيم (م) وَالصَّاد (ص) وَغَيرهَا فَهِيَ تَابِعَة لَهُ فِي حكمه وَكلمَة (قف) عَلامَة الْوَقْف بِخِلَاف (صلى) فَإِنَّهُ عَلامَة أَن الْوَصْل أولى. وَالْجِيم (ج) فِيهِ وَجْهَان الْوَقْف والوصل إِلَّا أَن الأول أولى - الزَّاي (ز) يجوز عِنْده الْوَقْف والوصل لَكِن الثَّانِي أفضل - وَالصَّاد (ص) عَلامَة المرخص يَعْنِي رخص الْقَارئ فِي الْوَقْف عِنْده للضَّرُورَة - وَالْقَاف (ق) عَلامَة قيل لِأَن بعض الْقُرَّاء يقفون عِنْده لَا الْجُمْهُور فالوصل عِنْده أنسب بِخِلَاف (فَلَا) فَإِن أَكْثَرهم يقفون عِنْده فالوقف عِنْده أولى. وَالْوَقْف بِغَيْر التَّاء (وقف) وَالسِّين (س) كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلامَة السكتة وَهِي عبارَة عَن قطع الصَّوْت زَمَانا دون زمَان الْوَقْف عَادَة من غير التنفس. وَإِذا وجدت كلمة (لَا) فَقَط فالوصل وَاجِب. وَمن وقف عِنْده يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة بالوصل من رَأس الْآيَة الَّتِي مِنْهَا كلمة (لَا) و (الْكَاف) (ك) بِمَعْنى كَذَلِك. فَحكمهَا كَحكم الْوَقْف الَّذِي مر قبلهَا (وَكلمَة) صل بِغَيْر الْيَاء عَلامَة أَنه قد يُوصل فَيجوز الْوَقْف عِنْده.
وَالْوَقْف فِي الْعرُوض إسكان الْحَرْف السَّابِع المتحرك.

المعونة

(المعونة) العون والإعانة يُقَال لَا تبخلوا بمعونتكم (ج) معاون
المعونة: وَيُقَال لَهَا الْإِعَانَة أَيْضا. وتحقيقها فِي الخارق للْعَادَة.
المعونة:
[في الانكليزية] Supernatural ،prodigy
[ في الفرنسية] Surnaturel ،prodige
هي في الــشريعة أمر خارق للعادة يظهر على يد عوام المؤمنين كما في الشمائل المحمدية، وقد سبق في لفظ الخارق.

الْوَدِيعَة

(الْوَدِيعَة) مَا استودع (ج) ودائع
الْوَدِيعَة: فِي اللُّغَة فعيلة بِمَعْنى الْمَفْعُول من الودع وَهُوَ التّرْك. وَمِنْه التوديع عِنْد السّفر وَالِاسْم الْوَدَاع بِالْفَتْح - وَللَّه در الشَّاعِر.
(بكذار تا بكريم جون ابر نو بهاران ... كز سنكك كريه خيزد وَقت وداع ياران)
وَمن المصائب الْعَظِيمَة فِي الدُّنْيَا مهاجرة الأحباب ووداع الْأَطْفَال وخلص الْأَصْحَاب. يَا جَامع المتفرقين احفظني وَسَائِر ذَوي الْحَيَاة من هَذَا الْبلَاء - نعم مَا قَالَ الصائب.
(جدائي مُشكل است ازدشمن جَان سوز اكرباشد ... )
(سبند جون دور از اتش شود ازوى صدا خيزد ... )
والوديعة فِي الــشَّرِيعَة أَمَانَة دفعت إِلَى الْغَيْر للْحِفْظ - وَالْأَمَانَة جنس يعم الْوَدِيعَة وَغَيرهَا لاعْتِبَار الاستحفاظ فِي الْوَدِيعَة دون الْأَمَانَة. فَلَو ألْقى الرّيح ثوب وَاحِد فِي حجر آخر فَهُوَ أَمَانَة دون وَدِيعَة - وَقَوْلهمْ دفعت إِلَى الْغَيْر للْحِفْظ احْتِرَازًا عَن مثل ذَلِك. فالوديعة أخص من الْأَمَانَة فَكل وَدِيعَة أَمَانَة دون الْعَكْس كَيفَ فَإِن الْوَدِيعَة تسليط الْغَيْر على حفظ مَاله.
وَالْأَمَانَة حفظ المَال بِلَا تصرف فِيهِ سَوَاء كَانَ مَاله أَو مَال غَيره سَوَاء سلطه عَلَيْهِ أَو لَا.

النكرَة تَحت النَّفْي تفِيد الْعُمُوم

النكرَة تَحت النَّفْي تفِيد الْعُمُوم: لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لفرد منتشر وانتفاؤه إِنَّمَا يحصل بِانْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد. وَلِهَذَا قَالُوا إِن النكرَة المنفية خَاصَّة بِحَسب الْوَضع وَلذَا لَا تعم فِي الْإِثْبَات وعمومها عَقْلِي ضَرُورِيّ.
ثمَّ اعْلَم أَن الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى النكرَة الْوَاقِعَة فِي سِيَاق النَّفْي لَا يجب أَن يكون رَاجعا إِلَيْهَا من حَيْثُ عمومها. أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت لَا رجل فِي الدَّار وَإِنَّمَا هُوَ على السَّطْح لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون جَمِيع الْعَالم على السَّطْح. حَتَّى يكون صَادِقا إِذْ يصدق بِوُجُود وَاحِد من الرِّجَال على السَّطْح. وَالتَّحْقِيق عِنْدِي أَن الضَّمِير إِن كَانَ فِي جملَة وَقعت النكرَة المنفية فِيهَا يجب حِينَئِذٍ رُجُوعه إِلَيْهَا من حَيْثُ عمومها وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون فِي سِيَاق النَّفْي كوقوع النكرَة فِيهِ فَيعم أَيْضا فَافْهَم. فَإِن قيل كَون النكرَة المنفية خَاصَّة بِحَسب الْوَضع مُخَالف لكتب الْأُصُول لِأَن النكرَة المنفية عَامَّة بِحَسب الْوَضع عِنْد الْأَوليين. أَلا ترى أَن صدر الــشَّرِيعَة رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي التَّوْضِيح إِن الْعَام لفظ وضع لكثير غير مَحْصُور مُسْتَغْرق لجَمِيع مَا يصلح لَهُ ثمَّ عد النكرَة المنفية من الْعَام نَحْو لَا يَأْكُل رَأْسا قُلْنَا المُرَاد أَن النكرَة خَاصَّة بِحَسب الْوَضع الشخصي وَهُوَ لَا يُنَافِي كَونهَا عَامَّة بِحَسب الْوَضع النوعي الْمجَازِي ضَرُورَة أَن دلالتها بِوَاسِطَة قرينَة وَهِي الْوُقُوع فِي سِيَاق النَّفْي والوضع فِي تَعْرِيف الْعَام أَعم من الشخصي والنوعي فَيشْمَل النكرَة المنفية أَيْضا كَمَا صرح بِهَذَا الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح. 
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.