Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: خمسة_وستون

شمرخ

(شمرخ)
العذق خرط شماريخه أَو خرطها بالمخلب والنخلة خرط بسرها
[شمرخ] نه: فيه: خذوا عثكالا فيه مائة "شمراخ" فاضربوه به، العثكال العذق وكل غصن منه شمراخ وهو الذي عليه البسر.
شمرخ: شمروخ وجمعها شماريخ: خيزرانة، عصيّة تُحمل باليد للتسلية (بوشر).
الشماريخ عند قبائل البربر: الشياطين. (البكري ص189).
شِمْراخة = شِمْراخ: وقد فسرت بقُلَّة الجبل في ديوان الهذليين (ص77).

شمرخ


شَمْرَخَ
a. Stripped (palm-tree).
شِمْرَاْخ
(pl.
شَمَاْرِيْخُ)
a. Stalk or raceme of the palm-tree.

شُمْرُوْخ
a. see 49
شَمَارِق شَمَارِيْق مُشَمْرَق
a. Torn, tattered.

شَمَرْد شَمَرْذلَل
a. Comely; tall; swift.
ش م ر خ : وَالشِّمْرَاخُ مَا يَكُونُ فِيهِ الرُّطَبُ وَالشُّمْرُوخُ وِزَانُ عُصْفُورٍ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ فِيهِمَا شَمَارِيخُ وَمِثْلُهُ عِثْكَالٌ وَعُثْكُولٌ وَعِنْقَادٌ وَعُنْقُودٌ. 
شمرخ: الشِّمْراخُ من الجبل مُستَدِقٌّ، طويل في أعلاه. والشِّمْراخُ: عسقبة من عذق أو عنقود. والشِّمْراخُ من الغُرَّة: ما سال على الأنْفِ. والشُّمْرُوخُ: غصن دقيق في أعلى الغصن الغليظ، خرج من سنته دقيقا رخصا.
[شمرخ] الشِمْراخُ والشُمْروخُ: العِثْكالُ والعُثْكولُ. والشِمراخ: رأس الجبل. والشمراخُ: غُرَّة الفرس إذا دقّت وسالت وجلَّلت الخيشوم ولم تبلغ الجَحْفَلة. والفرس شِمراخٌ أيضاً. قال الشاعر : ترى الجَوْنَ ذا الشِمراخِ والوردَ يُبْتغى * لَيالِيَ عَشْراً وَسْطَنا وهو عائرُ والشمراخية: صنف من الخوارج، أصحاب عبد الله بن شمراخ.
شمرخ
شِمراخ [مفرد]: ج شَماريخُ:
1 - سُباطة البلح.
2 - عنقود عليه العنب.
3 - غُصن دقيق رخص ينبت في أعلى الغصن الغليظ. 

شُمْروخ [مفرد]: ج شَماريخُ: شِمراخ. 

شمرخ: الشِّمْراخُ والشُّمْروخ: العِثْكالُ الذي عليه البُسْرُ، وأَصله

في العِذْق وقد يكون في العنب. التهذيب: الشِّمْراخُ عِسْقَبَةٌ من

عِذْقِ عُنْقُودٍ. وفي الحديث: أَن سَعْدَ بن عُبادة أَتى النبي، صلى الله

عليه وسلم، برجل في الحيّ مُخْدَجٍ سقيم وُجِدَ على أَمَة من إِمائهم

يَخْبُثُ بها، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: خذوا له عِثْكالاً فيه مائة

شِمْراخ فاضربوه به ضربة ما بين خمس مرات إِلى عشر مرات. والشُّمْروخ:

غُصْنٌ دقيق رَخْصٌ يَنْبُتُ في أَعلى الغصن الغليظ خرج في سَنَتِه رَخْصاً.

والشِّمْراخُ: رأْسٌ مستدير طويل دقيق في أَعلى الجبل. الأَصمعي:

الشَّماريخُ رؤُوس الجبال وهي الشَّناخِيبُ، واحدتها شُنْخُوبة. والشِّمْراخ من

الغُرَر: ما استَدَقَّ وطال وسال مُقْبِلاً حتى جَلَّلَ الخَيْشُومَ ولم

يبلغ الجَحْفَلَة، والفرس شِمْراخٌ؛ قال حُرَيْثُ بنُ عَتَّاب

النَّبْهانيُّ:

تَرى الجَوْنَ ذا الشِّمْراخِ والوَرْدَ يُبْتَغَى

لَيالَي عَشْراً، وَسْطَنا، وهو عائرُ

وقال الليث: الشِّمْراخ من الغُرَرِ ما سال على الأَنف. وشِمْراخُ

السحاب: أَعاليه.

وشَمْرَخَ النخلةَ: خَرَط بُسْرَها. وقال أَبو صَبْرَةَ السَّعْديُّ:

شَمْرِخ العِذْقَ أَي اخْرُطْ شَماريخه بالمِخْلَب قَعْطاً

(* قوله «قعطاً»

كذا بالأصل بتقديم العين على الطاء وفي القاموس قطعاً بتأخير العين قال

شارحه وانظره) والشِّمْراخية: صنف من الخوارج أَصحاب عبدالله بن

شِمْراخ.

(ش م ر خ) : (الشِّمْرَاخُ) فِي (ع ث) شمس: (السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ) ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ (وَالْقَمَرِيَّةُ) ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ يَوْمٍ وَسُدُسُهُ وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَثُلُثٌ وَرُبُعُ عُشْرِ يَوْمٍ بِالتَّقْرِيبِ عَلَى رَأْيِ بَطْلَيْمُوسَ وَهُوَ اسْمُ حَكِيمٍ (وَخَيْلٌ شُمُسٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ شَمُوسٍ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ ظَهْرَهُ وَلَا يَكَادُ يَسْتَقِرُّ (وَالشَّمَّاسُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنْ رُؤَسَاءِ النَّصَارَى الَّذِي يَحْلِقُ وَسَطَ رَأْسِهِ وَيَكُونُ مُلَازِمًا لِلْبِيعَةِ (وَبِهِ سُمِّيَ) جَدُّ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْخُلْعِ وَالْجَمْعُ الشَّمَامِسَةُ شَمَطَ (رَجُلٌ أَشْمَطُ) خَالَطَ شَعْرَهُ بَيَاضٌ وَبِالْفَارِسِيَّةِ دوموي وَفِي أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ (وَالشَّمَطُ) عَيْبٌ قَالَ وَهُوَ بَيَاضُ شَعْرِ رَأْسِهِ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَالْبَاقِي أَسْوَدُ (قَالَ) ابْنُ فَارِسٍ وَالشَّمَطُ اخْتِلَاطُ الشَّيْبِ بِسَوَادِ الشَّبَابِ وَكُلُّ خَلِيطَيْنِ خَلَطْتَهُمَا فَقَدْ شَمَطْتَهُمَا (وَمِنْهُ) قِيلَ لِلصَّبَاحِ شَمِيطٌ لِاخْتِلَاطِ بَيَاضِهِ بِبَاقِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ (وَعَنْ اللَّيْثِ) الشَّمَطُ فِي الرَّجُلِ شَيْبُ اللِّحْيَةِ (وَقِيلَ) الشَّمَطُ بَيَاضُ شَعْرِ الرَّأْسِ يُخَالِطُ سَوَادَهُ وَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ شَيْبَاءُ وَلَكِنْ شَمْطَاءُ وَتَفْصِيلُ النَّاطِفِيِّ لِبَيَانِ أَنَّ الشَّمَطَ مَتَى يَكُونُ عَيْبًا لَا أَنَّهُ تَحْدِيدٌ لُغَوِيٌّ.

شمرخ

Q. 1 شَمْرَخَ النَّخْلَةَ He stripped off the unripe dates of the palm-tree. (L.) And شَمْرِخِ العِذْقَ Strip thou the شَمَارِيخ [or fruit-stalks] of the raceme of the palm-tree with the مِخْلَب, cutting off [the dates]. (L, * K. [In the former, in the place of قَطْعًا, the last word in the explanation in the K, is put قَعْطًا, app. by a mistake of the copyist.]) شِمْرَاخٌ (S, Mgh, Msb, K) and ↓ شُمْرُوخٌ (S, Msb, K) A [fruit-] stalk of the raceme of a palm-tree; (Mgh;) the عِثْكَال, (S, L,) or thing, (Msb,) upon which are the dates; (L, Msb;) [i. e. any one of the stalks that branch off from the main stem of the raceme, and on which hang the dates; each of these stalks comprising a number of dates, one below another:] pl. of both شَمَارِيخُ: (Msb:) the عِذْق, or كِبَاسَة, [q. v.,] comprises the شَمَارِيخ: (Msb voce عِذْقٌ:) or an عِثْكَال upon which are unripe dates, or grapes: (K:) originally relating to a raceme of dates; but sometimes, to grapes: (L:) and the former word [or each] signifies a small bunch of grapes, growing apart, but attached to the lower portion of the stalk of a larger bunch. (T, TA.) b2: Also, شِمْرَاخٌ, The head of a mountain: (S, K:) or a round, tall, slender head, or peak, of a mountain: (L:) accord. to As, [the pl.] شَمَارِيخُ signifies the heads of mountains: (TA:) or it signifies the upper, or uppermost, part [or parts] of a mountain; and in like manner, of trees. (Ham p. 786.) And (assumed tropical:) The upper, or uppermost, parts of clouds: (K:) or [the pl.] شَمَارِيخُ is metaphorically applied to the upper, or uppermost, parts of clouds. (Ham ubi suprà.) b3: And A blaze upon the face of a horse, when it is narrow, (S, K, TA,) and long, (TA,) and extending so as to cover the [part of the nose called] خَيْشُوم, but not reaching to the lip: (S, K, TA:) or a blaze, upon the face of a horse, extending downwards on the nose. (Lth, TA.) [See غُرَّةٌ سَائِلَةٌ, in art. سيل.] Accord. to J, The horse itself [that has such a blaze] is also thus called; but this is a mistake: (K:) it seems that he meant to have said ذُو شِمْرَاخٍ; but this, in a verse which he cites, is the name of a horse of Málik Ibn-'Owf En-Nadree, as is said in the K. (MF.) b4: [The pl.] الشَّمَارِيخُ is also a name applied by the Arabs to (assumed tropical:) The stars of Centaurus (قَنْطُورُس) and Lepus (السَّبُعُ) collectively. (Kzw.) شُمْرُوخٌ: see the next preceding paragraph, first sentence. b2: Also A slender, and soft or tender, branch, that has grown forth, within a year, upon the upper part of a thick branch. (L.) الشِّمْرَاخِيَّةُ A sect of the heretics, or schismatics, (الخَوَارِج,) the companions [or followers] of 'AbdAllah Ibn-Shimrákh. (S, K.)
شمرخ
: (الشِّمْرَاخُ، بالكَسْر: العِثْكَالُ) الَّذِي (عَلَيْه بُسْرٌ) ، وأَصله فِي العِذْق، (أَو عِنَبٌ، كالشُّمْرُوخ) بالضّمّ. وَفِي التَّهْذِيب: الشِّمْرَاخُ عِسْقَبَةٌ من عِذْقَبَةٌ من عِذْقِ عُنقودٍ. وَفِي الحَدِيث: (خُذُوا لَهُ عِثْكَالاً فِيهِ مائةُ شِمْراخٍ فاضرِبوه بِهِ ضَرْبةً) .
(و) الشِّمْرَاخُ: (رأْسٌ) مُستدِيرٌ طويلٌ دقيقٌ فِي أَعْلَى (الجَبلِ) . وَقَالَ الأَصمعيّ: الشَّماريخ: رءُوسُ الجِبَالِ، وَهِي الشَّنَاخيب.
(و) الشِّمْرَاخُ: (أَعالِي السَّحابِ) .
(و) الشِّمْرَاخ: (غُرَّةُ الفَرَسِ إِذا دَقَّتْ) وطَالَتْ (وسالَتْ) مُقْبِلةً، (و) ، أَيْ حَتَّى (جَلَّلَتِ الخَيْشُوم وَلم تَبلُغِ الجَحْفَلَةَ) . وَقَالَ اللَّيثُ: الشِّمْرَاخُ من الغُرَر: مَا سَالَ عَلى الأَنْفِ، (وَلَا يُقَال للفَرَسِ نَفْسِهِ شِمْرَاخٌ، وغَلِطَ الجوهريّ) .
قلت: استدلالُ الجَوْهَريِّ بِبَيْت. حُرَيْثِ بن عَنَّابٍ النَّبْهَانيّ:
تَرَى الجَوْنَ ذَا الشِّمْرَاخِ والوَرْدَ يُبتَغَى
لَيَالِيَ عَشْراً وَسْطَنَا وَهُوَ عائرُ
يُؤيِّد كَونَ الشِّمْرَاخِ نفْسَ الفَرسِ، كَذَا قيل: (و) الصّواب أَنَّ ((ذُو الشِّمْرَاخ)) هُنَا اسمُ (فَرَسِ مالِكِ بن عَوفٍ النَّصْرِيّ) كَمَا حقَّقَه غيرُ واحدٍ. (والشَّمْرَاخِيَّة) : صِنْفٌ (من الخَوارجِ) ، وهم (أَصحابُ عبدِ الله بن شِمْرَاخٍ) .
(و) شَمْرَخَ النَّخْلَةَ: خَرَطَ بُسْرَهَا. وَقَالَ أَبو صَبْرَة السَّعْديّ: (شَمْرِخِ العِذْقَ، أَي اخرُطْ شَمارِيخَه بالمِخْلبِ قَطْعاً) . وَفِي نُسخة اللِّسَان (قعْطاً) بِتَقْدِيم الْعين على الطّاءِ، فَلْينْظر.
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
الشُّمْرُوخ غُصْنٌ دَقيقٌ رَخْصٌ يَنبُتُ فِي أَعلَى الغُصنِ الغَليظِ خَرَجَ فِي سَنَتِه رَخْصاً.

بَرْقَةُ

بَرْقَةُ:
بفتح أوله والقاف: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الاسكندرية وإفريقية، واسم مدينتها انطابلس وتفسيره الخمس مدن، قال بطليموس: طول مدينة برقة ثلاث وستون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشر دقائق تحت
تسع درج من السرطان وست وخمسين دقيقة يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، وهي في الإقليم الثالث وقيل في الرابع، وقال صاحب الزيج: طولها ثلاث وأربعون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة. وأرض برقة أرض خلوقية بحيث ثياب أهلها أبدا محمّرة لذلك، ويحيط بها البرابر من كل جانب. وفي برقة فواكه كثيرة وخيرات واسعة مثل جوز ولوز وأترج وسفرجل، وفي مدينة برقة قبر رويفع صاحب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأهلها يشربون من ماء السماء يجري في اودية ويفيض إلى برك بناها لهم الملوك، ولها آبار يرتفق بها الناس، ولها ساحل يقال له اجية، وهي مدينة بها سوق ومنبر وعدة محارس على ستة أميال من برقة، وساحل آخر يقال له طلموية، وبين الاسكندرية وبرقة مسيرة شهر، وقال أحمد ابن محمد الهمداني: من الفسطاط إلى برقة مائتان وعشرون فرسخا، وهي مما افتتح صلحا، صالحهم عليها عمرو بن العاص وألزم أهلها من الجزية ثلاثة عشر ألف دينار وأن يبيعوا أولادهم في عطاء جزيتهم، وأسلم أكثر من بها فصولحوا على العشر ونصف العشر في سنة إحدى وعشرين للهجرة، وكان في شرطهم أن لا يدخلها صاحب خراج بل يوجّهوا بخراجهم في وقته إلى مصر إلى أن استولى المسلمون على البلاد التي تجاورها فانتقض ذلك الرسم، فكانوا لهذه الحال على خصب ودعة وأمن وسلامة، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ما أعلم منزلا لرجل له عيال أسلم ولا أعزل من برقة ولولا أموالي بالحجاز لنزلت برقة. ومن برقة إلى القيروان مدينة إفريقية مائتان وخمسة عشر فرسخا، وقد نسب الى برقة جماعة من أهل العلم، منهم: أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد بن زرعة الزّهري البرقي أبو بكر مولى بني زهرة، حدث بالمغازي عن عبد الملك بن هشام وكان ثقة ثبتا وله تاريخ، وأخواه محمد وعبد الرحيم ابنا عبد الله، رووا جميعا كتاب السيرة عن ابن هشام، قاله ابن ماكولا وذكر ابن يونس احمد بن عبد الله في البرقيين وذكر محمدا في المصريين وقال: إنه كان يتجر هو واخوته إلى برقة فعرف بالبرقي، وهو من أهل مصر. وفي كتاب الجنان لابن الزبير: أبو الحسن بن عبد الله البرقي القائل في الحاكم، وقد حدثت بمصر زلزلة:
بالحاكم العدل أضحى الدين معتليا، ... نجل الهدى وسليل السادة الصّلحا
ما زلزلت مصر من كيد يراد بها، ... وانما رقصت من عدله فرحا
قال: وقد رأيت هذا البيت منسوبا إلا أنه قيل في كافور الإخشيدي، قال وقال البرقي في الحاكم وقد غاب وجاء في عقيب ذلك مطر:
أذرى لفقدك يوم العيد أدمعه، ... من بعد ما كان يبدي البشر والضّحكا
لأنه جاء يطوي الأرض من بعد ... شوقا إليك، فلما لم يجدك بكى

نَيْسَابُور

نَيْسَابُور:
بفتح أوله، والعامة يسمونه نشاوور:
وهي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ومنبع العلماء لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة ومنبع العلماء لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة كانت مثلها، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة نيسابور طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها تسع وثلاثون درجة، خارجة من الإقليم الرابع في الإقليم الخامس، طالعها الميزان، ولها شركة في كف الجوزاء مع الشعرى العبور تحت ثلاث عشرة درجة من السرطان، ويقابلها مثلها من الجدي، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، بيت حياتها ... [1] ، ومن هناك طالت أعمار أهلها، بيت ملكها ثلاث عشرة درجة من الحمل، وقد ذكرنا في جمل ذكر الأقاليم أنها في الرابع، وفي زيج أبي عون إسحاق بن علي: إن طول نيسابور ثمانون درجة ونصف وربع، وعرضها سبع وثلاثون درجة، وعدّها في الإقليم الرابع، واختلف في تسميتها بهذا الاسم فقال بعضهم: إنما سميت بذلك لأن سابور مرّ بها وفيها قصب كثير فقال: يصلح أن يكون ههنا مدينة، فقيل لها نيسابور، وقيل في تسمية نيسابور وسابور خواست وجنديسابور:
إن سابور لما فقدوه حين خرج من مملكته لقول المنجمين، كما ذكرناه في منارة الحوافر، خرج أصحابه يطلبونه فبلغوا نيسابور فلم يجدوه فقالوا نيست سابور أي ليس سابور، فرجعوا حتى وقعوا إلى سابور خواست فقيل لهم ما تريدون؟ فقالوا: سابور خواست، معناه سابور نطلب، ثم وقعوا إلى جنديسابور فقالوا وند سابور أي وجد سابور، ومن أسماء نيسابور أبرشهر وبعضهم يقول إيرانشهر، والصحيح أن إيرانشهر هي ما بين جيحون إلى القادسية، ومن الرّي إلى نيسابور مائة وستون فرسخا، ومنها إلى سرخس أربعون فرسخا، ومن سرخس إلى مرو الشاهجان ثلاثون فرسخا، وأكثر شرب أهل نيسابور من قنيّ تجري تحت الأرض ينزل إليها في سراديب مهيّأة لذلك فيوجد الماء تحت الأرض وليس بصادق الحلاوة، وعهدي بها كثيرة الفواكه والخيرات، وبها ريباس ليس في الدنيا مثله تكون الواحدة منه منّا وأكثر، وقد وزنوا واحدة فكانت خمسة أرطال بالعراقي وهي بيضاء صادقة البياض كأنها الطَّلع، وكان المسلمون فتحوها في أيام عثمان بن عفان، رضي الله عنه، والأمير عبد الله بن عامر بن كريز في سنة 31 صلحا وبنى بها جامعا، وقيل إنها فتحت في أيام عمر، رضي الله عنه، على يد الأحنف بن قيس وإنما انتقضت في [1] هكذا في الأصل.
أيام عثمان فأرسل إليها عبد الله بن عامر ففتحها ثانية وأصابها الغزّ في سنة 548 بمصيبة عظيمة حيث أسروا الملك سنجر وملكوا أكثر خراسان وقدموا نيسابور وقتلوا كل من وجدوا واستصفوا أموالهم حتى لم يبق فيها من يعرف وخرّبوها وأحرقوها ثم اختلفوا فهلكوا واستولى عليها المؤيد أحد مماليك سنجر فنقل الناس إلى محلة منها يقال لها شاذياخ وعمّرها وسوّرها وتقلّبت بها أحوال حتى عادت أعمر بلاد الله وأحسنها وأكثرها خيرا وأهلا وأموالا لأنها دهليز المشرق ولا بدّ للقفول من ورودها، وبقيت على ذلك إلى سنة 618، خرج من وراء النهر الكفار من الترك المسمون بالتتر واستولوا على بلاد خراسان وهرب منهم محمد ابن تكش بن ألب أرسلان خوارزم شاه وكان سلطان المشرق كله إلى باب همذان وتبعوه حتى أفضى به الأمر إلى أن مات طريدا بطبرستان في قصة طويلة، واجتمع أكثر أهل خراسان والغرباء بنيسابور وحصنوها بجهدهم فنزل عليها قوم من هؤلاء الكفار فامتنعت عليهم ثم خرج مقدّم الكفار يوما ودنا من السور فرشقه رجل من نيسابور بسهم فقتله فجرّى الأتراك خيولهم وانصرفوا إلى ملكهم الأعظم الذي يقال له جنكزخان فجاء بنفسه حتى نزل عليها وكان المقتول زوج ابنته فنازلها وجدّ في قتال من بها فزعم قوم أن علويّا كان متقدّما على أحد أبوابها راسل الكفار يستلزم منهم على تسليم البلد ويشرط عليهم أنهم إذا فتحوه جعلوه متقدّما فيه، فأجابوه إلى ذلك ففتح لهم الباب وأدخلهم فأول من قتلوا العلويّ ومن معه، وقيل:
بل نصبوا عليها المناجيق وغيرها حتى أخذوها عنوة ودخلوا إليها دخول حنق يطلب النفس والمال فقتلوا كل من كان فيها من كبير وصغير وامرأة وصبيّ ثم خرّبوها حتى ألحقوها بالأرض وجمعوا عليها جموع الرستاق حتى حفروها لاستخراج الدفائن، فبلغني أنه لم يبق بها حائط قائم، وتركوها ومضوا فجاء قوم من قبل خوارزم شاه فأقاموا بها يسبرون الدفائن فأذهبوها مرّة، فإنا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما دهى الإسلام قط مثلها، وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: أنشدني القاضي أبو الحسن الاستراباذي لنفسه فقال:
لا قدّس الله نيسابور من بلد ... سوق النفاق بمغناها على ساق
يموت فيها الفتى جوعا وبرّهم ... والفضل ما شئت من خير وأرزاق
والحبر في معدن الغرثى، وإن برقت ... أنواره في المعاني، غير برّاق
وقال المرادي يذمّ أهلها:
لا تنزلنّ بنيسابور مغتربا ... إلا وحبلك موصول بسلطان
أو لا فلا أدب يجدي ولا حسب ... يغني ولا حرمة ترعى لإنسان
وقال أبو العباس الزّوزني المعروف بالمأموني:
ليس في الأرض مثل نيسابور ... بلد طيب وربّ غفور
وقد خرج منها من أئمة العلم من لا يحصى، منهم:
الحافظ الإمام أبو علي الحسين بن علي بن زيد ابن داود بن يزيد النيسابوري الصائغ، رحل في طلب العلم والحديث وطاف وجمع فيه وصنف وسمع الكثير من أبي بكر بن خزيمة وعبدان الجواليقي وأبي يعلى الموصلي وأحمد بن نصر الحافظ والحسن بن سفيان وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني وأبي خليفة وزكرياء الساجي وغيرهم، وكتب عنه أبو الحسن
ابن جوصا وأبو العباس بن عقدة وأبو محمد صاعد وإبراهيم بن محمد بن حمزة وأبو محمد الغسّال وأبو طالب أحمد بن نصر الحافظ وهم من شيوخه، روى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السّلمي وأبو عبد الله بن مندة وأبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصّبغي وهو من أقرانه، قال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عنه فقال: مهذب إمام، وقال أبو عبد الله بن مندة: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي الحسين بن علي النيسابوري، قال أبو عبد الله في تاريخه: الحسين بن علي بن يزيد أبو علي النيسابوري الحافظ وحيد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة ذكره بالشرق كذكره بالغرب مقدم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف كان مع تقدمه في هذا العلم أحد المعدلين المقبولين في البلد، سمع بنيسابور وهراة ونسا وجرجان ومرو الروذ والرّيّ وبغداد والكوفة وواسط والأهواز وأصبهان ودخل الشام فكتب بها، وسمع بمصر، وكتب بمكة عن الفضل بن محمد الجندي، وقال في موضع آخر: انصرف أبو علي من مصر إلى بيت المقدس ثم حجّ حجة أخرى ثم انصرف إلى بيت المقدس وانصرف في طريق الشام إلى بغداد، وهو باقعة في الذكر والحفظ لا يطيق مذاكرته أحد، ثم انصرف إلى خراسان ووصل إلى وطنه، ولا يفي بمذاكرته أحد من حفّاظنا، ثم أقام بنيسابور يصنّف ويجمع الشيوخ والأتراب، قال: وسمعت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي يقول:
أنّ أبا علي أستاذي في هذا العلم وعقد له مجلس الإملاء بنيسابور سنة 337 وهو ابن ستين سنة، وإن مولده سنة 277، ولم يزل يحدث بالمصنّفات والشيوخ مدة عمره، وتوفي أبو علي عشية يوم الأربعاء الخامس عشر من جمادى الأولى سنة 349 ودفن في مقبرة باب معمر عن اثنتين وسبعين سنة.

الهَرَمانِ

الهَرَمانِ:
هي أهرام كثيرة إلّا أن المشهور منها اثنان، واختلف الناس في أهرام مصر اختلافا جمّا وتكاد أن تكون حقيقة أقوالهم فيها كالمنام إلّا أنّا نحكي من ذلك ما يحسن عندنا، فمن ذلك ما ذكره أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي في كتاب خطط مصر أنه وجد في قبر من قبور الأوائل صحيفة فالتمسوا لها قارئا فوجدوا شيخا في دير القلمون فقرأها فإذا فيها: إنا نظرنا فيما تدل عليه النجوم فرأينا أنّ آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض ثم نظرنا فوجدناه ماء مفسدا للأرض وحيوانها ونباتها، فلما تمّ اليقين من ذلك عندنا قلنا لملكنا سوريد بن سهلوق: مر ببناء افرونيات وقبر لك وقبور لأهل بيتك، فبنى لنفسه الهرم الشرقي وبنى لأخيه هو جيب الهرم الغربي وبنى لابن هو جيب الهرم المؤزّر وبنيت الافرونيات في أسفل مصر وأعلاها وكتبنا في حيطانها علما غامضا من معرفة النجوم وعللها والصنعة والهندسة والطبّ وغير ذلك مما ينفع ويضر ملخّصا مفسرا لمن عرف كلامنا وكتابتنا، وانّ هذه الآفة نازلة بأقطار العالم وذلك عند نزول قلب الأسد في أول دقيقة من رأس السرطان وتكون الكواكب عند نزوله إياها في هذه المواضع من الفلك: الشمس والقمر في أول دقيقة من رأس الحمل، وزحل في درجة وثمان وعشرين دقيقة من الحمل، والمشتري في الحوت في تسع وعشرين درجة وثمان وعشرين دقيقة، والمريخ في الحوت في تسع وعشرين درجة وثلاث دقائق، والزهرة في الحوت في ثمان وعشرين درجة ودقائق، وعطارد في الحوت في
سبع وعشرين درجة ودقائق، والجوزهر في الميزان وأوج القمر في الأسد في خمس درج ودقائق، ثم نظرنا هل يكون بعد هذه الآفة كون مضرّ بالعالم فاحتسبنا الكواكب فإذا هي تدلّ على أنّ آفة من السماء نازلة إلى الأرض وأنها ضدّ الآفة الأولى وهي نار محرقة لأقطار العالم، ثم نظرنا متى يكون هذا الكون المضر فرأيناه يكون عند حلول قلب الأسد في آخر دقيقة من الدرجة الخامسة عشرة من الأسد ويكون إيليس وهو الشمس معه في دقيقة واحدة متصلة بستورنس وهو زحل من تثليث الرامي ويكون المشتري وهو زاويس في أول الأسد في آخر احتراقه ومعه المرّيخ وهو آرس في دقيقة ويكون سلين وهو القمر في الدلو مقابلا لإيليس مع الذنب في اثنتين وعشرين ويكون كسوف شديد له بثلث سلين القمر ويكون عطارد في بعده الأبعد أمامها مقبلين أما الزهرة فللاستقامة وأما عطارد فللرجعة، قال الملك:
فهل عندكم من خبر توقفوننا عليه غير هذين الاثنين؟
قالوا: إذا قطع قلب الأسد ثلثي سدس أدواره لم يبق من حيوان الأرض متحرّك إلّا تلف فإذا استتمّ أدواره تحلّلت عقود الفلك وسقط على الأرض، قال لهم: ومتى يكون يوم انحلال الفلك؟ قالوا:
اليوم الثاني من بدو حركة الفلك، فهذا ما كان في القرطاس، فلما مات سوريد دفن في الهرم الشرقي ودفن هوجيب في الهرم الغربي ودفن كرورس في الهرم الذي أسفله من حجارة أسوان وأعلاها كدان، ولهذه الأهرام أبواب في آزاج تحت الأرض طول كلّ أزج منها مائة وخمسون ذراعا، فأما باب الهرم الشرقي فمن الناحية البحرية، وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية، وأما باب الهرم المؤزر فمن الناحية القبلية، وفي الأهرام من الذهب وحجارة الزمرد ما لا يحتمله الوصف، وإنّ مترجم هذا الكتاب من القبطي إلى العربي أجمل التاريخات إلى أول يوم من توت الأحد وطلوع شمسه سنة خمس وعشرين ومائتين من سني العرب فبلغت أربعة آلاف وثلاثمائة وإحدى وعشرين سنة لسني الشمس ثم نظر كم مضى من الطوفان إلى يومه هذا فوجده ثلاثة آلاف وتسعمائة وإحدى وأربعين سنة وتسعة وخمسين يوما فألقاها من هذه الجملة فبقي معه ثلاثمائة وتسع وتسعون سنة وخمسة أيام فعلم أن هذا الكتاب المؤرّخ كتب قبل الطوفان بهذه السنين، وحكى ابن زولاق: ومن عجائب مصر أمر الهرمين الكبيرين في جانبها الغربي ولا يعلم في الدنيا حجر على حجر أعلى ولا أوسع منها، طولها في الأرض أربعمائة ذراع في أربعمائة، وكذلك علوها أربعمائة ذراع، وفي أحدهما قبر هرمس وهو إدريس، عليه السّلام، وفي الآخر قبر تلميذه أغا تيمون، وإليهما تحج الصابئة، قال:
وكانا أولا مكسوّين بالديباج وعليهما مكتوب:
وقد كسوناهما بالديباج فمن استطاع بعدنا فليكسهما بالحصير، قال: وقال حكيم من حكماء مصر:
إذا رأيت الهرمين ظننت أن الإنس والجنّ لا يقدرون على عمل مثلهما ولم يتولّهما إلا خالق الأرض، ولذلك قال بعض من رآهما: ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما، قال عبيد الله مؤلف هذا الكتاب: وقد رأيت الهرمين وقلت لمن كان في صحبتي غير مرّة إن الذي يتصوّر في ذهني أنه لو اجتمع كل من بأرض مصر من أولها إلى آخرها على سعتها وكثرة أهلها وصمدوا بأنفسهم عشر سنين مجتهدين لما أمكنهم أن يعملوا مثل الهرمين وما سمعت بشيء تعظّم عمارته فجئته إلا ورأيته دون
صفته إلا الهرمين فإن رؤيتهما أعظم من صفتهما، قال ابن زولاق: ولم يمرّ الطوفان على شيء إلا وأهلكه وقد مرّ عليهما لأن هرمس وهو إدريس، عليه السّلام، قبل نوح وقبل الطوفان، وأما الهرم الذي بدير هرميس فإنه قبر قرباس وكان فارس مصر وكان يعدّ بألف فارس فإذا لقيهم وحده لم يقوموا له وانهزموا، وإنه مات فجزع عليه الملك والرعية ودفنوه بدير هرميس وبنوا عليه الهرم مدرجا وبقي طينه الذي بني به مع الحجارة من الفيوم وهذا معروف إذا نظر إلى طينه لم يعرف له معدن إلا بالفيوم وليس بمنف ووسيم له شبه من الطين، وقال ابن عفير وابن عبد الحكم: وفي زمان شداد بن عاد بنيت الأهرام فيما ذكر عن بعض المحدثين ولم نجد عند أحد من أهل العلم من أهل مصر معرفة في الأهرام ولا خبرا ثبت إلا أن الذي يظن أنها بنيت قبل الطوفان فلذلك خفي خبرها ولو بنيت بعده لكان خبرها عند الناس، ولذلك يقول بعضهم:
حسرت عقول ذوي النّهى الأهرام، ... واستصغرت لعظيمها الأحلام
ملس منبّقة البناء شواهق، ... قصرت لغال دونهنّ سهام
لم أدر حين كبا التفكّر دونها، ... واستوهمت بعجيبها الأوهام
أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم ... طلّسم رمل كنّ أم أعلام
وقال ابن عفير: لم تزل مشايخ مصر يقولون إن الأهرام بناها شداد بن عاد وهو الذي بنى المغار وجند الأجناد، والمغار والأجناد هي الدفائن، وكانوا يقولون بالرجعة فكان إذا مات أحدهم دفنوا معه ماله كائنا ما كان وإن كان صانعا دفنت معه آلته، وذكر أن الصابئة تحجّها، ومن عجائب مصر الهرمان إذ ليس على وجه الأرض بناء باليد حجر على حجر أطول منهما وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضعان، ولذلك قيل: ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما، وعلى ركن أحدهما صنم كبير يقال إنه بلهيت ويقال إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على كورة الجيزة وإن الذي طلسمه بلهيت، وسبب تطلسمه أن الرمال غربيه وشماليه كثيرة متكاثفة فإذا انتهت إليه لا تتعداه، وهو صورة رأس آدمي ورقبته ورأسا كتفيه كالأسد وهو عظيم جدّا، حدثني من رأى نسرا عشش في أذنه:
وهو صورة مليحة كأن الصانع فرغ منه عن قرب، وهو مصبوغ بحمرة موجودة إلى الآن مع تطاول المدة وتقدم الأعوام، قال المعرّي:
تضلّ العقول الهبرزيّات رشدها، ... ولا يسلم الرأي القويم من الأفن
وقد كان أرباب الفصاحة كلما ... رأوا حسنا عدّوه من صنعة الجنّ
وقال أبو الصّلت: وأي شيء أعجب وأغرب بعد مقدورات الله، عز وجل، ومصنوعاته من القدرة على بناء جسم من أعظم الحجارة مربع القاعدة مخروط الشكل ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع ونحو سبعة عشر ذراعا تحيط به أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع طول كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعا وهو مع هذا العظم من إحكام الصنعة وإتقان الهندام وحسن التقدير بحيث لم يتأثر إلى هلمّ جرّا بتضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل، وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط 26- 5
من الجانب الغربي على ما شاهدناه منهما، قال:
واتفق أن خرجنا يوما فلما طفنا بهما وكثر تعجبنا منهما تعاطينا القول فيهما فقال بعضنا يعني نفسه:
بعيشك هل أبصرت أحسن منظرا، ... على طول ما أبصرت، من هرمي مصر
أطافا بأعنان السماء وأشرفا ... على الجوّ إشراف السّماك أو النسر
وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا ... كأنهما ثديان قاما على صدر
قال: وزعم قوم أن الأهرام الموجودة بمصر قبور الملوك العظام آثروا أن يتميزوا بها عن سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور، ولما وصل المأمون إلى مصر أمر بنقبهما فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل فوجد في داخله مهاو ومراق يهول أمرها ويعسر السلوك فيها ووجد في أعلاها بيت مكعب طول كل ضلع من أضلاعه ثمانية أذرع وفي وسطه حوض رخام مطبق فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمة بالية قد أتت عليها العصور الخالية فأمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه، وفي سفح أحد الهرمين صورة آدميّ عظيم مصبغة وقد غطى الرمل أكثرها وهي عجيبة غريبة، وفيها يقول ظافر الحداد الإسكندري:
تأمّل بنية الهرمين وانظر ... وبينهما أبو الهول العجيب
كعمّاريّتين على رحيل ... لمحبوبين بينهما رقيب
وماء النيل تحتهما دموع، ... وصوت الريح عندهما نحيب
قال: ومن الناس من زعم أن هرمس الأول المدعو بالمثلث بالحكمة وهو الذي يسميه العبرانيون أخنوخ ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو إدريس النبي، عليه السّلام، استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان فأمر ببنيان الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم إشفاقا عليها من الذهاب والدروس وحفظا لها واحتياطا عليها، وقيل إن الذي بناها سوريد بن سهلوق بن سرياق، وقال البحتري في قصيدة:
ولا بسنان بن المشلّل عند ما ... بنى هرميها من حجارة لابها
وذكر قوم أنه قد كتب على الهرمين بالمسند: إني بنيتهما فمن يدّعي قوة في ملكه فليهدمهما فإن الهدم أيسر من البناء، وذكر أن حجارتهما نقلت من الجبل الذي بين طرا وحلوان، وهما قريتان من مصر، وأثر ذلك باق إلى الآن.

الإسكَنْدَرِيَّة

الإسكَنْدَرِيَّة:
قال أهل السير: إنّ الإسكندر بن فيلفوس الرومي قتل كثيرا من الملوك وقهرهم، ووطئ البلدان إلى أقصى الصين وبنى السدّ وفعل الأفاعيل، ومات وعمره اثنتان وثلاثون سنة وسبعة أشهر، لم يسترح في شيء منها، قال مؤلف الكتاب: وهذا إن صح، فهو عجيب مفارق للعادات، والذي أظنّه، والله أعلم، أنّ مدّة ملكه أو حدة سعده هذا المقدار، ولم تحسب العلماء غير ذلك من عمره، فإن تطواف الأرض بسير الجنود مع ثقل حركتها لاحتياجها في كل منزل إلى تحصيل الأقوات والعلوفة ومصابرة من يمتنع عليه من أصحاب الحصون يفتقر إلى زمان غير زمان السير ومن المحال أن تكون له همة يقاوم بها الملوك العظماء، وعمره دون عشرين سنة، وإلى أن يتسق ملكه ويجتمع له الجند وتثبت له هيبة في النفوس وتحصل له رياسة وتجربة وعقل يقبل الحكمة التي تحكى عنه يفتقر إلى مدة أخرى مديدة، ففي أيّ زمان كان سيره في البلاد وملكه لها ثم إحداثه ما أحدث من المدن في كل قطر منها واستخلافه الخلفاء عليها؟ على أنه قد جرى في أيامنا هذه وعصرنا الذي نحن فيه في سنة سبع عشرة وثماني عشرة وستمائة من التتر الواردين من أرض الصين ما لو استمرّ لملكوا الدنيا كلها في أعوام يسيرة، فإنهم ساروا من أوائل أرض الصين إلى أن خرجوا من باب الأبواب وقد ملكوا وخرّبوا من البلاد الإسلامية ما يقارب نصفها، لأنهم ملكوا ما وراء النهر وخراسان وخوارزم وبلاد سجستان ونواحي غزنة وقطعة من السند وقومس وأرض الجبل بأسره غير أصبهان وطبرستان وأذربيجان وأرّان وبعض أرمينية وخرجوا من الدربند، كلّ ذلك في أقل من عامين. وقتلوا أهل كل مدينة ملكوها ثم خذلهم الله وردهم من حيث جاءوا، ثم إنّهم بعد خروجهم من الدربند ملكوا بلاد الخزر واللّان وروس وسقسين وقتلوا القبجاق في بواديهم حتى انتهوا إلى بلغار في نحو عام آخر فكأن هذا عضد قصة الإسكندر، على أنّ الإسكندر كان إذا ملك البلاد عمرها واستخلف عليها، وهذا يفتقر إلى زمان غير زمان الخراب فقط، قال أهل السير: بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلها باسمه ثم تغيرت أساميها بعده، وصار لكل واحدة منها اسم جديد، فمنها الإسكندرية التي بناها في باورنقوس ومنها الإسكندرية التي بناها تدعى المحصّنة ومنها الإسكندرية التي بناها ببلاد الهند ومنها الإسكندرية التي في جاليقوس ومنها الإسكندرية التي في بلاد السّقوياسيس ومنها الإسكندرية التي على شاطئ النهر الأعظم ومنها الإسكندرية التي بأرض بابل ومنها الإسكندرية التي هي ببلاد الصّغد وهي سمرقند، ومنها الإسكندرية التي تدعى مرغبلوس وهي مرو، ومنها الإسكندرية التي في مجاري الأنهار بالهند ومنها الإسكندرية التي سميت كوش وهي بلخ، ومنها الإسكندرية العظمى التي ببلاد مصر، فهذه ثلاث عشرة إسكندرية نقلتها من كتاب ابن الفقيه كما كانت فيه مصورة، وقرأت في كتاب الحافظ أبي سعد:
أنشدني أبو محمد عبد الله بن الحسن بن محمد الإيادي من لفظه بالإسكندرية قرية بين حلب وحماة، قال الأديب الأبيوردي:
فيا ويح نفسي لا أرى الدهر منزلا ... لعلوة، إلّا ظلّت العين تذرف
ولو دام هذا الوجد لم يبق عبرة ... ولو أنني من لجّة البحر أغرف
والإسكندرية أيضا: قرية على دجلة بإزاء الجامدة بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخا، ينسب إليها أحمد ابن المختار بن مبشّر بن محمد بن أحمد بن عليّ بن المظفّر أبو بكر الإسكندراني من ولد الهادي بالله أمير المؤمنين، تفقّه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وكان أديبا فاضلا خيّرا قدم بغداد في سنة 510 متظلّما من عامل ظلمه، فسمع منه أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ وغيره أبياتا من شعره، قاله صاحب الفيصل.
ومنها الإسكندرية قرية بين مكة والمدينة ذكرها الحافظ أبو عبد الله بن النّجّار في معجمه وأفادنيها من لفظه، وجميع ما ذكرنا من المدن ليس فيها ما يعرف الآن بهذا الاسم إلا الإسكندرية العظمى التي بمصر، قال المنجّمون: طول الإسكندرية تسع وستون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلث، وفي زيج أبي عون: طول الإسكندرية إحدى وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الثالث، وذكر آخر أنّ الإسكندرية في الإقليم الثاني، وقال: طولها إحدى وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة، واختلفوا في أول من أنشأ الإسكندرية التي بمصر اختلافا كثيرا نأتي منه بمختصر لئلّا نملّ بالإكثار:
ذهب قوم إلى أنها إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: خير مسالحكم الإسكندرية. ويقال: إنّ الإسكندر والفرما أخوان، بنى كلّ واحد منهما مدينة بأرض مصر وسمّاها باسمه، ولما فرغ الإسكندر من مدينته، قال: قد بنيت مدينة إلى الله فقيرة، وعن الناس غنيّة، فبقيت بهجتها ونضارتها إلى اليوم، وقال الفرما لما فرغ من مدينته:
قد بنيت مدينة عن الله غنيّة وإلى الناس فقيرة، فذهب نورها فلا يمرّ يوم إلّا وشيء منها ينهدم، وأرسل الله عليها الرمال فدمّتها إلى أن دثرت وذهب أثرها.
وعن الأزهر بن معبد قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: أين تسكن من مصر؟ قلت: أسكن الفسطاط، فقال: أفّ أمّ نتن! أين أنت عن الطيبة؟
قلت أيّتهنّ هي؟ قال: الإسكندرية، وقيل: إنّ الإسكندر لما همّ ببناء الإسكندرية دخل هيكلا عظيما كان لليونانيّين فذبح فيه ذبائح كثيرة وسأل ربّه أن يبيّن له أمر هذه المدينة هل يتمّ بناؤها أم هل يكون أمرها إلى خراب؟ فرأى في منامه كأن رجلا قد ظهر له من الهيكل، وهو يقول له: إنّك تبني مدينة يذهب صيتها في أقطار العالم ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها، ويثبت حكم أهلها وتصرف عنها السّموم والحرور وتطوى عنها قوّة الحرّ والبرد والزمهرير ويكتم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل وإن جلبت عليها ملوك الأرض بجنودهم وحاصروها لم يدخل عليها ضرر. فبناها وسمّاها الإسكندرية ثم رحل عنها بعد ما استتمّ بناءها فجال الأرض شرقا وغربا، ومات بشهرزور وقيل ببابل وحمل إلى الإسكندرية فدفن فيها.
وذكر آخرون أنّ الذي بناها هو الإسكندر الأوّل ذو القرنين الرومي، واسمه أشك بن سلوكوس، وليس هو الإسكندر بن فيلفوس، وأن الإسكندر الأول هو الذي جال الأرض وبلغ الظّلمات وهو صاحب موسى والخضر، عليهما السلام، وهو الذي بنى السّدّ، وهو الذي لما بلغ إلى موضع لا ينفذه أحد صوّر فرسا من نحاس وعليه فارس من نحاس ممسك يسرى يديه على عنان الفرس وقد مدّ يمناه وفيها مكتوب: ليس ورائي مذهب. وزعموا أنّ بينه وبين الإسكندر الأخير صاحب دارا المستولي على أرض فارس وصاحب أرسطاطاليس الحكيم الذي زعموا أنّه عاش اثنتين وثلاثين سنة دهر طويل وأنّ الأوّل كان مؤمنا كما قص الله عنه في كتابه وعمّر عمرا طويلا وملك الأرض، وأما الأخير فكان يرى رأي الفلاسفة ويذهب إلى قدم العالم كما هو رأي أستاذه أرسطاطاليس، وقتل دارا ولم يتعدّ ملكه الروم وفارس. وذكر محمد بن إسحاق أنّ يعمر بن شدّاد بن عاد بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، هو الذي أنشأ الإسكندرية وهي كنيسة حنس، وزبر فيها: أنا يعمر بن شداد أنشأت هذه المدينة وبنيت قناطرها ومعابرها قبل أن أضع حجرا على حجر، وأجريت ماءها لأرفق بعمّالها حتى لا يشقّ عليهم نقل الماء، وصنعت معابر لممرّ أهل السّبيل وصيّرتها إلى البحر وفرّقتها عند القبّة يمينا وشمالا. وكان يعمل فيها تسعون ألفا لا يرون لهم ربّا إلا يعمر بن شداد، وكان تاريخ الكتاب ألفا ومائتي سنة.
وقال ابن عفير: ان أول من بنى الإسكندرية جبير المؤتفكي وكان قد سخّر بها سبعين ألف بنّاء وسبعين ألف مخندق وسبعين ألف مقنطر فعمّرها في مائتي سنة وكتب على العمودين اللذين عند البقرات بالإسكندرية، وهما أساطين نحاس يعرفان بالمسلّتين:
أنا جبير المؤتفكي عمرت هذه المدينة في شدّتي وقوّتي حين لا شيبة ولا هرم أضناني، وكنزت أموالها في مراجل جبيريّة وأطبقته بطبق من نحاس وجعلته داخل البحر، وهذان العمودان بالإسكندرية عند مسجد الرحمة، وروي أيضا أنّه كان مكتوبا عليهما بالحميرية: أنا شداد بن عاد الذي نصب العماد وجنّة الأجناد وسدّ بساعده الواد بنيت هذه الأعمدة في شدّتي وقوّتي إذ لا موت ولا شيب، وكنزت كنزا على البحر في خمسين ذراعا لا تصل إليه إلا أمة هي آخر الأمم، وهي أمّة محمد، صلى الله عليه وسلم. ويقال: إنما دعا جبيرا المؤتفكي إلى بنائها أنّه وجد بالقرب منها في مغارة على شاطئ البحر تابوتا من نحاس ففتحه فوجد فيه تابوتا من فضّة، ففتحه فإذا فيه درج من حجر الماس، ففتحه فإذا فيه مكحلة من ياقوتة حمراء مرودها عرق زبرجد أخضر فدعا بعض غلمانه فكحّل إحدى عينيه بشيء مما كان في تلك المكحلة فعرف مواضع الكنوز ونظر إلى معادن الذهب ومغاص الدّرّ، فاستعان بذلك على بناء الإسكندرية وجعل فيها أساطين الذهب والفضة وأنواع الجواهر حتى إذا ارتفع بناؤها مقدار ذراع أصبح وقد ساخ في الأرض، فأعاده أيضا فأصبح وقد ساخ فمكث على ذلك مائة سنة كلما ارتفع البناء ذراعا أصبح سائخا في الأرض فضاق ذرعا بذلك، وكان من أهل تلك الأرض راع يرعى على شاطئ البحر وكان يفقد في كل ليلة شاة من غنمه إلى أن أضرّ به ذلك فارتصد ليلة، فبينما هو يرصد إذا بجارية قد خرجت من البحر كأجمل ما يكون من النساء فأخذت شاة من غنمه فبادر إليها وأمسكها قبل أن تعود إلى البحر وقبض على شعرها فامتنعت عليه ساعة ثم قهرها وسار بها إلى منزله فأقامت عنده مدّة لا تأكل إلّا اليسير ثم واقعها فأنست به وبأهله وأحبّتهم ثم حملت وولدت فازداد أنسها وأنسهم بها، فشكوا إليها يوما ما يقاسونه من تهدّم بنائهم وسيوخه كلما علّوه وأنهم إذا خرجوا بالليل اختطفوا، فعملت لهم الطلسمات وصوّرت لهم الصّور فاستقرّ البناء وتمّ أمر المدينة وأقام بها جبير المؤتفكي خمسمائة سنة ملكا لا ينازعه أحد، وهو الذي نصب العمودين اللذين بها ويسمّيان المسلّتين. وكان أنفذ في قطعهما وحملهما إلى جبل بريم الأحمر سبعمائة عامل، فقطعوهما وحملوهما، ونصبهما في مكانهما غلام له يقال له قطن بن جارود المؤتفكي وكان أشد من رؤي في الخلق، فلما نصبهما على السّرطانين النّحاس جعل بإزائهما بقرات نحاس كتب عليها خبره وخبر المدينة وكيف بناها ومبلغ النفقة عليها والمدة، ثم غزاه رومان بن تمنع الثّمودي فهزمه وقتل أصحابه قتلا ذريعا وأقام عمودا بالقرب منهما وكتب عليه:
أنا رومان الثمودي صنّفت أصناف هذه المدينة وأصناف مدينة هرقل الملك بالدوام على الشهور والأعوام ما اختلف ابنا سمير، وبقيت حصاة في ثبير، وأنا غيّرت كتاب جبير الشديد ونشرته بمناشير الحديد وستجدون قصّتي ونعتي في طرف العمود، فولد رومان بزيعا فملك الإسكندرية بعده خمسين سنة لم يحدث فيها شيئا، ثم ملك بعده ابنه رحيب، وهو الذي بنى الساطرون بالإسكندرية وزبر على حجر منه: أنا رحيب بن بزيع الثمودي بنيت هذه البنية في قوّتي وشدّتي وعمّرتها في أربعين سنة على رأس ست وتسعين سنة من ملكي، وولد رحيب مرّة، وولد مرة موهبا ملك بعد أبيه مائتي سنة وغزا أنيس بن معدي كرب العادي موهبا بالإسكندرية وملكها بعده، ثم ملكها بعده يعمر بن شدّاد بن جنّاد بن صيّاد بن شمران بن ميّاد بن شمر بن يرعش فغزاه ذفافة بن معاوية بن بكر العمليقي فقتل يعمر وملك الإسكندرية، وهو أول من سمّي فرعون بمصر، وهو الذي وهب هاجر أمّ إسماعيل، عليه السلام، إلى ابراهيم، عليه السلام، وهذه أخبار نقلناها كما وجدناها في كتب العلماء، وهي بعيدة المسافة من العقل لا يؤمن بها إلّا من غلب عليه الجهل، والله أعلم.
ولأهل مصر بعد إفراط في وصف الإسكندرية وقد أثبتها علماؤهم ودوّنوها في الكتب، فيها وهم، ومنها ما ذكره الحسن بن ابراهيم المصري قال: كانت الإسكندرية لشدّة بياضها لا يكاد يبين دخول الليل فيها إلّا بعد وقت، فكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفا على أبصارهم، وعليهم مثل لبس الرّهبان السواد، وكان الخيّاط يدخل الخيط في الإبرة بالليل، وأقامت الإسكندرية سبعين سنة ما يسرج فيها ولا يعرف مدينة على عرضها وطولها وهي شطرنجية ثمانية شوارع في ثمانية، قلت: أما صفة بياضها فهو إلى الآن موجود، فإن ظاهر حيطانها شاهدناها مبيّضة جميعها إلّا اليسير النادر لقوم من الصعاليك، وهي مع ذلك مظلمة نحو جميع البلدان. وقد شاهدنا كثيرا من البلاد التي تنزل بها الثلوج في المنازل والصحارى وتساعدها النجوم بإشراقها عليها إذا أظلم الليل أظلمت كما تظلم جميع البلاد لا فرق بينها، فكيف يجوز لعاقل أن يصدّق هذا ويقول به؟ قال: وكان في الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق، قال: وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إني فتحت مدينة فيها اثنا عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر وأصبت فيها أربعين ألف يهودي عليهم الجزية. وروي عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم لما ولي مصر وبلغه ما كانت الإسكندرية عليه استدعى مشايخها، وقال:
أحبّ أن أعيد بناء الإسكندرية على ما كانت عليه فأعينوني على ذلك وأنا أمدّكم بالأموال والرجال.
قالوا: أنظرنا أيها الأمير حتى ننظر في ذلك. وخرجوا من عنده وأجمعوا على أن حفروا ناووسا قديما وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة إلى المدينة، فأمر بالرأس فكسر وأخذ ضرس من أضراسه فوجد وزنه عشرين رطلا على ما به من النخر والقدم، فقالوا: إذا جئتنا بمثل هؤلاء الرجال نعيد عمارتها على ما كانت، فسكت. ويقال: إن المعاريج التي بالإسكندرية مثل الدّرج كانت مجالس العلماء يجلسون عليها على طبقاتهم فكان أوضعهم علما الذي يعمل الكيمياء من الذهب والفضة، فإن مجلسه كان على الدّرجة السّفلى. وأما خبر المنارة فقد رووا لها أخبارا هائلة وادّعوا لها دعاوى عن الصدق عادلة وعن الحق مائلة، فقالوا: إنّ ذا القرنين لما أراد بناء منارة الإسكندرية أخذ وزنا معروفا من حجارة ووزنا من آجرّ ووزنا من حديد ووزنا من نحاس ووزنا من رصاص ووزنا من قصدير ووزنا من حجارة الصّوّان ووزنا من ذهب ووزنا من فضة وكذلك من جميع الأحجار والمعادن، ونقع جميع ذلك في البحر حولا ثم أخرجه فوجده قد تغير كله وحال عن حاله ونقصت أوزانه إلّا الزجاج فإنه لم يتغير ولم ينقص، فأمر أن يجعل أساس المنارة من الزجاج، وعمل على رأس المنارة مرآة ينظر فيها الناظر فيرى المراكب إذا خرجت من أفرنجة أو من القسطنطينية أو من سائر البلاد لغزو الإسكندرية، فأضرّ ذلك بالروم فلم يقدروا على غزوها. وكانت فيها حمّة تنفع من البرص ومن جميع الأدواء، وكان على الرّوم ملك يقال له سليمان فظهر البرص في جسمه فعزم الرّوم على خلعه والاستبدال منه، فقال: أنظروني أمض إلى حمّة الإسكندرية وأعود فإن برئت وإلّا شأنكم وما قد عزمتم عليه، قال: وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا، وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليها في ألف مركب، وكان من شرط هذه الحمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها، فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها، وكانت الحمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها، فاستحم في مائها أياما. ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه. ولما أشرف على هذه الحمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكّن من البلد بكثرة رجاله، قال: هذه أضرّ من المرآة. ثم أمر بها فغوّرت وأمر أن تقلع المرآة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنجة وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه، فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة.
وقيل: إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت ريّا، وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره. وقيل: بل عمرتها ملكة من ملوك الرّوم، يقال لها قلبطرة، وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حق جاءت به إلى مدينتها، وكان الماء لا يصل إلّا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدّث عن البحر ولا حرج، وأكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلّا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوّفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلّا عمودا واحدا يعرف الآن بعمود السّواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة، فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة، وهو قطعة واحدة مدوّر منتصب على حجر عظيم كالبيت المربّع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر آخر مثل الذي في أسفله، فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجلبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم، فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبية وعظمة همة الآمر به. وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله أيّامه، ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره: أنّه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم في موضعه من الجبل طوله ودوره ولونه مثل هذا العمود المذكور، كأن المنية عاجلت بالملك الذي أمر بعمله فبقي على حاله.
قال أحمد بن محمد الهمذاني: وكانوا ينحتون السواري من جبال أسوان وبينها وبين الإسكندرية مسيرة شهر للبريد ويحملونها على خشب الأطواف في النيل، وهو خشب يركّب بعضه على بعض وتحمل الأعمدة وغيرها عليه، وأما منارة الإسكندرية فقد قدمنا إكثارهم في وصفها ومبالغتهم في عظمها وتهويلهم في أمرها وكل ذلك كذب لا يستحيي حاكيه ولا يراقب الله راويه، ولقد شاهدتها في جماعة من العلماء وكلّ عاد منا متعجبا من تخرّص الرّواة، وذلك إنما هي بنيّة مربّعة شبيهة بالحصن والصّومعة مثل سائر الأبنية، ولقد رأيت ركنا من أركانها وقد تهدّم فدعمه الملك الصالح ابن رزيك أو غيره من وزراء المصريين، واستجدّه فكان أحكم وأتقن وأحسن من الذي كان قبله، وهو ظاهر فيه كالشامة لأن حجارة هذا المستجدّ أحكم وأعظم من القديم وأحسن وضعا ورصفا، وأما صفتها التي شاهدتها فإنها حصن عال على سنّ جبل مشرف في البحر في طرف جزيرة بارزة في ميناء الإسكندرية، بينها وبين البرّ نحو شوط فرس وليس إليها طريق إلّا في ماء البحر الملح، وبلغني أنه يخاض من إحدى جهاته الماء إليها، والمنارة مربّعة البناء ولها درجة واسعة يمكن الفارس أن يصعدها بفرسه، وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفي الدّرجة فيرتقى إلى طبقة عالية يشرف منها على البحر بشرافات محيطة بموضع آخر، كأنه حصن آخر مربّع يرتقى فيه بدرج أخرى إلى موضع آخر، يشرف منه على السطح الأول بشرفات أخرى، وفي هذا الموضع قبة كأنها قبة الديدبان وليس فيها، كما يقال، غرف كثيرة ومساكن واسعة يضل فيها الجاهل بها، بل الدرجة مستديرة بشيء كالبئر فارغ، زعموا أنه مهلك وأنه إذا ألقي فيها الشيء لا يعرف قراره، ولم أختبره والله اعلم به، ولقد تطلّبت الموضع الذي زعموا أن المرآة كانت فيه فما وجدته ولا أثره، والذي يزعمون انها كانت فيه هو حائط بينه وبين الأرض نحو مائة ذراع أو أكثر، وكيف ينظر في مرآة بينها وبين الناظر فيها مائة ذراع أو أكثر، ومن أعلى المنارة؟
فلا سبيل للناظر في هذا الموضع، فهذا الذي شاهدته وضبطته وكلّ ما يحكى غير هذا فهو كذب لا أصل له. وذكر ابن زولاق أنّ طول منارة الإسكندرية مائتا ذراع وثلاثون ذراعا وأنها كانت في وسط البلد وإنما الماء طفح على ما حولها فأخربه وبقيت هي لكون مكانها كان مشرفا على غيره.
وفتحت الإسكندرية سنة عشرين من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد عمرو بن العاص بعد قتال وممانعة، فلما قتل عمر وولي عثمان، رضي الله عنه، ولّى مصر جميعها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاع، فطمع أهل الإسكندرية ونقضوا، فقيل لعثمان: ليس لها إلا عمرو بن العاص فإن هيبته في قلوب أهل مصر قوية. فأنفذه عثمان ففتحها ثانية عنوة وسلمها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وخرج من مصر، فما رجع إليها إلا في أيام معاوية. حدثني القاضي المفضل أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر إسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي عارض الجيش لصلاح الدين يوسف بن أيوب، قال: حدثني الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد الأبّي، وأبّة من بلاد افريقية، قال: اذكر ليلة وانا امشي مع الأديب ابي بكر احمد بن محمد العيدي على ساحل بحر عدن، وقد تشاغلت عن الحديث معه فسألني: في أي شيء أنت مفكر؟ فعرّفته أنني قد عملت في تلك الساعة شعرا، وهو هذا:
وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، ... لعلّ طرف الذي أهواه ينظره
فقال مرتجلا:
يا راقد الليل بالإسكندرية لي ... من يسهر الّليل، وجدا بي، وأسهره
ألاحظ النجم تذكارا لرؤيته، ... وإن مرى دمع أجفاني تذكّره
وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته، ... لعلّ عين الذي أهواه تنظره قلت: ولو استقصينا في أخبار الإسكندرية جميع ما بلغنا لجاء في غير مجلّد، وهذا كاف بحمد الله.

قرطش

قرطش
. أَقْرِيطِشُ، بفَتْحِ أَوّلهِ ويُكْسَرُ أَيْضاً، كَمَا نقَلَه ياقُوتٌ، وكَسْرِ الرّاءِ والطّاءِ، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ، والصّاغَانِيُّ، وَقَالَ ياقُوتَ: اسْمُ جَزِيرَة مَشْهُورَة ببَحْرِ الرُّومِ، أيَ ببَحْرِ المَغْرِبِ، كَمَا قالَهُ ياقُوت، فِيها مُدُنٌ وقُرىً، يُقَابِلُها مِنْ برِّ إِفْرِيقِيَّةَ بُونَةُ، دَوْرُهَا ثَلاثُمِائَةٍ وخَمْسُونَ مِيلاً، أَو مَسِيرَةُ

تَدْمُو

تَدْمُو:
بالفتح ثم السكون، وضم الميم: مدينة قديمة مشهورة في برّية الشام، بينها وبين حلب خمسة أيام قال بطليموس: مدينة تدمر طولها إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، بيت حياتها السماك الأعزل تسع درجات من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، وقال صاحب الزيج: طول تدمر ثلاث وستون درجة وربع، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلثان قيل: سميت بتدمر بنت حسان ابن أذينة بن السّميدع بن مزيد بن عمليق بن لاوذ ابن سام بن نوح، عليه السلام، وهي من عجائب الأبنية، موضوعة على العمد الرخام، زعم قوم أنها مما بنته الجنّ لسليمان، عليه السلام ونعم الشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني:
إلا سليمان، إذ قال الإله له: ... قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيّس الجنّ، إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصّفّاح والعمد
وأهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء قبل سليمان بن داود، عليه السلام، بأكثر مما بيننا وبين سليمان، ولكن الناس إذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه أضافوه إلى سليمان وإلى الجن.
وعن إسماعيل بن محمد بن خالد بن عبد الله القسري قال: كنت مع مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية حين هدم حائط تدمر، وكانوا خالفوا عليه فقتلهم وفرّق الخيل عليهم تدوسهم وهم قتلى، فطارت لحومهم وعظامهم في سنابك الخيل، وهدم حائط المدينة، فأفضى به الهدم الى جرف عظيم، فكشفوا عنه صخرة فإذا بيت مجصص كأنّ اليد رفعت عنه تلك الساعة، وإذا فيه سرير عليه امرأة مستلقية على ظهرها وعليها سبعون حلّة، وإذا لها سبع غدائر مشدودة بخلخالها، قال: فذرعت قدمها فإذا ذراع من غير الأصابع، وإذا في بعض غدائرها صحيفة ذهب فيها مكتوب: باسمك اللهم! أنا تدمر بنت حسان، أدخل الله الذّل على من يدخل بيتي هذا.
فأمر مروان بالجرف فأعيد كما كان ولم يأخذ مما كان عليها من الحلي شيئا، قال: فو الله ما مكثنا على ذلك إلا أياما حتى أقبل عبد الله بن عليّ فقتل مروان وفرّق جيشه واستباحه وأزال الملك عنه وعن أهل بيته وكان من جملة التصاوير التي بتدمر صورة جاريتين من حجارة من بقية صور كانت هناك، فمر بهما أوس بن ثعلبة التيمي صاحب قصر أوس الذي في البصرة فنظر إلى الصورتين فاستحسنهما فقال:
فتاتي أهل تدمر خبّراني! ... ألمّا تسأما طول القيام؟
قيامكما على غير الحشايا، ... على جبل أصمّ من الرخام
فكم قد مرّ من عدد الليالي، ... لعصركما، وعام بعد عام
وإنكما، على مرّ الليالي، ... لأبقى من فروع ابني شمام
فإن أهلك، فربّ مسوّمات ... ضوامر تحت فتيان كرام
فرائصها من الإقدام فزع، ... وفي أرساغها قطع الخدام
هبطن بهنّ مجهولا مخوفا ... قليل الماء مصفرّ الجمام
فلما أن روين صدرن عنه، ... وجئن فروع كاسية العظام
قال المدائني: فقدم أوس بن ثعلبة على يزيد بن معاوية فأنشده هذه الأبيات، فقال يزيد: لله درّ أهل العراق! هاتان الصورتان فيكم يا أهل الشام لم يذكرهما أحد منكم، فمرّ بهما هذا العراقي مرّة فقال ما قال ويروى عن الحسن بن أبي سرح عن أبيه قال: دخلت مع أبي دلف إلى الشام فلما دخلنا تدمر وقف على هاتين الصورتين، فأخبرته بخبر أوس بن ثعلبة وأنشدته شعره فيهما، فأطرق قليلا ثم أنشدني:
ما صورتان بتدمر قد راعتا ... أهل الحجى وجماعة العشّاق
غبرا على طول الزمان ومرّه، ... لم يسأما من ألفة وعناق
فليرمينّ الدهر من نكباته ... شخصيهما منه بسهم فراق
وليبلينّهما الزمان بكرّه، ... وتعاقب الإظلام والإشراق
كي يعلم العلماء أن لا خالد ... غير الإله الواحد الخلّاق
وقال محمد بن الحاجب يذكرهما:
أتدمر صورتاك هما لقلبي ... غرام، ليس يشبهه غرام
أفكّر فيكما فيطير نومي، ... إذا أخذت مضاجعها النيام
أقول من التعجّب: أيّ شيء ... أقامهما، فقد طال القيام
أملّكتا قيام الدهر طبعا، ... فذلك ليس يملكه الأنام
كأنهما معا قرنان قاما، ... ألجّهما لدى قاض خصام
يمرّ الدهر يوما بعد يوم، ... ويمضي عامه يتلوه عام
ومكثهما يزيدهما جمالا، ... جمال الدّرّ زيّنه النّظام
وما تعدوهما بكتاب دهر، ... سجيّته اصطلام واخترام
وقال أبو الحسن العجلي فيهما:
أرى بتدمر تمثالين زانهما ... تأنق الصانع المستغرق الفطن
هما اللتان يروق العين حسنهما، ... تستعطفان قلوب الخلق بالفتن
وفتحت تدمر صلحا، وذاك أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، مرّ بهم في طريقه من العراق إلى الشام فتحصنوا منه، فأحاط بهم من كلّ وجه، فلم يقدر عليهم، فلما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل قال:
يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لاستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم، ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعنّ إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلنّ مدينتكم حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدّوه له ورضي به.

كِرْمَانُ

كِرْمَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، وربما كسرت والفتح أشهر بالصحة، وكرمان في الإقليم الرابع، طولها تسعون درجة، وعرضها ثلاثون درجة:
وهي ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، فشرقيّها مكران ومفازة ما بين مكران والبحر من وراء البلوص، وغربيّها أرض فارس، وشماليّها مفازة خراسان، وجنوبيّها بحر فارس، ولها في حدّ السيرجان دخلة في حد فارس مثل الكمّ وفيما يلي البحر تقويس، وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي والضرع تشبّه بالبصرة في كثرة التمور وجودتها وسعة الخيرات، قال محمد بن أحمد البنّاء البشاري: كرمان إقليم يشاكل فارس في أوصاف ويشابه البصرة في أسباب ويقارب خراسان في أنواع لأنه قد تاخم البحر واجتمع فيه البرد والحرّ والجوز والنخل وكثرت فيه التمور والأرطاب والأشجار والثمار، ومن مدنه المشهورة جيرفت وموقان وخبيص وبمّ والسيرجان ونرماسير وبردسير وغير ذلك، وبها يكون التوتيا ويحمل إلى جميع البلاد، وأهلها أخيار أهل سنّة وجماعة وخير وصلاح إلا أنها قد تشعثت بقاعها واستوحشت معاملها وخربت أكثر بلادها لاختلاف الأيدي عليها وجور السلطان بها لأنها منذ زمن طويل خلت من سلطان يقيم بها إنما يتولّاها الولاة فيجمعون أموالها ويحملونها إلى خراسان، وكل ناحية أنفقت أموالها في غيرها خربت إنما تعمر البلدان بسكنى السلطان، وقد كانت في أيام السلجوقية والملوك القارونية من أعمر البلدان وأطيبها ينتابها الركبان ويقصدها كل بكر وعوان، قال ابن الكلبي:
سميت كرمان بكرمان بن فلوج بن لنطي بن يافث ابن نوح، عليه السّلام، وقال غيره: إنما سميت بكرمان بن فارك بن سام بن نوح، عليه السّلام، لأنه نزلها لما تبلبلت الألسن واستوطنها فسميت به، وقال ابن الفقيه: يقال إن بعض ملوك الفرس أخذ قوما فلاسفة فحبسهم وقال: لا يدخل عليهم إلا الخبز وحده، وخيروهم في أدم واحد فاختاروا الأترج، فقيل لهم: كيف اخترتموه دون غيره؟ فقالوا: لأن قشره الظاهر مشموم وداخله فاكهة وحمّاضه أدم وحبه دهن، فأمر بهم فأسكنوا كرمان، وكان ماؤها في آبار لا يخرج إلا من خمسين ذراعا، فهندسوه حتى أظهروه على وجه الأرض ثم غرسوا بها الأشجار فالتفّت كرمان كلها بالشجر فعرف الملك ذلك فقال: أسكنوهم الجبال، فأسكنوها فعملوا الفوّارات وأظهروا الماء على رؤوس الجبال، فقال الملك: اسجنوهم، فعملوا في السجن الكيمياء وقالوا: هذا علم لا نخرجه إلى أحد، وعملوا منه ما علموا أنه يكفيهم مدة أعمارهم ثم أحرقوا كتبهم وانقطع علم الكيمياء، وقد ذكر في بعض كتب الخراج عن بعض كتّاب الفرس أن الأكاسرة كانت تجبي السواد مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم سوى ثلاثين ألف ألف من الوضائع لموائد الملوك، وكانوا يجبون فارس أربعين ألف ألف، وكانوا يجبون كرمان ستين ألف ألف درهم لسعتها وهي مائة وثمانون فرسخا في مثلها، وكانت كلها عامرة وبلغ من عمارتها
أن القناة كانت تجري من مسيرة خمس ليال، وكانت ذات أشجار وعيون وقنيّ وأنهار، ومن شيراز إلى السيرجان مدينة كرمان أربعة وستون فرسخا وهي خمسة وأربعون منبرا كبار وصغار، وأما في أيامنا هذه فقصبتها وأشهر مدنها جواشير، ويقال كواشير، وهي بردسير، وأما فتحها فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولّى عثمان بن العاص البحرين فعبر البحر إلى أرض فارس ففتحها ولقي مرزبان كرمان في جزيرة بركاوان فقتله فوهى أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم، فلما سار ابن عامر إلى فارس في أيام عثمان بن عفّان أنفذ مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد، فهلك جيشه بميمند من مدن كرمان، وقيل من رساتيق فارس، ثم لما توجه ابن عامر إلى خراسان ولّى مجاشعا كرمان ففتح ميمند واستبقى أهلها وأعطاهم أمانا بذلك، وله بها قصر يعرف بقصر مجاشع، ثم فتح مجاشع بروخروه ثم أتي السيرجان مدينة كرمان فتحصن أهلها منه ففتحها عنوة، وقد كان أبو موسى الأشعري وجّه الربيع ابن زياد الحارثي ففتح ما حول السيرجان وصالح أهل بمّ والأندغان ثم نكث أهلها فافتتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوّخها وأتى القفص وقد اجتمع إليه خلق ممن جلا من الأعاجم فواقعهم وظفر عليهم فهربت جماعة من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بسجستان ومكران فأقطعت العرب منازلهم وأرضيهم فعمّروها وأدّوا العشر فيها واحتفروا القنيّ في مواضعها، فعند ذلك قال حمير السعدي:
أيا شجرات الكرم لا زال وابل ... عليكنّ منهلّ الغمام مطير
سقيتنّ ما دامت بنجد وشيجة، ... ولا زال يسعى بينكنّ غدير
ألا حبّذا الماء الذي قابل الحمى ... ومرتبع من أهلنا ومصير
وأيامنا بالمالكية، إنّني ... لهنّ على العهد القديم ذكور
ويا نخلات الكرخ لا زال ماطر ... عليكنّ مستنّ السحاب درور
سقيتنّ ما دامت بكرمان نخلة ... عوامر تجري بينهنّ نهور
لقد كنت ذا قرب فأصبحت نازحا ... بكرمان ملقى بينهنّ أدور
وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق بن عبد الله بن شدّاد بن معاوية بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال الهلالي فارس وكرمان، وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على عبوره فقال: من جازه فله ألف درهم، فجازوه فوفى لهم، وكان ذلك أوّل يوم سميت الجائزة جائزة، وقال الجحّاف بن حكيم:
فدى للأكرمين بني هلال ... على علّاتهم أهلي ومالي
هم سنّوا الجوائز في معدّ ... فصارت سنّة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمان ... وعشر حين تختلف العوالي
وكرمان أيضا: مدينة بين غزنة وبلاد الهند وهي من أعمال غزنة: بينهما أربعة أيام أو نحوها، وبنيسابور محلة يقال لها مربّعة الكرمانية، ينسب إليها أبو يوسف يعقوب بن يوسف الكرماني النيسابوري الشيباني الفقيه
الحافظ المعروف بابن الأخرم، أطال المقام بمصر وكان بينه وبين المزني مكاتبة، سمع إسحاق بن راهويه وقتيبة ابن سعيد ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم، وسمع بالعراق والشام وخراسان والجزيرة ومصر، روى عنه أبو حامد ابن الشرقي وعلي بن جمشاد العدل، توفي سنة 287.

سِجِسْتَانُ

سِجِسْتَانُ:
بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، ذهب بعضهم إلى أن سجستان اسم للناحية وأن اسم مدينتها زرنج، وبينها وبين هراة عشرة أيّام ثمانون فرسخا، وهي جنوبي هراة، وأرضها كلّها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن أبدا ولا تزال شديدة تدير رحيّهم، وطحنهم كلّه على تلك الرحى. وطول سجستان أربع وستون درجة وربع، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسدس، وهي من الإقليم الثالث. وقال حمزة في اشتقاقها واشتقاق أصبهان: إن أسباه وسك اسم للجند وللكلب مشترك وكل واحد منهما اسم للشيئين فسميت أصبهان والأصل أسباهان وسجستان والأصل سكان وسكستان لأنّهما كانتا بلدتي الجند، وقد ذكرت في أصبهان بأبسط من هذا، قال الإصطخري: أرض سجستان سبخة ورمال حارة، بها نخيل، ولا يقع بها الثلج، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وأقرب جبال منها من ناحية فره، وتشتد رياحهم وتدوم على أنّهم قد نصبوا عليها أرحية تدور بها وتنقل رمالهم من مكان إلى مكان ولولا أنّهم يحتالون فيها لطمست على المدن والقرى، وبلغني أنّهم إذا أحبوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما بقدر ما يعلو على ذلك الرمل وفتحوا إلى أسفله بابا فتدخله الريح فتطير الرمال إلى أعلاه مثل الزّوبعة فيقع على مدّ البصر حيث لا يضرّهم، وكانت مدينة سجستان قبل زرنج يقال لها رام شهرستان، وقد ذكرت في موضعها، وبسجستان نخل كثير وتمر، وفي رجالهم عظم خلق وجلادة ويمشون في أسواقهم وبأيديهم سيوف مشهورة، ويعتمّون بثلاث عمائم وأربع كلّ واحدة لون ما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض وغير ذلك من الألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان كل واحدة منها، وأكثر ما تكون هذه العمائم إبريسم طولها ثلاثة أذرع أو أربعة وتشبه الميانبندات، وهم فرس وليس بينهم من المذاهب غير الحنفية من الفقهاء إلّا قليل نادر، ولا تخرج لهم امرأة من منزل أبدا وإن أرادت زيارة أهلها فبالليل، وبسجستان كثير من الخوارج يظهرون مذهبهم ولا يتحاشون منه ويفتخرون به عند المعاملة، حدثني رجل من التجار قال: تقدمت إلى رجل من سجستان لأشتري منه حاجة فماكسته فقال: يا أخي أنا من الخوارج لا تجد عندي إلّا الحق ولست ممن يبخسك حقك، وإن كنت لا تفهم حقيقة ما أقول فسل عنه، فمضيت وسألت عنه متعجبا، وهم يتزيون بغير زيّ الجمهور فهم معروفون مشهورون، وبها بليدة يقال لها كركويه كلّهم خوارج، وفيهم الصوم والصلاة والعبادة الزائدة، ولهم فقهاء وعلماء على حدة، قال محمد بن بحر الرّهني: سجستان إحدى بلدان المشرق ولم تزل لقاحا على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن متوحدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصح منهم معاملة ولا أقل منهم مخاتلة، ومن شأن سوقة البلدان أنّهم إذا باعهم أو اشترى منهم العبد أو الأجير أو الصبي كان أحبّ إليهم من
أن يشتري منهم الصاحب المحتاط والبالغ العارف، وهم بخلاف هذه الصفة، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة الملهوف ومداركة الضعيف، ثمّ أمرهم بالمعروف ولو كان فيه جدع الأنف، منها جرير بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر، رضي الله عنه، ومنها خليدة السجستاني صاحب تاريخ آل محمد، قال الرهني: وأجلّ من هذا كلّه أنّه لعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبرها إلّا مرّة، وامتنعوا على بني أميّة حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذا ولا سلحفاة، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخا، ولها من المدن زالق وكركويه وهيسوم وزرنج وبست، وبها أثر مربط فرس رستم الشديد ونهرها المعروف بالهندمند، يقول أهل سجستان: إنّه ينصب إليه مياه ألف نهر فلا تظهر فيه زيادة وينشقّ منه ألف نهر فلا يرى فيه نقصان، وفي شرط أهل سجستان على المسلمين لما فتحوها أن لا يقتل في بلدهم قنفذ ولا يصطاد لأنّهم كثير والأفاعي والقنافذ تأكل الأفاعي، فما من بيت إلّا وفيه قنفذ، قال ابن الفقيه: ومن مدنها الرّخّج وبلاد الداور، وهي مملكة رستم الشديد، ملّكه إيّاها كيقاوس، وبينها وبين بست خمسة أيّام، وقال ابن الفقيه: بسجستان نخل كثير حول المدينة في رساتيقها وليس في جبالها منه شيء لأجل الثلج وليس بمدينة زرنج وهي قصبة سجستان لوقوع الثلج بها، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
كان لا يحرم الخليل ولا يع ... تلّ بالنّجل طيّب العذرات
وقال بعضهم يذمّ سجستان:
يا سجستان قد بلوناك دهرا ... في حراميك من كلا طرفيك
أنت لولا الأمير فيك لقلنا: ... لعن الله من يصير إليك!
وقال آخر:
يا سجستان لا سقتك السحاب، ... وعلاك الخراب ثمّ اليباب
أنت في القرّ غصّة واكتئاب، ... أنت في الصيف حيّة وذباب
وبلاء موكّل ورياح ... ورمال كأنّهنّ سقاب
صاغك الله للأنام عذابا، ... وقضى أن يكون فيك عذاب
وقال القاضي أبو علي المسبحي:
حلولي سجستان إحدى النّوب، ... وكوني بها من عجيب العجب
وما بسجستان من طائل ... سوى حسن مسجدها والرّطب
وذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت محمد بن أبي نصر قل هو الله أحد، خوان [1] ، يقول أبو داود السجستاني الإمام: هو من قرية بالبصرة يقال لها سجستان وليس من سجستان خراسان، وكذلك ذكر لي بعض الهرويين في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة قوله: قل هو الله أحد خوان، هو لقب محمد بن أبي نصر، ومعناه قارئ هذه السورة.
قال: سمعت محمد بن يوسف يقول أبو حاتم السجستاني من كورة بالبصرة يقال لها سجستانة وليس من سجستان خراسان. وذكر ابن أبي نصر المذكور أنّه تتبع البصريين فلم يعرفوا بالبصرة قرية يقال لها سجستان غير أن بعضهم قال: إن بقرب الأهواز قرية تسمّى بشيء من نحو ما ذكره، ودرس من كتابي هذا لا أعرف له حقيقة لأنّه ورد أن ابن أبي داود كان بنيسابور في المكتب مع ولد إسحاق بن راهويه وأنّه أوّل ما كتب كتب عند محمد بن أسلم الطوسي وله دون عشر سنين، ولم يذكر أحد من الحفاظ أنّه من غير سجستان المعروف، وينسب إليها السجزي، منهم: أبو أحمد خلف بن أحمد بن خلف ابن الليث بن فرقد السجزي، كان ملكا بسجستان وكان من أهل العلم والفضل والسياسة والملك وسمع الحديث بخراسان والعراق، روى عن أبي عبد الله محمد بن علي الماليسي وأبي بكر الشافعي، سمع منه الحاكم أبو عبد الله وغيره، توفي في بلاد الهند محبوسا، وسلب ملكه في سنة 399 في رجب، ومولده في نصف محرم سنة 326، ودعلج بن علي السجزي، ومنها إمام أهل الحديث عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود أصله من سجستان، كتب من تاريخ الخطيب هو وأبوه وزاد ابن عساكر في تاريخه بإسناد إلى أبي عليّ الحسن بن بندار الزنجاني الشيخ الصالح قال: كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم تعفّفا وتنزها ونفيا للمظنة عن نفسه، وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه، وكان له ابن أمرد يحب أن يسمع حديثه وعرف عادته في الامتناع عليه من الرواية فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليتوهم أنّه ملتح ثمّ أحضره المجلس وأسمعه جزءا، فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال له: أيّها الشيخ لا تنكر عليّ ما فعلته واجمع أمردي هذا مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه حينئذ من السماع عليك، قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ فتعرض لهم هذا الأمرد مطارحا وغلب الجميع بفهمه ولم يرو له الشيخ مع ذلك من حديثه شيئا وحصل له ذلك الجزء الأوّل وكان ليس إلّا أمرد يفتخر بروايته الجزء الأوّل.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.