Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: رؤيا

ضَغَثَ

ضَغَثَ الحديثَ، كمَنَعَ: خَلَطَه،
وـ السَّنامَ: عرَكَه،
وـ الوَرَلُ: صَوَّتَ،
وـ الثوبَ: غَسَلَه ولم يُنْقِهِ.
وناقةٌ ضَغوثٌ: ضبوثٌ.
والضِّغْثُ، بالكسر: قُبْضَةُ حَشيشٍ مُخْتَلطَةُ الرَّطْبِ باليابِس.
واضْطَغَثَهُ: احْتَطَبَهُ.
و {أضْغاثُ أحْلامٍ} : رُؤْيَا لا يَصِحُّ تأويلها لاختلاطِها.
والتَّضْغيثُ: ما بَلَّ الأرضَ والنَّباتَ من المَطَرِ. والضُّاغِبُ: للمُخْتَبئِ في الخَمَرِ، إنَّما هو بالباءِ المُوَحَّدَة وغَلطَ الجوهريُّ.
(ضَغَثَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل «فَمِنْهُمُ الآخِذُ الضِّغْث» الضِّغْث: مِلءُ اليَدِ مِنَ الحَشِيشِ المختاط. وَقِيلَ الحُزْمة مِنْهُ وَمِمَّا أشْبَهَه مِنَ البُقُول، أرادَ: وَمِنْهُمْ مَن نَالَ مِنَ الدُّنيا شَيْئًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الأكْوَع «فأخذْتُ سلاحَهُم فجعَلْته ضِغْثاً» أَيْ حُزْمة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي مَسْجِد الكُوفَة «فِيهِ ثلاثُ أعْيُن أنْبتَتْ بالضِّغْث» يُريد بِهِ الضِّغْثَ الَّذِي ضَرَب بِهِ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ زَوْجَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «لأَنْ يَمْشِيَ مَعِي ضِغْثَانِ مِنْ نارٍ أحبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يَسْعى غُلامي خَلْفي» أَيْ حُزْمتان مِنْ حَطَب، فَاسْتَعَارَهُمَا للنَّار، يَعْنِي أنَّهما قَدِ اشْتَعَلَتَا وصارَتَا نَاراً.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «اللَّهُمَّ إنْ كتبتَ عليَّ إثْما أَوْ ضِغْثاً فامْحُه عَنِّي» أرادَ عَمَلا مُخْتَلِطاً غَيْرَ خالِصٍ. مِنْ ضَغَثَ الحديثَ إِذَا خَلَطَه، فَهُوَ فِعْل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَمِنْهُ قِيلَ للأحْلام المُلْتبِسة أَضْغَاث.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَتْ تَضْغَثُ رأسَها» الضِّغْث: مُعالَجة شعر الرس بِالْيَدِ عِندَ الغَسْلِ، كَأَنَّهَا تَخْلِط بعضَه بَبْعض، ليدخُلَ فِيهِ الغَسُول وَالْمَاءُ.

ضَفَزَ

(ضَفَزَ)
[هـ] فِيهِ «مَلْعُونٌ كُلُّ ضَفَّاز» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ النَّمّام.
(هـ) وفي حديث الــرؤيا «فيضفرونه فِي فِي أحَدِهم» أَيْ يَدْفَعُونه فِيهِ ويلِقمُونه إيَّاه.
يُقَالُ ضَفَزْتُ البعيرَ إِذَا عَلَفْتَه الضَّفَائِزَ، وَهِيَ اللُّقَمُ الْكِبَارُ، الْوَاحِدَةُ ضَفِيزَة. والضَّفِيز: شَعِير يُجْرَش وتُعْلَفُه الْإِبِلُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ مَرَّ بِوَادِي ثمُودَ، فَقَالَ: مَنِ اعْتجَن بِمَائِهِ فليَضْفِزْهُ بعيرَه» أَيْ يُلْقِمْه إيَّاه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لِعَلِيٍّ: ألاَ إنَّ قَوْمًا يزعُمُون أَنَّهُمْ يُحِبونَك، يُضْفَزُون الإسلامَ ثُمَّ يَلْفِظُونه، قَالَهَا ثَلَاثًا» : أَيْ يُلَقَّنُونه ثُمَّ يترُكُونه وَلَا يَقْبَلونه.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَفَزَ بَيْنَ الصَّفا والمرْوة» أَيْ هَرْوَل، مِنَ الضَّفْز:
القفْز والوُثوب.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْخَوَارِجِ «لمَّا قتِل ذُو الثُّدَيّة ضَفَزَ أصحابُ عليٍّ ضَفْزاً «أَيْ قَفزُوا فَرَحًا بقَتْله.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّهُ أوتَرَ بسَبع أَوْ تِسْع ثُمَّ نَامَ حَتَّى سُمِع ضَغِيزُه أَوْ ضَفِيزَه» قَالَ الخطَّابيّ:
الضَّغِيز لَيْسَ بِشَيْءٍ، وأمَّا الضَّفِيز فَهُوَ كالغَطيط، وَهُوَ الصَّوتُ الَّذِي يُسْمع مِنَ النَّائِمِ عِنْدَ تَرْديد نَفَسه.
قَالَ الْهَرَوِيُّ: إِنْ كَانَ محفُوظا فَهُوَ شِبْه الغطِيط. وَرُوِيَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ والصَّفير .
يَكُونُ بالشَّفَتين.

ضَوْضَو

(ضَوْضَو)
(هـ) فِي حَدِيثِ الــرُّؤْيَا «فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا» أَيْ ضّجُّوا وَاسْتَغَاثُوا. والضَّوْضَاة: أصْوَات الناسِ وغَلَبتهم ، وَهِيَ مَصْدر.

ضَيِرَ

(ضَيِرَ)
فِي حَدِيثِ الــرُّؤْيَا «لَا تُضَارُون فِي رُؤْيَتِهِ» مِنْ ضَارَه يَضِيرُه ضَيْراً: أَيْ ضَرَّهُ، لُغَةً فِيهِ، ويُرْوى بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «وَقَدْ حاضَت فِي الحجِّ فَقَالَ: لَا يَضِيرُكَ» أَيْ لَا يضُرُّك. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

طَيِبَ

(طَيِبَ)
قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «الطَّيِّب والطَّيِّبَات» وَأَكْثَرُ مَا تَرِدُ بِمَعْنَى الحَلال، كَمَا أنَّ الخبيثَ كنايةٌ عَنِ الحَرام. وَقَدْ يَرِدُ الطَّيِّب بِمَعْنَى الطَّاهِرِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لعمَّار : مَرْحباً بالطَّيِّب المُطَيَّب» أَيِ الطَّاهِرِ المُطَهَّر.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لمَّا ماتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِأَبِي أنتَ وأمِّي طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتاً» أَيْ طَهُرْتَ.
(هـ) «والطَّيِّبَات فِي التَّحيّات» أَيِ الطَّيِّبات مِنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالْكَلَامِ مَصْرُوفَاتٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. (هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ أمَر أَنْ تُسَمَّى المدينةُ طَيْبَة وطَابَة» هُمَا مِنَ الطِّيب، لِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَ اسمُها يَثْرِبَ، والثَّرب الفَساد، فنَهى أَنْ تُسَمَّى بِهِ وسمَّاها طَيْبَة وطَابَة، وَهُمَا تأنيثُ طَيْب وطَاب، بِمَعْنَى الطِّيب. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الطَّيِّب بِمَعْنَى الطَّاهِرِ، لخُلُوصِها مِنَ الشِّرك وَتَطْهِيرِهَا مِنْهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «جُعِلت لِيَ الأرضُ طَيِّبَة طَهوراً» أَيْ نَظِيفة غَيْرَ خَبِيثة.
وَفِي حَدِيثِ هَوازِنَ «مَنْ أحبَّ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ مِنْكُمْ» أَيْ يُحَلِّله ويُبيحَه. وطَابَت نفسُه بِالشَّيْءِ إِذَا سَمَحت بِهِ مِنْ غَيْرِ كَراهة وَلَا غَضَب .
(هـ) وَفِيهِ «شهدتُ غُلاماً مَعَ عُمُومَتي حِلْفَ المُطَيَّبِين» اجتمعَ بَنُو هَاشِمٍ وبَنُو زُهْرة وتَيْمٌ فِي دارِ ابْنِ جُدْعان فِي الجاهليَّة، وجَعلوا طِيباً فِي جَفْنةٍ وغَمَسوا أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، وتحالَفُوا عَلَى التَّناصُر والأخذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالم، فسُمُّوا المُطَيَّبِين. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الْحَاءِ.
(هـ) وَفِيهِ «نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ الرجُلُ بِيَمِينِهِ» الاسْتِطَابَة والإِطَابَة: كِنايةٌ عَنِ الاسْتِنْجاء. سُمِّي بِهَا مِنَ الطِّيب، لِأَنَّهُ يُطَيِّب جَسَده بِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَبَث بالاسْتِنْجاء: أَيْ يُطَهِّره. يُقَالُ مِنْهُ: أَطَابَ واسْتَطَابَ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «ابْغِني حَديدةً أَسْتَطِيبُ بِهَا» يريدُ حَلْقَ العانةِ، لِأَنَّهُ تنظيفٌ وإزالَةُ أَذًى.
(هـ) وَفِيهِ «وَهُمْ سَبْيٌ طِيَبَة» الطِّيَبَة- بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ- فِعَلة، مِنَ الطِّيب، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَبْيٌ صحيحُ السِّباء لَمْ يَكُنْ عَنْ غَدْر وَلَا نَقْض عَهْد.
وَفِي حَدِيثِ الــرُّؤْيَا «رأيتُ كَأَنَّنَا فِي دارِ ابْن زَيدٍ وأُتِينا برُطَب ابنِ طَابٍ» هُوَ نوعٌ مِنْ أنْواع تَمْر الْمَدِينَةِ مَنْسوب إِلَى ابْنِ طَابٍ: رجلٍ مِنْ أهلِها. يُقَالُ: عِذقُ ابنِ طَابٍ، ورُطَب ابْنِ طَابٍ، وَتَمْرُ ابن طَابٍ. (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «وَفِي يَدِهِ عُرْجُون ابنِ طَابٍ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمان وَهُوَ مَحْصُور، فَقَالَ: الآنَ طَابَ امْضَرْبُ» أَيْ حلَّ القِتال. أَرَادَ: طَابَ الضَّرْبُ، فأبدلَ لَامُ التَّعْريف مِيمًا، وَهِيَ لُغةٌ معروفةٌ.
وَفِي حَدِيثِ طَاوُسٍ «أَنَّهُ سُئل عَنِ الطَّابَة تُطبخُ عَلَى النِّصْف» الطَّابَة: العصِير، سُمّي بِهِ لطِيبِهِ وإصْلاحْه، عَلَى النِصف: هُوَ أَنْ يُغْلي حَتَّى يَذْهَب نِصفه.

عَرَا

(عَرَا)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ رَخَصَّ فِي العَرِيَّة والعَرَايَا» قَدْ تَكَرَّرَ ذكْرُها فِي الْحَدِيثِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنِ المُزَابَنَة وهو بيع الثمر في رُؤُوس النَّخْل بِالتَّمْرِ رخَّص فِي جُمْلَةِ المُزَابنة فِي العَرَايَا، وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا نَخْلَ لَهُ مِنْ ذَوي الحاجَة يدْرك الرُّطَبَ وَلَا نَقْدَ بِيَدِهِ يَشتري بِهِ الرُّطَب لِعياله، وَلَا نَخْلَ لَهُ يطعِمُهم مِنْهُ وَيَكُونُ قَدْ فَضَل لَهُ مِنْ قُوتِهِ تَمْرٌ، فيجيءُ إِلَى صاحِب النَّخْلِ فَيَقُولُ لَهُ: بِعْنِي ثَمَرَ نَخلةٍ أَوْ نَخلَتين بِخرْصِها مِنَ التَّمْرِ، فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الْفَاضِلَ مِنَ التَّمْرِ بِثَمَرِ تِلْكَ النَّخَلات ليُصِيب مِنْ رُطبها مَعَ النَّاسِ، فرَخَّصَ فِيهِ إِذَا كَانَ دُون خمسة أوْسُقٍ. والعَرِيَّة: فَعيلة بِمَعْنَى مَفْعُولة، مِنْ عَرَاه يَعْرُوه إِذَا قصَده.
ويَحتَمِل أَنْ تَكُون فَعيلة بِمَعْنَى فَاعِلَة، مِنْ عَرِيَ يَعْرَى إِذَا خَلَع ثَوْبَهُ، كأنَّها عُرِّيَتْ مِنْ جُمْلة التَّحْريم فَعرِيَتْ: أَيْ خَرَجَتْ.
(هـ) وَفِيهِ «إنَّما مَثَلي وَمَثَلُكم كمثلِ رجُلٍ أنْذَر قومَه جَيشاً فَقَالَ: أنَا النَّذِيرُ العُرْيَان» خَصَّ العُرْيَان لِأَنَّهُ أبْيَنُ للعَينِ وأغْرَب وأشْنَع عِنْدَ المُبْصِر. وَذَلِكَ أنَّ ربيئَةَ الْقَوْمِ وعَيْنَهم يَكُونُ عَلَى مكانٍ عالٍ، فإذَا رَأَى العَدُوَّ قَدْ أَقْبَلَ نَزَع ثوبَهُ وأَلاَحَ بِهِ ليُنْذِر قومَه ويبقَى عُرْيَاناً.
(هـ) وَفِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَارِي الثَّديَيْن» وَيُرْوَى «الثُّنْدُوَتَين» أرادَ أَنَّهُ لَم يَكُن عَلَيْهِمَا شَعَرٌ. وَقِيلَ: أَرَادَ لَمْ يَكُن عَلَيهما لحمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ: أشْعَر الذِّرَاعَيْنِ والمَنْكِبَينِ وأعْلَى الصَّدْرِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ أُتِيَ بفَرَس مُعْرَوْرٍ» أَيْ لَا سَرْجَ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهُ. واعْرَوْرَى فَرسَه إِذَا ركِبَه عُرْياً، فَهُوَ لازِمٌ ومُتَعَدٍّ، أَوْ يَكُونُ أُتِيَ بفَرَس مُعْرَوْرًى، عَلَى الْمَفْعُولِ. ويقالُ: فَرسٌ عُرْيٌ، وخيلٌ أَعْرَاء.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ رَكِب فَرَسًا عُرْياً لِأَبِي طَلْحَةَ» وَلَا يُقَالُ: رجُل عُرْيٌ، وَلَكِنْ عُرْيَان.
(س) وَفِيهِ «لَا يَنْظُر الرجُل إِلَى عِرْيَةِ الْمَرْأَةِ» هَكَذَا جَاءَ فِي بعضِ رِوايات مُسْلم يُريدُ مَا يُعْرَى مِنْهَا ويَنْكَشِفُ. والمشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ «لَا يَنْظُر إلى عَوْرَةِ المَرْأةِ» . (س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمة «كُنْتُ أرَى الــرُّؤْيَا أَعْرَى مِنْهَا» أَيْ يُصِيبُنِي البَرْد والرِّعْدَة مِنَ الخَوف. يُقَالُ: عُرِيَ فَهُوَ مَعْرُوٌّ. والعُرَوَاء: الرِّعْدَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ كَانَ يُصِيبُه العُرَوَاء» وَهُوَ فِي الأصْلِ بَرْدُ الحُمَّى.
(س) وَفِيهِ «فكَره أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنْ تَعْرَى» أَيْ تَخْلُوَ وَتَصِيرَ عَرَاء وَهُوَ الفَضَاء مِنَ الأرضِ، وتَصير دُورُهم فِي العَرَاء.
(س) وَفِيهِ «كَانَتْ فَدَكُ لحِقُوقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي تَعْرُوه» أَيْ تَغشاه وتَنْتَابُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «مَا لَكَ لَا تَعْتَرِيهم وتُصِيبُ مِنْهُمْ» عَرَاه واعْتَرَاه إِذَا قَصَدَه يطلُب مِنْهُ رِفْدَه وصِلَته. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِيهِ «أنَّ امْرَأَةً مَخْزُوميَّة كَانَتْ تَسْتَعِير المَتَاع وتَجْحَده، فأمَرَ بِهَا فقُطِعَت يدُها» الاسْتِعَارَة: مِنَ العَارِيَّة وَهِيَ مَعْرُوفةٌ. وذَهَبَ عامَّةُ أَهْلِ العِلْم إِلَى أَنَّ المُسْتَعِير إِذَا جَحَد العَارِيَّة لَا يُقْطعُ لِأَنَّهُ جاحِدٌ خائنٌ، وَلَيْسَ بسَارِقٍ، والخائنُ والجاحدُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ نَصًّا وَإِجْمَاعًا.
وذَهَب إِسْحَاقُ إِلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يدْفعُه.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ حديثٌ مُخْتَصَر اللَّفظِ والسِّياق. وَإِنَّمَا قُطِعَت المَخْزُومية لِأَنَّهَا سَرقت، وَذَلِكَ بيِّن فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَذَكَرَ أنَّها سَرقت قَطِيفَة مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا ذُكرت الاسْتِعَارَة وَالْجَحْدُ فِي هَذِهِ القِصَّة تَعْرِيفًا لَهَا بخاصِّ صِفَتِها، إِذْ كَانَتِ الاسْتِعَارَة والجحدُ مَعْرُوفَةً بِهَا، وَمِنْ عادتِها كَمَا عُرِفَت بأنَّها مَخْزُومية، إلاَّ أَنَّهَا لمَّا اسْتَمَرَّ بِهَا هَذَا الصَّنِيعُ ترقَّتْ إِلَى السَّرِقَة واجْتَرَأت عَلَيْهَا، فأمرَ بِهَا فقُطِعت.
(س) وَفِيهِ «لَا تُشَدُّ العُرَى إلاَّ إِلَى ثلاثةِ مَسَاجدَ» هِيَ جمعُ عُرْوَة، يُريدُ عُرَى الأحْمَالِ والرَّواحِل. 

عَطَنَ

(عَطَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الــرُّؤْيَا «حَتَّى ضَرَب الناسُ بعَطَن» العَطَن: مَبْرَك الإبلِ حَولَ الْمَاءِ. يُقَالُ: عَطَنَتِ الْإِبِلُ فَهِيَ عَاطِنَة وعَوَاطِن إِذَا سُقِيت وبَركت عِنْدَ الحِياضِ لتُعَاد إِلَى الشُّرب مرَّة أخْرى. وأَعْطَنْتُ الإبلَ إِذَا فَعَلْتَ بِهَا ذَلِكَ، ضَرَب ذَلِكَ مثَلا لاتِّساع النَّاس فِي زَمَن عُمَرَ، وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الأمْصَار.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الِاسْتِسْقَاءِ «فَمَا مَضَت سابعةٌ حَتَّى أَعْطَنَ الناسُ فِي العُشْب» أَرَادَ أَنَّ المَطَر طَبَّق وعمَّ البُطُون والظُّهُور حَتَّى أَعْطَنَ النَّاسُ إِبِلَهُمْ فِي الْمَرَاعِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُسَامَةَ «وَقَدْ عَطَّنُوا مواشِيَهم» أَيْ أرَاحُوها، سُمِّي المَراحُ وَهُوَ مأْوَاها عَطَنا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اسْتَوصُوا بالمِعْزَى خَيْرًا وانْقُشُوا لَهُ عَطَنه» أَيْ مُرَاحه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «صَلُّوا فِي مَرَابضِ الغَنَم وَلَا تُصَلُّوا في أَعْطَان الإبلِ» لم يَنْه عن الصَّلَاةِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ النَّجَاسة، فإنَّها مَوْجُودَةٌ فِي مَرابض الغَنَم. وَقَدْ أمَر بالصَّلاة فِيهَا، والصلاةُ مَعَ النجاسَة لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْإِبِلَ تَزْدَحم فِي المَنْهل فَإِذَا شَرِبت رَفَعت رُؤسَها وَلَا يُؤمَن مِنْ نِفارِها وتَفَرّقها فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فتُؤْذي المُصَلِّي عِنْدَهَا، أَوْ تُلْهيه عَنْ صلاتِه، أَوْ تُنَجِّسه برَشَاش أبْوالِهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أخَذت إهَاباً مَعْطُوناً فَأَدْخَلْتُهُ عُنُقي» المَعْطُون: المُنْتِنُ المُنْمَرِقُ الشَّعْرِ. يُقَالُ عَطِنَ الجلدُ فَهُوَ عَطِن ومَعْطُون: إِذَا مرَّق شَعره وأنْتَن فِي الدِّباغ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «وَفِي الْبَيْتِ أهُبٌ عَطِنَة»

عَمَمَ

(عَمَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الغَصْب «وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ» أَيْ تَامَّةٌ فِي طُولِهَا والْتِفافِها، واحِدتُها:
عَمِيمَة، وأصْلُها: عُمُمٌ، فسُكِّن وأدْغِم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُحَيْحَة بْنِ الجُلَاح «كُنَّا أهلَ ثُمِّه وَرُمِّهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَوى عَلَى عُمُمِّهِ. أَرَادَ عَلَى طُوله واعْتدِال شَبابِه، يُقَالُ للنَّبْت إِذَا طَالَ: قَدِ اعْتَمَّ. وَيَجُوزُ «عُمُمِهِ» بِالتَّخْفِيفِ، «وعَمَمِهِ» ، بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ.
فَأَمَّا بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ فَهُوَ صِفَة بِمَعْنَى العَمِيم، أَوْ جَمْعُ عَمِيم، كسَريرٍ وسُرُرٍ. وَالْمَعْنَى: حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى قَدِّه التَّام، أَوْ عَلَى عِظَامِه وأعْضائِه التَّامَّة.
وأمَّا التَّشديدة الَّتِي فِيهِ عِنْدَ مَن شَدّده فإنَّها الَّتِي تُزاد فِي الوقْف، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: هَذَا عُمَرّْ وَفَرَجّْ، فأجرَى الوصْل مُجْرى الوقْف، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَأَمَّا مَنْ رَواه بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَصْدَرٌ وُصِف بِهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ «مَنْكِبٌ عَمَمٌ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ لُقمان «يَهَب البَقَرةَ العَمَمَة أَيِ التَّامَّة الْخَلْق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الــرُّؤْيَا «فأتيْنا عَلَى رَوْضةٍ مُعْتَمَّة» أَيْ وَافِية النَّبات طَويلَتِه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ «إِذَا تَوضأتَ فَلَمْ تَعْمُمْ فَتَيَّمْم» أَيْ إِذَا لَمْ يكُن فِي الْمَاءِ وُضُوءٌ تَامٌّ فتَيمّم، وَأَصْلُهُ مِنَ العُمُوم.
[هـ] وَمِنْ أمْثالهم «عَمَّ ثُوَبَاءُ النَّاعِسِ» يُضْرب مَثلا للحَدَث يَحْدُث بِبَلْدَةٍ، ثُمَّ يَتَعدّاها إِلَى سَائِرِ البُلدَان.
(س) وَفِيهِ «سألتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِك أمَّتِي بسَنَةٍ بعَامَّة» أَيْ بِقَحْط عَامّ يَعُمُّ جَميعهم. وَالْبَاءُ فِي «بعَامَّة» زَائِدَةٌ زِيَادَتَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ زَائِدَةً، وَيَكُونَ قَدْ أبدَل عَامَّة مِنْ سَنَةٍ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ، تَقُولُ: مرَرْت بأخِيك بعَمرو، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «قَالَ الّذين استكبروا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتَّا، كَذَا وَكَذَا وخُوَيْصَّةَ أحَدِكم وَأَمْرَ العَامَّة» أَرَادَ بالعَامَّة الْقِيَامَةَ، لأنَّها تَعُمُّ النَّاسَ بِالْمَوْتِ: أَيْ بادرُوا بالأعمالِ مَوْتَ أحَدِكم والقِيامَةَ. (هـ) وَفِيهِ «كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء الله، وجُزءا لأهلْه، وجُزءا لنَفْسه، ثُمَّ جَزَّأ جُزْءَه بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيردَ ذَلِكَ عَلَى العَامَّة بالخاصَّة» أرادَ أَنَّ العَامَّة كَانَتْ لَا تَصِل إِلَيْهِ فِي هَذَا الوقْت، فَكَانَتِ الخاصَّة تُخْبِرُ العَامَّة بِمَا سَمِعت مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ أوْصَل الفوائِد إِلَى العَامَّة بِالْخَاصَّةِ.
وَقِيلَ: إنَّ الْبَاءَ بمْعنى مِن: أَيْ يَجْعل وقْت العَامَّة بعْدَ وَقْتِ الخاصَّة وبدَلاَ مِنْهُمْ.
كَقَوْلِ الْأَعْشَى :
عَلَى أنَّها إذْ رَأتْنِي أُقَا ... دُ قَالَت بِمَا قَدْ أَراهُ بَصِيرَا
أَيْ هَذَا العَشا مَكَانَ ذَلِكَ الإبْصار، وبَدَلٌ مِنْهُ .
وَفِيهِ «أكْرِموا عَمَّتَكُم النَّخلَة» سَمَّاها عَمَّةً للمُشاكَلة فِي أَنَّهَا إِذَا قُطِع رأسُها يَبِسَت، كَمَا إِذَا قُطِع رأسُ الْإِنْسَانِ مَاتَ. وَقِيلَ: لأنَّ النَّخلَ خُلِق مِنْ فضْلة طِينَة آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «اسْتَأذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُولِ أَبِي الْقُعَيْسِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّجِ» يُريد عَمُّكِ مِنَ الرَّضاعة، فأبْدل كَافَ الخِطاب جِيماً، وَهِيَ لُغَة قَوْمٍ مِنَ الْيَمَنِ.
قَالَ الخطَّابي: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ بَعْضِ النَّقَلة، فإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَكلمَّ إلَّا بالُّلغة العَالِيَة.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فإنَّه قَدْ تكلَّم بكَثير مِنْ لُغات العَرب، مِنْهَا قَوْلُهُ «لَيْسَ مِن امْبِرِّ امْصيَاُم فِي امْسَفَرِ» وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «فعَمَّ ذَلِكَ؟» أَيْ لِمَ فَعلْته، وَعَنْ أيِّ شَيْءٍ كَانَ؟ وأصْله: عَن مَا، فسَقَطَت ألِفُ مَا وأدْغِمَت النُّونُ فِي الميم، كقوله تعالى عَمَّ يَتَساءَلُونَ
وهذا ليس بابَها، وإنما ذكرناها لِلَفْظِها. 

غَرَبَ

(غَرَبَ)
فِيهِ «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدأ غَرِيباً وسَيَعود كَمَا بَدأ فَطُوبَى للغُرَبَاء» أَيْ أنَّه كَانَ فِي أَوَّلِ أمْره كالغَرِيب الوَحيد الَّذِي لَا أهْل لَهُ عِنْدَهُ، لِقَّلة المسْلمين يَوْمَئِذٍ، وسَيَعود غَرِيباً كَمَا كَانَ:
أَيْ يَقِلُّ الْمُسْلِمُونَ فِي آخِر الزَّمَانِ فَيَصِيرُونَ كالغُرَبَاء. فطُوبَى للغُرَبَاء: أَيِ الْجَنَّةُ لِأُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُونَ فِي آخِره، وإنَّما خصَّهم بِهَا لصَبْرهم عَلَى أذَى الكُفَّار أَوَّلًا وآخِرا، ولُزُومهم دينَ الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا » الاغْتِرَاب: افْتِعال مِنَ الغُرْبَة، وَأَرَادَ تَزوَّجُوا إِلَى الغَرَائِب مِنَ النِّساء غَيْرِ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّهُ أنْجَب للأولادِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ المُغِيرة «وَلَا غَرِيبَة نَجِيبَة» أَيْ أَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا غَرِيبَة فإنَّها غَيْرُ نَجِيبَة الْأَوْلَادِ. [هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ فِيكُمْ مُغَرِّبِين، قِيلَ: وَمَا المُغَرِّبُون؟ قَالَ: الَّذِينَ تَشْرَك فِيهِمُ الْجِنُّ» سُمُّوا مُغَرِّبِين لِأَنَّهُ دَخل فِيهِمْ عِرْقٌ غَرِيب، أَوْ جَاءُوا مِنْ نَسَب بَعيد.
وَقِيلَ: أرادَ بُمشَارَكة الجِنّ فِيهِمْ أمْرَهم إِيَّاهُمْ بِالزِّنَا، وتَحْسِينَه لَهُمْ فَجَاءَ أولادُهم مِنْ غيرِ رِشْدَةٍ.
وَمِنْهُ قوله تعالى: «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَجَّاج «لأضْرِبَنَّكم ضَرْبَ غَرِيبَة الْإِبِلِ» هَذَا مَثَلٌ ضَرَبه لنَفْسه مَعَ رَعِيَّته يُهَدِّدُهم، وَذَلِكَ أنَّ الْإِبِلَ إِذَا ورَدَت الْمَاءَ فدَخل فِيهَا غَرِيبَة مِنْ غَيْرِهَا ضُربَت وطُرِدَت حَتَّى تَخْرُج مِنْهَا.
وَفِيهِ «أَنَّهُ أَمَر بتَغْرِيب الزَّانِي سَنَةً» التَّغْرِيب: النَّفْي عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعت فِيهِ الجِناية.
يُقَالُ: أَغْرَبْتُه وغَرَّبْتُه إِذَا نَحَّيْتَه وأبْعَدْتَه. والغَرْب: البُعْد.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رجُلا قَالَ لَهُ: إنَّ امْرَأتي لاَ تَردُّ يَد لَامس، فَقَالَ: أَغْرِبْها» أَيْ أبْعِدْهَا، يُريد الطَّلاق.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَدِم عَلَيْهِ رجُل فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِن مُغَرِّبَة خَبَر؟» أَيْ هَلْ مِنْ خَبَرٍ جَديِد جَاءَ مِن بَلَدٍ بَعِيد. يُقَالُ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَة خَبَرٍ؟ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَعَ الْإِضَافَةِ فِيهِمَا، وَهُوَ مِنَ الغَرْب: البُعد: وَشأوٌ مُغَرِّب ومُغَرَّب: أَيْ بَعِيد.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «طَارَت بِهِ عَنْقَاء مُغْرِب» أَيْ ذَهَبَتْ بِهِ الدَّاهية. والمُغْرِب: المُبْعِد فِي الْبِلَادِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الــرُّؤْيَا «فَأَخَذَ عُمرُ الدَّلْوَ فاسْتَحالتْ فِي يَدِه غَرْباً» الغَرْب بِسُكُونِ الرَّاءِ: الدَّلو الْعَظِيمَةُ الَّتِي تُتَّخَذ مِنْ جِلْد ثَوْرٍ، فَإِذَا فُتِحَت الرَّاءُ فَهُوَ الْمَاءُ السَّائل بَيْنَ البِئر وَالْحَوْضِ.
وَهَذَا تَمثيل، وَمَعْنَاهُ أنَّ عُمَر لمَّا أخَذ الدَّلْوَ ليَسْتَقِيَ عَظُمَت فِي يَدِه، لأنَّ الفُتُوح كَانَتْ فِي زَمَنه أَكْثَرَ مِنْهَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ. وَمَعْنَى اسْتَحالت: انْقَلَبت عَنِ الصغِّر إِلَى الكِبَر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «وَمَا سُقِيَ بالغَرْب فَفِيهِ نِصْفُ العُشْر» . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَوْ أنَّ غَرْباً مِنْ جهنَّم جُعِل فِي الْأَرْضِ لآذَى نَتْنُ ريحِه وَشِدةُ حَرِّه مَا بَيْنَ المَشْرق والمغْرب» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «ذَكر الصِّدِّيق فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ بَرّاً تَقِيَّا يُصَادَي غَرْبُه» وَفِي رِوَايَةٍ «يُصَادَي مِنْهُ غَرْب» الغَرْب: الحِدَّة، وَمِنْهُ غَرْب السَّيف. أَيْ كَانَتْ تُدارَى حِدّتُه وتُتَّقَى.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فسكَنَ مِن غَرْبِه» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ عَنْ زَيْنَب: كُلُّ خِلَالِهَا مَحْمُودٌ مَا خَلَا سَوْرَةً مِنْ غَرْبٍ كَانَتْ فِيهَا» .
[هـ] وَحَدِيثُ الْحَسَنِ «سُئل عَنِ القُبْلة للصَّائم فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ غَرْبَ الشَّبَاب» أَيْ حِدَّتَه.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْر «فَمَا زالَ يفْتِل فِي الذِّرْوةِ والغَارِب حتَّى أجابَتْه عَائِشَةُ إِلَى الخُروج» الغَارِب: مُقَدَّم السَّنَام، والذِّرْوَة: أَعْلَاهُ، أَرَادَ أَنَّهُ مَا زَالَ يُخَادِعُهَا وَيَتَلَطَّفُهَا حَتَّى أجابَتْه.
وَالْأَصْلُ فِيهِ أنَّ الرجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَنِّسَ البَعِير الصَّعْبَ لِيَزُمَّه ويَنْقَادَ لَهُ جَعَلَ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَيْهِ ويمسح غَارِبَه ويَفْتِل وَبَره حَتَّى يَسْتَأنِس ويَضَع فِيهِ الزِّمام.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ لِيَزِيدَ بْنِ الأصَمّ: رُمِيَ بِرَسنكَ عَلَى غَارِبِك» أَيْ خُلِّيَ سبيُلك فَلَيْسَ لَكَ أحدٌ يَمْنَعُك عَمَّا تُريد، تَشْبِيهًا بِالْبَعِيرِ يُوضَع زِمامُه عَلَى ظَهْرِه ويُطْلَق يَسْرح أَيْنَ أَرَادَ فِي المَرْعَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ «حَبْلُك عَلَى غَارِبِك» أَيْ أنْتِ مُرْسَلَة مُطْلَقَة غَيْرُ مَشْدُودَةٍ وَلَا مُمْسَكَة بعَقْد النِّكاح.
[هـ] وَفِيهِ «أنَّ رجُلا كَانَ واقِفا مَعَهُ فِي غَزَاة فَأَصَابَهُ سَهْمُ غَرْبٍ» أي لا يُعْرَف رَامِيه. يُقَالُ: سَهْمُ غَرَب بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَبِالْإِضَافَةِ، وَغَيْرِ الْإِضَافَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِالسُّكُونِ إِذَا أَتَاهُ من حيث لا يدري، وبالفتح إِذَا رَماه فَأَصَابَ غيْرَه.
وَالْهَرَوِيُّ لَمْ يُثْبِت عَنِ الْأَزْهَرِيِّ إِلَّا الْفَتْحَ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الحسَن «ذَكَرَ ابْنَ عبَّاس فَقَالَ: كَانَ مِثَجّاً يَسِيل غَرْباً» الغَرْب: أحَدُ الغُرُوب، وَهِيَ الدُّموع حِينَ تَجْرِي. يُقَالُ: بِعَيْنه غَرْب إِذَا سَالَ دَمْعُها وَلَمْ يَنْقَطع، فَشبَّه بِهِ غَزَارَةَ عِلْمِه وأنَّه لَا يَنْقَطِع مَدَدُه وجَرْيُه.
(س) وَفِي حَدِيثِ النَّابِغَةِ «تَرِفُّ غُرُوبُه» هِيَ جَمْعُ غَرْب، وَهُوَ مَاءُ الفَمِ وحِدّة الأْسنان.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «حِينَ اخْتُصِم إِلَيْهِ فِي مَسِيل المَطر فَقَالَ: المَطرُ غَرْبٌ، والسَّيْل شَرْق» ، أَرَادَ أَنَّ أكْثَر السَّحاب يَنْشَأ مِنْ غَرْبِ القِبْلَة، والعَيْن هُناك: تَقُولُ العَرب:
مُطِرْنا بِالْعَيْنِ، إِذَا كَانَ السَّحاب ناشِئا مِنْ قِبْلَة الْعِرَاقِ.
وَقَوْلُهُ «والسَّيْل شَرْق» يُريد أَنَّهُ يَنْحطُّ مِنْ ناحِية المَشْرِق، لِأَنَّ ناحِية المشْرق عَالِيةٌ وناحِيَة المَغْرِب مُنْحَطَّة.
قَالَ ذَلِكَ القُتَيْبِيّ. ولعَلَّه شَيْءٌ يَخْتَصُّ بِتِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ الخِصَام فِيهَا.
وَفِيهِ «لَا يزالُ أهلُ الغَرْب ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» قِيلَ: أرادَ بِهِمْ أهْل الشَّام، لِأَنَّهُمْ غَرْب الحِجاز.
وَقِيلَ: أرادَ بالغَرْب الحِدّةَ والشوَّكَة. يُريد أهْل الجِهَاد.
وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: الغَرْب هَاهُنَا الدَّلْوُ، وأرَادَ بِهِمُ العَرَب، لأنَّهم أصْحابها وهُمْ يَسْتَقُون بِهَا.
وَفِيهِ «ألاَ وَإنّ مَثَل آجالِكم فِي آجَالِ الأمَم قبْلَكم كَمَا بَيْن صَلاِة العَصْر إِلَى مُغَيْرِبَان الشَّمْس» أَيْ إِلَى وَقْتِ مَغِيبها. يُقَالُ: غَرَبَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ غُرُوباً ومُغَيْرِبَاناً، وَهُوَ مُصَغَّر عَلَى غَيْرِ مُكبَّره، كَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا مَغْرِبَاناً، والمَغْرِب فِي الْأَصْلِ: مَوْضع الغُرُوب، ثُمَّ اسْتُعمِل فِي المَصْدر والزَّمان، وقِياسُه الفَتحُ ولكِن اسْتُعْمِل بِالْكَسْرِ، كالمشْرِق والمسْجد. (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «خَطبَنا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ» (س) وَفِيهِ «أنَّه ضَحِك حَتَّى اسْتَغْرَبَ» أَيْ بالَغ فِيهِ. يُقَالُ: أَغْرَبَ فِي ضَحِكه واسْتَغْرَبَ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الغَرْب: البُعْد. وقَيل: هُوَ القَهْقَهة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «إِذَا اسْتَغْرَبَ الرجُلُ ضَحِكا فِي الصَّلَاةِ أعادَ الصَّلَاةَ» وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، ويَزِيد عَلَيْهِ إعادَة الوُضوء.
(س) وَفِي دُعَاءِ ابْنِ هُبَيْرة «أعُوذ بِك مِنْ كلِّ شيطانٍ مُسْتَغْرِب، وكُل نَبَطيّ مُسْتَعرِب» قَالَ الحرْبي: أظُنُّه الَّذِي جَاوَزَ القَدْرَ فِي الخُبْث، كَأَنَّهُ مِنَ الاسْتِغْرَاب فِي الضَّحك. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى المُتَنَاهِي فِي الحِدّة، مِنَ الغَرْب: الحِدَّة.
(س) وَفِيهِ «أنَّه غَيَّر اسْم غُرَاب» لِمَا فِيهِ مِنَ البُعْد، وَلأنَّه مِنْ خُبْث الطُّيُورِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «لمَّا نَزل «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ» فأصْبَحْنَ على رؤِسهن الغِرْبَان» شَبَّهَت الخُمُر فِي سَوادِها بالغِرْبَان جَمْعُ غُرَاب، كَمَا قَالَ الكُمَيْت:
كغِرْبَان الكرُوُم الدَّوَالحِ

النَّبِي

(النَّبِي) الرَّسُول (انْظُر نبأ)
النَّبِي: فعيل من النبأ بِمَعْنى الْخَبَر فَيكون مَهْمُوز اللَّام فالنبي الْمخبر. أَو من النُّبُوَّة بِمَعْنى الرّفْعَة فَيكون معتل اللَّام فالنبي الرفيع - وَفِي الشَّرْع إِنْسَان بَعثه الله تَعَالَى إِلَى الْخلق لتبليغ الْأَحْكَام - وَقيل إِنْسَان بَعثه الله تَعَالَى وَمَعَهُ شَرِيعَة سَوَاء أَمر بتبليغها أَو لَا والمناسبة بَين الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة وَالْمعْنَى الشَّرْعِيّ ظَاهِرَة.
وَالرَّسُول قد يسْتَعْمل مرادفا للنَّبِي وَقد يخص بالمأمور بالتبليغ إِلَى الْخلق أَو بِمن نزل بِهِ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَو بِصَاحِب كتاب أَو بشريعة خَاصَّة بِمَعْنى أَنه لم يكن مَأْمُورا بمتابعة شَرِيعَة من قبله من الْأَنْبِيَاء - وَالْمَشْهُور أَن الرَّسُول إِنْسَان بَعثه الله تَعَالَى إِلَى الْخلق بتبليغ الْأَحْكَام وَمَعَهُ كتاب وَشَرِيعَة - وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره النَّبِي من أُوحِي إِلَيْهِ بِملك أَو ألهم فِي قلبه أَو نبه بالــرؤيا الصَّالِحَة فالرسول أفضل بِالْوَحْي الْخَاص الَّذِي فَوق وَحي النُّبُوَّة.

الواقعة

الواقعة: عند أهل الله، ما يرد على القلب من ذلك العالم بأي طريق كان من خطاب أو مثال.
الواقعة:
[في الانكليزية] Vision ،donation
[ في الفرنسية] Vision ،don
هي عند الصوفية هو الذي يراه السّالك الواقع في أثناء الذكر واستغراق حاله مع الله بحيث يغيب عنه المحسوسات وهو بين النوم واليقظة، وما يراه في حال اليقظة والحضور يسمّى مكاشفة كذا في مجمع السلوك، وقد سبق في لفظ الــرّؤيا. ويقول في كشف اللّغات:
الواقعة في اصطلاح المتصوّفة عبارة عن الوارد الذي يهبط على القلب من عالم الغيب بأيّ طريق كان، سواء باللّطف أو بالقهر.

بُعُبُوْرِيّ

بُعُبُوْرِيّ
اسم مركب من السابقة ب وعبوري من (ع ب ر) نسبة إلى عُبُور بمعنى جري الدمع، وقطع النهر من شاطئ، إلى شاطئ وتفسير الــرؤيا.

الْفَلَقِ

{الْفَلَقِ}
وسأله عن معنى قوله - عز وجل -: {بِرَبِّ الْفَلَقِ}
قال: الصبح. قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت بقول "لبيد بن ربيعة" وهو يقول:
الفارج الهمَّ مسدولاً عساكره. . . كما يُفرَّج غمَّ الظلمة الفلقُ
(ظ، في الروايتين) وفي (طب) : ضوء الصبح وفي (تق، ك، ط) : الصبح إذا انلق من ظلمة الليل.
= الكلمة من آية الفلق:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. . .}
ومعها من مادتها اسمُ الفاعل في آيتى الأنعام: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} - 95 {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} - 96
وفَعلَ المطاوعة في آية الشعراء 63: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}
تأويل الفلق في المسألة بالصبح أو بضوئه، يبدو قريباً. وقد يؤنس إلى انفلاقة "فالق الإصباح" إلا أنه مختلف فيه: بالصبح فسره البخاري عن مجاهد (ك التفسير، سورة الفلق) ونقل فيه ابن حجر قول الفراء أنه الصبح (الفتح 8 / 524) وهو الصواب عند الطبري، عن ابن عباس وغيره. وإن نقل فيه من اختلاف التأويل، أن الفلق الخّلق، عن ابن عباس. وسِجن في جهنم، عنه أيضاً من طريقين، وقيل اسم من أسمائها، أو جُبُّ فيها عن القرظي والسدَّى (30 / 225) ونقل فيه القرطبي نحو ذلك، وقيل شجرة في النار (الجامع 20 / 252) . وأصل الفلْق في العربية الشقُّ، والفلوق: الشقوق، والفالق: النخلة المنشقة عن الطلْع، والمطمئن من الأرض بين ربوتين، كأنه شَقٌ بينهما؛ والفُلَّيْق: الخوخ ينفلق عن نواه.
وعند الراغب: قيل هو الصبح، وقيل: الأنهار، وقيل: الكلمة التي علَّمها اللهُ موسى فانفلق بها البحر (المفردات)
وفي (الصحيحين) أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرى الــرؤيا فتأتي "مثل فَلَقِ الصبح" فسره ابن الأثير بضوء الصبح وإنارته، أو هو الصبح نفسه (النهاية) .

يَفْتِنَكُمُ

{يَفْتِنَكُمُ}
وسأل نافع عن معنى قول الله - عز وجل -: {أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
قال ابن عباس: أن يضلكم الذين كفروا بالعذاب والجهد.

واستشهد بقول الشاعر:
كلُّ امرئ من عبادِِ الله مضُطَهِدٍ. . . بِبَطْنِ مَكةَ مقهورٍ ومفتونِ = الكلمة من آية النساء 101:
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}
مادة (فتن) أصل يدل على ابتلاء واختبار، ومنه الفتنة الامتحان، فتن الدينار، والمعدن، بالنار. وفتنه الشيطان وفتنته الدنيا، وقيل الشيطان فتان (المقاييس والأساس) قال الفراء: أهل الحجاز يقولون فتنتُ الرجل وربيعة وقسي وأسد وجميع أهل نجد يقولون: أفتنته وفرق بينهما الخليل وسيبويه فقالا: فتنته، جعلته فتنة وأفتنته جعلته مفتَتَنا (جامع القرطبي، في آية النساء) وقال ابن فارس في (المقاييس) يقال: فتنة وأفتنة وأنكر الأصمعي أفتن."
اقتصر الطبري في الآية، على ذكر وجه الفتنة، قال: وقتنتهم إياهم فيها، حملُهم عليهم وهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم فيمنعوهم من إقامتها ويحولوا بينهم وبين عبادة الله وإخلاص التوحيد له." وبينه الراغب، قال: أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته. . . وجُعلت الفتنة كالبلاء فيما تدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء. وهما في الشدة أظهر وأكثر استعمالا. "وهم لا يفتنون، أي لا يختبرون" (المفردات)
وقريب منه قول ابن الأثير: وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار، للمكروه. ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة، والصرف عن الشيء (النهاية)
بكل من الامتحان، والبلاء والابتلاء، والفتنة، جاء القرآن ولعل استقراء آياتها جميعاً يهدي إلى ملحظ في سياق الاستعمال لكل منها:
الامتحان بمعنى الاختبار، في آيتين، وهو من الله تعالى في آية الحجرات 9 {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} ومن الذين آمنوا للمهاجرات في آية الممتحنة 10: {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}
وجاء الابتلاء مرة واحدة في ابتلاء الأوصياء رشد اليتامى (النساء 6) وغلب مجيئه فيما يبتلى به الله تعالى عباده: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} {وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الــرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} ونظائرها. ومعها الآيتان في اليوم الآخر، بدلالة السياق:
الطارق 9: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} ويونس 30
وأما الفتنة فتكون من الله تعالى في مثل آيتى العنكبوت {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ونظائرها.
وتكون الفتنة من الشيطان (الأعراف 27) والسَّحر (البقرة 102) والمنافقين (الحديد 14) ومن الكفار والمشركين في آية النساء 101 - وفيها المسألة - وآيات (يونس 83، التوبة 47، الإسراء 74، المائدة 49، العنكبوت 10، البروج 10) ومن قتنة الناس بعضهم لبعض (الفرقان 20)
وقول الراغب وابن الأثير، إن البلاء والفتنة أظهر في الشدة وأكثر استعمالا، يؤيده الاستقراء. ويقلُّ مجيئها في الابتلاء بالنعمة والخير، ومع اقترانه بالابتلاء بالضيق والشر، كما في آيات:
النمل 40 {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} الأنبياء 35 {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} والأعراف 167، والمَلْك 2، والفجر 15. ومنه الحديث: "ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء".

علم الحيوان

علم الحيوان
هو: علم باحث عن أحوال خواص أنواع الحيوانات وعجائبها ومنافعها ومضارها.
وموضوعه: جنس الحيوان البري والبحري والماشي والزاحف والطائر وغير ذلك.
والغرض منه: التداوي والانتفاع بالحيوانات والاجتناب عن مضارها والوقوف على عجائب أحوالها وغرائب أفعالها
مثلاً: في غرب الأندلس حيوان لو أكل الإنسان أعلاه أعطي بالخاصية علم النجوم وإذا أكل وسطه أعطي علم النبات وإذا أكل عجزه - وهو ما يلي ذنبه - أعطي علم المياه المغيبة في الأرض فيعرف إذا أتى أرضا لا ماء فيها على كم ذراع يكون الماء فيها.
وفيه كتب قديمة وإسلامية منها كتاب الحيوان لديموقراس ذكر فيه طبائعه ومنافعه وكتاب الحيوان لأرسطاطاليس تسع عشرة مقالة نقله ابن البطريق من اليوناني إلى العربي وقد يوجد سريانيا نقلا قديما أجود من العربي ولأرسطو أيضا كتاب في نعت الحيوان الغير الناطق وما فيه من المنافع والمضار وكتاب الحيوان لأبي عثمان عمرو ابن بحر الجاحظ البصري المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وهو كبير أوله جنبك الله تعالى الشبهة وعصمك من الحيرة.... الخ.
قال الصفدي: ومن وقف على كتابه هذا وغالب تصانيفه ورأى فيها الاستطرادات التي استطردها والانتقالات التي ينتقل إليها والجهالات التي يعترض بها في غصون كلامه بأدنى ملابسه علم ما يلزم الأديب وما يتعين عليه من مشاركة المعارف.
أقول: ما ذكره الصفدي من إسناد الجهالات إليه صحيح واقع فيما يرجع إلى الأمور الطبيعية فإن الجاحظ من شيوخ الفصاحة والبلاغة لا من أهل هذا الفن ومختصر حيوان الجاحظ لأبي القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد جعفر المتوفى سنة ثمان وستمائة. وكتاب حياة الحيوان للشيخ كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي المتوفى سنة ثمان وثمانمائة وهو كتاب مشهور في هذا الفن جامع بين الغث والسمين لأن المصنف فقيه فاضل محقق في العلوم الدينية لكنه ليس من أهل هذا الفن كالجاحظ وإنما مقصده تصحيح الألفاظ وتفسير الأسماء المبهمة كما أشار إليه في أول كتابه هذا وذكر أنه جمعه من خمسمائة وستين كتاب أو مائة وتسعة وتسعين ديوانا من دواوين شعراء العرب وجعله نسختين صغرى وكبرى في كبيراه زيادة التاريخ وتعبير الــرؤيا وله مختصرات ذكرها في كشف الظنون.
وعبارة مدينة العلوم: وقد صنف فيه كمال الدين الدميري تصنيفا حسنا مطولا ومختصرا ورأيت مختصرا يسمى بخواص الحيوان وهو كاف في هذا الباب إلا أني لم أعرف مصنفه انتهى.
قلت: وقد طبع كتاب حياة الحيوان الكبرى بمصر القاهرة ولهذا الزمان وعم نفعه في البلاد. 

علم الطب

علم الطب
هو: علم يبحث فيه عن بدن الإنسان من جهة ما يصح ويمرض لحفظ الصحة وإزالة المرض
قال جالينوس: الطب حفظ الصحة وإزالة العلة. وموضعه: بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض.
ومنفعته: لا تخفى وكفى بهذا العلم شرفا وفخرا أقوال الإمام الشافعي: العلم علمان: علم الطب للأبدان وعلم الفقه للأديان.
ويروى عن علي كرم الله وجهه: العلوم خمسة:
الفقه للأديان والطب للأبدان والهندسة للبنيان والنحو للسان والنجوم للزمان ذكره في مدينة العلوم.
قال في كشاف اصطلاحات الفنون: وموضوع الطب: بدن الإنسان وما يشتمل عليه من الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء والقوى والأرواح والأفعال وأحواله من الصحة والمرض وأسبابهما من المآكل والمشرب والأهوية المحيطة بالأبدان والحركات والسكنات والاستفراغات والاحتقانات والصناعات والعادات والواردات الغريبة والعلامات الدالة على أحواله من ضرر أفعاله وحالات بدنه وما يبرز منه والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون والأدوية البسيطة والمركبة وأعمال اليد لغرض حفظ الصحة وعلاج الأمراض بحسب الإمكان انتهى.
قال: وعلم الطب من فروع الطبعي وهو: علم بقوانين تتعرف منها أحوال أبدان الإنسان من جهة الصحة وعدمها لتحفظ حاصلة وتحصل غير حاصلة ما أمكن وفوائد القيود ظاهرة وهذا أولى ممن قال من جهة ما يصح ويزول عنه الصحة فإنه يرد عليه: إن الجنين غير الصحيح من أول الفطرة لا يصح عليه أنه زال عن الصحة أو صحته زائلة كذا في السديدي شرح الموجز فالمراد هنا بالعلم: التصديق بالمسائل ويمكن أن يراد به الملكة أي: ملكة حاصلة بقوانين ... الخ.
وفي شرح القانوجه هو: علم بأحوال بدن الإنسان وما يتركب منه من حيث الصحة والمرض انتهى.
اعلم: أن تحقيق أول حدوث الطب عسير لبعد العهد واختلاف آراء القدماء فيه وعدم المرجح فقوم يقولون بقدمه والذين يقولون بحدوث الأجسام يقولون بحدوثه أيضا وهم فريقان:
الأول: يقول أنه خلق مع الإنسان.
والثاني: وهم الأكثر يقول: إنه مستخرج بعده إما بإلهام من الله - سبحانه وتعالى - كما هو مذهب بقراط وجالينوس وجميع أصحاب القياس وإما بتجربة من الناس كما ذهب إليه أصحاب التجربة والحيل وثاسلس المغالط وفنين وهم مختلفون في الموضع الذي به استخرج وبماذا استخرج.
فبعضهم يقول: إن أهل مصر استخرجوه ويصححون ذلك من الدواء المسمى بالرأس.
وبعضهم يقول: إن هرمس استخرجه مع سائر الصنائع.
وبعضهم يقول: أهل تونس.
وقيل: أهل سوريا وأفروجيا وهم أول من استخرج الزمر أيضا وكانوا يشفون بالألحان والإيقاعات آلام النفس.
وقيل: أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها بقراط وآباؤه وذكر كثير من القدماء: أنه ظهر في ثلاث جزائر إحداها: رودس والثانية: تسمى: قندس والثالثة: قو.
وقيل: استخرجه الكلدانيون. وقيل: استخرجه السحرة من اليمن.
وقيل: من بابل.
وقيل: فارس.
وقيل: استخرجه الهند.
وقيل: الصقالبة.
وقيل: أقريطش.
وقيل: أهل طور سينا.
والذين قالوا بإلهام يقول بعضهم: هو إلهام بالــرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها.
وبعضهم يقول: بإلهام من الله - سبحانه وتعالى – بالتجربة.
وقيل: إن الله - سبحانه وتعالى - خلق الطب لأنه لا يمكن أن يستخرجه عقل إنسان وهو رأي جالينوس فإنه قال كما نقله عنه صاحب عيون الأنباء.
وأما نحن فالأصوب عندنا أن نقول: إن الله - سبحانه وتعالى - خلق صناعة الطب وألهمها الناس وهو أجل من أن يدرجه العقل لأنا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند الله - سبحانه وتعالى - بإلهام منه للناس فوجود الطب بوحي وإلهام من الله - سبحانه وتعالى - قال ابن أبي صاد في آخر شرحه لمسائل حنين: وجدت الناس في قديم الزمان لم يكونوا يقنعون من هذا العلم دون أن يحيطوا علما بجل أجزائه وبقوانين طرق القياس والبرهان التي لا غنى لشيء من العلوم عنها ثم لما تراجعت الهمم عن ذلك أجمعوا على أنه لا غنى لمن يزاول هذا العلم من أحكام ستة عشر كتابا لجالينوس كان أهل الإسكندرية لخصوها لنقبائها المتعلمين ولما قصرت الهمم بالمتأخرين عن ذلك أيضا وظف أهل المعرفة على من يقنع من الطب بأن يتعاطاه دون أن يتمهر فيه أن يحكم ثلاث كتب من أصوله.
أحدها: مسائل حنين.
والثاني: كتاب الفصول لبقراط.
والثالث: أحد الكناشتين الجامعتين للعلاج وكان خيرها كناش ابن سرافيون.
وأول من شاع عنه الطب إسقلنينوس عاش تسعين سنة منها وهو صبي وقبل أن تصح له القوة الإلهية خمسون سنة وعالما معلما أربعون سنة وخلف ابنين ماهرين في الطب وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته وعهد إلى من يأتي بعده كذلك وقال ثابت: كان في جميع المعمور لإسقلنينوس اثنا عشر ألف تلميذ وإنه كان يعلم مشافهة وكان آل إسقلنينوس يتوارثون صناعة الطب إلى أن تضعضع الأمر في الصناعة على بقراط ورأى أن أهل بيته وشيعته قد قلوا ولم يأمن أن تنقرض الصناعة فابتدأ في تأليف الكتب على جهة الإيجاز.
قال علي بن رضوان: كانت صناعة الطب قبل بقراط كنزا وذخيرة يكنزها الآباء ويدخرونها للأبناء وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى إسقلنينوس وهذا الاسم اسم لملك بعثه الله سبحانه وتعالى يعلم الناس الطب أو اسم قوة الله تعالى علمت الناس الطب وكيف كان فهو أول من علم صناعة الطب ونسب المعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أبا للمتعلم وتناسل من المعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى إسقلنينوس وكان ملوك اليونان والعظماء منهم ولم يكونوا غيرهم من تعلم الطب وكان تعليمهم إلى أبنائهم. فيفسر ذلك اللغز للابن وكان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة ولم يزل ذلك إلى أن نشأ بقراط من أهل قو ودمقراط من أهل إيديرا وكانا متعاصرين أما دمقراط فتزهد وأما بقراط فعمد إلى أن دونه بإغماض في الكتب خوفا على ضياعه وكان له ولدان: ثاسالوس ودراقر وتلميذ وهو: قولونس فعلمهم ووضع عهدا وناموسا ووصية عرف منها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه.
وعبارة مدينة العلوم: إن أول من دون علم الطب بقراط ثم ظهر من بعده جالينوس من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين ولا أعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبعي من هذين بقراط وجالينوس وظهر جالينوس بعد ستمائة وخمس وستين سنة من وفاة بقراط وبينه وبين المسيح سبع وخمسون سنة المسيح أقدم منه.
واعلم: أن من وفاة جالينوس إلى هذا التاريخ - وهو ثمان وأربعون وتسعمائة سنة من هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم -: ألف وأربعمائة وستة وسبعون سنة تقريباً.
ومن مشاهير العلماء في الطب: محمد بن زكريا أبو بكر الرازي ألف كتبا كثيرة في الطب.
ومن الكتب المختصرة النافعة غاية النفع المباركة للطلاب كتاب الموجز لابن النفيس المصري ومن المبسوطة: القانون لابن سينا وعليه شرح لابن النفيس وللعلامة الشيرازي انتهى.
حاصله
قلت: يحتاج القانون إلى إصلاح عبارة وتلخيص وتهذيب فقد أطال فيه وجاء بعبارات سخيفة بشعة كما لا يخفى على الماهر فيه. ومن الكتب الجديدة التأليف: كتاب الحكيم أحمد بن حسن أفندي الرشيدي المطبوع بمصر القاهرة سماه بعمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج ألفه باسم إسماعيل باشا مصر وهو في أجزاء جمعه من المؤلفات العربية والإفرنجية وله كتاب بهجة الرؤساء في علاج أمراض النساء طبع بمصر القاهرة في سنة 1260، ألفه باسم محمد علي باشا وأفاد وأجاد. وله كتاب نزهة الإقبال في مداواة الأطفال وهو مجلد كبير طبع بمصر في سنة 1261 الهجرية باسم محمد علي باشا أيضاً.
ومن الكتب الجديدة كتاب المنحة في سياسة حفظ الصحة للحكيم الأجل محمد الهراوي طبع بمصر في سنة 1249، ترجمة من الفرنساوي إلى العربي وهو مجلد متوسط.
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ذكرها ملا كاتب الجلبي في كشف الظنون على ترتيب حروف الأعجام وأما الذي في مقدمة ابن خلدون فنصه هكذا: ومن فروع الطبيعيات: صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله الدواء أولا: في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله: علم الطب. وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصا كالعين وعللها وأكحالها.
وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء ومعناها المنفعة التي لأجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن الحيواني وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه.
وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين: جالينوس يقال: إنه كان معاصرا لعيسى - عليه السلام - ويقال: إنه مات بصقلية في سبيل تغلب ومطاوعة اغتراب وتأليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء بعده.
وكان في الإسلام في هذه الصناعة أئمة جاؤوا من وراء الغاية مثل: الرازي والمجوسي وابن سينا.
ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم: ابن زهر وهي لهذا العهد في المدن الإسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصنائع التي لا تستدعيها إلا الحضارة والترف.
قف: وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثا عن مشائخ الحي وعجائزه وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره.
والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عاديا للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع فقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم1 إلا إذا استعلم على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية كما وقع في مداواة المبطون بالعسل والله الهادي إلى الصواب لا رب سواه. علم الطب الشرعي
قال في المنحة في سياسة حفظ الصحة: هو المعارف الطبية والطبيعية المستعملتان في الأحكام الواقعة بين الناس في المحاكم فمن ذلك يعلم أن تسميته بالطب الشرعي اصطلاح إفرنجي وحقه أن يسمى بالطب المحكمي ولذا سميناه بذلك في جميع ما يأتي.
وهو فن به يهتدي أرباب المحاكم لما يناط بها من القضايا فيعرف كل من تصدر عنه حكومة كيف تكوين الحكومات والتراتيب القانوينة التي غايتها استراحة شعبه واطمئنانه وبه يهتدي القضاة لإدراك الأشياء التي تفعل على خلاف الشرع ولمعرفة الجاني وخلاص البريء المتهم ظلما بل ولمعرفة أحكام المشاجرات المدنية الواقعة في غير الجنايات أيضا وكل من القاضي ومن تصدر عنه الحكومة من حيث أنه غير عارف للأشياء التي تكون المعارف الطبية واسطة للاهتداء إليها محتاج للالتجاء للطبيب المحكمي ليهتدي به في فعل ما هو نافع للشعب حتى لا يحكم على إنسان بأنه مذنب بغير حق.
وعلى الطبيب الذي يدعوه الحاكم لواقعة حكمية أن يحرر تقريرا بما يراه ليكون أساسا للحاكم يحكم بموجبه ومما تقدم من تفسير الطب المحكمي وما يتفرع عليه يعلم أن منفعته ليست قاصرة على تحرير التقارير التي يكتبها الطبيب بما يظهر له حين الكشف عن شيء ليتنور بذلك الحاكم فقط بل أعظم منافع هذا العلم أنه يلزم الناس باستعمال الرئيس من المعارف الطبية وما يتبعها في تكوين أحكام المشاجرات الواقعة أمام الحكام ومسائلها وسواء في الجنايات وغيرها.
وفوائد الطب المحكمي لا حصر لها إذ لا توجد حركة من حركات الإنسان في مدة معيشته مع الناس بدون أن يستدعي ذلك الطب الموجود في جميع الأماكن في كل الأزمان فهو أول الفنون الحكمية وأفضلها لأن غاية استراحة الناس واطمئنانهم وأساس المعارف الطبية المستعملة في الطب المحكمي استخراج ما هو أكثر تعلقا بالقضايا المحكمية من تلك المعارف أو ترتيبه وجعله طريقا ومذهبا يتبع ونظن أنه لا يوجد شيء تستفاد منه قواعد كلية بما يستعمل في المحاكم من المعارف الطبية أقرب من التفتيش في الفنون المحتوية على تلك المعارف.

علم الطبعي

علم الطبعي
هو علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام الطبعية وموضوعه الجسم ويسمى أيضا بالعلم الأدنى وبالعلم الأسفل وهو علم بأحوال ما يفتقر إلى المادة في الوجودين.
وموضوعه الجسم الطبعي من حيث إن يستعد للحركة والسكون.
وفي إرشاد القاصد للشيخ الأكفاني السخاوي العلم الطبعي: علم يبحث فيه عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها.
فالجسم من هذه الحيثية موضوعه. وأما العلوم التي تفرع عليه وتنشأ منه فهي عشرة.
وذلك لأن نظره إما أن يكون فيما يفرع على الجسم البسيط أو الجسم المركب أو ما يعمهما.
والأجسام البسيطة أما الفلكية فأحكام النجوم.
وأما العنصرية فالطلسمات.
والأجسام المركبة أما ما لا يلزمه مزاج وهو: علم السيميا.
وما يلزمه مزاج فإما بغير ذي نفس فالكيمياء أو بذي نفس.
فأما غير مدركة فالفلاحة.
وأما مدركة فأما لها مع ذلك أن يعقل أولا.
الثاني البيطرة والبيزرة وما يجري مجراهما.
والذي بذي النفس العاقلة هو الإنسان وذلك إما في حفظ صحته واسترجاعها وهو الطب أو أحواله الظاهرة الدالة على أحواله الباطنة وهو الفراسة أو أحوال نفسه حال غيبته عن حسه وهو تعبير الــرؤيا والعام للبسيط والمركب السحر انتهى.
وأصول الطبعي ثمانية:
الأول: العلم بأحوال الأمور العامة للأجسام.
الثاني: العلم بأركان العالم وحركاتها وأماكنها المسمى بعلم السماء والعالم.
الثالث: العلم بكون الأركان وفسادها.
الرابع: العلم بالمركبات الغير التامة لكائنات الجو.
الخامس: العلم بأحوال المعادن.
السادس: العلم بالنفس النباتية.
السابع: العلم بالنفس الحيوانية.
الثامن: العلم بالنفس الناطقة.
قال ابن خلدون: هو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية وما يتولد عنها من حيوان وإنسان ونبات ومعدن وما يتكون في الأرض من العيون والزلازل وفي الجو من السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك وفي مبدأ الحركة للأجسام وهو النفس على تنوعها في الإنسان والحيوان والنبات.
وكتب أرسطو فيه موجودة بين أيدي الناس مع ما ترجم من علوم الفلسفة أيام المأمون وألف الناس على حذوها.
وأوعب من ألف في ذلك ابن سينا في كتاب الشفا جمع فيه العلوم السبعة للفلاسفة.
ثم لخصه في كتاب النجاة.
وفي كتاب الإشارات وكأنه يخالف أرسطو في الكثير من مسائلها ويقول برأيه فيها وأما ابن رشد فلخص كتب أرسطو وشرحها متبعا له غير مخالف وألف الناس في ذلك كثيرا لكن هذه هي المشهورة لهذا العهد والمعتبرة في الصناعة.
ولأهل المشرق عناية بكتاب الإشارات لابن سينا وللإمام ابن الخطيب عليه شرح حسن وكذا الآمدي وشرحه أيضا نصير الدين الطوسي المعروف بخواجه من أهل المشرق وبحث مع الإمام في كثير من مسائله فأوفى على أنظاره وبحوثه وفوق كل ذي علم عليم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

علم الفلسفيات

علم الفلسفيات
العلوم الفلسفية أربعة أنواع: رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية. فالرياضية على أربعة أقسام.
الأول: علم الأرتماطيقي وهو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس نيقوماخس وتحته علم الوفق وعلم الحساب الهندي وعلم الحساب القبطي والزنجي وعلم عقد الأصابع.
الثاني: علم الجومطريا وهو علم الهندسة بالبراهين المذكورة في إقليدس ومنها علمية وعملية وتحتها علم المساحة وعلم التكسير وعلم رفع الأثقال وعلم الحيل المائية والهوائية والمناظر والحزب.
الثالث: علم الإسطرلاب قوميا وهو: علم النجوم بالبراهين المذكورة في المجسطي وتحت علم الهيئة والميقات والزيج والتحويل.
الرابع: علم الموسيقى وتحته علم الإيقاع والعروض، والثاني العلوم المنطقية وهي خمسة أنواع:
الأول: أنولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر.
الثاني: بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب.
الثالث: بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل.
الرابع: الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان. الخامس: سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة.
والثالث العلوم الطبيعية وهي سبعة أنواع:
الأول: علم المبادئ وهو: معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي: الهيولى والصورة والزمان والمكان والحركة.
الثاني: علم السماء والعالم وما فيه.
الثالث: علم الكون والفساد.
الرابع: علم حوادث الجو.
الخامس: علم المعادن.
السادس: علم النبات.
السابع: علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه.
الرابع: العلوم الإلهية وهي خمسة أنواع:
الأول: علم الواجب وصفته.
الثاني: علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية الفعالة التي هي الملائكة.
الثالث: العلوم النفسانية وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض.
الرابع: علم السياسات وهي خمسة أنواع:
الأول: علم سياسة النبوة.
الثاني: علم سياسة الملك وتحته الفلاحة والرعايا وهو الأول المحتاج إليه في أول الأمر لتأسيس المدن.
الثالث: علم قود الجيش ومكائد الحرب والبيطرة والبيزرة وآداب الملوك.
الرابع: العلم المدني كعلم سياسة العامة وعلم سياسة الخاصة وهي سياسة المنزل.
الخامس: علم سياسة الذات وهو علم الأخلاق.
فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
من كلام ابن خلدون رحمه الله وهذا الفصل مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعلل بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وإن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق.
ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صورا منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل؛ ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معاني أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معاني أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا أن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية.
وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني.
فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية لطلب الإدراك وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو.
ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين.
وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس.
ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس والحيوانات ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان.
ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل واحد أول مفرد وهو العاشر ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالقضاء وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة وإن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم.
وأمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر1 ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق ويعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات.
ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها.
وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة. أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما.
واعلم: إن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفائهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك ويخلق ما لا تعلمون وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء.
وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضوا على مغيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض.
أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينية لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة والموجودات الخارجية متشخصة بموادها ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا ما يشهدوا له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها.
وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لها ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الــرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية.
وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق الأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسن من الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزئين.
أحدهما: جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزئين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الاتبهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس حصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة أمانة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم.
فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر ونحن أول شيء نعني به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له فادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة وتلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك الموانع عنها ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده.
وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس.
وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنا إنما تبين لنا بما قرروه إن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة وإنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.
وأما قولهم أن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفي إدراكه بجمله روحانيا أو جسمانيا والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشرة ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا به الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون.
وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية والروحانية فهذا التهذيب الذي توصولنا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين.
وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا به الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأملا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعميهم أبو علي بن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه أن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة قلنا في البراهين عليه سعة.
وأما المعاد الجسماني أحواله فلا يمكننا إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيرا ما يستعلمونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكه الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم هم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار.
هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطيها فليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو عن علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطيها والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
قال الغزالي في الإحياء: الفلسفة ليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء.
أحدها: الهندسة والحساب وهما مباحان ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما خوفا عليه من أن القوي يندب إلى مخالطتهم.
قال الثاني: المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام.
الثالث: الإلهيات وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفرد بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة.
الرابع: الطبيعيات بعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغييرها وهو شبيه بنظر الأطباء ولا حاجة إليها وإنما حدث ذلك بحدوث البدع إلى آخر ما قال والله أعلم.

علم الموسيقى

علم الموسيقى
قال صاحب الفتحية الموسيقى: علم رياضي يبحث فيه عن أحوال النغم من حيث الاتفاق والتنافر وأحوال الأزمنة المتخللة بين النقرات من حيث الوزن وعدمه ليحصل معرفة كيفية تأليف اللحن هذا ما قاله الشيخ في شفاءه إلا إن لفظه بين النقرات زيدت على كلامه. وعبارته بعينها أي: معرفة النغم الحاصل من النقرات ليعم البحث عن الأزمنة التي تكون نقراتها منغمة أو ساذجة وكلامه يشعر بكون البحث عن الأزمنة التي تكون نقراها منغمة فقط.
وعرفها الشيخ أبو نصر: بأنها صوت واحد لابث لزمان فإذا قدر محسوسا في الجسم الذي فيه يوجد والزمان قد يكون غير محسوس القدر لصغره فلا مدخل للبحث والصوت اللابث فيه لا يسمى نغمة والقوم قدروا أقل المرتبة المحسوسة في زمان يقع بين حرفين متحركين ملفوظين على سبيل الاعتدال فظهر لنا أنه يشتمل على بحثين البحث: الأول: عن أحوال النغم والبحث الثاني: عن الأزمنة فالأول يسمى: علم التأليف. والثاني: علم الإيقاع.
والغاية والغرض منه حصول معرفة كيفية تأليف الألحان وهو في عرفهم أنغام مختلفة الحدة والثقل رتبت ترتيبا ملائما وقد يقال: وقرنت بها ألفاظ دالة على معان محركة للنفس تحريكا ملذا وعلى هذا فما يترنم به الخطباء والقراء يكون لحنا بخلاف التعريف الثالث: وهو وقرنت بها ألفاظ منظومة مظروفة الأزمنة بالأول أعم من الثاني والثالث وبين الثاني والثالث عموم من وجه.
وقال في مدينة العلوم: وهو علم تعرف منه أحوال النغم والإيقاعات وكيفية تأليف اللحون وإيجاد الآلات الموسيقائية وإنما وضعوا هذه الآلات لما ليس فيه الطبيعة فلم يرخصوا الإخلال به.
وموضوعه: الصوت من جهة تأثيره في النفس إما بالبسط أو بالقبض لأن الصوت إما أن يحرك النفس عن المبدأ فيحدث البسط من السرور واللذة وما يناسبها وإما إلى مبدئها فيحدث القبض والفكر في العواقب وما يناسب ذلك ومن الكتب المصنفة فيه كتاب الفارابي وهو أشهرها وأحسنها وكذا كتاب الموسيقي من أبواب الشفاء لابن سينا ولصفي الدين عبد المؤمن مختصر لطيف ولثابت بن قرة تصنيف نافع ولأبي الوفاء الجوزجاني مختصر نافع في فن الإيقاع والكتب في هذا الفن كثيرة وفيما ذكرناه كفاية انتهى كلامه.
وقد اتفق الجمهور على أن واضع هذا الفن أولا: فيثاغورس من تلامذة سليمان عليه السلام وكان رأى في المنام ثلاثة أيام متوالية أن شخصا يقول له: قم واذهب إلى ساحل البحر الفلاني وحصل هناك علما غريبا فذهب من غد كل ليلة من الليالي إليه فلم ير أحدا فيه وعلم أنها رؤيا ليست مما يؤخذ جدا فانعكس وكان هناك جمع من الحدادين يضربون بالمطارق على التناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي صنع آلة وشد عليها إبريسما وأنشد شعرا في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء وبعد مدة قليلة صار حكيما محققا بالغا في الرياضة بصفاء جوهره وأصلا إلى مأوى الأرواح وسعة السماوات وكان يقول: إني أسمع نغمات شهية وألحانات بهية من الحركات الفلكية وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري فوضع قواعد هذا العلم.
وأضاف بعده الحكماء مخترعاتهم إلى ما وضعه إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطاطاليس فتفكر أرسطو فوضع الأغنون وهو آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة على حسب استعمال المستعمل وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس لا مجرد اللهو والطرب فإن النفس قد يظهر فيها باستماع واسطة حسن التأليف وتناسب النغمات بسط فتذكر مصاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي وتسمع هذا النداء وهو:
ارجعي أيتها النفس الغريقة في الأجسام المدلهمة في فجور الطبع إلى العقول الروحانية والذخائر التوراتية والأماكن القدسية في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ومن رجال هذا الفن من صار له يد طولى كعبد المؤمن فإن له فيه شرفية وخواجه عبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي له فيه كتب عديدة وقد أطال ابن خلدون في بيان صناعة الغناء فمن شاء ليرجع إليه فأنه بحث نفيس.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.