Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: باسم_الآب_والابن_والروح_القدس_الإله_الواحد

الرّوح الْأَعْظَم

الرّوح الْأَعْظَم: هُوَ الرّوح الإنساني مظهر الذَّات الإلهية من حَيْثُ ربوبيتها وَلذَلِك لَا يُمكن أَن يحوم حولهَا حائم وَلَا يروم وَصلهَا رائم لَا يعلم كنهه إِلَّا الله العلام هُوَ الْعقل الأول والحقيقة المحمدية وَالنَّفس الْوَاحِدَة والحقيقة الاسمائية وَهُوَ أول مَوْجُود خلقه الله تَعَالَى على صورته.

السّمع

(السّمع) قُوَّة فِي الْأذن بهَا تدْرك الْأَصْوَات وَالْأُذن والمسموع وَالذكر (ج) أسماع وَيُقَال سمعا وَطَاعَة أَي أسمع سمعا وَأطِيع طَاعَة وَسمع وَطَاعَة أَي أَمْرِي سمع وَطَاعَة وَأخذت عَنهُ سمعا سَمَاعا وسمعك إِلَيّ اسْمَع مني وَهُوَ بَين سمع الأَرْض وبصرها أَي طولهَا وعرضها أَو لَا يدرى أَيْن توجه أَو بِأَرْض خَالِيَة لَا يسمع كَلَامه أحد وَلَا يبصره أحد إِلَّا الأَرْض القفر وَألقى نَفسه بَين سمع الأَرْض وبصرها أَي غرر بِهِ وَأَلْقَاهَا حَيْثُ لَا يدرى أَيْن هُوَ وَأم السّمع الدِّمَاغ

(السّمع) يُقَال فِي الدُّعَاء (اللَّهُمَّ سمعا لَا بلغا) و (سمع لَا بلغ) أَي يسمع وَلَا يبلغ يَقُوله من يسمع خَبرا لَا يُعجبهُ أَو أسمع بالدواهي وَلَا تبلغني وَيُقَال سمع أُذُنِي أَي على مسمع مني

(السّمع) الذّكر المسموع وحيوان من الفصيلة الْكَلْبِيَّة أكبر من الْكَلْب فِي الحجم قوائمه طَوِيلَة وَرَأسه مفلطح يضْرب بِهِ الْمثل فِي حِدة سَمعه فَيُقَال (أسمع من سمع) و (أسمع من السّمع الْأَزَل) 
السّمع: قُوَّة مودعة فِي الْعصبَة المفروشة فِي مُؤخر الصماخ الَّتِي فِيهَا هَوَاء محتبس كالطبل فَإِذا وصل الْهَوَاء المتكيف بكيفية الصَّوْت لتموجه الْحَاصِل من قرع أَو قلع عنيفين مَعَ مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع إِلَى تِلْكَ الْعصبَة وقرعها أَدْرَكته الْقُوَّة بالمودعة فِيهَا وَكَذَا إِذا كَانَ الْهَوَاء المتكيف بكيفية الصَّوْت قَرِيبا مِنْهَا وَإِن لم يكن قارعا وَلَيْسَ المُرَاد بوصول الْهَوَاء الْحَامِل للصوت إِلَى السامعة أَن هَوَاء وَاحِدًا بِعَيْنِه يتموج ويتكيف بالصوت ويوصل التموج ذَلِك الْهَوَاء إِلَى السامعة بل أَن الْهَوَاء المجاور لذَلِك الْهَوَاء المتكيف بالصوت يتموج ويتكيف بِهِ الْهَوَاء الراكد فِي الصماخ فَتُدْرِكهُ السامعة حِين الْوُصُول.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن السّمع قُوَّة مؤدعة لِأَن الْوَدِيعَة تَزُول بِأخذ الْمُودع والسمع وَالْبَصَر أَيْضا كَذَلِك بِخِلَاف اللَّمْس والذوق والشم فَإِنَّهَا لَا تَزُول مَا دَامَت الْحَيَاة بَاقِيَة نعم قد يحدث النُّقْصَان فِيهَا وَهُوَ لَا يُوجب الزَّوَال كَمَا لَا يخفى.
ثمَّ اعْلَم أَن السّمع أفضل الْحَواس الظَّاهِرَة فَإِن التَّعْلِيم والتعلم والنطق مَوْقُوف عَلَيْهِ وَهُوَ يتَعَلَّق بالقريب والبعيد وَلِهَذَا كَانَ بعض الْأَنْبِيَاء أعمى لَا أَصمّ فَلَا بُد من احتياطه ومحافظته وَصِحَّته بالاجتناب عَن الْهَوَاء الْحَار والبارد وَدخُول المَاء وَالْغُبَار وَالتُّرَاب والهوام وَالْوَاجِب تقطير الدّهن المحرور بالنَّار المعتدل والاجتناب عَن كَثْرَة الْكَلَام وَسَمَاع الْأَصْوَات القوية وَالْقِرَاءَة الجهرية وَالْحَرَكَة العنيفة والقيء وَالْحمام الْحَار وَالنَّوْم على الامتلاء وَالسكر المتوالي وَتَنَاول الأغذية المبخرة وَمن أَرَادَ حفظ صِحَة لسمع فَعَلَيهِ أَن يضع الْقطن فِي الْأذن لَيْلًا وَنَهَارًا.
السّمع:
[في الانكليزية] Hearing
[ في الفرنسية] Audition
بالفتح وسكون الميم في اللّغة الإذن.
وحسّ الأذن وهو قوة مودعة في العصب المفروش في مقعّر الصماخ الذي فيه هو محتقن كالطبل، فإذا وصل الهواء الحامل للصوت إلى ذلك العصب وقرعه أدركته القوة السامعة المودعة في ذلك العصب، فإذا انخرق ذلك العصب أو بطل حسّها بطل السمع. اعلم أنّ المسلمين اتفقوا على أنّه تعالى سميع بصير لكنهم اختلفوا في معناه. فقالت الفلاسفة والكعبي وأبو الحسين البصري: ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات. وقال الجمهور منا أي من الأشاعرة ومن المعتزلة والكرّامية إنّهما صفتان زائدتان على العلم. وقال ناقد المحصل: أراد فلاسفة الإسلام، فإنّ وصفه تعالى بالسمع والبصر مستفاد من النقل، وإنّما لم يوصف بالشّمّ والذّوق واللّمس لعدم ورود النقل بها. وإذا نظر في ذلك من حيث العقل لم يوجد لها وجه سوى ما ذكره هؤلاء فإنّ إثبات صفتين شبيهتين بسمع الحيوانات وبصرها مما لا يمكن بالعقل، والأولى أن يقال لما ورد النقل بهما آمنّا بذلك وعرفنا أنهما لا يكونان بالآلتين المعروفتين، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما كذا في شرح المواقف.

قال الصوفية: السمع عبارة عن تجلّي علم الحق بطريق إفادته من المعلوم لأنّه سبحانه يعلم كلّ ما يسمعه من قبل أن يسمعه ومن بعد ذلك، فما ثمّ إلّا تجلّي علمه بطريق حصوله من المعلوم سواء كان المعلوم نفسه أو مخلوقه فافهم، وهو لله وصف نفسي اقتضاه لكماله في نفسه فهو سبحانه يسمع كلام نفسه وشأنه كما يسمع مخلوقاته من حيث منطقها ومن حيث أحوالها. فسماعه لنفسه من حيث كلامه مفهوم سماعه لنفسه من حيث شئونه وهو ما اقتضته أسماؤه وصفاته من اعتباراتها وطلبها لمؤثراتها فإجابته لنفسه وهو إبراز تلك المقتضيات، فظهور تلك الآثار للأسماء والصفات. ومن هذا الأسماع الثاني تعليم الرحمن القرآن لعباده المخصوصين بذاته الذين نبّه عليهم النبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «أهل القرآن أهل الله وخاصته» فيسمع العبد الذاتي مخاطبة الأوصاف والأسماء للذات فيجيبها إجابة الموصوف للصّفات، وهذا السّماع الثاني أعزّ من السّماع الكلامي، فإنّ الحقّ إذا أعار عبده الصفة السمعية يسمع ذلك العبد كلام الله بسمع الله، ولا يعلم ما هي عليه الأوصاف والأسماء مع الذّات في الذّات، ولا تعدّد بخلاف السمع الثاني الذي يعلم الرحمن عباده القرآن، فإنّ الصفة السمعية تكون هنا للعبد حقيقة ذاتية غير مستعارة ولا مستفادة. فإذا صحّ للعبد هذا التجلّي السمعي نصب له عرش الرحمانية فيتجلّى ربّه مستويا على عرشه. ولولا سماعه أولا بالشأن لما اقتضته الأسماء والأوصاف من ذات الديان لما أمكنه أن يتأدّب بآداب القرآن في حضرة الرحمن، ولا يعلم ذلك الأدباء وهم الأفراد المحققون. فسماعهم هذا الشأن ليس له انتهاء لأنّه لا نهاية لكلمات الله تعالى، وليست هذه الأسماء والصفات مخصوصة بما نعرفه منها بل لله أسماء وأوصاف مستأثرات في علمه لمن هو عنده، وهي الشئون التي يكون الحقّ بها مع عبده وهي الأحوال التي يكون بها العبد مع ربّه. فالأحوال بنسبتها إلى العبد مخلوقة والشئون بنسبتها إلى الله تعالى قديمة، وما تعطيه تلك الشئون من الأسماء والأوصاف هي المستأثرات في غيب الله تعالى.
وإلى قراءة هذا الكلام الثاني الإشارة في قوله:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، فإنّ هذه القراءة قراءة أهل الخصوص وهم أهل القرآن، أعني الذاتيين المحمديين. أما قراءة الكلام الإلهي وسماعه من ذات الله بسمع الله تعالى فإنّها قراءة الفرقان وهو قراءة أهل الاصطفاء وهم النفسيون الموسويون. قال الله لموسى عليه السلام:
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي. فأهل القرآن ذاتيون وأهل الفرقان نفسيون، وبينهما من الفرق ما بين مقام الحبيب ومقام الكليم. كذا في الإنسان الكامل.

السّير

(السّير) من الْجلد وَنَحْوه مَا يقد مِنْهُ مستطيلا (ج) سيور وأسيار وسيورة
السّير: بِكَسْر الأول وَفتح الثَّانِي جمع السِّيرَة وَهِي الْحَالة من السّير كالجلسة وَالركبَة للجلوس وَالرُّكُوب ثمَّ نقلت إِلَى معنى الطَّرِيقَة وَالْمذهب ثمَّ غلبت فِي الشَّرْع على أُمُور الْمَغَازِي - وَقَالَ الْفُقَهَاء كتاب السّير وَإِنَّمَا سموا الْكتاب بذلك لِأَنَّهُ يجمع سير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وطرقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مغازيه وسير أَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمَا نقل عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك.
السّير:
[في الانكليزية] Biographies ،conducts ،manner of dealing with others ،life of the prophet Mohammed
[ في الفرنسية] Biograplies ،conduites ،maniere de traiter les autres ،vie du prophete Mahomet
بكسر الأول وفتح الثاني جمع سيرة.
والسيرة هي اسم من السير ثم نقلت إلى الطريقة ثم غلبت في الشرع على طريقة المسلمين في المعاملة مع الكافرين والباغين وغيرهما من المستأمنين والمرتدّين وأهل الذّمة كذا في البرجندي وجامع الرموز. وفي فتح القدير السّير غلب في عرف الشرع على الطريق المأمور به في غزو الكفار. وفي الكفاية السّير جمع سيرة وهي الطريقة في الأمور، في الشرع يختصّ بسير النبي عليه السلام في المغازي. وفي المنشور السير جمع سيرة. وقد يراد بها قطع الطريق، وقد يراد بها السّنّة في المعاملات. يقال سار أبو بكر رضي الله عنها بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وسمّيت المغازي سيرا لأنّ أول أمورها السّير إلى الغزو، وأنّ المراد بها في قولنا كتاب السّير سير الإمام ومعاملاته مع الغزاة والأنصار والكفار. وذكر في المغرب أنّها غلبت في الشرع على أمور المغازي وما يتعلّق بها كالمناسك على أمور الحج انتهى.
السّير:
[في الانكليزية] Itinerary ،path ،walk ،progression
[ في الفرنسية] Itineraire ،route ،marche ،cheminement
بالفتح وسكون الياء عند أهل التصوّف وأهل الوحدة يطلق بالاشتراك على معنيين:
وأورد في مجمع السّلوك في بيان معنى السّلوك قال: السّير نوعان: سير إلى الله وسير في الله.
فالسّير إلى الله له نهاية. وأهل التصوف يقولون:
السّير إلى الله هو أن يسير السّالك حتى يعرف الله، وإذ ذاك يتمّ السّير. ثم يبتدئ السّير في الله، وعليه فالسّير إلى الله له غاية ونهاية. وأمّا السّير في الله فلا نهاية له. وأهل الوحدة يقولون: السّير إلى الله هو أن يسير السّالك إلى أن يدرك درجة اليقين بأنّ الوجود واحد ليس أكثر. وليس ثمّة وجود إلّا لله، وهذا لا يحصل إلّا بعد الفناء وفناء الفناء. والسّير في الله عند أهل التصوف هو أنّ السّالك بعد معرفته لربه يسير مدّة حتى يدرك بأنّ جميع صفات الله وأسمائه وعلمه وحكمته كثيرة جدا، بل هي بلا نهاية، وما دام حيا فهو دائم في هذا العمل.
وأمّا لدى أهل الوحدة فهو أنّ السّالك بعد إتمام سيره إلى الله يستمرّ في سيره مدّة حتى يدرك جميع الحكم في جواهر الأشياء كما هي ويراها.

ويقول بعضهم: السّير في الله غير ممكن.
ذلك لأنّ العمر قليل، بينما علم الله وحكمته لا تحصى، وبعضهم يقول: بل هو ممكن، وذلك أنّ البشر متفاوتون من حيث استعدادهم، فبعضهم لمّا كان قويا فيمكنه أن يدرك جميعها، انتهى.
وفي حاشية جدي على حاشية البيضاوي في تفسير سورة الفاتحة: اعلم أنّ المحققين قالوا إنّ السفر سفران: سفر إلى الله وهو متناه لأنّه عبارة عن العبور على ما سوى الله، وإذا كان ما سوى الله متناهيا فالعبور عليه متناه.
وسفر في الله وهو غير متناه لأنّ نعوت جماله وجلاله غير متناهية لا يزال العبد يترقّى من بعضها إلى بعض. وهذا أول مرتبة حقّ اليقين كذا قال الفاضل. وفي توضيح المذاهب يقول:
ينتهي السّير إلى الله حينما يقطع السّالك بادية الوجود بقدم الصّدق مرّة واحدة، وحينئذ يتحقّق السّير في الله حيث إنّ الله سبحانه يتفضّل على عبده به بعد ما فني فناء مطلقا عن ذاته، وتطهّر من زخارف الدنيا، حتى يترقّى بعد ذلك إلى عالم الاتصاف بالأوصاف الإلهية، ويتخلّق بالأخلاق الرّبّانيّة.
وعند الأصوليين وأهل النظر هو من مسالك إثبات العلّة ويسمّى بالسير والتقسيم أيضا وبالتقسيم أيضا وبالترديد أيضا. فالتسمية بالسير فقط أو بالتقسيم فقط أو بالترديد فقط إمّا تسمية الكلّ باسم الجزء وإمّا اكتفاء عن التعبير عن الكلّ بذكر الجزء، كما تقول قرأت ألم وتريد سورة مسماة بذلك، ويفسّر بأنّه حصر الأوصاف الموجودة في الأصل الصالحة للعليّة في عدد ثم إبطال علّية بعضها لتثبت علّية الباقي. وعند التحقيق الحصر راجع إلى التقسيم والسّير إلى الإبطال. وحاصله أن تتفحّص أولا أوصاف الأصل أي المقيس عليه. ويردّد بأنّ علّة الحكم فيه هل هذه الصفة أو تلك أو غير ذلك ثم تبطل ثانيا علّة كلّ صفة من تلك الصفات حتى يبقى وصف واحد، فيستقر ويتعيّن للعلّية.
فيستفاد من تفحّص أوصاف الأصل وترديدها لعلّية الحكم وبطلان الكلّ دون واحد منها أنّ هذا الوصف علّة للحكم دون الأوصاف الباقية، كما يقال علّة حرمة الخمر إمّا الاتخاذ من العنب، أو الميعان، أو اللون المخصوص، أو الطعم المخصوص، أو الريح المخصوص، أو الإسكار. لكنّ الأول ليس بعلّة لوجوده في الدّبس بدون الحرمة، وكذلك البواقي ما سوى الإسكار، فتعيّن الإسكار لعلّية الحرمة في الخمر، هكذا في شرح التهذيب لعبد الله اليزدي.
فإن قيل المفروض أنّ الأوصاف كلّها صالحة لعلّية ذلك الحكم والإبطال نفي لذلك، لأنّ معناه بيان عدم صلوح البعض فتناقض. قلنا المراد بصلوح الكلّ صلوحه في بادئ الرأي وبعدم صلوح البعض عدمه بعد التأمّل والتفكّر فلا تناقض. وبالجملة فالسير والتقسيم هو حصر الأوصاف الصالحة للعلّية في بادئ الرأي ثم إبطال بعضها بعد النظر والتأمّل، كما تقول في قياس الذرة على البرّ في الربوية بحثت عن أوصاف البرّ فما وجدت ثمة علّة للربوية في بادئ الرأي إلّا الطّعم أو القوت أو الكيل، لكن الطّعم أو القوت لا يصلح لذلك عند التأمّل فتعيّن الكيل، لأنّ الأشياء التي يوجد فيها الطعم والتي يحصل منها القوت من أعظم وجوه المنافع لأنها أسباب بقاء الحيوان ووسائل حياة النفوس، فالسبيل في أمثالها الإطلاق بأبلغ الوجوه والإباحة بأوسع طرائق التحصيل لشدة الاحتياج إليها وكثرة المعاملات فيها دون التضييق فيها، لقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقوله تعالى وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقوله عليه السلام لعليّ ومعاذ حين أرسلهما إلى اليمن:
«يسّرا ولا تعسّرا»، والقول المجتهدين والمشقّة تجلب التيسير، هكذا في الهداية وحواشيه. وهناك مقامان أحدهما بيان الحصر ويكفي في ذلك أن يقول بحثت فلم أجد سوى هذه الأوصاف ويصدّق لأنّ عدالته وتدينه مما يغلب ظنّ عدم غيره، إذ لو وجد لما خفي عليه، أو لأصن الأصل عدم الغير، وحينئذ للمعترض أن يبين وصفا آخر، وعلى المستدل أن يبطل علّيته، وإلّا لما ثبت الحصر الذي ادّعاه، وثانيهما إبطال علية بعض الأوصاف ويكفي في ذلك أيضا الظنّ وذلك بوجوه: الأول الإلغاء وهو بيان أنّ الحكم بدون هذا الوصف موجود في الصورة الفلانية فلو استقلّ بالعلّية لانتفى الحكم بانتفائه. والثاني كون الوصف طرديا أي من جنس ما علم إلغاؤه مطلقا في الشرع كالاختلاف الطول والقصر، أو بالنسبة إلى الحكم المبحوث عنه كالاختلاف بالمذكورة والأنوثة في العتق. والثالث عدم ظهور المناسبة فيكفي للمستدلّ أن يقول بحثت فلم أجد له مناسبة ويصدّق في ذلك لعدالته. والحنفية لا يتمسّكون بهذا المسلك ويقولون الترديد إن لم يكن حاصرا لا يقبل وإن كان حاصرا بأن يثبت عدم علّية غير هذه الأشياء التي ورد فيها بالإجماع مثلا بعد ما ثبت تعليل هذا النص يقبل كإجماعهم عل أنّ العلّة للولاية إمّا الصّغر أو البكارة، فهذا إجماع على نفي ما عداهما. هذا كله خلاصة ما في التلويح والعضدي وحواشيهما.

الْفَتْوَى

(الْفَتْوَى) الْجَواب عَمَّا يشكل من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة أَو القانونية (ج) فتاو وفتاوى وَدَار الْفَتْوَى مَكَان الْمُفْتِي 
الْفَتْوَى: فِي السخاء وَالْكَرم. وَعند أَرْبَاب الْحَقَائِق أَن تُؤثر الْحق على نَفسك بالدنيا وَالْآخِرَة. ثمَّ اعْلَم أَن فتيا على وزن دنيا اسْم مَأْخُوذ من فتا بِالْفَتْح مصدر فَتى على وزن علم كَمَا أَن تقيا اسْم مَأْخُوذ من تقى وَالْفَتْوَى بِالْفَتْح لُغَة فِي فتيا كَمَا أَن تقوى لُغَة فِي تقيا وأصل فَتْوَى فتيا الْيَاء مَقْلُوبَة عَن الْوَاو للخفة. وَقَالَ بَعضهم إِن أفتى فرع فَتْوَى وفتوى فرع فتيا وفتيا فرع فتا مصدرا فافتا فرع الْمصدر بوسائط وَهَذَا الْفِعْل فِي الْمَزِيد من الْأَفْعَال المتصرفة يُقَال أفتى يُفْتِي إِفْتَاء واستفتى يستفتي استفتاء وَفِي الْمغرب أَن فَتْوَى مَأْخُوذ من فَتى وَمعنى فتيا حَادِثَة مُبْهمَة والافتاء تَبْيِين ذَلِك الْمُبْهم والاستفتاء السُّؤَال من الافتاء واشتقاقه اشتقاق صَغِير وَرُبمَا يمال فَتْوَى كَمَا يمال تقوى وَدَعوى وَيجْعَل حَرَكَة الْفَاء تَابِعَة لحركة الْوَاو فِي الْفَتْوَى لَا فِي التَّقْوَى وَالدَّعْوَى وَيكْتب الْألف فِي كلهَا على صُورَة الْيَاء لِأَن الْحَرْف الرَّابِع مَقْصُور إِلَّا وَقت الْإِضَافَة إِلَى الْمُضمر فَيُقَال فتواه ودعواه وتقواه بِخِلَاف فَتْوَى الْعلمَاء وَدَعوى الخصماء وتقوى الأتقياء وَجمع الْفَتْوَى فَتَاوَى بِفَتْح الْوَاو والمفتي من يبين الْحَوَادِث المبهمة. وَفِي الشَّرْع هُوَ الْمُجيب فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة. والنوازل الفرعية. أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي الشريفية شرح السِّرَاجِيَّة فِي بَاب مقاسمة الْجد وَمن رسم الْمُفْتِي أَنه إِذا كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَانب وصاحباه فِي جَانب كَانَ هُوَ مُخَيّرا فِي أَي الْقَوْلَيْنِ شَاءَ انْتهى.
ثمَّ اعْلَم أَن هَا هُنَا إشارات ولطائف: الأولى: إِن أفتا بِاعْتِبَار الثلاثي الْمُجَرّد من الْأَفْعَال الْغَيْر المتصرفة وَبِاعْتِبَار الْمَزِيد فِيهِ من الْأَفْعَال المتصرفة فَيَنْبَغِي للمفتي أَن لَا يتَصَرَّف فِي الْأُصُول والنصوص بِوَجْه من الْوُجُوه بل لَهُ جَوَاز التَّصَرُّف وَالِاخْتِيَار فِي الفرعيات والمستنبطات والمجتهدات. الثَّانِيَة: إِن أفتا مُتَعَدٍّ فَيَنْبَغِي أَن يكون علمه مُتَعَدِّيا إِلَى الْغَيْر. وَالثَّالِثَة: إِن أفتا من بَاب الْأَفْعَال وَهُوَ أول أَبْوَاب الْمَزِيد فَمن وصل إِلَى دَرَجَة الْإِفْتَاء لَهُ رَجَاء فتح أَبْوَاب الْمَزِيد. وَالرَّابِعَة: إِن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون ذَا فتوة فَإِن بَين الافتا والفتوة أخوة فَلَا يطْمع من المستفتي شَيْئا وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الملال من كَثْرَة السُّؤَال. وَالْخَامِسَة: إِن أول أفتا وَآخره. ألف يُشِير أَن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون فِي الِابْتِدَاء والانتهاء متصفا بِوَصْف الاسْتقَامَة والصدق وَالْقِيَام بِأُمُور الدّين وَالْألف الْقطعِي الَّذِي فِي أَوله يُشِير أَن أول مَا وَجب على الْمُفْتِي هُوَ قطع الطمع. وَالسَّادِسَة: إِن عدد حُرُوف افتا وَهُوَ بِحِسَاب الْجمل أَربع مائَة وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ يُشِير أَن عدد كتب الْمُفْتِي فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا يَنْفِي أَن يكون نَاقِصا عَنهُ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بعد تفحص كتب ظَاهر الرِّوَايَة أَن عدد كتب الافتاء يصل إِلَى ذَلِك الْعدَد وَتلك الْكتب خَمْسَة صنفها الإِمَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وأساميها فِي هَذَا الْبَيْت.
(مَبْسُوط وجامعين وزيادات باسير ... در ظَاهر الرِّوَايَة ايْنَ بنج رانكر)
وَالْمرَاد بالجامعين: الْجَامِع الصَّغِير وَالْجَامِع الْكَبِير. وَالسَّابِعَة: إِن حُرُوف افتا خَمْسَة تُشِير أَن للمفتي أَن يُلَاحظ أَحْكَام الْكتب الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة ويحفظ الْأَركان الْخَمْسَة الإسلامية. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن بَاب الْأَفْعَال أول أَبْوَاب الْمَزِيد لِأَن الْمَزِيد نَوْعَانِ مَا فِيهِ همزَة الْوَصْل وَمَا لَيست فِيهِ وَالْأَصْل هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يسْقط فِيهِ حرف زَائِد من ماضيه لَا فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي الدرج. ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك الأَصْل بَاب الْأَفْعَال لِأَن الزَّائِد فِي أَوله حرف من مبدأ المخارج وَهِي الْهمزَة.
ثمَّ اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَا هُنَا فَوَائِد غَرِيبَة نافعة بالعبارة الفارسية فِي كتاب مُخْتَار الِاخْتِيَار كتبتها فِي هَذَا الْمقَام. لينْتَفع بهَا الْخَواص والعوام.
الْفَتْوَى: اعْلَم أَن الافتاء فرض كِفَايَة. أما فرض الْكِفَايَة قد يصبح فرض عين فِي وَقت يصبح من المتوجب والمتعين اعطاء على من كَانَ الافتاء عَلَيْهِ فرض كِفَايَة. وَفِي (الْكَشَّاف) أَن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ يُفْتِي قبل بعثة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا بعث دَاوُد ترك لُقْمَان الافتاء.
وَفِي الْكِفَايَة قَالَ إِن الْإِفْتَاء فرض كِفَايَة مثل الْقَضَاء، وَأدنى دَرَجَات فرض الْكِفَايَة هُوَ (الندبة) ، إِذا فالمندوب فِي أَمر الافتاء هُوَ من كَانَ أَهلا لذَلِك، لِأَن فِيهِ خطر عَظِيم لأجل ذَلِك هُوَ بَحر لَا يصل إِلَى شواطئه كل سابح. حَتَّى إِذا كَانَ هُوَ بِذَاتِهِ يُوصل النَّاس إِلَى بر السَّلامَة (ظهر الْمُفْتِي جسر جَهَنَّم) وَهِي إِشَارَة إِلَى أَن أَحْيَانًا هبوب رِيحه يكون شَدِيدا: {مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} فتعصف الرّيح وتتلاطم أمواج الِاشْتِبَاه والأشكال وتتراكم وَلَا ترسو وَلَا تَسْتَقِر عِنْدهَا سفية الراسخين على شاطئ التَّوْفِيق الإلهي وَلَا تتحرك فلك الْمُجْتَهدين من دون انسياب نسيم الْفَيْض اللامتناهي. أما شَرط الافتاء فَهُوَ الْإِسْلَام وَالْعقل. وَالْبَعْض قَالَ. إِن شَرط الْإِفْتَاء هُوَ نَفسه شَرط الْقَضَاء أَي الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْعَدَالَة. وَهَذَا مَا يكون من أهل الِاجْتِهَاد. وَأما الصَّحِيح فَهُوَ أَن هَذَا شَرط الْكَمَال، وَأول الشَّرْط الصِّحَّة، وأهلية الِاجْتِهَاد شَرط الأولية، وَفِي صَحِيح الْمذَاهب فِي (الْفُصُول) جَاءَ إِجْمَاع الْعلمَاء، أَن من الْوَاجِب أَن يكون الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد من أجل أَنه هُوَ الَّذِي يبين أَحْكَام الشَّرْع هَذَا يكون مُمكنا عِنْدَمَا يكون عَالما بالدلائل الشَّرْعِيَّة.
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَاهُ. وَفِي (الغياث) جَاءَ أَن معنى هَذَا الْكَلَام هُوَ أَن لَا يُقَاس على الْمَسْأَلَة من عِنْده مَا دَامَ هُوَ لَا يعلم من أَي وَجه أعْطى الإِمَام جَوَابه على الْمَسْأَلَة الأولى. وَجَاء فِي (الْمُلْتَقط) وَغَيره، وَلِأَن جَوَابه غَالب على خطائه، فَمن الْجَائِز لنا الْأَخْذ إِذا مَا أعْطى هُوَ الْفَتْوَى حَتَّى وَلَو لم يكن الْآخِذ من أهل الإجتهاد، وَلَكِن لَا يحل لَهُ أَن يُفْتِي إِلَّا عَن طَرِيق الرِّوَايَة عَن قَول الْفُقَهَاء.
قَالَ فِي (المفاتيح) وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُفْتِي عَاقِلا بَالغا عَالما باللغة والنحو وَالْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بِالْأَحْكَامِ والناسخ والمنسوخ وَالصَّحِيح والسقيم وَأَن يكون فَقِيه النَّفس عَالما بالتواريخ وسير الصَّحَابَة ومذاهب الْأَئِمَّة وأصول الْفِقْه. وَجَاء فِي شرح (الْقَدُورِيّ) أَن الإِمَام أَبُو يُوسُف رَحمَه الله فِي هَذَا الْمَعْنى قد أَخذ الْأَمر بِشدَّة وَقَالَ، لَا يصل أحد إِلَى إِعْطَاء الْفَتْوَى إِذا لم يكن من أهل الْعقل والرأي وَإِذا لَا يعرف أَحْكَام الْكتاب وَالسّنة والناسخ والمنسوخ وأقوال الصَّحَابَة وسيرهم ووجوه الْكَلَام، وَيظْهر من هَذِه الْأَقْوَال جَوَاز الْإِفْتَاء مَعَ الِاجْتِهَاد والتقليد مَعَ أَوْلَوِيَّة الأول.
أما الْآدَاب والمستحبات فِي ذَلِك هِيَ أَنه إِذا لم يكن الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد فليجب على الْفُرُوع فَذَلِك أسلم وأحوط، وَكَذَلِكَ أَن لَا يتجرأ على الافتاء استنادا إِلَى علمه وَيَقُول لقد أجازني علمي، لَكِن عَلَيْهِ أَن يلازم الْمُفْتِينَ وَيَأْخُذ الْإِجَازَة عَلَيْهِم حَتَّى يصبح على بَصِيرَة من أمره، قَالُوا وَإِن حفظ جَمِيع كتب أَصْحَابنَا فَلَا بُد أَن يتلمذ للْفَتْوَى حَتَّى يهتدى إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَا تقدم على الْجَواب قبل الْقِرَاءَة والمطالعة الجديدة والتأمل الطَّوِيل واجتنب الْمُبَادرَة والتعجيل فِي إِعْطَاء الْجَواب، حَتَّى إِذا وَقع الْخَطَأ عذرت وَمَسْأَلَة التَّحَرِّي فِي هَذَا الْمقَام هِيَ الدَّلِيل التَّام، ويروى عَن الإِمَام الْأَعْظَم رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه لم يجب على كثير من الْمسَائِل الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا. وَلَا يجب الِالْتِفَات إِلَى إلحاح المستفتي، ويروى عَن أَبُو نصر رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول للَّذي يستفتيه ويلح عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَيَقُول لَهُ أرد جَوَاب فقد أتيت من طَرِيق بعيد:
(فَلَا نَحن ناديناك من حَيْثُ جئتنا ... وَلَا نَحن عمينا عَنْك الذهبا)
وَكَذَلِكَ أَن تصبح ملولا من كَثْرَة السُّؤَال وَالْجَوَاب وَأَن لَا تُعْطِي جَوَابا وَأَنت مشتت الذِّهْن، فَإِذا أجبْت فَلَا تَدعِي الْجَواب لنَفسك وَتقول أَنا أَقُول إِن الحكم كَذَا وَأَنا أُفْتِي بِكَذَا وَغير ذَلِك بل قل بالرواية عَن الْعلمَاء هَكَذَا وَفِي الْكتاب الْفُلَانِيّ هَكَذَا.
وَكَذَلِكَ إِذا سُئِلَ عَن الْعِبَادَات صِحَّتهَا وفسادها وَوجه فَسَادهَا وصحتها، فاختر وَجه الْفساد، وَإِذا كَانَ السُّؤَال فِي الْمُعَامَلَات فاختر وَجه الصِّحَّة، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي (الْمُحِيط) وَفِي (الذَّخِيرَة) أَنه فِي هَذَا النَّوْع من الْمسَائِل فِي المعتقدات عَلَيْهِ أَن يخْتَار الْإِيمَان وَمهما أمكن أَلا يحكم بالْكفْر. وَأَيْضًا أَن لَا يَأْخُذ أجرا على الْإِفْتَاء نَفسه لِأَنَّهُ (طَاعَة) وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد فصلناها فِي بَاب (الْأجر) ، وعَلى كل حَال فَإِن عدم أَخذ الْأجر فِي الْعِبَادَات أولى وَأَحْرَى لقَوْله تَعَالَى: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} ، وَأَيْضًا إِذا سَأَلَهُ أحدهم عَن جَوَاب مَسْأَلَة فَلْيقل إِنَّه على قَول الإِمَام الْأَعْظَم جوابها هَكَذَا.
وَفِي بَاب السيوم من كتاب النِّكَاح لشيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده جَاءَ إِذا زوجت امْرَأَة بكر بَالِغَة شافعية الْمَذْهَب من رجل شَافِعِيّ أَو حَنَفِيّ ووالدها كَانَ غَائِبا، فَإِن هَذَا النِّكَاح يكون صَحِيحا، على الرغم من أَنه عِنْد الشَّافِعِي غير صَحِيح، لِأَن عِنْده يجب أَن يكون الزَّوْج وَالزَّوْجَة على الْمَذْهَب الشَّافِعِي، وعَلى الرغم من اعتقادنا أَن الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ على خطأ، إِلَّا أَن الْوَاجِب علينا أَن نعطي الْجَواب بغض النّظر عَمَّا هُوَ اعتقادنا فِي الْمَسْأَلَة. وَإِذا كَانَ السُّؤَال مَا هُوَ جَوَاب الشَّافِعِي على هَذِه الْمَسْأَلَة، فَالْوَاجِب أَن نقُول إِنَّهَا صَحِيحَة وَعند أبي حنيفَة كَذَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَالله أعلم. وَإِذا كَانَ السُّؤَال عَن مسَائِل مؤيده (مصدقه) فَإِن على الْمُفْتِي فِيهَا (ديانَة لَا قَضَاء) مَا هُوَ حكم الدّيانَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. فَإِذا كَانَ الْجَواب مَكْتُوبًا فَيكْتب (لَيْسَ مُصدقا، بل قَضَاء) وَإِذا كَانَ الْجَواب شفويا فَيَقُول (مُصدق، وديانة لَيْسَ سليما) .
أَن لَا يُبَادر إِلَى الْجَواب فِي حُضُور شخص أعلم مِنْهُ، لَا تقريرا وَلَا تحريرا وَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَاب مفت آخر على مَسْأَلَة مَا وَيظْهر ان ذَلِك الْمُفْتِي قد أَخطَأ فَإِن ذَلِك الْمُفْتِي مَعْذُور فِي ترك الْجَواب ورد الْفَتْوَى إِذا مَا كَانَ مُجْتَهدا. أما إِذا كَانَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فَهُوَ لَيْسَ مَعْذُورًا فِي الرَّد بل يحْتَفظ بِهِ أَو أَن يمزقه حَتَّى لَا يعْمل بِهِ.
وَقد أورد (كَمَال البياعي) أَنه فِي الْفَتَاوَى لَيْسَ مَعْذُورًا مُطلقًا فِي ردهَا إِذا علم بخطئه وَأدْركَ أَنه سيعمل بهَا.
وَإِذا وَردت عَلَيْهِ رقْعَة فِيهَا استفتاء لم يسْتَوْف الْقُيُود الأساسية لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن لَا يُجيب عَلَيْهِ بل يُعِيدهُ للمستفتي حَتَّى يكمله، وَإِذا قَيده مَعَ التمَاس المستفتي فَإِنَّهُ غير سليم. وَعَلِيهِ أَن يُرَاعِي فِي الْقُيُود شُرُوط الإيجاز ويبتعد عَن الْأَطْنَاب وَكَذَلِكَ الحشو والتطويل، مِثَال الإيجاز: قَالَ زيد لِزَيْنَب كَذَا، وَمِثَال الْأَطْنَاب زيد الْحر والمكلف قَالَ لِزَيْنَب الْحرَّة والمكلفة كَذَا وَكَذَا. وَمِثَال الحشو زيد رجل ابْن عمر قَالَ لِزَيْنَب الْمَرْأَة وَابْنَة خَالِد كَذَا. وَمِثَال التَّطْوِيل زيد الْكَبِير فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ على زَيْنَب الْكَبِيرَة فِي دَار الْإِسْلَام كلَاما نابيا وسبها. وَلَا يجب على الْكَلَام النابي حد الْقَذْف الَّذِي هُوَ عبارَة عَن ثَمَانِينَ جلدَة.
وَيجب أَن يحْتَرز من أَن يضر الْقَيْد بالمستفتي، وَأَن لَا يُعْطِيهِ الرقعة من دون اسْتِحْقَاق الْإِجَابَة أَو أَن يكون مشعرا بالحيلة والالتباس. وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة من الخلافات الَّتِي لَهَا أَكثر من قَول فيعطي الْفَتْوَى على إِحْدَى الْأَقْوَال والطريقة فِي ذَلِك أَن يعلم أَنه فِي هَذِه الْحَادِثَة لَا تُوجد رِوَايَة أُخْرَى تنقض الْفَتْوَى، حَتَّى لَا يطعن بِهِ ويتهم لَدَى الْعَامَّة. وَأَن يجْتَنب مُطلقًا تَعْلِيم الْحِيَل والتلبيس حَتَّى لَا يسْتَحق الْحجر وَالْمَنْع، وَقَالَ الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله أَن الْحجر لَا يجوز إِلَّا على ثَلَاثَة وعد الْمُفْتِي الماجن من ضمنهم. وَجَاء فِي (الذَّخِيرَة) وَقد أَمر أَن تستر عَورَة الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام لِأَن زَوجته قد حرمت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أصبح كَافِرًا، نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
وَجَاء فِي (جَوَاهِر الْفَتَاوَى) وكل مفتي حَنَفِيّ يَأْمر مُطلقَة بِالثَّلَاثَةِ أَن تنقل مذهبها إِلَى الْمَذْهَب الشَّافِعِي وتقر أَن نِكَاحهَا كَانَ بَاطِلا بِسَبَب كَونهَا من دون ولي من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان أَن يزجره ويمنعه. وَقد قَالَ صَاحب (الْجَوَاهِر) لقد أستفتي أَئِمَّة بخارا عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَكَانَت إجاباتهم على هَذَا النَّحْو. أجَاب الإِمَام ظهير الدّين المرغيناني بعد قَول المستفتي كَانَ من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان زَجره وَمنع هَذَا الْمُفْتِي وتعزيزه وَالله أعلم، وَعَن أَئِمَّة السّلف، سُئِلَ عَن مثل هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب، أعتقد هَذَا رجل خرج من دنيا الْإِيمَان وَالله العاصم. وَالْقَاضِي الإِمَام فَخر الدّين حُسَيْن بن مَنْصُور الأوزجندي أجَاب بِمثل ذَلِك وَالله أعلم. أما الإِمَام قوام الدّين الصفار فَأجَاب لَا يجب أَن يفعل وَإِن فعل فَذَلِك لَيْسَ حَلَالا. وعَلى سُلْطَان الْوَقْت أَن يزجره وَأَن يحْجر على هَذَا الْمُفْتِي وَألا يفعل مثل ذَلِك. وَلَيْسَ سليما من الْمُفْتِي أَن يقبل الْهَدِيَّة وَلَكِن إِذا قبل الْهَدِيَّة بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ هُوَ أقرب للْحلّ وَأبْعد عَن الرِّشْوَة.
يَقُول شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده إِذا جَاءَ المستفتي بهدية إِلَى الْمُفْتِي بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ فَلَا عيب فِي قبُولهَا.
وَيجب عَلَيْهِ أَن يحْتَاط كثيرا فِي أُمُور الْفرج بِقدر الِاسْتِطَاعَة كَمَا جَاءَ فِي (الْمُحِيط) ، وَأَن يذيل الرِّوَايَة بِلَفْظ (هُوَ الْأَصَح) أَو (هُوَ الأولى) أَو (هُوَ الْأَيْسَر) أَو (افتى بِهِ فلَان) أَو (بِهِ أَخذ فلَان) أَو (عَلَيْهِ فَتْوَى فلَان) أَو (مَا فِي هَذَا الْمَعْنى) وَيجوز للمفتي أَن يُفْتِي اعْتِمَادًا على الرِّوَايَات بِمَا خَالف ذَلِك. أما إِذا كَانَت الرِّوَايَة مذيلة بِلَفْظ (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَو (هُوَ الصَّحِيح) أَو (هُوَ الْمَأْخُوذ للْفَتْوَى) أَو (بِهِ يُفْتِي) وَمَا شابه ذَلِك، فَلَا يجوز عِنْدهَا للمفتي أَن يُفْتِي بِخِلَاف ذَلِك. وَقد جَاءَ فِي (الْمُضْمرَات) بعض عَلَامَات الْفَتْوَى هِيَ: (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) _ بِهِ نَأْخُذ _ بِهِ يعْتَمد _ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد _ عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم _ عَلَيْهِ عمل الِاعْتِمَاد _ هُوَ الصَّحِيح _ هُوَ الظَّاهِر _ هُوَ الْأَظْهر _ هُوَ الْمُخْتَار _ عَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخنَا _ هُوَ الْأَشْبَه _ هُوَ الْأَوْجه. وَفِي حَاشِيَة (بزدوي) أَن لفظ (الْأَصَح) يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا، أما لفظ (صَحِيح) فَلَا يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا:
(انْظُر أَيهَا الْقلب كم هِيَ شُرُوط الافتاء عِنْد الْمُجْتَهدين ... )
(وَلَكِن فِي عصرنا فَإِن للمفتي حكم العنقاء والكيمياء ... )
وَمن الحرمان والخسران أنني قضيت مُدَّة من عمري الْعَزِيز فِي طلب هَذِه الطَّائِفَة فَلم أجد إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم الَّذين يتحلون بِهَذِهِ الصِّفَات، ولأنني حرمت من تَحْقِيق مقصودي فقد رَأَيْت كثيرا من الَّذين لَا علم لَهُم وَلَا عمل ويتصدون لهَذَا الْأَمر الْجَلِيل عَن جهل وَعدم الدّين فأنشدت قصيدة من ثَلَاثِينَ بَيْتا:
(قيل الْآن كَانَ مفتي كل مَدِينَة ... على اطلَاع على الْعُلُوم الدِّينِيَّة)
(وَكَانُوا من سالكي طَرِيق الله ... وَمن وارثي علم الْمُصْطَفى)
(وَكَانَ علمهمْ دستورا قبل حلمهم ... عُلَمَاء فِي الْعلم وحلمهم عَامر ومعمور) (تنير الدُّنْيَا من نور علمهمْ ويتضوع ... الْعَالم من عطر زهورهم)
(طويتهم نور تحرق الظلمَة وَلَكِن ... علمهمْ بِنَاء وَدينهمْ ثَابت)
(أقلامهم تسطر علم الْغَيْب ... ورسم توقيعهم بَرِيء من الْعَيْب)
(كل وَاحِد مِنْهُم فِي صفائه كَأَنَّهُ صوفي ... وَالثَّانِي أَبُو حنيفَة الْكُوفِي)
(سعيت سنوات عدَّة من أجل اكْتِسَاب ... الْكَمَال جادا وجاهدا)
(فدرست علم النَّحْو وَالصرْف ورأينا ... الْمنطق وَالْحكمَة وَالْبَيَان)
(وَبعد أَن أنفقت السنوات فِي هَذِه الْعُلُوم ... اتجهت إِلَى علم الْأُصُول)
(فَأَصْبَحت مَشْهُورا بَين الْخَاصَّة والعامة ... فِي علم الْأُصُول والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْكَلَام)
(بعد ذَلِك اتجهت لعلم الْفِقْه ... وقضيت السنوات فِي ممارسته)
(وَمُدَّة أُخْرَى سرا وجهرا كنت ... تركض وَرَاء الأساتذة)
(وَلما أَصبَحت فِي الدُّنْيَا صَاحب علم الْعلم ... فَجعلت من الْعلم أفضل من الْعَمَل)
(وَإِذا لم يبْق من الْمَرْء عَلامَة وَاسم ... فَلَا أثر لَهُ فِي هَذِه الدُّنْيَا)
(من هُوَ الْمُفْتِي فِي هَذِه الْأَيَّام ... أشخص جَاهِل بعيد عَن النّسَب وحسبه عاطل)
(لَك كل مَا أردْت من الفضول وَعدم الْمَعْنى ... فَهُوَ لَا يعرف من الْجَهْل الْمَوْجُود من عَدمه)
(يَقُولُونَ إِن الْحق وبال ... وَالدَّم الْحَرَام حَلَال)
وَهَكَذَا حَتَّى الآخر.

الْفَيْض

(الْفَيْض) الْكثير الغزير يُقَال أَعْطَانَا غيضا من فيض قَلِيلا من كثير وَرجل فيض كثير الْخَيْر وَفرس فيض غزير (ج) فيوض
الْفَيْض: (ريختن ودادن وباران) من فاض المَاء فيضا إِذا كثر حَتَّى سَالَ من جَانب الْوَادي. وَفِي الِاصْطِلَاح القاء الْأَمر فِي الْقلب بطرِيق الإلهام لَا بتجشم الْكسْب. وَأَيْضًا فِي الِاصْطِلَاح الآخر إِنَّمَا يُطلق على فعل فَاعل يفعل دَائِما لَا لعوض وَلَا لغَرَض وَمِنْه قَوْلهم المبدأ الْفَيَّاض.

الْقَضَاء

(الْقَضَاء) الحكم وَالْأَدَاء وَعمل القَاضِي وَرِجَال الْقَضَاء الْهَيْئَة الَّتِي يُوكل إِلَيْهَا بحث الْخُصُومَات للفصل فِيهَا طبقًا للقوانين وَيُقَال وَقع هَذَا الْحَادِث قَضَاء وَقدرا لم ينْسب إِلَى فَاعل أحدثه وعقيدة الْقَضَاء وَالْقدر عقيدة من يرى أَن الْأَعْمَال الإنسانية وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من سَعَادَة أَو شقاء وَكَذَلِكَ الْأَحْدَاث الكونية تسير وفْق نظام أزلي ثَابت (مج)(ج) أقضية
الْقَضَاء: فِي اللُّغَة الحكم وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ الحكم الْكُلِّي الإلهي فِي أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ من الْأَحْوَال الْجَارِيَة فِي الْأَزَل إِلَى الْأَبَد كَمَا فِي الْقدر - وَأَيْضًا الْقَضَاء الْأَدَاء والمفاجأة وَالْمَوْت وَأَدَاء الصَّلَاة الْفَائِتَة - وَعند أَئِمَّة الْأُصُول وَالْفُقَهَاء تَسْلِيم مثل الْوَاجِب بِالسَّبَبِ. وَأَيْضًا هُوَ إِسْقَاط الْوَاجِب بِالسَّبَبِ بِمثل من عِنْد الْمُكَلف هُوَ حَقه أَي بِالْمثلِ الَّذِي هُوَ حق الْمُكَلف لِأَن الْمُكَلف إِذا صلى فِي غير الْوَقْت فَصلَاته نفل - وَالنَّفْل حق الْمُكَلف فَإِن النَّفْل فِي سَائِر الْأَوْقَات شرع حَقًا للْعَبد لينفتح عَلَيْهِ أَبْوَاب طرق اكْتِسَاب الْخيرَات ونيل السعادات. فَإِذا كَانَ النَّفْل حق الْمُكَلف فَإِذا أَرَادَ قَضَاء الْفَائِتَة وَصلى يكون صلَاته النَّفْل مصروفة إِلَى قَضَاء مَا وَجب عَلَيْهِ فَثَبت أَن الْقَضَاء إِسْقَاط بِمثل من عِنْده هُوَ حَقه.
قَالَ الْفَاضِل الجلبي وَهَا هُنَا بحث. حَاصله أَن النَّفْل لم يشرع على ثَلَاث رَكْعَات فَمُقْتَضى هَذَا التَّعْرِيف أَن لَا يقْضِي صَلَاة الْمغرب لِأَنَّهُ لَا نفل على هَيْئَة الْمغرب شرعا وَأَن جمَاعَة إِذا قضوا صَلَاة اللَّيْل بِالنَّهَارِ لَا يجوز لَهُم الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ لِأَن الْجَهْر فِي نَافِلَة النَّهَار غير مَشْرُوع. وَيُمكن الْجَواب عَنهُ بِأَن النَّهْي عَن الشَّيْء يَقْتَضِي المشروعية بِأَصْلِهِ كَمَا تقرر عِنْدهم. وَمَا لم يشرع من الْوَصْف كَيْفيَّة كَانَت أَو كمية فَذَلِك بمقتضيات كَونه نفلا فَإِذا انْتَفَى ذَلِك بِالصرْفِ إِلَى مَا عَلَيْهِ لم يبْق إِلَّا الأَصْل الْمَشْرُوع كَيفَ مَا كَانَ. وَالْقَضَاء على الْغَيْر إِلْزَام أَمر لم يكن لَازِما قبله - وَلِهَذَا يُقَال القَاضِي للْحَاكِم فَإِنَّهُ يلْزم الإحكام وَبِمَعْنى التَّقْدِير أَيْضا يُقَال قضى فلَان على فلَان بِالنَّفَقَةِ أَي قدرهَا. وَبِمَعْنى الْأَمر كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} . أَي أَمر -. وَفِي عرف الْفِقْه الْقَضَاء عبارَة عَن فصل الْخُصُومَات وَقطع المنازعات أَيْضا - وَفِي الْكِفَايَة وَالْكَافِي الْقَضَاء فِي اللُّغَة الإحكام (يَعْنِي استوار كردن) . وَفِي الشَّرْع الْإِلْزَام. وَفِي تَاج المصادر الْقَضَاء (حكم كردن وبكذاردن آنجه برتو وَاجِب باشد وَتَمام كردن ومحكم كردن كاري) .
وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء عبارَة عَن حكم القَاضِي عِنْد المرافعة يَعْنِي إِذا اخْتصم رجلَانِ ثمَّ القَاضِي حكم بِالْبَيِّنَةِ والحجج الشَّرْعِيَّة بِأَمْر بَينهمَا فَهَذَا الحكم قَضَاء عِنْدهم لَا مُطلق الحكم فَإِذا أَمر القَاضِي رجلا بِالصَّلَاةِ لَا يُقَال إِنَّه قضى بهَا اصْطِلَاحا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ يهديك إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَفِي شرح المواقف اعْلَم أَن قَضَاء الله تَعَالَى عِنْد الأشاعرة هُوَ إِرَادَته الأزلية الْمُتَعَلّقَة بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يزَال. أما عِنْد الفلاسفة فَهُوَ علمه تَعَالَى بِمَا يَنْبَغِي أَن يكون الْوُجُود عَلَيْهِ حَتَّى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام وَهُوَ الْمُسَمّى عِنْدهم بالعناية الأزلية الَّتِي هِيَ مبدأ لفيضان الموجودات من حَيْثُ جُمْلَتهَا على أحسن الْوُجُوه وأكملها. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى وَمَا وَقع فِي شرح الطوالع الْأَصْفَهَانِي من أَن الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الْمَخْلُوقَات فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي الْكتاب الْمُبين مجتمعة ومجملة على سَبِيل الإبداع فَهُوَ رَاجع إِلَى تَفْسِير الْحُكَمَاء ومأخوذ مِنْهُ فَإِن المُرَاد بالوجود الإجمالي الْوُجُود الظلي للأشياء. واللوح الْمَحْفُوظ جَوْهَر عَقْلِي مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته وَفِي فعله يُقَال لَهُ الْعقل فِي عرف الْحُكَمَاء. وَإِنَّمَا قُلْنَا المُرَاد ذَلِك لِأَن مَا ذكر مَنْقُول من شرح الإشارات للطوسي حَيْثُ قَالَ اعْلَم أَن الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الموجودات فِي الْعَالم الْعقلِيّ مجتمعة على سَبِيل الإبداع.
وَالْقدر عبارَة عَن وجود مَعَاني موادها الخارجية مفصلة وَاحِدًا بعد وَاحِد كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} . كَذَا ذكره الْمعِين التوني فِي حَوَاشِيه.
وَفِي مُجمل اللُّغَة الْقَضَاء الْمنية وَهَذَا الْمَعْنى يلائم مَا يُشَاهد فِي هَذَا الزَّمَان.
(هركس كه درين زَمَانه قَاضِي كردد ... فِي الْحَال بمركك خويش راضي كردد)
وَفِي كتب الْكَلَام إِن أَفعَال الْعباد كلهَا اختيارية واضطرارية بإرادته تَعَالَى. ومشيته وتكوينه وَقَضيته أَي قَضَائِهِ. وَالْقَضَاء عبارَة عَن الْفِعْل مَعَ زِيَادَة أَحْكَام. وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور وَهُوَ أَنا لَا نسلم تِلْكَ الْكُلية لِأَن من جملَة أَفعَال الْعباد الْكفْر وَهُوَ لَيْسَ بِقَضَاء الله تَعَالَى إِذْ لَو كَانَ بِقَضَائِهِ تَعَالَى لوَجَبَ على العَبْد الرِّضَا بِهِ لِأَن الرِّضَا بِالْقضَاءِ وَاجِب وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن الرِّضَا بالْكفْر كفر. وَأَجَابُوا بِأَن الْكفْر مقضي لَا قَضَاء وَالرِّضَا إِنَّمَا يجب بِالْقضَاءِ دون الْمقْضِي. وَحَاصِله رفع السَّنَد بِمَنْع الْمُلَازمَة الْوَاقِعَة فِيهِ بِأَنَّهُ لَا نسلم لَو كَانَ الْكفْر بِقَضَائِهِ تَعَالَى لوَجَبَ على العَبْد الرِّضَا بِهِ أَي بالْكفْر بل الْوَاجِب عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْقضَاءِ لَا بالْكفْر فَإِن الْكفْر مقضي وَإِنَّمَا الْوَاجِب الرِّضَا بِالْقضَاءِ لَا بالمقضي.
وللوكيع أَن يَقُول إِن الرِّضَا بِالْقضَاءِ يُوجب الرِّضَا بالْكفْر لِأَن الرِّضَا بِالْقضَاءِ مُسْتَلْزم للرضا بمتعلقه وَهُوَ الْكفْر. وَالْجَوَاب أَن الرِّضَا بالْكفْر يسْتَلْزم الرِّضَا بِالْقضَاءِ من غير عكس فَيكون بَينهمَا عُمُوم مُطلقًا فَحِينَئِذٍ الرِّضَا بِالْقضَاءِ يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر لِأَن الْعَام لَا يسْتَلْزم الْخَاص. نعم الرِّضَا بِالْقضَاءِ من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَلق بالْكفْر يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر وَإِنَّمَا الْوَاجِب الرِّضَا بِالْقضَاءِ مُطلقًا بل الْحق أَن الرِّضَا إِنَّمَا يجب بِالْقضَاءِ المستلزم للرضا بالمقضي من حَيْثُ كَونه مُتَعَلقا لَهُ لَا بالمقضي من حَيْثُ ذَاته وَلَا من سَائِر الحيثيات. ورضا العَبْد بالْكفْر من حَيْثُ ذَاته كفر لَا من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَلق الْقَضَاء فَافْهَم.

قلب قاب القوسين

قلب قاب القوسين: القاب الْمدَار والقوسان هما القطعتان الحاصلتان من الدائرة إِذا نصفت والخط الْمنصف هُوَ قلبهما مَحْبُوب / محب وَهَذَا الْكَلَام وَقع فِي (نزهة الْأَرْوَاح) فِي نعت خَاتم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه الْقطعَة:
(رَسُول الشرق وَالْمغْرب وَإِمَام الْإِنْس وَالْملك ... )
(وعَلى بِسَاط الشّرف فَارس فرسَان الكونين ... )
(وَهُوَ فِي الْقوس الْأَعْلَى من صف الدَّعْوَى ... )
(وَدَلِيل ذَلِك أَنه قلب قاب القوسين ... )
وَيَقُول الموحد عبد الْوَاحِد بلكرامي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح هَذِه الأبيات أَن لرسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوس الرُّتْبَة الْعليا فِي الْعِشْق الَّذِي تدل على وَصفه عَلامَة النُّبُوَّة يَعْنِي أَن توجه قلبه دَائِما لمقام (قاب قوسين) وقاب القوسين هُوَ مِقْدَار قوسين، وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} أَي كَانَ دنوه أقرب لقرب قاب قوسين.وَهَذَا من جملَة المتشابهات حَتَّى يعلمهَا الْعَارِف بِنور مَعْرفَته ويصدقها الْمُؤمن الصَّادِق بعقيدته وَيهْلك الْجَاهِل الْمُنكر، كَمَا أَن أَبَا جهل ضحك وَفَرح عِنْد سَمَاعه قصَّة الْمِعْرَاج وَقَالَ، أَولا كَانَ مُحَمَّد يَقُول إِن جِبْرِيل يَأْتِيهِ من السَّمَاء وَنحن لم نصدق وَلم نعتقد أَو نؤمن، والآن لقد جَاءَنَا بِمَا هُوَ أعجب من ذَلِك أَنه ذهب لَيْلَة إِلَى السَّمَاء وَعَاد، وأعتقد أَن أحدا لن يصدق هَذَا، حَتَّى ذهب إِلَى الصّديق وَقَالَ: مَاذَا تَقول فِي حق أساطير مُحَمَّد، أَنه يَقُول إِنَّه ذهب لَيْلَة إِلَى السَّمَاء وَحكى عدَّة آلَاف حِكَايَة وَقَالَ كلَاما كثيرا وعندما انْتَهَت الرحلة عَاد فِي اللَّيْلَة ذَاتهَا، فَقَالَ الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لقد آمَنت بِمُحَمد وَبِمَا يَقُوله من الْبِدَايَة، ألم يقل إِن جِبْرِيل يتنزل عَلَيْهِ من السِّدْرَة (انْتهى) .
اعْلَم أَن الْخط الْمنصف للدائرة يُقَال لَهُ قلب ال (قاب قوسين) وَهُوَ خطّ وهمي، وَيُسمى كَذَلِك بالبرزخ ومقام التنزل الأول والحقيقة المحمدية. وَإِذا لم يكن هَذَا الْخط فِي وسط الدائرة، فَإِن الدائرة تكون سرا مخفيا، وَلَا يمتاز فِيهَا الْمُحب والمحبوب _ والعارف وَالْمَعْرُوف _ والخالق والمخلوق _ وَالْعَابِد والمعبود، كَيفَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعَدُّد وَلَا تعود فِي تِلْكَ الْمرتبَة. (وَالْحَاصِل) أَن معنى الْبَيْت الْمَذْكُور هُوَ لما أَرَادَت الْإِرَادَة الأزلية للذات الإلهية ذَات الْجلَال وَالْعَظَمَة أَن تظهر، ظهر هَذَا الْخط فِي وسط الدائرة وَجعل نصف الدائرة للمحب وَالنّصف الآخر للمحبوب. وَالدَّلِيل على سيد الكائنات عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ هَذَا الْخط الْفَارِق فِي وسط الدائرة، والشاعر يُرِيد أَن يَنْزعهُ من وسط الدائرة حَتَّى تتوحد الدائرة ويلغي الثنائية الَّتِي أوجدها هَذَا الْخط كَذَلِك بَين الْمُحب والمحبوب، وَلِهَذَا الْكَلَام مقَام عَظِيم لَا يَعْلُو معارجه وَلَا يسمو مدارجه إِلَّا من هداه الله تَعَالَى بأسراره وَأَتَاهُ بقلب سليم ...قصيدة لِلْكَاتِبِ باللغة الْهِنْدِيَّة من تِسْعَة أَبْيَات.
قلب قاب القوسين: القاب الْمِقْدَار والقوسان هما القطعتان الحاصلتان من تنصيف الدائرة والخط الْمنصف هُوَ قلبهما هَكَذَا:

الْكَافِر

(الْكَافِر) وعَاء طلع النّخل وَالثَّمَر (ج) كوافر والظلمة وَمن الأَرْض مَا بعد عَن النَّاس لَا يكَاد ينزله أَو يمر بِهِ أحد والمقيم المختبئ بِالْمَكَانِ من لَا يُؤمن بِاللَّه (ج) كفار
الْكَافِر: من الْكفْر وَهُوَ السّتْر وَالْكَافِر لما ستر الْحق سمي بِهِ وَهُوَ ضد الْمُؤمن. فِي خزانَة المفتيين الْكَافِر إِذا أقرّ بِخِلَاف مَا اعتقده حكم بِإِسْلَامِهِ فَمن يُنكر الوحدانية كالثنوي وَعَبدَة الْأَوْثَان وَالْمُشْرِكين إِذا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَو قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَو قَالَ أسلمت أَو آمَنت بِاللَّه وَأَنا على دين الْإِسْلَام أَو على الحنيفية فَهَذَا كُله إِسْلَام. وَفِي الْمُحِيط الْكفَّار على نَوْعَيْنِ مِنْهُم من يجْحَد الْبَارِي عز شَأْنه. وَمِنْهُم من يقربهُ إِلَّا أَنه يُنكر وحدانيته تَعَالَى كعبدة الْأَوْثَان فَمن أنكر إِذا أقرّ بِهِ يحكم بِإِسْلَامِهِ وَمن أقرّ بوحدانيته تَعَالَى وَجحد رِسَالَة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أقرّ برسالته يحكم بِإِسْلَامِهِ. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان الوثني الَّذِي لَا يقر بوحدانية الله تَعَالَى إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يصير مُسلما حَتَّى لَو رَجَعَ عَن ذَلِك يقتل وَلَو قَالَ الله لَا يصير مُسلما وَلَو قَالَ أَنا مُسلم يصير مُسلما وَمذهب أَصْحَاب الشَّرْع الظَّاهِر أَن الْكفَّار مخلدون فِي النَّار. وَقَالَ قدوة الْمُحَقِّقين الشَّيْخ محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله فِي فص يونسي أما أهل النَّار فمآلهم إِلَى النَّعيم لَكِن فِي النَّار إِذْ لَا بُد لصورة النَّار بعد انْتِهَاء مُدَّة الْعقَاب أَن يكون بردا وَسلَامًا على من فِيهَا وَهَذَا هُوَ النَّعيم وَهُوَ رَحمَه الله يزْعم أَنه لم يرد نَص بخلود عَذَابهمْ بل بخلودهم فِي النَّار. وَقَالَ القيصري فِي شرح فصوص الحكم اعْلَم أَن من اكتحلت عينه بِنور الْحق يعلم أَن الْعَالم بأسره عباد الله وَلَيْسَ لَهُم وجود وَصفَة وَفعل إِلَّا بِاللَّه وَحَوله وقوته وَكلهمْ محتاجون إِلَى رَحمته وَهُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمن شَأْن من هُوَ مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات أَن لَا يعذب أحدا عذَابا أبديا وَلَيْسَ ذَلِك الْمُقدر من الْعَذَاب إِلَّا لأجل إيصالهم إِلَى كمالاتهم الْمقدرَة كَمَا يذاب الذَّهَب وَالْفِضَّة بالنَّار لأجل الْخَلَاص مِمَّا يكدرهما وَينْقص عيارهما وَهُوَ يتَضَمَّن أَمن اللطف وَالرَّحْمَة كَمَا قيل.
(وتعذيبكم عذب وسخطكم رضى ... وقطعكم وصل وجوركم عدل)
وَقَالَ رَحمَه الله فِي فص اسمعيلي الثَّنَاء بِصدق الْوَعْد والحضرة الإلهية يطْلب الثَّنَاء الْمَحْمُود بِالذَّاتِ فيثني عَلَيْهَا بِصدق الْوَعْد لَا يصدق الْوَعيد بل بالتجاوز فَلَا تحسبن الله مخلف وعده رسله. وَلم يقل ووعيده بل قَالَ ويتجاوز عَن سيئاتهم مَعَ أَنه يوعد على ذَلِك. ويلائم هَذَا الْكَلَام. حَدِيث شَفِيع الْأَنَام. عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام. سَيَأْتِي على جَهَنَّم زمَان ينْبت فِي قعرها الجرجير.

الْكَلِمَة

(الْكَلِمَة) اللَّفْظَة الْوَاحِدَة و (عِنْد النُّحَاة) اللَّفْظَة الدَّالَّة على معنى مُفْرد بِالْوَضْعِ سَوَاء أَكَانَت حرفا وَاحِدًا كَلَام الْجَرّ أم أَكثر وَالْجُمْلَة أَو الْعبارَة التَّامَّة الْمَعْنى كَمَا فِي قَوْلهم لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة التَّوْحِيد وَكلمَة الله حكمه أَو إِرَادَته وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَكلمَة الله هِيَ الْعليا} و {كَذَلِك حقت كلمة رَبك على الَّذين فسقوا} وَالْكَلَام الْمُؤلف المطول قصيدة أَو خطْبَة أَو مقَالَة أَو رِسَالَة
الْكَلِمَة: مُشْتَقَّة من الْكَلم بِسُكُون اللَّام بِمَعْنى الْجرْح. وَهِي عِنْد أهل الْحق مَا يكنى بِهِ عَن كل وَاحِدَة من الماهيات والأعيان. وَعند النُّحَاة لفظ وضع لِمَعْنى مُفْرد. وَعند المنطقيين مرادف للْفِعْل يَعْنِي كلمة دلّت على معنى فِي نَفسهَا مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة - وَأما إِن كَون كل فعل عِنْد النُّحَاة كلمة عِنْد المنطقيين أَو لَا فمسئلة معركة الآراء - وَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فَانْظُر فِي لَيْسَ كل فعل عِنْد الْعَرَب كلمة عِنْد المنطقين، وَفِي الشَّرْع الْكَلِمَة الطّيبَة أَعنِي لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. وفضائلها أَكثر من أَن تحصى وَبَعضهَا مَذْكُور فِي الْقَبْر فَانْظُر فِيهِ فَإِنَّهُ ينفعك لبَقَاء الْإِيمَان فَإِن قيل إِن أُرِيد بِلَفْظ إِلَه فِي الْكَلِمَة الطّيبَة المعبود الْمُطلق لم يَصح الحكم بِالنَّفْيِ. وَإِن أُرِيد المعبود بِالْحَقِّ لزم اسْتثِْنَاء الشَّيْء عَن نَفسه أَقُول: إِنَّا نَخْتَار الثَّانِي وَلَا نسلم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لِأَن المعبود بِالْحَقِّ أَعم من الله تَعَالَى مفهوما وَإِن كَانَ مُسَاوِيا لَهُ صدقا وَعُمُوم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ صدقا يَكْفِي فِي صِحَة الِاسْتِثْنَاء. وَكلمَة لَا لنفي الْجِنْس وإله اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف فَإِن قيل خَبَرهَا الْمَحْذُوف إِمَّا مَوْجُودا وممكن وَلَا يَصح الأول وَلَا الثَّانِي. أما الأول: فَلِأَن تَقْدِير الْكَلَام حِينَئِذٍ لَا إِلَه مَوْجُود إِلَّا الله وَنفي الْوُجُود لَا يسْتَلْزم نفي الْإِمْكَان بِخِلَاف الْعَكْس فَيبقى إِمْكَان تِلْكَ الْأَفْرَاد المتعددة على حَاله فَلَا يكون توحيدا مَحْضا لِأَن الْمَقْصُود إِثْبَات امْتنَاع شريك الْبَارِي لَا نفي وجوده مَعَ إِمْكَانه. وأمال الثَّانِي: فَلِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ فِي لَا إِلَه مُمكن إِلَّا الله. وَأَنت تعلم أَن الْإِمْكَان لَا يسْتَلْزم الْوُجُود فَلَا يعلم حِينَئِذٍ إِلَّا إِمْكَانه تَعَالَى لَا وجوده تَعَالَى. وللعلماء فِي جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال أنحاء شَتَّى ذكرتها فِي نظام الْجَوَاهِر مَعَ مَا سنح لي فِي دَفعه وَهُوَ أَن هَذِه الْقَضِيَّة سالبة ضَرُورِيَّة بِمَعْنى أَنه حكم فِيهَا بِسَبَب الْمَحْمُول الثَّابِت للموضوع بِالضَّرُورَةِ فَلَا إِشْكَال لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَا إِلَه مَوْجُود بِالضَّرُورَةِ إِلَّا الله فَإِنَّهُ مَوْجُود بِالضَّرُورَةِ فَتَأمل حَتَّى يظْهر لَك حسن هَذَا الْمقَال وَلَا تذْهب إِلَى مَا قيل أَو يُقَال.
أَلا ترى أَن من قَالَ فِي التفصي عَن هَذَا الْمقَال إِن كلمة لَا هَذِه لَيست لنفي الْجِنْس حَتَّى يحْتَاج إِلَى حذف الْخَبَر حَتَّى يرد الْإِشْكَال بل هِيَ للنَّفْي دَالَّة بِمَعْنى معبود مُبْتَدأ وَالله خَبره مثل لَا ضَارب زيد فَكَانَ لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الأَصْل معبود الله - ثمَّ جِيءَ بِلَا النافية وبألا للحصر فَالْمَعْنى أَن المعبود هُوَ الله لَا غير.
يرد عَلَيْهِ أَن كلمة لَا لما كَانَت للنَّفْي فإمَّا هِيَ نَافِيَة لذات الْإِلَه أَو لوُجُوده لَا سَبِيل إِلَى الأول لِأَن نفي الذَّات لَا يكون إِلَّا بِاعْتِبَار تقرره وثبوته لَا نَفسه وَلَا إِلَى الثَّانِي لوُرُود الْمَحْذُور الْمَذْكُور. وَأَيْضًا لَا بُد لكلمة إِلَّا من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فَهُوَ إِمَّا مَوْجُود أَو مُمكن فَيَعُود الْإِشْكَال بحذافيره.

النظر

النظر: طلب المعنى بالقلب من جهة الذكر، كما يطلب إدراك المحسوس بالعين، ذكره الحرالي، قال: وأول موقع العين على الصورة نظر، ومعرفة خبرتها الحسية بصر، ونفوذه إلى حقيقتها رؤية. فالبصر متوسط بين النظر والرؤية كما قال تعالى {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} . وقال غيره: تقليب البصر أو البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة. ونظر الله إلى عباده إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم. والنظير: المثل، واصله المناظر كأنه ينظر كل منهما إلى صاحبه فيناديه. والمناظرة: المباحثة والمباراة في النظر. والنظر: البحث، وهو أعم من القياس لأن كل قياس نظر ولا عكس.

النظر عند أهل الأصول: الفكر المؤدي إلى علم أو ظن.
النظر:
[في الانكليزية] Sight ،vision ،consideration ،meditation ،position ،thought ،reflection
[ في الفرنسية] Vue ،consideration ،meditation position ،pensee ،reflexion
بفتح النون والظاء المعجمة في اللغة نكريستن در چيزي بتأمل، يقال نظرت إلى الشيء كذا في الصراح. وعند المنجّمين كون الشيئين على وضع مخصوص في الفلك، فإن اجتمع الكوكبان غير الشمس والقمر في جزء واحد من أجزاء فلك البروج يسمّى قرانا ومقارنة، وإن كان أحد الكوكبين المجتمعين في جزء واحد شمسا والآخر كوكبا من الخمسة المتحيّرة يسمّى احتراقا، وإن كان أحدهما شمسا والآخر قمرا يسمّى اجتماعا، وإن لم يجتمع الكوكبان في جزء واحد، فإن كان البعد بينهما سدس الفلك بأن تكون مسافة ما بينهما ستين درجة من فلك البروج كأن يكون أحدهما في أول الحمل والآخر في أول الجوزاء يسمّى نظر تسديس، وإن كان البعد بينهما ربع الفلك أي تسعين درجة يسمّى نظر التربيع، وإن كان البعد بينهما ثلث الفلك أي مائة وعشرين درجة يسمّى نظر التثليث، وإن كان البعد بينهما نصف الفلك أي مائة وثمانين درجة يسمّى مقابلة ومقابلة النيّرين أي الشمس والقمر يسمّى استقبالا، ونظرات القمر تسمّى امتزاجات وممازجات قمر ومقارنة الكواكب بعقدة القمر تسمّى مجاسدة، وإن لم يكن البعد بينهما كذلك فلا نظر بينهما.
اعلم أنّ نظر كلّ برج إلى ثالثة هو التسديس الأيمن وإلى الحادي عشر هو التسديس الأيسر، وإلى خامسه التثليث الأيمن وإلى تاسعه التثليث الأيسر، وإلى رابعه التربيع الأيمن وإلى عاشره التربيع الأيسر وقد مرّ ما يتعلّق بهذا في لفظ الاتصال. اعلم بأنّ عبد العلي البرجندي في شرح زيج (الغ بيك) يقول:

الأنظار نحو نظر المقابلة قسمان: أحدهما على التوالي ويقال له: أنظار أولى. وذلك لأنّ حركات الكواكب لهذا الجانب. فلذا يقولون:
أولا هذه الأنظار تقع. والثاني يقال له أنظار ثانية. ويقال للأولى أنظار يسرى، وللثانية أنظار يمنى. وذلك لأنّ أهل أحكام الفلك توهّموا كون الإنسان مستلقيا ورأسه لجهة القطب الشمالي. وقسم من هذه الأنظار حينا يعتبرونها من منطقة البروج، والنظرات التي يسطّرونها في دفاتر التقويم مبنية على هذا الاعتبار وحينا من معدّل النهار. وهذه معتبرة في أحكام المواليد، ويقولون لها أيضا مطارح الأشعّة ومطارح الأنوار وتخصيصهم مطرح الشّعاع بهذه المواضع من حيث أنّ آثار وقوع الشّعاع يظهر في هذه المواضع، ولأنّ صحّتها صارت معلومة بالتجارب الكثيرة وإلّا فإنّ أشعّتها تصل إلى جميع أجزاء الفلك. انتهى كلامه. وإنّ نظرات البيوت والأشكال والنقاط في علم الرمل يأخذونها على هذا النحو، إلّا إذا لاحظوا بيوت الرمل بدلا من أجزاء فلك البروج وبدلا من كواكب الأشكال نقاط الاعتبار.
وأمّا عند غيرهم كالمنطقيين فقيل هو الفكر وقيل غيره وقد سبق. وقال القاضي الباقلاني النّظر هو الفكر الذي يطلب به علم أو غلبة ظنّ، والمراد بالفكر انتقال النفس في المعاني انتقالا بالقصد، فإنّ ما لا يكون انتقالا بالقصد كالحدس وأكثر حديث النفس لا يسمّى فكرا، وذلك الانتقال الفكري قد يكون بطلب العلم أو الظّنّ فيسمّى نظرا، وقد لا يكون كذلك فلا يسمّى به فالفكر جنس له وما بعده فصل له وكلمة، أو لتقسيم المحدود دون الحدّ.
وحاصله أنّ قسما من المحدود حدّه هذا أي الفكر الذي يطلب به علم، وقسما آخر حدّه ذاك أي الفكر الذي يطلب به ظنّ فلا يرد أنّ الترديد للإبهام فينافي التحديد والمراد بغلبة الظّنّ هو أصل الظّنّ، وإنّما زيد لفظ الغلبة تنبيها على أنّ الرجحان مأخوذ في حقيقة فإنّ ماهية الظّنّ هي الاعتقاد الراجح فلا يرد أنّ غلبة الظّنّ غير أصل الظّنّ فيخرج عنه ما يطلب به أصل الظّنّ، والمراد بطلب الظّنّ من حيث هو ظنّ من غير ملاحظة المطابقة للمظنون وعدمها، فإنّ المقصود الأصلي كالعمل في الاجتهاديات قد يترتّب على الظّنّ بالحكم بالنّظر إلى الدليل، فإنّ الحكم الذي غلب على ظنّ المجتهد كونه مستفادا من الدليل بحسب العمل به عليه من غير التفات إلى مطابقته وعدّ مطابقته سيّما عند من يقول بإصابة كلّ مجتهد، ولذا يثاب المجتهد المخطئ فلا يرد أنّ الظّنّ الغير المطابق جهل، فيلزم أن يكون الجهل مطلوبا وهو ممتنع إذ لا يلزم من طلب الأعمّ الذي هو الظّنّ مطلقا طلب الأخصّ الذي هو الظّنّ الغير المطابق، فلا يلزم طلب الجهل. وهذا التعريف يتناول النظر في التصوّر وفي التصديق لأنّ التصوّر مندرج في العلم، وكذا التصديق اليقيني مندرج فيه، فيتناول القطعي باعتبار مادته وصورته كالنّظر القياسي البرهاني والظّنّي من حيث المادة كالنّظر القياسي الخطابي، ومن حيث الصورة كالاستقراء والتمثيل، وكذا يتناول النّظر الصحيح والفاسد.
اعلم أنّ للنظر تعريفات بحسب المذاهب.
فمن يرون أنّه اكتساب المجهول بالمعلومات السّابقة وهم أرباب التعاليم القائلون بالتعليم والتعلّم يقولون إنّ النّظر ترتيب أمور معلومة للتأدّي إلى مجهول، وبعبارة أخرى ترتيب علوم الخ، إذ العلم والمعلوم متحدان والترتيب فعل اختياري لا بدّ له من علّة غائية، فالباعث على ذلك الفعل التأدّي إلى المجهول يقينا أو ظنّا أو احتمالا فهو الفكر، فخرج عنه المقدّمة الواحدة لأنّ الترتيب فيها ليس للتأدّي بل لتحصيل المقدّمة، وكذا خرج أجزاء النظر وترتيب الطرفين والنسبة الحكمية أو بعضها في القضية لتحصيل الوقوع واللاوقوع المجهول، وكذا خرج التنبيهات، وكذا خرج الحدس لأنّه سنوح المبادئ المرتّبة دفعة من غير اختيار، سواء كان بعد طلب أو لا، وأيضا ليس له غاية لعدم الاختيار فيه، ودخل فيه ترتيب المقدّمات المشكوكة المناسبة بوجود غرض التأدّي احتمالا، وكذا التعليم لأنّه فكر بمعونة الغير وكذا الحدّ والرسم الكاملان إلّا أنّ الأول موصل إلى الكنه والثاني إلى الوجه، لكنه يخرج عنه التعريف بالفصل والخاصّة وحدهما، وكون كلّ منهما قليلا ناقصا كما قاله ابن سينا لا يشفي العليل لأنّ الحدّ إنما هو لمطلق النّظر فيجب أن يندرج فيه جميع أفراده التامة والناقصة قلّ استعمالها أو كثر. ولهذا غيّر البعض هذا التعريف فقال هو تحصيل أمر أو ترتيب أمور للتأدّي إلى المجهول، وكذا دخل فيه قياسا المساواة والاستلزام بواسطة عكس النقيض وإن أخرجوهما عن القياس لعدم اللزوم لذاته، وكذا النّظر في الدليل الثاني لأنّ المقصود منه العلم بوجه دلالته وهو مجهول. وإنّما قيل للتأدّي ولم يقل بحيث يؤدّي ليشتمل النّظر الفاسد صورة أو مادة فيشتمل المغالطات المصادفة للبديهيات كالتشكيك المذكور في نفس اللزوم ونحوه لأنّ الغرض منها التصديق للأحكام الكاذبة وإن لم يحصل ذلك، وغيّر البعض هذا التعريف لما مر فقال النّظر ملاحظة العقل ما هو حاصل عنده لتحصيل غيره، والمراد بالعقل النفس لأنّ الملاحظة فعلها وأنّ المجرّدات علمها حضوري لا حصولي، والمتبادر من الملاحظة ما يكون بقصد واختيار فخرج الحدس ثم الملاحظة لأجل تحصيل الغير تقتضي أن يكون ذلك لتحصيل غاية مترتّبة عليه في الجملة فلا يرد النقض بالملاحظة التي عند الحركة الأولى والثانية إذ لا يترتّب عليه التحصيل أصلا، بل إنّما يترتّب على الملاحظة التي هي من ابتداء الحركة الأولى إلى انتهاء الحركة الثانية. نعم يترتّب على الملاحظة بالحركة الأولى في التعريف بالمفرد وهي فرد منه فتدبّر فظهر شمول هذا التعريف أيضا لجميع الأقسام. وأمّا من يرى أنّ النّظر مجرّد التوجّه إلى المطلوب الإدراكي بناء على أنّ المبدأ عام الفيض متى توجهنا إلى المطلوب أفاضه علينا من غير أن يكون لنا في ذلك استعانة بمعلومات، فمنهم من جعله عدميا فقال هو تجريد الذهن عن الغفلات المانعة عن حصول المطلوب، ومنهم من جعله وجوديا فقال هو تحديق العقل نحو المعقولات أي المطالب وتحديق النّظر بالبصر نحو المبصرات. وقد يقال كما أنّ الإدراك بالبصر يتوقّف على أمور ثلاثة: مواجهة البصر وتقليب الحدقة نحوه طلبا لرؤيته وإزالة الغشاوة المانعة من الإبصار، كذلك الإدراك بالبصيرة يتوقّف على أمور ثلاثة: التوجّه نحو المطلوب أي في الجملة بحيث يمتاز المطلوب عمّا عداه كما يمتاز المبصر عن غيره بمواجهة البصر وتحديق العقل نحوه طلبا لإدراكه أي التوجّه التام إليه بحيث يشغله عما سواه كتقليب الحدقة إلى المبصر وتجريد العقل عن الغفلات التي هي بمنزلة الغشاوة. فإن قلت الاستعانة بالمعلومات بديهية فكيف ينكرها؟

قلت: لعلّه يقول إنّ إحضار المعلومات طريق من طرق التوجّه فإنّه يفيد قطع الالتفات إلى غير المطلوب، ولذا قد يحصل المطلوب بمجرّد التوجّه بدون معلومات سابقة على ما هو طريقة حكماء الهند وأهل الرياضة، والظاهر هو مذهب أرباب التعاليم. قيل والتحقيق الذي يرفع النزاع من المتقدّمين والمتأخّرين هو أنّ الاتفاق واقع على أنّ النّظر والفكر فعل صادر عن النفس لاستحصال المجهولات من المعلومات، ولا شكّ أنّ كلّ مجهول لا يمكن اكتسابه من أيّ معلوم اتفق، بل لا بدّ له من معلومات مناسبة إياه كالذاتيات في الحدود واللوازم الشاملة في الرسوم والحدود الوسطى في الاقترانيات، وقضية الملازمة في الشرطيات.
ولا شك أيضا في أنّه لا يمكن تحصيله من تلك المعلومات على أي وجه كانت بل لا بدّ هناك من ترتيب معيّن فيما بينها ومن هيئة مخصوصة عارضة لها بسبب ذلك الترتيب، فإذا حصل لنا شعور بأمر تصوّري أو تصديقي وحاولنا تحصيله على وجه أكمل سواء قلنا إنّ ذلك الوجه هو المطلوب أو أنّ المطلوب ذلك الأمر بهذا الوجه فلا بدّ أن يتحرّك الذهن في المعلومات المخزونة عنده منتقلا من معلوم إلى معلوم آخر حتى يجد المعلومات المناسبة لذلك المطلوب وهي المسمّاة بمباديه. ثم أيضا لا بدّ أن يتحرّك في تلك المبادي ليرتّبها ترتيبا خاصا يؤدّي إلى ذلك المطلوب، فهناك حركتان مبدأ الأولى منهما هو المطلوب المشعور بذلك الوجه الناقص ومنتهاها آخر ما يحصل من تلك المبادئ ومبدأ الثانية أول ما يوضع منها للترتيب ومنتهاها المطلوب المشعور به على الوجه الأكمل. فالحركة الأولى تحصل المادة أي ما هو بمنزلة المادة أعني مبادئ المطلوب التي يوجد معها الفكر بالقوة، والحركة الثانية تحصل الصورة أي ما هو بمنزلة الصورة أعني الترتيب الذي يوجد معه الفكر بالفعل وإلّا فالفكر عرض لا مادة ولا صورة. فذهب المحقّقون إلى أنّ الفعل المتوسط بين المعلوم والمجهول للاستحصال هو مجموع هاتين الحركتين اللتين هما من قبيل الحركة في الكيفيات النفسانية إذ به يتوصّل إلى المجهول توصلا اختياريا، للصناعة الميزانية فيه مدخل تام، فهو النظر بخلاف الترتيب المذكور اللازم له بواسطة الجزء الثاني إذ ليس له مدخل تام لأنّه بمنزلة الصورة فقط.
وذهب المتأخّرون إلى أنّ النّظر هو ذلك الترتيب الحاصل من الحركة الثانية لأنّ حصول المجهول من مباديه يدور عليه وجودا وعدما. وأمّا الحركتان فهما خارجتان عن الفكر والنّظر إلّا أنّ الثانية لازمة له لا توجد بدونه قطعا والأولى لا تلزمه بل هي أكثري الوقوع معه، إذ سنوح المبادئ المناسبة دفعة عند التوجه إلى تحصيل المطلوب قليل، فالنزاع بين الفريقين إنّما هو في إطلاق لفظ النظر لا بحسب المعنى، إذ كلا الفريقين لا ينكران أنّ مجموع الحركتين فعل صادر من النفس متوسط بين المعلوم والمجهول في الاستحصال، كما لا ينكران الترتيب اللازم للحركة الثانية كذلك مع الاتفاق بينهما على أنّ النظرين أمران من هذا القبيل، ومختار الأوائل أليق بصناعة الميزان. ثم إنّ هذا الترتيب يستلزم التوجه إلى المطلوب وتجريد الذهن عن الغفلات وتحديق العقل نحو المعقولات فتأمّل حتى يظهر لك أنّ هذه التعريفات كلها تعريفات باللوازم وحقيقة النّظر هي الحركتان وأن لا نزاع بينهم بحيث يظهر له ثمرة في صورة من الصور.
اعلم أنّ الإمام الرازي عرّف النّظر بترتيب تصديقات يتوصّل بها إلى تصديقات أخر بناء على ما اختاره من امتناع الكسب في التصوّرات. قال السّيّد السّند في حواشي العضدي: إن قلت ماذا أراد القاضي بالنّظر المعرّف بما ذكره، أمجموع الحركتين كما هو رأي القدماء أم الحركة الثانية كما ذهب إليه المتأخّرون؟ قلت: الظاهر حمله على المعنى الأول إذ به يحصل المطلوب لا بالحركة الثانية وحدها انتهى. وفيه إشارة إلى جواز حمله على المعنى الثاني.
فائدة:
المشهور أنّ النّظر والفكر يختصان بالمعقولات الصّرفة لا يجريان في غيرها، والظاهر جريانهما في غيرها أيضا كقولك هذا جسم لأنّه شاغل للحيّز، وكلّ شاغل للحيّز جسم، كذا ذكر أبو الفتح في حاشية الجلالية للتهذيب. وبقي هاهنا أبحاث فمن أرادها فليرجع إلى حواشي شرح المطالع في تعريف المنطق.

التقسيم:
ينقسم النظر إلى صحيح يؤدّي إلى المطلوب وفاسد لا يؤدّي إليه، والصحة والفساد صنفان عارضان للنّظر حقيقة لا مجازا عند المتأخّرين. فإنّ الترتيب الذي هو فعل الناظر يتعلّق بشيئين أحدهما بمنزلة المادة في كون الترتيب به بالقوة وهو المعلومات التي يقع فيها الترتيب، والثاني بمنزلة الصورة في حصوله به بالفعل وهو تلك الهيئة المترتّبة عليها. فإذا اتصف كلّ منهما بما هو صحته في نفسه اتصف الترتيب بالصحة التي هي صفته وإلّا فلا، بخلاف ما إذا كان عبارة عن الحركتين لأنّ الحركة حاصلة بالفعل من مبدأ المسافة أعني المطلوب المشعور به بوجه إلى منتهاها، أعني الوجه المجهول، وليست بالقوة عند حصول المعلوم وبالفعل عند حصول الهيئة فلا يكون صحة النظر حينئذ بصحة المادة والصورة، بل بترتيب ما لأجله الحركة، أعني حصول المعلومات المناسبة والهيئة المنتجة، وبخلاف ما إذا كان النظر عبارة عن التوجّه المذكور، فإنّ العلوم السابقة لا مدخل لها في التأدية حينئذ فلا يكون صحته بصحة المادة والصورة أيضا.
قيل يرد على التعريفين قولنا زيد حمار وكلّ حمار جسم فإنّه يدخل في الصحيح مع أنه فاسد المادة. أقول: لا نسلّم تأديته إلى المطلوب فإنّ حقيقة القياس على ما صرّح به السّيّد السّند في حواشي العضدي وسط مستلزم للأكبر ثابت للأصغر، وهاهنا لا يثبت الوسط للأصغر فلا اندراج فلا تأدية في نفس الأمر. نعم إنّه يؤدّي بعد تسليم المقدمتين. ومنهم من قسّم النظر إلى جلي وخفي وهذا بعيد لأنّ النظر أمر يطلب به البيان فجلاؤه وخفاؤه إنّما هو بالنظر إلى بيانه وكشفه للمنظور فيه وهو لا يجامعه أصلا لكونه معدا له، فلا يتّصف بصفاته حقيقة بل مجازا، فما وقع في كلامهم من أنّ هذا نظر جلي وهذا نظر خفي فمحمول على التجوّز.
فائدة:
لا اختلاف في إفادة النظر الصحيح الظّنّ بالمطلوب، وأمّا في إفادته العلم به فقد اختلف فيه. فالجمهور على أنّه يفيد العلم وأنكره البعض وهم طوائف. الأولى من أنكر إفادته للعلم مطلقا وهم السّمنية المنسوبة إلى سومنات وهم قوم من عبدة الأوثان قائلون بالتّناسخ وبأنّه لا طريق للعلم سوى الحسّ.
الثانية المهندسون قالوا إنّه يفيد العلم في الهندسيات والحسابيات دون الإلهيات والغاية القصوى فيها الظّنّ والأخذ بالأحرى والأخلق بذاته تعالى وصفاته وأفعاله. الثالثة الملاحدة قالوا إنّه لا يفيد العلم بمعرفة الله تعالى بلا معلّم يرشدنا إلى معرفته تعالى ويدفع الشبهات عنّا.
فائدة:
اختلف في كيفية حصول العلم عقيب النظر الصحيح، فمذهب الشيخ الأشعري أنّه بالعادة بناء على أنّ جميع الممكنات مستندة عنده إلى الله سبحانه ابتداء بلا واسطة وأنّه تعالى قادر مختار فلا يجب عنه صدور شيء ولا يجب عليه أيضا، ولا علاقة توجيه بين الحوادث المتعاقبة إلّا بإجراء العادة بخلق بعضها عقيب بعض كالإحراق عقيب مماسة النار والرّي بعد شرب الماء. ومذهب المعتزلة أنّه بالتوليد وذلك أنّهم أثبتوا لبعض الحوادث مؤثّرا غير الله تعالى، وقالوا الفعل الصادر عنه إمّا بالمباشرة أي بلا واسطة فعل آخر منه، وإمّا بالتوليد أي بتوسطه والنّظر فعل للعبد واقع بمباشرته يتولّد منه فعل آخر هو العلم. ومذهب الحكماء أنّه بسبب الإعداد فإنّ المبدأ الذي يستند إليه الحوادث في عالمنا هذا وهو العقل الفعّال أو الواجب تعالى بتوسط سلسلة العقول موجب عندهم عام الفيض، ويتوقّف حصول الفيض على استعداد خاص يستدعيه ذلك الفيض، والاختلاف في الفيض إنّما هو بحسب اختلاف استعدادات القوابل. فالنّظر يعدّ الذهن إعدادا تاما والنتيجة تفيض عليه من ذلك المبدأ وجوبا أي لزوما عقليا. ومذهب الإمام الرازي أنّه واجب أي لازم عقلا غير متولّد منه. قيل أخذ هذا المذهب من القاضي الباقلاني وإمام الحرمين حيث قالا باستلزام النظر للعلم على سبيل الوجوب من غير توليد. ونقل في شرح المقاصد عن الإمام. الغزالي أنّه مذهب أكثر أصحابنا، والقول بالعادة مذهب البعض.
فائدة:
شرط النّظر في إفادته العلم إمّا مطلقا صحيحا كان أو فاسدا، فبعد الحياة أمران وجود العقل الذي هو مناط التكليف وضدّه وهو ما ينافيه، فمنه ما هو عام يضاد النّظر وغيره وهو كلّ ما هو ضدّ للإدراك من النوم والغفلة ونحوهما، ومنه ما هو خاص يضاد النّظر بخصوصه وهو العلم بالمطلوب من حيث هو مطلوب والجهل المركّب به إذ صاحبهما لا يتمكّن من النّظر فيه، وأمّا العلم بالمطلوب من وجه آخر فلا بد فيه ليتمكّن طلبه ومن يعلم شيئا بدليل ثم ينظر فيه ثانيا ويطلب دليلا آخر فهو ينظر في وجه دلالة الدليل الثاني وهو غير معلوم. وأمّا الشرط للنظر الصحيح بخصوصه فأمران أن يكون النّظر في الدليل لا في الشبهة وأن يكون من جهة دلالته على المدلول.
فائدة:
النّظر في معرفته تعالى واجب إجماعا منّا ومن المعتزلة، واختلف في طريق ثبوت هذا الوجوب. فعندنا هو السمع وعند المعتزلة العقل. اعلم أنّ أوّل ما يجب على المكلّف عند الأكثرين ومنهم الأشعري هو معرفة الله تعالى إذ هو أصل المعارف وقيل هو النظر فيها لأنّ المعرفة واجبة اتفاقا والنظر قبلها وهو مذهب جمهور المعتزلة. وقيل هو أول جزء من أجزاء النظر. وقال القاضي واختاره ابن فورك وامام الحرمين أنّه القصد إلى النظر. وقال أبو هاشم أول الواجبات الشكّ وهذا مردود بلا شبهة.
فائدة:
القائلون بأنّ النظر الصحيح يفيد العلم اختلفوا في الفاسد، فقال الرازي إنّه يفيده مطلقا، والمختار عند الجمهور وهو الصواب أنّه لا يفيده مطلقا، والبعض على أنّ الفساد إن كان من المادة فقط استلزمه وإلّا فلا. وإن شئت توضيح تلك الأبحاث فارجع إلى شرح المواقف وشرح الطوالع.

المقتضي

المقتضي: هو الذي يطلبه عين العبد باستعداده من الحضرة الإلهية.
المقتضي:
[في الانكليزية] Declension ،inflection conjugation
[ في الفرنسية] Declinaison ،conjugaison
على صيغة اسم الفاعل عند النّحاة هو ما يكون به الكلمة صالحة للإعراب. فالمقتضى على صيغة اسم المفعول هو الإعراب هكذا في بعض حواشي الوافي. وفي اللباب المقتضي للإعراب هو توارد المعاني المختلفة على الكلم فإنّها تستدعي ما ينتصب دليلا على ثبوتها والحروف بمعزل عنها، وكذا الأفعال لدلالة صيغها على معانيها، وإنّما محل المعاني المقتضية للإعراب هو الاسم، ومن ثمّ حكم له بأصالة الإعراب، وأصول تلك المعاني بحكم الاستقراء ثلاثة: الفاعلية وهي المقتضية للرفع والمفعولية وهي المقتضية للنصب والإضافة وهي المقتضية للجرّ، وذلك الاقتضاء إمّا بحكم التناسب لقوة الفاعلية لأنّ الفاعل ممّا لا يستغنى عنه وضعف المفعولية وكون الإضافة بين بين، وقد يقع المضاف إليه فاعلا نحو ضرب زيد عمرا، وقد يقع مفعولا نحو ضرب عمرو زيد، وعلى هذا شأن دلائل الإعراب من الحركات والحروف. وإمّا بطريق التعادل لاختصاص الأقل وهو الفاعل بالأقوى والأكثر بالأضعف، وبهذا تبيّن أنّ الأصل في المرفوع هو الفاعل وما سواه ملحق به. فالمبتدأ بالمعنى الأول ملحق به لكونه مسندا إليه، وبالمعنى الثاني لكونه أحد جزئي الجملة، والخبر لكونه جزءا ثانيا من الجملة، وخبر إنّ وأخواتها لكون عامله مشابها بالفعل فألحق به والتزم تأخيره عن المنصوب فيما التزم تأخيره إيقاعا للمخالفة بينهما أي بين عامله وبين الفعل، وخبر لا التي لنفي الجنس لكون عامله مقابلا لأنّ لاقتسامهما النفي والإثبات على سبيل التوكيد ولا تقديم هناك بحال حطّا له عن رتبة إنّ واسم ما ولا لما بينهما وبين ليس من التشارك في المعنى.
وأن الأصل في المنصوب المفعول وما عداه متفرّع عليه، فالحال لشبهه بالظرف والتمييز لوقوعه في الأمثلة موقع المفعول فإنّ نحو طاب زيد نفسا مثل ضرب زيد عمروا، ونحو ما في السماء موضع راحة سحابا مثل عجبت من ضرب زيد عمرا، والمستثنى لكونه فضلة ولكون العامل فيه بتوسّط الحروف كالمفعول معه والاسم والخبر في بابي كان وإنّ لما أنّ عاملهما لاقتضائه شيئين معا أشبه الفعل المتعدّي والمنصوب بلا التي لنفي الجنس لما أنّها محمولة على أنّ. وإنّ الأصل في المجرور المضاف إليه ولا فروع له. وأمّا التوابع فهي داخلة تحت أحكام المتبوعات وإنّما بني من الأسماء ما بني إمّا لفقد المقتضي وإمّا لوجود المانع وهو مناسبته لمبني الأصل. وأمّا المقتضي لاعراب المضارع فمشابهته لاسم الفاعل لفظا ومعنى واستعمالا. ثم إنّ وقوعه موقع الاسم في أقوى المراتب من المشابهة وهو وقوعه بنفسه من غير حرف يردّه إلى تقدير الاسمية اقتضى له استحقاق أقوى وجوه الإعراب وهو الرفع ووقوعه موقعا لا يصلح للاسم أصلا، وذلك عند وجود ما يمنعه عن تقدير الاسم كإن الشرطية اقتضى له إعرابا لا يكون في الاسم رأسا وهو الجزم وسائر الجوازم محمولة على إن الشرطية ووقوعه موقعا لا يصلح للاسم إلّا بانضمام ما ينقله إلى تقدير الاسم وما أشبهه اقتضى له وجها من الإعراب بين الأول والثاني، وهو إمّا النصب أو الجر فأوثر النصب لخفته، ولما أنّ عوامله أشبهت نواصب الاسم، وبهذا تبيّن وجه اختصاص الجرّ بالاسم والجزم بالفعل انتهى.

قاب قوسين

قاب قوسين: مقَام الْقرب الإلهي وَهُوَ الِاتِّحَاد بِالْحَقِّ مَعَ بَقَاء التميز الْمعبر عَنهُ بالاتصال. وَلَا أَعلَى من هَذَا الْمقَام إِلَّا مقَام أَو أدنى وَهُوَ أحدية عين الْجمع الذاتية الْمعبر عَنهُ بقوله تَعَالَى: {أَو أدنى} لارْتِفَاع التميز والاثنينية الاعتبارية هُنَاكَ بالفناء الْمَحْض والطمس الْكُلِّي للرسوم كلهَا.
قاب قوسين: مقام القرب الأسمائي باعتبار التقابل بين الأسماء في الأمر الإلهي المسمى دائرة الوجود كالإبداء والإعادة، والنزول والعروج، والفاعلية والقابلية. وهو الاتحاد بالحق مع بقاء التمييز عنه بالاتصال. ولا أعلى من هذا المقام إلا مقام أو أدنى، وهو أحدية عين الجمع الذاتي المعبر عنه بقوله {أَوْ أَدْنَى} . لارتفاع التمييز والاثنينية الاعتبارية هناك بالفناء المحض، والطمس الكلي للرسوم كلها.

الغرض

الغرض: الهدف المقصود بالرمي، ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها، وقال الشريف: الغرض هو الفائدة المترتبة على الشيء من حيث هي مطلوبة بالإقدام عليه.
الغرض:
[في الانكليزية] Goal ،aim ،objective
[ في الفرنسية] But ،cible ،objectif
بفتح الغين والراء المهملة ما لأجله فعل الفاعل ويسمّى علّة غائية أيضا، أي الغرض هو الأمر الباعث للفاعل على الفعل، فهو المحرّك الأول للفاعل وبه يصير الفاعل فاعلا. ولذا قيل إنّ العلّة الغائية علّة فاعلية لفاعلية الفاعل كذا في شرح العقائد العضدية للدّواني. قال الأشاعرة لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض إذ لا يجب عليه تعالى شيء فلا يجب أن يكون فعله معلّلا بالغرض، ولا يقبح منه شيء فلا قبح في خلوّ أفعاله من الأغراض بالكلّية. ووافقهم في ذلك جهابذ الحكماء وطوائف الإلهيين بناء على كون أفعاله تعالى بالاختيار لا بالإيجاب، وخالفهم المعتزلة وذهبوا إلى وجوب تعليلها. وقالت الفقهاء لا يجب ذلك لكن أفعاله تابعة لمصالح العباد تفضّلا وإحسانا. احتجّ المعتزلة بأنّ الفعل الخالي عن الغرض عبث وأنّه قبيح يجب تنزيهه تعالى عنه. وأجاب عنه الأشاعرة بأنّه إن أردتم بالعبث ما لا غرض فيه فهو أوّل المسألة المتنازع فيها، وإن أردتم أمرا آخر فلا بدّ من تصويره. وقد يجاب بأنّ العبث ما كان خاليا من الفوائد والمنافع، وأفعاله تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى راجعة إلى مخلوقاته، لكنها ليست اسبابا باعثة على إقدامه وعللا مقتضية لفاعليته، فلا تكون أغراضا له ولا عللا غائية لأفعاله حتى يلزم استكماله بها، بل تكون غايات ومنافع لأفعاله تعالى وآثارا مترتّبة عليها فلا يلزم أن يكون شيء من أفعاله عبثا خاليا عن الفوائد. وما ورد من الظواهر الدّالة على تعليل أفعاله تعالى فهو محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض، كذا في شرح المواقف. وقد يقال المقصود يسمّى غرضا إذا لم يمكن للفاعل تحصيله إلّا بذلك الفعل وزيادته اصطلاح جديد لم يعرف له مستند لا عقلا ولا نقلا، كذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية. وقد يطلق الغرض بمعنى الغاية سواء كان باعثا للفاعل على الفعل أو لا، صرّح به المولوي عبد الحكيم في حاشية الفوائد الضيائية.

الدهر

الدهر وطال عمرُه.
الدهر: أصله اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه وعليه {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} . ثم عبر به عن كل مدة كثيرة، وهو خلاف الزمان فإنه يقع على المدة القليلة والكثيرة. وعند الصوفية: الدهر الآن الدائم الذي هو امتداد الحضرة الإلهية وهو باطن الزمان وبه يتحد الأزل والأبد.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.