Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: توفى

الآيات البينات

الآيات البينات
في شرح: (الجوامع).
في الأصول.
يأتي في: الجيم.
الآيات البينات
للإمام، فخر الدين: محمد بن عمر الرازي.
المــتوفى: سنة ست وستمائة.
وهو غير الصغيرة، التي على: عشرة أبواب.
ولخصها: الخسرو شاهي.
الآيات البينات
للإمام: محمد بن عمر بن دحية، هو: مجد الدين، أبو الخطاب: عمر بن الحسين بن علي الظاهري، البلنسي.
المــتوفى: بالقاهرة، سنة 633.

تهذيب الوصول، إلى علم الأصول

تهذيب الوصول، إلى علم الأصول
للشيخ، جمال الدين: يوسف بن مطهر.
المــتوفى: سنة 000
أوله: (الحمد لله، رافع درجات العارفين 000 الخ)
ذكر فيه: أنه حرر طرق الأحكام على الإجمال، إجابة لالتماس ولده محمد، ورتب على مقاصد.
وللعلامة، شمس الدين: محمد الخفري، الخضري.
المــتوفى: سنة 810، عشر وثمانمائة تقريباً.
شرحه، سماه: (منية اللبيب).

التعريفات

التعريفات
للفاضل، العلامة، السيد، الشريف: علي بن محمد الجرجاني.
المــتوفى: سنة 816، ست عشرة وثمانمائة.
مختصر.
جمع: تعريفات الفنون.
على الحروف.
أوله: (الحمد لله حق حمده...).
وللمولى، الفاضل: أحمد بن سليمان بن كمال باشا.
المــتوفى: سنة 940، أربعين وتسعمائة.
زاد فيه: بعض زيادات مفيدة.
أوله:...
وفيه: تأليف لطيف.
للمناوي.
سماه: (التوقيف).
وسيأتي.

أعلام النبوة

أعلام النبوة
للشيخ، الإمام، أبي الحسن: علي بن محمد الماوردي، الشافعي.
المــتوفى: سنة خمسين وأربعمائة.
وهو مختصر.
أوله: (الحمد لله الذي أحكم ما خلق... الخ).
ضمن على أمرين:
أحدهما: فيما اختص بأعلام النبوة.
والثاني: فيما يختلف من أقسامها، وأحكامها.
مشتملا على: أحد وعشرين بابا.
أعلام النبوة
للشيخ، شمس الدين: محمد بن عبد الله، المعروف: بابن ظفر المكي.
المــتوفى: سنة 565.

أغرق

(أغرق) فِي الشَّيْء جَاوز الْحَد وَبَالغ والرامي فِي الْقوس اســتوفى مدها وَفُلَانًا أَو الشَّيْء فِي المَاء جعله يغرق والكأس ملأها وأعماله الصَّالِحَة أضاعها بارتكاب الْمعاصِي

المعارك الحربية

المعارك الحربية
سجل القرآن كثيرا من المعارك الحربية التى دارت بين المسلمين وخصومهم بطريقته المصورة المؤثرة المتغلغلة إلى أعماق النفوس، وأخفى أغوار القلوب، وها هو ذا يسجل معركة بدر، أولى المعارك الكبرى التى انتصر فيها المؤمنون، على قلتهم، انتصارا مبينا على عدوهم، فيقول: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
(الأنفال 5 - 19).
تسجل الآيات الكريمة نقاشا حادّا جرى بين النبى وطائفة من المؤمنين، هو يريد أن يقنعها بأن الخير في الخروج لملاقاة العدو، وهى تريد أن تقنعه بأن الأفضل البقاء وتجنب ملاقاته، يشفع لها في اتخاذ هذا الرأى قلة عددها، ويسجل القرآن على هذه الطائفة شدة فرقها من لقاء العدو، حتى لقد دفعها ذلك إلى جدال الرسول في رأيه جدالا شديدا، وكأنما تمثلت مصارعهم أمامهم، وكأنهم يرون أنفسهم مسوقين إلى الموت سوقا، وتسجل الآيات أن الله وعد المؤمنين الظفربالعير أو بقريش، وأنهم كانوا يؤثرون أخذ العير لسهولة ذلك عليهم، ولكن الله قد دفعهم إلى الخروج لا للظفر بالغنيمة، بل ليكون ذلك تمهيدا للتمكين للدين، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
ها هو ذا جيش المسلمين يسير بقلب واجف، وفؤاد مضطرب، يستمد المعونة من الله، ويستغيث به، ويطلب منه النصر، والله يستجيب له، ويعده بأن يمده بالملائكة، ليطمئن قلبه، وتسكن نفسه، وتثبت قدمه، وها هو ذا الأمن يملأ أفئدة الجند، فيجد النوم سبيله إلى عيونهم، وتجود السماء بالماء، فلا يتسرب الخوف من العطش إلى نفوسهم، والله يلقى الأمن والسكينة في قلوبهم، فيقبلون على القتال، فى جرأة وبسالة وإقدام، يتزعزع لها قلب العدو، ويمتلئ قلبه بالرعب والذهول، والمسلمون ماضون في عنف، يضربون الأعناق، ويبترون الأكف، فلا تستطيع حمل السلاح، وذلك جزاء عناد المشركين لله ورسوله.
ويتخذ القرآن من تلك المعركة درسا، ويرى أن النصر إنما كفل بهذا الإقدام المستميت، فيحذرهم إذا لاقوا العدو أن يفروا من ميدان القتال، وينذرهم إذا هم فعلوا، بأقسى ألوان العقوبات، وشر أنواع المصير، يذكرهم بأن الله هو الذى أمدهم بهذه القوة التى استطاعوا بها هزيمة عدوهم، وكأنه ينبئهم بأنهم ليس لهم عذر بعد اليوم، إذا هم أحجموا عن الجهاد، وخافوا لقاء العدو.
ويمضى القرآن بعدئذ منذرا الكافرين، مهددا إياهم، بشر مصير إن هم فكروا فى إعادة الكرة، أو غرتهم كثرتهم، ومتجها إلى المؤمنين يأمرهم بطاعة الرسول، بعد أن تبينوا أن الخير فيما اختار، والنجح فيما أشار به وأمر.
والقرآن في حديثه عن هذه الغزوة قد اتجه أكثر ما اتجه إلى رسم نفسية المقاتلين، والتغلغل في أعماقها، لأن هذه النفسية هى التى تقود خطا المجاهدين، وتمهد الطريق إلى النصر أو الهزيمة، كما اتجه إلى ما يؤخذ منها من تجربة وعظة.
وإذا كانت غزوة بدر قد انتهت بالنصر فإن غزوة أحد قد انتهت بإخفاق بعد نصر كان محققا، وقد سجل القرآن تلك الغزوة في قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ  لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 121 - 171).
هذا الحديث المطول مؤذن بأن المحدث عنه ذو أهمية خاصة تحتاج إلى هذا الطول، ولم لا؟ وهو حديث عن هزيمة، يريد أن يقتلع آثارها من نفوسهم، وأن يبدلهم من اليأس أملا، وأن يبين لهم الحكمة فيما حدث، ولنتتبع الآيات الكريمة نرى ما رسمته، وما توحى به، وما عالجته في نفوس القوم، وكيف مستها برفق حتى اندمل جرحها واطمأنت. صورت الآيات الكريمة الرسول في ميدان القتال، يرتب الجند، ويخص كل طائفة بمكان، ويعيّن موضع كل فريق من المعركة، وقد همّ فريقان أن يتركا ميدان القتال ويفشلا، ولعلهما كانا يريان أن يعودا وينتظرا العدو في المدينة، وربما ذكر الرسول المؤمنين بنعمة الله إذ نصرهم، وهم ضعاف أذلة يوم بدر، كما أخذ الرسول يقوى روحهم المعنوية، فيحدثهم عن تأييد الله لهم بالملائكة ليطمئن قلوبهم، ويثبت أقدامهم، وليكون ذلك وسيلة لدحر الكفار، أو لتذكيرهم فيتوبون.
ذلك رسم لما كان في بدء المعركة، وما قام به الرسول من دور هام في تنظيم قوى المؤمنين، وملء أفئدتهم بالأمل وروح الإقدام.
ويمضى القرآن بعدئذ يمس جرحهم في رفق، فينهاهم عن الوهن والحزن، ويعدهم بالفوز إذا كان الإيمان الحق يملأ قلوبهم، ويحدثهم بأنهم إن كانوا قد أصيبوا فقد أصيب عدوهم بمثل ما أصيبوا به، وكأنه يقول لهم: إن القوم برغم ما أصيبوا به، لم يهنوا ولم ييأسوا، بل جاءوا إليكم مقاتلين.
ويحدثهم عن السر في انتهاء المعركة بما انتهت به، وأن ذلك وسيلة لتبين المؤمن الحق، وتمحيصه عن طريق اختباره، فليس دخول الجنة من اليسر بحيث لا يحتاج إلى اختبار قاس، كهذا الاختبار الذى عانوه في معركة القتال، ثم ينتقل بعدئذ يقرّ في نفوسهم أن الأجل أمر مقدور لا سبيل إلى تقديمه أو تأخيره، وأن كثيرا من الأنبياء حدث لأتباعهم هزائم لم تضعف من عزيمتهم ولم تؤد بهم إلى الوهن والضعف والاستكانة، وهو بذلك يضرب لهم المثل الواجب الاقتداء، وبالصبر سيظفرون كما ظفر من سبقهم.
ويعود بعد ذلك متحدثا عن سبب الهزيمة، فيبين أنهم كانوا خلقاء بالنصر، وأن الله قد صدقهم وعده، وأراهم ما يحبون، ولكنهم فشلوا وتنازعوا في الأمر فمنهم من أراد
الظفر بالغنيمة، ومنهم من كان يريد الآخرة، فكانت النتيجة هزيمة، فرّوا على إثرها مولين، لا يلوون على شىء، والرسول يدعوهم إلى الثبات، ويصف القرآن طائفة منهم قد تغلغل الشك في نفوسهم، فمضوا يظنون بالله غير الحق، ويقولون: لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا هاهنا، فيرد عليهم القرآن في رفق بأن الأجل مقدر، وأن من كتب عليه القتل لا بدّ ملاقيه، ثم يسبغ الله عفوه على من فر في ميدان القتال، غافرا له زلة دفعه إليها الشيطان.
ويكرر القرآن مرة أخرى فكرة إصابتهم، وأن أعداءهم قد أصيبوا من قبلهم، وأن سبب هذه الهزيمة راجع إلى أنفسهم، كما سبق أن حدثهم عن فشلهم وتنازعهم، وأن هذا الاختبار ليتبين من آمن، ومن نافق، هؤلاء الذين ثبطوا عن القتال حينا، والذين زعموا أن الجهاد في سبيل الله هو الذى دنا بآجال من قتلوا، والقرآن يرد عليهم في إفحام قائلا: فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (آل عمران 168).
ويختم حديثه مسهّلا عليهم قتل من قتل في سبيل الله بأنه شهيد حى عند ربه يرزق، فرح بما أوتى من فضل الله، مستبشر بمن سيلحق به من المجاهدين، مبتهج بحياة لا خوف فيها ولا حزن.
كانت سمة هذا الحديث الطويل الرفق في الخطاب واللين في العتاب، يريد بذلك تأليف القلوب، وجمع الأفئدة، وربما جر العنف إلى أن تجمع النفوس، وتتشتت الأهواء، فى وقت كان الإسلام فيه أحوج ما يكون إلى الألفة وجمع الشمل، حتى إن الفارين أنفسهم وجدوا من عفو الله ما وسعهم بعد أن استزلهم الشيطان.
وسمة أخرى واضحة في تلك الآيات الكريمة وهى خلق الأمل في القلوب وإبعاد شبح اليأس ومرارة الهزيمة من النفوس، وقد رأينا كيف ضرب لهم الأمثلة بمن مضوا ممن قاتلوا مع النبيين، وأثار فيهم نخوة ألا يكونوا أقل قوة من أعدائهم الذين أصيبوا أشد من إصابتهم، ومع ذلك لم يهنوا ولم يضعفوا، وملأ قلبهم طمأنينة على من قتل من أحبابهم، فقد أكد لهم حياتهم حياة سعيدة، وبذلك كله مسح على قلوبهم، ومحا بعفوه آلام المنهزمين منهم، وأعد الجميع لتحمل أعباء الجهاد من جديد بنفوس مشرقة، وقلوب خالصة، يملؤها الأمل ويحدوها الرجاء في ألا تقصر في قتال، أو يدفعها زخرف الحياة الدنيا فتنصرف إليه، ناسية الهدف الرئيسى الذى تركت من أجله الوطن والأهل والولد.
وتحدث القرآن حديثا طويلا عن غزوة الأحزاب، إذ قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (الأحزاب 9 - 27).
أجملت الآيات في وصف نتيجة المعركة بانهزام الأحزاب ومن ظاهروهم، إجمالا يغنى عن كل تفصيل، ويحمل إلى النفس معنى النعمة التى أنعم الله بها على المؤمنين، فقد كفاهم القتال بقوته وعزته، ولا سيما إذا قرنت تلك النعمة بما أصاب المؤمنين من الخوف والرهبة من إحاطة الأعداء بهم، فقد جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزلوا زلزالا شديدا، ألا ترى أن هذا الوصف الدقيق لنفسية المؤمنين وقد أحيط بهم، وهذا الوصف الموحى المصور، المؤذن بأن اليأس من النجاة، كاد يستولى على النفوس، ثم رأى المحاصرون أنه قد انجلى الغم عنهم، ومضى الخوف إلى غير رجعة، وأن ذلك قد تم بقدرة الله وحده، وأنهم قد كفوا القتال، وصاروا آمنين في ديارهم- ألا ترى ذلك جديرا بشكر المنعم على تلك النعمة، التى تضؤل النعم بجوارها.
وأطالت الآيات في الحديث عن هذه العوامل التى تفت في عضد الجيش الإسلامى، والتى كانت خليقة أن تنزل به أقسى الهزائم، وتلك هى المعوقون والمنافقون، وكأنه بذلك يريد أن يتدبر هؤلاء موقفهم، وأن يروا قدرة الله التى جلبت النصر وحدها، من غير أن يشترك المسلمون في قتال، فلعل في ذلك تطهيرا لقلوبهم، وسببا لعودتهم إلى الطريق السوى، وخير السبل، وقد تحدث القرآن طويلا عما يعتلج في نفوسهم، وما يبثونه من أسباب الهزيمة في صفوف المسلمين، وحكى معتقداتهم ورد عليها في حزم. فكان حديث القرآن عن هذه الغزوة حديث المصلح الذى يضع هدف إصلاح نفوس الأفراد وتطهير الجماعة من أسباب ضعفها وخذلانها. وإلى هذا يهدف القرآن حين يتحدث عن الغزوات، يعنى بالنهوض بالفرد، فتطهر نفسه، ويؤمن بالله أعمق الإيمان وأصدقه، وبالجماعة فتتلافى وسائل نقصها، وتخلص مما يقعد بها دون الوصول إلى غايتها من النصر المؤزر والاستقرار والأمن، يرفق في سبيل ذلك حينا، ويقسو حينا آخر.

يوم القيامة

يوم القيامة
له في القرآن أسماء كثيرة تطلق عليه في المواضع المختلفة، لتوحى هذه الأسماء في أماكنها بالمعانى التى يستدعيها المقام، فهو اليوم الآخر والآخرة، عند ما يكون في مقابلة الحديث عن الدنيا وموازنته بها، أو عند الحديث عنه ملاحظا فيه هذا التقابل، كما تجد ذلك في قوله تعالى: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ (آل عمران 148). وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (الأعراف 169).
ويدعى بيوم القيامة مثيرا في النفس هذه الحركة المائجة المضطربة، التى ينبعث فيها الأموات من أجداثهم كالجراد المبثوث؛ وبيوم الدين ملحوظا فيه أنه اليوم الذى يجزى فيه كل إنسان بعمله خيرا أو شرا، ولما كان المثيب والمعاقب يومئذ هو الله وحده كان جميلا رائعا قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة 4). وبيوم الفصل إذ فيه يفصل بين الصواب والباطل فصلا عمليّا لا شبهة فيه. وبيوم البعث لأنه يوم الحياة بعد الموت؛ فإذا دعى بالساعة كان ملاحظا فيه عنصر المفاجأة الباغتة؛ أو بالحاقة فلأن وجودها حق لا مرية فيه؛ أو بالقارعة فلشدّة هولها وما فيها من مصائب وأهوال، أو بيوم الآزفة فلأنها شديدة القرب والمفاجأة.
وقد عنى القرآن أيّما عناية بأهمية الإيمان باليوم الآخر، يذكره كلما ذكرت صفات المؤمن المثالىّ، ويقرن الإيمان به بالإيمان بالله، حتى لا يذكر الإيمان باليوم الآخر منفردا دونه، فيقول: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62). ويقول: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (البقرة 177). وأوعد القرآن شديد الوعيد من كفر باليوم الآخر، وقرنه كذلك بمن كفر بالله، فقال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (النساء 136). وقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (التوبة 29). وسرّ العناية باليوم الآخر أن الإيمان به يعدّ الدعامة الأولى في بناء الدين كله، وإذا انهار هذا الأساس انهار الدين، فلم يعد له من بقاء، فعقيدة المرء في الحساب وأنه مجزىّ بعمله، على الخير والشر، هى التى تدفعه إلى التفكير السليم، كى يصل إلى العقيدة الصحيحة التى يؤمن بها، وإلى العمل الصالح واجتناب مساوئ الأمور، كى يجزى على الخير بالحسنى، ويتّقى أليم العذاب، ولو أن عقيدة البعث قد انمحت، ما كان للفضيلة سلطان على نفوس الجماهير يقودها، رهبة ورغبة، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (النمل 4). وقوله سبحانه: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (النحل 22). ولما كان لليوم الآخر هذه الأهمية في بناء الدين، عنى القرآن بغرس عقيدته في النفوس، وتصويره منذ أول عهد الدعوة، ولهذا كان أكثر الحديث عنه في السور التى نزلت بمكة.
وقد دلل القرآن في مواطن كثيرة على أن اليوم الآخر آت لا ريب فيه، يبرهن على ذلك بقدرته على خلق هذا العالم وما فيه، أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (النبأ 6 - 16). بل يؤيد مقدرته على البعث بما هو معروف لدينا، من أن إعادة ما عمل العامل أسهل عليه من بدء العمل، فيقول: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (الروم 27). ويقول وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(يس 78 - 82). فأنت تراه هنا يعجب من هذا الذى ينكر البعث ناسيا بدء خلقه، وأنه لم يكن شيئا مذكورا، فأخذ يتساءل من يستطيع أن يحيى العظام البالية، فأجابه القرآن في يسر بأن الذى أنشأها أول مرة هو الذى يحييها، وهو عالم بكل صغيرة وكبيرة، فى الخلق، ففي مستطاعه أن يعيد ما بدأ خلقه، أو ليس هذا القادر على أن يخلق النار من الشجر الأخضر المليء بالماء قادرا على أن يعيد خلقهم؟ أو ليس من خلق السموات والأرض وهى بهذه الفخامة والإحكام قادرا على أن يخلق مثل هذا الإنسان الحقير الضئيل، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (غافر 57). وتنتهى الآيات بتصوير قدرة الله، يستجيب لها الكون في خضوع وسرعة، فلا يلقى الله أمرا حتى يخضع الكون لأمره، ولا يلبث أن يقول لشىء كن، حتى يتحقق ويكون. وفي سورة أخرى يؤكد قدرته على جمع عظام المرء وتسوية أدق ما فيه من هذه العظام، وهى عظمة البنان، فيتساءل متعجبا، ثم يجيب في تأكيد: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (القيامة 3، 4).
ويقرّب القرآن أمر البعث إلى نفوسهم، فيوجه أنظارهم إلى الأرض الميتة ينزل عليها الماء، فتنبعث فيها الحياة، وتنبت من كل زوج بهيج، فيقول: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فصلت 39). ويقول: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (فاطر 9). وإذا كانوا يرون هذه الظاهرة في كل حين، فمن المعقول أن يكون لها شديد التأثير في نفوسهم، لقربها منهم، وقوة دلالتها على قدرة الله على بعث الحياة في الجماد الميت.
وحفل القرآن بكثير من صور هذا اليوم، يرسم الطبيعة فيه والناس: أما الأرض فإنها تميد تحت الأقدام مزلزلة مرتجفة، تنشقّ في كل مكان، مخرجة أثقالها، ويقف الإنسان في ذهول ودهشة يتعجب: ما لهذه الأرض قد خرجت على طبيعتها الهادئة، فثارت تلك الثورة المريعة؟! وتظل الأرض تلفظ ما بداخلها، تنبئ بأنها تفعل ما تفعل بأمر الله الذى أوحى بذلك لها، إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (الزلزلة 1 - 5). وأما الجبال فتصبح في هشاشة الصوف وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). ثم لا تلبث أن تنمحى من فوق صفحة الأرض، فتصبح مستوية لا عوج فيها ولا ارتفاع، وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (طه 105 - 107). وتتفجر البحار، وتتبعثر القبور مخرجه ما استودعته من أشلاء البشر، وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (الانفطار 3 - 5). ويشتد ارتجاج الأرض وارتجافها، حتى لينكرها الإنسان، ويجف لها قلبه، ويراها أرضا غير ما ألف، وتربة مضطربة لا عهد له بها من قبل، يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (المزمل 14). يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (إبراهيم 48). وأما السماء فإنها تطوى كما يطوى السجل كتابا، فلا تعود ترى بناء محكما، كما نراها بأعيننا في هذه الحياة الدنيا، بل تصبح بيّنة الفجوات ظاهرة الشقوق، ومما يزيد الأمر هو لا هذا الغمام المتكاثف يمور في السماء مورا يبعث الرهبة والفزع يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ (الأنبياء 104). ووَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (الفرقان 25). ويَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (الطور 9 - 11). ويلف الكون ظلام دامس، فالكواكب تنتثر لا رابط بينها، ولا اتّساق ينظمها، والشمس ينمحى ضوؤها، فتصبح كرة مظلمة لا يشع منها نور يضيء أرجاء الكون، وتنكدر النجوم التى كانت تبدو في السماء كأنها مصابيح، فينطمس نورها، ولما فقدت الجاذبية بين الكواكب انتثرت في الجو، ويملأ النفس رعبا أن ترى الشمس والقمر قد اقترنا مجتمعين، لا ضوء لهما ولا بهجة، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (الانفطار 1 - 2). وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (التكوير 1، 2). فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (القيامة 7 - 12).
فى هذه الظلمة الحالكة يخرج الناس من أجداثهم في سرعة وهلع، أما الأبصار فخاشعة، وأما القلوب فواجفة، يذهلهم ما لم يكونوا قد ألفوه من كون قد تبدّل وتغير، يخرجون في كثرة بالغة جماعات جماعات كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (القمر 7). يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (المعارج 43). يسيرون على غير هدى، وكأنهم يهربون من الظلمة، أو يفرون مما يرونه أمامهم من مناظر تبعث الرعب، وتثير المخافة. ولا يلبثون أن يدعوا إلى الحساب، حتى يسرعوا إلى الدّاعى متهافتين، كما يتهافت الفراش المبثوث، ظنا منهم أن سوف يجدون عنده الأمن والطمأنينة.
ولا تشعر النفوس وقد خرجت من أجداثها، بأنها قضت وقتا طويلا تحت أطباق الثرى، بل كأنها قد غادرت الدنيا منذ وقت قصير، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (النازعات 46).
ويزيد النفوس رهبة أن يمدوا أبصارهم فيروا النار تتلظى، وقد اشتد أوار لهبها، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (النازعات 36). فلا عجب أن بعث هذا اليوم في النفوس هولا ورهبة، فشعرت به عابسا مكفهرا، وأن تبلغ القلوب فيه الحناجر اضطرابا وخوفا، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ (غافر 18). وأن يملك الهول قلوب المبعوثين هولا يشيب له الوليد، فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (المزمل 17). ولم لا يشيب الوليد، وهذه الأرض ترتجف تحت قدمه، والكواكب قد انتثرت تتهاوى وتضطرب، مظلمة كدرة، وهذه الشمس والقمر قد اجتمعا مظلمين اجتماعا يبعث الرهبة في النفوس؟!
ولما كان ذلك يوم الجزاء، وقف الملائكة جند الرحمن صفا، خاضعين لأمر الله، ينفذون ما يأمر به في ذلك اليوم، وإن في وقف الملائكة صفا ما يزيد في رهبة هذا اليوم وجلاله، يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (النبأ 38).
وقد تحدث القرآن عن المفاجأة التى يذهل لها من كان ينكر يوم البعث، ويصور القرآن مشهد الحديث يدور بين من آمن بالبعث ومن كفر به، ويصور ذهول هؤلاء وقد فوجئوا بيوم القيامة، فيقول: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (الروم 55 - 57).
يبدأ الحساب، فيناقش هؤلاء الذين لم يرعوا حق يومهم هذا، وأنكروه، ولم يصغوا إلى إنذار الرسل، بل غرتهم الحياة الدنيا، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (الأنعام 128 - 130). ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (سبأ 40، 41). وقال الذين كفروا: وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (الصافات 20 - 33). أرأيت استسلامهم في ذلك، والتعجب من أن بعضهم لا ينصر بعضا، كما كان شأنهم في الدنيا، بل إن بعضهم يسأل بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض، ويؤكد القرآن مرة أخرى معنى انصراف كل إنسان إلى نفسه، وعنايته بأمره فحسب، إذ يقول: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس 34 - 37). يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَــتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (النحل 111). وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً (البقرة 48).
فى هذا اليوم الذى حشر فيه الناس جميعا، وشغل كل فرد فيه بنفسه عمن عداه، تتراءى للمرء أعماله، ويعود إلى ذاكرته ما قدم من خير، أو سوء، ويقرأ هذه الأعمال مسجلة عليه، فهو يقرأ في كتاب منشور، والقرآن يعرض عرضا مؤثرا من يرى نفسه قد قدم خيرا، ومن يرى الشر غالبا عليه، فيقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ قُطُوفُها دانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (الحاقة 19 - 31). ويعجب الكفار من دقة الإحصاء والتقييد، وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (الكهف 49).
وتوزن الأعمال وتنال تقديرها، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ (القارعة 6 - 11).
وينزل إلى أغوار النفوس عند ما ترى أعمالها، فما تراه من خير تسفر به وجوهها، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (آل عمران 30). وتشتد الحسرة بمن كفر حسرة تملك قلبه، وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (النبأ 40). يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء 42).
ويصور تصويرا ناطقا ما يشعر به من خسر عمله من تفاهة الحياة الدنيا، فيتمنى أن له كان قد قدم من العمل الصالح ما يستفيد به في هذه الحياة الباقية التى يشعر بها الحياة الحقة الدائمة، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (الفجر 23، 24).
لا عجب إذا أن تفصح الوجوه عما تحس به النفوس، وأن نرى وجوها تتلألأ ابتهاجا ونورا، ووجوها قد خبا ضوؤها، وأظلمت، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (آل عمران 106، 107). ويصف القرآن هذه الوجوه في موضع آخر، فيقول: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (عبس 38 - 42).
وتتعدد المناظر في هذا اليوم الحافل، فهذا قد حوسب حسابا يسيرا، وانقلب إلى أهله مسرورا، وذاك قد أوتى كتابه وراء ظهره، فعاد خاسرا يدعو ثبورا، وهذه طائفة قد
اشترت بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا، فأعرض الله عنهم، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران 77).
وتلك طائفة قد بخلت بما آتاهم الله من فضله، فيصهر ما بخلوا به، ويطوّقونه، وهذا أعمى قد أعرض عن ذكر الله في الدنيا، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (طه 124 - 126). وهؤلاء أناس قد اسودّت وجوههم لكذبهم على الله، وهؤلاء مجرمون قد قرنوا في القيود والأصفاد، قد لبسوا سرابيل من قطران، وتغشى وجوههم النار، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (غافر 71، 72).
وهؤلاء ضالّون فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا (الإسراء 97). وهؤلاء كفار قد ملأهم الذهول فشخصت أبصارهم في رعب وخوف. ومن أكثر الصور تأثيرا في ذلك اليوم صورة هؤلاء المجرمين، وقد نكسوا رءوسهم عند ربهم قائلين: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (السجدة 12). ولكن أنى يستجاب لهم، أو يسمع دعاؤهم. أوليس من الخير أن يبادروا إلى الإيمان في الدنيا، حيث ينفع الإيمان قبل أن يقفوا هذا الموقف اليائس، وقبل أن يجابوا بأن يقال لهم: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (السجدة 14).
وإن الأسف ليشتد بهؤلاء حين يرون العذاب، فيتمنون أن تكون لهم كرة ليكونوا من المحسنين، وذلك إنذار بما يترقبهم من يأس قاتل، من الخير ألا يضعوا أنفسهم في مكانه. ومن أشد هذه الصور تأثيرا كذلك هذا التقاطع الذى يتم بين المشركين بعضهم وبعض، وبينهم وبين ما كانوا يشركون من دون الله، ف الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف 67). ثم قيل لهم: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (غافر 73، 74). وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (العنكبوت 25). وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (الروم 12، 13). وإذا كانت تلك الخاتمة نهاية صلة المشركين بعضهم ببعض وبما كانوا به يشركون، فمن الطبيعى أن يتدبروا مصيرهم في هذه الحياة، قبل ألا يكون ثمة مجال للرجوع عن الخطأ ولا للاعتراف بالحق، وقبل أن يقال لهم وهم في ذهول ورهبة: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (الأنبياء 98، 99). تلك هى الصورة التى رسمها القرآن لليوم الآخر، وهى صورة تبعث في النفس الرهبة، من شهود هذا اليوم بلا إعداد له إعدادا يكون سياجا بين المرء وما يحذره من هذه الأهوال، ودرعا يقيه الشدائد والخطوب، وتدعو المرء إلى التفكير السليم في المصير، حتى يهيّئ له ما يصل به إلى السلامة والنجاة.
وقد وازن القرآن كثيرا بين الحياة الدنيا والآخرة، فيرى نعيم الحياة الدنيا في الآخرة قليلا ضئيلا، كمتاع يستمتع به مسافر على عجل، ويقول: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (آل عمران 185). فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (التوبة 38).
ويرى عذاب الآخرة أشد العذاب، وهو أشد وأبقى من عذاب هذه الحياة، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (طه 127). وبعد الحشر والحساب ينقسم الناس جماعات، يساق بعضها إلى جهنم، ويمضى بعضها الآخر إلى الجنة، وها هو ذا القرآن يصور هذه الجماعات، حاشدة تمضى إلى قدرها المقسوم، وتستقبل بما يليق بها وما تستحقه، فيقول: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الزمر 71 - 75). وهكذا ينقسم الناس: فريق في الجنة، وفريق في السعير. 

اليمامة

اليمامة:
منقول عن اسم طائر يقال له اليمام واحدته يمامة، واختلف فيه فقال الكسائيّ: اليمام من الحمام التي تكون في البيوت والحمام البري، وقال الأصمعي:
اليمام ضرب من الحمام بريّ، وأما الحمام فكل ما كان ذا طوق مثل القمري والفاختة، ويجوز أن يكون من أمّ يؤمّ إذا قصد ثم غيّر لأن الحمام يقصد مساكنه في جميع حالاته، والله أعلم، وقال المرّار الفقعسي:
إذا خفّ ماء المزن فيها تيمّمت ... يمامتها أيّ العداد تروم
وقال بعضهم: يمامة كلّ شيء قطنه، يقال: الحق بيمامتك، وهذا مبلغ اجتهادنا في اشتقاقه ثم وجدت ابن الأنباري قال: هو مأخوذ من اليمم واليمم طائر، قال: ويجوز أن يكون فعالة من يمّمت الشيء إذا
تعمدته، ويجوز أن يكون من الأمام من قولك:
زيد أمامك أي قدامك فأبدلت الهمزة ياء وأدخلت الهاء لأن العرب تقول: أمامة وأمام، قال أبو القاسم الزجاجي: هذا الوجه الأخير غير مستقيم أن يكون يمامة من أمام وأبدلت الهمزة ياء لأنه ليس بمعروف إبدال الهمزة إذا كانت أولا ياء، وأما الذي حكي أن اليمم طائر فإنما هو اليمام، حكى الأصمعي أن العرب تسمي هذه الدواجن التي في البيوت التي يسميها الناس حماما اليمام واحدتها يمامة، قال: والحمام عند العرب ذات أطواق كالقماريّ والقطا والفواخت، واليمامة في الإقليم الثاني، طولها من جهة المغرب إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها من جهة الجنوب إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، وفي كتاب العزيزي: إنها في الإقليم الثالث، وعرضها خمس وثلاثون درجة، وكان فتحها وقتل مسيلمة الكذاب في أيام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، سنة 12 للهجرة وفتحها أمير المسلمين خالد ابن الوليد عنوة ثم صولحوا، وبين اليمامة والبحرين عشرة أيام، وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر، وتسمى اليمامة جوّا والعروض، بفتح العين، وكان اسمها قديما جوّا فسميت اليمامة باليمامة بنت سهم بن طسم، قال أهل السير: كانت منازل طسم وجديس اليمامة وكانت تدعى جوّا وما حولها إلى البحرين ومنازل عاد الأولى الأحقاف، وهو الرمل ما بين عمان إلى الشحر إلى حضرموت إلى عدن أبين، وكانت منازل عبيل يثرب ومساكن أميم برمل عالج، وهي أرض وبار، ومساكن جرهم بتهائم اليمن ثم لحقوا بمكة ونزلوا على إسماعيل، عليه السّلام، فنشأ معهم وتزوج منهم كما ذكرنا في مكة، وكانت منازل العماليق موضع صنعاء اليوم ثم خرجوا فنزلوا حول مكة ولحقت طائفة منهم بالشام وبمصر وتفرقت طائفة منهم في جزيرة العرب إلى العراق والبحرين إلى عمان، وقيل: إن فراعنة مصر كانوا من العماليق كان منهم فرعون إبراهيم، عليه السّلام، واسمه سنان ابن علوان، وفرعون يوسف، عليه السّلام، واسمه الريّان بن الوليد، وفرعون موسى، عليه السّلام، واسمه الوليد بن مصعب، وكان ملك الحجاز رجلا من العماليق يقال له الأرقم، وكان الضحاك المعروف عند العجم ببيوراسف من العماليق غلب على ملك العجم بالعراق وهو فيما بين موسى وداود، عليه السّلام، وكان منزله بقرية يقال لها ترس، ويقال إنه من الأزد، ويقال إن طسما وجديسا هما من ولد الأزد ابن إرم بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السّلام، أقاموا باليمامة وهي كانت تسمى جوّا والقرية وكثروا بها وربلوا حتى ملك عليهم ملك من طسم يقال له عمليق ابن هباش بن هيلس بن ملادس بن هركوس بن طسم وكان جبارا ظلوما غشوما، وكانت اليمامة أحسن بلاد الله أرضا وأكثرها خيرا وشجرا ونخلا، قالوا:
وتنازع رجل يقال له قابس وامرأته هزيلة جديسيّان في مولود لهما أراد أبوه أخذه فأبت أمه فارتفعا إلى الملك عمليق فقالت المرأة: أيها الملك هذا ابني حملته تسعا، ووضعته رفعا، وأرضعته شبعا، ولم أنل منه نفعا، حتى إذا تمت أوصاله، واســتوفى فصاله، أراد بعلي أن يأخذه كرها، ويتركني ولهى، فقال الرجل: أيها الملك أعطيتها المهر كاملا، ولم أصب منها طائلا، إلا ولدا خاملا، فافعل ما كنت فاعلا، على أنني حملته قبل أن تحمله، وكفلت أمه قبل أن تكفله، فقالت: أيها الملك حمله خفّا وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها! فلما رأى عمليق متانة حجتهما تحير فلم يدر بم يحكم فأمر بالغلام أن
يقبض منهما وأن يجعل في غلمانه وقال للمرأة:
أبغيه ولدا، وأجزيه صفدا، ولا تنكحي بعد أحدا، فقالت: أما النكاح فبالمهر، وأما السفاح فبالقهر، وما لي فيهما من أمر، فأمر عمليق بالزوج والمرأة أن يباعا ويردّ على زوجها خمس ثمنها ويرد على المرأة عشر ثمن زوجها، فاسترقّا، فقالت هزيلة:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا، ... فأظهر حكما في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورّعا، ... ولا كنت فيما يلزم الحكم حاكما
ندمت ولم أندم، وأنّى بعترتي، ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فبلغت أبياتها إلى عمليق فأمر أن لا تزوج بكر من جديس حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يفترعها قبل زوجها، فلقوا من ذلك ذلّا حتى تزوجت امرأة من جديس يقال لها عفيرة بنت غفار أخت سيد جديس أي الأسود بن غفار وكان جلدا فاتكا، فلما كانت ليلة الإهداء خرجت والبنات حولها لتحمل إلى عمليق وهنّ يضربن بمعازفهنّ ويقلن:
ابدي بعمليق وقومي فاركبي، ... وبادري الصبح بأمر معجب
فسوف تلقين الذي لم تطلبي، ... وما لبكر دونه من مهرب
ثم أدخلت على عمليق فافترعها، وقيل: انها امتنعت عليه وكانت أيّدة فخاف العار فوجأها بحديدة في قبلها فأدماها فخرجت وقد تقاصرت عليها نفسها فشقت ثوبها من خلفها ودماؤها تسيل على قدميها فمرّت بأخيها وهو في جمع من قومه وهي تبكي وتقول:
لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس؟
يرضى بهذا الفعل قطّ الحرّ ... هذا وقد أعطى وسيق المهر
لأخذه الموت كذا لنفسه ... خير من أن يفعل ذا بعرسه
فأغضب ذلك أخاها فأخذ بيدها ورفعها إلى نادي قومها وهي تقول:
أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد الرمل؟
أيجمل تمشي في الدماء فتاتكم ... صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل؟
فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تغبّ من الكحل
ودونكم ثوب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل
فلو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنّا لا نقرّ على الذلّ
فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم، ... وكونوا كنار شبّ بالحطب الجزل
وإلّا فخلّوا بطنها وتحمّلوا ... إلى بلد قفر وهزل من الهزل
فللموت خير من مقام على أذى، ... وللهزل خير من مقام على ثكل
فدبّوا إليهم بالصوارم والقنا ... وكلّ حسام محدث العهد بالصقل
ولا تجزعوا للحرب قومي فإنما ... يقوم رجال للرجال على رجل
فيهلك فيها كل وغل مواكل، ... ويسلم فيها ذو الجلادة والفضل
فلما سمعت جديس منها ذلك امتلأوا غضبا ونكّسوا حياء وخجلا فقال أخوها الأسود: يا قوم أطيعوني فإنه عز الدهر فليس القوم بأعز منكم ولا أجلد ولولا تواكلنا لما أطعناهم وإن فينا لمنعة، فقال له قومه:
أشر بما ترى فنحن لك تابعون ولما تدعونا إليه مسارعون إلا أنك تعلم أن القوم أكثر منا عددا ونخاف أن لا نقوم لهم عند المنابذة، فقال لهم: قد رأيت أن أصنع للملك طعاما ثم أدعوه وقومه فإذا جاءونا قمت أنا إلى الملك وقتلته وقام كل واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم يفرغ منه فإذا فرغنا من الأعيان لم يبق للباقين قوة، فنهتهم أخت الأسود بن غفار عن الغدر وقالت: نافروهم فلعل الله أن ينصركم عليهم لظلمهم بكم، فعصوها، فقالت:
لا تغدرنّ فإن الغدر منقصة، ... وكل عيب يرى عيبا وإن صغرا
إني أخاف عليكم مثل تلك غدا، ... وفي الأمور تدابير لمن نظرا
حشّوا شعيرا لهم فينا مناهدة، ... فكلكم باسل أرجو له الظفرا
شتّان باغ علينا غير موتئد ... يغشى الظّلامة لن تبقي ولن تذرا
فأجابها أخوها الأسود وقال:
إنّا لعمرك لا نبدي مناهدة ... نخاف منها صروف الدهر إن ظفرا
اني زعيم لطسم حين تحضرنا ... عند الطعام بضرب يهتك القصرا
وصنع الأسود الطعام وأكثر وأمر قومه أن يدفن كل واحد منهم سيفه تحته في الرمل مشهورا، وجاء الملك في قومه فلما جلسوا للأكل وثب الأسود على الملك فقتله ووثب قومه على رجال طسم حتى أبادوا أشرافهم ثم قتلوا باقيهم، وقال الأسود بن غفار عند ذلك:
ذوقي ببغيك يا طسم مجلّلة، ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب
إنا أنفنا فلم ننفكّ نقتلهم، ... والبغي هيّج منا سورة الغضب
فلن تعودوا لبغي بعدها أبدا، ... لكن تكونوا بلا أنف ولا ذنب
فلو رعيتم لنا قربى مؤكّدة ... كنّا الأقارب في الأرحام والنسب
وقال جديلة بن المشمخرّ الجديسي وكان من سادات جديس:
لقد نهيت أخا طسم وقلت له: ... لا يذهبنّ بك الأهواء والمرح
واخش العواقب، إنّ الظلم مهلكة، ... وكلّ فرحة ظلم عندها ترح
فما أطاع لنا أمرا فنعذره، ... وذو النصيحة عند الأمر ينتصح
فلم يزل ذاك ينمي من فعالهم ... حتى استعادوا لأمر الغي فافتضحوا
فباد آخرهم من عند أولهم، ... ولم يكن لهم رشد ولا فلح
فنحن بعدهم في الحقّ نفعله ... نسقي الغبوق إذا شئنا ونصطبح
فليت طسما على ما كان إذ فسدوا ... كانوا بعافية من بعد ذا صلحوا
إذا لكنّا لهم عزّا وممنعة ... فينا مقاول تسمو للعلى رجح
وهرب رجل من طسم يقال له رياح بن مرة حتى لحق بتبّع قيل أسعد تبان بن كليكرب بن تبع الأكبر ابن الأقرن بن شمر يرعش بن أفريقس، وقيل: بل لحق بحسان بن تبع الحميري وكان بنجران، وقيل:
بالحرم من مكة، فاستغاث به وقال: نحن عبيدك ورعيتك وقد اعتدى علينا جديس، ثم رفع عقيرته ينشده:
أجبني إلى قوم دعوك لغدرهم ... إلى قتلهم فيها عليهم لك العذر
دعونا وكنّا آمنين لغدرهم، ... فأهلكنا غدر يشاب به مكر
وقالوا: اشهدونا مؤنسين لتنعموا ... ونقضي حقوقا من جوار له حجر
فلما انتهينا للمجالس كلّلوا ... كما كللت أسد مجوّعة خزر
فإنك لم تسمع بيوم ولن ترى ... كيوم أباد الحيّ طسما به المكر
أتيناهم في أزرنا ونعالنا، ... علينا الملاء الخضر والحلل الحمر
فصرنا لحوما بالعراء وطعمة ... تنازعنا ذئب الرّثيمة والنّمر
فدونك قوم ليس لله منهم ... ولا لهم منه حجاب ولا ستر
فأجابه إلى سواله ووعده بنصره ثم رأى منه تباطؤا فقال:
إني طلبت لأوتاري ومظلمتي ... يا آل حسّان يال العزّ والكرم
المنعمين إذا ما نعمة ذكرت، ... الواصلين بلا قربى ولا رحم
وعند حسّان نصر إن ظفرت به ... منه يمين ورأي غير مقتسم
إني أتيتك كيما أن تكون لنا ... حصنا حصينا ووردا غير مزدحم
فارحم أيامى وأيتاما بمهلكة، ... يا خير ماش على ساق وذي قدم
إني رأيت جديسا ليس يمنعها ... من المحارم ما يخشى من النّقم
فسر بخيلك تظفر إن قتلتهم ... تشفي الصدور من الأضرار والسقم
لا تزهدنّ فإنّ القوم عندهم ... مثل النعاج تراعي زاهر السّلم
ومقربات خناذيذ مسوّمة ... تعشي العيون وأصناف من النعم
قال: فسار تبع في جيوشه حتى قرب من جوّ، فلما
كان على مقدار ليلة منها عند جبل هناك قال رياح الطسمي: توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوّجة في جديس يقال لها يمامة وهي أبصر خلق الله على بعد فإنها ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة وإني أخاف أن ترانا وتنذر بنا القوم، فأقام تبع في ذلك الجبل وأمر رجلا أن يصعد الجبل فينظر ماذا يرى، فلما صعد الجبل دخل في رجله شوكة فأكبّ على رجله يستخرجها فأبصرته اليمامة وكانت زرقاء العين فقالت:
يا قوم إني أرى على الجبل الفلاني رجلا وما أظنه إلّا عينا فاحذروه! فقالوا لها: ما يصنع؟ فقالت: إما يخصف نعلا أو ينهش كتفا، فكذّبوها، ثمّ إنّ رياحا قال للملك: مر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ويستتروا بها ليشبهوا على اليمامة وليسيروا كذلك ليلا، فقال تبع: أوفي الليل تبصر مثل النهار؟ قال: نعم أيها الملك بصرها بالليل أنفذ، فأمر تبع أصحابه بذلك فقطعوا الشجر وأخذ كل رجل بيده غصنا حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا نظرت اليمامة فقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشّجراء أو جاءتكم أوائل خيل حمير، فكذبوها فصبحتهم حمير فهرب الأسود بن غفار في نفر من قومه ومعه أخته فلحق بجبلي طيّء فنزل هناك، فيقال إن له هناك بقية، وفي شرح هذه القصة يقول الأعشى:
إذا أبصرت نظرة ليست بفاحشة ... إذا رفّع الآل رأس الكلب فارتفعا
قالت: أرى رجلا في كفه كتف، ... أو يخصف النعل، لهفا أيّة صنعا!
فكذّبوها بما قالت فصبّحهم ... ذو آل حسّان يزجي السّمر والسّلعا
فاستنزلوا آل جوّ من منازلهم، ... وهدّموا شاخص البنيان فاتضعا
ولما نزل بجديس ما نزل قالت لهم زرقاء اليمامة:
كيف رأيتم قولي؟ وأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم، ... فليس ما قد أرى م الأمر يحتقر
إني أرى شجرا من خلفها بشر، ... لأمر اجتمع الأقوام والشجر
وهي من أبيات ركيكة، وفتح تبّع حصون اليمامة وامتنع عليه الحصن الذي كانت فيه زرقاء اليمامة فصابره تبّع حتى افتتحه وقبض على زرقاء اليمامة وعلى صاحب الحصن وكان اسمه لا يكلم ثم قال لليمامة: ماذا رأيت وكيف أنذرت قومك بنا؟ فقالت: رأيت رجلا عليه مسح أسود وهو ينكبّ على شيء فأخبرتهم أنه ينهش كتفا أو يخصف نعلا، فقال تبّع للرجل: ماذا صنعت حين صعدت الجبل؟ فقال: انقطع شراك نعلي ودخلت شوكة في رجلي فعالجت إصلاحها بفمي وعالجت نعلي بيدي، قال: فأمر تبّع بقلع عينيها وقال: أحب أن أرى الذي أرى لها هذا النظر، فلما قلع عينيها وجد عروقهما كلها محشوة بالإثمد، قالوا:
وكان قال لها أنّى لك حدّة البصر هذه؟ قالت: إني كنت آخذ حجرا أسود فأدقّه وأكتحل به فكان يقوّي بصري، فيقال إنها أول من اكتحل بالإثمد من العرب، قالوا: ولما قلع عينيها أمر بصلبها على باب جوّ وأن تسمى باسمها فسميت باسمها إلى الآن، وقال تبع يذكر ذلك:
وسمّيت جوّا باليمامة بعد ما ... تركت عيونا باليمامة همّلا
نزعت بها عيني فتاة بصيرة ... رغاما ولم أحفل بذلك محفلا
تركت جديسا كالحصيد مطرّحا، ... وسقت نساء القوم سوقا معجّلا
أدنت جديسا دين طسم بفعلها، ... ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا
وقلت: خذيها يا جديس بأختها، ... وأنت لعمري كنت للظلم أولا!
فلا تدع جوّ ما بقيت باسمها، ... ولكنها تدعى اليمامة مقبلا
قالوا: وخربت اليمامة من يومئذ لأن تبّعا قتل أهلها وسار عنها ولم يخلّف بها أحدا فلم تزل على ذلك حتى كان من حديث عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدّؤل بن حنيفة ما ذكرته في حجر، وممن ينسب إلى اليمامة جبير بن الحسن من أهل اليمامة قدم الشام ورأى عمر بن عبد العزيز وسمع رجاء بن حيوة ويعلى بن شدّاد بن أوس وعطاء ونافعا وعون بن عبد الله بن عتبة والحسن البصري، وروى عنه الأوزاعي وأبو إسحاق الفزاري ويحيى بن حمزة وعبد الصمد بن عبد الأعلى السلامي وعكرمة بن عمّار وخالد بن عبد الرحمن الخراساني وعلي بن الجعد، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين عن جبير فقال: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: لا أرى بحديثه بأسا، قال النسائي: هو ضعيف.

بارق، في قطع يد السارق

بارق، في قطع يد السارق
للشيخ، جلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.
المــتوفى: سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
كتبها: لما سرق بعض المعاصرين له كتابا، ونسبه لنفسه، ولم يكن عنده غيره، فألفه: لتبين ذلك.

أسلوب القرآن

أسلوب القرآن
أول ما يتّسم به أسلوب القرآن هو الفخامة والقوة والجلال، يكتسبها من انتقاء ألفاظ، لا امتهان فيها ولا ابتذال، ومن استخدام ألوان التوكيد والتكرير. تشعر بهذه الفخامة في كل ما تناوله القرآن من الأغراض، واستمع إليه يصف جنة الخلد قائلا: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (الإنسان 10 - 22). وهكذا يكتسب الأسلوب القرآنى قوّته من اختيار ألفاظه وموسيقاه.
وثانى ما يتصف به التصوير، وقد أوضحنا بعض ذلك فيما مضى، عند ما تحدثنا عن تخيّر اللفظ في الجملة، وعن التصوير بالتشبيه والاستعارة، ونضيف إلى ذلك أنه كثيرا ما ينقل الحوار، ويحكى نص القول بعثا للحياة في الأسلوب، واستمع إلى ألوان الحوار في قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (الأعراف 37 - 39). والحوار كما ترى ينقل
الحقيقة أمامك مصورة.
وثالث ما يختص به هذا الانسجام الموسيقيّ، الذى فيه تؤلف العبارة من كلمات متّسقة، ذات حركات وسكنات، يشعر المرء عند تلاوتها بما يكمن وراء هذا النظام من موسيقى واتساق، وإن هذه الموسيقى التى تكمن وراء هذا النظم هى التى مكنت المرتلين من تلاوته بهذه الأنغام الموسيقية، وإن شدّة هذا الانسجام يصل في بعض الأحيان إلى أن تتفق الآية مع وزن بحر من بحور الشعر، كما نرى ذلك في قوله تعالى: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ (سبأ 13). فهى تتفق مع بحر الرمل، وقوله تعالى: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ (فاطر 18). مما يتّزن على بحر الخفيف، وقوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (المؤمنون 36)، مما هو شطر بيت من بحر السريع، وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق 2، 3). مما يوزن على بحر المتقارب، وقوله سبحانه: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (الإنسان 14). وبإشباع حركة الميم يوزن على بحر الرّجز، وقوله تعالى: وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة 14) وزنوه على بحر الوافر، وقوله تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (العاديات 1، 2). وما على شاكلته، مما يوزن على بحر البسيط. وليس ذلك بمدخل القرآن في الشعر؛ لأنه «إنما يطلق متى قصد القاصد إليه، على الطريق الذى يعمد ويسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلّا من الشعراء، دون ما يستوى فيه العامىّ والجاهل، والعالم بالشعر واللسان وتصرّفه، وما يتفق من كل واحد، فليس يكتسب اسم الشعر، ولا صاحبه اسم شاعر، لأنه لو صح أن يسمى شاعرا كل من اعترض في كلامه ألفاظ تتزن بوزن الشعر، أو أن تنتظم انتظام بعض الأعاريض، كان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك من أن يعرض في جملة كلام كثير يقوله ما قد يتزن بوزن الشعر، وينتظم انتظامه، ألا ترى أن العامى قد يقول لصاحبه: «أغلق الباب، وائتنى بالطعام» ... ومتى تتبع الإنسان هذا عرف أنه يكثر في تضاعيف الكلام مثله وأكثر منه» .
ويتسم الأسلوب القرآنى بالهدوء عند ما يتطلب الأمر هدوءا وتأملا وفضل تدبر، كما في الآيات التى تدعو إلى إعمال الفكر، وفي القصص والأخبار والأحكام، كما في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (الرعد 2 - 6).
وقوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام 74 - 82).
وحينا يتدفق الأسلوب ويندفع، فى جمل قصيرة، مثيرا بذلك الانفعال السريع العنيف، وذلك حيث يتطلب هجوم الحق على الباطل هذا العنف المثير، كما تجد ذلك في قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنبياء 21 - 24). وقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (المدثر 11 - 28). أو عند ما يتطلب الأمر إسراعا كما في قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (المدثر 1 - 7).
وأسلوب القرآن منه المسجوع ومنه المرسل، وهو في كليهما يخالف غالبا ما ألف الناس في السجع والإرسال، فالقرآن يلتزم حرف السجع في أكثر من آيتين، بل قد تكون السورة كلها على حرف واحد، كسورة القمر، التى التزم فيها حرف الرّاء، ومن أمثلة ما تعدى فيه السجع جملتين، قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (عبس 1 - 10).
وقد يأتى بين الجمل المسجوعة بجملة لا تتفق فاصلتها مع ما سبقها ولحقها، وكأنما تلك الكلمة تتطلّب عناية خاصة، تستدعى قدرا كبيرا من الرعاية، تثيره هذه المخالفة لنسق الآيات كقوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس 19 - 37). فأنت ترى كلمتى: طعامه والصاخة، بخروجهما على النسق، قد أثارا انتباه السامع، ودفعاه إلى التريث وإنعام النظر. كما أنك ترى في الآيات السالفة أن الكلمة قد تحافظ على وزن زميلتها في السجع لا في الحرف الأخير، كما نجد ذلك في قضبا ونخلا، وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك في فصل الفاصلة.
وقد تكون الجملتان المسجوعتان متوازنتين في القصر، كما في قوله تعالى:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (التكوير 1 - 5)، وحينا تتوازنان في الطول، ولا يكون باقيا من مظاهر السجع سوى هذه الفاصلة التى تتفق في آخر الآيات، أما الآيات نفسها فمرسلة، وإن كانت لا تتفق مع مرسل كلام الناس، لوجود الفاصلة المتحدة أو المتماثلة في آخرها، كما ترى ذلك في قوله سبحانه: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمِينَ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُــتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (غافر 64 - 67)، وفي هذه الآيات فضلا عن ذلك، مظهر من مخالفة السجع القرآنى لسجعنا العادى، فبينا يجلب تكرير الكلمة، لغير تورية أو جناس، ضعفا في التأليف، إذا به في نظم الآى يزيدها جمالا ورونقا، وكأنما هذه الكلمة لازمة النشيد، تكرر فتزيده حسنا وحلاوة.
وقد تتوازن الآى القرآنية من غير سجع، كما في قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (الواقعة 1 - 9).
وفي القرآن إرسال، كما في قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة 22). وهو يخالف إرسالنا العادى بهذه الفواصل في آخره كما ذكرنا.
*** 

وَقع

(وَقع) الرجل مَشى مشْيَة التلقيف وَهُوَ رَفعه يَده إِلَى فَوق وَالْقَوْم عرسوا وَالْإِبِل اطمأنت بِالْأَرْضِ بعد الرّيّ وَفِي الْكتاب أجمل بَين تضاعيف سطوره مَقَاصِد الْحَاجة وَحذف الفضول والصيقل على السَّيْف أقبل عَلَيْهِ بميقعته يحدده وَالْعقد أَو الصَّك كتب فِي أَسْفَله اسْمه إِمْضَاء لَهُ أَو إِقْرَارا بِهِ (مو) وَالشَّيْء تظناه وتوهمه وظنه على الشَّيْء قدره وأنزله وَالْحِجَارَة الْحَافِر قطعت سنابكه تقطيعا والدبر ظهر الْبَعِير أثر فِيهِ
(وَقع) (يَقع) وَقعا ووقوعا سقط وَالدَّوَاب ربضت وَالْإِبِل بَركت
وَيُقَال وَقع الطير على أَرض أَو شجر والمطر بِالْأَرْضِ حصل وَالْحق ثَبت وَالْقَوْل عَلَيْهِ وَجب وَالْكَلَام فِي نَفسه أثر فِيهَا وَفُلَان فِي فلَان وقيعة ووقوعا سبه واغتابه وعابه وَفِي الْعَمَل وقوعا أَخذه وَأصَاب الرِّفْق فِيهِ وَفِي الشّرك حصل فِيهِ وَفِي أَرض فلاة صَار فِيهَا وَإِلَى كَذَا وَقعا أسْرع بانطلاقه وبالعدو وَقعا ووقعة بَالغ فِي قِتَالهمْ وَالْأَمر من فلَان موقعا حسنا أَو سَيِّئًا ثَبت لَدَيْهِ وَعِنْده موقعا حسنا نَالَ مِنْهُ حظا ومنزله وَفُلَان الْبَعِير وَقعا كواه على أم رَأسه والنصل بالميقعة حدده بهَا يُقَال وَقع السكين وَالسيف وَالْحِجَارَة الْحَافِر أَصَابَته ورققته فَهُوَ وقيع وَيُقَال هَذِه نعل لَا تقع على رجْلي أَي لَا تناسب رجْلي

(وَقع) (يُوقع) وَقعا حفي واشتكى لحم قدمه من غلظ الأَرْض وَالْحِجَارَة أَو الشوك فَهُوَ وَقع

(وَقع) فِي يَده سقط فِي يَده وَنَدم
وَقع
} وَقَعَ على الشَّيءِ، وكذلكَ وقَع الشَّيءُ منْ يَدِه {يَقَعُ بفَتْحِهِما} وَقْعاً، {وُقُوعاً أَي: سَقَطَ ويُقَالُ أيْضاً:} وَقَعْتُ من كَذَا، وَعَن كَذَا.
ونَقَلَ شَيْخُنَا أنَّ الوُقُوعَ بمَعْنَى السُّقُوطِ والغُرُوبِ يُسْتَعْمَلُ بمِنْ، وبمَعْنَى النُّزُولِ بعَنْ، أوْ على.
قلتُ: وفيهِ قُصورٌ لَا يَخْفَى فتأمَّلْ.
وقولُه تَعَالَى: إنَّ عَذابَ رَبِّكَ {لواقِعٌ، أَي: واجِبٌ على الكُفّارِ، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أخْرَجْنَا لَهُمْ دابَّةً منَ الأرْضِ، أَي: وَجَبَ، ونَقَله الزَّجَاجُ، وكذلكَ وَقَعَ الحُكْمُ عَلَيْهِمْ وقيلَ: ثَبَتَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِم وكذلكَ قَوْلُه تَعَالَى:} فَوَقَعَ الحَقُّ أَي: ثَبَتَ وقالَ اللَّيْثُ: {وقَعَتِ الإبِلُ} وُقُوعاً: بَرَكَتْ.
(و) {وقَعَتِ الدُّوابُّ} وُقُوعاً: رَبضَتْ، وأنْشَدَ:
( {وقَعْنَ وُقُوعَ الطَّيْرِ فِيهَا وَمَا بهَا ... سِوَى جِرَّةٍ يُرْجِعْنَها بتعَلُّلِ)
وقالَ آخَرُ:
(} وَقَعْنَ اثْنَتَيْنِ واثْنَتَيْنِ وفَرْدَةً ... يُبَادِرْنَ تَغْلِيساً سِمَالَ المَداهِنِ)
وتَقُولُ العَرَبُ: {وَقَعَ رَبِيعٌ بالأرْضِ، يَعْنُونَ بهِ أوّلَ مَطَرٍ يَقَعُ فِي الخَرِيفِ، أَي: حَصَلَ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ: سَقَطَ، هَذَا قَوْلُ أهْلِ اللُّغَةِ. قلتُ: وَقد حكاهُ سِيَبَوَيْهِ فقالَ: سَقَطَ المَطَرُ مَكَان كَذَا فمَكَان كَذَا، ومنْهُ} مَواقِعُ الغَيْثِ: مَسَاقِطُه.
(و) {ووَقَعَتِ الطَّيْرُ} تَقَعُ! وُقُوعاً: نَزَلَتْ عنْ طَيَرانِهَا، إِذا كانَتْ على شَجَرٍ أوْ أرْضٍ مُوكِنَةً، فهُنَّ {وُقُوعٌ، بالضَّمِّ} ووُقَّعٌ، كسُكَّرٍ، وقدْ {وَقَعَ الطّائِرُ} وُقُوعاً، فَهُوَ {واقِعٌ قالَ الأخْطَلُ: كأنَّمَا كانُوا غُرابَاً} واقِعا فطارَ لَمّا أبْصَرَ الصَّواقِعا وقالَ المَرّار بنُ سَعيدٍ الفَقْعَسِيُّ:
(أَنا ابْنُ التّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْراً ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تأْكُلُهُ {وُقُوعا)
ورِوايَةُ سِيَبَوَيْهِ: بِشْرٍ وقالَ عَمْرو بنُ مَعْدِ يكرِبَ رَضِي الله عَنهُ:
(تَرَى جِيفَ المَطَيِّ بحافَتَيْهِ ... كأنَّ عِظَامَهَا رَخَمٌ} وُقُوعُ)
وقالَ مُوسَى بنُ جابِرٍ الحَنَفِيُّ:)
(فَمَا نَفَرَتْ جِنِّي وَلَا فُلَّ مِبْرَدِي ... وَلَا أصْبَحَتْ طَيْرِي منَ الخَوْفِ {وُقَّعَا)
وإنَّهُ لحَسَنُ} الوِقْعَةُ، بالكَسْرِ، وأمّا بالفَتْحِ فهُو الاسمُ.
{والوَقْعُ:} وَقْعَةُ الضَّرْبِ بالشَّيءِ، يُقَالُ: سَمِعْتُ {وَقْعَ المَطَرِ، وهُوَ شِدَّةُ ضَرْبِه الأرْضَ إِذا وَبَلَ، وكُلُّ ضَرْبِ يابِسٍ فهُوَ} وَقْعٌ، نَحْو وَقْعِ الحَوافِرَ على الأرْضِ، وَمَا أشْبَهَها، قالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الحَمِيرَ {ووَقْعَ حَوافِرِهَا:
(} يَقْعَنَ بالسَّفْحِ ممّا قَدْ رَأيْنَ بهِ ... {وَقْعاً يَكَادُ حَصَى المَعْزاءِ يَلْتَهِبُ)
وكذلكَ وُقُوعُ الحَافِرِ.
(و) } الوقع: الْمَكَان الْمُرْتَفع من الْجَبَل نَقله الجوهريعن أبي عَمْرو وَنَصّ التَّهْذِيب: الْمَكَان الْمُرْتَفع وَهُوَ دون الجيل.
والوَقْعُ: السَّحَابُ الطِّخافُ وَهُوَ المُطْمِعُ أنْ يُمْطِرَ، وَقد ذُكِر أيْضاً بالفاءِ، عَن أبي عَمْروٍ، أَو هُو الرَّقِيقُ! كالوَقِعِ، ككَتِفٍ، وعَلى الأخِيرِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ. وقالَ أَبُو عَدْنَانَ: {الوَقْعُ: سُرْعَةُ الانْطِلاقِ والذَّهابِ.
وَفِي الصِّحاحِ:} الوَقَعُ، بالتَّحْرِيكِ: الحِجَارَةُ، الواحِدَةُ بهاءٍ قالَ الذُّبْيَانِيُّ:
(بَرَى {وَقَعُ الصَّوّانِ حَدَّ نُسُورِهَا ... فهُنَّ لِطَافٌ كالصِّعادِ الذَّوابِلِ)
قالَ: والوَقَعُ، أيْضاً: الحَفاءُ، وقَدْ} وَقِعَ الرَّجُلُ، كوَجِلَ، {يَوْقَعُ: اشْتَكَى لَحْمَ قَدَمِهِ منْ غِلَظِ الأرْضِ والحِجَارَةِ فهُوَ وَقِعٌ، ككَتِفٍ، ومنْهُ قَوْلُ أبي المِقْدامِ جَسّاسِ بنِ قُطَيْبٍ: يَا لَيْتَ لي نَعْلَيْنِ منْ جِلْدِ الضَّبُعْ وشُرُكاً من اسْتِها لَا تَنْقَطِعْ كُلَّ الحِذَاءِ يَحْتَذِي الحافِي} الوَقِعْ قالَ الأزْهَرِيُّ: هُوَ كَقَوْلِهِم: الغَرِيقُ يتَعَلَّقُ بالطُّحْلُبِ.
{والوَقْعَةُ بالحَرْبِ، ونَصُّ العَيْنِ: فِي الحَرْبِ: صَدْمَةٌ بَعْدَ صَدْمَةٍ ونَصُّ الصِّحاحِ: الوَقْعَةُ: صَدْمَةُ الحَرْبِ، والاسْمُ: الوَقِيعَةُ،} والواقِعَةُ وهُمَا: الحَرْب والقِتَالُ وقيلَ، المعْرَكَةُ، وجَمْعُ الوَقِيعَةِ: {الوَقَائِعُ، وقدْ وَقَعَ بِهمْ، ومنْهُ قَوْلُهُمْ: شَهِدْتُ} الوَقْعَةَ {والوَقِيعَةَ، وَهُوَ مجازٌ.
} ووقَائِعُ العَرَبِ: أيّامُ حُرُوبِها، وَفِي اللِّسَانِ، أيّامُ حُرُوبِهِمْ، وَفِي العُبابِ: أيّامُها الّتِي كانَتْ فِيهَا) حُرُوبُهم.
وَمن المَجَازِ: نَزَلَتْ بهِ {الوَاقِعَةُ، أَي: النّازِلَةُ الشَّديدَةُ منْ شَدائِدِ الدَّهْرِ.
(و) } الوَاقِعَةُ: اسْمٌ منْ أسْمَاءِ القِيامَة، وقالَ الزّجّاجُ فِي تَفْسيرِ قوْلِه تَعَالَى: إِذا {وَقَعَتِ الواقِعَةُ، يُقَالُ لكُلّ آتٍ} يُتَوَقَّعُ: قَدْ وَقَعَ الأمْرُ، كقَوْلِكَ: قدْ جاءَ الأمْرُ، قَالَ: {والواقِعَةُ هُنَا: السّاعَةُ، والقِيامَةُ.
وَفِي الحَديثِ: يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرُ مالِ المُسْلِمِ غَنَماً يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ،} ومَواقِع القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينهِ منَ الفِتَنِ أَي: مساقِطه، ويُقَالُ: انْتَجَعُوا مَواقِعَ الغَيْثِ.
{ومَوْقَعَةُ الطّائِرِ بفَتْح القافِ، وعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وتُكْسَرُ قافُه أيْضاً نَقَلَه الصّاغَانِيُّ: مَوْضِعُ} وُقُوعِهِ الّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ ويَعْتَادُ إتْيَانَه، والجَمْعُ: {المَواقِعُ، قَالَ الأخْيَلُ: كأنَّ مَتْنَيَّ منَ النَّفِيِّ منْ طُولِ إشْرَافِي على الطَّوِيِّ مَوَاقِعُ الطَّيْرِ على الصُّفِيِّ شَبَّهَ مَا انْتَشَرَ من ماءِ الاسْتِسْقاءِ بالدَّلْوِ على مَتْنَيْهِ} بمَوَاقِعِ الطَّيْرِ على الصَّفا إِذا زَرَقَتْ عليهِ.
{والمَوْقَعَةُ، كمَرْحَلَةٍ: جَبلٌ.
} والمُوَيْقِعُ، تَصْغَيرُ مَوْقِع: ع، بينَ الشَّأْمِ والمَدِينَةِ، المُشَرَّفَةِ، على ساكنها أفضلُ الصَّلَاة وَالسَّلَام قالَِ ابنُ الرِّقاعِ:
(يَا شَوْقُ مَا بِكَ يَوم بانَ حُدُوجُهَا ... منْ ذِي {المُوَيْقِعِ غُدْوَةً فَرَآهَا)
} والمِيقَعَةُ، بكَسْرِ المِيمِ: خَشَبَةُ القَصّارِ الّتِي يُدَّقُّ عليْهَا صارَت الواوُ يَاء، لانْكِسَارِ مَا قَبْلَها.
(و) ! المِيقَعَةُ أيْضاً: المِطْرَقَةُ، ومنهُ حديثُ ابنِ عَبّاسٍ: نَزَلَ معَ آدَمَ عليهِ السلامُ المِيقَعَةُ والسِّنْدَانُ والكَلْبَتَانِ والجَمْعُ المَوَاقِعُ، قالَ الحارِثُ بنُ حِلِّزَةَ يَصِفُ مَنَاسِمَ ناقَتِه بالصَّلابَةِ، ويُشَبِّهُها بالمَطَارِقِ: (أنْمَى إِلَى حَرْفٍ مُذَكَّرَةٍ ...تَهِصُ الحَصَى بمَوَاقِعٍ خُنْسِ)
(و) {المِيقَعَةُ أيْضاً: المَوْضِعُ الّذِي يَأْلَفُه البازِي ويَقَعُ عليهِ، ويَعْتَادُ إتْيانَه.
ويُقَالُ: المِيقَعَةُ: المِسَنُّ الطَّوِيلُ، كَمَا فِي الصِّحاحِ وقيلَ: هُوَ مَا} وُقِعَ بهِ السَّيْفُ والمِسَنُّ بكَسْرِ الميمِ.
وقَدْ {وَقَعْتُه} بالمِيقَعَةِ، فهُوَ {وَقِيعٌ: حَدَدْتُه بهَا، يُقَالُ: سِكِّينٌ وَقِيعٌ، أَي: حَدِيدٌ، وَكَذَلِكَ سَيْفٌ وَقِيعٌ، أَي: وُقِعَ} بالمِيقَعَةِ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ، قالَ الشَّمّاخُ يَصِفُ إبِلاً:
(بُباكِرْنَ العِضَاهَ بمُقْنَعاتٍ ... نَوَاجِذُهُنَّ كالحَدَإِ {الوَقِيعِ)

والحافِرُ الوَقِيعُ} والمَوْقُوعُ: الّذِي أصابَتْهُ الحِجَارَةُ {فوَقَعَتْهُ، قالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ حِماراً: يَرْكَبُ قَيْنَاهُ} وَقِيعاً ناعِلا أَي حافِراً مُحَدّداً، كأنَّه شُحِذَ بالأحْجَارِ، كَمَا {يُوقَعُ السَّيْفُ إِذا شُحِذَ، وقيلَ: الوَقيعُ: الحافِرُ الصُّلْبُ، والنّاعِلُ: الّذِي لَا يَحْفَى، كأنَّ عليْهِ نَعْلاً، وقالَ رُؤْبَةُ أيْضاً: لأمٍ يَدُقُّ الحَجَرَ المُدَمْلَقَا بكُلِّ} مَوْقُوعِ النُّسُورِ أخْلَقَا وقَدَمٌ {مَوْقُوعَةٌ: غَلِيظَةٌ شَدِيدَةٌ.
} والوَقِيعَةُ: لُغَةٌ فِي الوَفِيعَةُ: بالفَاءِ، هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقد تَقَدَّمَ أنَّه بالقافِ لَحْنٌ، وَفِي أكْثَرِ النُّسَخِ: الوَقِيعَةُ: نُقْرَةٌ فِي جَبَلٍ أوْ سَهْلٍ، ونَصُّ الجَوْهَرِيُّ: قالَ أَبُو صاعِدٍ:! الوَقِيعَةُ: نُقْرَةٌ فِي مَتْنِ حَجرٍ فِي سَهْلٍ أَو جَبَلٍ يَسْتَنْقِعُ فيهَا الماءُ، وهِيَ تَصْغُرُ وتَعْظُمُ حَتَّى تُجَاوِزَ حَدَّ الوَقِيعَة، فتَكُونَ وٌ قِيطاً، قالَ اللَّيْث: ج: {وِقاعٌ، بالكَسْرِ،} ووَقائِعُ، قالَ عَمْروُ بنُ أحْمَرَ:
(الزّاجِرُ العِيسَ فِي الإمْليس أعْيُنُها ... مِثْلُ {الوَقَائِعِ فِي أنْصافِها السَّمَلُ)
وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
(ونِلْنا سِقَاطاً منْ حَدِيثٍ كأنَّهُ ... جَنَى النَّحْلِ مَمْزُوجاً بماءِ الوَقائِع)
والوَقِيعَةُ: القِتالُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وقيلَ: المَعْرَكَةُ، والجَمْعُ: الوَقَائِعُ، وهوَ مجازٌ.
وَمن المَجَازِ:} الوَقيعَةُ: غَيْبَةُ النّاسِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ يُقَالُ: وَقَعَ فِي النّاسِ: أَي: اغْتابَهُم {وُقُوعاً ووَقِيعَةً، وقيلَ: هوَ أنْ يَذْكُرَ فِي الإنْسَان مَا لَيْسَ فيهِ، ومنهُ الحديثُ: ذهَبَ رَجُلٌ} ليَقَعَ فِي خالِدٍ، أَي: يَذُزَّه ويَعِيبَه ويَغْتابَه.
{ومَوْقُوعٌ: ماءٌ بناحِيَةِ البَصْرَةِ وقيلَ: ع بناحِيَةٍ بِهَا، قُتِلَ بهِ أَبُو مَعْبَدٍ الشَّنِّيُّ الخارِجِيُّ.
(و) } وقَاعِ كقَطَامِ: كَيَّةٌ مُدَوَّرَةٌ على الجاعِرَتَيْنِ أَو حَيْثُمَا كانَتْ، وقيلَ: تَكُونُ بينَ القَرْنَيْنِ، قَرْنَيِ الرَّأْسِ، قالَ عَوْفُ بنُ الأحْوَصِ:
(وكُنْتُ إِذا مُنِيتُ بخَصْمِ سَوْءٍ ... دَلَفْتُ لَهُ فأكْوِيهِ وَقَاعِ)
ونَسَبَهُ الأزْهَرِيُّ لِقَيْس بنِ زُهَيْرٍ، قالَ الكسائِيّ: وَلَا تَكُونُ إِلَّا دارَةً حَيْثُ كانَتْ، يَعْنِي ليسَ لَهَا مَوْضِعٌ مَعْلُوم.
وقدْ! وَقَعْتُه كوَضَعْتُه وَقاعِ، وقالَ شَمِرٌ: كَواهُ وَقَاعِ: إِذا كَوَى أُمَّ رَأْسِه.)
وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: أرْضٌ {وَقِيعَةٌ: لَا تَكادُ تَنْشَفُ الماءَ منَ} القِيعانِ وغَيْرِها منَ القِفَافِ والجِبَالِ، قالَ: وأمْكِنَةٌ {وُقُعٌ بضَمَّتَيْنِ: بَيِّنَةُ الوَقائِعِ، كَذَا فِي النُّسَخِ، ومِثْلُه فِي العُبابِ، والصَّوابُ: بيِّنَةُ الوَقَاعَةِ، كَمَا هُوَ نَصُّ ابنِ شُمَيْلٍ، وذكَرَهُ فِي التَّكْمِلَةِ على الصَّوابِ، ويُؤَيِّدُه نَصُّ أبي حَنيفَةَ حَيْثُ قالَ: الوَقِيعُ منَ الأرْضِ: الغَلِيظُ الّذِي لَا يَنْشَفُ الماءَ، وَلَا يُنْبِتُ، بَيِّنُ الوَقَاعَةِ، والجَمْعُ: وُقُعٌ.
} والأوْقَعُ: شِعْبٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
{والوَقَعَةُ، مُحَرَّكَةً: بَطْنٌ من بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ، قالَ أَبُو دؤادٍ الرُّواسِيّ:
(يَا أُختَ دَحْوَةَ أَو يَا أُخْتَ أُخْتِهِمُ ... منْ عامِرٍ وسَلُولٍ أَو بَنِي} الوَقَعَهْ)
(و) {الوَقّاعُ كشَدّادٍ: غُلامٌ للفَرَزْدَقِ كانَ يُوَجِّهُهُ فِي قَبَائِحَ وأشْياءَ غَيْرَ جَمِيلَةٍ، فهُوَ اسمٌ على مُسمَّاهُ.
ورَجُلٌ} وَقّاعٌ {ووَقّاعَةٌ: يَغْتَابُ النّاسَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
ورَجُلٌ} واقِعَةٌ، أَي: شُجاعٌ قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ، وقيلَ: داهِيَةٌ، وهوَ مجازٌ.
{وواقِعٌ: فَرَسُ رَبيعَةَ بنِ جُشَمَ النَّمَرِيِّ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
(و) } واقِعُ بنُ سَحْبَانَ المُحَدِّثُ عَن أُسَيْرِ بنِ جابِرٍ، وعنْهُ قَتَادَةُ.
وفاتَه: الحَسَنُ بنُ واقِعٍ، عنْ ضَمْرَةَ بنِ رَبيعَةَ، نَقَلَه الحافِظُ.
والنَّسْرُ! الواقِعُ: نَجْمٌ كَمَا فِي الصِّحاحِ زادَ غَيْرُه كأنَّه الطّائِرِ كاسر جناحيه من خلف حِيَال النسْر، قُرْبَ بَنَاتِ نَعْشٍ، ولمّا كانَ بحذائِهِ النَّسْرُ الطّائِرُ سُمِّيَ {واقِعاً، فالنَّسْرُ} الواقِعُ شامِيٌّ، والنَّسْرُ الطّائِرُ حَدُّهُ: مَا بَيْنَ النَّجُومِ الشَّامِيَّةِ واليَمانِيّةِ، وَهُوَ مُعْتَرِضٌ غَيْرُ مُسْتَطِيلٍ، وهُوَ نَيِّرٌ، ومَعَهُ كَوْكَبانِ غامِضَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا وَقّافٌ، كأنَّهُمَا لَهُ كالجَناحَيْنِ، وَقد بَسَطُهمَا، وكأنَّهُ يَكَادُ يَطِيرُ، وَهُوَ مَعَهُما مُعْتَرِضٌ مُصْطَفٌّ، ولذلكَ جَعَلُوه طائراً، وأمَّا الواقِعُ فهوَ ثَلاثُ كَوَاكِبَ كالأثَافِيِّ، فكَوْكَبانِ مُخْتَلِفَانِ، لَيْسا على هَيْئَةِ النَّسْرِ الطّائِرِ، فهُمَا لَهُ كالجَنَاحَيْنِ، ولكنَّهُمَا مُنْضَمّانِ إليْهِ، كأنَّهُ طائِرٌ {وَقَعَ.
ويُقَالُ:} وُقِعَ فِي يَدِه، كعُنِيَ أَي: سُقِطَ فِي يَدِه، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.
ويُقَالُ: فُلانٌ يأكُلُ الوَجْبَةَ، ويَتَبَرَّزُ {الوَقْعَة، أَي: يأكُلُ فِي اليَومِ مَرَّةً، ويَتغوَّطُ مَرَّةً قالَ ابنُ الأعْرَابِيّ وابنُ السِّكِّيتِ: سُئل رَجُلٌ عَن سَيْرِه: كَيْف كَانَ سَيْرُك قالَ: كُنْتُ آكُلُ الوَجْبَةَ، وأنْجُو الوَقْعَةَ.
وأُعَرِّسُ إِذا أفْجَرْتُ، وأرْتَحِلُ إِذا أسْفَرْتُ، وأسِيرُ المَلْعَ، والخَبَبَ والوَضْعَ، فأتَيْتُكُمْ لمُسِْيِ سَبْعٍ، قالَ ابنُ الأثِيرِ: الوَقْعَةُ: المَرَّةُ من الوُقُوعِ: السُّقُوطِ، وأنْجُو: منَ النَّجْوِ: الحَدَثِ، أَي: آكُلُ مَرَّةً واحدَةً، وأُحْدِثُ مَرَّةً فِي كُلِّ يومٍ.)
} وأوْقَعَ بهِمْ فِي الحَرْبِ إيقاعاً: بالَغَ فِي قِتالهِمْ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ {كوَقَعَ بِهِم} وَقْعاً، كوضَعَ، وكذلكَ {أوْقَعَهُ} إيقاعاً، كَمَا فِي الأساسِ، وَهُوَ مجازٌ.
وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بنَ مَسلمَةَ الأسَدِيَّ يَقُولُ: {أوْقَعَتِ الرَّوْضَةُ} إيقاعاً: أمْسَكَتِ الماءَ وأنْشَدني فيهِ:! مُوقِعَةٌ جُثْجاثُهَا قَدْ أنْوَرَا {والإيقاعُ منْ إِيقَاع ألْحَانِ الغِنَاءِ، وهُوَ أَن} يُوقِعَ الألْحَانَ ويُبَيِّنَها تَبْييناً، هَكَذَا هُوَ فِي اللِّسانِ والعُبابِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ويَبْنِيَها من البِنَاءِ، وسمَّى الخليلُ رحمهُ اللهُ تَعَالَى كِتاباً منْ كُتُبِه فِي ذَلِك المَعْنَى كتابَ الإيقاعِ.
{ومُوقِعُ بالضَّمِّ فِي قَوْلِ رُوَيْشدٍ الطّائِيِّ:
(} ومُوقِعُ تَنْطِقُ غَيْرَ السَّدادِ ... فَلَا جيدَ جِزْعُكِ يَا {مُوقِعُ)
قَبيلَةٌ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
} والتَّوْقِيعُ: مَا {يُوَقَّعُ فِي الكتابِ، كَذَا فِي الصِّحاحِ والعُبابِ، وهوَ إلْحَاقُ شَيءٍ بعْدَ الفَرَاغِ منْهُ لمَنْ رُفِعَ إليْهِ، كالسُّلطانِ ونَحْوه منْ وُلاةِ الأمْرِ، كَمَا إِذا رَفْعَتَ إِلَى السّلْطَانِ أَو الْوَالِي شَكاةً، فكتَبَ تحتَ الكِتابِ، أَو على ظَهْرِه: يُنْظَرُ فِي أمْرِ هَذَا، ويُسْــتَوْفَى لهَذَا حَقُّه، ورُفِعَ إِلَى جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى كِتابٌ يُشْتَكَى فيهِ بعامِلٍ، فكتبَ على ظَهْرهِ: يَا هَذَا، قدْ قَلَّ شاكِرُوك، وكَثُرَ شاكُوك، فإمّا عَدَلْتَ، وَإِلَّا اعْتَزَلْتَ، ورُفِعَ إِلَى الصّاحبِ بنِ عَبّادٍ كِتابٌ فيهِ أنَّ إنْسَاناً هَلَكَ، وتَرَكَ يَتِيماً، وأمْوالاً جَلِيلَةً لَا تَصْلُحُ لليَتِيمِ، وقَصَدَ الكتِبُ إغْرَاءَ الصّاحِبِ بأخْذِهَا، فوَقَّعَ الصّاحِبُ فيهِ: الهالِكُ رَحِمَهُ الله، واليتيمُ أصْلَحَهُ الله، والمالُ أثْمَرَهُ اللهُ، والسّاعِي لَعَنَهُ الله، ونَحْوُ هَذَا من} التَّوقيعاتِ نَقَلَه شَيْخُنا منْ زوَهْرِ الأكَمْ فِي الأمْثَالِ والحِكَمْ لشَيْخِ مَشايِخِه أبي الوَفَاءِ الحَسَن بنِ مَسْعُودٍ اليُوسِيِّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى، قيلَ: هُوَ مأْخُوذٌ منَ التَّوقِيعِ الّذِي هوَ مخالَفَةُ الثانِي للأوَّلِ، وقالَ الأزْهَرِيُّ:! تَوْقِيعُ الكاتِبِ فِي الكتابِ المَكْتُوبِ: أنْ يُجْمِلَ بَيْنَ تَضاعِيفِ سُطُورِه مَقَاصِدَ الحاجَةِ، ويَحْذِفَ الفُضُولَ، وهُوَ مأْخُوذٌ منْ تَوقِيعِ الدَّبَرِ ظَهْرَ البَعِيرِ، فكأنَّ {المُوَقِّعَ فِي الكِتَابِ يُؤَثِّرُ فِي الأمْرِ الّذِي كُتِبَ الكِتابُ فيهِ مَا يُؤَكِّدُه ويُوجِبُه، وَفِي زَهْرِ الأكَمِ بَعْدَ نَقَلَه هَذِه العِبارَةَ فسُمِّيَ هَذَا} تَوْقيعاً، لأنَّهُ تأْثِيرٌ فِي الكِتَابِ حِسّاً، أَو فِي الأمْرِ مَعْنىً، أوْ منَ {الوُقُوعِ، لأنَّه سَبَبٌ} لوُقُوعِ الأمْرِ المَذْكُورِ، أَو لأنَّهُ {إيقاعٌ لذلكَ المَكْتُوبِ فِي الكِتابِ،} فتَوْقِيعُ كَذَا بمعْنَى {إيقاعِه. قلتُ: وَمن أحْسَنِ مَا رَأيْتُ فِي التَّوْقِيعاتِ، قَوْلُ العَفيفِ عبدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، منْ مَشَاهِيرِ رِجَالِ زَعْلٍ، وَفَدَ على المُؤَيَّدِ صاحِبِ تَعِزَّ، فداعَبَه فِي طَلبِ الفَسْخ قالَ:
(يَا مَلِيكاً لوْ وَزَنّا نَعْلَه ... بجَمِيعِ الخَلْقِ طُرّاً وَزَنَتْ)

(إنَّ منْ غابَ عنِ الإلْفِ زَنَى ... بَعْدَ طُولِ المُكْثِ عَنْها. .)
وَلم يَكْتُبُ قافِيَةَ البَيْتِ الثَّانِي، فوَقَّعَ المُؤَيْدُ: وَزَنَتْ رحمَهُ اللهُ، فدَلَّ ذَلِك على جُوْدَةِ فَهْمِهمَا، نَقَلْتُه منْ كتابِ الأنْسابِ للنَّاشِرِيِّ.
قالَ شَيخُنا: وقدْ زَعَمَ كَثِيرٌ منْ عُلماءِ الأدَبِ وأئِمَّةِ اللِّسانِ: أنَّ التَّوقيعَ منَ الكلامِ الإسْلامِيِّ، وأنَّ العَرَبَ لَا تَعْرِفُه، وَقد صَنَّفَ فيهِ جماعَةٌ، وَلَا سيَّما أهْلُ الأنْدَلُسِ، وكلامُهُم ظاهِرٌ فِي أنَّه غَيْرُ عربِيٍّ قديم، وإنْ كانَ مأْخُوذاً منَ المعانِي العَرَبيّةِ، فتأمَّلْ.
ثمَّ قَالَ الجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: السُّرُورُ} تَوْقيعٌ جائِزٌ، قالَ شَيْخُنا: أَي منْ أسْبَابِ السُّرُورِ! التَّوْقِيعُ الجائِزُ، أَي: النّافِذُ الْمَاضِي الّذِي لَا يَرُدُّهُ أحَدٌ، لأنَّه يَدُلُ على كَمَالِ الإمارَةِ، وتَمَامِ الرِّياسَةِ، وَهِي للنُّفُوسِ أشْهَى منْ كُلِّ شَيءٍ، ولذلكَ جَعَلَ السُّرُورَ مُنْحَصِراً فِيهَا، وَهَذَا الكلامُ كأنَّهُ جوَابٌ منْ بَعْضِ الأكابِرِ فِي الإمْرَةِ والوَجاهَة ونُفُوذِ الإمْرَةِ كأنَّ شَخْصاً سألَ جَماعةً: مَا السُّرُورُ لدَيْهِ فكُلُّ واحِدٍ أجابَ بِمَا جُبِلَتْ عليهِ نَفْسُه، وطُبِعَتْ عَلَيْهِ سَجِيَّتُه، على حِسابِ الرَّغَباتِ وَهُوَ كَثِيرٌ.
قالُوا: سُئِلَ عالِمٌ، فقيلَ لَهُ: مَا السُّرُورُ فقالَ: مَعْنىً صَحَّ بالقِياس، ولَفْظٌ وَضَحَ بَعْدَ التِباس.
وقيلَ لشُجاعٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ طِرْفٌ سَرِيع، وقَرْنٌ صَرِيع.
وقيلَ لمَلِكٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ: إكْرَامُ وَدُود، وإرْغامُ حَسُود.
وقيلَ لعاقِلٍ: مَا السُّرُور فقالَ: صَدِيقٌ تُنَاجِيه، وعَدُوٌّ تُداجِيه.
وقيلَ لمِغُنٍّ: مَا السُّرُور فقالَ: مَجْلِسٌ يَقِلُّ هَذَرُه، وعُودٌ يَنْطِقُ وتَرُه.
وقيلَ لناسِكٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ: عِبادَةٌ خالِصَةٌ منَ الرِّيَاءِ، ورِضَى النَّفْسِ بالقَضاءِ.
وقيلَ لوَزيرٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ: تَوْقِيعٌ نافِذٌ.
قالَ شَيْخُنَا: وقَدْ وَقَعَ فِي مُحَاضَراتِ الرّاغِبِ مَا يَدُلُّ على أنَّ الّذِي قالَ ذلكَ هُوَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، فإنَّ الرّاغِبَ ذكَرَ فِي مُحَاضَراتِه بَابا منْ الأمَانِيّ بحَسَبِ أحْوَالِ المُتَمَنِّينَ، وذكَرَ فيهِ أنْوَاعاً ممّا أسْلَفْنَاهُ، قالَ فِي أوائِلِهِ: قالَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ للحُصَيْنِ بن المُنْذِر: مَا تَتَمَنَّى فقالَ: لِوَاءٌ مَنْشُور، وجُلُوسٌ على السَّرِير، وسَلامٌ عَلَيْكَ أيُّهَا الأمِير، وقِيل: لِعَبْدِ اللهِ بنِ الأهْتَم: مَا تَتَمَّنَى)
فقالَ: تَوْقِيعٌ نافِذ، وأمْرٌ جائِز، وَقيل لحَكيم: تَمَنّ مَا تَشاءُ، فقالَ: مُحادَثَةُ الإخْوَانِ، وكَفافٌ منْ عَيْش، والانْتِقالُ من ظِلٍّ إِلَى ظِلٍّ، وقالَ بعضُهُم: العَيْشُ كُلُّه فِي صِحَّةِ البَدَنِ، وكَثْرَةِ المالِ، وخُمُولِ الذِّكْرِ، ثمَّ قالَ: ووقَعَ للجَاحِظِ أمْثَالُ هَذَا مُفَرَّقاً فِي كُتُبهِ على أنْواعٍ منْ هَذَا، وَفِي هَذَا القَدْرِ كِفَايَةٌ.
ثمّ قالَ الجَوْهَرِيُّ والتَّوقِيعُ: تَظَنِّي الشَيءِ وتَوَهُّمه، يُقَالُ: {وَقِّعْ أَي: ألْقِ ظَنَّكَ على شَيءٍ، وَفِي المُحْكَمِ: التَّوْقِيعُ بالظَّنِّ والكَلامِ يَعْتَمِدُه ليَقَعَ وهَمْه.
وقالَ اللَّيْثُ: التَّوقيعُ: رَمْيٌ قَرِيبٌ لَا تُبَاعِدُه، كأنَّكَ تُرِيدُ أنْ} تُوقِعَهُ على شَيءٍ، وكذلكَ تَوقيعُ الأرْكانِ.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: والتَّوقِيعُ: إقْبَالُ الصَّيْقَلِ على السَّيفِ {بمِيقَعَتِه يُحَدِّدُه، ومِرْماةٌ مُوَقَّعَةٌ.
والتَّوْقِيعُ: التَّعْرِيسُ، وهُوَ النُّزُولَ آخِرَ اللَّيْلِ وقَدْ} وَقَّعُوا، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
(إِذا وَقَّعُوا وَهْناً كَسَوْا حَيْثُ مَوَّتَتْ ... منَ الجَهْدِ أنْفَاسُ الرِّياحِ الحَواشِكِ)
وقالَ اللَّيْثُ، كَمَا فِي العُبابِ وَفِي اللِّسَانِ: قالَ الأصْمَعِيُّ: التَّوقيعُ: نَوْعٌ منَ السَّيْرِ شِبْهُ التَّلْفيفِ، وَهُوَ رَفْعَهُ يَدَهُ إِلَى فَوْقُ.
{ووَقَعَتِ الحِجَارَةُ الحافِرَ أَي: قَطَّعَتْ سَنَابِكَهُ تَقْطِيعاً هَكَذَا نَصُّ العُبابِ، ومُقْتَضَى ذلكَ أنَّهُ من الثُّلاثِيِّ، والّذِي فِي اللِّسَانِ:} وقَّعَتِ الحِجَارَةُ الحافِرَ، فقطَّعَت سَنَابِكَهُ {تَوْقيعاً، وَهَذَا أشْبَهُ لسباقِ المُصَنِّف وسياقِه، وكِلاهُمَا صَحيحٌ.
قالَ اللَّيْثُ: وَإِذا أصابَ الأرْضَ مَطَرٌ مُتَفَرِّقٌ، أَو أخْطَأَ فذلكَ} تَوْقِيعٌ فِي نَبْتِهَا، وقالَ غَيْره: هُوَ إصابَةُ المَطَرِ بَعْضَ الأرْضِ، وإخْطاؤُه بَعْضاً، وقيلَ: هُوَ إنْباتُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ.
وَمن المَجَازِ:! المُوَقَّعُ، كمُعَظَّمٍ، الأخِيرُ عَن اللِّحْيَانِيِّ: منْ أصابَتْهُ البَلايا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ الأخيرُ عنِ اللِّحْيَانِيِّ. والمُوَقِّعُ: المُذَلِّلُ منَ الطُّرُقِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ أيْضاً.
(و) {المُوَقَّعُ أيْضاً: البَعِيرُ تَكْثُرُ آثارُ الدَّبَرِ عَلَيْهِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وهوَ مجازٌ، زادَ فِي اللِّسانِ: لكَثْرَةِ مَا حُمِلَ عليهِ ورُكِبَ، فهُوَ ذَلُولٌ مُجَرَّبٌ، أنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشّاعِرِ:
(فَمَا مِنْكُمُ أفْنَاءَ بكْرِ بنِ وائِلٍ ... لِغارَتِنَا إِلَّا ذَلُولٌ} مُوَقَّعُ)
وأنْشَدَ ابنُ الأعْرَابِيّ للحَكَم بنِ عَبْدَلٍ:
(مِثْلُ الحِمَارِ المُوَقَّعِ الظَّهْرِ لَا ... يُحْسِنُ مَشْياً إِلَّا إِذا ضُرِبَا)

وَفِي حَديثِ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ قالَ: منْ يَدُلُّنِي على نَسيجِ وَحْدِه فقالَ لَهُ أَبُو مُوسَى رضيَ اللهُ عَنهُ: مَا نَعْلَمُه غَيْرَك، فقالَ: مَا هِيَ إِلَّا إبِلٌ مُوَقَّعٌ ظُهُورُهَا ضَرَبَ ذلكَ مَثَلاً لعُيُوبِه.
وَفِي الأساسِ: {وُقِّعَتِ الدَّابَّةُ بكَثْرَةِ الرُّكُوبِ: سُحِجَتْ، فتَحاصَّ عَنْهَا الشَّعَرُ، فنَبَتَ أبْيَضَ.
والمُوَقَّعُ: السِّكّينُ المُحَدَّدُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وقالَ ابنُ عَبّادٍ: النِّصالُ} المُوَقَّعَةُ، هِيَ: المَضْرُوبَةُ {بالمِيقَعَةِ، أَي: المِطْرَقَةِ، قالَ أَبُو وَجْزَةَ:
(حَرَّى} مُوَقَّعَةٌ ماجَ البَنَانُ بِها ... على خِضَمٍّ يُسَقَّى الماءَ عَجّاجِ)
وقَدْ ذكَرَه الجَوْهَرِيُّ بِقَوْلِه: ومِرْماةٌ {مُوَقَّعَةٌ، أَي: مُحَدَّدَةٌ، فإنَّ المُرَادَ بالمِرْمَاةِ هُوَ النَّصْلُ.
(و) } المُوَقِّعُ كمُحَدِّثِ: الخَفيف الوَطْءِ على الأرْضِ، نَقَلَه ابنُ عَبّادٍ.
{واسْتَوْقَعَ: تَخَوَّفَ مَا} يَقَعُ بهِ، قالَه اللَّيْثُ، وهُوَ شِبْهُ! التَّوَقُّعِ. (و) {اسْتَوْقَعَ السَّيْفُ: أنَى لهُ الشَّحْذُ، قالَهُ اللَّيْثُ، وَفِي الأساسِ: آنَ لَهُ أنْ يُشْحَذَ، وَفِي اللِّسانِ: احْتاجَ إِلَى الشَّحْذِ.
وقالَ الجَوْهَرِيُّ: اسْتَوْقَعَ الأمْرَ: انْتَظَرَ كَوْنَه،} كتَوَقَّعَهُ يُقَالُ: {تَوَقَّعْتُ مَجيِئَهُ، وتَنَظَّرْتُه، وَفِي الأساسِ:} تَوَقَّعَهُ: ارْتَقَبَ {وُقُوعَه، وقالَ الرّاغِبُ: أصْلُ مَعْنَاهُ: طَلَبُ} وُقُوعِ الفِعْلِ مَعَ تخَلُّفٍ واضْطِرابٍ.
وَمن المَجَازِ: {واقَعَهُ فِي المَعْرَكَةِ: حارَبَه.
وَمن المَجَازِ: واقَعَ المَرْأَةَ: باضَعَهَا، وخالَطَهَا، قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراهُ عَن ابْنِ الأعْرَابِيِّ.
وممّا يُسْتَدْرَكُ عليْهِ:} المَوْقُوعُ: مَصْدَرُ {وَقَعَ} يَقَعُ، كالمَجْلُودِ، والمَعْقُولِ، قالَ أعْشَى باهِلَةَ.
(وألْجَأَ الكَلْبَ {مَوْقُوعُ الصَّقِيعِ بهِ ... وأْلَجأَ الْحَيَّ منْ تَنْفاحِها الحَجَرُ)
} وأوْقَعَه {إيقاعاً: أنْزَلَه وأسْقَطَه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
} والمَوْقِعُ {والمَوْقِعَةُ، بكسرِ قافِهِما: مَوْضِعُ} الوُقُوعِ، الأخِيرَةُ عنِ اللِّحْيَانِيِّ.
{ووِقاعَةُ السِّتْرِ:} مَوْقِعُهُ إِذا أُرْسِلَ، حَكاهُ الهَرَوِيُّ فِي الغَرِيبَيْنِ، وقالَ ابنُ الأثِيرِ: هُوَ مَوْقِعُ طَرَفِ السِّتْرِ على الأرْضِ، وهِيَ {مَوْقِعُه} ومَوْقِعَتُه، ويُرْوَى: {الوَقَاعَةُ بفَتْحِ الواوِ، والمَعْنَى: ساحَةُ السِّتْرِ.
} والمِيقَعَةُ بالكَسْرِ: داءٌ يأْخُذُ الفَصِيلَ، كالحَصْبَةِ، {فيَقَعُ فَلَا يَكَادُ يَقُومُ.
} ووَقْعُ السَّيْفِ: {ووَقْعَتُه،} ووُقُوعه: هَبَّتُه ونُزُولُه بالضَّرِيبَةِ. {ووَقَعَ بهِ ماكِرٌ} وُقوُعاً ووَقِيعَةً: نَزَلَ، وَفِي المَثَلِ: الحِذَارُ أشَدُّ منَ {الوَقِيعَةِ يُضْرَبُ ذَلِك للرجل يعظم)
فِي صَدره الشَّيْء فَإِذا} وَقَعَ فيهِ كانَ أهْوَنَ ممّا ظَنّ.
{وأوْقَعَ ظَنَّهُ على الشَّيءِ، ووَقَّعَه، كِلاهُمَا: قَدَّرَه وأنْزَلَه.
} ووقَعَ بالأمْرِ: أحْدَثَهُ وأنْزَلَه.
{وأوْقَعَ فُلانٌ بفُلانٍ مَا يَسُوءُ، أيْ: أنْزَلَهُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ مجازٌ.
} ووَقَعَ منْهُ الأمْرُ {مَوْقعاً حَسَناً أوْ سَيِّئاً: ثَبَتَ لَدَيْه.
وأوْقَعَ بهِ الدَّهْرُ: سَطَا.
} والوِقَاعُ بالكَسْرِ: {المُوَاقَعَةُ فِي الحَرْبِ، قالَ القُطامِيُّ:
(ولَوْ تَسْتَخْبِرُ العُلَمَاءََ عَنّا ... ومنْ شَهِدَ المَلاحِمَ} والوِقاعا)
بتَغْلِبَ فِي الحُرُوبِ، ألَمْ يَكُونُواأشَدَّ قَبائِلِ العَرَبِ امْتِنَاعَا وقالَ أيْضاً:
(وكُلُّ قَبِيلَةٍ نَظَرُوا إلَيْنَا ... وخَلَّوْا بَيْنَنا كَرِهُوا الوِقاعَا)
{والوَقْعَةُ: النَّوْمَةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ.
والوَقْعَةُ:} وُقُوعُ الطّائِرِ على الشَّجَرِ أَو الأرْضِ، وطَيْرٌ {أواقِعُ، قالَ الشاعِرُ:
(لَكَالرَّجُلِ الحادِي، وقَدْ تَلَعَ الضُّحَى ... وطَيْرُ المَنَايا فَوْقَهُنَّ} أواقِعُ)
أرادَ: {وواقِعُ، جمعُ} الوَقْعَةِ، فهمَزَ الواوَ الأولَى.
{ووَقِيعَةُ الطّائِرِ:} مِيقَعَتُه.
وإنّه {لواقِعُ الطَّيْرِ: أَي: ساكِنٌ لَيِّنٌ، وَهُوَ مَجازٌ.
} ووَقَّعَتِ الدَّوَابُّ {تَوْقِيعاً: لُغَةٌ فِي} وَقَعَت، وَكَذَا! وَقَّعَتِ الإبِلُ تَوْقيعاً: إِذا رَبَضَتْ، وقيلَ: {وَقَّعَتْ، بالتَّشْدِيدِ: اطْمَأنَّتْ بالأرْضِ بَعْدَ الرِّيِّ، أنْشَدَ ابنُ الأعْرَابِيّ: حَتَّى إِذا} وَقَّعْنَ بالأنْبَاثِ غَيْرَ خَفيفاتٍ وَلَا غِراثِ وإنّمَا قالَ: غَيْرَ خَفِيفاتٍ إِلَى آخِره، لأنَّهَا قَدْ شَبِعَتْ ورَوِيَتْ فثَقُلَتْ.
{ووَقَعَ بهِ: لامَهُ وعَنَّفَهُ.
} ووَقِعَ فِي العَمَلِ {وُقُوعاً: أخذَ.
} ووَقَعَ فِي قَلْبِي السَّفَرُ، وَهُوَ مجازٌ.)
{وواقَعَ الأمُورَ} مُوَاقَعَةً، {ووِقاعاً: داناها، قالَ ابنُ سِيدَه: أُرَى قَوْلَ الشّاعِرِ، أنْشَدَهُ ابنُ الأعْرَابِيّ:
(ويُطْرِقُ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وعِنْدَهُ ... إِذا عُدَّتِ الهَيْجَا} وِقاعُ مُصادِفِ)
إنَّمَا هُوَ منْ هَذَا، قالَ: وأمّا ابنُ الأعْرَابِيّ فلَمْ يُفَسِّرْهُ.
{ووَقَعَ على أمْرَأَتِه: جامَعَها، وهُوَ مجازٌ، قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراهُ عَن ابْنِ الأعْرَابِيِّ.
} والوَقَاعَةُ: صَلابَةُ الأرْضِ.
{والوَقْعُ: الحَصَى الصِّغارُ، واحِدَتُها وَقْعَةٌ.
} والتَّوْقِيعُ: الإصابَةُ، أنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
(وقَدْ جَعَلَتْ بَوَائِقُ منْ أمُورٍ ... تُوَقِّعُ دُونَه وتَكُفُّ دُونِي)
{والوَقْعُ،} والوَقِيعُ: الأثَرُ الّذِي يُخَالِفُ اللَّوْنَ.
! والتَّوْقِيعُ: سَحْجٌ فِي ظهرِ الدّابَةِ، وقيلَ: فِي أطْرافِ عِظَامِ الدَّابَّةِ منَ الرُّكُوبِ، ورُبَّمَا انْحَصَّ عَنْهُ الشَّعَرُ، فنَبَتَ أبْيضَ.
ووقَعَ الحَديدَ والمُدْيَةَ والنَّصْلَ والسَّيْفَ، يَقَعُهَا وَقْعاً: أحَدَّها وضَرَبها، قالَ الأصْمَعِيُّ: يُقَالُ ذلكَ إِذا فَعَلْتَهُ بينَ حَجَرَيْنِ. ونَصْلٌ {وَقِيعٌ: مُحَدَّدٌ، وكذلكَ الشَّفْرَةُ بِغَيْرِ هاءٍ، قالَ عَنْتَرَةُ:
(وآخَرُ مِنْهُمُ أجْرَرْتُ رُمْحِي ... وَفِي البَجْلِي مِعْبَلَةُ وَقِيعُ)
والوَقِيعُ منَ السُّيُوفِ: مَا شُحِذَ بالحَجَرِ ويُقَالُ: قَعْ حَدِيدَكَ.
} والوَقِيعَةُ: المِطْرَقَةُ، وَهُوَ شاذٌ لأنَّهَا آلَةٌ، والآلَةُ إنَّمَا تأْتِي على مِفْعَلٍ، قالَ الهُذَلِيُّ:
(رأى شَخْصَ مَسْعُودِ بنِ سَعْدٍ بكَفِّهِ ... حَدِيدٌ حَدِيثٌ {بالوَقِيعَةِ مُعْتَدُ)
} والوَقِعُ، ككَتِفِ: المَرِيضُ يَشْتَكِي رجلَهُ منَ الحجَارَة.
وقالَ أَبُو زَيدٍ: يُقَالُ لغِلافِ القارُورَةِ: الوَقْعَةُ، {والوِقَاعُ} والوِقَعَةُ للجَمِيعِ. قُلْتُ: صَوَابُه بالفاءِ، وَقد تقدَّمَ.
{والوَاقِعُ: الّذِي يَنْقُرُ الرَّحَى، وهُم} الوَقَعَةُ.
وأهْلُ الكُوفَةِ يُسَمُّونَ الفِعْلَ المُتَعَدِّي {واقِعاً، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وَهَذِه نَعْلٌ لَا} تَقَعُ على رِجْلِي.
ووَقَعَ الأمْرُ: حَصَلَ.)
وفُلانٌ يُسِفُّ وَلَا {يَقَعُ: إِذا دَنا منَ الأمْرِ ثُمَّ لَا يَفْعَلُه، وهُوَ مجازٌ.
} وتَوَاقَعا: تَحَارَبَا.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.