Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: تطلب

يَتَلاءم وأخلاقَكُم

يَتَلاءم وأخلاقَكُم
الجذر: ل أ م

مثال: هذا العمل لا يتلاءم وأخلاقَكم
الرأي: مرفوضة
السبب: لأن الفعل «تلاءم» يــتطلب المشاركة.

الصواب والرتبة: -هذا العمل لا يتلاءم هو وأخلاقُكُم [فصيحة]-هذا العمل لا يتلاءم وأخلاقَكم [صحيحة]
التعليق: المثال الأول فصيح، وقد عُطف فيه على الضمير المستتر بعد تأكيده بالضمير المنفصل. أما المثال الثاني فيمكن تصحيحه بناء على قرار مجمع اللغة المصري بصحة استخدام «مع» مصاحبة لصيغة «تفاعل» الدالة على المشاركة، فحين تصح «مع» تصح واو المعية التي ينصب الفعل بعدها.

الْعين

(الْعين) من الرِّجَال السَّرِيع الْبكاء وَمن الأسقية مَا سَالَ مَاؤُهُ
(الْعين) هُوَ الْحَرْف الثَّامِن عشر من حُرُوف الهجاء وَهُوَ مجهور رخو ومخرجه من وسط الْحلق ويعده القدماء من الْحُرُوف المتوسطة
وَهَذَا الْحَرْف قدمه جمَاعَة من اللغويين فِي كتبهمْ وابتدءوا بِهِ فِي مصنفاتهم كالخليل ابْن أَحْمد فِي كتاب الْعين وتبدل الْعين من الْحَاء قَالُوا عتى فِي حَتَّى وتبدل من الْهمزَة قَالُوا عَن فِي أَن
الْعين: لمعان كَثِيرَة، الْجَارِيَة وَجمعه الْعُيُون، وَالْمَوْجُود فِي الْخَارِج وَجمعه الْأَعْيَان، والباصرة وَجمعه الْأَعْين وَغير ذَلِك كَمَا بَين فِي كتب اللُّغَة والأمور الحافظة لقُوَّة الْعين الباصرة والضارة لَهَا فِي الْبَصَر وَاعْلَم أَن الْعين الباصرة مركبة من سبع طَبَقَات وَثَلَاث رطوبات وَهِي الطَّبَقَة الصلبية والمشيمة والشبكية والرطوبة الزجاجية والرطوبة الجليدية والطبقة العنكبوتية والرطوبة البيضية والطبقة العينية والقرنية والمتلحمة وتفصيلها فِي الطِّبّ والتشريح.
(الْعين) عُضْو الإبصار للْإنْسَان وَغَيره من الْحَيَوَان وينبوع المَاء يَنْبع من الأَرْض وَيجْرِي وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {فيهمَا عينان تجريان} (ج) أعين وعيون وَأهل الْبَلَد وَأهل الدَّار والجاسوس وَرَئِيس الْجَيْش وطليعة الْجَيْش وكبير الْقَوْم وشريفهم وَذَات الشَّيْء وَنَفسه يُقَال هُوَ هُوَ عينا أَو بِعَيْنِه وَجَاء مُحَمَّد عينه وَمَا ضرب نَقْدا من الدَّنَانِير يُقَال اشْتريت بِالْعينِ لَا بِالدّينِ (ج) أَعْيَان والحاضر من كل شَيْء يُقَال بِعته عينا بِعَين حَاضرا بحاضر وَفِي الْمثل (لَا تطلب أثرا بعد عين) يضْرب لمن ترك شَيْئا يرَاهُ ثمَّ تبع أَثَره بعد فَوته والنفيس من كل شَيْء يُقَال هَذِه القصيدة من عُيُون الشّعْر وَوَاحِد الْأَعْيَان للإخوة الأشقاء وَيُقَال هُوَ عبد عين وصديق عين يخْدم ويصادق مَا دمت ترَاهُ بِعَيْنِك فَإِذا غبت فَلَا وَفعله على عين وعَلى عينين وعَلى عمد عين وعَلى عمد عينين تَعَمّده بجد ويقين وَيُقَال نعم الله بك عينا أقرّ بك عين من تحبه أَو أقرّ عَيْنك بِمن تحبه ولقيته أول عين أول شَيْء وَأَنت على عَيْني فِي الْإِكْرَام وَالْحِفْظ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {ولتصنع على عَيْني} ليتربى مكلوءا بعنايتي وحفظي ولقيته عين عنة لَقيته عيَانًا وَلم يَرك وَعين الْجمل الْجَوْز (على التَّشْبِيه) (مو) وَعين السَّمَكَة (فِي أمراض الْجلد) غلظ فِي صلابة يكون فِي الْجلد من ضغط أَو احتكاك كَمَا يحدث فِي أَصَابِع الْقدَم من ضغط الْحذاء

الخزف

(الخزف) مَا عمل من الطين وشوي بالنَّار فَصَارَ فخارا
الخزف:
[في الانكليزية] Cough
[ في الفرنسية] Toux
بفتح الخاء والزاء المعجمة هو السّعال.
والخزفي هو النوع الرابع من أنواع جرب العين كذا في بحر الجواهر وأنواع جرب العين تطلب من كتب الطب.

الفقير

الفقير:
[في الانكليزية] Poor ،needy ،necessitous
[ في الفرنسية] Pauvre ،necessiteux
فعيل من فقر مقدّرا فإنّه لم يقل إلّا افتقر فهو فقير، ذكره ابن الأثير وغيره، فهو صاحب الفقر، والفقر الحاجة. وعند الحكماء الإشراقيين هو ما يتوقّف ذاته أو كمال له على غيره، والغني بخلافه وهو ما لا يتوقّف ذاته ولا كمال له على غيره.
اعلم أنّ صفات الشيء تنقسم إلى ما يكون له من ذاته وإلى ما يكون له بسبب الغير.
والأول ينقسم إلى ما لا تعرض له نسبة إلى الغير وهو الهيئات المتمكّنة من ذات الشيء كالشّكل، وإلى ما تعرض له نسبة إلى الغير وهي الهيئات الكمالية الإضافية، وهي كمالات للشيء في عينه ومبادئ إضافات له إلى غيره كالعلم والقدرة. والثاني الإضافات المحضة كالمبدئية والخالقية. فالغني المطلق وهو ما يكون غنيا من كلّ وجه لا ما يكون من وجه دون وجه، هو ما لا يتوقّف على غيره في ثلاثة أشياء في ذاته وفي هيئات متمكّنة في ذاته وفي هيئات كمالية له في نفسه كمالا يتغيّر، وهي مبادئ إضافات له إلى غيره. واحترز بقوله ولا كمال له عن الإضافة المحضة لتعلّقها بالغير وجوازها على الله تعالى، إذ لا يلزم من تغيّرها تغيّر في ذاته ولا من تغيّر معلومه. أمّا الأول فلأنّه إذا لم يبق زيد موجودا وبطلت إضافة المبدئية لا يلزم تغيّر في نفسه كما لا يتغيّر ذاتك من تغيّر الإضافة من انتقال ما على يمينك على يسارك. وأمّا الثاني فالسّرّ فيه أنّ علمه تعالى حضوري إشراقي لا يتصوّر في ذاته ليلزم التغيّر.
والفقير هو الذي يتوقّف على غيره في شيء من الثلاثة، وحاصل الغنى راجع إلى وجوب الوجود الذاتي، وحاصل الفقر إلى إمكان الوجود، كذا في شرح إشراق الحكمة. وعند السّالكين هو من لا غناء له إلّا بالحقّ كما قال الشبلي. وقال أهل المعرفة الفقر الأنس بالمعدوم والوحشة بالمعلوم. وقيل الفقر إظهار الغنى مع كمال المسكنة. وقيل الفقر عدم الأملاك وتخلية القلب مما خلت عنه اليد، أي لا يطلبه أيضا، فإنّ الطالب يكون مع مطلوبه وإن لم يجده. وقيل ليس الفقر عندهم الفاقة والعدم بل الفقر المحمود الثّقة بالله تعالى والرضى بما قسم. قال سهل: الفقير الصادق الذي لا يسأل ولا يردّ ولا يتجسّس. قال عبد الله الأنصاري: الفقر على ثلاثة أوجه:
اضطراري واختياري وحقيقي. والاضطراري كفارتي وعلامته الصّبر، وعقوبتي وعلامته الاضطرار، وقطيعتي وعلامته الشّكاية.
والاختياري درجتي وعلامته القناعة، وقربتي وعلامته الرضا، وكرامتي وعلامته الإيثار.
والحقيقي أيضا ثلاثة عدم الاحتياج إلى الخلق والاحتياج من الله والبراءة من كلّ ما دون الله.

وفي شرح الآداب: الفقر غير التصوّف فإنّ نهاية الفقر بداية التّصوف، كذا في خلاصة السلوك.
وفي التحفة المرسلة الغنى المطلق عندهم هو مشاهدة الله تعالى في نفسه جميع الشئون والاعتبارات الإلهية مع أحكامها ولوازمها على وجه كلّي جملي لاندراج الكلّ في بطون الذات ووحدته، كاندراج الأعداد في الواحد العددي، ويجيء في لفظ الكمال أيضا. ويقول في مجمع السلوك: إنّ ابن جلا قال: إنّ حقيقة الفقر هو ألّا يكون لك شيء. وإذا كان فلا تبال به.

ومعنى هذا الكلام، والله أعلم: هو ألّا تطلب غير الموجود، فإن وجد شيء فلا تطمئن إليه، حتى يستوي لديك الفقدان والوجدان. وإذا، فالفقر، عبارة عن العدم.
فائدة:
الفرق بين الفقر والزهد هو أنّه لو كان للفقير عدة أحذية، ففقره ليس تاما. وإن لم يوجد لديه أيّ سبب، ولكن نظره على حيلته وقوته واقع. ويظن أنّه يستطيع الحصول على بعض الأشياء بالحيلة أو بالقوّة ففقره أيضا ليس تاما. وأمّا إذا صدر منه النداء: لا حول ولا قوة، أي لا حيلة عندي، فإن وصل لهذا الحدّ ففقره صار تاما. وهذا بخلاف الزّهد الذي هو مجرّد ترك الحظوظ الفانية، وذلك على أمل إدراك النّعم والحظوظ الباقية. وهذا ما يقول له أهل المعرفة: بيع وشراء وسلم، انتهى كلامه.

ويقول في كشف اللغات: الفقر عند السّالكين عبارة عن الفناء في الله، وما تفضّلوا به أنّ الفقر سواء الوجه في الدارين، عبارة عن أنّ السّالك قد فني بكلّيته في الله بصورة لا يبقى منه في ظاهره ولا باطنه لا دنيا ولا آخرة. ويرجع إلى العدم الأصلي والذاتي، وذلك هو الفقر الحقيقي. ومن هنا قولهم: ثمّ الفقير فهو الله.
لأنّ هذا المقام هو إطلاق ذات الحقّ. وهنا غير اعتباري ولا استيعابي. وسواد الوجه هذا هو سواد أعظم، لأنّ السّواد الأعظم هو: كلما يطلبونه يكون فيه. وكلّما هو مفصّل في جميع الموجودات فهو في هذه المرتبة بطريق الإجمال كالشّجر في النواة، انتهى كلامه. ويقول في لطائف اللغات: الفقر بطور الصوفية مرادف للعشق. وقد مرّ بيان الفرق بين الفقر والتصوف في لفظة التصوف. وأمّا الفقهاء فاختلفوا في تفسيره، فقيل الفقير من له مال ما دون النصاب أي غير ما يبلغ نصابا، أي قدر مائتي درهم أو قيمتها فصاعدا فاضلا عن حاجته الأصلية، سواء كان ناميا أو لا وهو الصحيح. فالصّحة والاكتساب لا يمنعان من دفع الصدقة إليه كما في الاختيار. والمسكين من لا شيء له من المال وعنه أي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنّ الفقير من يسأل والمسكين من لا يسأل وهو قول الشافعي رحمة الله عليه أيضا. وفي الكافي أنّ الفقير هو الذي لا يسأل لأنّه يجد ما يكفيه في الحال والمسكين هو الذي يسأل لأنّه لا يجد شيئا، كذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله أيضا، وهو أصحّ. والمذهب أنّ المسكين أسوأ حالا من الفقير وعليه عامة السلف. وقيل الفقير الزّمن المحتاج والمسكين الصحيح المحتاج كما في الزاهدي. وقيل الفقير من له أدنى شيء والمسكين من لا شيء له. وقيل الفقير من كان له ولعياله قوت يوم أو قدر على الكسب لهما، والمسكين من ليس له شيء ولم يقدر على الكسب كما في المضمرات. وقيل الفقير والمسكين كلاهما بمعنى واحد كما في النظم، وفائدة الاختلاف تظهر في الوقف والوصية. هكذا يستفاد من البرجندي وجامع الرموز في بيان مصرف الزكاة. ومنهما في باب الجزية اختلف الفقهاء في حدّ الغني والفقير والمتوسّط في مسئلة أخذ الجزية، فقال عيسى بن أبان إنّ الفقير هو الذي يعيش بكسب يده في كلّ يوم والمتوسّط من يحتاج إلى الكسب في بعض الأوقات والغني من لا يحتاج إليه أصلا. وقيل الفقير المحترف والمتوسّط من له مال ويعمل بنفسه والغني من له مال يعمل بأعوانه. وقيل الفقير من له أقل من مائتي درهم والمتوسّط من له الزائد عليه إلى أربع مائة والغني من له الزائد عليها. وقيل الفقير المكتسب والمتوسّط من له نصاب والغني من له عشرة آلاف درهم. وقيل الفقير من له أقلّ من النصاب والمتوسّط من له الزائد عليه إلى عشرة آلاف والغني من له الزائد عليها كما في النظم.
والصحيح في معرفة هؤلاء عرف كلّ بلد هو فيه. فمن عدّه الناس فقيرا أو متوسّطا أو غنيا في تلك البلدة فهو كذلك، وهو المختار كما في الاختيار. وهاهنا أقوال أخر ذكرت في البرجندي.

الصّدق

الصّدق:
[في الانكليزية] Truth ،correctness
[ في الفرنسية] Verite ،justesse
بالكسر وسكون الدال هو ضدّ الكذب وقد سبق في لفظ الحق، وهو مشترك بين صدق المتكلّم وصدق الخبر، ولا يجري في المركّبات الغير الخبرية من التقييدية والإنشائية. فصدق المتكلّم مطابقة خبره للواقع وكذبه عدمها.
وصدق الخبر مطابقة الخبر للواقع وكذبه عدمها والمشهور أنّ وصف الخبر بالمطابقة للواقع وصف له بحال متعلّقه، فإنّ المطابق للواقع أي النسبة الخارجية التي هي حالة بين الطرفين مع قطع النظر عن تعلّقهما الأمر الذهني المتعلق بالخبر، فمطابقة ذلك الأمر الذهني للواقع بأن يكونا ثبوتيين أو سلبيين صدق وعدمها كذب. والمحقق التفتازاني ذهب إلى أنّ المطابق له هو النسبة المعقولة التي هي جزء مدلول الخبر، أعني الوقوع واللاوقوع من حيث إنّها معقولة. فاثنينية المطابق والمطابق بالاعتبار حيث قال: بيان ذلك أنّ الكلام الذي دلّ على وقوع نسبة بين شيئين إمّا بالثبوت بأنّ هذا ذاك أو بالنفي بأنّ هذا ليس ذاك. فمع النظر عمّا في الذهن من النسبة لا بدّ أن يكون [بينهما نسبة ثبوتية أو سلبية لأنّه إمّا أن يكون] هذا ذاك، أو لم يكن، فمطابقة هذه النسبة الحاصلة في الذهن المفهوم من الكلام لتلك النسبة الواقعة الخارجية بأن تكونا ثبوتيتين أو سلبيتين صدق وعدمها كذب. وهذا معنى مطابقة الكلام للواقع والخارج وما في نفس الأمر. فإذا قلت أبيع وأردت به الإخبار الحالي فلا بدّ من وقوع بيع خارج حاصل بغير هذا اللفظ تقصد مطابقته لذلك الخارج، بخلاف بعت الإنشائي فإنّه لا خارج له تقصد مطابقته بل البيع يحصل في الحال بهذا اللفظ، وهذا اللفظ موجد له. ولا يقدح في ذلك أنّ النسبة من الأمور الاعتبارية دون الخارجية للفرق الظاهر بين قولنا القيام حاصل لزيد في الخارج وحصول القيام له أمر متحقّق موجود في الخارج فإنّا لو قطعنا النظر عن إدراك الذّهن وحكمه فالقيام حاصل له.
وهذا معنى وجود النسبة الخارجية انتهى.
وقال السيّد السند إنّ المطابق للواقع هو الإيجاب والسلب، ومطابقتهما للواقع أي الأمر الخارجي هو التوافق في الكيف بأن يكونا ثبوتيين أو سلبيين، ولكلّ وجهة هو مولّيها.
وهذا الذي ذكر من تفسير الصدق والكذب مذهب الجمهور. هذا كله خلاصة ما في الأطول.
والصدق والحقّ يتشاركان في المورد ويتفارقان بحسب الاعتبار، فإنّ المطابقة بين الشيئين تقتضي نسبة كل واحد منهما إلى الآخر بالمطابقة لأنّ المفاعلة تكون من الطرفين، فإذا طابقا فإن نسبنا الواقع إلى الاعتقاد كان الواقع مطابقا بالكسر والاعتقاد مطابقا بالفتح فتسمّى هذه المطابقة القائمة بالاعتقاد حقّا، وإن عكسنا النسبة كان الأمر بالعكس فتسمّى هذه المطابقة القائمة بالاعتبار صدقا. وإنما اعتبر هكذا لأنّ الحقّ والصدق حال القول والاعتقاد دون حال الواقع. والصدق في القول هو مجانبة الكذب. وفي الفعل الإتيان به وترك الانصراف عنه قبل تمامه. وفي النيّة العزم والجزم والإقامة عليه حتى يبلغ الفعل، هكذا في كليات أبي البقاء. وقال النّظّام ومن تابعه: صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر ولو خطاء أي ولو كان ذلك الاعتقاد غير مطابق للواقع، والكذب عدمها أي عدم مطابقته لاعتقاد المخبر ولو خطاء، وصدق المتكلّم مطابقة خبره للاعتقاد وكذبه عدمها. والمراد بالاعتقاد معناه الغير المشهور وهو التصديق الشامل للظّنّ والعلم وغيرهما، إذ لو حمل على المشهور وهو الجزم القابل للتشكيك لخرج مطابقة الخبر لعلم المخبر عن حدّ الصدق، ولدخل في حدّ الكذب. فقول القائل السماء تحتنا معتقدا ذلك صدق، وقولنا السماء فوقنا غير معتقد كذب. والخبر [المعلوم] المعتقد والمظنون صادق والموهوم والمشكوك كاذبان فإنّهما لا يطابقان اعتقاد المخبر لانتفائه. وليس لك أن تقول المراد عدم مطابقة الاعتقاد مع وجوده ولا اعتقاد له في المشكوك لأنّه ينافي ما هو مذهب النّظّام من انحصار الخبر في الصادق والكاذب، ولا أن تقول الخبر المشكوك ليس بخبر لأنّه لا تصديق له بل لمدلوله لأنّا نقول الدلالة على الحكم كاف في كون الكلام خبرا. فالخبر ما يدلّ على التصديق سواء تخلّف المدلول أو لا، ولولا ذلك لم يوجد خبر كاذب على هذا المذهب لأنّ الخبر الكاذب ما خالف مدلوله اعتقاد المخبر فلا اعتقاد للمخبر بخبره ولا تصديق به فلا يكون كاذبا، لأنّه مختصّ بالخبر. واحتج النّظّام بقوله تعالى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ كذّبهم في قولهم إنّك لرسول الله مع مطابقته للخارج لأنّه لم يطابق اعتقادهم.
والجواب أنّ المعنى لكاذبون في الشهادة.
وقال الجاحظ صدق الخبر مطابقته للواقع مع الاعتقاد بأنّه مطابق وكذبه عدم مطابقته للواقع مع اعتقاد أنّه غير مطابق، وغيرهما ليس بصدق ولا كذب وهو المطابقة مع اعتقاد اللامطابقة أو بدون الاعتقاد، وعدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة أو بدون الاعتقاد. فكلّ من الصدق والكذب بتفسيره أخصّ منه بتفسير الجمهور والنّظّام لأنّه اعتبر في كلّ منهما جمع الأمرين الذين اكتفوا بواحد منهما. وصدق المتكلّم مطابقة خبره للواقع والاعتقاد وكذبه عدمها. واستدلّ الجاحظ بقوله تعالى أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، فإنّ الكفّار حصروا أخبار النبي عليه السلام بالحشر والنّشر في الافتراء والأخبار حال الجنّة على سبيل منع الخلو؛ ولا شكّ أنّ المراد بالثاني غير الكذب لأنّه قسيمه، وغير الصدق لأنّهم اعتقدوا عدمه. وردّ بأنّ المعنى أم لم يفتر فعبّر عنه أي عن عدم الافتراء بالجنّة لأنّ المجنون يلزمه أن لا افتراء له لأنّ الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون، فيكون هذا حصرا للخبر الكاذب في نوعيه أعني الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد.
فائدة:
اعلم أنّ المشهور فيما بين القوم أنّ احتمال الصدق والكذب من خواص الخبر لا يجري في غيره من المركبات المشتملة على نسبة. وذكر بعضهم أنّه لا فرق بين النسبة في المركّب الأخباري وغيره إلّا بأنّه إن عبّر عنها بكلام تام يسمّى خبرا وتصديقا كقولنا: زيد انسان أو فرس، وإلّا يسمّى مركّبا تقييديا وتصوّرا كما في قولنا يا زيد الإنسان أو الفرس. وأيا ما كان فالمركّب إمّا مطابق فيكون صادقا أو غير مطابق فيكون كاذبا. فيا زيد الإنسان صادق ويا زيد الفرس كاذب ويا زيد الفاضل محتمل. وردّه المحقّق التفتازاني بما حاصله أنّه إن أراد هذا البعض أنّه لا فرق بينهما أصلا فليس بصحيح لوجوب علم المخاطب بالنسبة في المركّب التقييدي دون الأخباري، حتى قالوا إنّ الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف. وإن أراد أنّه لا فرق بينهما بحسب احتمال الصدق والكذب فكذلك لما ذكره الشيخ من أنّ الصدق والكذب إنّما يتوجهان إلى ما قصده المتكلّم إثباته أو نفيه، والنسبة [الوصفية] ليست كذلك. ولو سلّم فإطلاق الصدق والكذب على المحرك الغير التام مخالف لما هو المعتمد في تفسير الألفاظ، أعني اللغة والعرف. وإن أراد تجديد اصطلاح فلا مشاحة فيه. قال السيّد السّند: والحقّ أن يقال إنّ النّسب الذهنية في المركّبات الخبرية تشعر من حيث هي هي بوقوع نسب أخرى خارجة عنها، فلذلك احتملت عند العقل مطابقتها ولا مطابقتها وأمّا النّسب في المركّبات التقييدية فلا إشعار لها من حيث هي هي بوقوع نسب أخرى تطابقها أو لا تطابقها، بل ربما أشعرت بذلك من حيث إنّ فيها إشارة إلى نسب خبرية. بيان ذلك أنّك إذا قلت زيد فاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه تشعر بذاتها بوقوع نسبة أخرى خارجة عنها وهي أنّ الفضل ثابت له في نفس الأمر، لكن تلك النسبة الذهنية لا تستلزم هذه الخارجية استلزاما عقليا. فإن كانت النسبة الخارجية المشعر بها واقعة كانت الأولى صادقة وإلّا كاذبة. وإذا لاحظ العقل تلك النّسبة الذهنية من حيث هي هي جوّز معها كلا الأمرين على السّواء، وهو معنى الاحتمال. وأمّا إذا قلت يا زيد الفاضل فقد اعتبرت بينهما نسبة ذهنية على وجه لا تشعر من حيث هي أنّ الفضل ثابت له في الواقع بل من حيث إنّ فيها إشارة إلى معنى قولك زيد فاضل، إذ المتبادر إلى الأفهام أن لا يوصف شيء إلّا بما هو ثابت له. فالنّسبة الخبرية تشعر من حيث هي بما يوصف باعتباره بالمطابقة واللامطابقة أي الصدق والكذب، فهي من حيث هي محتملة لهما. وأمّا التقييدية فإنّها تشير إلى نسبة خبرية والإنشائية تستلزم نسبا خبرية، فهما بذلك الاعتبار تحتملان الصدق والكذب. وأمّا بحسب مفهوميهما فلا. وقال صاحب الأطول التحقيق الذي يعطيه الفكر العميق والذّكاء الدقيق أنّ النسبة التي لها خارج هي التي تكون حاكية عن نسبة. فمعنى ثبوت الخارج [لها] ليس إلّا كونه محكيّا، ونسب الإنشاءات ليست حاكية بل محضرة لــتطلّب وجودها أو عدمها أو معرفتها أو يتحسّر على فوتها إلى غير ذلك، وكذا نسب التقييديات ليست حاكية بل محضرة لتتعين به ذات. ومعنى مطابقتها للخارج أن يكون حكايتها على ما هو عليه فلا خارج للإنشاء هذا.
والصدق عند أهل الميزان يستعمل أيضا لمعنيين آخرين، فإنّه قد يستعمل في المفردات وما في حكمها من المركّبات التقييدية، ومعناه حينئذ الحمل، ويستعمل بعلى فيقال الكاتب صادق على الإنسان أي محمول عليه. وقد يستعمل في القضايا ومعناه حينئذ الوجود والتحقّق في الواقع، ويستعمل بفي فيقال هذه القضية صادقة في نفس الأمر أي متحقّقة فيها، حتى إذا قيل كلّما صدق كل ج ب بالضرورة صدق كل ج ب دائما كان معناه كلّما تحقّق في نفس الأمر مضمون القضية الأولى تحقّق فيها مضمون الثانية. والفرق بين الصدق بهذا المعنى وبين الصدق بمعنى مطابقة حكم القضية للواقع كما هو مآل المعنى الأول يظهر في القضية التي تتحقّق نسبتها في الاستقبال، فإنّ هذه القضية صادقة في الحال بمعنى مطابقة حكمها وليست بصادقة بمعنى عدم تحقّق نسبتها، إذ لم تتحقّق النسبة بعد، بل سوف تتحقّق. هكذا يستفاد ممّا حقّقه السيّد السّند في حواشي شرح المطالع.
وعند أهل السلوك هو استواء السّرّ والعلانية وذلك بالاستقامة مع الله تعالى ظاهرا وباطنا سرّا وعلانية، وتلك الاستقامة بأن لا يخطر بباله إلّا الله. فمن اتّصف بهذا الوصف أي استوى عنده الجهر والسّر وترك ملاحظة الخلق بدوام مشاهدة الحقّ يسمّى صديقا، كذا في مجمع السلوك. وقيل الصدق قول الحقّ في مواطن الهلاك. وقيل أن تصدق في موضع لا ينجّيك منه إلّا الكذب. قال القشيري: الصدق أن لا يكون في أحوالك شيب ولا في اعتقادك ريب ولا في أعمالك عيب، كذا في الجرجاني.

الحرّ

الحرّ:
[في الانكليزية] Deliverance freeing ،emancipation
[ في الفرنسية] Delivrance ،affranchissement ،liberation
بالفتح والتشديد لغة الخلوص. وشرعا خلوص حكمي يظهر في الآدمي لانقطاع حق الغير عنه، والحرية بالضم مثله. والحرّ بالضم لغة من الحرّ بالفتح، ويقابله الرقيق، ويقابل الحرّ والحرية الرق. هكذا صرح في جامع الرموز. وفي مجمع السلوك والحرية عند السالكين انقطاع الخاطر من تعلق ما سوى الله تعالى بالكلية، إذا، فالعبد يصل إلى مقام الحرية حينما لا يبقى فيه غرض دنيوي، أو لم يعد له ميل للدنيا والآخرة (زهد في الآخرة) وما ذلك إلّا لأنّك أنت مقيّد لوقتك وهو مقيّد بالروح.

وفي الإنسان الكامل يقول: الحرّ هو الذي بثمانية أشياء يكمل: الأقوال والأفعال والمعارف، والأخلاق الحسنة والتّرك، والعزلة والقناعة والفراغ. فإن توفرت الأربعة الأولى لدى أحد الأشخاص فذلك يقال له: البالغ. لا الحرّ. والأحرار فرقتان: فرقة آثرت الخمول والاحتراز عن الاختلاط بأهل الدنيا وقبول هداياهم. ويعلمون أنّ صحبة أهل الدنيا تزيد في التفرقة أي التشتّت. وبعضهم ينظر بعين التسليم والرضا ويعلمون أنّ الإنسان عند ما يواجه أمرا نافعا، ولو كان في نظره ضارا وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. فإذا يتساوى عندهم الاختلاط بالناس أو العزلة عنهم، وكذلك قبول هداياهم أو ردّها.

ثم اعلم بأنّ بعض الملاحدة يقولون: متى وصل العبد إلى مقام الحرّية تزول عنه صفة العبودية وهكذا كفر، لأنّ العبودية لم تزل عن مولانا رسول الله صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فمن ذاك الذي في هذا المقام يتكلّم. نعم. العبد حين يصل إلى مقام الحرية يعتق من العبودية لنفسه، يعني كل ما تطلبــه النّفس فهو لا يلبّي طلبها لأنّه مالك لنفسه، ونفسه مطيعة ومنقادة له، وقد زالت مشقّة التكاليف في أداء العبادة، بل يجد هدوء نفسه ونشاطا للعبادة، ويؤدّي العبادات بكل راحة. والحرية نهاية العبودية، فهي هداية العبد عند ابتداء خلقته كذا في مجمع السلوك في بيان الطريق

رطوبات العين

رطوبات العين:
[في الانكليزية] Eye humidity
[ في الفرنسية] Humidites de l'oeil
منها الرّطوبة الزّجاجية وهي رطوبة صافية غليظة القوام بيضاء تضرب إلى قليل حمرة مثل الزجاج الذائب، ولذا سمّيت بالزّجاجية. ومنها الرّطوبة الجليدية وهي رطوبة وسطية من رطوبات العين، سمّيت بها لجمودها وصفائها. ومنها الرّطوبة البيضية وهي رطوبة شبيهة ببياض البيض لونا وقواما، ولذا سمّيت بها، وتفاصيلها تطلب من كتب علم التشريح. ضد اليبوسة وهما كيفيتان ملموستان بديهيتان، وما ذكر في تعريفهما إمّا لوازمها أو تعريفات لفظية. قال الإمام الرازي: الرّطوبة سهولة الالتصاق بالغير وسهولة الانفصال عنه، أي كيفية تقتضي تلك السهولة وهي البلّة. لا يقال: لو كانت الرّطوبة كذلك لكان العسل أرطب من الماء لأنّه أشد التصاقا من الماء، وكذا الحال في الدهن، مع أنّ كونهما أرطب من الماء باطل. لأنّا نقول العسل وإن كان ألصق من الماء إلّا أنّه ينفصل بعسر وكذا الدهن. وأيضا نحن لا نفسّر الرّطوبة بنفس الالتصاق حتى يكون الأشد التصاقا أرطب، بل إنّما فسّرناه بسهولة الالتصاق. وقال الحكماء الرّطوبة كيفية توجب سهولة قبول التّشكل بشكل الحاوي القريب وسهولة تركه، أي للتشكّل بعد قبوله إيّاه. وردّ بأنّه يرد عليه ما مرّ إذ التشكّل إن كان للرطوبة فما يكون أدوم شكلا يكون أرطب كالعسل، فإنّه أدوم شكلا بالنسبة إلى الماء، وأيضا يلزم على هذا أن يكون الهواء أرطب من الماء لأنّه أرقّ قواما وأقبل للتشكّلات وتركها. واتفقوا أي جمهورهم على أنّ خلط الرّطب باليابس يفيد الاستمساك كما أنّه يفيد الرّطب استمساكا من السّيلان، فيجب على تقدير كون الهواء أرطب أن يكون خلط الهواء بالتراب يفيد التراب استمساكا من التفرّق، ويفيد التراب الهواء استمساكا من السّيلان، وكلاهما باطلان.

وهاهنا أبحاث. الأوّل: زعم البعض أنّ رطوبة الماء مخالفة بالماهية لرطوبة الدّهن المخالفة لرطوبة الزيبق. فالرطوبة جنس تحتها أنواع. وزعم آخرون أنّ ماهيتها واحدة بالنوع والاختلاف بسبب اختلاط اليابس بالرطب. قال الإمام الرازي: كلا القولين مختلّ. والثاني: هل توجد كيفية متوسّطة بين الرطوبة واليبوسة تنافيهما كالحمرة بين السّواد والبياض أو لا توجد؟ والحق أنّه غير معلوم، وأنّ إمكان وجودها مشكوك فيه. والثالث: في المباحث المشرقية أنّ الرطوبة إن فسّرت بقابلية الأشكال كانت عدمية، وإلّا احتاجت إلى قابلية أخرى فيتسلسل. وإن فسّرت بعلّة القابلية فكذلك لأنّ الجسم لذاته قابل للأشكال فلا تكون هذه القابلية معلّلة بعلّة زائدة على ذات الجسم، وإن سلّم كونها وجودية على تفسيرهم فالأشبه أنّها ليست محسوسة لأنّ الهواء رطب لا محالة بذلك المعنى، فلو كانت الرطوبة محسوسة لكانت رطوبة الهواء المعتدل الساكن محسوسة، فكان الهواء دائما محسوسا، وكان يجب أن لا يشكّ الجمهور في وجوده ولا يظنّوا أنّ الفضاء الذي بين السّماء والأرض خلاء صرفا. وإذا فسّرناها بالكيفية المقتضية لسهولة الالتصاق، فالأظهر أنّها محسوسة، وإن كان للبحث فيه مجال. وقد مال ابن سينا في بحث الأسطقسات من الشفاء إلى أنّها غير محسوسة. وفي كتاب النفس منه إلى أنّها محسوسة، ولعله أراد أنّ الرطوبة بمعنى سهولة قبول الأشكال غير محسوسة، وبمعنى الالتصاق محسوسة، هكذا يستفاد من شرح المواقف وشرح الطوالع.

والرابع: الرّطب، كما يقال على ما مرّ، كذلك يقال على معان أخر. في بحر الجواهر: الرّطب بفتحتين يقال لما يقبل الاتصال والانفصال والتشكّل بسهولة بحيث لا يظهر فيه ممانعة عن ذلك، كما يقال إنّ الهواء رطب، ولما هو بطبعه متماسك، لكنه بأدنى سبب يصير قابلا لذلك بسهولة كقولنا للماء إنّه رطب، ولما يكون الغالب فيه الأسطقس الرطب كما يقال للشّحم إنّه رطب، ولما يكون ما يتكوّن عنه الأعضاء رطبا كما يقال للبلغم والدّم إنّهما رطبان، ولما إذا أورد على البدن وانفعل عن حرارته أثّر فيه رطوبة زائدة على التي له كقولنا: إنّ كذا من الأدوية رطب ويسمّى رطبا بالقوة أيضا، ولما تخالطه رطوبات كثيرة كقولنا: إنّ هواء الفناء رطب، ولما هو أميل عن التوسّط إلى جهة الرطوبة، كقولنا: الإناث أرطب من الذكور، ولما أعطي مزاجا هو أكثر رطوبة مما ينبغي أن يكون له بحسب نوعه أو صنفه أو شخصه، كقولنا: فلان رطب المزاج، ولما هو سريع الاستحالة إلى الرطوبة، كقولنا للغذاء التفه أنّه رطب، وكذلك فافهم الحال في اليابس انتهى.
وقد سبق ما يتعلّق بهذا في لفظ البلّة أيضا.

الذّات

الذّات:
[في الانكليزية] Fitted with ،possessing
[ في الفرنسية] Pourvu de ،doue ،possesseur
هي النّفس اسم ناقص تمامها ذوات. ألا ترى عند التّثنية تقول ذواتان، مثل نواة ونواتان، كذا في بحر الجواهر. ولهذا ذكرناه مع لفظ الذّاتي وذات الجنب وغيرها.
الذّات:
[في الانكليزية] Essence ،substance ،the self
[ في الفرنسية] Essence ،substance ،le soi
هو يطلق على معان. منها الماهيّة بمعنى ما به الشيء هو هو وقد سبق تحقيقه في لفظ الحقيقة. وعلى هذا قال في الإنسان الكامل:
إنّ مطلق الذّات هو الأمر الذي تستند إليه الأسماء والصّفات في عينها لا في وجودها، فكلّ اسم أو صفة استند إلى شيء، فذلك الشيء هو الذّات، سواء كان معدوما كالعنقاء أو موجودا. والموجود نوعان نوع هو موجود محض وهو ذات الباري سبحانه، ونوع هو موجود ملحق بالعدم وهو ذات المخلوقات.
واعلم أنّ ذات الله تعالى عبارة عن نفسه التي هو بها موجود لأنّه قائم بنفسه، وهو الشيء الذي استحقّ الأسماء والصفات بهويّته، فيتصوّر بكلّ صورة تقتضيها منه كل معنى فيه، أعني اتّصف بكلّ صفة تطلبــها كلّ نعت واستحقّ بوجوده كلّ اسم دلّ عل مفهوم يقتضيه الكمال.
ومن جملة الكمالات عدم الانتهاء ونفي الإدراك، فحكم بأنّها لا تدرك، وأنّها مدركة له لاستحالة الجهل عليه تعالى. فذاته غيب الأحديّة التي كلّ العبارات واقعة عليها من كلّ وجه غير مستوفية لمعناها من وجوه كثيرة، فهي لا تدرك بمفهوم عبارة ولا تفهم بمعلوم إشارة، لأنّ الشيء انّما يعرف بما يناسبه فيطابقه، وبما ينافيه فيضادّه، وليس لذاته في الوجود مناسب ولا مناف ولا مضادّ فارتفع من حيث الاصطلاح، إذ أمعنّاه في الكلام، وانتفى لذلك أن يدرك للأنام انتهى.
وفي شرح المواقف للمتكلّمين هاهنا مقامان. الأول الوقوع، فذهب جمهور المحقّقين من الفرق الإسلامية وغيرهم إلى أنّ حقيقة الله تعالى غير معلوم للبشر، وقد خالف فيه كثير من المتكلّمين من أصحاب الأشعري والمعتزلة.
والثاني الجواز، وفيه خلاف. فمنعه الفلاسفة وبعض أصحابنا كالغزالي وإمام الحرمين. ومنهم من توقّف كالقاضي أبي بكر وضرار بن عمرو، وكلام الصوفية في الأكثر مشعر بالامتناع.
اعلم أنّهم اختلفوا في أنّ ذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات. فذهب نفاة الأحوال إلى التّخالف وهو مذهب الأشعري وأبي الحسين البصري، فهو منزّه عن المثل والنّدّ. وقال قدماء المتكلّمين ذاته مماثلة لسائر الذّوات في الذاتية والحقيقة، وإنّما يمتاز عن سائر الذوات بأحوال أربعة. الوجوب والحياة والعلم التّام والقدرة التامة أي الواجبيّة والحييّة والعالميّة والقادريّة التامّتين هذا عند الجبائي. وأما عند أبي هاشم فإنه يمتاز بحالة خامسة هي الموجبة لهذه الأربعة وهي المسمّاة بالإلهية. والمذهب الحقّ هو الأول انتهى.
ومنها الماهيّة باعتبار الوجود وإطلاق لفظ الذات على هذا المعنى أغلب من الإطلاق الأول وقد سبق أيضا في لفظ الحقيقة.
ومنها ما صدق عليه الماهيّة من الأفراد كما وقع في شرح التجريد في فصل الماهيّة، وبهذا المعنى يقول المنطقيون: ذات الموضوع ما يصدق عليه ذلك الموضوع من الأفراد. ثم المعتبر عندهم في ذات الموضوع في القضية المحصورة ليس أفراده مطلقا، بل الأفراد الشخصية إن كان الموضوع نوعا أو ما يساويه من الخاصّة والفصل، والأفراد الشخصية والنوعية إن كان جنسا أو ما يساويه من العرض العام. وبعضهم خصّ ذلك مطلقا بالأفراد الشخصيّة وهو قريب إلى التحقيق، وتفصيله يطلب من شرح الشمسية وشرح المطالع في تحقيق المحصورات. وهذه المعاني الثّلاثة تشتمل الجوهر والعرض.
ومنها ما يقوم بنفسه وهذا لا يشتمل العرض، وتقابله الصّفة بمعنى ما لا يقوم بنفسه، ومعنى القيام بالذات يجيء في محله، هكذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية في بحث التّصوّر والتصديق، والسّيد السّند في حاشية المطول في بحث هل في باب الإنشاء.
ومنها ما يقوم به غيره سواء كان قائما بنفسه كزيد في قولنا: زيد العالم قائم، أو لا يكون قائما بنفسه كالسّواد في قولنا: رأيت السّواد الشديد. وبهذا المعنى وقع في تعريف النّعت بأنّه تابع يدلّ على ذات كذا في چلپي المطول في باب القصر.
ومنها الجسم كما في الأطول وحاشية المطوّل للسّيد السّند في بحث الاستفهامية.
ومنها المستقلّ بالمفهومية أي المفهوم الملحوظ بالذّات، وهذا معنى ما قالوا: الذّات ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه وتقابله الصّفة بمعنى ما لا يستقلّ بالمفهومية، أي ما يكون آلة لملاحظة مفهوم آخر. فالنّسب الحكمية صفات بهذا المعنى، وأطرافها من المحكوم عليه والمحكوم به ذوات لاستقلالهما بالمفهومية؛ هكذا ذكر السّيد الشريف أيضا في بحث هل.
قال في الأطول هذا المعنى للذّات والصّفة الذي ادّعاه السّيد الشريف لم يثبت في ألسنة مشاهير الأنام انتهى. وقد ذكر الچلپي أيضا هذا المعنى في حاشية المطوّل في بحث الاستعارة الأصلية.
ومنها الموضوع سمّي به لأنّه ملحوظ على وجه ثبت له الغير كما هو شأن الذّوات وتقابله الصّفة بمعنى المحمول سمّيت به لأنّه ملحوظ على وجه الثّبوت للغير، هكذا في الأطول في بحث هل، وهكذا في العضدي حيث قال: في المبادئ: المفردان من القضية التي جعلت جزء القياس الاقتراني يسمّيها المنطقيون موضوعا ومحمولا، والمتكلّمون ذاتا وصفة، والفقهاء محكوما عليه ومحكوما به، والنحويون مسندا إليه ومسندا انتهى. قيل ما ذكره من اصطلاح المتكلّمين انّما يصحّ في ما هو موضوع ومحمول بالطّبع كقولنا: الإنسان كاتب لا في عكسه أي الكاتب إنسان. وأجيب بأنّ المحكوم عليه يراد به ما صدق عليه وهو الذات والمحكوم به يراد به المفهوم وهو الصّفة، وما قيل إنّ المسند إليه عند النّحاة قد يكون سورا عند المنطقيين كقولك كلّ إنسان حيوان، فجوابه أنّ المحكوم عليه بحسب المعنى هو الإنسان، هكذا ذكر السّيد الشريف في حاشيته، وبقي أنّ ما ذكره من اصطلاح الفقهاء مخالف لما مرّ في محلّه فلينظر ثمّة. منها الاسم الجامد وتقابله الصّفة بمعنى الاسم المشتق. ومنها الجزء الدّاخل بأن يكون محقّق الذاتي وتقابله الصّفة بمعنى الأمر الخارج، هكذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية في بحث التصوّر والتّصديق ويجيء ما يتعلق بهذا المقام في لفظ الذّاتي.

الدّليل

الدّليل:
[في الانكليزية] Proof ،demonstration ،sign
[ في الفرنسية] Preuve ،demonstration ،indice ،signe
لغة المرشد وهو الناصب والذاكر وما به الإرشاد. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع لأنّه نصب العالم دليلا على نفسه أو العالم بكسر اللام لأنّه الذي يذكر للمستدلّين كون العالم دليلا على الصانع أو العالم بفتح اللام لأنّه الذي به الإرشاد كما في العضدي. وعند الأطباء هو العلامة كما يستدلّ من حمرة القارورة على غلبة الدم، ومن صفرته النارنجية على الصفراء، كذا في السديدي شرح المؤجز. وفي بحر الجواهر الدليل هو علامة يهتدي بها الطبيب إلى المرض. وقد يطلق على القارورة لأنّه يهتدي بها إليه. وإنّما خصّ الأطباء البول بالدليل تنبيها على أنّ له مدخلا عظيما في الاستدلال على أحوال البدن انتهى.
وعند المنجّمين هو المزاعم كما سيجيء. وعند الأصوليين له معنيان، أحدهما أعمّ من الثاني مطلقا. فالأول الأعمّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وهو يشتمل القطعي والظنّي، وهذا المعنى هو المعتبر عند الأكثر. والثاني الأخصّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري وهذا يخصّ بالقطعي وهو القطعي المسمّى بالبرهان. والعلم بمعنى اليقين على اصطلاح المتكلّمين والأصوليين والظنّي يسمّى أمارة، هكذا ذكر السيد الشريف في حاشية العضدية، وهكذا اصطلاح المتكلّمين كما في المواقف وشرحه. إلّا أنّه ذكر له معان ثلاثة، حيث قال:
الطريق ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب فإن كان المطلوب تصورا سمّي طريقه معرّفا وإن كان تصديقا سمّي طريقه دليلا. وهو أي الدليل بالمعنى المذكور يشتمل الظنّي الموصل إل الظنّ كالغيم الرطب الموصل إلى الظنّ بالمطر، والقطعي الموصل إلى القطع كالعالم الموصل إلى العلم بوجود الصانع. وقد يخصّ الدليل بالقطعي ويسمّى الظنّي أمارة، وقد يخصّ الدليل أيضا مع التخصيص الأول بما يكون الاستدلال فيه من المعلول على العلّة ويسمّى برهانا إنّيا ويسمّى عكسه، وهو ما يستدل فيه من العلة على المعلول تعليلا وبرهانا لمّيا. والدليل عند الميزانيين منقسم إلى القياس والاستقراء والتمثيل لأنّ الدليل لا يخلو إمّا أن يكون على طريق الانتقال من الكلّي إلى الكلّي أو إلى الجزئي فيسمّى برهانا وقياسا، أو من الجزئي إلى الكلّي فيسمّى استقراء، أو من الجزئي إلى الجزئي فيسمّى تمثيلا، هكذا في حواشي السلم.
وذكر المحقق التفتازاني في حاشية العضدي أنّه قال الآمدي: أمّا الدليل فقد يطلق في اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل.
وقيل الذاكر له، وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد وهو المسمّى دليلا في عرف الفقهاء سواء أوصل إلى علم أو ظن. والأصوليون يفرّقون فيخصّون الدليل بما يوصل إلى علم والامارة بما يوصل إلى ظن، فحدّه عند الفقهاء ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وعند الأصوليين ما يمكن التوصّل به إلى العلم بمطلوب خبري. ثم قال المحقّق التفتازاني والأقرب أنّ اصطلاح الأصول ما ذكره الشارح أي شارح مختصر الأصول وهو عضد الملّة والدين. وبعد هذا فنشرع في شرح التعريف للدليل بالمعنى الأول فإنّه يكفيك.
فنقول اعتبر إمكان التوصّل إذ الدّليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصّل بالفعل فإنّه لا يخرج عن كونه دليلا بأن لا ينظر فيه أصلا، ولو اعتبر وجود التوصّل يخرج عن التعريف ما لم ينظر فيه أحد أبدا، والإمكان إن أريد به الإمكان الخاص يختص التعريف بمذهب الأشعري، وإن أريد به الإمكان الجامع للوجوب والفعل فيشتمل التوصّل عادة كما هو مذهب أهل السّنة. والتوصّل توليدا كما هو مذهب المعتزلة. والتوصل اعدادا كما هو مذهب الحكماء. والتوصّل لزوما كما هو مذهب الرازي يصحّ التعريف على جميع المذاهب المذكورة. وحيث كان التوصل أعمّ من أن يكون إلى علم أو ظنّ يتناول التعريف القطعي والظنّي. والمراد بالنظر فيه ما يتناول النظر في نفسه والنظر في أحواله وصفاته بأن يطلب من أحواله ما هو وسط مستلزم للحال المطلوب إثباته للمحكوم عليه. وترتب مقدمتان إحداهما من الوسط والمحكوم عليه وثانيتهما من الوسط، والحال المطلوب إثباته ويحصل منهما المطلوب الخبري، كالعالم فإنّه دليل على وجود الصانع إذا نظر في أحواله كالحدوث بأن يقال العالم حادث وكلّ حادث فله صانع، والمقدّمات المتفرّقة والمترتبة الغير المأخوذة مع الترتيب إذا نظر في أنفسها بأن ترتب ترتيبا صحيحا مستجمعا لشرائط الإنتاج يتوصّل بها إلى المطلوب الخبري. وبالجملة فقوله النظر في نفسه يتناول التصوّرات المتعدّدة متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدّمات متفرّقة أو مترتّبة كذلك. وقوله والنظر في أحواله يتناول المفرد فقط، فعلم من هذا أنّ الدليل عندهم قسمان: مفرد ومركّب وهو المقدّمات الغير المأخوذة مع الترتيب. وأمّا المقدمات المأخوذة مع الترتيب فهي خارجة عن تعريف الدليل عندهم، وأمّا عند المنطقيين فهي الدليل لا غير.
فأقول إذا تناول النظر ما يتناول النظر في نفسه والنّظر في أحواله فيتناول التعريف التصوّرات المتعدّدة متفرّقة كانت أو مترتبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدمات متفرقة أو مترتبة كذلك. أمّا إذا أخذت مع الترتيب فهي خارجة عن التعريف لاستحالة النّظر فيها، إذا النظر هو الترتيب. وكذا يتناول المفرد الذي من شأنه إذا نظر في أحواله يوصل إلى المطلوب كالعالم مثلا فإنه أيضا يسمّى عندهم دليلا رعاية لظاهر ما ورد به النصوص فإنّها ناطقة بكون السموات والأرض وما فيها أدلة. وبالجملة لو لم يرد العموم فإن خصّ بالنظر في نفسه خرج المفرد مع أنّه دليل عندهم، وإن خصّ بالنظر في أحواله خرج المعرّف مطلقا بهذا القيد إذ لا يقع الترتيب في أحواله فيلزم استدراك قيد الخبري فلا بد من التعميم فإذا عمّم النظر ظهر تناوله للجميع وقيد النظر بالصحيح وهو المشتمل على شرائطه مادّة وصورة إذ الفاسد ليس في نفسه سببا للتوصل ولا آلة له، وإن كان قد يفضي إليه فذلك إفضاء اتفاقي، فلو لم يقيد وأريد العموم خرجت الدلائل بأسرها إذ لا يمكن التوصّل بكل نظر فيها، وإن اقتصر على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه على افتراق الصحيح والفاسد في ذلك. والحكم بكون الإفضاء في الفاسد اتفاقيا إنّما يصحّ إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط عقلي يصير به بعضها وسيلة إلى بعض أو يخصّ بفساد الصورة أو بوضع ما ليس بدليل مكانه. وتقييد المطلوب بالخبري لإخراج المعرّف. ولو قيد المطلوب بالتصوّر يصير تعريفا للمعرّف، وإن جرّد عن القيدين يصير حدّا للمشترك بينهما أعني الموصل إلى المجهول المسمّى بالطريق عندهم.
وعند المنطقيين له معنيان أيضا أحدهما أعمّ من الثاني كما ذكر السيّد الشّريف في حاشية العضدي. الأول الموصل إلى التصديق قياسا كان أو تمثيلا أو استقراء، والثاني القياس البرهاني. وعلى الأول عرّف بأنّه قولان فصاعدا يكون عنه قول آخر. والمراد بالقولين قضيتان معقولتان أو ملفوظتان، فإنّ الدليل كالقول والقضية يطلق على المعقول والمسموع اشتراكا أو حقيقة ومجازا. وقيل أي مركّبان ويخرج بقوله يكون عنه قول آخر قولان فصاعدا من المركبات التقييدية أو منها ومن التّامة كما يخرج قولان من التامة إذا لم يشتركا في حدّ أوسط.
وإنّما قال فصاعدا ليشتمل القياس المركّب.
وفي توحيد الضمير وتذكيره في عنه تنبيه على أنّ الهيئة لها مدخل في ذلك. قيل إنّما وصف القول بالآخر ليخرج عنه مجموع أيّة قضيتين اتفقتا فإنّه يستلزم إحداهما. وهذا لا يصحّ هاهنا إذ لا تكون عنه إحداهما. ولمّا اعتبر حصول القول الآخر سواء كان لازما بيّنا أو غير بيّن أو لا يكون لازما يتناول الحدّ الأمارة وغيرها لأنّه يجمع التمثيل والاستقراء والقياس البرهاني والجدلي والخطابي والشعري والمغالطي. وعلى الثاني عرّف بأنّه قولان فصاعدا يستلزم لذاته قولا آخر إذ هذا يختص بالقياس البرهاني، إذ غير البرهان لا يستلزم لذاته شيئا آخر لأنّه لا علاقة بين الظنّ وبين شيء يستفاد هو منه لانتفائه مع بقاء سببه الذي يوصل منه إليه كالغيم الرّطب يكون أمارة للمطر ثم يزول ظنّ المطر بسبب من الأسباب مع بقاء الغيم بحاله. فإن قيل قد أطبق جمهور المنطقيين على اعتبار قيد الاستلزام في تعريف القياس وجعلوه مع ذلك شاملا للصناعات الخمس. أجيب بأنّهم زادوا قيدا آخر هو تقدير تسليم مقدماته. فالاستلزام في الكلّ إنّما هو على ذلك التقدير وأمّا بدونه فلا استلزام إلّا في البرهان، وفساده ظاهر لأنّ التسليم لا مدخل له في الاستلزام، فإنّ تحقّق اللزوم لا يتوقف على تحقّق الملزوم ولا اللازم، ويجيء أيضا في لفظ القياس مع بيان فائدة قيد تقدير التسليم، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي. والظاهر أنّ هذا التعريف شامل للصناعات الخمس مرادف للقياس، ويؤيده ما ذكر الهداد- الهادية- في حاشية الكافية في تقسيم الكلمة إلى الاسم وأخويه من أنّ الدليل والقياس في اصطلاح المنطقيين بمعنى واحد، وهو قول مؤلّف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر انتهى.
نعم قد يطلق الدليل عندهم على معنى أخصّ أيضا وهو البرهان كما عرفت، ولكن هذا التعريف ليس تعريفا له وإن ذكروه في تعريفه.
قيل وفي هذا التعريف الثاني بحث وهو أنّ فيضان النتيجة بطريق العادة عند الأشاعرة ولا استلزام ذاتيا هناك، إذ لا مؤثّر إلّا الله سبحانه.
فإن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا كما هو المتبادر صحّ التعريف الثاني على رأي أصحابه دون الواقع بخلاف الأول فإنّه صحيح مطلقا، إذ لم يذكر فيه الاستلزام الذاتي، وإن حمل على الدوام والامتناع العادي فقد عدل به عن ظاهره انتهى. يعني أنّ هذا التعريف صحيح عند من عرّفه به غير صحيح بحسب الواقع ونفس الأمر إن أريد بالاستلزام الذاتي ما هو المتبادر منه، أو معدول به عن ظاهره إن حمل الاستلزام الذاتي على الدوام فلا يخلو عن الاضطراب. أقول صحة التعريف يكفي فيها انطباقه على مذهب من يقول به، وكونه غير مطابق للواقع لا يضرّه في صحته كما لا يخفى. ولذا قال المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي: إن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا لا يصح التعريف إلّا على مذهب الحكماء والمعتزلة، وإن أريد به امتناع الانفكاك في الجملة عقليا كان أو عاديا يصحّ على رأي الأشاعرة أيضا انتهى. لكن بقي هاهنا شيء وهو أنّ الدليل باصطلاح المنطقيين والحكماء يباين الدليل باصطلاح المتكلّمين والأصوليين. فما عرّفه به أحد الفريقين كيف ينطبق على مذهب الفريق الآخر.
أقول أمّا وجه تطبيق هذين التعريفين المذكورين للدليل على مذهب المتكلّمين والأصوليين فبأن يراد بالقولين الغير المرتّبين، ويراد بالتكوّن والاستلزام ما يكون بالنظر الصحيح في أنفسهما، فيكون هذان التعريفان تعريفين لأحد قسمي الدليل عندهم وهو المركّب. وأمّا وجه تطبيق تعريف الدليل بأنّه ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى آخره فبأن يراد بلفظ ما المقدمات المأخوذة مع الترتيب؛ كأنّه قيل الدليل مقدمات مترتّبة يتوصّل بها بسبب النظر الصحيح فيها أي بسبب ترتيبها إلى المطلوب الخبري، هذا ما عندي.
وعرف الدليل أيضا بما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والمراد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني بقرينة أنّ الدليل لا يطلق اصطلاحا إلّا على الموصل إلى التصديق المقابل للمعرّف، فخرج المعرّف بالنسبة إلى المعرّف والملزوم بالنسبة إلى اللازم، فإنّ تصوّر الملزوم يستلزم تصوّر اللازم لا التصديق به. والمراد بلزومه من آخر كونه حاصلا منه بأن يكون علّة له بطريق جري العادة أو التوليد أو الإعداد بقرينة كلمة من، فإنّه فرّق بين اللازم للشيء وبين اللازم من الشيء فتخرج القضية المستلزمة لقضية أخرى كالعلم بالنتيجة فإنّه يستلزم العلم بالمقدمات المستنتجة منها سواء كانت بديهية أو كسبية. لكن يرد عليه ما عدا الشكل الأول لعدم اللزوم بين علم المقدّمات على هيئة غير الشكل الأول وبين علم النتيجة لا بيّنا وهو ظاهر، ولا غير بيّن لأنّ معناه خفاء اللزوم وحيث لا لزوم لا خفاء، إذ الخفاء إنّما يتصوّر بعد وجود اللزوم. وأجيب بأنّ تفطن كيفية الاندراج شرط الإنتاج في كل شكل، فالمراد ما يلزم من العلم به بعد تفطن كيفية الاندراج. ولا شكّ في تحقق اللزوم في جميع الأشكال. ويمكن أن يقال إطلاق الدليل على الأشكال الباقية باعتبار اشتمالها على ما هو دليل حقيقة وهو الشكل الأول. وأيضا يرد عليه المقدمات التي تحدس منها النتيجة وهي بعينها واردة على تعريفه السابق وهو قولان فصاعدا، يستلزم عنه قول آخر، اللهم إلّا أن يراد بالاستلزام واللزوم ما يكون بطريق النظر بقرينة أنّ التعريف للدليل، فحينئذ لا انتقاض لفقدان النظر لأنّه عبارة عن الحركتين، والحركة الثانية مفقودة في الحدس.
ثم هذا التعريف أوفق باصطلاح المنطقيين سواء أريد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني لأنّ لزوم العلم بشيء آخر من غير أن يتوقّف على أمر إنّما هو في المقدّمات مع الترتيب دون المفرد، والمقدمات الغير المأخوذة مع الترتيب. ويمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين والأصوليين أيضا بأن يقال المراد باللزوم اللزوم بشرط النظر، والدليل المفرد بشرط النظر في أحواله يستلزم المطلوب الخبري، فإنّ العلم بالعالم من حيث الحدوث بأن يتوسّط بين طرفي المطلوب، فيقال العالم حادث وكل حادث فله صانع يستلزم العلم بأنّ العالم له صانع، هذا خلاصة ما في الخيالي وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.
تنبيه
قد علم مما سبق أنّ الدليل عند الأصوليين والمتكلّمين سواء أخذ بحيث يعمّ القطعي والظني أو بحيث يخصّ بالقطعي أو بحيث يخصّ بالبرهان الإنّي ينقسم إلى قسمين:
مقدمات متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب والمفردات. وأنّ الدليل عند المنطقيين سواء أخذ بحيث يعمّ القياس وغيره أو بحيث يختصّ بالقياس أو بحيث يختصّ بالقياس البرهاني هو القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما لا غير فالمعنيان المصطلحان متباينان صدقا. ومن زعم تساويهما في الوجود بشرط النّظر في المعنى الأصولي لزمه القول بوجوده أي بوجود المعنى الأصولي في الكواذب. والحاصل أنّ الدليل عند الأصوليين على إثبات الصانع العالم مثلا؛ وكذا قولنا العالم حادث وقولنا وكلّ حادث فله صانع. وعند المنطقيين مجموع قولنا العالم حادث وكل حادث فله صانع، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي.
اعلم أنّه ذكر في بعض شروح هداية النحو في الخطبة الدليل في اللغة الهادي والمرشد وفي الاصطلاح هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. وعند الفلاسفة عبارة عن مجموع الأقوال التي يؤدّي تصديقها إلى تصديق قول وراء تلك المجموع. وعند الأصوليين عبارة عما يستدل بوقوعه وبشيء آخر من حالاته على وقوع غيره وعلى شيء من أوصافه على ما صرّحوا في موضعه. وعند المتكلّمين هو الذي يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري. وعند المنطقيين قول مؤلّف من قضايا يستلزم لذاته قولا آخر وهو قياس واستقراء وتمثيل، ويرادفه الحجّة انتهى.
أقول وفيما ذكره نظر فإنّ قوله وفي الاصطلاح إن أراد به اصطلاح النحاة بقرينة أنّ الكتاب في علم النحو فلا نسلم أنّ للنحاة اصطلاحا منفردا في هذا اللفظ مع أنّك قد عرفت أنّ مرجع ذلك التعريف إمّا إلى اصطلاح أهل الميزان أو إلى اصطلاح المتكلّمين أو أهل الأصول. وإن أراد به اصطلاح العلماء بمعنى أنهم جميعا يعرفون بهذا التعريف وإن اختلف وجهه فلا يفيد كثير فائدة. وأيضا لا خفاء في أنّ محصّل التعريف المنقول عن الفلاسفة هو أنّ الدليل بمعنى الموصل إلى التصديق قياسا كان أو غيره، وقد عرفت أنّ هذا المعنى من مصطلحات أهل الميزان، فلا يعرف للفلاسفة اصطلاحا منفردا، بل الظاهر أنهم يوافقون في هذا لأهل الميزان. وأيضا محصّل التعريف المنقول عن الأصوليين هو أنّ الدليل ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وقد عرفت أنّه لا فرق في الاصطلاح بينهم وبين المتكلّمين لا في هذا التعريف الأعمّ ولا في التعريف الأخصّ الذي نسبه ذلك الشارح إلى المتكلمين، فالتعويل على ما ذكرناه سابقا.
التقسيم

قال المتكلّمون: الدليل إمّا عقلي بجميع مقدماته قريبة أو بعيدة، أو نقلي بجميعها، أو مركّب منهما. والأول هو الدليل العقلي المخصوص الذي لا يتوقّف على السمع أصلا. والثاني النقلي المحض وهذا لا يتصوّر إذ صدق المخبر لا بد منه حتى يفيد العلم وأنّه لا يثبت إلّا بالعقل. والثالث أي المركّب منهما هو الذي يسمّيه معاشر المتكلّمين بالنقلي لتوقفه على النقل في الجملة، فانحصر الدليل في قسمين العقلي المحض والمركّب من العقلي والنقلي، هذا هو التحقيق. ولا يخفى أنّ هذا التقسيم إذا أريد بالدليل المقدمات المترتبة فلا غبار عليه، لكن لا يمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين. أمّا إذا أريد به مأخذها كالعالم للصانع وكالكتاب والسنة والإجماع للأحكام فلا معنى له. فطريق القسمة أنّ استلزامه للمطلوب إن كان بحكم العقل فعقلي وإلّا فنقلي، كذا في شرح المقاصد. ووقع في عبارة بعضهم تثليث القسمة بطور صحيح، فقيل مقدمات الدليل القريبة قد تكون عقلية محضة كقولنا العالم متغيّر وكل متغيّر حادث. وقد تكون نقلية محضة كقولنا تارك المأمور به عاص بقوله تعالى أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي وكلّ عاص يستحق النار لقوله تعالى وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ وقد يكون بعضها مأخوذا من النقل وبعضها مأخوذا من العقل لا من النقل فيشتمل المأخوذة من الحس كقولنا هذا تارك المأمور به وكل تارك المأمور به عاص، فإنّ المقدمة الأولى يحكم بها العقل ولو بواسطة الحسّ ولا يتوقف على النقل، فلا بأس أن يسمّى هذا القسم الأخير بالمركّب.
ثم المطالب التي تطلب بالدليل ثلاثة أقسام. احدها ما يمكن عند العقل أي لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه نحو جلوس الغراب الآن على المنارة فهذا المطلب لا يمكن إثباته إلّا بالنقل لأنّه لمّا كان غائبا عن العقل والحسّ معا استحال العلم بوجوده أو بعدمه إلّا من قول الصادق، ومن هذا القبيل تفاصيل أحوال المعاد. وثانيها ما يتوقّف عليه النقل مثل وجود الصانع تعالى ونبوّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم فهذا المطلب لا يثبت إلّا بالعقل لأنّه لو ثبت بالنقل لزم الدور، لأنّ كلّ واحد منهما يتوقف على الآخر. وثالثها ما عداهما كالحدوث إذ يمكن إثبات الصانع بدونه بأن يستدلّ على وجوده بإمكان العالم ثم يثبت كونه عالما مرسلا للرسل ثم يثبت بأخبار الرسل حدوث العالم. وهذا المطلب يمكن إثباته بالعقل وكذا بالنقل. ثم اعلم أنّهم اختلفوا في إفادة النقلية اليقين. فقيل لا يفيد وهو مذهب المعتزلة، وجمهور الأشاعرة. وقيل قد يفيد بقرائن مشاهدة من المنقول عنه أو متواترة تدلّ على انتفاء الاحتمالات وهو الحق، وتفصيله في شرح المواقف.

الخفيف

الخفيف:
[في الانكليزية] Light
[ في الفرنسية] Leger
ضد الثقيل وقد سبق. وعند أهل القوافي هو الشعر المنهوك كما في بعض الرسائل العربية. والمنهوك سيجيء ذكره. وعند أهل العروض هو اسم بحر وزنه فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن مرتين كذا في عنوان الشرف. وفي جامع الصنائع يقول: البحر الخفيف له وزنان:
أحدهما تام والثاني مجزوء. فالتام هو ما كان حسب الأصل: ومثاله:
إذا كنت تطلب مني مثلا على الخفيف فزد فعلاتن مفاعلن فعلاتن مفاعلن.

والمجزوء: جزءان منه على أصلهما والثالث محذوف ومثاله في البيت التالي:
إليك هذا النموذج من الخفيف فعلاتن مفاعلن فعلن. انتهى.

الحدّ

الحدّ:
[في الانكليزية] Limit ،definition ،punishment ،term
[ في الفرنسية] Limite ،definition ،punition ،terme
بالفتح لغة المنع ونهاية الشيء. وعند المهندسين نهاية المقدار وهو الخطّ والسطح والجسم التعليمي ويسمّى طرفا أيضا. وقد يكون مشتركا ويسمّى حدا مشتركا أيضا، وهو ذو وضع بين مقدارين يكون [هو بعينه] نهاية لأحدهما وبداية للآخر، أو نهاية لهما أو بداية لهما على اختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات. فإذا قسّم خط إلى جزءين فالحدّ المشترك بينهما النقطة. وإذا قسّم السطح كذلك فالحدّ المشترك بينهما الخط، وفي الجسم المنقسم كذلك السطح. والحدود المشتركة يجب كونها مخالفة في النوع لما هي حدود له لأنّ الحدّ المشترك يجب كونه بحيث إذا ضمّ إلى أحد القسمين لم يزد به أصلا، وإذا فصل عنه لم ينقص شيئا، وإلّا لكان الحد المشترك جزءا آخر من المقدار المقسوم، فيكون التقسيم إلى قسمين تقسيما إلى ثلاثة، وإلى ثلاثة تقسيما إلى خمسة، وهكذا. فالنقطة ليست جزءا من الخط بل هي عرض فيه، وكذا الخط بالقياس إلى السطح والسطح بالقياس إلى الجسم.
اعلم أنّ نهاية الخط المتناهي الوضع لا المقدار نقطة، ونهاية السطح المتناهي الوضع والمقدار بالذات خط أو نقطة، ونهاية الجسم بالذات سطح. وإن شئت التوضيح فارجع إلى شرحنا لضابط قواعد الحساب المسمّى بموضح البراهين وشرح المواقف في مبحث تقسيم الكم.
وحدّ الكوكب هو جرم الكوكب ونوره في الفلك وقد مرّ في لفظ الاتصال.
وأيضا يقسّم المنجمون كل برج على الخمسة المتحيّرة بأقسام مختلفة غير متساوية، ويسمّى كل قسم منها حدّا. مثلا يقولون ستة درج من أول الحمل حدّ المشتري ثم الستة الأخرى حدّ الزهرة ثم الأربعة بعدها حدّ عطارد ثم الخمسة حدّ المريخ ثم الخمسة الباقية حدّ الزحل. وفي تقسيم الحدود اختلافات كثيرة تطلب من كتب النجوم، ويقال لذلك الكوكب صاحب الحدّ. اعلم أنّهم يحرّكون دلائل الطالع من درجة الطالع والعاشر وغيرها، أي يعتبرون حركتها في السنة الشمسية بمقدار درجة واحدة من المعدل ويسمّون هذا العمل تسييرا. وإذا بلغ التسيير بحدّ كوكب ما من الخمسة المتحيّرة يسمّى موضعه بدرجة القسمة، وصاحب ذلك الحدّ يسمّى بالقاسم. وتفصيله يطلب من كتب النجوم.
وعند الفقهاء عقوبة مقدرة تجب حقّا لله تعالى فلا يسمّى القصاص حدّا لأنه حق العبد ولا التعزير لعدم التقدير. والمراد بالعقوبة هاهنا ما يكون بالضرب أو القتل أو القطع فخرج عنه الكفّارات، فإنّ فيها معنى العبادة والعقوبة، وكذا الخراج فإنّه مئونة فيها عقوبة، هذا هو المشهور. وفي غير المشهور عقوبة مقدرة شرعا فيسمّى القصاص حدّا، لكن الحدّ على هذا على قسمين: قسم يصحّ فيه العفو وقسم لا يقبل العفو. والحدّ على الأول لا يقبل الإسقاط بعد ثبوت سببه عند الحاكم، والمقصد الأصلي من شرعه الانزجار عمّا يتضرّر به العباد. هكذا يستفاد من الهداية وفتح القدير والبرجندي.
ويطلق أيضا على ما يتميّز به عقار من غيره ممّا لا يتغيّر كالدور والأراضي، فالسور والطريق والنهر لا يصلح حدّا لأنّه يزيد وينقص ويخرب، وهذا عنده خلافا لهما، وهو المختار عند شمس الإسلام كذا في جامع الرموز في كتاب الدعوى. وبهذا المعنى وقع في قولهم لا بدّ في دعوى العقار من ذكر الحدود الأربعة أو الثلاثة.
وعند الأصوليين مرادف للمعرّف بالكسر وهو ما يميّز الشيء عن غيره، وذلك الشيء يسمّى محدودا ومعرّفا بالفتح. وهو ثلاثة أقسام:
لأنّه إمّا أن يحصّل في الذهن صورة غير حاصلة أو يفيد تمييز صورة حاصلة عمّا عداها. والثاني حدّ لفظي إذ فائدته معرفة كون اللفظ بإزاء معنى. والأول إمّا أن يكون بمحض الذاتيات وهو الحدّ الحقيقي لإفادته حقائق المحدودات، فإن كان جميعا فتامّ وإلّا فناقص. وإمّا أن لا يكون كذلك فهو الحدّ الرسمي. وأمّا التعريف الاسمي سواء كان حدّا أو رسما فالمقصود منه تحصيل صور المفهومات الاصطلاحية وغيرها من الماهيات الاعتبارية، فيندرج في القول الشارح المخصوص بالتصوّرات المكتسبة حدّا أو رسما لإنبائه عن ذاتيات مفهوم الاسم أو عنه بلازمه، هكذا في العضدي وحاشيته للسيّد السّند، وكذا عند أهل العربية أي مرادف للمعرف.
قال المولوي عبد الغفور وعبد الحكيم في حاشية الفوائد الضيائية في شرح عبارة الكافية:
وقد علم بذلك حد كلّ واحد منها ما حاصله أنّه ليس غرض الأدباء من الحدّ إلّا التمييز التام. وأمّا التمييز بين الذاتيات والعرضيات فوظيفة الفلاسفة الباحثين عن أحوال الموجودات على ما هي عليه. فالحدّ عند الأدباء هو المعرّف الجامع المانع. وهكذا ذكر المولوي عصام الدين حيث قال: معنى الحدّ عند الأدباء المعرّف الجامع المانع كما صرّح به ابن الحاجب في الأصول.
وعند المنطقيين يطلق في باب التعريفات على ما يقابل الرسمي واللفظي وهو ما يكون بالذاتيات. وفي باب القياس على ما ينحلّ إليه مقدمة القياس كالموضوع والمحمول. قال في شرح المطالع: لا بدّ في كل قياس حملي من مقدمتين تشتركان في حدّ ويسمّى ذلك الحد حدّا أوسط لتوسّطه بين طرفي المطلوب وتنفرد إحدى المقدمتين بحدّ هو موضوع المطلوب، ويسمّى أصغر لأنّ الموضوع في الأغلب أخصّ فيكون أقلّ أفرادا، فيكون أصغر، وتنفرد المقدمة الثانية بحدّ هو محمول المطلوب ويسمّى أكبر لأنه في الأغلب أعمّ فيكون أكثر أفرادا. فما ينحل إليه مقدمة القياس كالموضوع والمحمول يسمّى حدّا لأنه طرف النسبة تشبيها له بالحدّ الذي هو في كتب الرياضيين. فكل قياس يشتمل على ثلاثة حدود الأصغر والأكبر والأوسط مثلا إذا قلنا كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم فالمطلوب أي النتيجة الحاصلة منه كل إنسان جسم والإنسان حدّ أصغر والحيوان حدّ أوسط والجسم حدّ أكبر هذا. ثم إنّ هذه الاصطلاحات غير مختصة بالقياس الحملي.
فالواجب أن تعتبر بحيث تعمه وغيره، فيبدل لفظ الموضوع بالمحكوم عليه ولفظ المحمول بالمحكوم به انتهى. ويؤيد هذا التعميم ما في الطيبي من أن المشترك المكرّر بين مقدمتي القياس فصاعدا يسمّى أوسط لتوسّطه بين طرفي المطلوب، سواء كان موضوعا أو محمولا مقدما أو تاليا انتهى. وقال الصادق الحلواني في حاشيته في هذه العبارة إشعار بأنّ الحدّ الأوسط لا يختص بالاقتراني ولا الحملي ولا البسيط. وظاهر كلام القوم خلاف الكل لإشعاره باختصاصه بالاقتراني الحملي البسيط.

وَحج

وَحج
: (} الوَحَجُ، محرَّكةً: المَلْجَأُ) ، هاذه الْمَادَّة أَهملها الجوهريّ وَابْن مَنْظُور.
( {وَحِجَ) بِهِ (كفَرِح) : إِذا (الْتَجَأَ.} وأَوْحَجْتُه) أَنا (: أَلْجَأْتُه) .
( {والوَحَجَةُ، محرَّكةً: المَكانُ الغامِض، ج} أَوْحاجٌ) .
وأَظنُّه تصحيفاً، فإِنه سيأْتي للمصنّف فِي وجح هاذا الكلامُ بعَينه، وَلَو كَانَ لُغَة صَحِيحَة تعرَّضَ لَهَا ابْن منظورٍ لشدَّةِ تطلُّبــه فِي ذالك.

التّلميح

التّلميح:
[في الانكليزية] Allusion ،periphrasis
[ في الفرنسية] Allusion ،periphrase
بالميم عند البلغاء وهو أن يشار في فحوى الكلام إلى قصة أو شعر أو مثل سائر من غير ذكره، أي من غير ذكر تلك القصة أو ذلك الشّعر أو المثل. فأقسام التلميح ستة لأنّه إمّا أن يكون في النظم أو النثر وعلى التقديرين فإمّا أن يكون إشارة إلى قصة أو شعر أو مثل سائر.

ففي النثر قول الحريري: فبتّ بليلة نابغية وأحزان يعقوبية، فإنّ فيه إشارة إلى قول النابعة:
فبتّ كأني ساورتني ضئيلة من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع وإلى قصة يعقوب عليه السلام. وباقي الأمثلة تطلب من المطول.
فائدة:

قال البعض: هذا اللفظ تمليح بتقديم الميم على اللام وهو خطأ، والصواب تلميح بتقديم اللام على الميم مأخوذ من لمحه إذا أبصره ونظر إليه. وكثيرا ما تسمعهم يقولون في تفسير الأبيات في هذا البيت تلميح إلى قول فلان، وقد لمح هذا البيت فلان ونحو ذلك.
وأما التمليح فهو مصدر ملح الشاعر إذا أتى بشيء مليح وقد ذكر في باب التشبيه كذا في المطول في الخاتمة.

التّعقيد

التّعقيد:
[في الانكليزية] Complication
[ في الفرنسية] Complication
كالتصريف عند أهل البيان كون الكلام غير ظاهر الدلالة على المراد لخلل إما في النظم وإما في الانتقال أي كونه غير ظاهر الدلالة مع أنّ المقصود من إيراده إعلام المرام، فخرج المتشابه إذ المقصود منه الابتلاء لا الإفهام، ولا يرد المشترك والمجمل أيضا إذ ليس فيهما خلل لا في النظم ولا في الانتقال كما فسّر به. والتعقيد مطلقا سواء كان لفظيا وهو الذي يكون بسبب خلل في النظم أو معنويا وهو الذي يكون بسبب خلل في الانتقال مخلّ بالفصاحة. وأورد عليه بأنّه لو كان مخلّا بالفصاحة لم يكن اللّغز والمعمّى عنه مقبولين مع أنّهما مما يورد في علم البديع. والجواب أنّ قبولهما ليس من حيث الفصاحة بل لاشتمالهما على دقّة يختبر بها أهل الفطن. ولما كان عدم ظهور الدلالة صادقا على عدم ظهورها لاشتمال الكلام على لفظ غريب أو مخالف للقياس مع أنّه ليس تعقيدا قيّد ذلك بقولنا لخلل. ثم إنّه ليس المراد بالنظم كون الألفاظ مترتبة المعاني متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل فإنّ النظم حينئذ شامل لرعاية ما يقتضيه علم المعاني وعلم البيان. والخلل فيه يشتمل التعقيد المعنوي والخطأ في تأدية المعنى، بل المراد بالنظم تركيب الألفاظ على وفق ترتيب يقتضيه إجراء أصل المعنى. والخلل في النظم بأن يخرج عن هذا التركيب إلى ما لا تشهد به قوانين النحو المشهورة أو إلى ما تشهد به لكن تحكم بأنّه على خلاف طبيعة المعنى فتخفى الدلالة لكثرة اجتماع خلاف الأصل الموجبة لتحيّر السامع. قال في الإيضاح:
فالكلام الخالي عن التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلّا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية.
فالتعقيد اللفظي ربما كان لضعف التأليف وربما كان مع الخلوص عنه بأن يكون على قوانين هي خلاف الأصل، فلا يكون اشتراط الخلوص عنه في تعريف فصاحة الكلام بعد ذكر الخلوص عن ضعف التأليف مستدركا كما توهم، ولا يكون وجود التعقيد اللفظي بلا مخالفة لقانون نحوي مشهور، مخالفا للحكم بأنّ مرجع الاحتراز عن التعقيد اللفظي هو النحو كما توهّم أيضا، لأنّ النحو يميز بين ما هو الأصل وبين ما هو خلاف الأصل، والاحتراز عنه بالاحتراز عن جمع كثير من خلاف الأصل. وأمّا أنّه هل يكون الضعف بدون التعقيد اللفظي أم لا، فالحق الثاني وإن توهّم بعض الأفاضل أنّه لا تعقيد في جاءني أحمد بالتنوين لأنّ جاءني أحمد يفيد مجيء أحمد ما لا الشخص المعيّن، فلا يكون ظاهر الدلالة على الشخص المعيّن المراد. مثاله قول الفرزدق في مدح خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي:
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه.
أي ليس في الناس مثله حيّ يقاربه في الفضائل إلّا مملّك وهو الذي أعطي الملك والمال، يعني هشاما، أبو أمّه أي أبو أم ذلك المملّك، أبوه أي أبو إبراهيم الممدوح، أي لا يماثله أحد إلّا ابن أخته وهو هشام، ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حيّ، وبين الموصوف والصفة أعني حيّ يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه، وتقديم المستثنى أعني مملّكا على المستثنى منه أعني حيّ، ولهذا نصبه، وإلّا فالمختار البدل. فهذا التقديم شائع الاستعمال لكنه أوجب زيادة في التعقيد. والمراد بالخلل في الانتقال الخلل الذي ليس لخلل النظم وإلّا فعدم ظهور الدلالة لخلل في النظم إنّما هو لخلل في الانتقال. قال في الإيضاح والكلام الخالي عن التعقيد المعنوي ما يكون الانتقال فيه من معناه الأول إلى معناه الثاني الذي هو المراد به ظاهرا حتى يخيّل إلى السّامع أنّه فهمه من حاق اللفظ انتهى. والمراد أنّه فهمه قبل تمام الكلام لغاية ظهوره على زعمه. واعترض عليه بأنّه يفهم منه لزوم كون الجامع في الاستعارة ظاهرا، وقد ذكروا أنّ الجامع إذا ظهر بحيث يفهمها غير الخاصة تسمّى مبتذلة ويشترطون في قبولها أن يكون الجامع غامضا دقيقا. فبين الكلامين تدافع وأجيب بأنّ غموض الاستعارة ودقّة جامعها لا ينافي وضوح طريق الانتقال بأن لا يكون مانع لغوي أو عرفي، ولا يرد الإبهام الذي عدّ من المحسّنات للكلام البليغ، لأنّه إنّما يعدّ محسّنا عند وضوح القرينة الدالة على المراد.
والاعتراض بأنّ سهولة الانتقال ليست بشرط في قبول الكنايات وإلّا لزم خروج أكثر الكنايات المعتبرة عند القوم من حيّز الاعتبار خارج عن حيّز الاعتبار، لأنّ صعوبة الانتقال في تلك الكنايات إن أدّت إلى التعقيد فلا نسلّم اعتبارها عندهم. كيف وقد صرّحوا بأنّ المعمّى واللغز غير معتبرين عندهم لاشتمالهما على التعقيد.
واعترض أيضا أنّه يلزم أن لا يكون الكلام الخالي عن المعنى الثاني فصيحا لأنّه ليس له الخلوص عن التعقيد ودفعه بأنّ مثل هذا الكلام بمنزلة الساقط عن درجة الاعتبار عند البلغاء غير وجيه، لأنّ الكلام الخالي عن المجاز والكناية إذا روعي فيه المطابقة لمقتضى الحال كيف يكون ساقطا عن درجة الاعتبار إلّا أن يقال هو ساقط باعتبار الدلالة على المعنى، وإن كان معتبرا من حيث رعاية مقتضى الحال. وبعد يتجه عليه أنّ المعتبر في البلاغة سقوط ما ليس له معنى ثان بمعنى مقتضى الحال لا باعتبار الكون مجازا أو حقيقة. والأحسن أن يقال خصّ صاحب الإيضاح البيان الخالي عن التعقيد بما استعمل في المعنى المجازي لأنّه المحتاج إلى البيان والتوضيح. وأمّا الخلو عن التعقيد المعنوي لعدم معنى ثان فواضح لا حاجة إلى بيان هذا. مثال التعقيد المعنوي قول عباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا.
فالشاعر قصد إلى أن يحصل المراد بأن يكون في الاستغناء عنه كالهارب ويري نفسه عنه معرضا. ومن هذا حكم بأنّ الحرص شؤم والحريص محروم. وقيل لو لم تطلب الرزق يطلبك. وفي الحديث «زر غبّا تزدد حبّا».
وبالجملة جعل سكب الدموع وهو البكاء كناية عمّا يلزم فراق المحبوبين من الحزن وأصاب لأنّه واضح الانتقال لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه وجعل جمود العين كناية عن السرور قياسا على جعل السّكب بمقابله ولم يصب، لأنّ سكب الدموع قلّما يفارق الحزن بخلاف جمود العين فإنّه يعمّ أزمنة الخلوّ عن الحزن، سواء كان زمن السرور أو لا، فلا ينتقل منه إلى السرور بل إلى الخلوّ من الحزن. هذا كلّه خلاصة ما في المطول والأطول والچلپي وأبى القاسم.

التّضمين

التّضمين:
[في الانكليزية] Implication ،inclusion
[ في الفرنسية] Implication ،inclusion
عند أهل العربية يطلق على معان. منها إعطاء الشيء معنى الشيء. وبعبارة أخرى إيقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه ويكون في الحروف والأفعال، وذلك بأن تضمن حرف معنى حرف، أو فعل معنى فعل آخر، ويكون فيه معنى الفعلين معا وذلك بأن يأتى الفعل متعديا بحرف ليس من عادته التعدّي به، فيحتاج إلى تأويله أو تأويل الحرف ليصحّ التعدي به، والأول تضمين الفعل والثاني تضمين الحرف.
واختلفوا أيّهما أولى، فقال أهل اللغة وقوم من النحاة التوسّع في الحروف لأنّه في الأفعال أكثر مثاله عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ فيشرب إنّما يتعدّى بمن فتعديته بالباء إمّا على تضمينه معنى يروي ويتلذّذ أو تضمين الباء معنى من. وأمّا في الأسماء فإنّ تضمين اسم بمعنى اسم لإفادة معنى الاسمين معا نحو حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ ضمّن حقيق معنى حريص ليفيد أنه محقوق بقول الحق وحريص عليه.
وهو أي التضمين مجاز لأنّ اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا، فالجمع بينهما مجاز، كذا في الإتقان في نوع الحقيقة والمجاز. لكن في چلپي التلويح في الخطبة وفي چلپي المطوّل في بحث تقديم المسند ما يخالف ذلك حيث قال: التضمين أن يقصد بلفظ معناه الحقيقي ويراد معه معنى آخر تابع له بلفظ آخر دلّ عليه بذكر ما هو من متعلّقاته. فاللفظ في صورة التضمين مستعمل في معناه الحقيقي والمعنى الآخر مراد بلفظ آخر كيلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. فتارة يجعل المذكور أصلا والمحذوف حالا وتارة يعكس.
فإن قلت إذا كان المعنى الآخر مدلولا عليه بلفظ آخر محذوف لم يكن في ضمن المذكور فكيف قيل إنه متضمن إياه؟ قلت: لما كان مناسبة المعنى المذكور بمعونة ذكر صلة قرينة على اعتباره جعل كأنّه في ضمنه انتهى.
ومنها حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه وهو من أنواع الإيجاز.

قال القاضي أبو بكر وهو نوعان: أحدهما ما يفهم من البيّنة كقولك معلوم فإنه يوجب أنّه لا بدّ له من عالم. وثانيهما من معنى العبارة كقوله تعالى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّه تضمّن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه تعالى على جهة التعظيم له والتبرك باسمه، كذا في الإتقان في نوع الإيجاز والإطناب.
ومنها أن يكون ما بعد الفاصلة متعلّقا بها أي بتلك الفاصلة كقوله تعالى وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ وهو وإن كان عيبا في النظم ولكنه ليس بعيب في النثر، كذا في الإتقان في نوع الفواصل. فالتضمين كما يكون في النثر كذلك يكون في النظم بأن يكون ما بعد القافية متعلّقا بها، ويؤيّده ما في وقع المدارك في تفسير سورة قريش أنّ التضمين في الشّعر هو أن يتعلّق معنى البيت الذي قبله تعلقا لا يصحّ إلّا به: ويقول في جامع الصنائع: وهو أحد عيوب النّظم، وذلك يكون بالإتيان ببيت من الشعر مفيد لمعنى تام ولكنه بدون لفظ القافية التالية له، فيؤتى بلفظة تتعلّق بالبيت الثاني.

ومثاله في البيتين التاليين:
يا من أنت سلطان الأخيار وأنا لك عبدا صرت بنظرة. ورأسك لم يقلّ لي أبدا مرة واحدة بلطف هنيئا لك أي الملك بالخلق الكريم فلفظة (تو) في آخر البيت الأول وهي ضمير مضاف. قد صارت قافية ولكنها في المعنى متعلّقة بأول البيت الثاني. والفرق بين التضمين والحامل الموقوف هو هذا، أي أنّ لفظ القافية متعلّق بينما الحامل الموقوف: البيت كله متعلق.
ومنها إدراج كلام الغير في أثناء كلامه لقصد تأكيد المعنى أو تركيب النّظم، وهذا هو النوع البديعي. قال ابن أبي الأصبع ولم أظفر في القرآن بشيء منه إلّا في موضعين تضمّنا فصلين من التوراة والإنجيل قوله: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الآية، وقوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ الآية. ومثّله ابن النقيب وغيره بإيداع حكايات المخلوقين كقوله تعالى حكاية عن الملائكة قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وعن المنافقين قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ، وقالت اليهود وقالت النصارى، وكذلك ما أودع فيه من اللغات الأعجمية كذا في الاتقان في نوع بدائع القرآن.
وفي المطوّل في الخاتمة التضمين أن يضمّن الشعر شيئا من شعر الغير بيتا كان أو ما فوقه أو مصراعا أو ما دونه مع التنبيه عليه أي على أنّه من شعر الغير إن لم يكن ذلك مشهورا عند البلغاء وإن كان مشهورا، فلا احتياج إلى التنبيه. وبهذا يتميّز عن الأخذ والسّرقة، وهذا هو الأكثر. وقد يضمّن الشاعر شعره شيئا من قصيدته الأخرى فالأحسن أن يقال هو أن يضمّن الشعر شيئا من شعر آخر الخ. وربما سمّي تضمين البيت وما زاد على البيت استعانة، وتضمين المصراع فما دونه إيداعا ورفوا. وأمّا تسميته بالإيداع فلأنّ الشاعر قد أودع شعره شيئا من شعر الغير وهو بالنسبة إلى شعره قليل مغلوب. وأمّا تسميته بالرّفو فلأنّه رفا خرق شعره بشعر الغير.
واعلم أنّ تضمين ما دون البيت ضربان:
أحدهما أن يتمّ المعنى بدون تقدير الباقي كقول الحريري يحكي ما قاله الغلام الذي عرضه أبو زيد للبيع:
على أنّي سأنشد عند بيعي أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا المصراع الثاني للعرجي، والمعنى تام بدون التقدير. ومعنى الإنشاد ذكر شعر الغير، ففيه تنبيه على أنّ المصراع من شعر الغير.
وثانيهما أن لا يتم بدونه كقول الشاعر:
كنّا معا أمس في بؤس نكابده والعين والقلب منّا في قذى وأذى والآن أقبلت الدنيا عليك بما تهوي فلا تنس أنّ الكرام إذا أشار إلى بيت أبي تمام، ولا بدّ من تقدير الباقي منه. لأنّ المعنى لا يتمّ بدونه.
واعلم أيضا أنه لا يضر في التضمين التغيّر اليسير لما قصد تضمينه كقول البعض في يهوديّ به داء الثعلب:
أقول لمعشر غلطوا وعضّوا من الشيخ الرشيد وأنكروه هو ابن جلا وطلّاع الثنايا متى يضع العمامة يعرفوه فالبيت لسحيم بن وثيل وأصله.
أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا متى أضع العمامة يعرفوني وأحسن التضمين ما زاد على الأصل بنكتة، أي يشتمل البيت أو المصراع في شعر الشاعر الثاني على لطيفة لا توجد في شعر الشاعر الأول كالتورية والتشبيه، والأمثلة كلها تطلب من المطول.
ومنها أن يجيء قبل حرف الروي أو ما في معناه ما ليس بلازم في القافية أو السجع مثل التزام حرف أو حركة تحصل القافية أو السجع بدونها ويسمّى أيضا بالتشديد والإعنات والالتزام ولزوم ما لا يلزم، وهذا المعنى من المحسّنات اللفظية. والمراد بما في معنى حرف الروي الحرف الذي وقع في فواصل الفقر موقع حرف الروي في قوافي الأبيات. وأيضا المراد أن يجيء ذلك في بيتين أو أكثر أو قرينتين أو أكثر، وإلّا ففي كل بيت يجيء قبل حرف الروي ما ليس بلازم في القافية مثلا قول الشاعر:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل قد جاء قبل اللام ميم مفتوحة وهو ليس بلازم في القافية وإنّما يتحقق الالتزام لو جيء بها في البيت الثاني أيضا. ومثال التزام حرف مع حركة في النثر قوله تعالى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ فإنّه التزم فيها الهاء المفتوحة قبل الراء التي بمنزلة حرف الروي. وقوله فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ فإنّه التزم فيها النون المشددة قبل السين. ومثال التزام حرفين مع الحركات فيه قوله تعالى وَالطُّورِ، وَكِتابٍ مَسْطُورٍ.
ومثال التزام ثلاثة أحرف معها قوله تعالى تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ. ومثال التزام الحرف بدون الحركة فيه قوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ. ومثال التزام حركة بدون الحرف فيه قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ وعلى هذا القياس أمثلة الشعر.
فإن قلت ذكر في الإيضاح أن ذلك قد يكون في غير الفاصلتين أيضا كقول الحريري: ما أشتار العسل من اختار الكسل، فإنّه كما التزم في العسل والكسل الفاصلتين السين كذلك التزم التاء في اشتار واختار، فهل يدخل مثل ذلك في التفسير المذكور؟ قيل يحتمل أن يراد بكون الملتزم قبل حرف الروي أو ما في معناه أعمّ من أن يكون ذلك الملتزم في حروف القافية أو الفاصلة أو في غيرها لأنّ جميع ما في البيت أو القرينة يصدق عليه أنّه قبل حرف الروي أو ما في معناه، لكن هذا بعيد جدا. والظاهر أنّ الالتزام إنّما يطلق على ما كان في القافية أو الفاصلة لأنهم فسّروه بأن يلتزم المتكلّم في السجع أو التقفية قبل حرف الروي ما لا يلزم من مجيء حركة أو حرف بعينه أو أكثر. فمعنى ما في الإيضاح أنّ مثل هذا الاعتبار الذي يسمّى بالالتزام قد يجيء في كلمات الفقر أو الابيات غير الفواصل أو القوافي، هكذا يستفاد من المطوّل والاتقان.

التّرجيح

التّرجيح:
[في الانكليزية] Probability ،Preference
[ في الفرنسية] Probabilite ،preference
بالجيم في اللغة جعل الشيء راجحا أي فاضلا غالبا زائدا. ويطلق مجازا على اعتقاد الرجحان. وفي اصطلاح الأصوليّين بيان الرجحان وإثباته، والرجحان زيادة أحد المثلين المتعارضين على الآخر وصفا. ومعنى قولهم وصفا أنّ الترجيح يقع بما لا عبرة له في المعارضة، فكان بمنزلة الوصف التابع للمزيد عليه لا بما يصلح أصلا أو تقوم به المعارضة من وجه، كرجحان الميزان فإنه عبارة عن زيادة بعد ثبوت المعادلة بين كفتي الميزان، وتلك الزيادة على وجه لا تقوم بها المماثلة ابتداء، ولا تدخل تحت الوزن منفردة عن المزيد عليه قصدا في العادة كالدانق أو الحبة أو الشعيرة في مقابلة العشرة لا يعتبر وزنه عادة ولا يفرد لها الوزن في مقابلها، بل يهدر ويجعل كأن لم يكن بخلاف الستة أو السبعة ونحوهما إذا قوبلت بالعشرة، فإنّ ذلك لا يسمّى ترجيحا لأنّ الستة ونحوها يعتبر وزنها في مقابلة العشرة ولا تهدر، وهذا مأخوذ من قوله عليه السلام للوزّان حين اشترى سراويلا بدرهمين (زن وارجح فإنّا معاشر الأنبياء هكذا نزن). فمعنى أرجح زد عليه فضلا قليلا يكون تابعا بمنزلة الأوصاف كزيادة الجودة لا قدرا يقصد بالوزن عادة للزوم الرّبا في قضاء الديون، إذ لا يجوز أن يكون هبة لبطلان هبة المشاع، فخرج بهذا القيد الترجيح بكثرة الأدلة بأن يكون في أحد الجانبين حديث واحد وقياس واحد وفي الآخر حديثان أو قياسان، وإن ذهب إليه البعض من أصحاب الشافعي ومن أصحاب أبي حنيفة. وبالجملة إذا دلّ دليل على ثبوت شيء والآخر على انتفائه فإما أن يتساويا في القوة أو لا، وعلى الثاني إمّا أن تكون زيادة أحدهما بمنزلة التابع والوصف أو لا، ففي الصورة الأولى معارضة حقيقة ولا ترجيح، وفي الثانية معارضة مع ترجيح، وفي الثالثة لا معارضة حقيقة فلا ترجيح لابتنائه على التعارض المنبئ عن التماثل، فلا يقال النّصّ راجح على القياس.
وما ذكرنا من معنى الترجيح هو معنى ما قيل:
الترجيح اقتران الدليل الظني بأمر يقوى به على معارضة. هكذا في التلويح وبعض شروح الحسامي. وفي العضدي الترجيح في الاصطلاح اقتران الأمارة بما يقوى به على معارضها.
وللفقهاء ترجيح خاص يحتاج إليه في استنباط الأحكام، وذلك لا يتصوّر فيما ليس فيه دلالة على الحكم أصلا، ولا فيما دلالته عليه قطعية، إذ لا تعارض بين قطعيين ولا بين قطعي وظنّي، بل لا بدّ من اقتران أمر بما يقوى به على معارضها. فهذا الاقتران الذي هو سبب الترجيح هو المسمّى بالترجيح في مصطلح القوم، وطرق الترجيح كثيرة تطلب من التوضيح والعضدي وغيرهما.

الانتقال

الانتقال:
[في الانكليزية] Phase ،transfer
[ في الفرنسية] Phase ،transfert
هو في علم النجوم عبارة عن تحويل القمر. قالوا تحويلات القمر تسمّى انتقالات.
وفي علم الكلام عبارة عن حصول الشيء في حيّز بعد أن كان في حيّز آخر. وهذا انتقال الجوهر. وأمّا انتقال العرض فهو أن يقوم عرض بعينه بمحل بعد قيامه بمحل آخر، كذا في شرح المواقف في بحث: العرض لا ينتقل. وفي علم الجدل هو أن ينتقل المستدلّ إلى استدلال غير الذي كان أخذ فيه، لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من الأول كما في مناظرة الخليل الجبار لما قال ربي الذي يحيي ويميت، فقال الجبار أنا أحيي وأميت، ثم دعى بمن وجب عليه القتل فأعتقه، ومن لا يجب عليه فقتله فعلم الخليل أنه لم يفهم معنى الإحياء والإماتة، فانتقل عليه الصلاة والسلام منه إلى أن قال فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ اي الجبار ولم يمكنه أن يقول أنا الآتي بها لأنّ من هو أسن منه يكذبه، كذا في الاتقان في نوع جدل القرآن. قال في التوضيح:
اعلم أنّ الانتقال هو أن ينتقل المستدل من كلام إلى كلام آخر وهو إنما يكون قبل أن يتم إثبات الحكم الأول وأقسامه المعتبرة في المناظرة أربعة: الأول الانتقال إلى علة أخرى لإثبات علة القياس وهو صحيح، لكن لا يسمّى انتقالا حقيقة لأن الانتقال حقيقة أن يترك الكلام الأول بالكلية ويشتغل بالآخر كما في قصة الخليل عليه الصلاة والسلام. وإنما أطلق الانتقال عليه لأنه ترك هذا الكلام واشتغل بكلام آخر. والثاني الانتقال إلى علة لإثبات حكم القياس وهو ليس بصحيح على الأصح. والثالث الانتقال إلى علّة أخرى لإثبات حكم آخر يحتاج إليه حكم القياس. والرابع الانتقال إلى حكم يحتاج إليه حكم القياس بأن يثبت بعلّة القياس وأمثلة الجميع تطلب منه أي من التوضيح.

الاشتراك

الاشتراك:
[في الانكليزية] Homonymy
[ في الفرنسية] Homonymie
في عرف العلماء كأهل العربية والأصول والميزان يطلق بالاشتراك على معنيين: أحدهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمفهوم عام مشترك بين الأفراد ويسمّى اشتراكا معنويا، وذلك اللفظ يسمّى مشتركا معنويا، وينقسم إلى المتواطئ والمشكّك. وثانيهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمعنيين معا على سبيل البدل من غير ترجيح، ويسمّى اشتراكا لفظيا. وذلك اللفظ يسمّى مشتركا لفظيا. فقولهم لمعنيين أي لا لمعنى واحد فيشمل ما وضع لأكثر من معنيين فهو للاحتراز عن اللفظ المنفرد وهو الموضوع لمعنى واحد، لكنه إذا وقع في معناه شكّ بحيث يتردّد بين معنيين بأنّ هذا اللفظ موضوع لهذا أو لهذا صدق عليه أنّه للمعنيين على سبيل البدل من غير ترجيح، فزيد قيد معا للاحتراز عن مثل هذا المنفرد إذ لا يصدق عليه أنّه لهما معا.
إن قيل إنّا نقطع أنّ المنفرد ليس موضوعا للمعنيين فلا حاجة إلى الاحتراز، قلت: لمّا دار وضعه بين المعنيين عند المشكّك جاز انتسابه إليهما في الوضع بحسب الظاهر عنده، فاحترز عنه بزيادة معا احتياطا، ولذا قيل: إنه للاحتراز عن المشترك معنى كالمتواطئ والمشكّك.
وقولهم على سبيل البدل احتراز عن الموضوع لمجموع المعنيين أو أكثر من حيث المجموع، وعن المتواطئ، لكن بحسب الظاهر لأن المتواطئ يحمل على أفراده بطريق الحقيقة فيظنّ أنه موضوع لها. وقولهم من غير ترجيح احتراز عن اللفظ بالقياس إلى معنييه الحقيقي والمجازي، فإنه بهذا الاعتبار لا يسمّى مشتركا؛ وهذا الاحتراز إنما هو على تقدير أن يقال بأن في المجاز وضعا أيضا، هكذا يستفاد من العضدي وحواشيه.
وبالجملة فالمنقول مطلقا ليس مشتركا لأنه لا بدّ أن يكون في أحد معنييه حقيقة وفي الآخر مجازا، ولزم من هذا أن يكون المعنيان بنوع واحد من الواضع حتى لو كان أحدهما بوضع اللغة والآخر بوضع الشرع، مثلا كالصلاة لا يسمّى مشتركا، وقد صرّح بهذا في بعض حواشي الإرشاد أيضا. وفي بديع الميزان وضع المشترك لمعنيين فصاعدا لا يلزم أن يكون من لغة واحدة، بل يجوز أن يكون من لغة واحدة كالعين للباصرة والجارية والذهب وغيرها، أو من لغات مختلفة مثل بئر فإنه في العربية بمعنى چاه وفي الهندية برادر انتهى.
وقيل المشترك هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أوّلا من حيث أنهما مختلفتان. فاحترز بالموضوع لحقيقتين عن الأسماء المفردة. وبقوله وضعا أولا عن المنقول وبالقيد الأخير عن المشترك معنى انتهى.
وإطلاق اللفظ وعدم تقييده بالمفرد لا يبعد أن يكون إشارة إلى عدم اختصاصه بالمفرد.

فائدة:
اختلف في أن المشترك واقع في اللغة أم لا، وقد يقال المشترك إمّا أن يجب وقوعه، أو يمتنع، أو يمكن، وحينئذ إمّا أن يكون واقعا أو لا، فهي أربعة احتمالات عقلية. وقد ذهبت إلى كلّ منها طائفة، إلّا أنّ مرجعها إلى اثنين إذ لا يتصوّر هاهنا وجوب ولا امتناع بالذات، بل بالغير، فهما راجعان إلى الإمكان. فالواجب هو الممكن الواقع والممتنع هو الممكن الغير الواقع، والصحيح أنه واقع. واختلف أيضا في وقوعه في القرآن والأصح أنه قد وقع، ودلائل الفرق تطلب من العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ في المشترك اختلافات كثيرة.

الاختلاف الأول: في إمكانه، قال البعض:
وقوع الاشتراك ليس بممكن لأنّ المقصود من وضع الألفاظ فهم المعاني، وإذا وضع لمعان كثيرة فلا يفهم واحد منها عند خفاء القرينة وإلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح، وفهم الجميع يستلزم ملاحظة النفس وتوجّهها إلى أشياء كثيرة بالتفصيل عند زمان الإطلاق، لأن ملاحظة المعاني بالأوضاع المتعددة المفصّلة لا بدّ أن تكون على التفصيل، وهذا باطل لما تقرّر في موضعه. وأجيب عنه بأنّ المقصود قد يكون الإجمال دون التفصيل، وقد يكون في التفصيل مفسدة، وفي الإجمال رفع الفساد كما قال الصدّيق الأكبر عند ذهاب رسول الله في وقت الهجرة من مكة إلى المدينة، حين سأله بعض الكفار عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بقوله: من هذا قدّامك؟ فقال الصدّيق: رجل هادينا. فالتفصيل هاهنا كان موجبا للفساد العظيم فالأصح أنه ممكن لعدم امتناع وضع اللفظ الواحد لمعان متعددة مختلفة بأوضاع متعددة.
وقد يجاب بأنه يفهم واحد من المعاني، ولا يلزم الترجيح بلا مرجّح لجواز أن يكون بين بعض المعاني والذهن مناسبة ينتقل الذهن من اللفظ إليه أو يكون بعضها مناسبا للفظ بحيث يتبادر الذهن بسبب تلك المناسبة إليه، أو يكون بعضها مشهورا بحيث يتسارع الذهن بسبب الشهرة إليه، أو تكون القرينة مرجّحة لبعض المعاني على الآخر.
والاختلاف الثاني في وقوع الاشتراك في اللغة، قال البعض: ليس بواقع، لأنّ وقوعه يوجب الإجمال والإبهام وهو مخلّ للاستعمال إذا لم يبيّن. وأمّا إذا بيّن المراد فالبيان هو الكافي للمقصود، ولا حاجة إلى غيره، فيلزم اللغو في وقوع المشترك ولأن الواضع إن كان هو الله تعالى فهو متعال عن اللغو والعبث، وإن كان غيره تعالى فلا بدّ لصدور الوضع من علّة غائية لأنّ الفعل الاختياري لا بدّ له من علّة غائية كما تقرر في موضعه. وأجيب بأنّ الإجمال والإبهام قد يكون مقصودا في الاستعمال كما عرفت، ومثل أن يريد المتكلّم إفهام مقصوده للمخاطب المعيّن وإخفاءه عن غيره، فيتكلّم بلفظ مشترك يفهم المخاطب مراده منه بسبب كونه معهودا بينهما من قبل، أو بسبب قرينة خفيّة بحيث يفهم المخاطب دون غيره؛ والمبيّن قد يكون أبلغ من البيان وحده، وقد يحدث من اجتماعهما لطافة في الكلام لا يحصل من البيان وحده، وغير ذلك من الفوائد.
وأجيب بأن الواضع إذا كان الله تعالى فقد يكون المقصود منه ابتلاء العلماء الراسخين، وقد يكون المقصود منه توسيع المفاهيم بالنظر إلى جماعة العلماء المجتهدين، وقد يكون المقصود تشويق المخاطبين إلى فهم المراد حتى إذا ادركوه بعد التأمل وجدوه لذيذا لأن حصول المطلوب بعد الطلب والتعب يكون ألذ من المنساق بلا تعب وبغير نصب. وإن كان الواضع غيره تعالى فالمقصود قد يكون واحدا من تلك الأغراض وقد يكون غيرها مثل إخفاء المراد من غير المخاطب، ومثل اختبار ذهن المخاطب هل يفهم بالقرائن أم لا، أو اختيار مقدار فهم المخاطب هل يدرك بالقرائن الخفية أم لا، وغيرها من الأغراض. وقد يكون الواضع متعددا، فشخص وضع لفظا لمعنى واحد ثم شخص آخر وضعه لمعنى آخر كما في الأعلام المشتركة، فالأصح أن المشترك واقع في اللغة.
والاختلاف الثالث في كون الاشتراك بين الضّدّين، يعني اختلف بعد تسليم إمكانه ووقوعه في أنه هل هو واقع بين الضّدّين بحيث يكون لفظ واحد مشتركا بين معان متضادة متباينة.
فقال بعضهم ليس بواقع لأن الاشتراك يقتضي التوحّد، والتضادّ يقتضي التباين، وبينهما منافاة، فلا يكون واقعا. وأجيب بأنّ التوحّد والتباين ليسا من جهة واحدة ليلزم المنافاة، لأن الأول من جهة اللفظ والثاني من جهة المعاني، فلا منافاة حينئذ لاختلاف المحل، فالأصح أنه واقع بين الضّدّين كالقرء للحيض والطّهر.
الاختلاف الرابع في عموم المشترك يعني بعد تسليم إمكانه ووقوعه وتحقّقه بين الضّدّين.
اختلف في عموم المشترك بأن يراد بلفظ المشترك أكثر من معنى واحد معا أو لا. الأول مذهب الشافعي والثاني مذهب الإمام الأعظم.
ثم بعد كون المشترك عاما اختلف في أن إرادة العموم على سبيل الحقيقة أو المجاز. فذهبت طائفة منهم إلى أنه حقيقة لأن كلا من معانيه موضوع له فكان مستعملا في الموضوع له، وهذا هو الحقيقة. وقال الآخرون منهم إنه مجاز وأن لفظ المشترك ليس بموضوع لمجموع المعنيين، وإلّا لما كان استعماله في أحدهما على سبيل الانفراد حقيقة، ضرورة أنّه لا يكون نفس الموضوع له بل جزؤه، واللازم باطل بالاتفاق فثبت أنه ليس بموضوع للمجموع، فلم يكن حقيقة. واستدل الشافعي على إرادة العموم من المشترك بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الخ بأنّ الصلاة مشتركة بين الرحمة والاستغفار والدعاء. وفي الآية الرحمة والاستغفار كلاهما مرادان من لفظ واحد وهو يصلّون، لأن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار. والجواب عن هذا الاستدلال أنّ الآية سيقت لإيجاب اقتداء المؤمنين بالله وملائكته، ولا يصحّ ذلك إلّا بأخذ معنى عام شامل للكل وهو الاعتناء بشأنه صلى الله عليه وسلم، فيكون المعنى: الله وملائكته يعتنون بشأن النبي يا أيها المؤمنون اعتنوا أنتم أيضا بشأنه، وذلك الاعتناء من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن المؤمنين دعاء. فالصلاة هاهنا لمعنى الاعتناء سواء كان حقيقة أو مجازا، وهو مفهوم واحد ومعنى عام، لكن يختلف باختلاف المحال فكانت لها أفراد مختلفة بحسب اختلاف نسبة الصلاة إليها. وعند الإمام لا يجوز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد لا حقيقة لما مرّ، ولأن الوضع تخصيص اللفظ للمعنى، فكلّ وضع في المشترك يوجب أن لا يراد به إلّا هذا المعنى الموضوع له، ويوجب أن يكون هذا المعنى تمام الموضوع له. فإرادة المعنى الآخر ينافي الوضع للمعنى الأول، فلا يكون استعماله في كلا المعنيين بالوضع، فلم يكن حقيقة ولا مجازا لأنه إذا استعمل في أكثر من معنى واحد فقد استعمل في الموضوع له وغير الموضوع له أيضا، لأنّ كل واحد من المعنيين موضوع له باعتبار وضع اللفظ لذلك المعنى، وغير الموضوع له باعتبار وضعه للمعنى الآخر، فلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهو لا يجوز عند الإمام الأعظم، فبطل استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد. هذا خلاصة ما في التوضيح والتلويح وحاشية المبين والحسن على السلّم.

فائدة:
إذا دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مجازا كالنّكاح، فإنه يحتمل أن يكون حقيقة في الوطء مجازا في العقد، وأنه مشترك بينهما، فليحمل على المجاز لأنه أقرب.

فائدة:
جوّز الشافعي وأبو بكر الباقلاني وبعض المعتزلة كالجبائي وعبد الجبار وغيرهم أن يراد بالمشترك كلّ واحد من معنييه أو معانيه بطريق الحقيقة إذا صحّ الجمع بينهما، كاستعمال العين في الباصرة والشمس، لا كاستعمال القرء في الحيض والطهر معا، إلّا أنّ عند الشافعي وأبي بكر متى تجرد المشترك عن القرائن الصارفة إلى أحد معنييه أو معانيه وجب حمله على جميع المعاني كسائر الألفاظ العامة، وعند الباقين لا يجب، فصار العام عندهم قسمين:
قسم متفق الحقيقة وقسم مختلفها، وعند بعض المتأخرين يجوز إطلاقه عليهما مجازا حقيقة.
وعند الحنفية وبعض المحققين وجميع أهل اللغة وأبي هاشم وأبي عبد الله البصري يصح ذلك لا حقيقة ولا مجازا.

الْمقَام

(الْمقَام) الْإِقَامَة وَمَوْضِع الْإِقَامَة
(الْمقَام) مَوضِع الْقَدَمَيْنِ والمجلس وَالْجَمَاعَة من النَّاس
الْمقَام: بِالضَّمِّ ظرف زمَان أَو مَكَان من أَقَامَ يُقيم إِقَامَة. فَلَا بُد أَن يكون بِضَم الْمِيم فِي قَول ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى فِي الكافية وأقيم هُوَ مقَامه وبالفتح ظرف من قَامَ يقوم. وَعند أَرْبَاب الْمعَانِي الْمقَام وَالْحَال متقاربا الْمَفْهُوم أَي متحدان فِيهِ - والتغاير بَينهمَا اعتباري فَإِن الْأَمر الدَّاعِي إِلَى التَّكَلُّم على وَجه مَخْصُوص مقَام بِاعْتِبَار توهم كَونه محلا لوُرُود الْكَلَام فِيهِ على خُصُوصِيَّة مَا وَحَال بِاعْتِبَار توهم كَونه زَمَانا لَهُ. فالتوهم الأول مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْمقَام - والتوهم الثَّانِي مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْحَال. فهما متغائران بِهَذَا الِاعْتِبَار متحدان فِي الْقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ الْأَمر الدَّاعِي إِلَى اعْتِبَار الخصوصية فِي الْكَلَام. فيكونان متقاربي الْمَفْهُوم. وَمَا ذكرنَا لَيْسَ بَيَانا لوجه التَّسْمِيَة حَتَّى يردان وَجه التَّسْمِيَة غير دَاخل فِي الْمَفْهُوم. فَلَا يحصل التغاير فِي الْمَفْهُوم لسببها.
وَوجه ذَلِك التَّوَهُّم انطباق الْمُقْتَضِي بِالْأَمر الدَّاعِي انطباق الزماني بِالزَّمَانِ. وانطباق المتمكن بِالْمَكَانِ. وَأَيْضًا بَينهمَا فرق. بِأَن الْمقَام يعْتَبر فِيهِ إِضَافَة إِلَى الْمُقْتَضِي بِالْفَتْح إِضَافَة لامية فَيُقَال مقَام التَّأْكِيد وَالْإِطْلَاق والحذف وَالْإِثْبَات. وَالْحَال يعْتَبر إضافتها إِلَى الْمُقْتَضِي بالكثر إِضَافَة بَيَانِيَّة فَيُقَال حَال الْإِنْكَار وَحَال خلو الذِّهْن وَغير ذَلِك. وَالْمقَام فِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْحَقَائِق مَا يُوصل إِلَيْهِ بِنَوْع تصرف ويتحقق بِضَرْب تطلب. ومقاساة تكلّف. وَقد مر نبذ من تَفْصِيله فِي الْحَال.

المسئلة

المسئلة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي برهن عَلَيْهَا فِي الْعلم وتطلب فِيهِ فَلَا بُد أَن تكون نظرية.

المسائل: جمعهَا وَهِي المطالب الَّتِي برهن عَلَيْهَا فِي الْعلم إِن كَانَت كسبية وَيكون الْغَرَض من ذَلِك الْعلم مَعْرفَتهَا وَيعلم من هَا هُنَا أَن مسَائِل الْعلم لَا تكون إِلَّا كسبية فَإِن قيل الشكل الأول منتج وضروبه الْأَرْبَعَة منتجة. وَكَذَا القضايا الْحَاصِلَة من العكوس والتناقض كَقَوْلِنَا إِن الْمُوجبَة تنعكس جزئية ونقيض السالبة مُوجبَة وَبِالْعَكْسِ مسَائِل من مسَائِل الْمنطق مَعَ أَنَّهَا بديهيات قُلْنَا هَذِه القضايا عِنْدهم لَيست بمسائل وَلَا يعبرونها بهَا بل بالمباحث - قَالَ شرِيف الْعلمَاء قدس سره فَإِن قلت إِذا كَانَ هَذِه المباحث بديهية فَلَا حَاجَة إِلَى تدوينها فِي الْكتب قلت فِي تدوينها فَائِدَتَانِ. إِحْدَاهمَا: إِزَالَة مَا عَسى أَن يكون فِي بَعْضهَا من خَفَاء محوج إِلَى التَّنْبِيه. وثانيتهما: أَن يتَوَصَّل بهَا إِلَى المطالب الكسبية الْأُخْرَى. الْمسْح على الْخُفَّيْنِ: جَائِز عندنَا بِالسنةِ الْمَشْهُورَة فَإِن قيل إِن الْكتاب الْمجِيد نَاطِق بفرضية غسل الرجلَيْن وَالزِّيَادَة على الْكتاب بَاطِل قُلْنَا الزِّيَادَة بِالسنةِ الْمَشْهُورَة جَائِز على الْكتاب كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه - وَإِنَّمَا قُلْنَا جَائِز لِأَن ثُبُوته على وَجه التَّخْيِير لَا على وَجه الْإِيجَاب. ثمَّ إِن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ يَصح للذّكر وَالْأُنْثَى. وَلَا يَصح للْجنب بِأَن لبس خُفَّيْنِ بعد الْوضُوء - ثمَّ أجنب فَيغسل جَمِيع بدنه إِلَّا رجلَيْهِ لَو وضعهما على مَكَان مُرْتَفع فيمسح عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا يجوز. وَأَيْضًا صورته رجل تَوَضَّأ وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ أجنب وَعدم المَاء فَتَيَمم للجنابة ثمَّ أحدث ثمَّ وجد مَاء يَكْفِي للْوُضُوء وَلَا يَكْفِي للاغتسال فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ وَيغسل رجلَيْهِ وَلَا يمسح وَيتَيَمَّم للجنابة وَأَيْضًا صورته مُسَافر مَعَه مَاء فَتَوَضَّأ وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ أجنب فَتَيَمم للجنابة ثمَّ أحدث وَمَعَهُ مَاء يَكْفِيهِ للْوُضُوء لَا يجوز لَهُ الْمسْح لِأَن الْجَنَابَة سرت إِلَى الْقَدَمَيْنِ. وَفِي شرح الْوِقَايَة قيل صورته جنب تيَمّم ثمَّ أحدث وَمَعَهُ من المَاء مَا يتَوَضَّأ بِهِ فَتَوَضَّأ وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ مر على مَاء يَكْفِي للاغتسال وَلم يغْتَسل ثمَّ وجد من المَاء مَا يتَوَضَّأ بِهِ فَتَيَمم ثَانِيًا للجنابة فَإِن أحدث بعد ذَلِك تَوَضَّأ وَنزع خفيه انْتهى.
وَعَلَيْك أَن لَا تقع فِي الصُّور الْمعينَة بل تعلم أَن الْجَنَابَة سرت إِلَى الْقَدَمَيْنِ فَمن أجنب بعد لبس الْخُف على الطَّهَارَة لَا يجوز لَهُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مُطلقًا فَإِن الشَّرْع جعل الْخُف مَانِعا لسراية الْحَدث الْأَصْغَر إِلَى الْقَدَمَيْنِ وَلم يَجعله مَانِعا لسراية الْحَدث الْأَكْبَر إِلَيْهِمَا فَلَا يَزُول بِالْمَسْحِ مَا حل بالقدمين.
وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الْمسْح شرع لرفع الْحَرج وَذَلِكَ فِيمَا يغلب وجوده لَا فِيمَا ينْدر وَلَا يغلب وجوده. وَاعْلَم أَن الْمسْح على خف يكون من كرباس أَو صوف كَيفَ مَا كَانَ لَا يجوز كَذَا فِي الْمُحِيط وجامع الرموز.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.