Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: سرور

الْأَعْصَار

الْأَعْصَار: وَيُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ (كردباد) وبالهندية (بهكولا) . نعم النَّاظِم:
(دخل اللابس الْأَحْمَر إِلَى الْوسط وَبَدَأَ بالرقص ... )
(أعصار من تُرَاب الشُّهَدَاء ارْتَفع ... )
نعم النَّاظِم:
(اللابسون للثياب الْخضر كَأَنَّهُمْ صور من الْبشر ... )
(بِحَمْد الله أَن مرادي من الْأَخْضَر أصبح نخيلا ... )
وَقَرِيب من هَذَا تحضرني قصَّة، كنت يَوْمًا مَعَ بعض طلبة الْعلم من الأصدقاء وَالْأَصْحَاب نتنزه باتجاه حديقة (فَرح نجش) الْوَاقِعَة إِلَى الْجِهَة الجنوبية من (أَحْمد نكر) ووصلنا إِلَى قرب مستنقع المَاء فِيهَا بِكُل نشاط وسرور وكل وَاحِد منا أَخذ يتَذَكَّر وَطنه وهواءه ويفرغ هموم الغربة وَالْهجْرَة عَن كَاهِله وَكَانَت مياه هَذَا المستنقع صَافِيَة وثمار الْمَوْسِم ناضجة، فَجْأَة قَامَ إعصار وَبَدَأَ يرقص ويهز مَا حولنا، وَوصل إِلَى مياه المستنقع الَّتِي بدأت تَدور على نَفسهَا وترتفع وتهبط متعاقبة حَتَّى لتصل إِلَى ارْتِفَاع المنارة ويشاهدها الناظرون وَلما خَافَ وارتعب الجالسون انفض مَجْلِسنَا وَنحن نذرف الدُّمُوع وَالْحَسْرَة على ذَلِك. وأصبحت كلما ذهبت إِلَى تِلْكَ الحديقة أَتَذكر بحرارة هَؤُلَاءِ الأصدقاء متألما مستشهدا بِهَذَا الْبَيْت من الشّعْر:
(أَلا أيتها الحديقة قولي إِذا كنت صَادِقَة ... )
(إِذا كنت حديقة كتلك الحديقة فَأَيْنَ أَصْحَابِي لَا أَرَاهُم ... )

المسمّط

المسمّط:
[في الانكليزية] Play in prosody
[ في الفرنسية] Jeu en Prosodie
وهو مشتقّ من التّسميط، وهو في اللغة نظم اللؤلؤ. وفي الصنائع الشعرية هو أن يقول الشاعر عدة مصاريع متفقة في الوزن والقافية، ثم يأتي في المصراع الأخير بالقافية الأصلية التي يبني الشعر عليها، سواء كانت القافية الأصلية موافقة لقافية المطلع أوّلا. وهذه المصاريع ينظمها على نحو معيّن ثم يذكر أبياتا أخرى بعدها موافقة لها في الوزن دون القافية ما عدا المصراع الأخير الذي يجب أن يوافق القافية الأصلية الأولى، وهكذا حتى يتمّ الشّعر. ولا يقلّ عدد كلّ مسمّط عن أربعة أبيات ولا يزيد عن عشرة حتى لا يفقد لطافته. وعلى هذا التقدير فالمسمّط يمكن أن يكون سبعة أقسام:
مربعا أو مخمسا أو مسدسا أو مسبعا أو مثمنا أو متسعا أو معشرا.

ومثال المسمّط المربع وترجمته:
يا من لشفتك الحمراء طعم السّكر ويا من لوجهك الجميل نور القمر.
ويا من قامتك الممشوقة شجرة سرو أخرى لقد اضطرب بالى بالنظر إلى الثلاثة.

ومثال السمط الثاني:
لا يوجد للسّكر الموجود في العالم حلاوة شفتك ولا ينير القمر في السّماء مثلك ولا يطلع السّرو مثلك في البستان يا من أنت ألطف من الجميع. وفي هذا المثال توافقت قافية المطلع مع القافية الأصلية.
وإليك مثالا آخر للمسمّط الذي اختلفت فيه قافية المطلع عن القافية الأصلية وترجمته:
لقد صارت الحديقة (مزدانة) من قدوم الربيع الجديد كمعبد الأصنام
وصار وجه الورد كالشّمع والريح كالفراشة.
وقد صارت مهمة البلبل قول الأساطير فمزّق الورد من سروره، قميصه فوق بدنه.
والسّحاب في الربيع منتشر (منبسط) كالكفّ وأنظر إلى شقائق النعمان كأنّها جواهر في الصّدف وارتفع إلى السماء، زقزقة الطيور من كلّ طرف
لقد صارت الحديقة كالصنم والريح كعابد الوثن.
ثم قس على هذا المسمّط المخمّس الذي يحتوي على خمسة مصاريع والمسدس المشتمل على ستة مصاريع، وعلى هذا القياس.

المستزاد

المستزاد:
[في الانكليزية] Superfluous (in prosody)
[ في الفرنسية] Superflu (en prosodie)
عند الشعراء هو كلام زائد في آخر البيت او آخر كلّ مصراع، ويشترط رعاية القافية في كلام المستزاد وارتباطه بالشعر بحسب المعنى والسّياق والسّباق. ويجب أن يكون البيت بصرف النظر عن المستزاد مستوفي المعنى، بحيث لا يكون وجود المستزاد وعدمه مؤثّرا على معنى البيت. ومثال المستزاد في البيتين التاليين وترجمتهما:

ذهبت لطبيب وقلت له: أنا مريض من أوّل الليل حتى السّحر أنا صاح فما علاجي؟ فحين رأى الطبيب نبضي قال من باب اللّطف: لا أظنّ أنّ لديك مرضا سوى العشق فمن معشوقك؟ ومثال المستزاد في آخر كلّ مصراع الرباعي التالي وترجمته:
لقد جرينا مدة وراء الزينة في عهد الشّباب ثم سرنا مدة في طلب العلم (الدفتر والورق) وقرأنا الكتاب وحين أدركنا حقيقة الدنيا صرنا مبتورين كالكتابة فوق الماء لقد نفضنا أيدينا من كلّ شيء وصرنا من المتجرّدين فأدركنا وهذه طريقة المتقدّمين. أمّا الأمير خسرو الدّهلوي فقد تصرّف تصرّفا لطيفا وجعل الأبيات موقوفة، وجعل المستزاد حاملا وموقوفا. ومثاله الرباعي التالي وترجمته:
أنا في عهد ملك مــسرور وفي طرب وكلّ الناس مثلي أنا داعية له بالدوام والبقاء ليلا ونهارا في كلّ الأنفاس وإن كان الملك يهب البلد في أوان السّخاء فإنني أنا العبد أطلب من الملك بالتفويض ذرّة واحدة فقط كذا في مجمع الصنائع وجامع الصنائع.
ومثال آخر من المستزاد الذي لا يستقيم معنى البيت بدونه، وهو أيضا من صنعة الأمير خسرو الدهلوي:
ما أن برز الخطّ (الشعر) المعنبر من خدّك فكلّ عاشق سكران من خمرة الدّموع لوّن وجهه بالأحمر (الدم) (كناية عن البكاء بالدم)
ففي نهر جمالك لعلّ الماء قد نضب حتى نبتت تلك الخضرة (اللحية) من تحت الماء ورفعت رأسها.
وإنّ بعض المتأخّرين قد زادوا فجعلوا المستزاد جملتين. وهذا لطف آخر قد ظهر.

مثاله في الأبيات الثلاثة الآتية:
من يقرّر حال السّائل (المتسول)
في حضرة الملك
ذي العزّة والجاه
وماذا تخبر ريح الصّبا عن نغمة البلبل
من التأوه والأنين
في كلّ مساء وسحر
مع أنّني غير لائق للحضور في بلاط الملك
فلست بيائس
من طالعي
لماذا التّعجّب إذا أكرم الملوك الفقير
بنظرة حينا
في السّنة والشّهر
الضّراعة والذّهب والقوة كانت مادّة العشق
فإنّ الرحمة من المعشوق
أو مساعدة الحظّ
لا قوة لي ولا ذهب ولا عطف منكم
إذن حالي بائس

التّرجيع

التّرجيع:
[في الانكليزية] Call to the prayer in a low voice then in a high one ،harmony of the stanzas of a poem
[ في الفرنسية] L'appel a la priere par voix basse et voix haute ،harmonie des strophes d'un poeme .
عند الفقهاء هو أن يأتي المؤذن كلّا من الشهادتين مرّتين خافضا بهما صوته ومرّتين رافعا بهما صوته، كذا في البرجندي في باب الآذان.
والترجيع عند الشعراء هو أن يقسم الشاعر قصيدته إلى عدة قطع متساوية في عدد الأبيات.
فإن كان القسم الأول مؤلّفا من خمس أبيات، فالقطع الباقية تكون خماسية أيضا. وإن كانت سبع أبيات فالباقي كذلك، ولا تقلّ عدد الأبيات عن خمسة ولا تزيد عن أحد عشر، وينبغي أن تتّفق أوزان الأبيات دون القافية، بل يشترط اختلاف القافية. ولكلّ قطعة مطلع مستقلّ. وبعد تمام كلّ قطعة يؤتى ببيت جديد بقافية أو رديف آخر، أو يكرّر بيت القطعة الأولى، ويسمّى هذا البيت: العقدة. فإذا تكرّر بعينه سمع هذا النوع من النظم: ترجيع بند. أمّا إذا اختلف فيسمّى تركيب بند. وهذا النوع الأخير قسمان:
إمّا أن تكون أبيات البند كلّ واحد منها على حدة، ولكنّها على قافية واحدة بحيث لو جمعت تلك الأبيات وحدها يمكن أن تصبح قطعة كاملة.
وإمّا أن تكون أبيات البند كلّ واحد منها على قافية خاصّة تختلف عن بعضها. وفي جميع الأقسام يجب أن يكون بيت العقدة مرتبطا معناها بحسب ما قبلها. هذا كلّه خلاصة ما في جامع الصنائع. وقد أورد مثالا على ذلك قطعة من شعر مولانا حافظ الشيرازى قدّس سرّه.

والمعنى لهذا الشعر:
يا من أضعت المحبة مع الريح أهكذا يكون الوفاء وحفظ العهد؟ وبالنتيجة فأنا جريح القلب ومتألّم فإلى متى تسلمني إلى شبكة الغم؟ لم أحصل على نتيجة من زلفك سوى اللوعة والاضطراب أيّها العزيز حتى م تجفو وتذلّ الضّعفاء؟ فما دام الأمل مفقودا بأنّك ذات يوم سترحم العاشق المدنف، فالأفضل أن لا أصرف وجهي عن الصبر.
فعسى أن ينال قلبي مراده.
أيّها الساقي من تلك الخمرة ليلا صبّ لي اثنين أو ثلاثة كئوس من خمر الحبّ فما دام في رأسي شيء من العقل باقيا فلا تضيع الفرصة واعطني خمرا منسوبة.
إلى كهان المجوس. لطالما نار القلب في صدري ارتفعت شعلتها.
فيا حافظ اشرب الخمر بالــسرور فحتى م تغتم لصروف الزمان بما أنه لا يبدو بأي حال ساحل لبحر الفراق.
فمن الأفضل أن لا أتخلّى عن الصبر. فعسى القلب ينال مراده.
إن أمت في عشقك الصّعب فلن يتراجع قلبي عن الاهتمام بك فدائما حواجبه المقوّسة ترميني بسهام لا نجاة منها.
لا يستطيع القلم بيان الشّوق إليه، ولو صار الفلك القديم العهد كاتبي
لي رأس كما كان لسعدي سأجلس وأصبر.
وبما أنّ الزمان الظالم جعلني أسير غمّك وأنا بعيد عنك.
فمن الأفضل أن لا أتخلّى عن الصبر فلعلّ القلب ينال مراده.
وإليك مثالا آخر من تركيب بند من القسم الأوّل حيث أبيات العقدة متوافقة في القوافي لخواجه سلمان السّاوجي:
لقد صارت مرآة جمال الروح لقاء وجهك لم أر مرآة ذات صفاء كصفاء وجهك.
إنّ النّظر إلى وجهك يشبه النظر إلى الورد وإن كان هو لا يبقى فليبق وجهك.
الناس في الدارين الدنيا والآخرة يشترون (يسعون) للحصول على روحك، وأنا أبذل كلا الدارين من أجل نصف ثمن وجهك.
لقد رأت عيناي وجهك ومن ثمّ قلبي ذهب إنّه ذنب عيني وليس جفاء وجهك.
إن كسرى وجمشيد بالنسبة إليه كلاهما ملكان كاذبان.
وإنّ حاتم ومعن (بن زائدة) على بابه كلاهما سائلان في الواقع.
بخ بخ ماذا يكون لو أقتل من أجل مثلك إن مات مائة مثلي فلتبق أنت إنّ «الجور» منك عزّ لا يصل إليه أيّ كان فأنّى لمثلي أن يصل إليه جور وجفاء مثلك في حارة العشق يستوي الملك والسائل إنّ من يستجدي مثلك فهو الملك.
إن لم أبذل الروح في سبيل عشقك لأنّها لا تساوي حقّك ولأنّها ليست لائقة لمثلك.
إنّه لا يرى الجفاء جائزا خاصة ممّن هو عبد للملك ويدعى موافقة هوى مثلك.
من ماء وجهك على ضفة نهر السلطان منها سرو الجلال والجاه في الواقع والآن إليك القسم الثاني من تركيب بند مختلف القوافي، ولكلّ واحد منها مطلع مستقلّ، وهي لمولانا حافظ الشيرازي والمعنى.
يا من أنت رحمة من الله وبرعم من حديقة الملك أنت لفلك الجمال شمس وأيضا لبرج الجلال قمر أنت على عرش السلطنة بدون تكلّف وقدرتك شاهدة على ذلك وإنّ الفلك قد صادق على توقيعاتك ومنشوراتك بالأوامر والنواهي إنّ من يذكر اسمك فحتما تعلو شهرته حتى القمر وإنّ الدهر الذي تصدر عنه اللطائف لا يملك لؤلؤة مثلك في أي محارة يا من تجمّلت بك خلقة الملك ويا من صارت دولتك غراء بك يا من حضرت عروس دولته الجديدة فاتنة على شكلك وشمائلك إنّ أنوار الملك وعظمته قد ظهرت على وجهك المبارك إنّ قامة سطوتك يقصر عنها أديم السماء الأزرق لقد تجاوز صيت عدلك وصوته السماء التاسعة الخضراء والفلك العالي قد احتواه قصرك وزحل واقف على بابك يحرس كان الله معينا لك ما حييت ولا ينغّص عيشك شيء ولتضع الأيام كلّ ما تتمنّاه إلى جانبك وليحالفك التوفيق من عينيك وتأييد النديم في يسارك وما دام الفلك فليحرسك وما دام الدهر فليحقق لك ما تريد الناس مثل حافظ عيشهم هنيء تحت ظلّ عرشك الموفق.
وليكن عملك فقط حفظ الملك والدين وهكذا ما دامت الريح جارية «إلى ما شاء الله» 

السّهل

السّهل:
[في الانكليزية] Easy ،light
[ في الفرنسية] Facile ،leger
بالفتح وسكون الهاء في اللغة الفارسية بمعنى نرم (طري) وآسان يعني السّهل. وأمّا في اصطلاح البلغاء: فالسّهل المشكل هو أن يأتي الشاعر بكلمات يصعب على سامعها أن يربط بينها، وحين يتأمّل الألفاظ يظنّها سهلة ويعتقد أنّ بإمكانه أن يكتب في لحظة بيتين، ثم يتبين له بعد إمعان النظر أنّ هذه الألفاظ قد جمعت بغير واسطة، وحينئذ يتحقّق أنّ ما ظنّه سهلا هو في الحقيقة صعب، ومثاله البيت التالي ومعناه:
دخل صاحيا وخرج سكران ونهض ممسكا بالــسرور وجلس وأعطى الغم أمّا السّهل الممتنع عندهم فهو أن يبدو ارتباط الكلام وسياقه سهلا، ولكن لا يستطيعه أي كان بسبب سلاسة الكلام وجزالته في آن وتضمّنه لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة، واستعمال الألفاظ المعروفة واللّطائف والأمثال، وليس برعاية اللفظ مع التكلّف أو المعنى بتكلّف.
كذا في جامع الصنائع.

ذَرأ

(ذَرأ) شعره ذَرْءًا علته ذرأة (شيب فِي جَانِبي الرَّأْس) وَالله الْخلق خلقهمْ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَهُوَ الَّذِي ذرأكم فِي الأَرْض وَإِلَيْهِ تحشرون} وَفُلَان الشَّيْء كثره وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا وَمن الْأَنْعَام أَزْوَاجًا يذرؤكم فِيهِ} ) وَالْأَرْض بذرها
ذَرأ
: (} ذَرَأَ) اللَّهُ لخَلْقَ (كَجَعل) {يَذْرَؤُهم} ذَرْأً (خَلَق: والشَّيْءَ: كَثَّرَه) قَالَ الله تَعَالَى: { {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} (الشورى: 11) أَي يُكَثِّرُكُم بِالتَّزْوِيجِ، كأَنه قَالَ} يَذْرَؤُكم بِهِ (وَمِنْه) اشتقاق لفظ ( {الذُّرِّيَّة، مُثلَّثة) وَلم تُسمَع فِي كَلَامهم إِلا غير مَهْمُوزَة (لِنَسْلِ الثَّقَلَيْنِ) من الجِنّ والإِنس، وَقد تُطلق على الآباءِ والأُصول أَيضاً، قَالَ الله تَعَالَى: {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (يس: 41) وَالْجمع} ذَرارِيُّ كَسَراريّ قَالَ الصَّاغَانِي: وَفِي اشتقاقها وجهانِ، أَحدهما أَنها من {الذَّرْءِ، ووزنها فُعُّولَة أَو فُعِّيلة، وَالثَّانِي أَنها من الذَّرِّ بِمَعْنى التَّفْرِيق، لأَن الله تَعَالَى ذَرَّهُم فِي الأَرض، ووزنها فُعْلِيَّة أَو فُعُّولة أَيضاً وأَصلُها ذُرُّورَة فقلبت الرَّاء الثَّالِثَة يَاء، كَمَا فِي تَقَضَّتِ العُقابُ. وَقد أُوقِعَتْ الذُّرِّيَّة على النِّساء، كَقَوْلِهِم للمطرِ سَمَاءٌ، وَمِنْهَا حَدِيث عُمر رَضِي الله عَنهُ. حُجُّوا بالذُّرِّيَّة لَا تَأْكُلُوا أَرْزَاقَها وَتَذرُوا أَرْباقَها فِي أَعناقِها. قيل المُرَاد بهَا النِّسَاء لَا الصِّبيان، وضَرب الأَرْبَاقَ مَثلاً لما قُلِّدَت أَعناقُها مِن وُجوب الحَجّ.
(و) } ذَرَأَ (فُوهُ) وذَرَا، بغي رهمز (: سَقَطَ) مَا فِيهِ من الأَسنان مثل ذرَا كدَعَا.
(و) {ذَرأَ (الأَرضَ: بَذَرهَا) قَالَ شَيخنَا: قيل: الأَفصح فِيهِ وَفِيمَا قبله الإِعلال، وأَما الْهمزَة فلغة ضَعِيفَة أَو لثغة (و) يُقَال (زَرْعٌ} - ذَرِيءٌ) على فَعِيل، قَالَ عُبيدُ الله بن عبد الله بن عُتْبة بن مَسْعُود، ويُروى لِقيس بن ذَرِيح، وَهُوَ موجودٌ فِي دِيوانَيْ شعرهما:
صَدَعْتِ القَلْبَ ثُمّ! ذَرَأْتِ فِيهِ
هَوَاكِ فَلِيمَ فَالْتَأَمَ الفُطُورُ تَبلَّغَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ
وَلاَ حُزْنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرُورُ
ويُروى ثمَّ ذَرَرْتِ وذَرَيْتِ غير مَهْمُوز، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح. كَذَا فِي (الْعباب) .
( {والذُّرْأَةُ بالضمّ) الشَّمَطَ و (الشَّيْبُ) قَالَ أَبو نُخَيلة السَّعديُّ:
وَقَدْ عَلَتْنِي ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِى
وَرَثْيَةٌ تَنْهَضُ فِي تَشَدُّدِ
(أَو أَوَّل بَياضِه فِي مُقَدَّمِ الرأْسِ) ، وَفِي الأَساس: فِي الفَوْدَيْنِ،} كالذَّرَاءِ، مُحرّكةً، كَمَا فِي (الْعباب) و ( {ذَرِىءَ) شَعرُه} وذَرَأَ (كفِرِح ومَنَع) وَحكى صاحبُ المبرّز عَن قُطْرُب {ذَرُؤَ كَكَرُم أَيضاً، (والنعْتُ} أَذْرَأُ {وذَرْآءُ) قَالَ أَبو مُحمد الفقعسيُّ:
قَالَتْ سُلَيْمَى إِنَّنِي لاَ أَبْغِيهْ
أَرَاهُ شَيْخاً عَارِياً تَرَاقِيهْ
مُقَوَّساً قَدْ} ذَرِئَتْ مَجَالِيهْ
(وكبش أَذْرَأُ: فِي رَأْسه بيَاضٌ) وعَنَاقٌ {ذَرْآءُ (أَو) كَبْشٌ أَذْرَأُ بِمَعْنى (أَرْقَش الأُذُنَيْنِ وسائرُه أَسوَدُ) كَذَا فِي (الصّحاح) و (العُباب) ، وَزَاد فِي الأَخير: والذُّرْأَة هِيَ من شِيَات المَعزِ دون الضأْن.
(و) عَن الأَحمر يُقَال (} أَذْرَأَه) فلانٌ وأَشْكَعه أَي (أَغْضَبه وذَعَرَهُ، وأَوْلَعَهُ بالشْيءِ) .
{وأَذْرَأَهُ إِلى كَذَا (: أَلجَأَهُ) إِليه، رَوَاهُ أَبو عبيد أَذْرَاهُ بِغَيْر همز، ورَدّ ذَلِك عَلَيْهِ عليُّ بن حَمْزَة وَقَالَ: إِنما هُوَ أَذرَأَه، بِالْهَمْز (و) أَذرأَه: (أَسَالَهُ، و) يُقَال أَذرَأَت (الناقةُ) إِذا (أَنزلَتِ اللَّبَنَ) من الضَّرْعِ (فَهِيَ} مُذْرِىءٌ) لُغة فِي الدَّال الْمُهْملَة.
(و) يُقَال بَلَغَني ( {ذَرْءٌ مِن خَبَرٍ) ضَبطه ابْن الأَثير بفَتح فَسُكُون، وَفِي بعض النّسخ بالضَّمّ، أَي (شَيْءٌ مِنْهُ) وطرف مِنْهُ،} والذَّرْءُ: الشيءُ الْيَسِير من القَوْل، قَالَ الشَّاعِر:
أَتَانِي عَنْ مُغِيرَةَ ذَرْءُ قَوْلٍ
وَعَنْ عِيسَى فَقُلْتُ لَه كَذَاكَا
(و) يُقَال: (هم ذَرْءُ النارِ) ، جاءَ ذَلِك فِي حَدِيث عُمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كتب إِلى خَالِد بن الْوَلِيد: بَلَغَني أَنَّك دَخَلْتَ الحَمَّام بالشَّام وَأَنَّ مَن بهَا من الأَعاجم اتَّخَذُوا لَك دَلُوكاً عُجِن بِخَمْرٍ، وإِني أَظنكم آلَ الْمُغيرَة ذَرْءَ النارِ، أَراد أَنهم (خُلِقُوا لَهَا) وَمن روى: ذَرْوَ النارِ، بِلَا همز أَراد أَنهم يُذْرَوْنَ فِي النَّار.
(ومِلْحٌ {ذَرْآنِيٌّ) بتسكين الرَّاء (ويُحَرَّك) فَيُقَال} ذَرَآنِيٌّ أَي (شَدِيدُ البَيَاضِ) وَهُوَ مأْخوذ (من الذُّرْأَةِ) بالضمِّ (وَلَا تَقُلْ أَنْذَرَانِيٌّ) فإِنه من لحن الْعَوام، وَمِنْهُم من يهمل الذَّال.
(و) يُقَال (مَا بَيْننَا) وَبَينه (ذَرْءٌ) أَي (حائلٌ) .
( {وذِرْأَةُ بِالْكَسْرِ) العَنْز بِنَفسِهَا، كَذَا فِي (الْعباب) و (دُعَاءُ العَنْزِ للحَلَبِ، يُقَال} ذِرْءَ ذِءْءَ) .
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
قَالَ أَبو زيد أَذْرَأْتُ الرجَلَ بِصاحبه إِذا حَرَّشْته عَلَيْهِ وأَولَعْتُه بِهِ.
{وذَرَأْتُ الوَضِينَ: بَسَطْته، وَهَذَا ذكره الليثُ هُنَا، وردّ عَلَيْهِ أَبو مَنْصُور وَقَالَ: الصَّوَاب أَنها دَرَأْت الوَضِينَ، بِالدَّال الْمُهْملَة، وَقد تقدم.

التّرصيع

التّرصيع:
[في الانكليزية] Inlaying ،inlay ،harmonization
[ في الفرنسية] Incnustation ،harmonisation

في اللغة الفارسية: تجميل الأشياء بالمجوهرات واللّؤلؤ. وعند أهل البديع من أنواع المطابقة وهو اقتران الشيء بما يجتمع معه في قدر مشترك كقوله تعالى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى جاء بالجوع مع العرى وبابه أن يكون مع الظمأ، وبالضحى مع الظمأ وبابه أن يكون مع العرى، لأنّ الجوع والعرى اشتركا في الخلوّ، فالجوع خلو الباطن من الطعام والعرى خلو الظاهر من اللباس، والظمأ والضحى اشتركا في الاحتراق فالظمأ احتراق الباطن من العطش والضحى احتراق الظاهر من حرّ الشمس، كذا في الاتقان. ويطلق أيضا عندهم على قسم من السجع ويسمّى مرصّعا وهو أن يتّفق الفاصلتان وزنا وتقفية ويكون ما في الفاصلة الأولى من الألفاظ مقابلة لما في الثانية كذلك، نحو قوله تعالى إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ وكقوله تعالى إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ونحو قولهم فهو يطبع الإسجاع بظواهر لفظه ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. ويجيء في لفظ السجع.
إنّ وجهك الذي هو زينة مجالس الــسّرور قد صار مشهورا في الآفاق وإنّ النظر إليه يقوّي الروح حتى صار ذلك راحة للعشّاق.

وأمّا الترصيع مع التجنيس فمثاله:
إني لا أؤذيك إن أنت آذيتني فأنا ضارع إليك وإن أنت تظهر الدلّال هكذا في مجمع الصنائع. حيث إنّك بسببه طوّفت فكلّ شيء عنك انصرف.
وحينما عنه سرت فكلّ شيء عنك سار والله أعلم.

السّكر

السّكر:
[في الانكليزية] Drunkenness ،intoxication
[ في الفرنسية] Ivresse

بالضم وسكون الكاف بمعنى: فقدان الوعي، ونبيذ التّمر وكلّ ما هو مسكر، كما في المنتخب. وقال العلماء: السّكر بمعنى مستى- فقدان الوعي- حالة تعرض للإنسان من امتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة من الخمر وما يقوم مقامها إليه، فيتعطّل معه عقله المميّز بين الأمور الحسنة والقبيحة. قيل السّكر غفلة تعرض للإنسان مع الطّرب والنشاط وفتور الأعضاء من غير مرض ولا علّة بمباشرة ما يوجبها من المأكول والمشروب والمشموم. وقيل هو فتور يغلب على العقل من غير أن يزيله. وقيل هو معنى يزيل به العقل. وفي كشف الكبير:
قيل هو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له، فيمنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله، ولهذا بقي السّكران أهلا للخطاب انتهى. وقال أبو حنيفة:
السّكران هو الذي لا يعقل مطلقا قليلا ولا كثيرا، ولا الرجل من المرأة. وعندهما هو الذي يهذي ويختلط جدّه بهزله ولا يستقرّ على شيء في جواب وخطاب، وإليه مال أكثر المشايخ كما في الهداية. وفي فتاوى قاضي خان، قال أبو حنيفة: السّكران من لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة. وقال صاحباه إذا اختلط كلامه بالهذيان فهو سكران وعليه الفتوى. وفي الملتقط عن أبي يوسف هو الذي لا يستطيع أن يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كذا في البرجندي. أقول هذا الاختلاف إنّما هو في وجوب الحدّ بالسّكر في غير الخمر. يعني ما قال الإمام الأعظم في حدّ السّكر إنما هو في وجوب الحدّ عليه بالمسكر غير الخمر. أمّا في حدّ الحرمة فقوله مثل قولها. وأمّا في وجوب الحدّ بالخمر فلا يشترط السّكر بل يجب الحدّ بشرب القليل من الخمر ولو بقطرة، كما قال في شرح الوقاية: حدّ الشرب ثمانون سوطا بشرب الخمر ولو قطرة.
فمن أخذ بريح الخمر أو سكران زائل العقل بنبيذ إلى قوله يحد صاحبا. اعلم أنّ السكر عند أبي حنيفة في وجوب الحدّ بشرب الأشربة التي هي غير الخمر هو أن لا يعرف شيئا حتى الأرض من السماء؛ وفي حق الحرمة أن يهذو، وعندهما يهذو مطلقا أي في وجوب الحرمة والحدّ وإليه مال أكثر المشايخ. وعند الشافعي أن يظهر أثره في مشيه وحركاته وأطرافه. هذا خلاصة ما في شرح الوقاية.
والسّكر عند الصوفية دهش يلحق سرّ المحبّ في مشاهدة جمال المحبوب فجأة، لأنّ روحانية الإنسان التي هي جوهر العقل لمّا انجذبت إلى جمال المحبوب بعد شعاع العقل عن النفس وذهل الحسّ عن المحسوس، وألمّ بالباطن فرح ونشاط وهزّة وانبساط لتباعده عن عالم التفرقة، وأصاب السرّ دهش ووله وهيجان لتحيّر نظره في شهود جمال الحقّ. وتسمّى هذه الحالة سكرا لمشاركتها السّكر الظاهر في الأوصاف المذكورة إلّا أنّ السبب لاستتار نور العقل في السّكر المعنوي غلبة نور الشهود، وفي السّكر الظاهر غشيان ظلمة الطبيعة لأنّ النور كما يستتر بالظلمة كذلك يستتر بالنور الغالب كاستتار نور الكواكب بغلبة نور الشمس. وقلنا فجأة لأنّ صدمة نور الجمال في النظرة الأولى أكثر وفي النظرات بعدها تقلّ على التدريج لحصول الأنس بوصول الجنس، حتى إذا استقرّ نازل حال المشاهدة ونزل كل جزء من أجزاء الوجود إلى أصله عاد شعاع العقل إلى عالم النّفس والعقل وظهر التمييز بين المتفرّقات من المعقولات والمحسوسات. وتسمّى هذه الحالة صحّوا، نظيره في هذا العالم محبوب دخل على محبّه فجأة فأذهله عما فيه من الأمر بحيث غاب متحيّرا في مشاهدته عن العقل والتمييز فلمّا كرّر النظر إلى محاسنه وجماله واستأنس بلقائه ووصاله عاد التمييز والتبصير وزال الدهش والتحير. والسّكر حال شريف يعتور عليه صحوان: صحو قبله وهو تفرقة محضة ليس من الأحوال بشيء، وصحو بعده، ويسمّى الصحو الثاني وصحو الجمع والصحو بعد المحو، وهو حال يصير مقاما ويكون أعزّ من السّكر لاشتماله على الجمع والتفرقة، ولكونه لا ينال إلّا بعد العبور على ممر السّكر والجمع.
فالصحو الأول حضيض النقصان لإفادته إثبات الحدث. والسّكر معراج السالكين لإفادته محو الحدث. والصحو الثاني أوج الكمال لإفادته إثبات القدم وإفادة السّكر محو الحدث لأنه نتيجة مشاهدة جمال القدم، ونور القدم يزيل ظلمة الحدث، إلّا أنّ حال الشهود لا تدوم في البداية بل تلوح وتخفي سريعا كالبوارق فلا يزيل نوره ظلمة وجود السيّار بالكلية بل يزول تارة ويعود أخرى. ويتردد السائر بين الصّحو الأوّل المثبت للحدث والسّكر الماحي له، وتسمّى هذه الحالة تلوينا. فإذا استقرّ حال المشاهدة دام محو الحدث وإثبات القدم، وتسمّى هذه الحالة تمكينا لدوام الوجدان. وصاحب السّكر لا يدوم وجدانه بل يجد تارة ويفقد أخرى، ويكون مأسورا تحت تصرّف التلوين. ومناط تلوينه الوجود الذي هو مثار الصّحو الأوّل. والسالك لا يستغني عن السّكر ما لم يخلص عن الصّحو الأوّل، فإذا خلص إلى الصّحو الثاني صار غنيا عن السّكر.
اعلم أنّ السّكر الزائل في الصّحو الثاني هو الذي يظهر من مشاهدة جمال الصّفات، ولا تستقرّ من حال الشهود إلّا هذه. والسّكر الواقع في الصّحو الثاني هو الذي يظهر من مشاهدة جمال الذات فلا يزول لعدم استقرار حال شهود الذات، فإنّه لا تحصل لأحد منها في الدنيا إلّا لمحات يسيرة كقوله عليه السلام: «لي مع الله وقت» عبارة عنها وموطن استقرارها الآخرة، والرؤية الموجودة في الآخرة لأهلها هي هذه، والمقام المحمود لعله عبارة عنها، كذا في شرح القصيدة الفارضية.

التّفسير

التّفسير:
[في الانكليزية] Explication ،interpretation ،commentary ،exegesis
[ في الفرنسية] Explication ،interpretation ،commentaire ،exegese
هو تفعيل من الفسر وهو البيان والكشف.
ويقال هو مقلوب السّفر. تقول أسفر الصبح إذا أضاء. وقيل مأخوذ من التّفسرة، وهي اسم لما يعرف به الطبيب المريض. وعند النحاة يطلق على التمييز كما سيجيء. وعند أهل البيان هو من أنواع إطناب الزيادة، وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسّره.
ومن أمثلته أنّ الإنسان خلق هلوعا إذا مسّه الشرّ جزوعا وإذا مسّه الخير منوعا. فقوله إذا مسّه الخ مفسّر للهلوع كما قال أبو العالية. ومنها يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ الآية فيذبّحون وما بعده تفسير للسّوم. ومنها الصّمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ الآية. قال محمد بن كعب القرظي لم يلد الخ تفسير للصّمد، وهو في القرآن كثير. قال ابن جنّي ومتى كانت الجملة تفسيرا لا يحسن الوقف على ما قبلها دونها لأنه تفسير الشيء لاحق به ومتمّم له وجار مجرى بعض أجزائه، كذا في الإتقان في أنواع الإطناب. والفرق بينه وبين الإيضاح بعد الإبهام يذكر في لفظ الإيضاح. ويقول في مجمع الصنائع: التفسير هو أن يعدّد الشاعر عدة أوصاف مجملة ثم يأتي بعد ذلك بالتفسير لها.
فإذا أعاد تلك الألفاظ المجملة خلال التفسير فإنّه يسمّى عند ذلك التفسير الجليّ، وإلّا فهو التفسير الخفيّ. مثال الأول:
إمّا أن يكبّل أو يفتح أو يقبض أو يعطي لكي يبقى العالم شاهدا على ما قام به الملك فما يقبضه هو الولاية، وما يعطيه فهو الأموال وما يقيّده فهو رجل العدوّ، وما يفتحه فهو القلعة ومثال الثاني:
دائما يحضرون من أجل عيدك وهو ظاهر وهم يلدون دائما من أجل سرورك بسهولة الرطب من النخل والعسل من النحل والحرير من دود القزّ والمسك من الغزال واللؤلؤ من البحر والذهب من الصخر والسكر من القصب والجوهر من المنجم انتهى اعلم أنّ الأصوليين والفقهاء اختلفوا في التفسير والتأويل فقال أبو عبيدة وطائفة هما بمعنى. وقال الراغب: التفسير أعمّ من التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل. وكثيرا ما يستعمل في الكتب الإلهية. والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها. وقال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلّا وجها واحدا، والتأويل توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة. وقال الماتريدي: التفسير القطع على أنّ المراد من اللفظ هذا أو الشهادة على الله أنه عني باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح وإلّا فتفسير بالرأي وهو المنهي.
والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله.

وقال أبو طالب الثعلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا كتفسير الصراط بالطريق والصيّب بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول، وهو الرجوع بعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد والتفسير إخبار عن دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل كقوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ تفسيره أنه من الرّصد يقال:
رصدته رقبته والمرصاد مفعال منه وتأويله التحذير من التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه وقواطع الأزلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.

قال الأصبحاني في تفسيره: اعلم أنّ التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن.
وبيان المراد أعمّ من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره.
والتأويل أكثره في الجمل، والتفسير إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة والسائبة والوصيلة أو في وجيز يتبيّن بشرح نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وإمّا في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلّا بمعرفتها كقوله تعالى إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ. وإمّا التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق وتارة في جحود الباري تعالى خاصة، ويستعمل في لفظ مشترك بن معان مختلفة نحو لفظ وجد المستعمل في الجدة والوجد والوجود. وقال غيره التفسير يتعلّق بالرواية والتأويل بالدراية.

وقال أبو نصر القشيري: التفسير مقصور على الإتباع والسماع والاستنباط في ما يتعلّق بالتأويل. وقال قوم ما وقع في كتاب الله تعالى مبينا وفي صحيح السنة معينا سمّي تفسيرا لأنّ معناه قد ظهر ووضح، وليس لأحد أن يتعرّض له باجتهاد ولا غيره، بل يحمله على المعنى الذي ورد ولا يتعداه. والتأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعاني الخطاب الماهرون في آلات العلوم.

وقال قوم منهم البغوي والكواشي:
التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وبعدها يحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسّنة من طريق الاستنباط. ويطلق التفسير أيضا على علم من العلوم المدوّنة وقد سبق في المقدمة. فائدة:
قد يقال في كلام المفسّرين هذا تفسير معنى وهذا تفسير إعراب. والفرق بينهما أن تفسير الإعراب لا بدّ فيه من ملاحظة صناعة النحو، وتفسير المعنى لا يضرّه مخالفة ذلك.
هذا كله من الإتقان. والتفسير في اصطلاح أهل الرمل عبارة عن شكل ينتج عن إغلاق أو فتح.
وسيأتي شرح وطريقة ذلك في لفظ «متن».

الرؤيا

الرؤيا:
[في الانكليزية] Vision ،reverie ،fantasm ،dream
[ في الفرنسية] Vision ،reverie ،fantasm ،reve
بالضم وسكون الهمزة الرؤيا المنامية أو ما يرى في النّوم كما في المنتخب. وأمّا في مجمع السّلوك فيقول: ثمّة فرق بين الرؤيا وبين ما يرى من وقائع من وجهين: الاوّل: من طريق الصّورة والثاني: من طريق المعنى. فالموافقة من طريق الصّورة تكون بين النوم واليقظة. وإمّا تكون صرفا في اليقظة وأمّا من طريق المعنى: فذلك بأنّ حجاب الخيال يخرج وهو غيبي صرف.
مثلما الروح في مقام التجرّد عن الأوصاف البشرية تدرك ذلك. وهذه واقعة روحانية مطلقة وحينا تكون بتأييد من نظر الروح بنور إلهي.
وهذا النوع واقعة ربّانية صرفة لأنّ المؤمن ينظر بنور الله تعالى.
وأمّا المنام فهو عند زوال الإحساس بالكليّة، وصار الشأن للخيال وعندئذ تبدأ المخيّلة برؤية أشياء بعد غلبة الحواس. وهذا النوع من التخيّلات على قسمين:

أحدها: أضغاث أحلام وهي رؤى تدركها النفس بواسطة الخيال، وهي وساوس شيطانية وهواجس نفسانية من إلقاء النفس أو الشيطان.
وله خيال مصوّر مناسب ولا تعبير له.

والثاني: الرؤيا الجيّدة وهي التي يقال لها الرؤيا الصالحة وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوّة، كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام. وتوجيه هذا الحديث بأنّ مدة أيام نبوته صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة ومن بينها ستّة أشهر في الابتداء، كان الوحي يتنزّل على النبي صلى الله عليه وسلم في عالم الرؤيا. فبناء على هذا تعدّ الرؤيا الصالحة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة.

والرؤيا الصالحة ثلاثة أنواع: أحدها: ما لا يحتاج إلى تأويل أو تعبير مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام التي تنصّ بصراحة: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الصافات 102.

ثانيها: ما يحتاج فيها إلى التأويل في بعضها وبعضها الآخر واضح لا حاجة إلى تأويله، كما في رؤيا يوسف عليه السلام: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ سورة يوسف: 4. فالأحد عشر كوكبا والشمس والقمر محتاجة إلى تأويل، أمّا السجود فظاهر خَرُّوا لَهُ سُجَّداً.

ثالثها: ما كان في حاجة إلى تأويل بالجملة كرؤيا ملك مصر: إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ ... سورة يوسف 43.

وفي الحقيقة: إنّ الرؤيا الصالحة بشكل عام ليست هي التي يكون تأويلها صحيحا وأثرها ظاهرا لأنّ ذلك يقع للمؤمن والكافر. بل إنّ الرؤيا الصالحة هي تلك المؤيّدة بالنور الإلهي. وهذه لا تكون إلّا لنبي أو ولي أو مؤمن، وهي جزء من أجزاء النبوة.

إذن: إذا كانت النفس مؤيّدة بتأييد نور الروح لا بتأييد النور الإلهي فليست تلك برؤيا صالحة.

ويقول صاحب مرصاد العباد: الرؤيا نوعان:
رؤيا صالحة، ورؤيا صادقة. أمّا الرؤيا الصالحة فهي التي يراها المؤمن أو الوليّ أو النبي ويصدق تعبيرها، أو يكون تأويلها صحيحا. وهكذا يتحقّق ما كان رآه كما هو. وهذا من ظهور الحقّ.
والرؤيا الصادقة هي التي بدون تأويل تقع بعينها أو يصحّ تأويلها وهي من ظهور الروح. ويمكن أن تقع للمؤمن أو الكافر على السواء.
اعلم بأنّ بعض الأمور قد تحصل للمؤمن السّالك، فكذلك يمكن حصول بعض الأمور لبعض الفلاسفة والرهبان والبراهمة، وعلّة ذلك قوة الرياضة الروحية وصفاء القلب حتى تصبح الروح قوية وتنكشف لها بعض الأنوار الروحانية. وأحيانا يخبرون عن أمور دنيوية مستقبلة، وقد يطلعون على أحوال بعض الناس.
وهذا لن يكون سببا لقربهم وقبولهم عند الله.
لا، لن يكون سببا لنجاتهم بل ربّما كان سببا في ضلالاتهم وكفرهم، بل وزيادة ذلك واستدراجا لهم. أمّا السّالك الموحّد فتحصل له بعض (الكشوفات) بسبب ظهور الحقّ. اعلم أنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك جميع الأنبياء والشمس والقمر والنجوم اللامعة في النوم هي رؤيا حقّ.
ولا يستطيع الشيطان أن يتمثّل بواحد منها.

وكذلك قالوا: إنّ الغيوم التي تهطل منها الأمطار هي في المنام حقّ أيضا. لأنّ الشيطان لا يتمثّل بذلك. وكذلك رؤية أحد الشيوخ الأفاضل الموصوف بكونه من أهل العلم بالشّريعة والحقيقة والطّريقة. أمّا من ليس كذلك فيمكن للشيطان أن يتمثّل به. أمّا البحث حول كيفية رؤية النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فثمّة اختلاف. قال عليه السلام «من رآني في المنام فقد رآني» قال القاضي الباقلاني: معناه رؤيا عليه السلام صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان، فإنّه قد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن يراه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمان واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه. وقال آخرون بل الحديث على ظاهره وليس لمانع أن يمنعه، فإنّ الفعل لا يستحيله حتى يضطر إلى التأويل. وأمّا قوله فإنّه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين فإنّه تغيّر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته مرئية، والرؤية أمر يخلقها الله تعالى في الحيّ لا بشرط لا بمواجهة ولا تحديق الأبصار ولا كون المرئي ظاهرا، بل الشرط كونه موجودا فقط حتى جاز رؤية أعمى الصين بقّة أندلس، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل جاء في الحديث ما يقتضي بقاؤه. وقال أبو حامد الغزالي ليس معناه أنه رأى جسمي وبدني بل رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلّا آلة النفس. فالحق أنّ ما يراه مثال حقيقة روحه المقدّسة التي هي محل النبوة. فما رآه من الشكل ليس روح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق. أقول فله ثلاث توجيهات وخير الأمور أوساطها، قوله عليه السلام: «فإنّ الشيطان لا يستطيع أن يتمثّل بي» أي لا يتمثّل ولا يتصوّر بصورتي. قال القاضي عياض: قال بعضهم خصّ الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّ رؤية الناس إيّاه صحيحة وكلّها صدق، ومنع الشيطان أن يتمثّل في خلقه لئلّا يكذب على لسانه في النوم، كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء بالمعجزة. وكما استحال أن يتصوّر الشيطان في صورته في اليقظة. قال محي السنة: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقّ لا يتمثّل الشيطان به وكذلك جميع الأنبياء والملائكة عليهم السلام انتهى. فإن قلت إذا قلنا إنّه رآه حقيقة فمن رآه في المنام هل يطلق عليه الصحابي أم لا؟ قلت لا إذ لا يصدق عليه حدّ الصحابي وهو مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذ المراد منه الرؤية المعهودة الجارية على العادة أو الرؤية في حياته في الدنيا، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو المخبر عن الله تعالى وهو ما كان مخبرا للناس عنه إلّا في الدنيا لا في القبر. ولذا يقال مدة نبوته ثلاث وعشرون سنة. على أنّا لو التزمنا إطلاق لفظ الصحابي عليه لجاز وهذا أحسن وأولى.
فإن قلت الحديث المسموع عنه في المنام هل هو حجة يستدل بها أم لا؟ قلت لا إذ يشترط في الاستدلال به أن يكون الراوي ضابطا عند السماع والنوم ليس حال الضبط كما في كرماني شرح صحيح بخاري. وقال عبد الله: قوله من رآني في المنام أي رآني على نعتي التي أنا عليه، فلو رآه على غير نعته لم يكن رآه لأنّه قال رآني، وهو إنّما يقع على نعته. وفي مفتاح الفتوح وسراج المصابيح أيضا قيل المعنى والله أعلم أنّه إذا رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصورة التي كان عليها فقد رأى الحق أي رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حقيقة، وليس المراد أنّه إذا رأى شخصا يوهم أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي أي في صورتي. وقيل: على أي صفة رآه فهو صحيح. وذكر في المطالب واختلف في رؤيته صلى الله عليه وسلم في خلاف صورته. قيل لا يكون رؤية له والصحيح أنّه حقيقة سواء رآه على صفته المعروفة أو لم يكن، ورؤيته عليه السلام حال كون الرائي جنبا صحيحة.
اعلم أنّ رؤية الله تعالى في المنام أمر محقّق وتحقيقه أنّه تعالى مع كونه مقدّسا منزّها عن الشكل والصورة ينتهي تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال مخصوص من نور وغيره من الصور الجميلة يكون مثالا للنور الحقيقي المعنوي لا صورة فيه، ولا لون، هكذا في العثور على دار الــسرور.
اعلم أنّ السّالك قد يكون في عالم النفس والهوى فيرى في المنام أو الحال أنّه الرّب فيكون الرؤيا صحيحا محتاجا إلى التعبير، وتعبيره أنّ ذلك الشخص بعد عبد نفسه يحبه ويعمل له ما يحب فيكون بعد ممن اتخذ إلهه هواه فيرى في الواقعة أنّه الرّب المعبود له فيجب عليه أن يجتنب من طاعة النفس والهوى والقيام بما يشتهي ويهوى، ويكسرها بالمجاهدة والرياضة، ولا يظن أنّ ما رآه هو عينه تعالى، إذ ليس له تعالى حلول فهذه الرؤية، مثل ما يرى سائر العوام في منامهم حيث يرى أنّه آدم أو نوح أو موسى أو عيسى أو جبرئيل أو ميكائيل من ملائكة الله تعالى، وأنه طير أو سبع أو ما أشبه ذلك، ويكون لذلك الرؤيا تعبير صحيح وإن لم يكن كما رأى، يعني عامة الناس إذا رأى أحدهم في منامه النبي صلى الله عليه وسلم أو ملاكا أو طائرا أو حيوانا أو حيوانا مفترسا فليس ذاك هو عين ما رأوه، بل إنّ لهذه الرؤيا تعبير صحيح، وكذلك حال السّالك المذكور الذي يرى الرّبّ في النوم. انتهى ما ذكر في مجمع السلوك في مواضع، ويجيء هذا أيضا في لفظ الوصال.
اعلم أنّه قال في شرح المواقف في المقصد العاشر من مرصد القدرة: وأما الرؤيا فخيال باطل عند جمهور المتكلّمين. قيل هذا بناء على الأغلب والأكثر إذ الغالب منه أضغاث الأحلام، أو المراد أنّ رؤيا من لا يعتاد الصدق في الحديث «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا» أو لمن كثر معاصيه لأنّ من كان كذلك أظلم قلبه. أما عند المعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حال النوم من المقابلة وغيرها. وأما عند الأصحاب فلأنّ النوم ضدّ للإدراك فلا يجامعه فلا يكون الرؤيا إدراكا حقيقة بل من قبيل الخيال الباطل. وقال الأستاذ أبو إسحاق إنّه أي المنام إدراك حقّ بلا شبهة انتهى. وهذا هو المذهب المنصور الموافق للقرآن والحديث ويؤيده ما وقع في العيني شرح صحيح البخاري في شرح قوله «أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة» الحديث. إن قيل ما حقيقة الرؤيا الصالحة أجيب بأنّ الله تعالى يخلق في قلب النائم أو في حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء ولا يمنعه نوم ولا غيره عنه. فربّما يقع ذلك في اليقظة كما رآه في المنام وربّما جعل ما رآه علما على أمور يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى انتهى.

ثم قال في شرح المواقف: وقال الحكماء المدرك في النوم يوجد ويرتسم في الحسّ المشترك وذلك الارتسام على وجهين. الأول أن يرد ذلك المدرك على الحسّ المشترك من النفس الناطقة التي تأخذه من العقل الفعّال، فإنّ جميع صور الكائنات مرتسم فيه. ثم إنّ ذلك الأمر الكلي المنتقش في النفس يلبسه ويكسوه الخيال صورا جزئية إمّا قريبة من ذلك الأمر الكلي أو بعيدة منه فيحتاج إلى التعبير، وهو أن يرجع المعبّر رجوعا قهقريا مجرّدا له، أي للمدرك في النوم عن تلك الصور التي صوّرها الخيال حتى يحصل المعبّر بهذا التجريد إمّا بمرتبة أو بمراتب على حسب تصرّف المتخيّلة في التصوير، والكسوة ما أخذته النفس من العقل الفعّال فيكون هو الواقع. وقد لا يتصرّف فيه الخيال فيؤديه كما هو بعينه أي لا يكون هناك تفاوت إلّا بالكلية والجزئية فيقع من غير حاجة إلى التعبير. والثاني أن يرد على الحسّ المشترك لا من النفس بل إمّا من الخيال مما ارتسم فيه في اليقظة، ولذلك من دام فكره في شيء يراه في منامه. وقد تركّب المتخيّلة صورة واحدة من الصور الخيالية المتعددة وتنقشها في الحسّ المشترك فتصير مشاهدة، مع أنّ تلك الصورة لم تكن مرتسمة في الخيال من الأمور الخارجة، وقد تفصل أيضا بعض الصور المتأدّية إليه من الخارج وترسمها هناك. ولذلك قلّما يخلو النوم عن المنام من هذا القبيل. وإمّا مما يوجبه مرض كثوران خلط أو بخار. ولذلك [فإن] الدموي يرى في المنام الحمر، والصفراوي النيران والأشعّة، والسوداوي يرى الجبال والأدخنة، والبلغمي المياه والألوان البيض.
وبالجملة فالمتخيّلة تحاكي كل خلط أو بخار بما يناسبه وهذا المدرك بقسميه من قبيل أضغاث أحلام لا يقع هو ولا تعبيره، بل لا تعبير له انتهى. لقد قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة: اعلم أنّ ثمّة خلافا حول تحقيق معنى الرؤيا لدى العقلاء بسبب الإشكال الوارد هنا، وهو أنّ النوم عكس الإدراك. إذن فما يرى (في المنام) ما هو؟ وأكثر المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة على أنّ ذلك خيال باطل وليس بإدراك حقيقي.
أمّا عند المعتزلة فلأنّ للإدراك شرائط مثل المقابلة وخروج الشّعاع من العين المبصرة وتوسّط الهواء الشّفّاف وأمثال ذلك، وهذا كله مفقود في المنام. إذن ما هو إلّا خيالات فاسدة وأوهام باطلة.

وأمّا عند الأشاعرة: فمن حيث إنّ النوم نقيض الإدراك. ولم تجر العادة الإلهية بخلق الإدراك في النائم. إذن ما يوجد ليس إدراكا حقيقة بل هو خيال باطل. وأمّا مرادهم من ذلك فهو بطلان كونه إدراكا حقيقيا وليس عدم اعتباره بالتعبير أو بعدمه. وذلك لأنّ الإجماع على صحّة الرؤيا الصالحة وأنّها حقيقة وحقّة عند أهل الحقّ.

ثم إنّ الأشاعرة يقولون: ليس في الرؤيا إدراكا حقيقيا ولكنه مع ذلك فهو ثابت وله تعبير.

وقال «الطيبي»: إنّ حقيقة الرؤيا إظهار الحقّ سبحانه وتعالى في قلب النائم علوما ومشاهد كما في اليقظان. والله سبحانه قادر على ذلك، وليس سببه اليقظة. وكذلك ليس النوم بمانع منه، كما هو مذهب أهل السّنة في باب الحواس الخمس الظاهرة، فعادة الحقّ سبحانه جارية بأنّه حين استعمال الحواس يظهر الإدراك، وذلك ليس بمعنى أنّ الحواس موجبة لذلك، بل إنّ ذلك كائن بخلق الله لذلك الإدراك، وليس بفضل الحواس وحدها. وإن في خلق الإدراكات في النائم علامة وإشارة إلى أمور أخرى تعرض في حال أخرى (اليقظة) كما هو تعبيرها، كما أن الغيم دليل على وجود المطر. وبناء على هذا القول تكون الرؤيا إدراكا حقيقة، وليس بين النوم واليقظة فرق من باب تحقّق الإدراك الباطني. نعم في باب إدراك الحواس الظاهرة ثمّة فرق وذلك لأنّه في حالة النوم تكون الحواس الظاهرة معطّلة. أمّا الحواس الظاهرة فلا دخل لها أصلا في الإدراكات التي ترى في النوم، مثلما في حالة اليقظة لا دخل لها في الإدراكات الباطنية كإدراك الجوع والعطش والحرارة الباطنية والبرودة وحاجات الإنسان الأخرى كالتّبوّل وغيرها.
ثم إنّ تحقيق الحكماء في باب الرؤيا متوقّف على تحقّق الحواس الباطنة، وثبوتها مبنيّ على قواعدهم، أما حسب الأصول الإسلامية فغير كاملة كما هو مبين ومفصّل في كتب الكلام، وسنوردها هنا بطريق الإجمال:
إنّ في الإنسان قوّة متصرّفة ومن شأنها تركيب الصور والمعاني. وعليه فإذا تصرّف الإنسان في الصور وركبها بحيث ضمّ بعضها إلى بعض مثل إنسان ذي رأسين أو أربعة أيادي وأمثال ذلك، أو أن يشطر بعض الصور كإنسان بلا رأس أو بدون يد، وأمثال ذلك. فهذا ما يقال له: المتخيّلة. وأمّا إذا تصرّف في تركيب المعاني كما هو الحال في الصور فتلك هي المتفكرة. وهذه القوة دائما سواء في حال اليقظة والمنام مشغولة وخاصة في حال النوم فإنها أكثر شغلا. وللنفس الناطقة الإنسانية اتصال معنوي روحاني بعالم الملكوت، كما إنّ صور جميع الكائنات من الأزل حتى الأبد مرسومة وثابتة في الجواهر المجرّدة لذلك العالم. وبما أنّ النفس في حالة النوم تفرغ من الاشتغال بإدراك المحسوسات ومن تدبير شئون الجسم والعالم الجسماني لذلك وللاتصال الذي لها بتلك الجواهر المجرّدة العالية، فإنّ بعض الصور تظهر في النفس الناطقة وتنطبع فيها كما تنعكس الصّور على المرآة، ثم تقع من النفس الناطقة إلى الحسّ المشترك، ثم تقوم القوة المتصرّفة الناشئة من الحسّ المشترك بالتفصيل والتركيب، وعليه فحينا تعطي لتلك الصور كسوة ولباسا مختلفا، وبسبب علاقة التّماثل والتّشابه من النظير لنظيره تنتقل مثلما صورة حبة اللؤلؤ تبدو كحبّ الرّمان، وحينا تكون العلاقة مغايرة وتضاد مثل الضحك يأخذ صورة البكاء وبالعكس.
وهذا القسم يحتاج فيه إلى التعبير. وحينا تخرج الرؤيا بجنسها بدون تغيير أو تلبيس، وهذا النوع لا يحتاج إلى تعبير. فكما يرى يقع بعينه.
وحينا تأخذ القوة المتخيّلة جميع هذه الصّور من الصّور الخيالية المخزونة والمحفوظة فيها في حالة اليقظة، ولهذا في كثير من الأحوال يرى في النوم ما يفكّر فيه حالة اليقظة.
وحينا بسبب الأمراض يمكن أن ترى الصّور المناسبة لحاله التي هو فيها مثلما يرى الدموي المزاج ألوانا حمراء، والصفراوي يرى النار والجمر، وفي حال غلبة الرياح يرى نفسه طائرا. وأمّا السوداوي المزاج فيرى الجبال والدخان، وكذلك البلغمي يرى المياه والأمطار والألوان البيضاء، ورؤية هذين القسمين في النوم لا اعتبار لها. ولا تستحقّ التعبير وتسمّى أضغاث أحلام.
وأمّا طائفة الصوفية القائلين بعالم المثال فلهم في هذا المقام تحقيق آخر وهو مذكور في كتبهم.
وأكثر ما تطلق الرؤيا على الرؤيا الصالحة. وأمّا الرؤيا السّيّئة فيقال لها حلم، بضم الحاء؛ وهذا التخصيص شرعي. ولكنه في اللغة يراد به أي نوع من الرؤى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة»، متّفق عليه. وفي هذا الحديث يمكن ورود عدد من الإشكالات: أولها: أنّه جزء من النبوة فإذن من ليس بنبي لا يرى رؤيا صالحة. بينما الواقع أنّ الرؤيا الصالحة قد تكون لغير الأنبياء أيضا.

والثاني: هو أنّ النبوة نسبة وصفة، فإذن ما معنى كون الرؤيا الصالحة جزء منها؟.

والثالث: هو أنّ الرؤيا الصالحة كالمعجزات والكشف وبقية أوصاف وأحوال الأنبياء التي هي من نتائج وآثار النبوّة وليس من أجزائها. إذن ما معنى أو ما تأويل وجه الجزئية المذكورة؟

والرابع: أنّ مقام النبوّة قد ختم، بينما الرؤيا الصالحة باقية. إذن كيف يفهم معنى الجزئية من النبوّة، وذلك لأنّ وجود الجزء بدون الكلّ أمر محال مثلما هو الكلّ محال بدون الجزء؟

وأخيرا: ما هو التوجيه لتجزئة النبوة إلى 46 جزءا واعتبار الرؤيا جزءا واحدا منها؟

والجواب على الإشكال الأول: هو أنّ المراد جزء من النبوة بالنسبة للأنبياء لأنّهم يوحى إليهم في المنام. وهذا الجواب يردّ عليه حديث آخر ونصّه: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا. الحديث.
وأمّا الجواب على الإشكالات 2، 3، 4، هو أنّ الرؤيا جزء من أجزاء علوم النبوّة، بل أجزاء طرق علوم النبوّة، وعلوم النبوّة باقية لما ورد في الحديث: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وهي الرؤيا الصالحة».

وقال بعضهم: المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة أثر من آثار النبوّة، وهي من الفيض الإلهي والإلهام الرّباني، وهذا الأثر باق من آثار النبوّة وجزء من أصل النبوّة لا يوصف بالجزئية إلّا باعتبار ما كان.

وقال قوم غيرهم: النبوّة هنا بمعناها (اللغوي) الإنباء، أي أنّ الرؤيا الصالحة هي أخبار صادقة لا كذب فيها. وثمّة تصريح بذلك في بعض الأحاديث. وقال غيرهم: المراد بالجزء ليس المعنى المتعارف عليه عند أهل المعقول (الفلسفة)؛ بل المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة صفة من صفات النبوّة وفضيلة من الفضائل العائدة إليها، وقد توجد بعض صفات الأنبياء لدى غير الأنبياء، كما ورد في حديث آخر معناه: الطريق الواضح والفضيلة والحكم والاعتدال من النبوة. والحاصل: هو أنّ جميع صفات الكمال أصلها عائد للنبوّة ومأخوذ من هناك، وأمّا تخصيص الرؤيا بذلك فلمزيد الاختصاص في باب الكشف وصفاء القلب. ولا شكّ أنّ جميع كرامات (الأولياء) ومكاشفاتهم من ظلال النبوّة وشعاع من أشعتها.
أمّا وجه التخصيص بالعدد ستة وأربعين فهو أنّ زمان نبوة (سيدنا محمد) كان 23 سنة، وقد ابتدأ الوحي بالرؤيا الصالحة لمدة ستة أشهر، والنسبة بينهما هي 1/ 46. ولكن «التوريشي» يعترض قائلا: إنّ تعيين مدة النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) بثلاث وعشرين سنة مسلّم لأنّه ورد في روايات يعتدّ بها، أمّا كون الرؤيا وتعيينها في هذه المدة بستة أشهر فشيء من عند قائله ولا توجد أي رواية أو نصّ مؤيّد لذلك. انتهى.

والحاصل: هو أنّه من أجل تعيين المدّة المذكورة لا يوجد أصل أو سند صحيح. نعم ولكن مذهب أكثر أهل الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم خلال الأشهر الستة الأولى كان في رتبة النبوة الخاصة، وكان مكلّفا بتهذيب نفسه خاصّة ثم بعد ذلك أمر بالدعوة والبلاغ أي بالرسالة.
وليس في مذهبهم لزوم كون النبي داعيا ومبلّغا إذا كان ما يوحى إليه خاصّ به وحده لتهذيب نفسه فهو كاف لتحقّق مرتبة النبوة. وعليه فإن ثبت أنّ الوحي خلال الأشهر الستة الأولى كان في المنام فقط، ثبت وصح حينئذ كلام القائل بذلك.
ولكن محلّ هذا الكلام وفقا لمذهبهم (أهل الحديث). فإذن فالأحوط في باب تخصيص العدد المذكور 1/ 46 هو التفويض لعلم النبوّة، لأنّ أمثال هذه العلوم من خواص الأنبياء، ولا يوصل بالقياس العقلي، إلى كنهها.
وهكذا أيضا حكم الأعداد في جميع المواضع مثل أعداد الركعات في الصلاة والتسبيحات وأعداد أنصبة الزكاة ومقادير الزكاة وعدد الطواف في الحجّ ورمي الجمار والسّعي وأمثال ذلك.

ويقول صاحب «المواهب اللدنية»: ذكر العلماء مراتب الوحي وطرائقها فعدّوا 46 نوعا، والرؤيا الصادقة واحدة منها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثّل في صورتي) متفق عليه.

وقال بعض أرباب التحقيق: إنّ الشيطان يستطيع التمثّل بصورة الرّبّ، ويكذب ويوقع الرائي في الوسوسة بأنّ ما يراه هو الحقّ، ولكن إبليس لا يستطيع أبدا أن يتمثّل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يستطيع الكذب عليه، وذلك لأنّ النبي مظهر للهداية والشيطان مظهر للضلال، وبين الهداية والضلال تباين. أما الحقّ جلّ وعلا فهو مطلق أي أنّه جامع لصفات الهداية والإضلال وجميع الصفات المتعارضة. ثم إنّ دعوى الألوهية من الكائنات البشرية المخلوقة صريحة البطلان وليست محلّ شبهة بخلاف دعوى النبوة.
ولهذا إذا ادّعى أحدهم بدعوى الألوهية فيتصوّر حينئذ صدور خوارق العادات منه كما هو حال فرعون وأمثاله، وكما سيكون من المسيح الدجال فيما بعد. وأمّا ادعاء النبوة كذبا فلا تصاحبها معجزة ظاهرة. وإذا صاحبها خرق للعادة فإنما يكون على خلاف دعوى المدّعي وعلى عكس توقّع المعتقدين. ولذا يقال لخرق العادة للكذاب إهانة، كما حصل لمسيلمة الكذّاب، فقد قال له من حوله: إنّ محمدا تفل على عين رمداء فشفيت، فافعل أنت مثله، ففعل، فعميت عين ذلك الرجل التي تفل فيها.

ثم قالوا له ثانية: إنّ محمدا تفل في بئر غائر ماؤها، ففاضت مياه البئر حتى بلغت أعلى البئر، فافعل مثله. ففعل فجفّت البئر تماما.
ثم اعلم بأنّ ثمة أحاديث كثيرة تدلّ على أنّ كلّ من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقد رآه حقا، ولا يوجد في الأمر أيّ كذب أو شكّ أو بطلان. وابليس الذي يقدر على التصوّر بعدّة صور سواء في النوم أو في اليقظة فذلك من عمله وخصائصه. ولكنه لا يستطيع أن يتشكّل بصورة النبي أبدا ولا أن يكذب عن لسانه، ويلقى بذلك في خيال الرائي. وقد عدّ جمهور العلماء هذا الأمر من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
والآن ذهب قوم إلى أنّ هذه الأحاديث تحمل على من رأى النبي صلى الله عليه وسلم بصورته وحليته المخصوصة التي كانت له فقط.

وتوسّع قوم فقالوا: سواء رآه بشكله وصورته في خلال حياته كلّها، أي سواء كان شابا أو كهلا أو في أواخر عمره.

وضيق بعضهم فقالوا: لا بدّ من أن يراه بالصورة النهائية التي غادر بها الدنيا. وقال جماعة آخرون: إنّ رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم بحليته المعروفة وصفاته الموصوفة (في كتب الشمائل) هو رؤية كاملة وحقيقية وإدراك لذاته الكريمة.
وأمّا رؤيته على غير تلك الحالة فهي إدراك للمثال. وكلا النوعين رؤيا حقّ وليست من أضغاث الأحلام، ولا يتمثّل الشيطان بواحدة منهما. لكن النوع الأول حقّ وحقيقة والثاني حقّ وتمثيل. ولا حاجة بالأول إلى التعبير لعدم وجود شبهة أو لبس. والنوع الثاني بحاجة إلى تعبير وعليه: فإنّ معنى الحديث المذكور: بأيّ صورة أرى فهو حقّ وليس من الباطل ولا من الشيطان.

وقال الإمام (النووي) محي السنة: إنّ هذا القول هو أيضا ضعيف، والصحيح هو أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان بصفاته المعروفة أو غير ذلك. والاختلاف في الصفات لا يعني اختلاف الذات، فإذن: إنّ المرئي بأي لباس أو أيّ صفة كانت فهو عينه.
وللإمام الغزالي في هذا المقام تحقيق آخر: ومبناه أنّ الإنسان مركّب من جزءين، أحدهما: الروح وهي مجرّدة، والبدن وهو آلة لإيصال الإدراك إليه. وإنّما مراد الرسول من قوله: «فقد رآني» ليس معناه رأى جسمه بل مثالا وهو آلة لتوصيل ذلك المعنى الذي في نفسي بواسطة تلك الآلة، وبدن الإنسان في اليقظة أيضا ليس إلا آلة للنفس لا أكثر.
والآلة حينا تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية. إذن فما يراه النائم من شكل ومثال الروح المقدّسة الذي هو محلّ النبوة وليس جسمه أو شخصه.
ومثل هذا رؤية الحقّ سبحانه في المنام فهو منزّه عن الشكل والصورة ولكن الغاية تصبح بواسطة التعريفات الإلهية لدى العباد بواسطة الأمثلة النورانية المحسوسة أو الصور الجميلة، وهذا يشبه الآلة.
وهكذا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الذي تعتبر ذاته الطاهرة روحا مجرّدة عن الشّكل والصورة واللون، ولكنه لمّا كان في حال الحياة فإنّ روحه المقدّسة كانت متعلّقة بذلك البدن الذي هو آلة لإدراك الروح ورؤيتها.
وأمّا بعد ما توارى بدنه الشريف في الروضة النبوية المطهّرة فإنّ الرائين (للنبي صلى الله عليه وسلم) إنما يرون طبقا لمصلحة الوقت ووفقا لتناسب حال الرائي مع الآلات والوسائط لإدراك روح النبي صلى الله عليه وسلم.
فليس المرئي روحه المجرّدة ولا جسمه وبدنه الشريف المخصوص، لأنّ حضور شخص متمكّن في مكان مخصوص وزمان ما بصفات متغايرة وصور مختلفة في أمكنة متعددة لا يتصوّر إلا بطريق التمثّل كما رئيت صورة شخص ما في عدد من المرايا المختلفة وعليه فالمرئي في رؤى الرائين إنّما هو مثالات للروح المقدّسة وهي حقّ. ولا طريق للقول ببطلان ذلك.
أمّا اختلاف الأمثلة فلاختلاف أحوال مرايا القلوب لدى الرائين مثلما تفاوت الأحوال للصّور بحسب تفاوت أحوال المرايا، وإذن:
فكلّ من رآه بصورة حسنة فذلك من حسن دينه، وكلّ من رآه على عكس ذلك فذلك نقصان دينه.
وهكذا إن رآه أحدهم شيخا والآخر شابا وبعضهم طفلا، وأحدهم راضيا وآخر غضبان، وبعضهم ضاحكا وآخرون باكيا. فهذا كله مبني على اختلاف أحوال الرائين.
وعليه فإنّ رؤية الذات النبوية الشريفة هي معيار لمعرفة أحوال الرّائي الباطنية. وهنا ضابطة مفيدة للسّالكين وبها يعرفون أحوالهم الداخلية إلى أين وصلوا؟ وفي أي مقام هم؟ فيعالجون النّقص. وفي الحقيقة إنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة مرآة صقيلة تنعكس عليها أحوال الرّائين. وعلى هذا القياس قال بعض أرباب التحقيق: إنّ ما يسمعه الرائي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: يلزم عرضه على السّنّة القولية والفعلية، فإن كانت موافقة لها فهي حقّ، وإذا عارضتها فلعلّة عارضة في سمع الرائي، وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة (بعد وفاته صلى الله عليه وسلم)، فقد قال بعض المحدّثين: لم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة أو التابعين. نعم، وردت حكايات بذلك عن بعض الصالحين في هذا الباب، ويمكن اعتبارها صحيحة وهي كثيرة جدا عن المشايخ تقرب من حدّ التواتر، وإنكار هذا الأمر من باب إنكار الكرامات للأولياء؛ ويقول الإمام الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال»: إنّ أرباب القلوب يشاهدون في اليقظة الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم كلاما، ويقتبسون منهم فوائد.

وقالوا: في الحقيقة إنّ ذلك (المرئي) هو أيضا مثال ولو كان يقظة. انتهى من ترجمةالمشكاة المسمّى بأشعة اللمعات.

الرّوح

(الرّوح) الرَّاحَة وَالرَّحْمَة ونسيم الرّيح تَقول وجدت روح الشمَال برد نسيمها (ج) أَرْوَاح وَيَوْم روح طيب الرّيح وَعَشِيَّة رَوْحَة كَذَلِك وَالــسُّرُور والفرح

(الرّوح) مَا بِهِ حَيَاة النَّفس (يذكر وَيُؤَنث) وَالنَّفس وَالنَّفس (ج) أَرْوَاح وَالْقُرْآن وَالْوَحي
وروح الْقُدس (عِنْد النَّصَارَى) الأقنوم الثَّالِث وَالروح الْأمين وروح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام و (فِي الفلسفة) مَا يُقَابل الْمَادَّة و (فِي الكيمياء) الْجُزْء الطيار للمادة بعد تقطيرها كروح الزهر وروح النعنع (مج)
الرّوح:
[في الانكليزية] Spirit ،ghost ،soul
[ في الفرنسية] Esprit ،ame
بالضم وسكون الواو اختلف الأقوال في الروح. فقال كثير من أرباب علم المعاني وعلم الباطن والمتكلّمين لا نعلم حقيقته ولا يصحّ وصفه، وهو مما جهل العباد بعلمه مع التيقّن بوجوده، بدليل قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا روي أنّ اليهود قالوا لقريش: اسألوا عن محمد عن ثلاثة أشياء.
فإن أخبركم عن شيئين وأمسك عن الثالثة فهو نبي. اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، فقال عليه السلام غدا أخبركم ولم يقل إن شاء الله تعالى. فانقطع الوحي أربعين يوما ثم نزل: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ تعالى ثم فسّر لهم قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وأبهم قصة الروح، فنزل وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. ومنهم من طعن في هذه الرواية وقال إنّ الروح ليس أعظم شأنا من الله تعالى. فإذا كانت معرفته تعالى ممكنة بل حاصلة فأي معنى يمنع من معرفة الروح. وإنّ مسئلة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلّمين، فكيف لا يعلم الرسول عليه السلام حقيقته مع أنّه أعلم العلماء وأفضل الفضلاء.
قال الإمام الرازي بل المختار عندنا أنهم سألوا عن الروح وأنّه صلوات الله عليه وسلامه أجاب عنه على أحسن الوجوه. بيانه أنّ المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح، والسؤال يقع على وجوه. أحدها أن يقال ما ماهيته؟ هو متحيّز أو حالّ في المتحيّز أو موجود غير متحيّز ولا حالّ فيه. وثانيها أن يقال أهو قديم أو حادث؟ وثالثها أن يقال أهو هل يبقى بعد فناء الأجسام أو يفني؟ ورابعها أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها؟
وبالجملة فالمباحث المتعلّقة بالروح كثيرة وفي الآية ليست دلالة على أنهم عن أي هذه المسائل سألوا: إلّا أنّه تعالى ذكر في الجواب قل الروح من أمر ربي، وهذا الجواب لا يليق إلّا بمسألتين: إحداهما السؤال عن الماهية أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل البدن متولّدة عن امتزاج الطبائع والأخلاط، أو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب، أو عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام، أو عن موجود يغاير عن هذه الأشياء؟ فأجاب الله تعالى عنه بأنّه موجود مغاير لهذه الأشياء بل هو جوهر بسيط مجرّد لا يحدث إلّا بمحدث قوله كُنْ فَيَكُونُ، فهو موجود يحدث من أمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه مطلقا، وهو المراد من قوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وثانيتهما السؤال عن قدمها وحدوثها فإنّ لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل كقوله تعالى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ فقوله مِنْ أَمْرِ رَبِّي معناه من فعل ربي فهذا الجواب يدلّ على أنهم سألوه عن قدمه وحدوثه فقال: بلى هو حادث، وإنّما حصل بفعل الله وتكوينه. ثم احتج على حدوثه بقوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا يعني أنّ الأرواح في مبدأ الفطرة خالية عن العلوم كلّها ثم تحصل فيها المعارف والعلوم، فهي لا تزال متغيّرة عن حال إلى حال والتغيّر من أمارات الحدوث انتهى.
ثم القائلون بعدم امتناع معرفة الروح اختلفوا في تفسيره على أقوال كثيرة. قيل إنّ الأقوال بلغت المائة. فمنهم من ذهب إلى أنّ الروح الإنساني وهو المسمّى بالنفس الناطقة مجرّد. ومنهم من ذهب إلى أنّه غير مجرّد.
ثم القائلون بعدم التجرد اختلفوا على أقوال. فقال النّظّام إنّه أجسام لطيفة سارية في البدن سريان ماء الورد في الورد، باقية من أول العمر إلى آخره، لا يتطرّق إله تحلّل ولا تبدّل، حتى إذا قطع عضو من البدن انقبض ما فيه من تلك الأجزاء إلى سائر الأعضاء. إنّما المتحلّل والمتبدّل من البدن فضل ينضمّ إليه وينفصل عنه، إذ كل أحد يعلم أنّه باق من أول العمر إلى آخره. ولا شكّ أنّ المتبدّل ليس كذلك.
واختار هذا الإمام الرازي وإمام الحرمين وطائفة عظيمة من القدماء كما في شرح الطوالع. وقيل إنّه جزء لا يتجزأ في القلب لدليل عدم الانقسام وامتناع وجود المجرّدات فيكون جوهرا فردا وهو في القلب، لأنه الذي ينسب إليه العلم، واختاره ابن الراوندي. وقيل جسم هوائي في القلب. وقيل جزء لا يتجزأ من أجزاء هوائية في القلب. وقيل هي الدماغ. وقيل هي جزء لا يتجزأ من أجزاء الدماغ. ويقرب منه ما قيل جزء لا يتجزأ في الدماغ. وقيل قوة في الدماغ مبدأ للحسّ والحركة. وقيل في القلب مبدأ للحياة في البدن. وقيل الحياة. وقيل أجزاء نارية وهي المسمّاة بالحرارة الغريزية. وقيل أجزاء مائية هي الأخلاط الأربعة المعتدلة كمّا وكيفا. وقيل الدم المعتدل إذ بكثرته واعتداله تقوى الحياة، وبفنائه تنعدم الحياة. وقيل الهواء إذ بانقطاعها تنقطع الحياة طرفة عين، فالبدن بمنزلة الزّقّ المنفوخ فيه. وقيل الهيكل المخصوص المحسوس وهو المختار عند جمهور المتكلمين من المعتزلة وجماعة من الأشاعرة. وقيل المزاج وهو مذهب الأطباء، فما دام البدن على ذلك المزاج الذي يليق به الإنسان كان مصونا عن الفساد، فإذا خرج عن ذلك الاعتدال بطل المزاج وتفرّق البدن كذا في شرح الطوالع. وقيل الروح عند الأطباء جسم لطيف بخاري يتكوّن من لطافة الأخلاط وبخاريتها كتكوّن الأخلاط من كثافتها وهو الحامل للقوى الثلاث. وبهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة اقسام روح حيواني وروح نفساني وروح طبيعي، كذا في الأقسرائي. وقيل الروح هذه القوى الثلاث أي الحيوانية والطبيعية والنفسانية. وفي بحر الجواهر الروح عند الأطباء جوهر لطيف يتولّد من الدم الوارد على القلب في البطن الأيسر منه لأنّ الأيمن منه مشغول بجذب الدم من الكبد. وقال ابن العربي إنّهم اختلفوا في النفس والروح. فقيل هما شيء واحد. وقيل هما متغايران وقد يعبّر عن النفس بالروح وبالعكس وهو الحقّ انتهى. وبالنظر إلى التغاير [ما] وقع في مجمع السلوك من أنّ النفس جسم لطيف كلطافة الهواء ظلمانية غير زاكية منتشرة في أجزاء البدن كالزّبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز يعني سريان النفس في البدن كسريان الزبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز. والروح نور روحاني آلة للنفس كما أنّ السر آلة لها أيضا، فإنّ الحياة في البدن إنما تبقى بشرط وجود الروح في النفس. وقريب من هذا ما قال في التعريف وأجمع الجمهور على أنّ الروح معنى يحيى به الجسد. وفي الأصل الصغار أنّ النفس جسم كثيف والروح فيه جسم لطيف والعقل فيه جوهر نوراني. وقيل النفس ريح حارة تكون منها الحركات والشهوات، والروح نسيم طيّب تكون به الحياة. وقيل النفس لطيفة مودعة في القلب منها الأخلاق والصفات المذمومة كما أنّ الروح لطيف مودع في القلب منه الأخلاق والصفات المحمودة.
وقيل النفس موضع نظر الخلق والقلب موضع نظر الخالق، فإنّ له سبحانه تعالى في قلوب العباد في كل يوم وليلة ثلاثمائة وستين نظرة.
وأما الروح الخفي ويسمّيه السالكون بالأخفى فهو نور ألطف من السّر والروح وهو أقرب إلى عالم الحقيقة. وثمّة روح آخر ألطف من هذه الأرواح كلّها ولا يكون هذا لكل واحد بل هو للخواص انتهى. ويجيء توضيح هذا في لفظ السّر وبعض هذه المعاني قد سبق في لفظ الإنسان أيضا.
والقائلون بتجرّد الروح يقولون الروح جوهر مجرّد متعلّق بالبدن تعلّق التّدبير والتصرّف، وإليه ذهب أكثر أهل الرياضات وقدماء المعتزلة وبعض الشيعة وأكثر الحكماء كما عرفت في لفظ الإنسان، وهي النفس الناطقة، ويجيء تحقيقه.

وقال شيخ الشيوخ: الروح الإنساني السماوي من عالم الأمر أي لا يدخل تحت المساحة والمقدار، والروح الحيواني البشري من عالم الخلق أي يدخل تحت المساحة والمقدار، وهو محل الروح العلوي. والروح الحيواني جسماني لطيف حامل لقوة الحسّ والحركة ومحلّه القلب، كذا في مجمع السلوك.
قال في الإنسان الكامل في باب الوهم:
اعلم أنّ الروح في الأصل بدخولها في الجسد وحلولها فيه لا تفارق مكانها ومحلّها، ولكن تكون في محلّها، وهي ناظرة إلى الجسد.
وعادة الأرواح أنّها تحلّ موضع نظرها فأي محلّ وقع فيه نظرها تحلّه من غير مفارقة لمركزها الأصلي، هذا أمر يستحيله العقل ولا يعرف إلّا بالكشف. ثم إنّه لما نظرت إلى الجسم نظر الاتحاد وحلّت فيه حلول الشيء في هويته اكتسبت التصوير الجسدي بهذا الحلول في أوّل وهلة، ثم لا تزال تكتسب منه. أمّا الأخلاق الرّضيّة الإلهية فتصعد وتنمو به في علّيين. وأما الأخلاق البهيمية الحيوانية الأرضية فتهبط بتلك الأخلاق إلى سجّين. وصعودها هو تمكّنها من العالم الملكوتي حال تصوّرها بهذه الصورة الإنسانية لأنّ هذه الصورة تكتسب الأرواح ثقلها وحكمها، فإذا تصوّر بصورة الجسد اكتسب حكمه من الثّقل والحصر والعجز ونحوها، فيفارق الروح بما كان له من الخفّة والسّريان لا مفارقة انفصال ولكن مفارقة اتصال لأنّها تكون متّصفة بجميع أوصافها الأصلية، ولكنها غير متمكّنة من إتيان الأمور الفعلية، فتكون أوصافها فيها بالقوة لا بالفعل. ولذا قلنا مفارقة اتصال لا انفصال، فإن كان صاحب الجسم يستعمل الأخلاق الملكية فإنّ الروح تتقوّى ويرفع حكم الثقل عن نفسها حتى لا تزال كذلك إلى أن يصير الجسد في نفسه كالروح، فيمشي على الماء ويطير في الهواء.
وإن كان يستعمل الأخلاق البشرية فإنّه يتقوّى على الروح حكم الرّسوب والثّقل فتنحصر في سجنه فتحشر غدا في السّجّين، كما قال قائل بالفارسية:
الإنسان تحفة معجونة من أصل ملائكي وآخر حيواني فإن مال إلى أصله الحيواني فهو أدنى منه وإن مال إلى أصله الملائكي فهو أعلى مقاما منه.
ثم إنّها لما تعشّقت بالجسم وتعشّق الجسم بها فهي ناظرة إليه ما دام معتدلا في صحته. فإذا سقم وحصل فها الألم بسببه أخذت في رفع نظرها عنه إلى عالمها الروحي، إذ تفريحها فيه، ولو كانت تكره مفارقة الجسد فإنّها تأخذ نظرها فترفعه من العالم الجسدي رفعا ما إلى العالم الروحي. كمن يهرب عن ضيق إلى سعة.
ولو كان له في المحل الذي يضيق فيه من ينجّيه فلا تحذير من الفرار. ثم لا تزال الروح كذلك إلى أن يصل الأجل المحتوم فيأتيها عزرائيل عليه السلام على صورة مناسبة بحالها عند الله من الحسنة أو القبيحة، مثلا يأتي إلى الظالم من عمّال الدّيوان على صفة من ينتقم منه أو على صفة رسل الملك لكن في هيئة منكرة، كما أنّه يأتي إلى الصّلحاء في صورة أحبّ الناس إليهم. وقد يتصوّر لهم بصورة النبي عليه السلام. فإذا شهدوا تلك الصورة خرجت أرواحهم. وتصوّره بصورة النبي عليه السلام وكذا لأمثاله من الملائكة المقرّبين مباح لأنهم مخلوقون من قوى روحية، وهذا التصور من باب تصوّر روح الشخص بجسده، فما تصوّر بصورة محمد عليه السلام إلّا روحه، بخلاف إبليس عليه اللعنة واتباعه المخلوقين من بشريته لأنّه عليه السلام ما تنبّأ إلّا دما فيه شيء من البشرية للحديث: «إنّ الملك [أتاه و] شقّ قلبه فأخرج منه دما فطهّر قلبه»، فالدّم هي النفس البشرية وهي محلّ الشياطين، فلذا لم يقدر أحد منهم أن يتمثّل بصورته لعدم التناسب.
وكذا يأتي إلى الفرس بصورة الأسد ونحوه، وإلى الطيور على صفة الذابح ونحوه. وبالجملة فلا بد له من مناسبة إلّا من يأتيه على غير صورة مركبة بل في بسيط غير مرئي يهلك الشخص بشمّه. فقد تكون رائحة طيبة وقد تكون كريهة وقد لا تعرف رائحته بل يمرّ عليه كما لا يعرفه.
ثم إنّ الروح بعد خروجه من الجسد أي بعد ارتفاع نظره عنه، إذ لا خروج ولا دخول هاهنا، لا يفارق الجسدية أبدا، لكن يكون لها زمان تكون فيه ساكنة كالنائم الذي ينام ولا يرى شيئا في نومه، ولا يعتدّ بمن يقول إنّ كل نائم لا بد له أن يرى شيئا. فمن الناس من يحفظ ومنهم من ينساه. وهذا السكون الأول هو موت الأرواح. ألا ترى إلى الملائكة كيف عبّر صلى الله عليه وسلم عن موتهم بانقطاع الذّكر. ثم إذا فرغ عن مدّة هذا السكون المسمّى بموت الأرواح تصير الروح في البرزخ انتهى ما في الإنسان الكامل.
ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أنّ لكل نبي خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة أرواح كذا في المواهب اللدنية، وفي مشكاة الأنوار تصنيف الإمام حجة الإسلام الغزالي الطوسي أنّ مراتب الأرواح البشرية النورانية خمس. فالأولى منها الروح الحسّاس وهو الذي يتلقى ما يورده الحواس الخمس وكأنه أصل الروح الحيواني وأوله، إذ به يصير الحيوان حيوانا وهو موجود للصبي الرضيع. والثانية الروح الخيالي وهو الذي يتشبّث ما أورده الحواس ويحفظ مخزونا عنه ليعرضه على الروح العقلي الذي فوقه عند الحاجة إليه، وهذا لا يوجد للصبي الرضيع في بداية نشوئه، وذلك يولع للشيء ليأخذه، فإذا غيّب عنه ينساه ولا ينازعه نفسه إليه إلى أن يكبر قليلا، فيصير بحيث إذا غيّب عنه بكى وطلب لبقاء صورته المحفوظة في خياله. وهذا قد يوجد في بعض الحيوانات دون بعض، ولا يوجد للفراش المتهافت على النار لأنه يقصد النار لشغفه بضياء النار، فيظن أنّ السراج كوّة مفتوحة إلى موضع الضياء فيلقي نفسه عليها فيتأذّى به، ولكنه إذا جاوزه وحصل في الظلمة عادة مرة أخرى. ولو كان له الروح الحافظ المتشبّث لما أدّاه الحسّ إليه من الألم لما عاوده بعد التضرّر. والكلب إذا ضرب مرّة بخشبة فإذا رأى تلك الخشبة بعد ذلك يهرب. والثالثة الروح العقلي الذي به يدرك المعاني. الخارجة عن الحسّ والخيال وهو الجوهر الإنسي الخاص، ولا يوجد للبهيمة ولا للصبي، ومدركاته المعارف الضرورية الكلية. والرابعة الروح الذّكري الفكري وهو الذي أخذ المصارف العقلية فيوقع بينها تأليفات وازدواجات ويستنتج منها معاني شريفة. ثم إذا استفاد نتيجتين مثلا ألّف بينهما نتيجة أخرى، ولا تزال تتزايد كذلك إلى غير النهاية. والخامسة الروح القدسي النّبوي الذي يختصّ به الأنبياء وبعض الأولياء وفيه يتجلّى لوائح الغيب وأحكام الآخرة وجملة من معارف ملكوت السموات والأرض بل المعارف الربانية التي يقصر دونها الروح العقلي والفكري؛ ولا يبعد أيها المعتكف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور آخر يظهر فيه ما لا يظهر في العقل، كما لا يبعد كون العقل طورا وراء التميّز والإحساس ينكشف فيه عوالم وعجائب يقصر عنها الإحساس والتميّز، ولا يجعل أقصى الكمالات وقفا على نفسك. ألا ترى كيف يختص بذوق الشّعر قوم ويحرم عنه بعض حتى لا يتميّز عندهم الألحان الموزونة عن غيرها انتهى.
اعلم أنّ كلّ شيء محسوس فله روح.
وفي تهذيب الكلام زعم الحكماء أنّ الملائكة هم العقول المجرّدة والنفوس الفلكية، والجنّ أرواح مجرّدة لها تصرّف في العنصريات، والشيطان هو القوّة المتخيّلة. وإنّ لكل فلك روحا كليا ينشعب منه أرواح كثيرة، والمدبّر لأمر العرش يسمّى بالنفس الكلّي. ولكلّ من أنواع الكائنات روح يدبّر أمره يسمّى بالطبائع التامة انتهى. وفي الإنسان الكامل اعلم أنّ كل شيء من المحسوسات له روح مخلوق قام به صورته. والروح لذلك الصورة كالمعنى للفظ. ثم إنّ لذلك الروح المخلوق روحا إلهيا قام به ذلك الروح، وذلك الروح الإلهي هو روح القدس المسمّى بروح الأرواح، وهو المنزّه عن الدخول تحت كلمة كن، يعني أنّه غير مخلوق لأنه وجه خاص من وجوه الحق قام به الوجود، وهو المنفوخ في آدم. فروح آدم مخلوق وروح الله غير مخلوق. فذلك الوجه في كل شيء هو روح الله وهو روح القدس أي المقدّس عن النقائص الكونية. وروح الشيء نفسه والوجود قائم بنفس الله، ونفسه ذاته. فمن نظر إلى روح القدس في إنسان رآها مخلوقة لانتفاء قديمين، فلا قديم إلّا الله وحده، ويلحق بذاته جميع أسمائه وصفاته لاستحالة الانفكاك، وما سوى ذلك فمخلوق. فالإنسان مثلا له جسد وهو صورته وروح هو معناه وسرّ هو الروح ووجه وهو المعبّر عنه بروح القدس وبالسرّ الالهي والوجود الساري. فإذا كان الأغلب على الانسان الأمور التي تقتضيها صورته وهي المعبّر عنه بالبشرية وبالشهوانية فإنّ روحه يكتسب الرسوب المعدني الذي هو أصل الصورة ومنشأ محلها، حتى كاد تخالف عالمها الأصلي لتمكّن المقتضيات البشرية فيها، فتقيّدت بالصورة عن إطلاقها الروحي، فصارت في سجن الطبيعة والعادة وذلك في دار الدنيا، مثال السجين في دار الآخرة بل عين السجين هو ما استقر فيه الروح، لكن السجين في الآخرة سجن محسوس من النار وهي في الدنيا هذا المعنى المذكور لأنّ الآخرة محل تبرز فيه المعاني صورا محسوسة، وبعكسه الإنسان إذا كان الأغلب عليه الأمور الروحانية من دوام الفكر الصحيح وإقلال الطعام والمنام والكلام وترك الأمور التي تقتضيها البشرية، فإنّ هيكله يكتسب اللّطف الروحي فيخطو على الماء ويطير في الهواء ولا يحجبه الجدران وبعد البلدان، فتصير في أعلى مراتب المخلوقات وذلك هو عالم الأرواح المطلقة عن القيود الحاصلة بسبب مجاورة الأجسام، وهو المشار إليه بقوله إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ.
فائدة:
اختلفوا في المراد من الروح المذكور في قوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي على أقوال. فقيل المراد به ما هو سبب الحياة.
وقيل القرآن يدلّ عليه قوله وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا وأيضا فبالقرآن تحصيل حياة الأرواح وهي معرفة الله تعالى. وقيل جبرئيل لقوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ. وقيل ملك من ملكوت السموات هو أعظمهم قدرا وقوة وهو المراد من قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا.
ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قال هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبّح الله تعالى بتلك اللغات كلّها، ويخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيمة. ولم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش. ولو شاء أن يبلع السموات السبع والأرض السبع ومن فيهن بلقمة واحدة.
ولقائل أن يقول هذا ضعيف لأنّ هذا التفصيل ما عرفه علي رضي الله عنه إلّا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الشرح لعلي رضي الله عنه، فلم لم يذكره لغيره. ولأنّ ذلك الملك إن كان حيوانا واحدا وعاقلا واحدا لم يمكن تكثير تلك اللغات. وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيوانا آخر لم يكن ذلك ملكا واحدا بل كان مجموع ملائكة. ولأنّ هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه كذا في التفسير الكبير. وقيل الروح خلق ليسوا بالملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورءوس. قال أبو صالح يشتبهون الناس وليسوا منهم.
قال الإمام الرازي في التفسير الكبير ولم أجد في القرآن ولا في الأخبار الصحيحة شيئا يمكن التمسّك به في إثبات هذا القول، وأيضا فهذا شيء مجهول، فيبتعد صرف هذا السؤال إليه انتهى
قال صاحب الإنسان الكامل الملك المسمّى بالروح هو المسمّى في اصطلاح الصوفية بالحق المخلوق به والحقيقة المحمدية نظر الله تعالى إلى هذا الملك بما نظر به [إلى] نفسه فخلقه من نوره وخلق العالم منه وجعله محلّ نظره من العالم. ومن أسمائه أمر الله هو أشرف الموجودات وأعلاها مكانة وأسماها منزلة ليس فوقه ملك، هو سيد المرسلين وأفضل المكرمين.
اعلم أنّه خلق الله تعالى هذا الملك مرآة لذاته لا يظهر الله تعالى بذاته إلّا في هذا الملك، وظهوره في جميع المخلوقات إنّما هو بصفاته، فهو قطب الدنيا والآخرة وأهل الجنة والنار والأعراف، اقتضت الحقيقة الإلهية في علم الله سبحانه أن لا يخلق شيئا إلّا ولهذا الملك فيه وجه، يدور ذلك المخلوق على وجهه فهو قطبه لا يتعرّف هذا الملك إلى أحد من خلق الله إلّا للإنسان الكامل، فإذا عرفه الولي علّمه أشياء، فإذا تحقّق بها صار قطبا تدور عليه رحى الوجود جميعه، لكن لا بحكم الأصالة بل بحكم النيابة والعارية، فاعرفه فإنّه الروح المذكور في قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا يقوم هذا الملك في الدولة الإلهية والملائكة بين يديه وقوفا صفا في خدمته وهو قائم في عبودية الحق متصرّف في تلك الحضرة الإلهية بما أمره الله به. وقوله لا يَتَكَلَّمُونَ راجع إلى الملائكة دونه فهو مأذون له بالكلام مطلقا في الحضرة الإلهية لأنّه مظهرها الأكمل والملائكة وإنّ أذن لهم بالتكلّم لم يتكلّم كلّ ملك إلّا بكلمة واحدة ليس في طاقته أكثر من ذلك، فلا يمكنه البسط في الكلام، فأول ما يتلقّى الأمر بنفوذ أمر في العالم خلق الله منه ملكا لائقا بذلك الأمر فيرسله الروح فيفعل الملك ما أمر به الروح؛ وجميع الملائكة المقرّبين مخلوقون منه كإسرافيل وميكائيل وجبرئيل وعزرائيل ومن هو فوقهم وهو الملك القائم تحت الكرسي، والملك المسمّى بالمفضّل وهو القائم تحت الإمام المبين، وهؤلاء هم العالون الذين لم يؤمروا لسجود آدم، كيف ظهروا على كل من بني آدم فيتصوّرهم في النوم بالأمثال التي بها يظهر الحق للنائم، فتلك الصور جميعها ملائكة الله تنزل بحكم ما يأمرها الملك الموكل بضرب الأمثال فيتصوّر بكل صورة للنائم. ولهذا يرى النائم أنّ الجماد يكلّمه ولو لم يكن روحا متصورا بالصورة الجمادية لم يكن يتكلّم. ولذا قال عليه السلام: «الرؤيا الصادقة وحي من الله» وذلك لأنّ الملك ينزل به. ولما كان إبليس عليه اللعنة من جملة المأمورين بالسجود ولم يسجد، أمر الشياطين وهم نتيجته وذريته أن يتصوّروا للنائم بما يتصوّر به الملائكة فظهرت المرايا الكاذبة. اعلم أنّ هذا الملك له أسماء كثيرة على عدد وجوهه يسمّى بالأعلى وبروح محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبالعقل الأول وبالروح الإلهي من تسمية الأصل بالفرع، وإلّا فليس له في الحضرة الإلهية إلّا اسم واحد وهو الروح انتهى. وأيضا يطلق الروح عند أهل الرّمل على عنصر النار. فمثلا نار لحيان، يقولون عنها إنّها الروح الأولى، ونار نصرة الخارج تسمّى الروح الثانية. وقالوا في بعض الرسائل: النار هي الروح، والريح هي العقل والماء هو النفس، والتراب هو الجسم فالروح الأوّلي، إذا، هي النار الأولى، كما يقولون، وهكذا حتى النفي التي هي الروح السابعة.
والروح الأولى يسمّونها العقل الأوّل إلى عتبة الداخل التي هي العقل السابع. والماء الأوّل يقولون إنّها النفس النار الأولى الجسم الأوّل إلى عتبة الداخل الذي هو الجسم السابع انتهى.
وفي كليات أبي البقاء الروح بالضم هو الريح المتردّد في مخارق البدن ومنافذه واسم للنفس واسم أيضا للجزء الذي تحصل به الحياة واستجلاب المنافع واستدفاع المضار. والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، وينتشر بواسطة العروق [الضوارب] إلى سائر أجزاء البدن؛ والروح الإنساني لا يعلم كنهه إلّا الله تعالى. ومذهب أهل السنة والجماعة أنّ الروح والعقل من الأعيان وليسا بعرضين كما ظنّته المعتزلة وغيرهم، وأنهما يقبلان الزيادة من الصفات الحسنة والقبيحة كما تقبل العين الناظر غشاوة ورمدا والشمس انكسافا. ولهذا وصف الروح بالأمّارة بالسّوء مرة وبالمطمئنّة أخرى. وملخص ما قال الغزالي إنّ الروح ليس بجسم يحلّ البدن حلول الماء في إناء ولا هو عرض يحلّ القلب والدماغ حلول العلم في العالم، بل هو جوهر لأنّه يعرف نفسه وخالقه ويدرك المعقولات وهو باتفاق العقلاء جزء لا يتجزّأ وشيء لا ينقسم، إلّا أنّ لفظ الجزء غير لائق به لأنّ الجزء مضاف إلى الكل ولا كلّ هاهنا فلا جزء، إلّا أن يراد به ما يريد القائل بقوله الواحد جزء من العشرة فإذا أخذت جميع [الموجودات أو جميع] ما به قوام البدن في كونه إنسانا كان الروح واحدا من جملتها لا هو داخل فيه ولا هو خارج عنه ولا هو منفصل منه ولا هو متّصل به، بل هو منزّه عن الحلول في المحال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات، مقدّس عن هذه العوارض وليس هذا تشبيها وإثباتا لأخصّ وصف الله تعالى في حق الروح، بل أخصّ وصف الله تعالى أنّه قيّوم أي قائم بذاته، وكل ما سواه قائم به. فالقيومية ليست إلّا لله تعالى. ومن قال إنّ الروح مخلوق أراد انه حادث وليس بقديم. ومن قال إنّ الروح غير مخلوق أراد أنّه غير مقدّر بكمية فلا يدخل تحت المساحة والتقدير. ثم اعلم أنّ الروح هو الجوهر العلوي الذي قيل في شأنه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يعني أنّه موجود بالأمر وهو الذي يستعمل في ما ليس له مادة فيكون وجوده زمانيّا لا بالخلق، وهو الذي يستعمل في مادّيات فيكون وجوده آنيا. فبالأمر توجد الأرواح وبالخلق توجد الأجسام المادية. قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ. وقال وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ.
والأرواح عندنا أجسام لطيفة غير مادية خلافا لفلاسفة فإذا كان الروح غير مادي كان لطيفا نورانيا غير قابل للانحلال ساريا في الأعضاء للطافته، وكان حيا بالذات لأنّه عالم قادر على تحريك البدن. وقد ألّف الله [بين] الروح والنفس الحيوانية. فالروح بمنزلة الزوج والنفس الحيوانية بمنزلة الزوجة وجعل بينهما تعاشقا. فما دام في البدن كان البدن حيا يقظان، وإن فارقه لا بالكلّية بل تعلقه باق [ببقاء النفس الحيوانية] كان البدن نائما، وإن فارقه بالكليّة بأن لم تبق النفس الحيوانية فيه فالبدن ميّت.
ثم هي أصناف بعضها في غاية الصّفاء وبعضها في غاية الكدورة وبينهما مراتب لا تحصى. وهي حادثة؛ أمّا عندنا فلأنّ كل ممكن حادث لكن قبل حدوث الأجسام لقوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام». وعند أرسطو حادثة مع البدن.
وعند البعض قديمة لأنّ كل حادث مسبوق بالمادة ولا مادة له وهذا ضعيف. والحق أنّ الجوهر الفائض من الله تعالى المشرّف بالاختصاص بقوله تعالى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي الذي من شأنه أن يحيى به ما يتّصل به لا يكون من شأنه أن يفنى مع إمكان هذا.
والأخبار الدالّة على بقائه بعد الموت وإعادته في البدن وخلوده دالّة على بقائه وأبديته. واتفق العقلاء على أنّ الأرواح بعد المفارقة عن الأبدان تنقل إلى جسم آخر لحديث: «أنّ أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر» إلى آخره.

وروي: «أرواح الشهداء» الخ. ومنعوا لزوم التناسخ لأنّ لزومه على تقدير عدم عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه وذلك غير لازم، بل إنّما يعاد الروح في الأجزاء الأصلية، إنّما التغيّر في الهيئة والشكل واللون وغيرها من الأعراض والعوارض.
ولفظ الروح في القرآن جاء لعدة معان.
الأول ما به حياة البدن نحو قوله تعالى:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ. والثاني بمعنى الأمر نحو وَرُوحٌ مِنْهُ والثالث بمعنى الوحي نحو تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ. والرابع بمعنى القرآن نحو وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا والخامس الرحمة نحو وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ والسادس جبرئيل نحو فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا انتهى من كليات أبي البقاء.
وفي الاصطلاحات الصوفية الروح في اصطلاح القوم هي اللطيفة الإنسانية المجرّدة.
وفي اصطلاح الأطباء هو البخار اللطيف المتولّد في القلب القابل لقوة الحياة والحسّ والحركة، ويسمّى هذا في اصطلاحهم النفس. فالمتوسّط بينهما المدرك للكلّيات والجزئيات القلب. ولا يفرّق الحكماء بين القلب والروح الأول ويسمّونها النفس الناطقة. وفي الجرجاني الروح الإنساني وهو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني نازل من [عالم] الأمر يعجز العقول عن إدراك كنهه، وذلك الروح قد يكون مجرّدة وقد يكون منطبقة في البدن. والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن. والروح الأعظم الذي هو الروح الإنساني مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، لذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم ولا يروم وصلها رائم لا يعلم كنهها إلّا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه وهو العقل الأول والحقيقة المحمدية والنفس الواحدة والحقيقة الأسمائية، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النوراني، جوهريته مظهر الذات ونورانيته مظهر علمها، ويسمّى باعتبار الجوهرية نفسا واحدة، وباعتبار النورانية عقلا أوّلا، وكما أنّ له في العالم الكبير مظاهر وأسماء من العقل الأول والقلم الأعلى والنور والنفس الكلية واللوح المحفوظ وغير ذلك، كذلك له في العالم الصغير الإنساني مظاهر وأسماء بحسب ظهوراته ومراتبه. وفي اصطلاح أهل الله وغيرهم وهي السّر والخفي والروح والقلب والكلمة والرّوع والفؤاد والصدر والعقل والنفس.

دوائر العروض

دوائر العروض:
[في الانكليزية] Cycles of prosody
[ في الفرنسية] Les cycles de la prosodie
اعلم أنّ بعض علماء العروض وضعوا للبحور خمس دوائر من أجل سهولة تفهيم اختلاف البحور ومنعا لاختلاطها بعضها ببعض.
وقد وضعوا اسما خاصا مناسبا لكلّ دائرة.

الدائرة الأولى: الدائرة المختلفة ووجه التّسمية هو اختلاف أركانها فبعضها خماسي وبعضها سباعي: وتشتمل هذه الدائرة على كلّ من البحر الطويل والمديد والبسيط. وهي على النحو الآتي: فعولن مفاعيلن مرتان، وقد فرّقوا حروفها تحت خط محيط الدائرة. وحرف الميم التي هي علامة متحرّكة، والألف التي حرف ساكن قد وضعت فوق تلك الحروف.
فإذا ابتدءوا من فعولن على هذا الشكل:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن، فإذن يحصل لنا البحر الطويل.
وأمّا إذا بدأ من لن كانت البداية على النحو التالي:
لن مفاعي لن فعو لن مفاعي لن فعو أي ما يعادل:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن.
حينئذ يحصل لدينا البحر المديد.
وأما إذا ابتدئ من عيلن على هذا النحو:
عيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفا أي ما يعادل:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن. فحينئذ يحصل لدينا البحر البسيط. ويقول بعضهم:
يمكن استخراج خمسة أبحر من الدائرة المختلفة؛ لأنّه لو بدئ من الجزء الأول فسيحصل لدينا البحر الطويل كما مرّ.
وأما إذا بدئ من الجزء الثاني كان الابتداء أي لن فالبحر المديد يحصل كما ذكر آنفا، وأما إذا ابتدئ من الجزء الثالث أي مفا على هذا الوزن:
مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعول فهذا بحر الطويل المقلوب والذي يسمّى أيضا البحر العريض لأنّه مقابل للطويل. ولم يوجد شعر في العربية على وزن هذا البحر. بينما يقول البهرامي: لقد رأيت في الفارسي شعرا على هذا الوزن.
ثم إذا ابتدئ من الجزء الرابع يعني عيلن فيحصل لدينا البحر البسيط كما هو مشار إليه آنفا. وأمّا إذا ابتدئ من الجزء الخامس فقرئ أولا أي من لفظ لن الثانية على هذا النحو: لن فعولن مفاعي لن فعولن مفاعي أي على وزن:
فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.
فهذا بحر مقلوب المديد. ويسمّى أيضا البحر العميق. لأنّه يقابل المديد وهذا البحر أيضا ليس في العربية.
وقد نظم الشطر الآتي في الدائرة ليمكن قراءة بحور هذه الدائرة وهو من الطويل:
بمن برگذر أي مه بمن درنگر گه گه.

وترجمة هذا الشطر: مرّ بي أيها القمر، وانظر الي حينا بعد حين.

ويكون على وزن المديد هكذا:
برگذر أي مه بمن درنگر گه گه بمن وعلى وزن مقلوب الطّويل:
گذر أي مه بمن درنگر گه گه بمن بر وعلى وزن البحر البسيط:
أي مه بمن درنگر گه گه بمن برگذر ويكون على وزن مقلوب المديد:
مه بمن درنگر گه گه بمن برگذر أي.

وصورة الدائرة المختلفة هي:

الدائرة الثانية: الدائرة المؤتلفة:
ووجه التّسمية هو تآلف واتفاق أركانها. فكلّ واحد فيها سباعي الحروف. وهذه الدائرة هي دائرة البحر الكامل والوافر. وطريقها أن تكتب مفاعلتن ثلاث مرات أو أربعة على خط الدائرة.
فإذا ابتدئ من مفا على هذا النحو:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
فحينئذ يكون لدينا البحر الوافر. وإذا تكرّرت مفاعلتن ثلاث مرات فالبحر هو الوافر المسدّس وإن تكرّرت أربع مرات فالوافر المثمّن.
وهكذا البحر الكامل فإن شرع من علتن على النحو التالي.
علتن مفا علتن فعا علتن فعا أي على وزن:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن.
فيحصل لدينا البحر الكامل.

ويقول بعضهم: يمكن الحصول من الدائرة المؤتلفة على ثلاثة أبحر: الوافر والكامل كما مر. وكذلك إذا ابتدئ من تن على النحو التالي:
تن مفاعلن تن مفاعلن تن مفاعلن أي على وزن:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن. ولكن هذا الوزن متروك، ولهذا لم يوضع له اسم. ولا يخفى أنّ حرف اللام من مفاعلتن متحرّك وحرف النون في فاعلاتن ساكن. وعليه فلا ينطبق. وقد وضعوا مصراعا في هذه الدائرة ليمكن قراءة البحور الثلاثة بها: وهي على وزن الوافر المسدّس.
بگو دل من كجا طلبم ز بهر خدا

ومعناها: قل يا قلبي: أين أطلب من أجل الله.

وعلى وزن الكامل المسدّس يكون المصراع:
دل من كجا طلبم ز بهر خدا بگو.

وأما على وزن المتروك فهكذا: من كجا طلبم ز بهر خدا بگو دل.

وصورة الدائرة هي:

الدائرة الثالثة وهي المجتلبة: ووجه التّسمية هو أن أركانها مأخوذة ومجلوبة من أركان الدائرة الأولى؛ وهذه الدائرة هي دائرة بحر الهزج وبحر الرجز وبحر الرمل الملتوي على هذا النحو: تكتب مفاعلين ثلاث أو أربع مرات. تحت خطّ محيط الدائرة. فإذا ابتدئ من مفا على هذا النحو مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن، فيكون لدينا بحر الهزج. فإن كانت مفاعيلن كتبت ثلاث مرات فالنتيجة هي بحر الهزج المسدّس وإن كتبت أربع مرات نتج معنا بحر الهزج المثمّن وهكذا يكون كلّ من بحر الرجز والرمل. وأمّا إذا كان الشروع من عيلن على هذه الصورة:
عيلن مفا عيلن مفا عيلن مفا أي على وزن:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن فالبحر هو بحر الرجز.

وأما إذا كان الابتداء من: لن مفا لن مفا لن مفاعي أي وزن:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن.

فالبحر هو بحر الرّمل:
وثمّة مصراع من الشّعر يمكن قراءته في هذه الدائرة على حسب أوزان البحور الثلاثة المذكورة. والمصراع المذكور هو على وزن بحر الهزج المسدّس: مرا دل بى دلارامي دلارامى نيارامد.

ومعنى المصراع: لا يستريح قلبي بدون حبيب القلب. وأمّا على وزن الرجز المسدّس فيقرأ هكذا:
دل بى دلا/ ارامى نيارا/ مدمرا وأما على وزن الرّمل المسدس فيكتب هكذا:
بى دلارامى نيارامد مرا دل.
وإذا أضفنا كلمة «نگارينا» في آخر الشطر فيصير الوزن مثمّنا. وهذه صورة الدائرة المجتلبة:

الدائرة الرابعة: وهي الدائرة المشتبهة:

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 806 دوائر العروض: ..... ص: 803

دائرة الرابعة: وهي الدائرة المشتبهة:
ووجه التّسمية في ذلك هو تشابه أركان البحور بعضها ببعض.
وتشتمل هذه الدائرة على ستّة بحور هي:
السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث وذلك بكتابة:
مستفعلن مستفعلن فعولات. على محيط الدائرة.
فإذا شرع من مستفعلن- مستفعلن مفعولات فيكون معنا البحر السريع. وأما إذا ابتدئ من مستفعلن الثانية: أي مستفعلن فعولات مستفعلن. فينتج لدينا البحر المنسرح المسدّس. وأما إذا كانت البداية من: تفعلن على هذا النحو:
تفعلن مف عولات مس تفعلن مس أي على وزن.
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
فالناتج هو بحر الخفيف.
وأما إذا كان الابتداء من علن الثانية أي علن مفعولات مستف علن مستف أي على وزن
مفاعيلن فاعلات مفاعلين.
فيكون لدينا البحر المضارع. وأمّا الشروع من مفعولات مستفعلن مستفعلن. فينتج منه بحر المقتضب المسدّس.

وأمّا إذا ابتدئ من عولات أي:
عولات مس تفعلن مس تفعلن مس أي على وزن
مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن.
فيكون لدينا البحر المجتثّ المسدس.

ويقول بعضهم: يمكن من الدائرة المشتبهة استخراج سبعة بحور، ستة منها كما ذكر سابقا.

والسابع: إذا ابتدئ من علن الأولى على هذا الشكل: علن مستف علن مفعولات مستف أي على وزن
مفاعيلن مفاعيلن فاعلاتن
فنحصل على البحر القريب. وقد صنع مصراع يتناسب مع البحور السّبعة، فيمكن قراءته بها، وهو على وزن البحر السريع:
باده بمن ده تو بتا هم يكبار.

ومعناه: أعطني الخمر يا صنمي مرة واحدة.

وعلى وزن البحر القريب:
بمن ده تو بتا هم يكبار باده.

وعلى وزن البحر المنسرح:
ده تو بتا هم يكبار باده بمن وعلى وزن البحر الخفيف:
تو بتا هم يكبار باده بمن ده وعلى وزن البحر المضارع:
بتا هم يكبار باده بمن ده تو وعلى وزن البحر المقتضب:
هم يكبار باده بمن ده تو بتا وعلى وزن البحر المجتث:
يكبار باده بمن ده تو بتا هم.

وهذه صورة الدائرة المشتبهة:

الدائرة الخامسة: الدائرة المتّفقة، ووجه تسميتها هو اتّفاق أركانها، فكلّ واحد منهما خماسي. وتشتمل هذه الدائرة على البحر المتقارب والمتدارك وذلك بأن يكتب فعولن أربع مرات تحت خط الدائرة. فإذا كانت البداية من:
فعولن فعولن فعولن فعولن. فيحصل لدينا البحر المتقارب.
وأما إذا كانت البداية من لن فعو لن فعو لن فعو لن فعو أي على وزن
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن.
فالناتج معنا هو البحر المتدارك.
وقد صنع مصراع واحد من الشعر يمكن أن يقرأ به كلّ من البحر المتقارب والمتدارك وهو على وزن المتقارب:
مرا بي دلا رام شادي نيايد.

ومعناه: لا يكون لي الــسرور بدون الحبيب/ الذي يدخل السّكينة على القلب.
وأما على وزن البحر المتدارك فيقرأ هكذا: بي دلا رام شادي نيايد مرا.
وصورة الدائرة المتفقة.
هذا خلاصة ما في كتاب منهج البيان وحدائق البلاغة ومعيار الأشعار. وقد اخترع بعض العروضيين دائرة سادسة وسمّوها:
الدائرة المنتزعة. وبما أنّ الدوائر الخمسة السابقة قد اشتملت على جميع بحور الشعر، لذا فإنّ الدائرة السادسة تطويل بما لا طائل تحته، فما ذكرناه كاف. 

الخطرة

(الخطرة) مَا يخْطر فِي الْقلب وَيُقَال مَا أَلْقَاهُ إِلَّا خطرة بعد خطرة إِلَّا حينا بعد حِين
الخطرة:
[في الانكليزية] Fugitive thought ،passing idea
[ في الفرنسية] Pensee fugitive ،idee passagere
بالفتح وسكون الطاء المهملة في اللغة ما يرد على القلب ثم يزول فورا كما في مجمع السلوك. وفي الصراح: الخطور: مرور الفكرة بالقلب. وفي شرح القصيدة الفارضية الخاطر يطلق على ما يخطر بالبال ويطلق أيضا على القلب. وهذا من باب إطلاق لفظ الحال على المحل، يقال ورد لي خاطر ووقع في خاطري كذا انتهى كلامه. وفي لطائف اللغات يقول: إنّ الخطرة في اصطلاح الصوفية عبارة عن أدعية يستدعى بها العبد إلى دكان الحقّ بحيث لا يستطيع العبد دفع ذلك، انتهى كلامه. والخاطر لدى الصوفية: وارد (قلبي) يهبط على القلب في صورة خطاب ومطالبة. والوارد أعمّ من الخاطر وغير الخاطر، مثل:
وارد حزن، أو وارد سرور أو وارد قبض ووارد بسط. وأكثر المتصوّفة على أنّ الخواطر أربعة. خاطر من الحق وهو علم يقذفه الله تعالى من الغيب في قلوب أهل القرب والحضور من غير واسطة. وخاطر من الملك وهو الذي يحث على الطاعة ويرغب في الخيرات ويحرز من المعاصي والمكارم ويلوم على ارتكاب المخالفات وعلى التكاسل من الموافقات. وخاطر من النفس وهو الذي يتقاضى الحظوظ العاجلة ويظهر الدعاوي الباطلة. وخاطر من الشيطان ويسمّى بخاطر العدو إذ الشيطان عدو للمسلم، وهو الذي يدعو إلى المعاصي والمناهي والمكاره. والفرق بين خاطر الحق والملك أنّ خاطر الحق لا يعرضه شيء وسائر الخواطر تضمحل وتتلاشى عنده. سئل بعض الكبار من برهان الحق؟ فقال وارد على القلب تضجر النفس عن تكذيبها، ومع وجود الخاطر الملكي معارضة خاطر النفس وخاطر الشيطان، وأنّ خاطر النفس لا ينقطع بنور الذكر بل يتقاضى إلى مطلوبه لتصل إلى مرادها إلّا إذا أدركها التوفيق الأزلي فيقلع عنها عرق المطالبة. وأمّا خاطر الشيطان فإنّه ينقطع بنور الذكر، ولكن يمكن أن يعود وينسى الذكر ويغويه. وقال بعضهم الخاطر خطاب يرد على القلوب والضمائر. وقيل كل خاطر من الملك فقد يوافقه صاحبه وقد يخالفه بخلاف الخاطر الحقّاني فإنّه لا يحصل خلاف من العبد فيه. وهذا هو الفرق بين الخاطر النفسي والخاطر الشيطاني. فالنفس تتمنّى شيئا معينا وتلحّ على الوصول إليه. وأمّا الشيطاني فلا يدعوه إلى أمر معيّن بل يدعوه إلى معصية ما فلا يجيبه السّالك إليها، فحينئذ يعمد الشيطان إلى وسوسة أخرى يلقيها في نفس السّالك.
وذلك لأنّ مقصود الشيطان ليس محصورا في فعل معيّن، بل قصده أن يهوى بالمرء المسلم في هاوية معصية ما على أيّ حال.
وقال بعضهم الخواطر أربعة. خاطر من الله تعالى وخاطر من الملك وخاطر من النفس وخاطر من العدو. فالذي من الله تنبيه، والذي من الملك حثّ على الطاعة، والذي من النفس مطالبة الشهوة، والذي من العدو تزيين المعصية. فبنور التوحيد يقبل من الله تعالى وبنور المعرفة يقبل من الملك وبنور الإيمان ينهي النفس وبنور الإسلام يردّ على الطاعة.
وسئل الجنيد عن الخطرات فقال الخطرات أربعة. خطرة من الله تعالى وخطرة من الملك وخطرة من النفس وخطرة من الشيطان. فالتي من الله ترشد إلى الإشارة، والتي من الملك ترشد إلى الطاعة والتي من النفس تجرّ إلى الدنيا وطلب عزها، والتي من الشيطان تجرّ إلى المعاصي.
والمشهور عند مشايخ الصوفية أنّ الخواطر أربعة كلها من الله تعالى بالحقيقة، إلّا أنّ بعضها يجوز أن يكون بغير واسطة، وبعضها بواسطة. فما كان بغير واسطة وهو خير فهو الخاطر الرّبّاني ولا يضاف إلى الله تعالى إلّا الخير أدبا. وما كان بواسطة وهو خير فهو الخاطر الملكي. وإن كان شرا فإن كان بإلحاح وتصميم على شيء معيّن فيه حظّ النفس فهو الخاطر النفساني وإلّا فهو الشيطاني. وجعل بعض المشايخ الواجب أي خطرة الواجب للحق والحرام للشيطان والمندوب للملك والمكروه للنفس. وأمّا المباح فلما لم يكن فيه ترجيح لم ينسب إلى خاطر لاستلزامه الترجيح.
والشيخ مجد الدين البغدادي زاد على الخواطر الأربعة خاطر الروح وخاطر القلب وخاطر الشيخ. وبعضهم زاد خاطر العقل وخاطر اليقين. وبالحقيقة هذه الخواطر مندرجة تحت الخواطر الأربعة. فإنّ خاطر الروح وخاطر القلب مندرجان تحت خاطر الملك.
وأمّا خاطر العقل فإن كان في إمداد الروح والقلب فهو من قبيل خاطر الملك، وإن كان في إمداد النفس والشيطان فهو من قبيل خاطر العدو. وأمّا خاطر الشيخ فهو إمداد همّة الشيخ يصل إلى قلب المريد الطالب مشتملا على كشف معضل وحلّ مشكل في وقت استكشاف المريد ذلك باستمداده من ضمير الشيخ، وفي الحال ينكشف ويتبيّن، وذلك داخل تحت الخاطر الحقّاني لأنّ قلب الشيخ بمثابة باب مفتوح إلى عالم الغيب، فكلّ لحظة يصل إمداد فيض الحق سبحانه على قلب المريد بواسطة الشيخ. وأمّا خاطر اليقين فهو وارد مجرّد من معارضات الشكوك ولا ريب أنّه داخل تحت الخاطر الحقّاني.
فائدة:
تمييز الخواطر كما ينبغي لا يتيسّر إلّا عند تجلية مرآة القلب من الأمور الطبعية الجسمانية بمصقل الزهد والتقوى والذّكر حتى تنكشف فيها صور حقائق الخواطر كما هي.
ومن لم يبلغ من الزهد والتقوى هذه المرتبة ويريد أن يميّز بين الخواطر فله طريق، وذلك بأن يزن أولا خاطره بميزان الشرع، فإن كان من قبيل الفرائض أو الفضائل يمضيه، وإن كان محرما أو مكروها ينفيه، وإن كان من قبيل المباحات فكل جانب يكون أقرب إلى مخالفة النفس يمضيه، والغالب من سجية النفس ميلها إلى شيء دنيّ. ثم يعلم أنّ مطالبات النفس على نوعين بعضها حقوق لا بد منها وبعضها حظوظ.
فالحقوق ضرورة إذ قوام النفس وبقاء حياتها مشروط ومربوط بها، والحظوظ ما زاد عليها، فيلزم تمييز الحقوق من الحظوظ كي تمضي الحقوق وتنفي الحظوظ. وأهل البدايات يلزمهم الوقوف على الحقوق وحدّ الضرورة وتجاوزهم عن ذلك ذنب في حقهم. وأمّا المنتهي فله فتح طريق السعة والخروج عن مضيق الضرورة إلى فضاء المشاهدة والمسامحة وإمضاء خواطر الحظوظ بإذن الحق سبحانه. وإن شئت الزيادة فارجع إلى مجمع السلوك في فصل معرفة الخواطر.

الاشارة

الاشارة: وَقَالَ الْعَارِف بِاللَّه الصَّمد بَابا فتح مُحَمَّد الْبُرْهَان النوري فِي (مِفْتَاح الصَّلَاة) استفسر بعض الأصدقاء هَذَا العَبْد الْفَقِير عَن أَن فِي التَّحِيَّات ((وَحده لَا شريك لَهُ)) غير مَوْجُودَة وَكَيف أَصبَحت مَعَ الْوَقْت. وَيُقَال إِن لَهَا وَجها احْتِمَال:
الأول: أَنَّهَا مَعَ إِشَارَة الْأصْبع كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح هِيَ سهم من حَدِيد قَاس على الشَّيْطَان.
الثَّانِي: أَنَّهَا جَاءَت على لِسَان الْمَلَائِكَة فِي الْمِعْرَاج، وَهَذَا الْمَكَان لَا شرك فِيهِ. وكما ورد فِي (مِعْرَاج النُّبُوَّة) وَغَيره أَن الْخطاب إِلَى سرُور الْعَالم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن اطلق الثَّنَاء فَقَالَ: (التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات) فَقَالَ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته) فَرد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين) فَقَالَ الملائك (أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله) انْتهى.
مُلَاحظَة: حول ذكر الصَّالِحين وَترك العاصين أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمن بَاب الشَّفَقَة قد أَدخل نَفسه فِي (علينا) وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيد عَنهُ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رَحْمَة للْعَالمين.

أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ

أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ: كنية حجَّة الْإِسْلَام زين الدّين مُحَمَّد الطوسي الْغَزالِيّ قدس سره صَاحب إحْيَاء الْعُلُوم وكيمياء السَّعَادَة وَله قدس سره مصنفات كَثِيرَة قَالُوا من أَرَادَ أَن يضع الْقدَم فِي سلوك مَسْلَك الدقائق والحقائق ولطائف المعارف فَلَا بُد لَهُ من مُنَاسبَة بهَا أَلا ترى أَن من الاستفادة من مجْلِس الشُّعَرَاء فَإِن كَانَ لَهُ طبع مَوْزُون يُمكن لَهُ الإستفادة مِنْهُم وَمن كتبهمْ وَإِلَّا فَلَا فَمن كَانَ حَرِيصًا على مطالعة كَلَام العرفاء وَيُرِيد الْكَمَال مثلهم فَإِن كَانَ لَهُ مُنَاسبَة بهم وبمذاقهم واستعداد لأنوارهم يَرْجُو أَن تشرق عَلَيْهِ شمس الْمعرفَة وَإِلَّا فحاله مثل من لَيْسَ لَهُ طبع مَوْزُون وَيُرِيد أَن يكون شَاعِرًا بمطالعة كتب الْعرُوض وعلامة الْمُنَاسبَة أَن يطالع أَولا من كتب حجَّة الْإِسْلَام قدس سره سِيمَا احياء الْعُلُوم وكيمياء السَّعَادَة فَإِن وجد فِي نَفسه سُرُورًــا وشوقا وتنفرا من الدُّنْيَا وميلا إِلَى مُلَازمَة أَرْبَاب الْكَمَال وَأَصْحَاب الْحَال فَإِنَّهُ عَلامَة تِلْكَ الْمُنَاسبَة الشَّرِيفَة وَله قدس سره كمالات وخوارق فِي كتب السّير وَقَالَ الإِمَام عبد الله بن أسعد اليافعي رَحمَه الله فِي الْإِرْشَاد أَنه قَالَ الشَّيْخ ابْن عَسَاكِر فِي حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن الله يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لهاديتها أَنه بعث على رَأس الْمِائَة الأولى عمر بن عبد الْعَزِيز وعَلى رَأس الْمِائَة الثَّانِيَة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعَلى رَأس الْمِائَة الثَّالِثَة أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وعَلى رَأس الْمِائَة الرَّابِعَة أَبُو بكر الباقلاني رَحمَه الله وعَلى رَأس الْمِائَة الْخَامِسَة أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ رَحمَه الله وولادته فِي سنة خمسين وَأَرْبع مائَة فِي طوس وتلمذ فِي نيسابور من الإِمَام الْحَرَمَيْنِ عبد الْملك ضِيَاء الدّين أبي الْمَعَالِي رَحمَه الله وَخرج مِنْهَا بعد مَوته وَورد بِبَغْدَاد وفوض إِلَيْهِ تدريس النظامية وَكَانَ يحضر مجْلِس درسه ثَلَاث مَائه من الْأَعْيَان المدرسين فِي بَغْدَاد وَمن أَبنَاء الْأُمَرَاء أَكثر من مَائه ثمَّ ترك جَمِيع ذَلِك وتزهد وآثر الْعُزْلَة واشتغل بِالْعبَادَة وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة وفيهَا صنف الْأَحْيَاء ثمَّ انْتقل إِلَى الْقُدس ثمَّ إِلَى مصر وَأقَام بالاسكندرية ثمَّ ألْقى عَصَاهُ بوطنه الْأَصْلِيّ طوس وآثر الْخلْوَة وصنف الْكتب المفيدة وَتُوفِّي صبح يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمْس مائَة. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ فِي كتاب الْأَنْسَاب أَن الْغَزالِيّ بتَخْفِيف الزَّاي الْمُعْجَمَة والغزالة قَرْيَة من قريات طوس وَقَالَ ابْن خلكان أَن الْغَزالِيّ بتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة على عَادَة أهل خوارزم وجرجان فَإِنَّهُم يَقُولُونَ للعصار عصارى وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

الْجمال

الْجمال: وَالْحسن تناسب الْأَعْضَاء - وَالْجمال من الصِّفَات مَا يتَعَلَّق بالرضى واللطف.
(الْجمال) صَاحب الْجمل وَالْعَامِل عَلَيْهِ (ج) جمالة

(الْجمال) الْأَكْثَر جمالا وَهُوَ أبلغ من الْجمال
(الْجمال) (عِنْد الفلاسفة) صفة تلحظ فِي الْأَشْيَاء وتبعث فِي النَّفس سُرُورًــا ورضا و (علم الْجمال) بَاب من أَبْوَاب الفلسفة يبْحَث فِي الْجمال ومقاييسه ونظرياته (مج) وَيُقَال جمالك اصبر وتجمل وجمالك أَلا تفعل هَذَا لَا تَفْعَلهُ وَالْتزم الْأَمر الأجمل

(الْجمال) الْبَالِغ فِي الْجمال

الدمع

(الدمع) مَاء الْعين (ج) أدمع ودموع

(الدمع) يُقَال امْرَأَة دمعة سريعة الْبكاء كَثِيرَة دمع الْعين
الدمع: بِالْفَارِسِيَّةِ (اشك) وَهُوَ على نَوْعَيْنِ دمع حزن ودمع سرُور وعلامتهما أَن الأول حَار وَالثَّانِي بَارِد. وَلذَا قيل للمدعو لَهُ أقرّ الله عَيْنَيْهِ. مَأْخُوذ من القر وَهُوَ الْبرد وَقيل للمدعو عَلَيْهِ أسخن الله عَيْنَيْهِ. مَأْخُوذ من السخينة وَهِي الْحَرَارَة حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاء إِذا استأمر الْوَلِيّ الْبكر الْبَالِغَة للمصاهرة فَبَكَتْ فليحس الْوَلِيّ دمعها إِن كَانَ بَارِدًا كَانَ مِنْهَا رضَا وَإِن كَانَ حارا لَا يكون. وَإِن أردْت وَجه جَرَيَان الدُّمُوع فَانْظُر فِي السكب.

حسن المقطع

حسن المقطع:
[في الانكليزية] Good peroration ،strange peroration
[ في الفرنسية] Bonne peroraison ،peroraison etrange
هو عند البلغاء أن يدعو بأسلوب، يكون فيه الدّعاء ممتدا لغاية غير محدودة بعبارة رائقة وفصيحة وجملة لطيفة ذات معنى بديع ومثاله:
بما أن الملوك هم نظام الكون المتغير المملوء بالمحبة والحقد، ومن مجالس الــسرور والحرب، فلتكن الريح في يد أحبابك، وكئوس الخمر في شفاهك والسيف في حلق عدوك، واللسان ناطق بالمراد. كذا في جامع الصنائع. وهذا المعنى مخالف لحسن المقطع بحسن الانتهاء. ولكن لا يعلم الفرق من مجمع الصنائع، لأنه يقول:
حسن المقطع هو أن يقول الشاعر الأبيات الأخيرة بشكل جيد وأن يختمها بلفظ عجيب ومعنى غريب. وهذا في قصائد الدعاء أكثر ما يكون.

بش

(بش)
وَجهه (كمل) بشا وبشاشة تهلل وَفُلَان بفلان ضحك إِلَيْهِ ولقيه لِقَاء جميلا فَهُوَ بش وبشاش وَله بِخَير أعطَاهُ
بش: البَشُّ: اللُّطَفُ في المُسَاءَلةِ، بَشِشْتُ به وبَشَشْتُ بَشَلشَةً وبَشّاً. وأعْشَبَتِ الأرْضُ وأبَشَّتْ: الْتَفَّ نَبْتُها، وقيل: أنْبَتَتْ أوَّلَ نَبَاتِها. وبَشَّ لي بِشَيْءٍ: إذا أعْطاه شَيْئاً يَسِيراً. وأخْرَجْتُ له بَشِيْشَتي: أي مِلْكَ يَدي. وجاءَ بالمالِ من عَشِّه وبَشِّه: أي من جَهْدِه وطاقَتِه. وجَدِيدٌ بَشِيْشٌ: بمعنىً. والأبَشُّ: الذي يُزَيَّنُ فِنَاءَ الرَّجُلِ وبابَ دارِه بطَعامه وشَرَابِه. والبَشَاشَةُ: الحُبُّ؛ في الشِّعْرِ.
بش: عامية بأي شيء يقال: بش تدعا أو بش تعرف. أي بأي شيء تدعى أو ما اسمك (فوك).
بَشّ ومضارعه يبش والمصدر بشاشة.
بشّ إليه: ضحك إليه ولقيه لقاءً جميلاً لــسروره برؤيته (فوك).
بش بالشعب: ضحك إليه وتقرب منه (بوشر).
بش الدبان: طرد الذبان (بوشر).
بشّشَه: لاطفه ولقيه لقاء جميلاً (الكالا).
انبش: أظهر البشاشة والــسرور بعد ان كان حزيناً (بوشر) - وانبش في وجه فلان، يظهر أن معناها: ضحك في وجهه وكذلك يقال في هذا المعنى ضحك في وجه فلان، ففي ألف ليلة (1: 651) انبش في وجهه وحياه أعظم التحيات (انظر لين في مادة بش، وانظر مادة بشوش أدناه). بشوش: طلق الوجه (همبرت 232، بوشر) وأنيس، (بوشر) ولطيف، لين العريكة (بوشر) وفكه، ذو دعابة (همبرت 226، بوشر) وفي معجم بوشر: ضاحك (ظريف مرح = ضاحك).
وجه بشوش: طلق، متهلل، لطيف، حلو (بوشر) وقد ذكر فوك هذه اللفظة (بشوش) في مادة asurgere" وفي مادة " preceps.
بشوش = حرمل، ذكرها المستعيني في مادة حرمل (وفي نسخة ن منه: يشوش).
بشاشة: طلاقة، حلاوة (بوشر، هلو) وانس، لطافة (بوشر) ودعابة، فكاهة (بوشر). بشاشة الوجه: طلاقته وتهلله وحلاوته (بوشر).
بشاشة الإيمان: أثره المثير (المقدمة 3: 34 حيث يجب أن تقرأ بشاشته (دي سلان) وتاريخ البربر 2: 13) وكذلك يراد أثرها المثير في قولهم: بشاشة الدعوة (تاريخ البربر 1: 303).

بش

1 بَشَّ, first Pers\. بَشِشْتُ, aor. ـَ (S, K,) and, accord. to a relation of a verse of Ru-beh, يَبِشُّ, so that perhaps بَشَشْتُ was also said, (TA.) inf. n. بَشَاشَةٌ (S, A, K) and بَشٌّ (A, K) and بَشِيشٌ, (TA,) He was, or became, cheerful in countenance. (S, A, K.) You say, بَشِشْتُ بِهِ I was, or became, cheerful in countenance [by reason of meeting] with him: (S:) or بَشَّ بِهِ (TK,) inf. n. بَشٌّ (Lth, K) and بَشَاشَةٌ, (K,) signifies he rejoiced in him, or was pleased with him, namely, a friend, (Lth, K,) at meeting: (Lth:) or he showed joy, or pleasure, at meeting him. (TK.) You say also, بِى ↓ لَقِيتُهُ فَتَبَشْبَشَ [app. meaning I met him and he became cheerful in countenance by reason of meeting with me]; originally ↓ تَبَشَّشَ; the middle ش being changed into ب: (Yaakoob, S:) or بِهِ ↓ تَبَشْبَشَ signifies he was, or became, sociable, or companionable, or cheerful, with him; and held loving communion with him: syn. آنَسَهُ, and وَاصَلَهُ: (K:) but when said of God, it means (tropical:) He regarded him with favour, and honoured him, (IAmb, K,) and received him graciously, and drew him near to Him. (IAmb.) b2: Also بَشَّ لَهُ, (TK,) inf. n. بَشٌّ (IDrd, K) and بَشَاشَةٌ, (K,) He presented a favourable aspect to him; or met him kindly, namely, his brother; syn. أَقْبَلَ عَلَيْهِ: (K:) he behaved laughingly towards him; without shyness, or aversion; or boldly; or in a free and easy manner; or cheerfully; syn. ضَحِكَ إِلَيْهِ, (IDrd, K,) and اِنْبَسَطَ. (IDrd.) b3: And بَشَّ لَهُ فِى المَسْأَلَةِ, (TK,) inf. n. بَشٌّ (IAar, A, K) and بَشَاشَةٌ, (A, K,) He was courteous, or gracious, to him in asking. (IAar, A, K.) b4: And بَشَّ لِى بِخَيْرِ (tropical:) He gave me [something good]. (A, TA.) 4 ابشّت الأَرْضُ (tropical:) The land had tangled, or luxuriant, plants, or herbage: (As, K:) or produced its first plants, or herbage. (K.) 5 تَبَشَّّ see 1.

R. Q. 2 see 1, in two places.

رَجُلٌ هَشٌّ بَشٌّ A man [brisk, lively, or sprightly; or joyful; and] cheerful in countenance; pleasant [therein]; (S, TA;) as also ↓ بَشَّاشٌ. (TA.) [See also art. هش.]

بَشِيشٌ The face, or countenance. (Ibn-'Abbád, K.) You say, فُلَانٌ مُضِىْءُ البَشِيشِ Such a one is bright in countenance. (Ibn-'Abbád.) بَشَّاشٌ: see بَشٌّ.

أَبَشُّ [More, and most, cheerful in countenance]. You say, مَا رَأَيْتُ أَبَشَّ مِنْهُ بِاللَّاقِى [I have not seen any one more cheerful in countenance than he to the meeter]. (A.)
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.