Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: برهان

الْجعل الْمُؤلف

الْجعل الْمُؤلف: فَهُوَ جعل الشَّيْء شَيْئا وتصييره إِيَّاه. وأثره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية وَلَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد بل لَا بُد لَهُ من مجعول ومجعول إِلَيْهِ وَهَذَا الْجعل إِنَّمَا يتَعَلَّق بصيرورته إِيَّاه. وَقد تبين من هَذَا التَّحْقِيق أَن الْجعل الْبَسِيط متقدس عَن شوائب الْكَثْرَة مُتَعَلق بِذَات الشَّيْء فَقَط. وَهَذَا هُوَ التَّأْخِير الْحَقِيقِيّ فِي الشَّيْء. والجعل الْمركب بِالْحَقِيقَةِ تَأْثِير فِي بعض أَوْصَافه أَعنِي كَونه شَيْئا آخر وَهُوَ الْمَوْجُود أَو غَيره. فَإِن قيل جعل الشَّيْء وإخراجه من الليس إِلَى الايس هُوَ جعله مَوْجُودا أَي تَأْثِير فِي بعض أَوْصَافه وَهُوَ كَونه مَوْجُودا فَلَا جعل إِلَّا الْجعل الْمركب. قُلْنَا إِن أثر الْجعل الْبَسِيط وَمَا يفيضه الْجَاعِل بِهَذَا الْجعل ويبدعه أَولا وبالذات هُوَ نفس الْمَاهِيّة ثمَّ يستتبع ذَلِك جعلا مؤلفا للموجودية مفاده حمل الْوُجُود على المجعول وَحمله عَلَيْهِ حَيْثُ يُقَال الظلمَة مَوْجُودَة والنور مَوْجُود لَكِن هَذَا الْحمل والصدق لَيْسَ باستئناف إفَاضَة من الْجَاعِل أَو باقتضاء من الْمَاهِيّة الفائضة بل بِنَفس استيجاب ذَلِك الْجعل المتقدس الْبَسِيط على سَبِيل الاستلزام والاستتباع. فالحصل أَن تقرر الْمَاهِيّة وفعليتها وَإِن لم تنفك عَن اقتران الْوُجُود إِلَّا فِي اعْتِبَار الْعقل إِلَّا أَنَّهَا مستتبعة للموجودية والموجودية مسبوقة بهَا وفعلية تقرر الْمَاهِيّة بِجعْل الْجَاعِل معيار صِحَة انتزاع الموجودية بِالْفِعْلِ ومناط صدق حمل الْمَوْجُود فَتَأمل.
قَالَ بعض الظانين أَن الْجعل الْمركب يَنْتَهِي إِلَى الْجعل الْبَسِيط الْمُتَعَلّق بِالضَّرُورَةِ أَو الاتصاف أَو لمَفْهُوم مَا فَلَا جعل إِلَّا الْجعل الْبَسِيط. وَهَذَا بعيد بمراحل عَن التَّحْقِيق إِذْ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ الصيرورة أَو الاتصاف فِي هَذَا الْجعل إِنَّمَا هِيَ ملحوظة من جِهَة إِنَّهَا بَين المجعول والمجعول إِلَيْهِ غير مُسْتَقلَّة بالمفهومية ورابطة بَين الطَّرفَيْنِ ومرآة لمخلوطية إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى من غير أَن يتَوَجَّه الِالْتِفَات إِلَيْهَا برأسها وَمفَاده الْهَيْئَة التركيبية وَلم يتَعَلَّق الْجعل بهَا إِلَّا بِالْعرضِ من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة لَا من حَيْثُ نَفسهَا وذاتها المتقررة فِي مرتبَة تقرر الذَّات حَتَّى يصير أثرا لجعل الْبَسِيط. نعم إِذا لوحظت لَا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة بل على الِاسْتِقْلَال وبالالتفات من حَيْثُ إِنَّهَا مَاهِيَّة مَا فَانْظُر فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ ليسَا بمنظورين إِلَّا بِالْعرضِ فَأَيْنَ مُتَعَلق الْجعل الْمركب حَتَّى يتَعَلَّق بِهِ فَانْقَطع عرقه. وَحِينَئِذٍ يعود الْحَال إِلَى السُّؤَال بِأَن هَذِه الْمَاهِيّة هَل هِيَ مفتقرة فِي نَفسهَا إِلَى جَاعل يفيضها أَو مستغنية عَنهُ لِأَن شَأْن الماهيات الِاسْتِغْنَاء بحقائقها التصورية عَن الْجعل والافتقار إِلَيْهِ فِي الْخَلْط بِمَا لَا يدْخل فِي قوامها كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه.
ثمَّ اعْلَم أَن تخَلّل الْجعل الْمركب بَين الشَّيْء وَنَفسه كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان إِنْسَان. وَبَين الشَّيْء وذاتي من ذاتياته كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان نَاطِق محَال لعدم الْخَلْط وَالْحمل فِي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَالدُّخُول فِي أصل قوامها بل ذَلِك الْجعل مُخْتَصّ بالعرضيات سَوَاء كَانَت لَوَازِم الماهيات كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج. أَو الْعَوَارِض الممكنة الانفكاك كَقَوْلِنَا الثَّوْب أَبيض لِأَن نفس الشَّيْء بمرتبة مُجَرّدَة عَن العرضيات فِي مرتبَة التقرر وَصِحَّة سلبها عَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ولحوقها فِي مرتبَة مُتَأَخِّرَة.
وَإِن سَأَلت خُلَاصَة مَا ذكرُوا فِي انقسام الْجعل وتعريف قسميه فاستمع لما أتلو عَلَيْك أَن الْجعل قد يكون بِمَعْنى التصيير فَيكون حِينَئِذٍ مُتَعَدِّيا إِلَى مفعولين يكون الأول مِنْهُمَا مجعولا وَالثَّانِي مجعولا إِلَيْهِ وَهُوَ الْجعل الْمركب الاختراعي أَي إِفَادَة أثر على قَابل لَهُ. وَقد يكون بِمَعْنى الْخلق وَحِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي إِلَّا مَفْعُولا وَاحِدًا وَهُوَ الْجعل الْبَسِيط والإبداعي أَي إِخْرَاج نفس الْمَاهِيّة من الليس إِلَى الايس. وَأثر الأول هُوَ اتصاف شَيْء بِشَيْء وَأثر الثَّانِي هُوَ نفس الْمَاهِيّة لَا كَون الْمَاهِيّة مَاهِيَّة وَلَا كَون الْمَاهِيّة مَوْجُودَة بل هما من لَوَازِم جعل الْمَاهِيّة نَفسهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى جعل جَدِيد.
ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن أثر الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ عز شَأْنه وَجل برهانــه مَاذَا إِمَّا نفس الماهيات أَو اتصافها بالوجود أَو غير ذَلِك من الْأَوْصَاف. وَذهب الإشراقيون إِلَى الْجعل الْبَسِيط. والمشائيون إِلَى الْمركب وَيَقُولُونَ إِن الماهيات الممكنة لَيست بمجعولة فأثره تَعَالَى على الأول بِالذَّاتِ هُوَ نفس الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ هُوَ والوجود والاتصاف أثر بِالْعرضِ وعَلى الثَّانِي هُوَ الاتصاف من حَيْثُ هُوَ غير مُسْتَقل بالفهومية ورابطة بَين حَاشِيَته أَي مفَاد الْهَيْئَة التركيبية وَمعنى أَن الماهيات لَيست مجعولة أَنَّهَا فِي حد أَنْفسهَا لَا يتَعَلَّق بهَا جعل جَاعل وتأثير مُؤثر. فَإنَّك إِذا لاحظت مَاهِيَّة السوَاد وَلم تلاحظ مَعهَا مفهوما سواهَا لم يعقل هُنَاكَ جعل إِذْ لَا مُغَايرَة بَين الْمَاهِيّة ونفسها حَتَّى يتَصَوَّر توَسط جعل بَينهمَا فَيكون إِحْدَاهمَا مجعولة تِلْكَ الْأُخْرَى. وَكَذَا لَا يتَصَوَّر تَأْثِير الْفَاعِل فِي الْوُجُود بِمَعْنى جعل الْوُجُود وجودا بل تَأْثِيره فِي الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْوُجُود بِمَعْنى أَنه يَجْعَلهَا متصفة بالوجود لَا بِمَعْنى أَنه يَجْعَل اتصافها مَوْجُودا متحققا فِي الْخَارِج. فَإِن الصّباغ مثلا إِذا صبغ ثوبا فَإِنَّهُ لَا يَجْعَل الثَّوْب ثوبا وَلَا الصَّبْغ صبغا بل يَجْعَل الثَّوْب متصفا بالصبغ فِي الْخَارِج. وَإِن لم يَجْعَل اتصافه مَوْجُودا ثَابتا فِي الْخَارِج فَلَيْسَتْ الماهيات فِي أَنْفسهَا مجعولة وَلَا وجوداتها أَيْضا فِي أَنْفسهَا مجعولة بل الماهيات فِي كَونهَا مَوْجُودَة مجعولة. وَبِمَا ذكرنَا من تَحْقِيق الْجعل ينْدَفع الْإِشْكَال بقولنَا خلق الله الْعَالم وَتَقْرِيره فِي الْمَفْعُول بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فانتظر فَإِنِّي مَعَ المنتظرين.
وَيعلم من كَلَام الْعَارِف النامي مَوْلَانَا نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته أَن الصوفيين الْمُوَحِّدين متفقون مَعَ الْحُكَمَاء الْمُحَقِّقين فِي نفي المجعولية جعلا بسيطا عَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة والماهيات. وَأَيْضًا صرح قدس سره السَّامِي هُنَاكَ فِي شرح هَذَا الرباعي.
(حكم قدر وقضابود بِي مَانع ... برموجب علم لَا يزالي وَاقع)

(تَابع باشد علم ازل أَعْيَان را ... أَعْيَان همه مرشيون حق را تَابع)

بِأَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة لَيست بِأُمُور خَارِجَة عَن ذَاته تَعَالَى ومعلومة لَهُ تَعَالَى أزلا بل صور وشؤون ذاتية لَهُ تَعَالَى فَلَا يُمكن تطرق التَّغَيُّر فِيهَا لِأَن ذاتيات الله تَعَالَى منزهة عَن قبُول الْجعل والتغيير والتبديل. وَهَا هُنَا تحقيقات لم يظفر الْوَقْت بتحريرها لتشتت خاطري بإيذاء الإخوان وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستعان فِي كل حِين ومعين فِي كل آن. وَعَلِيهِ التكلان.

الْحجَّة الإقناعية

الْحجَّة الإقناعية: هِيَ الْحجَّة الَّتِي تفِيد الظَّن لَا الْيَقِين وَلَا يقْصد بهَا إِلَّا الظَّن بالمطلوب. فَإِن قيل قد تقرر عِنْدهم أَن الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَخبر الرَّسُول مفيدان لليقين فَكيف يَصح مَا قَالُوا إِن قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} . حجَّة اقناعية على إِثْبَات أَن صانع الْعَالم وَاحِد وَلَا يُمكن أَن يصدق مَفْهُوم وَاجِب الْوُجُود إِلَّا على ذَات وَاحِدَة. قُلْنَا. المُرَاد أَن قَوْله تَعَالَى ذَلِك مَعَ قطع النّظر عَن كَونه متواترا وإتيان الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام بِهِ حجَّة إقناعية لاشْتِمَاله على الْمُلَازمَة العادية وَالْأَحْكَام المستندة إِلَى الْعَادة لَا تكون قَطْعِيَّة.
وَاعْلَم أَن هَذِه الْآيَة حجَّة اقناعية. وبرهان التمانع الَّذِي تُشِير إِلَيْهِ هَذِه الْآيَة حجَّة قطيعة لاشْتِمَاله على الْمُلَازمَة الْعَقْلِيَّة وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح العقائد النسفية بقوله وَتَقْرِيره إِنَّه لَو أمكن آلهان لأمكن بَينهمَا تمانع إِلَى آخِره.

الفناء

الفناء: سقوط الأوصاف المذمومة، كما أن البقاء وجود الأوصاف المحمودة والفناء فناءان: أحدهما ما ذكرناه وهو بكثرة الرياضة، والثاني: عدم الإحساس بعالم الملك والملكوت وهو بالاستغراق في عظمة الباري، ومشاهدة الحق، وإليه اشير بقولهم: الفقر سواد الوجه في الدارين. يعني في الفناء في العالمين.
الفناء: بِالْكَسْرِ (بيش سراى وكرداكرد خانه) - وبالفتح (نيست شدن) . وَمَا هُوَ عِنْد الصُّوفِيَّة فِي الْولَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأَيْضًا الفناء عِنْدهم عبارَة عَن عدم شُعُور الشَّخْص بِوَاسِطَة اسْتِيلَاء ظُهُور وجود الْحق على بَاطِنه. وَأَيْضًا الفناء عِنْدهم سُقُوط الْأَوْصَاف المذمومة كَمَا أَن الْبَقَاء وجود الْأَوْصَاف المحمودة.
وَاعْلَم أَنهم قَالُوا إِن الفناء على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا ذكر وَهُوَ يحصل بِكَثْرَة الرياضة - وَالثَّانِي: عدم الإحساس بعالم الْملك والملكوت وَهُوَ يحصل بالاستغراق فِي عَظمَة الْبَارِي ومشاهدة الْحق عز شَأْنه وَجل برهانــه كَمَا أشاروا إِلَيْهِ بقَوْلهمْ الْفقر سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ يَعْنِي الفناء فِي الْعَالمين.
الفناء:
[في الانكليزية] Annihilation ،mystical fusion ،ascetism
[ في الفرنسية] Aneantissement ،fusion mystique ،ascetisme
بالفتح والمدّ عند الصوفية عدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من لوازم نفسه. ففناء الشخص عن نفسه عدم شعوره، وفناؤه عن محبوبه باستهلاكه فيه، كذا في الإنسان الكامل في باب الإرادة. وقال المولوي عبد الحكيم في حاشية عبد الغفور: معنى الفناء في اصطلاح الصوفية تبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات، فكلما ارتفع صفة قامت صفة إلهية مقامها، فيكون الحقّ سمعه وبصره كما نطق به الحديث، وكذلك حال الفناء في النبي والشيخ انتهى. وقال عبد اللطيف في شرح المثنوي:
الفناء عند الصوفية سقوط الأوصاف المذمومة والبقاء ثبوت النعوت المحمودة. وقيل الفناء صفة الكون وما كان لأجل الكون والبقاء صفة الكون وما كان لأجل المكون انتهى. ودر- وفي- توضيح المذاهب يقول: الفناء عند أرباب السّلوك عبارة عن نهاية السّير في الله، وذلك لأنّ السّير إلى الله ينتهي وقته عند ما يقطع العبد صحراء الوجود بقدم الصّدق مرة واحدة.
ويتحقّق السّير في الله عند ما يتطهّر العبد من شوائب الحدثان بعد الفناء الذاتي المطلق.
فيمنح تلك الدرجة حتى يتّصف بأوصاف الله ويتخلّق بالأخلاق الرّبانية، مترقّيا فيها.
انتهى.

ودر- وفي- مجمع السلوك آرد- يقول:- الفناء هو الغيبة عن الاشياء رأسا كما كان فناء موسى حين تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. وأبو سعيد خرازي ميگويد- يقول- علامة الفاني ذهاب حظّه من الدنيا والآخرة إلّا من الله تعالى والبقاء الذي يعقبه هو أن يفني عمّا له ويبقى بما لله تعالى. وقال بعضهم البقاء مقام النبيين صلوات الله عليهم أجمعين. فجملة الفناء والبقاء أن يفني عن حظوظه ويبقى بحظوظ غيره. والفناء متنوع:
الفناء عن الخلق، والفناء عن النفس وأهوائها، وفناء عن الإرادة، ولكلّ واحد منها علامات.
وقد قال الشيخ عبد القادر الجيلاني في فتوح الغيب: وعلامة فنائك عن الخلق انقطاعك عنهم وعن التردّد إليهم واليأس مما لديهم.
وعلامة فنائك عنك وعن هواك ترك التسبّب والتعلّق بالسّبب في جلب النفع ودفع الضر كما كنت مغيبا في الرحم وكونك طفلا رضيعا في المهد وعلامة فناء إرادتك بفعل الله تعالى أنّك لا تريده إذا قطّ، ولا يكون لك غرض ولا يقف لك حاجة ومرام، بل لا تريد مع إرادة الله تعالى سواها، بل يجري فعل الله فيك فتكون أنت إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان مشروح الصدر منوّر الوجه غنيا عن الأشياء بخالقها بقلبك كيف يشاء. وفي مجمع السلوك أيضا في موضع آخر الفناء عندهم هو أن لا ترى شيئا إلّا الله ولا تعلم إلّا الله وتكون ناسيا لنفسك ولكلّ الأشياء سوى الله، فعند ذلك يتراءى لك أنّه الرّبّ، إذ لا ترى ولا تعلم شيئا إلّا هو، فتعقد أنّه لا شيء إلّا هو، فتظنّ أنّك هو فتقول أنا الحق، وتقول ليس في الدار إلّا الله، وليس في الوجود إلّا الله وفي كشف اللغات يقول: طريق الفناء في اصطلاح العشّاق هو طريق العشق، والذاكر في ذلك الطريق يقال له ذكر.
(الفناء) شَجَرَة فنَاء ذَات أفنان
(الفناء) الساحة فِي الدَّار أَو بجانبها (ج) أفنية
الفناء: بالفتح خلاف البقاء وبالكسر الوصيدُ: وهي ساحة أمام البيت، وقيل: هو ما امتد من جوانبه.
الفناء:
[في الانكليزية] Courtyard ،dooryard
[ في الفرنسية] Cour ،parvis ،esplanade
بالكسر وبالنون ومد الألف گرداكرد خانه- حوالي البيت-، ومنه فناء البيت كذا في الصراح. وفي جامع الرموز والبرجندي ما حاصله أنّ الفناء بالكسر سعة أمام البيت. وقيل ما امتدّ من جوانبه كما في المغرب. وأما فناء المصر فالمختار في تعريفه شرعا عند صاحب المحيط والخلاصة وغيرهما هو موضع اتصل بالمصر معدا ومهيئا لمصالحه من ركض الخيل وجمع العساكر والخروج للرمي وصلاة الجنازة، ولم يشترط بعضهم الاتصال بالمصر، فقدّره بغلوة يعنى يك تير پرتاب- رمية سهم- وبعضهم بثلاثة أميال، وبعضهم بمنتهى صوت المؤذن، وبعضهم بفرسخين. وفي المضمرات المختار للفتوى قول محمد أنّه بقدر فرسخ.

الْقسم

(الْقسم) (مصدر) يُقَال هَذَا يَنْقَسِم قسمَيْنِ (يُرَاد بِهِ الْمصدر) وقسمين (يُرَاد بِهِ النَّصِيب أَو الْجُزْء من الشَّيْء الْمَقْسُوم) وَالعطَاء يُقَال عِنْده قسم يقسمهُ (وَلَا يجمع) والرأي يُقَال فلَان جيد الْقسم وَالشَّكّ والغيث وَالْمَاء والخلق وَالْعَادَة وَأَن يَقع الشَّيْء فِي قلب الْإِنْسَان فيظنه ثمَّ يقوى ذَلِك الظَّن فَيصير حَقِيقَة
و (حَصَاة الْقسم) حَصَاة تلقى فِي إِنَاء ثمَّ يصب فِيهِ من المَاء مِقْدَار مَا يغمر الْحَصَاة ثمَّ يشربه وَاحِد وَاحِد مِنْهُم وَذَلِكَ إِذا كَانُوا فِي سفر وَلَا مَاء مَعَهم إِلَّا الْيَسِير مِنْهُ فيقسمونه هَكَذَا

(الْقسم) النَّصِيب والحظ (ج) أَقسَام

(الْقسم) الْيَمين (ج) أَقسَام
الْقسم: بِالْفَتْح مصدر بِمَعْنى التجزية. وَقِسْمَة الزَّوْج بيتوتته بِالسَّوِيَّةِ بَين النِّسَاء أَي تَسْوِيَة الزَّوْج بَين الزَّوْجَات فِي الْمَأْكُول والبيتوتة وَغَيرهمَا وبالكسر النَّصِيب أَو الْجُزْء من الشَّيْء الْمَقْسُوم. وبفتح الأول وَالثَّانِي الْيَمين بِاللَّه وحروف الْقسم ثَلَاثَة الْبَاء - وَالْوَاو - وَالتَّاء -.
وَاعْلَم أَن التَّاء فرع الْوَاو وَالْوَاو فرع الْبَاء فالباء أصل الأَصْل - وَالتَّاء فرع الْفَرْع وَالْوَاو ذُو جِهَتَيْنِ من وَجه أصل وَمن وَجه آخر فرع. وَلِهَذَا تدخل الْبَاء على مُضْمر وكل مظهر وَالْوَاو لَا تدخل إِلَّا على مظهر مُطلقًا وَخص التَّاء من بَين الْمظهر باسم الله تَعَالَى شَأْنه وَجل برهانــه. وَإِنَّمَا حكمنَا بأصالة الْبَاء ثمَّ الْوَاو لِأَن أصل الْبَاء الإلصاق فَهِيَ تلصق فعل الْقسم بالمقسم بِهِ وأبدلت الْوَاو مِنْهَا لِأَن بَينهمَا تنَاسبا لفظيا لِكَوْنِهِمَا شفويتين ومعنويا لما فِي الْوَاو من معنى الجمعية الْقَرِيبَة من معنى الإلصاق وإبدال الْوَاو بِالتَّاءِ كثير شَائِع للقرب فِي الْمخْرج مثل اتقد وتتمة هَذَا المرام فِي الْيَمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

النَّصِيحَة

(النَّصِيحَة) قَول فِيهِ دُعَاء إِلَى صَلَاح وَنهي عَن فَسَاد (ج) نصائح
النَّصِيحَة: هِيَ الدُّعَاء والطلب إِلَى مَا فِيهِ الصّلاح وَالنَّهْي عَمَّا فِيهِ الْفساد.
النَّصِيحَة: هِيَ الدُّعَاء والطلب إِلَى مَا فِيهِ الصّلاح وَالنَّهْي عَمَّا فِيهِ الْفساد. وَقد قَالَ الشَّيْخ زين الْحق وَالْملَّة وَالدّين دَاوُد بن السَّيِّد مَحْمُود الشِّيرَازِيّ قدس سره وَصَاحب سجادة الشَّيْخ برهَان الدّين الْغَرِيب قدس سره وَمن عُظَمَاء الْأَوْلِيَاء وكبراء هَذِه الطَّائِفَة الْعليا وَصَاحب الكرامات الظَّاهِرَة وَمجمع الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة والباطنة ومرقده الْمُبَارك فِي رَوْضَة (خلدآباد) الْوَاقِعَة على فاصلة ثَمَانِيَة فراسخ من معمورة الْبُنيان (اورنك آباد) ، يجب اسداء النَّصِيحَة عَن طَرِيق الْكِنَايَة بالحكاية وَمَا شابه حسب الْحَال، لِأَن النَّصِيحَة إِذا كَانَت صَرِيحَة تصبح خُصُومَة وَلَيْسَ نصيحة، أَو النَّصِيحَة والفضيحة وَالْخُصُومَة، كل مَا يُقَال فِي خلْوَة فَهُوَ نصيحة، وكل مَا يُقَال على الْمَلأ فَهُوَ فضيحة، وكل مَا يُقَال صَرَاحَة فَهُوَ خُصُومَة. وَقد قَالَ سُلْطَان الْمَشَايِخ حَضْرَة الشاه نظام الدّين البداواني قدس سره: ((كلامنا إِشَارَة فَإِذا صَار عبارَة صَار جفَاء)) . 

مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة

وَأما مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة: فَهِيَ قَضِيَّة جعلت جُزْء قِيَاس أَو حجَّة على تعدد الِاصْطِلَاح. فَقيل إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْقِيَاسِ. وَقيل إِنَّهَا غير مُخْتَصَّة بِهِ. بل يُقَال لكل قَضِيَّة جعلت جُزْء التَّمْثِيل والاستقراء أَيْضا. فالمقدمة فِي المباحث القياسية تطلق على مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة. والمقدمة بِهَذَا الْمَعْنى أخص من مُقَدّمَة الدَّلِيل لِأَنَّهَا عبارَة عَمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة الدَّلِيل أَعم من أَن يكون جُزْءا مِنْهُ كالصغرى والكبرى. أَولا كشرائط الْأَدِلَّة - فالمقدمة بِهَذَا الْمَعْنى متناولة لتِلْك الْقَضِيَّة وشرائط الْأَدِلَّة أَيْضا كإيجاب الصُّغْرَى وفعليتها وكلية الْكُبْرَى فِي الشكل الأول مثلا. فمقدمة الدَّلِيل أَعم من مُقَدّمَة الْقيَاس وَالْحجّة - والمقدمة فِي أَوَائِل الْكتب كثيرا مَا تطلق على مُقَدّمَة الْكتاب - وَفِي المباحث القياسية على مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة كَمَا عرفت وَفِي مبَاحث آدَاب المناظرة على مُقَدّمَة الدَّلِيل.
وَاعْلَم أَن الْمُقدمَة إِمَّا بِكَسْر الدَّال أَو فتحهَا أما كسرهَا فعلى أَنَّهَا من قدم بِمَعْنى تقدم أَي من التَّقْدِيم اللَّازِم قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} . وَأما فتحهَا فعلى أَنَّهَا من قدم من التَّقْدِيم الْمُتَعَدِّي -
والمقدمة بِكَسْر الدَّال إِنَّمَا تطلق على الإدراكات أَو الْأَلْفَاظ أَو الْجَمَاعَة من الْجَيْش لِأَنَّهَا بأنفسها مُسْتَحقَّة التَّقْدِيم. وَلما كَانَت مُسْتَحقَّة التَّقْدِيم بِالذَّاتِ قدمت فِي الذّكر فصح إِطْلَاق الْمُقدمَة بِالْفَتْح عَلَيْهَا أَيْضا. فَإِن قيل فتح الدَّال أحسن من كسرهَا أَو بِالْعَكْسِ أَو هما متساويان. قلت قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي الْفَائِق: إِن الْمُقدمَة بِفَتْح الدَّال خلف من القَوْل انْتهى. أَي قَول بَاطِل لِأَن فِي الْفَتْح إِيهَام أَن تقدم هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْجعل وَالِاعْتِبَار دون الِاسْتِحْقَاق الذاتي وَلَيْسَ كَذَلِك بل بِحَسب الذَّات. وَقَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن الْفَتْح ظَاهر بِحَسب الْمَعْنى. أَقُول بِحَسب اللَّفْظ أَيْضا فَإِن إِطْلَاق الْمُقدمَة بِالْكَسْرِ على مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَة فِيمَا بَينهم من مُقَدّمَة الْجَيْش ومقدمة الْعلم ومقدمة الْكتاب مُحْتَاج إِلَى تكلّف - أما فِي اللَّفْظ بِأَن يَجْعَل مُشْتَقَّة من التَّقْدِيم بِمَعْنى التَّقَدُّم وَهُوَ قَلِيل نَادِر. وَأما فِي الْمَعْنى بِأَن يعْتَبر تقدم الْأُمُور الْمَذْكُورَة بِنَفسِهَا كَمَا حققناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي هَذَا الْفَاضِل على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على تَهْذِيب الْمنطق.
وَاعْلَم أَن مُحرز قصبات السَّبق فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول جَامع الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول عبيد الله بن مَسْعُود بن تَاج الشَّرِيعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ ذكر أَربع مُقَدمَات فِي مَبْحَث الْحسن والقبح. وَحَاصِل.

الْمُقدمَة الأولى: أَن الْفِعْل يُطلق على الْمَعْنى المصدري وعَلى الْحَاصِل بِهِ - وَالْأول أَمر اعتباري لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج لوجوه ثَلَاثَة اثْنَان مِنْهَا برهانــيان وَالثَّالِث إلزامي على الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ بِمَا اعْترف من أَن التكوين لَيْسَ من الصِّفَات الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَهُوَ معنى مصدري.

والمقدمة الثَّانِيَة: حاصلها أَن الْمُمكن يجب وجوده عِنْد جملَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وَإِلَّا لزم المحذورات.

والمقدمة الثَّالِثَة: حاصلها أَنه لَا بُد أَن يدْخل فِي جملَة مَا يجب عِنْد وجود الْحَادِث أُمُور لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة كالأمور الإضافية مثل الْإِيقَاع وَهُوَ القَوْل بِالْحَال وَهُوَ صفة لموجود لَيست بموجودة وَلَا مَعْدُومَة وَتلك الْأُمُور مُمكنَة الصُّدُور فَيجب استنادها إِلَى عِلّة لَا محَالة لَكِن لَا بطرِيق الْوُجُوب وَإِلَّا لزم إِمَّا قدم الْعَالم وَإِمَّا انْتِفَاء الْوَاجِب تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا بل بطرِيق الِاخْتِيَار.

والمقدمة الرَّابِعَة: حاصلها أَن الرجحان بِلَا مُرَجّح أَي الْوُجُود بِلَا موجد بَاطِل وَكَذَا التَّرْجِيح من غير مُرَجّح أَي الإيجاد بِلَا موجد لَكِن تَرْجِيح أحد المساويين أَو الْمَرْجُوح وَاقع.

الْمُقدمَة الغريبة: هِيَ الَّتِي لَا تكون مَذْكُورَة فِي الْقيَاس لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ كَمَا فِي قِيَاس الْمُسَاوَاة كَمَا إِذا قُلْنَا (أ) مسَاوٍ (لب) و (ب) مسَاوٍ (لج) - ينْتج أَن (أ) مسَاوٍ (لج) - بِوَاسِطَة مُقَدّمَة غَرِيبَة وَهِي كل مسَاوٍ لمساوي شَيْء مسَاوٍ لذَلِك الشَّيْء.

المحرك للفلك

المحرك للفلك: بعيد وَقَرِيب. والمحرك الْبعيد الْقُوَّة الْمُجَرَّدَة عَن الْمَادَّة الْغَيْر الْحَالة فِي الْفلك وَلَا يَنْقَسِم بانقسامه وَلما أثبتوا بالــبرهان أَن حَرَكَة الْفلك إرادية أثبتوا أَن الْقُوَّة المحركة لَهُ مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة أَي المبدأ الصَّادِر عَنهُ هَذَا التحريك الإرادي نفس مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة ذَات إِرَادَة كُلية مُتَعَلقَة بجرم الْفلك تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف كتعلق النَّفس الناطقة ببدن الْإِنْسَان. وَيفهم من كَلَام الْحَكِيم الشهير بصدرا فِي شرح الْهِدَايَة للحكمة فِي فصل أَن الْقُوَّة المحركة للفلك يجب أَن تكون مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة. إِن الْفلك حَيَوَان متحرك بالإرادة وَأَنه إِنْسَان كَبِير بِمَعْنى أَن لَهُ نفسا مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة ذَات إِرَادَة كُلية لَا يكون تعلقهَا بجرم الْفلك تعلق الانطباع بل تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف كتعلق النَّفس الناطقة ببدن الْإِنْسَان.
وَاعْلَم أَنهم أثبتوا المحرك الْبعيد الْمَذْكُور بالشكل الثَّانِي هَكَذَا الْقُوَّة المحركة للفلك تقوى على أَفعَال غير متناهية وَلَا شَيْء من القوى الجسمانية تقوى على أَفعَال غير متناهية فالقوة المحركة للفلك لَيست قُوَّة جسمانية. وعَلى كل من الصُّغْرَى والكبرى دَلِيل لَهُم فِي الْمقَام والمحرك الْقَرِيب للفلك قُوَّة جسمانية نسبتها إِلَى الْفلك كنسبة الخيال إِلَيْنَا فِي أَن كلا مِنْهُمَا مَحل ارتسام الصُّور الْجُزْئِيَّة إِلَّا أَن الخيال مُخْتَصّ بالدماغ وَتلك الْقُوَّة سَارِيَة فِي جرم الْفلك كُله لبساطته وَعدم رُجْحَان بعض أَجْزَائِهِ على بعض فِي محلية تِلْكَ الْقُوَّة وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة نفسا منطبعة أَي مجبولة عَلَيْهَا الْفلك لانتفاش الصُّور الْجُزْئِيَّة فِيهَا. والمحرك الْبعيد لتجرده أشرف من المحرك الْقَرِيب لكَونه جسمانيا.
ثمَّ اعْلَم أَن الْمَشَّائِينَ على أَن للفلك نفسا منطبعة لَا غير. وَالشَّيْخ الرئيس على أَن لَهُ نفسا مُجَرّدَة لَا غير - وَالْإِمَام الرَّازِيّ على أَن لَهُ نفسين منطبعة ومجردة. وَقَالَ الطوسي وَذَلِكَ شَيْء لم يذهب إِلَيْهِ ذَاهِب قبله فَإِن الْجِسْم الْوَاحِد يمْتَنع أَن يكون ذَا نفسين أَعنِي ذاتين هُوَ آلَة لَهما. وَالْحق أَن لَهُ نفسا وَقُوَّة خيالية وَهَذَا مُرَاد الإِمَام غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه عبر عَن الْقُوَّة خيالية بِالنَّفسِ المنطبعة فَافْهَم واحفظ.
وَلَا يخفى عَلَيْك أَن المُرَاد بالمحرك الْقَرِيب المحرك الْقَرِيب الْمُبَاشر لتحريك الْفلك بِلَا وَاسِطَة محرك آخر فَلَا يُنَافِي وجود وَاسِطَة غَيره. فَلَا يرد أَنهم قَالُوا إِن صُدُور التحريكات الْجُزْئِيَّة الْغَيْر المتناهية من الْقُوَّة الجسمانية الَّتِي هِيَ المحرك الْقَرِيب بِوَاسِطَة الانفعالات الْغَيْر المتناهية فَلَا يكون ذَلِك المحرك قَرِيبا. وَمن كَانَ لَهُ نور الْعقل يعلم من هَذَا الْبَيَان الْفرق بَين المحرك الْقَرِيب والمحرك الْبعيد بِأَن المحرك الْبعيد مُجَرّد عَن الْمَادَّة. بِخِلَاف المحرك الْقَرِيب فَإِنَّهُ مادي. وَبِأَن المحرك الْبعيد لَهُ تصورات كُلية وللمحرك الْقَرِيب تصورات جزئية سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ أَن بعض الْمُؤمنِينَ فِي هَذِه اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة الْخَامِسَة عشر من شعْبَان مشتغلون بإضاءة السرج والمشاعل. وَبَعْضهمْ بِأَكْل الجباتي والحلواء وأنواع المآكل. وَبَعْضهمْ بالتسبيح والتهليل والنوافل. وَهَذَا العَاصِي فِي إِضَاعَة بضَاعَة الْعُمر الْعَزِيز بتحقيق المحرك الْمجَازِي غافلا عَن المحرك الْحَقِيقِيّ. اللَّهُمَّ أحرق بِنَار الْعَفو بَيت السَّيِّئَات. وَنور صرح وجودي بسراج توفيق الْحَسَنَات. إِنَّك غفار الذُّنُوب. وستار الْعُيُوب.

شعر:
(امشب شب براءت جهان است اي خدا ... )
(مارا براءت عَفْو جرائم بكن عطا ... )
(از قاضيان كه قَاضِي عاصي بود منم ... )
(از فضل خويش جرم ببخش وكرم نما ... )

الْكَوْثَر

(الْكَوْثَر) (انْظُر كثر)
(الْكَوْثَر) الْعدَد الْكثير وَالْخَيْر الْعَظِيم وَالرجل السخي
الْكَوْثَر: نهر فِي الْجنَّة وعَلى هَذَا النَّحْو تسيل من الْقَلَم قصَّة هِيَ أَنه لما أَمر ملك (دلهي) جلال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر الشَّيْخ الفيضي بِالسَّفرِ سفيرا لَهُ إِلَى برهَان نظام شاه وَالِي (أَحْمد نكر) فَأرْسل هَذَا الْأَخير عريضته إِلَى الْملك من (أَحْمد نكر) يَقُول: إِن مَوْلَانَا الظهوري ينْقل، أَنه فِي يَوْم مَا اجْتمع عدد من شرفاء مَكَّة المعظمة فِي حديقة أحدهم حول الْحَوْض وَأخذُوا يتبادلون الحَدِيث، وعَلى التَّقْرِيب المعظمة.
قَالَ أحد الْأَشْخَاص من سكان مَا وَرَاء النَّهر أَنه غَدا سيجلس أَرْبَعَة أَحيَاء على الزوايا الْأَرْبَعَة لحوض الْكَوْثَر ويسقون الْمُؤمنِينَ المَاء. فَوقف عِنْدهَا مَحْمُود الصّباغ النَّيْسَابُورِي وَقَالَ هَذَا قَول غير مَعْقُول إِن حَوْض الْكَوْثَر دائري وساقيه هُوَ المرتضى عَليّ وهرب.
(] حرف اللَّام [)
الْكَوْثَر: الْأَصَح أَنه نهر فِي الْجنَّة وَقَالَ بَعضهم أَنه حَوْض كَمَا قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ إِلَى آخِره والحوض حق لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} . وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " حَوْضِي مسيرَة شهر وزواياه سَوَاء " أَي طوله وَعرضه وماؤه أَبيض من اللَّبن وريحه أطيب من الْمسك وكيزانه أَكثر من نُجُوم السَّمَاء من يشرب مِنْهَا فَلَا يظمأ أبدا. وَالْأَحَادِيث فِيهِ كَثِيرَة انْتهى وعَلى هَذَا ثَبت أَن الْكَوْثَر لَيْسَ بمدور فَإِن المدور لَا يُسمى نهر أَو أَن الزوايا لَا تتَصَوَّر فِي المدور.
وَأجِيب عَنهُ بِأَن الْكَوْثَر مربع لِأَن الشَّيْخ الْأَجَل جلال الدّين السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه البدور السافرة أخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا على حَوْضِي أنظر من يرد عَليّ والحوض مسيرَة شهر وزواياه على السوية " انْتهى.أَقُول لم لَا يجوز أَن يكون مثلثا مثلا متساوي الأضلاع فَلَا يتم التَّقْرِيب لِأَن الْمُدَّعِي أَن الْكَوْثَر مربع وبمساواة الزوايا لَا يثبت المربع كَمَا لَا يخفى نعم عدم تَمام التَّقْرِيب إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير دَعْوَى الْمُجيب بِأَنَّهُ مربع لَكِن بِالنّظرِ إِلَى دَعْوَى الْمَحْمُود الصّباغ أَنه مدور فَهُوَ تَامّ لِأَن الزوايا لَا تتَصَوَّر فِي المدور فضلا عَن مساواتها فبتساوي الزوايا يثبت أَنه لَيْسَ بمدور وَهُوَ مدعى الْمُجيب فَافْهَم.
(بَاب الْكَاف مَعَ الْهَاء)

الْكمّ

(الْكمّ) مدْخل الْيَد ومخرجها من الثَّوْب (ج) أكمام وكممة وَكم السَّبع غشاء مخالبه وَكم كل نور وعاؤه (ج) أكمام وأكمام النَّخْلَة مَا غطى جمارها من السعف والليف والجذع

(الْكمّ) مِقْدَار الشَّيْء (مو) (وَانْظُر كم)

(الْكمّ) برعوم الثَّمَرَة ووعاء الطّلع وغطاء النُّور (ج) أكمام
الْكمّ: هُوَ الْعرض الْقَابِل للانقسام بِالذَّاتِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ مُتَّصِل وَكم مُنْفَصِل أما الْكمّ الْمُتَّصِل فَهُوَ مَا يكون بَين أَجْزَائِهِ الْمَفْرُوضَة حد مُشْتَرك وَالْحَد الْمُشْتَرك مَا يكون نسبته إِلَى الجزئين نِسْبَة وَاحِدَة كالنقطة بِالْقِيَاسِ إِلَى جزئي الْخط والكم الْمُنْفَصِل مَا لَا يكون بَين أَجْزَائِهِ الْمَفْرُوضَة حد مُشْتَرك وَهُوَ الْعدَد لَا غير قيل انحصار الْكمّ الْمُنْفَصِل فِي الْعدَد غير بَين لَا برهَان عَلَيْهِ كَيفَ والجسم مَعَ سطحه والسطح مَعَه خطه لَيْسَ بَينهمَا حد مُشْتَرك وليسا بِعَدَد وَالْجَوَاب أَنهم قد استدلوا على الانحصار بِأَن الْكمّ الْمُنْفَصِل مركب من متفرقات والمتفرقات مُفْرَدَات والمفردات أحاد وَالْوَاحد إِمَّا أَن يُؤْخَذ من حَيْثُ هُوَ وَاحِد فَقَط أَو من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان أَو حجر فَإِن أَخذ من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد فَقَط لم يكن الْحَاصِل من اجْتِمَاع أَمْثَاله إِلَّا الْعدَد وَإِن أَخذ من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان أَو حجر فَإِنَّهُ لَا يُمكن اعْتِبَار كَون الأناسي الْحَاصِلَة من اجْتِمَاع الْإِنْسَان الْوَاحِد وَبِاعْتِبَار كَون الْأَحْجَار الْحَاصِلَة من اجْتِمَاع الْحجر الْوَاحِد كميات مُنْفَصِلَة إِلَّا عِنْد اعْتِبَار كَونهَا مَعْدُودَة بالآحاد الَّتِي فِيهَا فَهِيَ إِنَّمَا تكون كميات مُنْفَصِلَة من حَيْثُ كَونهَا مَعْدُودَة بالآحاد الَّتِي فِيهَا فَلَيْسَ الْكمّ مُنْفَصِلا إِلَّا الْعدَد وَمَا عداهُ إِنَّمَا يكون كَمَا مُنْفَصِلا بِوَاسِطَة وَهُوَ الْمَطْلُوب.
وَذهب بعض النَّاس إِلَى أَن القَوْل كم مُنْفَصِل غير قار الذَّات كَمَا أَن الْعدَد كم مُنْفَصِل قار الذَّات كَمَا سَيَجِيءُ وَالْحق أَن القَوْل إِنَّمَا يكون لأجل الْكَثْرَة الَّتِي فِيهِ ولولاها لم يكن كَمَا فَهُوَ كم مُنْفَصِل بِالْعرضِ وَأما الْجِسْم مَعَ سطحه فَهُوَ أَيْضا كم مُنْفَصِل بِالْعرضِ وَإِن كَانَ كل وَاحِد من جزئيه كَمَا مُتَّصِلا بِالذَّاتِ وَكَذَا الْحَال فِي السَّطْح مَعَ خطه.
ثمَّ اعْلَم أَن الْكمّ الْمُتَّصِل إِن كَانَ ذَا امتداد وَاحِد وَهُوَ الْخط أَو ذَا امتدادين وَهُوَ السَّطْح أَو ذَا امتدادات ثَلَاثَة وَهُوَ الْجِسْم التعليمي وَهَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة للكم الْمُتَّصِل القار الذَّات أَي مُجْتَمع الاجزاء. وَأما الْكمّ الْمُتَّصِل الْغَيْر القار الذَّات فَهُوَ الزَّمَان كَمَا حققنا فِي الزَّمَان. فالكم الْمُتَّصِل على نَوْعَيْنِ قار الذَّات وَغير قار الذَّات ثمَّ قار الذَّات ثَلَاثَة الْخط والسطح والجسم التعلمي وَفِي هِدَايَة الْحِكْمَة وينقسم إِلَى كم مُنْفَصِل كالعدد وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْكَاف للتمثيل وَهُوَ يَقْتَضِي تعدد أَقسَام الْمثل لَهُ وَهُوَ الْكمّ الْمُنْفَصِل وَقد ذكرُوا أَنه منحصر فِي الْعدَد فالكاف لَيْسَ بِصَحِيح. وتوجيهه أَن الْكَاف للْبَيَان لَا للتشبيه كَمَا فِي قَول ابْن الْحَاجِب كَمَا مَعَ غير الطّلب وَيُمكن أَن يُقَال إِن التَّمْثِيل بِاعْتِبَار أَنْوَاع الْعدَد لَا بِاعْتِبَار أَنْوَاع الْكمّ الْمُنْفَصِل حَتَّى لَا يَصح فَالْمُرَاد من قَوْله كالعدد كالخمسة والستة وَغير ذَلِك - قَالَ الشَّارِح الْقَدِيم لَعَلَّ المُصَنّف تبع فِي ذَلِك مَا قَالَه بعض الْمُتَقَدِّمين من أَن الْكمّ الْمُنْفَصِل إِمَّا قار وَهُوَ الْعدَد أَو غير قار وَهُوَ القَوْل فَإِن أجزاءه لَا تُوجد مَعًا وَلَيْسَ بَينهَا حد مُشْتَرك فصح التَّمْثِيل وَقد مر جَوَابه آنِفا.

الْكُلِّي

الْكُلِّي: عِنْد المنطقيين مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ كالحيوان. وَإِنَّمَا سمي كليا لِأَن كُلية الشَّيْء إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي. والكلي يكون جُزْء الجزئي غَالِبا فَيكون ذَلِك الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى الْكل والمنسوب إِلَى الْكل كلي كَمَا فصلنا هَذَا المرام فِي الجزئي. وَمعنى اشْتِرَاك الْمَاهِيّة بَين كثيرين أَن صورتهَا الْعَقْلِيَّة مُطَابقَة لكل وَاحِد من جزئياتها. وَمعنى الْمُطَابقَة مُنَاسبَة مَخْصُوصَة لَا تكون لسَائِر الصُّور الْعَقْلِيَّة. فَإنَّا إِذا تعقلنا زيدا حصل فِي عقلنا أثر لَيْسَ ذَلِك الْأَثر هُوَ بِعَيْنِه الْأَثر الَّذِي يحصل فِي الْعقل عِنْد تعقلنا فرسا معينا. وَمعنى الْمُطَابقَة لكثيرين أَنه لَا يحصل من تعقل كل وَاحِد مِنْهَا أثر متجدد بل يكون الْحَاصِل فِي الْعقل من تعقل كل هُوَ الصُّورَة الْوَاحِدَة على تِلْكَ النِّسْبَة الْمَخْصُوصَة. فَإنَّا إِذا رَأينَا زيدا حصل مِنْهُ فِي أذهاننا الصُّورَة الإنسانية المعراة عَن المشخصات واللواحق. وَإِذا أبصرنا بعد ذَلِك خَالِدا لم تقع مِنْهُ صُورَة أُخْرَى بل الصُّورَة الْحَاصِلَة الأولى بِعَينهَا. بِخِلَاف مَا إِذا رَأينَا فرسا معينا فَافْهَم.
فَإِن قيل تَعْرِيف الْكُلِّي لَيْسَ بمانع لصدقه على الصُّورَة الخيالية من الْبَيْضَة الْمعينَة تنطبق على كل من البيضات بِحَيْثُ يجوز الْعقل أَن يكون هِيَ هِيَ. وَأَن ضَعِيف الْبَصَر يرى شبحا من بعيد وَيجوز عقله أَن يكون زيدا وعمرا إِلَى غير ذَلِك. وَأَن الطِّفْل فِي مبدأ الْولادَة لنُقْصَان الْحس الْمُشْتَرك لَا يَأْخُذ الصُّورَة عَمَّا هُوَ فِي الْخَارِج بِخُصُوصِهِ. وَلَا يفرق بَين أمه عَن غَيرهَا وَأَبِيهِ عَن غَيره بل يدْرك شبحا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز فِيهِ أَبَاهُ وَأمه عَن الْغَيْر. فَيلْزم أَن تكون هَذِه الصُّور كُلية مَعَ أَنهم عدوها من الجزئيات.
قُلْنَا المُرَاد وُقُوع الشّركَة على سَبِيل الِاجْتِمَاع لَا على الْبَدَلِيَّة والترديد وَصدق تِلْكَ الصُّور على الْكَثْرَة واشتراكها فِيهَا لَيْسَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع بل على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا لَا يخفى. فَإِن قيل إِن الصُّورَة الخارجية لزيد مثلا جزئي حَقِيقِيّ وَيصدق عَلَيْهَا تَعْرِيف الْكُلِّي لِأَنَّهَا تصدق وتطابق على سَبِيل الِاجْتِمَاع على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا كَمَا أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الأذهان تطابق لتِلْك الصُّورَة الخارجية. فَإِن الْمُطَابقَة من الْجَانِبَيْنِ - وَالْعقل يجوز الْمُطَابقَة فِيمَا بَينهمَا على سَبِيل الِاجْتِمَاع. فَإِن التَّحْقِيق أَن حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وإظلالها. فَإِن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الْوُجُود الذهْنِي للأشياء إِنَّمَا تدل على وجودهَا حَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار الشبح والمثال الَّذِي هُوَ وجودهَا مجَازًا. وَأَيْضًا أَن الصُّورَة الذهنية لزيد جزئي حَقِيقِيّ وَتصدق على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا وتطابقها.
قُلْنَا لَا نسلم صدق الجزئي الْحَقِيقِيّ على شَيْء فضلا عَن أَن تصدق الصُّورَة الخارجية الْجُزْئِيَّة على الذهنية كَيفَ فَإِن الْحمل الْمُعْتَبر فِي حمل الْكُلِّي على جزئياته هُوَ الْحمل بالمواطأة - وَهُوَ أَن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا. وَهَذَا الْحمل بَين الصُّورَة الخارجية والذهنية مُنْتَفٍ. وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن الْكُلِّي والجزئي قِسْمَانِ للمفهوم الْعقلِيّ لأَنهم قَالُوا إِن الْمَفْهُوم أَي مَا حصل فِي الْعقل إِمَّا كلي وَإِمَّا جزئي. فالكلي على هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة فِيهِ وَالْمرَاد بِالشّركَةِ لَيست هِيَ الْمُطَابقَة مُطلقًا بل مُطَابقَة الْحَاصِل فِي الْعقل لكثيرين بِحَسب الْخَارِج بِأَنوَهُوَ محَال. قُلْنَا كُلية الْكُلِّي وَكَونه صَادِقا على نَفسه وعارضا لَهَا بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق. وَكَونه فَردا لنَفسِهِ ومعروضا لَهَا بِاعْتِبَار الخصوصية. وَاعْتِبَار المعروضية غير اعْتِبَار العارضية ويتفاوت الِاعْتِبَار بتفاوت الْأَحْكَام. أما سَمِعت لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة لِأَن أَكثر مسائلها مَبْنِيّ على الْأُمُور الاعتبارية فَافْهَم.

الْقَضِيَّة

الْقَضِيَّة: عِنْد المنطقيين قَول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب وَهِي ترادف الْخَبَر فتعريفه تَعْرِيفهَا وَلِهَذَا يعْتَرض بِأَن الصدْق وَالْكذب مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع وَعدم مطابقته لَهُ فَيلْزم الدّور لِأَن الْخَبَر مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب وهما مأخوذان فِي تَعْرِيف الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ الْخَبَر فتوقف معرفَة الْخَبَر على الْخَبَر وَيُجَاب بِأَن الصدْق هُوَ الْمُطَابقَة للْوَاقِع وَالْكذب هُوَ اللامطابقة للْوَاقِع وهما بِهَذَا الْمَعْنى لَا يتوقفان على الْخَبَر والقضية فَلَا يلْزم الدّور. فَإِن قيل فَاعل الْمُطَابقَة لَيْسَ إِلَّا الْخَبَر فتعريف الصدْق وَالْكذب بالمطابقة للْوَاقِع واللامطابقة لَهُ بِحَذْف الْخَبَر لَا يدْفع الدّور قُلْنَا الْحصْر مَمْنُوع فَإِن غير الْخَبَر أَيْضا يَتَّصِف بِالصّدقِ وَالْكذب كَمَا فصلنا فِي تَحْقِيق الصدْق وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن فَاعل الْمُطَابقَة وَإِن كَانَ هُوَ الْخَبَر بِحَسب الظَّاهِر لكنه النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر وَإِن سلمنَا أَنه الْخَبَر يكْسب الظَّاهِر وَفِي نفس الْأَمر لَكِن نفس مَفْهُوم الْمُطَابقَة للْوَاقِع واللامطابقة لَهُ بحقي فِي معرفَة الصدْق وَالْكذب من غير نظر والتفات إِلَى فاعلها وَالصَّوَاب أَن يُفَسر الصدْق وَالْكذب بمطابقة النِّسْبَة الإيقاعية أَو الانتزاعية للْوَاقِع وَالْكذب بِعَدَمِ مطابقتها لَهُ فَلَا دور وَلَا مَحْذُور.
وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور وَهُوَ أَن تَعْرِيف الْخَبَر بِمَا ذكر لَيْسَ بِجَامِع بِحَيْثُ لَا يصدق على شَيْء من أَفْرَاده لِأَن كل خبر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مطابقا للْوَاقِع أَو لَا فعلى الأول يكون صَادِقا فَقَط - وعَلى الثَّانِي كَاذِبًا فَحسب فضلا عَن الِاحْتِمَال مَعَ أَن الْعقل بالبديهيات الأوليات وبخبر الْمخبر الصَّادِق الْبَارِي عز شَأْنه وَرَسُوله جلّ برهانــه جازم بصدقها فَلَا احْتِمَال للكذب فِيهَا - وَالْجَوَاب بِأَن الْوَاو العاطفة فِي تَعْرِيف الْخَبَر بِمَعْنى أَو الَّتِي لأحد الْأَمريْنِ فَمَعْنَى التَّعْرِيف أَن الْخَبَر والقضية مَا يحْتَمل الصدْق أَو الْكَذِب لَيْسَ بسديد لِأَنَّهُ لَا معنى حِينَئِذٍ للاحتمال الْمشعر بِجَوَاز أَمر آخر. وَالْجَوَاب الصَّوَاب أَن المُرَاد بِاحْتِمَال الصدْق وَالْكذب مَعًا أَن الْخَبَر بِمُجَرَّد النّظر إِلَى مَفْهُومه وَقطع النّظر إِلَى خُصُوصِيَّة متكلمه وخصوصية مَفْهُومه مُحْتَمل لَهما. فَالْمَعْنى أَن الْخَبَر مَا إِذا جرد النّظر إِلَى مُحَصل مَفْهُومه وَهُوَ إِمَّا ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ وَقطع النّظر إِلَى خُصُوصِيَّة متكلمه وخصوصية مَفْهُومه يكون مُحْتملا للصدق وَالْكذب وَخبر الله تَعَالَى وَكَذَا خبر رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا قَطعنَا النّظر عَن خُصُوصِيَّة متكلمه ولاحظنا مَفْهُومه وَجَدْنَاهُ إِمَّا ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ - وَذَلِكَ يحْتَمل الصدْق وَالْكذب عِنْد الْعقل وَكَذَا البديهيات الأوليات مثل الْكل أعظم من الْجُزْء فَإنَّا إِذا قَطعنَا النّظر عَن خُصُوصِيَّة تِلْكَ المفهومات البديهيات ونظرنا إِلَى مُحَصل مفهوماتها وماهياتها وَجَدْنَاهُ إِمَّا ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ - وَذَلِكَ يحْتَمل الصدْق وَالْكذب عِنْد الْعقل بِلَا اشْتِبَاه.
وَإِن أردْت الْفرق بَين الْقَضِيَّة والتصديق فَاعْلَم أَن الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الْمركب من الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه وَالْحكم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا من حَيْثُ إِنَّه حَاصِل فِي الذِّهْن يُسمى قَضِيَّة وَالْعلم بِهِ يُسمى تَصْدِيقًا عِنْد الإِمَام - وَأما عِنْد الْحُكَمَاء فالتصديق هُوَ الْعلم أَي الإذعان بالمعلوم الْوَاحِد الْخَاص أَعنِي وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا - فالقضية مَعْلُوم والتصديق علم.
وَعَلَيْك أَن تعلم أَيْضا أَن حُصُول الْمَعْلُوم حُصُول ظِلِّي لَا يُوجب اتصاف النَّفس بهَا وَحُصُول الْعلم أصيلي فَلَا يرد أَنه إِذا اعْتبر الْحُصُول فِي الذِّهْن فِي الْقَضِيَّة يلْزم اتِّحَاد التَّصْدِيق والقضية إِذْ لَا فرق بَين الْمَعْلُوم وَالْعلم عِنْد الْقَائِل بِحُصُول الْأَشْيَاء أَنْفسهَا فِي الذِّهْن إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيام بالذهن وَعدم الْقيام بِهِ.
ثمَّ إِن لفظ الْقَضِيَّة يُطلق تَارَة على الملفوظ وَتارَة على الْمَعْقُول فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الْإِطْلَاق إِمَّا بالاشتراك اللَّفْظِيّ بِأَن يكون لفظ الْقَضِيَّة مَوْضُوعا لكل وَاحِد من الملفوظ والمعقول بِوَضْع على حِدة أَو بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز بِأَن يكون مَوْضُوعا لأَحَدهمَا دون الآخر وَالثَّانِي أولى لِأَن الْمُعْتَبر هُوَ الْقَضِيَّة المعقولة وَإِنَّمَا اعْتبر الملفوظة لدلالتها على المعقولة تَسْمِيَة للدال باسم الْمَدْلُول وَقس على لفظ الْقَضِيَّة لفظ القَوْل الْوَاقِع فِي تَعْرِيفهَا وَلذَا اشْتهر أَن القَوْل عِنْدهم هُوَ الْمركب سَوَاء كَانَ معقولا أَو ملفوظا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فَإِن كَانَ ملفوظا فالقضية ملفوظة وَإِن كَانَ معقولا فالقضية معقولة.
ثمَّ اعْلَم أَن للمركب التَّام أَسمَاء شَتَّى بِحَسب الاعتبارات كَمَا ستعلم فِي الْمركب التَّام إِن شَاءَ الله تَعَالَى فانتظر أَنِّي مَعَ المنتظرين. الْقَضِيَّة الحملية: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بِثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو نَفْيه عَنهُ مثل كل إِنْسَان حَيَوَان وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر وَإِن لم يكن الحكم فِيهَا كَذَلِك.
(الْقَضِيَّة) الحكم وَمَسْأَلَة يتنازع فِيهَا وَتعرض على القَاضِي أَو الْقُضَاة للبحث والفصل (مو) و (فِي الْمنطق) قَول مكون من مَوْضُوع ومحمول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب لذاته وَيصِح أَن يكون مَوْضُوعا للبرهنة (ج) قضايا

الْقدَم يُنَافِي الْعَدَم

الْقدَم يُنَافِي الْعَدَم: أَي كل مَا كَانَ قَدِيما لَا يُمكن طريان الْعَدَم عَلَيْهِ لِأَن الْقَدِيم إِمَّا وَاجِب بِالذَّاتِ أَو وَاجِب بِالْغَيْر وَعدم إِمْكَان طريان الْعَدَم على الْوَاجِب بِالذَّاتِ تَعَالَى شَأْنه ظَاهر - وَإِن كَانَ الْقَدِيم وَاجِبا بِالْغَيْر فَلَا محَالة يكون مُسْتَندا إِلَى الْوَاجِب بِالذَّاتِ بطرِيق الْإِيجَاب فَيكون الْوَاجِب بِالذَّاتِ عِلّة تَامَّة لَهُ. وَلَا يُمكن طريان الْعَدَم عَلَيْهِ فَلَا يُمكن طريانه على معلوله أَيْضا وَإِلَّا لزم تخلف الْمَعْلُول عَن علته التَّامَّة وَهُوَ محَال بِالضَّرُورَةِ.
وَلَا يذهب عَلَيْك أَن كل مُسْتَند إِلَى الْوَاجِب بِالذَّاتِ قديم مُسْتَمر بل المُرَاد أَن كل مُسْتَند إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة شَرط مُسْتَمر قديم - وَإِنَّمَا قَالُوا بطرِيق الْإِيجَاب لِأَن الْمُسْتَند إِلَى الْوَاجِب بِالذَّاتِ بطرِيق الْقَصْد وَالِاخْتِيَار يكون حَادِثا إِذْ الْقَصْد إِنَّمَا يكون حَال الْعَدَم فَإِن الْقَصْد إِلَى إِيجَاد الْمَوْجُود مُمْتَنع بِالضَّرُورَةِ وَعَلِيهِ منع مَشْهُور.
تَقْرِيره لَا نسلم أَن يكون الصَّادِر عَن الْوَاجِب بِالذَّاتِ بطرِيق الْقَصْد حَادِثا إِنَّمَا يلْزم ذَلِك إِذا كَانَ تقدم الْقَصْد على الْوُجُود بِحَسب الزَّمَان ليَكُون مُقَارنًا بِعَدَمِهِ وَهُوَ مَمْنُوع لم لَا يجوز أَن يكون تقدم الْقَصْد على الْوُجُود بِحَسب الذَّات فَإِن قَصده تَعَالَى إِنَّمَا يكون كَامِلا فَكَمَا أَن تقدم الإيجاد على الْوُجُود ذاتي لَا زماني بِأَن يكون الإيجاد فِي زمَان والوجود فِي زمَان آخر بل زَمَانه عين زمَان الْوُجُود فَكَذَلِك لم لَا يكون تقدم الْقَصْد الْكَامِل على الإيجاد تقدما ذاتيا فَيكون زمَان الْقَصْد عين زمَان الإيجاد والوجود فَحِينَئِذٍ يكون الْمُسْتَند إِلَى الْوَاجِب بطرِيق الِاخْتِيَار قَدِيما لَا حَادِثا. وَالْقَصْد الْكَامِل مَا يكون مستلزما للمقصود وَهُوَ قصد الْوَاجِب تَعَالَى بِخِلَاف الْقَصْد النَّاقِص كقصدنا فَإِنَّهُ مُتَقَدم على الإيجاد والوجود فَإِنَّهُ يحْتَاج فِي حُصُول الْمَقْصُود بعده إِلَى مُبَاشرَة الْأَسْبَاب وَاسْتِعْمَال الْآلَات. وَبِالْجُمْلَةِ أَن الْقَصْد إِذا كَانَ كَافِيا فِي حُصُول الْمَقْصُود يكون مَعَه بِحَسب الزَّمَان فَلَا يلْزم حُدُوث الْمَقْصُود وَإِذا لم يكن كَافِيا فيتقدم عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ فَيكون الْمَقْصُود حَادِثا بِالزَّمَانِ الْبَتَّةَ.
وَهَا هُنَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَنا لَا نسلم أَن كل مُسْتَند إِلَى الْمُوجب بِالذَّاتِ بطرِيق الْإِيجَاب بِوَاسِطَة شَرط مُسْتَمر قديم لجَوَاز أَن يكون وجود زيد الْقَدِيم مثلا مُسْتَندا إِلَى الْمُوجب بِالذَّاتِ بِشَرْط أَمر عدمي ثَابت فِي الْأَزَل كَعَدم بكر فَإِن الإعدام أزلية فوجود زيد غير مَسْبُوق بِالْعدمِ ومستند إِلَى الْمُوجب الْقَدِيم. وَمَعَ هَذَا يجوز أَن يطْرَأ عَلَيْهِ الْعَدَم بِزَوَال شَرطه أَعنِي عدم بكر بِأَن يُوجد بكر فِيمَا لَا يزَال بِسَبَب تحقق جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجوده فَيكون انتفاؤه بِسَبَب انْتِفَاء شَرطه لَا لانْتِفَاء علته حَتَّى يلْزم عدم الْمُوجب الْقَدِيم - فَإِن قلت إِن ذَلِك الْأَمر العدمي إِمَّا مُسْتَند إِلَى الْمُوجب الْقَدِيم بِالذَّاتِ بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة شَرَائِطه العدمية لَا إِلَى نِهَايَة أَو إِلَى الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ وأياما كَانَ يمْتَنع زَوَال عدم الْحَادِث أما على الأول وَالثَّالِث فَظَاهر - وَأما على الثَّانِي فَلِأَن زَوَاله لَا يتَصَوَّر إِلَّا بِزَوَال تِلْكَ الوسائط الْغَيْر المتناهية وزوالها يسْتَلْزم وجود أُمُور غير متناهية وَهُوَ بَاطِل بــبرهان التطبيق. فَنَقُول لَا نسلم أَن الْأَمر العدمي يحْتَاج إِلَى عِلّة فَإِن الإعدام غير محتاجة إِلَى سَبَب إِذْ عِلّة الِاحْتِيَاج عِنْد الْمُتَكَلِّمين هِيَ الْحُدُوث. وَأَنت تعلم أَن الِاحْتِيَاج غير مُتَحَقق فِي حَال الْعَدَم. نعم يتم الْجَواب على مَذْهَب الْحُكَمَاء فَإِن عِلّة الِاحْتِيَاج إِلَى الْعلَّة عِنْدهم هِيَ الْإِمْكَان لَكِن كلامنا على مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين.

الْمنطق

(الْمنطق) الْكَلَام وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {علمنَا منطق الطير} وَعلم يعْصم الذِّهْن من الْخَطَأ فِي الْفِكر وَيُقَال فلَان منطقي عَالم بالْمَنْطق أَو يفكر تفكيرا مُسْتَقِيمًا

(الْمنطق) مَا يشد بِهِ الْوسط (ج) مناطق
الْمنطق: تِسْعَة أَبْوَاب على مَا هُوَ الْمَشْهُور: الأول: بَاب الكليات الْخمس. الثَّانِي: بَاب التعريفات. الثَّالِث: بَاب التصديقات. الرَّابِع: بَاب الْقيَاس. الْخَامِس: الْــبُرْهَان. السَّادِس: الخطابة. السَّابِع: الجدل. الثَّامِن: المغالطة. التَّاسِع: الشّعْر. وَهَذِه الْخمس الْأَخِيرَة هِيَ الصناعات الْخمس.
الْمنطق: اسْم الْفَاعِل من بَاب الْأَفْعَال وَفِي اصْطِلَاح الْحساب هُوَ الْعدَد الَّذِي يكون لَهُ أحد الكسور التِّسْعَة أَو يكون لَهُ جذر على سَبِيل منع الْخُلُو. وَإِنَّمَا سمي منطقا لِأَنَّهُ نَاطِق بجذره وكسره. وَيحْتَمل أَن يكون اسْم مفعول أَي جعل ناطقا بجذره وكسره وَمُقَابِله الْأَصَم وبفتح الْمِيم إِمَّا مصدر ميمي أَو اسْم مَكَان. والمنطق الَّذِي هُوَ من الْعُلُوم الآلية حَده وكنهه جَمِيع الْمسَائِل الَّتِي لَهَا دخل فِي عصمَة الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر أَو الْقدر المعتد بِهِ مِنْهَا. ورسمه آلَة قانونية تعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر فَهُوَ علم عَمَلي آلي كَمَا أَن الْحِكْمَة علم نَظَرِي غير آلي. فالآلة بِمَنْزِلَة الْجِنْس - والقانونية يخرج الْآلَات الْجُزْئِيَّة لأرباب الصَّنَائِع - وتعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر يخرج الْعُلُوم القانونية الَّتِي لَا تعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ والضلالة فِي الْفِكر بل فِي الْمقَال كالعلوم الْعَرَبيَّة - وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم منطقا لِأَن الْمنطق يُطلق على الظَّاهِرِيّ وَهُوَ التَّكَلُّم. وعَلى الباطني وَهُوَ إِدْرَاك الكليات. وَهَذَا الْعلم يُقَوي النَّفس الناطقة على إِدْرَاك الكليات ويسلك اللِّسَان فِي التَّكَلُّم مَسْلَك السداد فاشتق لَهُ اسْم من النُّطْق.
فالمنطق مصدر ميمي بِمَعْنى النُّطْق وَأطلق على هَذَا الْعلم مُبَالغَة فِي مدخليته فِي تَكْمِيل النُّطْق كَأَنَّهُ هُوَ هُوَ - وَأما اسْم مَكَان كَانَ هَذَا الْعلم مَحل النُّطْق ومظهره. وَاخْتلف فِي أَنه من الْحِكْمَة أم لَا كَمَا مر فِي تَحْقِيق الْحِكْمَة فَانْظُر هُنَاكَ وَإِنَّمَا كَانَ الْمنطق آلَة لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الْقُوَّة الْعَاقِلَة وَبَين المعلومات الَّتِي ترتبها لِاكْتِسَابِ المجهولات فَإِن الْأَثر الْحَاصِل فِيهَا بترتب الْعَاقِلَة إِيَّاهَا على وَجه الصَّوَاب إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة هَذَا الْفَنّ - وَإِنَّمَا كَانَ قانونا لِأَن مسَائِله قوانين كُلية منطبقة على جزئياتها. فَإِن قيل الْمَنْسُوب يكون مغائرا للمنسوب إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصح حمله عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَال زيد بَصرِي وَلَا يَصح أَن يُقَال زيد بصرة فَيلْزم أَن يكون الْمنطق آلَة غير القانون قُلْنَا الْمُغَايرَة بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ لَا يلْزم أَن تكون على وَجه المباينة بل لَا بُد وَأَن يكون بِوَجْه مَا سَوَاء كَانَت على وَجه المباينة. كَمَا إِذا نسب شَيْء إِلَى مباينة مثل زيد بَصرِي أَو بِوَجْه آخر. كَمَا إِذا نسب الْخَاص إِلَى عَامه مثل زيد إنساني. أَو بِالْعَكْسِ مثل جسم حيواني وجسم نباتي. وكما إِذا كَانَ بَينهمَا عُمُوم من وَجه مثل آلَة قانونية والخاتم فضي والجمجمة ترابية. فَالْحَاصِل أَنه إِن أُرِيد بالمغايرة بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ الْمُغَايرَة بِوَجْه المبانية فَمَمْنُوع - وَإِن أُرِيد الْمُغَايرَة مُطلقًا فَمُسلم وَبَين الْآلَة والقانون مُغَايرَة لِأَن بَينهمَا عُمُوما من وَجه كَمَا لَا يخفى فَلَا إِشْكَال.
ثمَّ اعْلَم أَنه قد اتّفقت الآراء على أَن حِكْمَة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام فِي إِيجَاد الْعُقَلَاء هِيَ معرفَة الذَّات وَالصِّفَات بالاستدلال عَلَيْهِمَا بالآثار والآيات وَهِي متوقفة على الْعلم الْمُسَمّى بالْمَنْطق. وَلذَا حكم الفحول من الْعلمَاء والنحارير من العظماء بفرضية مَعْرفَته علينا. كَيفَ لَا فَإِن الْغَايَة من خلق الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّمَا هِيَ الْعِبَادَة والمعرفة وَكِلَاهُمَا مَوْقُوف على إِثْبَات المعبود وَوُجُود وَاجِب الْوُجُود فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} .

الْفرْقَان

(الْفرْقَان) الْقُرْآن وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا} والــبرهان وَالْحجّة وكل مَا فرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل
الْفرْقَان: الْقُرْآن الْمجِيد وَالْعلم التفصيلي الْفَارِق بَين الْحق وَالْبَاطِل.

علمه تَعَالَى شَامِل

علمه تَعَالَى شَامِل: أَي للممكنات والممتنعات وَلذَا قَالُوا إِن مَعْلُومَات الله تَعَالَى أَكثر من مقدوراته فَإِن قدرته تَعَالَى إِنَّمَا تتَعَلَّق بِمَا يُمكن تعلق الْقُدْرَة بِهِ وَهُوَ الْمُمكن وَالْعلم يتَعَلَّق بالممكن والممتنع فمعلوماته تَعَالَى أَكثر من مقدوراته فَإِن قلت لَا نسلم أَن علمه تَعَالَى شَامِل للممكنات والممتنعات لأَنهم قَالُوا إِن علمه تَعَالَى لَا يتَعَلَّق بمراتب الْأَعْدَاد الْغَيْر المتناهية إِذْ مَرَاتِب الْأَعْدَاد غير متناهية فِي الْوُجُود العلمي لَهُ تَعَالَى فَلَو كَانَ علمه تَعَالَى مُتَعَلقا بهَا مفصلة لزم عدم تناهيها لجَرَيَان برهَان التطبيق حِينَئِذٍ لكَون تِلْكَ الْمَرَاتِب وَنسبَة الانطباق بَينهَا معلومتان لَهُ تَعَالَى على مَا قُلْتُمْ من شُمُول علمه تَعَالَى بالممكن والممتنع قُلْنَا إِن علمه الشَّامِل للممكنات والممتنعات إِنَّمَا يَشْمَل مَا لَا يمْتَنع الْعلم بِهِ كَمَا أَن قدرته الشاملة إِنَّمَا تشْتَمل مَا لَا يمْتَنع وجوده وَإِمْكَان تعلق الْعلم بالمراتب الْغَيْر المتناهية مفصلة مَمْنُوع. فَإِن قيل فَيلْزم الْجَهْل على الله تَعَالَى قُلْنَا الْجَهْل عدم الْعلم بِمَا يَصح تعلق الْعلم بِهِ كَمَا أَن الْعَجز عدم الْقُدْرَة بِمَا يَصح تعلقهَا بِهِ فَلَا يلْزم الْجَهْل من عدم علمه تَعَالَى بِتِلْكَ الْمَرَاتِب كَمَا لَا يلْزم الْعَجز من عدم تعلق الْقُدْرَة بِمَا يمْتَنع وجوده فِي الْخَارِج كاجتماع الضدين والنقيضين وَشريك الْبَارِي وَغير ذَلِك.
فَإِن قيل إِن الْقلَّة وَالْكَثْرَة من لَوَازِم التناهي فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن معلوماته تَعَالَى أَكثر من مقدوراته مَعَ لَا تناهيهما قُلْنَا معنى لَا تناهي المعلومات والمقدورات وَكَذَا لَا تناهي الْأَعْدَاد أَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إِلَى حد لَا يتَصَوَّر فَوْقه آخر لَا بِمَعْنى أَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ يدْخل فِي الْوُجُود فَإِنَّهُ محَال فَإِن التناهي وَعَدَمه فرع الْوُجُود سَوَاء كَانَ ذهنا أَو خَارِجا وَلَيْسَ الْمَوْجُود من مَرَاتِب الْأَعْدَاد وَكَذَا من المعلومات والمقدورات إِلَّا قدرا متناهيا فإطلاق التناهي عَلَيْهَا مجازي بِاعْتِبَار أَنَّهَا لَو فرض وجودهَا بأسرها لكَانَتْ غير متناهية.

الْعَجز

(الْعَجز) مُؤخر الشَّيْء (يذكر وَيُؤَنث) والشطر الْأَخير من بَيت الشّعْر (ج) أعجاز وأعجاز النّخل أُصُولهَا وأعجاز الْأُمُور أواخرها وَيُقَال ركب فِي الطّلب أعجاز الْإِبِل ركب الذل وَالْمَشَقَّة
الْعَجز: عدم الْقُدْرَة على الْمُمكن الَّذِي لَا يكون فِيهِ شَائِبَة الِامْتِنَاع فَإِن عدم الْقُدْرَة على الْمُمكن بِالذَّاتِ الْمُمْتَنع بِالْغَيْر لَيْسَ بعجز فَإِن الله تَعَالَى لَا يقدر على إعدام الْمَعْلُول مَعَ وجود علته التَّامَّة - وَلَا يُقَال إِنَّه تَعَالَى عَاجز عَنهُ تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ يخرج عَن الْعَجز فِي كثير من المغالطات، ثمَّ اعْلَم أَن الْعَجز على الله تَعَالَى محَال لِأَن الِاحْتِيَاج لَازم للعجز وَالْإِجْمَاع على أَن الِاحْتِيَاج نقص محَال على الله تَعَالَى لِأَنَّهُ دَلِيل الْإِمْكَان والحدوث فَمن قَالَ بعجزه تَعَالَى فَهُوَ كَافِر. فَإِن قيل، فَعَلَيْكُم أَن تَقولُوا يكفر الْمُعْتَزلَة لأَنهم قَائِلُونَ بعجزه تَعَالَى لقَولهم بِأَن طَاعَة الْفَاسِق مُرَاده تَعَالَى وَلَكِن لَا يحصل وَعدم حُصُول المُرَاد عجز كَمَا يشْهد بِهِ تَقْرِير برهَان التمانع - قُلْنَا الْإِرَادَة عِنْد الْمُعْتَزلَة قِسْمَانِ إِرَادَة قسر والجاء، وَإِرَادَة تَفْوِيض وتخيير، وتخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة الأولى لَا يجوز عِنْدهم لِأَنَّهُ عجز وتخلفه عَن الثَّانِيَة جَائِز لَيْسَ بعجز والمتعلق بِطَاعَة الْفَاسِق وإيمان الْكَافِر هِيَ الْإِرَادَة التفويضية دون القسريه ومثلوا للإرادة التفويضية أَن تَقول لعبدك أُرِيد مِنْك كَذَا وَلَا أجبرك أَي أَنْت مُخْتَار فِي الْفِعْل وَالتّرْك.

شريك الْبَارِي

شريك الْبَارِي: أَي مَا يُشَارك ذَاته فِي صِفَاته فَإِنَّهُ مُمْتَنع الْوُجُود فِي الْخَارِج لما دلّ عَلَيْهِ برهَان تَوْحِيد الْوَاجِب الْوُجُود وَكَذَلِكَ فِي الذِّهْن إِذْ مَا حصل فِي الذِّهْن لَا يكون مَوْصُوفا بصفاته هَذَا إِذا أُرِيد بِهِ ذَات الْوَاجِب الْوُجُود المشارك لَهُ تَعَالَى فِي جَمِيع صِفَاته فِي الْخَارِج أَعنِي الجزئي الْحَقِيقِيّ الَّذِي يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم شريك الْبَارِي الَّذِي هُوَ كلي مُمْتَنع الْوُجُود فِي الْخَارِج والذهن فَتَأمل. وَلِهَذَا المرام زِيَادَة تَفْصِيل وتوضيح فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الزَّكَاة

(الزَّكَاة) الْبركَة والنماء وَالطَّهَارَة وَالصَّلَاح وصفوة الشَّيْء و (فِي الشَّرْع) حِصَّة من المَال وَنَحْوه يُوجب الشَّرْع بذلها للْفُقَرَاء وَنَحْوهم بِشُرُوط خَاصَّة
الزَّكَاة: فِي اللُّغَة الطَّهَارَة والنماء وَالزِّيَادَة. وَفِي الشَّرْع إيتَاء جُزْء من النّصاب الحولي إِلَى الْفَقِير وَقيل هِيَ اسْم للقدر الَّذِي يخرج إِلَى الْفَقِير وَيُسمى الزَّكَاة صَدَقَة أَيْضا لدلالتها على الصدْق فِي الْعُبُودِيَّة كَمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّدَقَة برهَان. وَفِي كنز الدقائق يجب فِي مِائَتي دِرْهَم وَعشْرين دِينَارا ربع الْعشْر وَمَعْرِفَة قدر الدَّرَاهِم وَالدِّينَار فِي محلهَا.
(بَاب الزَّاي مَعَ اللَّام)

الدَّلِيل

(الدَّلِيل) المرشد (ج) أَدِلَّة وأدلاء وَمَا يسْتَدلّ بِهِ (ج) أَدِلَّة
الدَّلِيل: فِي اللُّغَة المرشد وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد. وَفِي الِاصْطِلَاح قد يُطلق مرادفا للــبرهان فَهُوَ الْقيَاس الْمركب من مقدمتين يقينيتين. وَقد يُطلق مرادفا للْقِيَاس فَهُوَ حجَّة مؤلفة من قضيتين يلْزم عَنْهَا لذاتها مَطْلُوب نَظَرِي وإطلاقه بِهَذَا الْمَعْنى قَلِيل. وَقد يُطلق مرادفا للحجة فَهُوَ مَعْلُوم تصديقي موصل إِلَى مَجْهُول تصديقي وَمَا يذكر لإِزَالَة الخفاء فِي البديهي يُسمى تَنْبِيها. وَقد يُقَال الدَّلِيل على مَا يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء آخر وَهُوَ الْمَدْلُول وَالْمرَاد بِالْعلمِ بِشَيْء آخر الْعلم اليقيني لِأَن مَا يلْزم من الْعلم بِهِ الظَّن بِشَيْء آخر لَا يُسمى دَلِيلا بل إِمَارَة.
ثمَّ اعْلَم أَن الدَّلِيل تحقيقي وإلزامي. (وَالدَّلِيل التحقيقي) مَا يكون فِي نفس الْأَمر وَمُسلمًا عِنْد الْخَصْمَيْنِ. (وَالدَّلِيل الإلزامي) مَا لَيْسَ كَذَلِك فَيُقَال هَذَا عنْدكُمْ لَا عِنْدِي. وَالدَّلِيل عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى مَطْلُوب جزئي فعلي هَذَا الدَّلِيل على وجود الصَّانِع هُوَ الْعَالم لِأَنَّهُ شَيْء إِذا صحّح النّظر فِي أَحْوَاله أَي إِذا رتب أَحْوَاله على قانون النّظر يُمكن التَّوَصُّل إِلَى الْعلم بِوُجُود الصَّانِع.
ثمَّ الدَّلِيل إِمَّا مُفِيد لمُجَرّد التَّصْدِيق بِثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر مَعَ قطع النّظر عَن الْخَارِج سَوَاء كَانَ الْوسط معلولا أَو لَا. وَهُوَ دَلِيل اني. وَإِمَّا مُفِيد لثُبُوت الْأَكْبَر لَهُ بِحَسب الْوَاقِع يَعْنِي أَن تِلْكَ الْوَاسِطَة كَمَا تكون عِلّة لثُبُوت الْأَصْغَر فِي الذِّهْن كَذَلِك تكون عِلّة لثُبُوته لَهُ فِي نفس الْأَمر. وَهُوَ دَلِيل لمي. وَوجه التَّسْمِيَة فِي أُمَّهَات المطالب.

الخطابيات

الخطابيات: وَهِي أُمُور لَا يطْلب فِيهَا الْــبُرْهَان بل يَكْفِي فِيهَا مُجَرّد الظَّن وَلذَا قَالُوا إِنَّهَا قياسات مركبة من مُقَدمَات مَقْبُولَة أَو مظنونة من شخص مُعْتَقد فِيهِ وَالْغَرَض مِنْهَا ترغيب النَّاس فِيمَا يَنْفَعهُمْ من أُمُور معاشهم ومعادهم كَمَا يَفْعَله الخطباء والوعاظ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.