Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: اتهم

لَا بُد وَأَن يكون

لَا بُد وَأَن يكون: كثيرا مَا وَقع فِي الْكتب مَعَ الْوَاو. وَاعْلَم أَن الْوَاو فِي قَوْلهم لَا بُد وَأَن يكون لَا بُد وَأَن يكون لالتزامهم إِيَّاهَا فِي عباراتهم فالمعروف أَن الْوَاو فِي مثل هَذَا. إِمَّا عاطفة على مُقَدّر أَي لَا بُد أَن يَصح وَأَن يكون. أَو لتأكيد اللصوق بَين اسْم لَا وَخَبره وَمعنى لَا بُد لَا فِرَاق. هَذَا حَاصِل مَا ذكره الْفَاضِل الجلبي فِي حَوَاشِيه على المطول.

اللفيف من الحاء

بَابُ اللَّفيف
ما أوله الحاء
الحاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، هذه حاءٌ مَكْتُوْبَةٌ، وتَصْغِيرُها: حُيَيَّةٌ.
وحَاءٌ وحَكَمٌ: قَبِيْلَتانِ.
وهذه قَصِيْدَةٌ حاوِيَّةٌ: على الحاءِ.
ويقولونَ: " ابنُ المائِة لاجَا ولاسَا " أي لا مُحْسِنٌ ولا مُسِيْءٌ وقيل: لا يَسْتَطِيْعُ أنْ يقولَ: حا للكَبْشِ عند السِّفَادِ وللغَنَمِ عند السَّقْيِ.
وحَاحَأْتُ له وحاحَيْتُ.
وحَوْ: زَجْرٌ للمَعْزِ، حَوْحَأْتُ به حَوْحَاةً.
وحَيَّ - ثَقِيْلَةٌ -: يُنْدَبُ بها، يقولُ: حَيَّ على الخَيْرِ والغَدَاءِ.
وأمّا الحَيَاةُ: فَتُكْتَبُ بالوِاو ليُعْلَمَ أنَّ الواوَ بَعْدَ الياء.
والمُحَاياةُ: الغِذَاءُ للصَّبِيِّ بما به حَيَاتُه.
وقوله عزَّ وجلَّ: " وَيْسَتْحُيوْنَ نِسَاءكم " أي يَتْرُكُوهُنَّ أحْيَاءً.
وناقَةٌ مُحْيِ ومُحْيِيَةٌ: لا يَمُوْتُ وَلَدُها.
وأتَيْتُكَ وحَيُّ فلانٍ قائمٌ: أي هو حَيٌّ.
ويقولونَ: " أحْيا من ضَبٍّ " أي أَطْوَلُ حَيَاةً.
والحَيَوَانُ: كُلًُّ ذِي رُوْحٍ، وماءٌ في الجَنَّةِ.
والحَيَوَاتُ: بمَنْزِلَةِ الحَيَوانِ. والحَيَّةُ: اشْتِقَاقُها من الحَيَاةِ، وأصْلُها: حَيْوَةٌ. وصاحِبُها: حاءٍ - على فاعِلٍ - وحَوّاءٌ، وسُمِّيَتْ لأنَّها تَتَحَوّى في الْتِوائها. وأرْضٌ مَحْوَاةٌ ومَحْيَاةٌ: كثيرةُ الحَيّاتِ. والحَيُّوْتُ: ذَكَرُ الحَيّاتِ. والحَيَوَاتُ: جَمْعُ الحَيَّةِ.
وهذا حَيٌّ زيدٍ: أي نَفْسُ زَيْدٍ.
ومَكَثَ فلانٌ عندنا حيَّ زيدٍ: أي حَيَاةَ زَيْدٍ.
والحَيَوَانُ: الحَيَاةُ. وما بهذا حَيَوانٌ: أي رُوْحٌ، والحَيَوَاتُ: مِثْلُه. ولا حَيَّ لي: أي لا أَحَدَ لي.
وامْرَأَةُ الرَّجُلِ: أُمُّ الحَيِّ. ويقولون: " أظْلَمُ من حَيَّةٍ.
وحَيِيَ الرَّجُلُ يَحيى: من الحَيَاءِ، واسْتَحْيَيْتُ - بِيائَيْنِ -، ورَجُلٌ حَيِيُّ وامْرَأَةٌ حَيِيَّةٌ، وحَيَا فلانٌ: بمنعنى حَيىَ، كما يُقال بَقي: بمعنى بَقِيَ.
والحَيَا - مَقْصُوْرٌ - حَيَاءُ الرَّبيعِ تَحْيى به الأرْضُ، وتَتَابَعَ علينا حَياً وحَيَيَانِ وأحْيَاءُ من مَطَرٍ. وأحْيَيْتُ الأرْضَ: وَجَدْتُها حَيَّةَ النَّبَاتِ. والحُوَّةُ: حُمْرَةٌ تَضْرِبُ إلى السَّوَادِ، شَفَةٌ حَوّاءُ. وحَيَاءُ الشّاةِ: مَمْدُوْدٌ ومَقْصُورٌ والمَدُّ أَكْثَرُ، وجَمْعُه أحْيِيَةٌ. والحَيُّ: حَيٌ من أحْيَاءِ العَرَبِ.
والمُحَيّا: الوَجْهُ، وهو في الفَرَسِ: حيثُ انْفَرَقَ اللَّحْمُ تحت النّاصِيَةِ فب أعْلى الجَبْهَةِ. والمُحَاياةُ: تَحِيَّةُ القَوْمِ بعضِهم بعضاً. وقَوْلُهم: حيّاكَ اللَّهُ: يَعْني به الاسْتِقْبالَ بالمُحَيّا، واشْتِقَاقُه من الحَيَاةِ أو الحَيَاءِ. وقِيل: أفْرَحَكَ وأضْحَكَكَ. ودائرَةُ المُحَيّى: لاصِقَةٌ بأسْفَلِ النّاصِيَةِ. والتَّحِيّاتُ لله: البَقَاءُ، وقيل المُلْكُ للِه عزَّ وجلَّ. وقيل: السَّلامُ. ورَجَاءُ بن حَيْوَةَ: مَعْروفٌ.
والتَّحَايِيْ: كَواكبُ ثلاثةٌ حِذَاءَ الهَنْعَةِ، الواحِدَةُ: تِحْيَاةٌ. والحَيَّةُ: كَواكبُ ما بين الفَرْقَدَيْنِ وبَنَاتِ نَعْشٍ. والأسَدُ: حَيَّةُ الوادي. وحَوي فلانٌ مالَهُ حَيّاً وحَوَايَةً: جَمَعَه وأحْرَزَه، واحْتَوى عليه. والحَوِيَّةُ: مَرْكَبٌ للمَرْأةِ، وكِسَاءٌ يُحَوّي حَوْلَ سَنَامِ البِعيرِ ثُمَّ يُرْكُبُ، وجَمْعُه حَوَايا. والحَوِيُّ: اسْتِدَارَةُ كلِّ شَيْءٍ كَحَوِيِّ الحَيَّةِ والنُّجُوْمِ إذا اتَّسَقَتْ. والحَوِيَّةُ والحاوِيَةُ والحاوِيَاءُ: الأمْعَاءُ، والجَميعُ: الحَوَايا. وهي أيضاً: التي يُلْقى وَسَطَها النَّوى فَيُمْسِكُها حين يُرْضَحُ لئلاّ يَتَطَايَرَ. والحِوَاءُ: أخْبِيَةٌ تَداني بَعْضُها من بعضٍ، هم أهْلُ حِوَاءٍ واحِدٍ، ومن حَوِيٍّ واحِدٍ، وجَمْعُ الحِوَاءِ: أحْوِيَةٌ.
والحَوَايا: المَسَاطِحُ حول الماءِ لِتَحْبِسَه، والواحِدَةُ: حَوِيَّةٌ. وحَوَيْتُ للماءِ حَوِيّاً، فأنا أحْوِيْه حَيّاً. وقيل: هي البَرَابِخُ. وحَوّا: مَعْروفٌ. ورَجُلٌ حُوّاءةٌ: لا يَبْرَحُ، مُشَبَّهٌ بالنَّبْتِ المُسَطَّحِ على الأرْضِ يُسَمّى الحُوّاءةَ. وهو حُوّاءةُ مالٍ: أي لازِمٌ لها حَسَنُ القِيامِ عليها.
وهذا حُوَيٌ خَبْتٍ واقِعاً: وهو طائرٌ كالعُصْفُورِ أَسْوَدُ البَطْنِ والرَّأْسِ. ويقولون: " ما يَعْرِفُ الحَوَّ من اللَّوِّ والحَيَّ من اللَّيِّ " أي الحَقَّ من الباطِلِ. وتَحَوَّيْتُ: أي تَرَجَّيْتُ الشَّيْءَ ليس لي. والعَنْزُ تُسَمّى: حُوَّةَ - غَيْر مُجْرَاةٍ -؛ اسْمٌ لها تُدْعى به للحَلَبِ.
وحَيَّ - بمعنى حَيَّهَلا -: أي اعْجَلْ. ويُقال للحِمارِ: حَيِّه؛ إذا زَجَرْتَه، وحَيْ وحِيْهِ: مِثْلُه. وحَايِ بِضَانِكَ وحاحِ بها: أي ادْعُها.
ما أوَّلُه الواو
وَحَى يَحِيْ وَحْياً: كَتَبَ يَكْتُبُ، وأنا أَحِيْ، وأنشد:
لِقَدَرٍ كَانَ وَحَاهُ الواحِي وأَوْحى اللَّهُ إليه: بعَثَه، وقيل: ألْهَمَه. ويُقال: أوْحَى لها وَوَحى لها. والإيْحَاءُ: الإِيْمَاءُ والإشَارَةُ. وَوَحَيْتُ لكَ بِخَبَرِ كذا: أي أَخْبَرْت. والوَحِيُّ: من وَحّي يُوَحِّي، في العَجَلَةِ. واسْتَوْحِ لي من فلانٍ ما خَبَرُهُم: أي اسْتَخْبِرْه. واسْتَوْحَيْتُه: أي اسْتَعْجَلْتُه؛ من الوَحا الوَحا. والوَحْوَحَةُ: الصَّوْتُ، وقيل: التَّحَرُّكُ، وكذلك الوَحَاةُ. سَمِعْتُ وَحْيَ القَوْمِ وَوَحَــاتَهم: أي جَلَبَتَهم. ووَيْحُ: رَحْمَةٌ لِنَازِلٍ به بَلِيَّةٌ، ويُقال: وَيْحاً مّا؛ كما يُقال: أيّا مّا.
والوَحْوَاحُ: السَّرِيْعُ، وقيل: الكَثيرُ الوَحْوَحَةِ بالصَّوْتِ، وقيل: الحَدِيْدُ النَّفْسِ المُنْكَمِشُ. وجاءَ فلان يُوَحْوِحُ من البّرْدِ: أي يَضْطَرِبُ ويَتَنَفَّسُ. والوَحْوَحُ: ضَرْبٌ من الطَّيْرِ. ويُقال البَقَرِ إذا زُجِرَتْ: وَحْ. والوَحى من الجَبَلِ: سَنَدُه. ولا وَحى عن كذا: أي لا بُدَّ. ويقولونَ: " العِيُّ وَحْيٌ في حَجَر " أي الخَبَرُ لا يُخْبِرُ أَحَداً بشيءٍ فهم مِثْلُه.
ما أوَّلُه الألفُ
الأُحَاحُ: الغَيْظُ. وإذا دُعِيَ الكَبْشُ للسِّفَادِ قيل: أُحُوْ أُحُوْ. ويُقال للمُرْسِلِ السَّهْمِ عند الإصابَةِ: إيْحَا. وأيْحَا: اتْبَاعٌ لِمَرْحى. وآحِ: حِكايَةُ صَوْتِ السّاعِلِ، أنشد:
يقولُ من بَعْدِ السُّعَالِ: آحِ

المخروط

(المخروط) (عِنْد عُلَمَاء الهندسة) مجسم يبتديء من سطح ويرتفع مستدقا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى نقطة أَو سطح أَصْغَر من قَاعِدَته
المخروط: شكل يُحِيط بِهِ سطحان أَحدهمَا قَاعِدَته وَالْآخر مُبْتَدأ مِنْهُ ويضيق إِلَى أَن يَنْتَهِي بِنُقْطَة هِيَ رَأسهَا. فَإِن كَانَ مستديرا يُسمى صنوبريا وَإِلَّا فمضلعا كَمَا مر فِي الأسطوانة.
المخروط:
[في الانكليزية] Cone
[ في الفرنسية] Cone
هو عند المهندسين يطلق على معان. منها المخروط المستدير التّام، وهو جسم تعليمي أحاط به سطح مستدير، أي دائرة وسطح صنوبري مرتفع من محيط ذلك السطح المستدير متضايقا إلى نقطة بحيث لو أدير خط مستقيم واصل بين محيط ذلك السطح المستدير وبين تلك النقطة ماسّة في كلّ الدورة، أي ماس ذلك الخطّ ذلك السطح. وقولنا مرتفع صفة كاشفة لقولنا صنوبري. وبعبارة أخرى هو جسم أحد طرفيه دائرة والآخر نقطة ويحصل بينهما سطح تفرض عليه أي على ذلك السطح الخطوط المستقيمة الواصلة بينهما، أي بين محيط الدائرة وتلك النقطة. وعرف أيضا بأنّه جسم يحدث من إدارة مثلّث قائم الزاوية على أحد ضلعي القائمة المفروض ثابتا إلى أن يعود إلى وضعه الأول.
وليس المراد بالحدوث الحدوث بالفعل كما هو المتبادر، بل الحدوث من حيث التوهّم إذ الخطّ عندهم عرض حالّ في السطح الحالّ في الجسم، فلا يمكن حصول السطح بحركة الخطّ المتأخّر عنه في الوجود ولا حصول الجسم من حركة السطح المتأخّر عنه. وعلى هذا يحمل كلّ ما وقع في عباراتهم ممّا يشعر بحدوث الخطّ من حركة النقطة والسطح من حركة الخطّ والجسم من حركة السطح. ثم تلك الدائرة تسمّى بقاعدة المخروط وتلك النقطة برأس المخروط وذلك السطح المستدير أي الصنوبري بالسطح المخروطي، والخط الواصل بين تلك النقطة ومركز القاعدة بسهم المخروط ومحوره، فإن كان ذلك الخطّ عمودا على القاعدة فالمخروط قائم وإلّا فمائل. وأمّا ما قيل في تعريف المخروط المذكور من أنّه ما يحدث من إدارة خطّ موصول بين محيط دائرة ونقطة لا تكون على تلك الدائرة إلى أن يعود على وضعه الأول، ففيه أنّ حركة الخط المذكور إنّما تحدث سطحا مخروطيا لا جسما مخروطيا لما تقرّر عندهم من أنّ حركة الخطّ تحدث شكلا مسطحا لا مجسّما. ومنها المخروط المستدير الناقص وهو المخروط المستدير التام المقطوع عنه بعضه من طرف النقطة التي هي رأسها.
وبالجملة فإذا قطع المخروط المستدير التام بسطح مستو يوازي القاعدة كان القسم الذي يلي القاعدة مخروطا مستديرا ناقصا، وأمّا القسم الذي يلي الرأس فمخروط تام لصدق تعريفه عليه. ومنها المخروط المضلّع وهو جسم تعليمي أحاط به سطح مستو ذو أضلاع ثلاثة فصاعدا هو أي ذلك السطح قاعدة ذلك الجسم وأحاط به أيضا مثلثات عددها مساو بعدد أضلاع القاعدة، ورءوسها أي رءوس تلك المثلثات جميعا عند نقطة هي رأسه أي رأس ذلك الجسم، فإن كانت تلك المثلثات متساوية الساقات فالمخروط قائم وإلّا فمائل. ومنها المخروط الذي يكون شبيها للمستدير أو المضلّع بأن يكون رأسه نقطة وقاعدته لا تكون دائرة ولا شكلا مستقيم الأضلاع، بل سطحا يحيط به خطّ واحد ليس بدائرة كالسطح البيضي، ومنه ما يكون رأسه نقطة وقاعدته سطحا يحيط به خطوط بعضها مستقيم وبعضها مستدير، وهذه المعاني كلّها مما يستفاد من ضابطة قواعد الحساب وغيره. اعلم أنّ المخروط مأخوذ من قولهم رجل مخروط الوجه أو مخروط اللحية إذا كان فيه أو فيها طول بلا عرض، كذا قيل. ثم أقول إطلاق المخروط على هذه المعاني بالاشتراك اللفظي لا المعنوي إذ لا يتحقّق هاهنا مفهوم مشترك بين الكلّ، فإنّ غاية ما يمكن هاهنا أن يقال إنّ المخروط هو الذي يكون في أحد جانبيه في الطول سطح وفي الآخر نقطة، وهذا المفهوم ليس بجامع لعدم صدقه على المخروط المستدير الناقص، وليس بمانع أيضا إذ لا ينحصر في تلك الأقسام المذكورة كما يشهد به التأمّل. 

المشهورات

(المشهورات) قضايا أَو آراء اتّفق كَافَّة النَّاس أَو أغلبهم على التَّصْدِيق بهَا مثل الْعدْل جميل وَالْكذب قَبِيح
المشهورات: هِيَ قضايا يعْتَرف بهَا جَمِيع النَّاس وَسبب شهرتها فِيمَا بَينهم. إِمَّا اشتمالها على مصلحَة عَامَّة كَقَوْلِنَا الْعدْل حسن وَالظُّلم قَبِيح - وَإِمَّا مَا فِي طباعهم من الرقة والرأفة كَقَوْلِنَا مُرَاعَاة الضُّعَفَاء محمودة - وَإِمَّا مَا فيهم من الحمية كَقَوْلِنَا كشف الْعَوْرَة مَذْمُوم - وَإِمَّا انفعالــاتهم من عاداتهم كَقَوْل الْكفَّار ذبح الْبَقر مَذْمُوم. وَقَوْلنَا ذبح الْبَقر مَحْمُود - أَو من شرائع وآداب كالأمور الشَّرْعِيَّة وَغَيرهَا.
المشهورات:
[في الانكليزية] Admitted premisses or conventional
[ في الفرنسية] premisses admises ou conventionnelles
في عرف العلماء هي قضايا يعترف بها الناس وهي من المقدّمات الظّنّية، وليس المراد بالناس الاستغراق الحقيقي إذ لا قضية يعترف بها جميع أفراد الإنسان بل العرفي من قرن أو إقليم أو بلدة أو صناعة أو غير ذلك، ولا بدّ من اعتبار الحيثية أي يحكم بها العقل لأجل اعتراف الناس ليخرج الأوليات، أو يقال بخروجها لكونها من أقسام الظّنّيات. والقول بأنّه يجوز أن يكون بعض القضايا من الأوليات باعتبار ومن المشهورات باعتبار لا يعبأ به لأنّه لا يمكن أن تكون قضية يقينية باعتبار، وظنّية باعتبار، فظهر فساد ما قيل: الجدل قياس مركّب من قضايا مشهورة أو مسلّمة وإن كانت في الواقع يقينية أو أوّلية، على أنّه يستلزم تداخل الصناعات الخمس، هكذا حقّق المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية. وفي الصادق الحلوائي حاشية الطيبي المشهورات في المشهور ما اعترف به جميع الناس أو جمهورهم أو جماعة من أهل الصناعة أو من غيرهم، إمّا لكونها حقّة جليّة كقولنا الضدان لا يجتمعان أو مناسبة للحقّ الجلي مع مخالفتها إيّاه بقيد جلي، فتكون مشهورة مطلقا وحقّا مع ذلك القيد كقولنا حكم الشيء حكم شبهه وهو حقّ لا مطلقا، بل فيما هو شبهه له، أو لاشتماله على مصلحة عامة كقولنا الظلم قبيح والعدل حسن، أو لما يقتضيه الاستقراء كقولنا الملك العقر ظالم، أو لما في طباعهم كالرّقة كقولنا مراعاة الضعفاء محمودة، والحمية كقولنا كشف العورة مذموم [أو] لما أنّه من عاداتهم من غير نفع لهم كقبح ذبح الحيوانات عند أهل الهند، أو من شرائع وآداب كالأمور الشرعية وغيرها، ولكلّ قوم مشهورات بحسب آدابهم وعاداتهم، ولكلّ أهل صناعة أيضا مشهورات بحسب صناعــاتهم تسمّى مشهورات خاصّة ومحدودة، كما أنّ مشهورات كافة الناس وجمهورهم تسمّى مشهورات مطلقة دائمة وآراء محمودة إن لم تكن يقينية. والمشهورات جاز أن تكون يقينية بل أوليّة لكن بجهتين مختلفتين، وما لا يكون كذلك ربّما تبلغ شهرته إلى حيث يلتبس بالأوليات، إلّا أنّ العقل إذا خلي ونفسه يحكم بالأوليات دون المشهورات وهي قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة، بخلاف الأوّليات فإنّها صادقة البتة. وربما يختصّ اسم المشهورات بما لا يكون يقينية لابتناء حكم القول بها على مجرّد الشهرة بل هذا القول هو المشهور. وقد تطلق المشهورات على ما يشبه المشهورات الحقيقية وتسمّى مشهورات في بادئ الرأي كقولنا القاتل الأجير يعان ولو كان ظالما انتهى.

اللفيف من الميم

بابُ اللَّفِيْف

ما أَوَّلُه الميم
المِيْمُ: حَرْفُ هِجَاءٍ.
ومامَةُ: اسْمٌ. وماوِيَّةُ: اسْمٌ.
و" ما ": حَرْفٌ يكونُ جُحُوْداً، وجَزَاءً، واسْماً يَجْري في غَيْرِ الآدَمِيِّيْنَ.
والمُوْمُ: البِرْسَامُ، ورَجُلٌ مَمُوْمٌ، وقد مِيْمَ مَوْماً ومُوْماً. وقيل: المُوْمُ الرِّيْفُ. وشَيْءٌ من أَدَوَاتِ الحائِكِ يَضَعُ فيه الغَزْلَ ويَنْسُجُ به. وبعضُ أَدَوَاتِ الإِسْكَافِ. والشَّمَعُ بالفارِسيَّةِ. واسْمُ الجُدَرِيِّ.
والمَوْماةُ: المَفَازَةُ الواسِعَةُ المَلْسَاءُ، ويُقال: مَوْمَةٌ.
والماءُ: مَدَّتُه خَلَفٌ من هاءٍ مَحْذُوْفَةٍ، وتَصْغِيْرُه مُوَيْهٌ، والجَمِيْعُ مِيَاهٌ وأَمْوَاهٌ، ويُؤَنَّثُ فيُقال: ماءَةٌ؛ يَعْنُوْنَ البِئْرَ بمائها. ومَاةٌ مَقْصُوْرَةٌ واحِدٌ؛ وماءٌ كَثِيْرٌ، على قِيَاسِ شاةٍ وشاءٍ.
والمَاوِيَّةُ: حَجَرُ البِلَّوْرِ، والجَمِيْعُ مَآوِيُّ. وقيل: هي المِرْآةُ. وكُفُرّى النَّخْلِ. وفي المَثَلِ: " أنْجَبُ من ماوِيَّةَ الدّارِمِيَّةِ " وذلك أنَّها وَلَدَتْ حاجِباً ولَقِيْطَاً وعَلْقَمَةَ بَني زُرَارَةَ.
ومَيَّةُ: اسْمُ امْرَأَةٍ.
و" ما ": حَرْفُ نَفْيٍ. ويكونُ تَعَجُّباً بمَعْنى أيٍّ؛ كقَوْلِ الأعْشى:
يا جَارَتَا ما كُنْتِ جارَهْ
أيْ: أَيُّ جارَةٍ كُنْتِ. وبمَعْنى " مَنْ " كقَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: " والسَّمَاءِ وما بَنَاها " أي ومَنْ بَنَاها.
ومَوَّيْتُ ماءً حَسَنَةً: إذا كَتَبْتَها. وقَصِيْدَةٌ ماوِيَّةٌ: قافِيَتُها " ما "، وكذلك مَمَوِيَّةٌ.
والمَأْيُ: النَّمِيْمَةُ، مَأَيْتُ بَيْنَهم: إذا ضَرَبْتَ بَعْضَهم ببَعْضٍ في الشَّرِّ، وامْرَأَةٌ مَاءَةٌ، وماءَ يَمَاءُ.
وماءَتِ الهِرَّةُ تَمُوْءُ بوَزْنِ ماعَتْ تَمُوْعُ: أي صاحَتْ.
والمِائَةُ: حُذِفَتْ من آخِرِها واوٌ أو ياءٌ، والجَمِيْعُ المِئِيْنُ والمِئُوْنَ ومِأىً. وأَمْأَتِ الغَنَمُ: بَلَغَتْ مِائَةً، وأَمْأَيْتُها أَنَا: أي وَفَّيْتُها. وأَخَذْتُه بعَشْرِ مِائَةٍ: أي بأَلْفٍ. ومَثَلٌ: " تَرَكَ الخِدَاعَ مَنْ أَجْرَى من المَائةِ " أي من مائةِ غَلْوَةٍ.
والمَأْوَاءُ: شِدَّةُ العَيْشِ، وهو من المَأْوِ والمَأْيِ: وهو الفَسَادُ والضَّرَرُ.
ومَأَوْتُ بَيْنَ القَوْمِ ومَأَيْتُ: أي أَفْسَدْتُ، وتَمَأَّى شَأْنُكَ: أي فَسَدَ.
وماءَه بكذا: اتَّهَمَــه به.
ومَأَوْتُ السِّقَاءَ ومَأَيْتُه: إذا مَدَدْتَه حَتّى يَتَّسِعَ. وتَمَأَّى الجِلْدُ تَمَئِّياً.
والمَأْوُ: جَمْعُ مَأْوَةٍ وهي أَرْضٌ مُنْخَفِضَةٌ لَيِّنَةٌ.
وفلانَةُ مَأَةُ القَلْبِ: أي ضَعِيْفَةُ العَقْلِ.


ما أَوَّلُه الأَلِف
الإِيَامُ: الدُّخَانُ. وعُوْدٌ يُجْعَلُ في رَأْسِه نارٌ ثُمَّ يُدْخِلُه المُشْتَارُ على النَّحْلِ، وأُمْتُ النَّحْلَ: إذا دَخَّنْتها، وآمَ المُشْتَارُ النَّحْلَ يَؤُوْمُها.
والأَيْمُ من الحَيّاتِ: الأبْيَضُ اللَّطِيْفُ. والجَمَلُ الضَّخْمُ، وقَوْمٌ أُيُوْمٌ: أي أُسُوْدٌ أَشِدّاءُ. والنَّخْلَةُ في قَوْلِ أبي ذُؤَيْبٍ.
والأَيِّمُ: الحَيَّةُ بوَزْنِ السَّيِّدِ.
والأُيَامُ: داءٌ يَأْخُذُ الإِبِلَ، وهو الإِيَامُ أيضاً.
ويُسَمَّى الزِّمَامُ: أَيْماً، وجَمْعُه أُيُوْمٌ.
" أَمْ ": حَرْفٌ في مَعْنى " أَوْ "، ويكونُ في المَعْنى كأنَّه اسْتِفْهَامٌ بَعْدَ اسْتِفْهَامٍ. ويكونُ في مَعْنى " بَلْ ". ويقولونَ: أَمْ عِنْدَكَ غَدَاءٌ حاضِرٌ: وأَنْتَ تُرِيْدُ: أَعِنْدَكَ؟. ويكونُ مُبْتَدَأَ الكَلاَمِ في الخَبَرِ. ويكونُ زائداً كقَوْلِكَ: جاءَكَ أَمْ زَيْدٌ: مَعْنَاه جاءَكَ زَيْدٌ.
و" أَمَا ": اسْتِفْهَامُ جُحُودٍ، أَمَا عِنْدَكَ زَيْدٌ. ويكونُ تَوْكِيْدَ اليَمِيْنِ في قَوْلِه: أَمَا واللهِ.
و" إمَّا ": في الأصْلِ " إنْ "؛ و " ما " صِلَةٌ لها. وإمَّا ذا وإمَّا ذا: اخْتِيَارٌ من أَمْرَيْنِ شَتّى، وأَيْمَا: بمَعْنَاه. وقد تُفْتَحُ أَلِفُ " إمَّا " في التَّخْيِيْرِ فيُقال: أمَّا هذا وأمَّا هذا، ويُقْرَأُ: " أمَّا شاكِراً وأمَّا كَفُوْرا ".
و" أَمَّا ": يُوْجِبُ كُلَّ كَلاَمٍ عَطَفْتَه كإيْجَابِ أوَّلِ الكَلاَمِ، وجَوَابُها بالفاء: أَمَّا زَيْدٌ فأَخُوْكَ. وأيْما فُلانٌ: بمَعْنى أمَّا. والأُمُّ: الواحِدَةُ، والجَمِيْعُ الأُمَّهَاتُ. وتَأَمَّهَ فلانٌ أُمّاً، وأَمِهَ يَأْمَهُ. وتَصْغِيْرُها أُمَيْهَةٌ، والصَّوَابُ أُمَيْمِهَةٌ، وبَعْضُهم يُصَغِّرُها أُمَيْمَةٌ. ويقولون: أُمّاتٌ في الجَمْعِ.
و" لا أُمَّ لكَ ": في مَوْضِعِ مَدْحٍ وذَمٍّ.
وأُمٌّ بَيِّنَةُ الأُمُوْمَةِ، وفلانَةُ تَؤُمُّ فلاناً، ويُقال: أُمٌّ وأُمَّةٌ، واسْتَأَمَّ أُمّاً وتَأَمَّمَ.
وهُما أُمّاكَ: أي أَبَوَاكَ، وقيل: أُمُّكَ وخالَتُكَ.
والأُمُّ في بَعْضِ اللُّغَاتِ: المَرْأَةُ.
وكُلُّ شَيْءٍ يُضَمُّ إليه سائرُ ما يَلِيْه فاسْمُه: الأُمُّ، من ذلك أُمُّ الرَّأْسِ وهو الدِّمَاغُ. وأَمَمْتُه بالسَّيْفِ أَمّاً: ضَرَبْت أُمَّ دِمَاغِه، ورَجُلٌ مَأْمُوْمٌ. والشَّجَّةُ الأمَّةُ: التي تَهْجِمُ على الدِّمَاغِ.
والأَمِيْمُ: المَأْمُوْمُ. والحِجَارَةُ التي تُشْدَخُ بها الرُّؤُوْسُ.
ورَأْسُ القَوْمِ ووالي أمْرِهم: أُمٌّ.
وبَعِيْرٌ مَأْمُوْمُ الغارِبِ: كأنَّما قَطَعْته بالسَّيْفِ. وأَمَّ سَنَامُ البَعِيْرِ كاهِلَه يَؤُمُّه أَمّاً: إذا أَدْبَرَه.
وأُمُّ التَّنَائفِ: أَشَدُّ التَّنَائِفِ.
وأُمُّ القُرى: مَكَّةُ.
وأُمُّ القُرْآنِ: كُلُّ آيَةٍ مُحْكَمَةٍ من آيَاتِ الشَّرَايعِ والفَرَائض والأحْكَامِ.
وأُمُّ الكِتَابِ: فاتِحَةُ الكِتَابِ، وقيل: هو ما في اللَّوْحِ المَحْفُوْظِ.
وأُمُّ الرُّمْحِ: لِوَاؤه وما لُفَّ عليه.
وأُمُّ الحَرْبِ: الرّايَةُ.
وأُمُّ البَيْضِ: النَّعَامُ.
وأُمُّ القِرْدَانِ: النُّقْرَةُ في أَصْلِ فِرْسِنِ البَعِيْرِ، وكذلك أُمُّ القُرَادِ والقُرْدِ.
وأُمُّ الطَّرِيْقِ: وَسَطُه.
وأُمُّ الكَفِّ: اليَدُ.
وأُمُّ الطَّعَامِ: الخُبْزُ.
وأَمْرٌ مَأْمُوْمٌ: يَأْخُذُ به النّاسُ ويَأْتَمُّوْنَه.
والأُمِّيَّةُ: الغَفْلَةُ والجَهَالَةُ، فيه أُمِّيَّةٌ. والأُمِّيُّ: الذي لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ.
وقيل للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُمِّيٌّ؛ لأنَّه نُسِبَ إلى أُمِّ العَرَبِ أي أصْلِهم.
والأُمّانُ: الأُمِّيُّ.
وصُبَّ عليه آمِيَةٌ ووَامِيَةٌ: أي داهِيَةٌ.
ورَجُلٌ أُمّانٌ: له دِيْنٌ وأُمَّةٌ. وهو الأمِيْنُ أيضاً.
والأُمَّةُ: السُّنَّةُ في الدِّين، من قَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: " إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنا على أُمَّةٍ ".
وكُلُّ قَوْمٍ نُسِبُوا إلى نَبِيٍّ فهم: أُمَّتُه.
وكُلُّ جِيْلٍ من النّاسِ: أُمَّةٌ على حِدَةٍ. وهي من الجَمَاعَاتِ: ما بَيْنَ الأربعين إلى المِائةِ، وكذلك الأُمَامَةُ. والحِيْنُ؛ من قولِه تَعالى: " وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ "، وقُرِىءَ: " أَمَهٍ " وهو النِّسْيَانُ؛ مِنْ أَمِهْتُ أي نَسِيْتُ. والرَّجُلُ العالِمُ الجامِعُ للخَيْرِ. والطّاعَةُ، فلانٌ أُمَّةٌ: أي مَعَ الأُمَّةِ في الطّاعَةِ. والقامَةُ، وجَمْعُها الأُمَمُ. والوَجْهُ.
وقيل في قَوْلِه:
وهَلْ يَأْثَمَنْ ذو أُمَّةٍ
يَعْني: سُنَّةَ المُلْكِ، وإذا كُسِرَتْ ألِفُه جُعِلَ دِيْناً: من الائْتِمَام بالإِمام، والإِمَّةُ: الإِمَامَةُ.
والأُمَّةُ: القُدْوَةُ يُؤْتَمُّ به.
والإِمَّةُ: النِّعْمَةُ.
والأَمِيْمُ: الحَسَنُ الأُمَّةِ والقَامَةِ.
والإِمَامُ: القامَةُ. والمِثَالُ. وكُلُّ مَنِ اقْتُدِيَ به وقُدِّمَ في الأُمُوْرِ، وجَمْعُه أَئِمَّةٌ.
وإمَامُ الغُلاَمِ: ما يَتَعَلَّمُه كُلَّ يَوْمٍ.
وقَوْلُه تعالى: " يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإمَامِهم " أي بكِتَابهم الذي جُمِعَتْ فيه أعْمَالُهم.
وهو يَؤُمُّ القَوْمَ: أي يَقْدُمُهُم حَتّى في السِّيْرَةِ.
ومنهم مَنْ يقولُ: إمَامٌ وآمِمَةٌ على الأصْلِ.
والإِمَامُ: المِطْمَرُ الذي يُقَوَّمُ عليه البِنَاءُ. ووَتَرُ القَوْسِ.
وأمْرٌ مَأْمُوْمٌ: يَأْخُذُ النّاسُ به ويَقْبَلُوْنَه.
والمَأْمُوْمُ: رَجُلٌ من طَيِّىءٍ.
والأُمَيْمَةُ: مِطْرَقَةُ الحَدّادِ، وجَمْعُها أَمَائِمُ.
وأَمَامَ: بمَنْزِلَةِ قُدّامَ. ويقولونَ: صَدْرُكَ أَمَامُكَ رَفْعٌ لأنَّه اسْمٌ، وأخُوكَ أَمَامَكَ نَصْبٌ لأنَّه صارَ مَوْضِعاً للأخِ. ويقولونَ: أَمَامَةٌ؛ فيُدْخِلُونَ الهاءَ، وأنْشَدُوْا: فَقُلْ: دَاعِياً لَبَّيْكَ واسْمَعْ أمامَتي
والأَمَمُ: الشَّيْءُ اليَسِيْرُ الهَيِّنُ، والعَظِيْمُ، وهو من الأضْدَادِ. والشَّيْءُ القَرِيْبث المُتَنَاوَلِ.
وأَمْرٌ مُؤَامٌّ: أي أَمَمٌ.
وما في سَيْرِه أَمَمٌ: أي إبْطَاءٌ.
وأَمَّ فلانٌ أَمْراً: أي قَصَدَ قَصْدَه، والأَمُّ: الاسْمُ.
والنّاقَةُ التي تَقْدُمُ سائرَ النُّوْقِ حَتّى يَتْبَعْنَها: مِئَمَّةٌ؛ أي تَأْتَمُّ النُّوْقُ بها.
وهو يَامُوْ بَيْتَ اللهِ: أي يَؤُمُّه. وقُرِىءَ " ولا أَمِّيْ البَيْت " من أَمَّ يَؤُمُّ أَمّاً.
ورَجُلٌ مِئَمٌّ: عارِفٌ بالهِدَايَةِ.
والإِمَامُ: الطَّرِيْقُ.
والأَمَةُ: المَرْأَةُ ذاتُ عُبُوْدِيَّةٍ، وهي الأُمُوَّةُ، وتَأَمَّيْتُ أَمَةً، وأَمَّيْتُ فلاناً: جَعَلْتُها له، وإمَاءٌ وآمٍ، واسْتَأْمِ أَمَةً، والإِمْوَانُ أيضاً: جَمْعُ الأَمَةِ؛ وكذلك الأَمْوَانُ. ومَثَلٌ: " لا تَحْمَدَنَّ أَمَةً عامَ اشْتِرائها ولا حُرَّةً عامَ بِنَائِها ".
وامْرَأَةٌ أَيِّمٌ؛ وقد تَأَيَّمَتْ: إذا ماتَ عنها زَوْجُها، وقيل: هي التي لا زَوْجَ لها؛ كانَتْ قَبْلَ ذلك مُتَزَوِّجَةً أم غير مُتَزَوِّجَةٍ، والجَمِيْعُ الأَيَامى. وآمَتْ تَئِيْمُ، وآمَةٌ: فَعْلَةٌ واحِدَةٌ.
والأَيْمَانُ: الذي لا زَوْجَةَ له. ويُدْعى على الرَّجُلِ فيُقال: ما لَهُ آمَ وعَامَ: أي هَلَكَتِ امْرَأَتُه وماشِيَتُه فَيَعَامُ إلى اللَّبَنِ. وتَأَيَّمَ الرَّجُلُ: مَكَثَ لا يَتَزَوَّجُ.
وأُيِّمَتِ المَرْأَةُ فآمَتْ. والحَرْبُ مَأْيَمَةٌ.
والمُؤْيِمَةُ: المُوْسِرَةُ ولا زَوْجَ لها.
وأَأَمَتِ المَرْأَةُ بهَمْزَتَيْنِ: بمَعْنى آمَتْ.
والأُوَامُ: حَرُّ العَطَشِ في الجَوْفِ، أَوَّمَه تَأْوِيْماً.
والأُوَمُ: المُنْكَرَاتُ من الأشْيَاءِ، من قَوْلِهِم: أَوَّمَه تَأْوِيْماً: أي أَعْظَمَه وأَغْلَظَهُ.
وإنَّه لَمُؤَوَّمٌ: أي قَبِيْحٌ مُنْتَفِخُ الوَجْه. ورَجُلٌ مُؤَوَّمٌ الرَّأْسِ: للضَّخْمِ المُسْتَدِيْرِ.
والآمَةُ من الصَّبِيِّ: ما تَعَلَّقَ بسُرَّتِه حِيْنَ يُوْلَدُ، وقيل: ما لُفَّ فيه من خِرْقَةٍ. وما خَرَجَ مَعَه.
والآمَةُ: القُلْفَةُ بوَزْنِ العادَةِ.
ويُقال للجَوَاري اللَّوَاتي لم يُخْتَنَّ: هُنَّ بآمَتِهِنَّ. وكذلك اللَّوَاتي لم يَنْكِحْنَ.
وأَيْمُ اللهِ لا أفْعَلُ ذاكَ بفَتْحِ الأَلِفِ ويُكْسَرُ أيضاً؛ وإمُ اللهِ وأَمُ اللهِ وأَيْمُنُ اللهِ وأَيْمُ اللهِ: أي أيْمَانُ اللهِ، ومُ اللهِ: يَعْني أيْمُنُ اللهِ.
وقَوْلُهم لا أَمِيْنَ اللهِ: أي لا يَمِيْنَ اللهِ.
وتقول العَرَبُ: أَيَّمْ: أيْ ما تَقُوْلُ المِيْمُ جَزْمٌ.


ما أَوَّلُه اليَاء
التَّيَمُّمُ: يَجْرِي مَجْرى التَّوَخِّي.
والتَّيَمُّمُ بالصَّعِيْدِ: أصْلُه التَّعَمُّدُ، تَيَمَّمْتُكَ وتَأَمَّمْتُكَ، ثُمَّ صارَ في أَفْوَاهِ العَامَّةِ فِعْلاً للمَسْحِ بالصَّعِيْدِ.
ويَمَّمْتُه بسَهْمي ورُمْحي: أي تَوَخَّيْته.
ويَمَّمْتُ يَمَامَه: أي قَصَدْتُ قَصْدَه. ويَمَامَةُ الوادي: قَصْدُه. وخُذْ يَمَامَ الطَّرِيْقِ. وامْضِ يَمَامي: أي أَمَامي؛ ويَمَامَتي: أي أَمَامي.
ويَمَّمْتُ على الجَرِيْحِ: أجْهَزْت قَتْلَه.
واليَمَامُ: طَيْرٌ على أَلْوَانٍ شَتّى، وقيل: هي الحَمَامُ الطُّوْرَانِيَّةُ، وهو اليَمَمُ. وهي الدَّوَاجِنُ التي تُسْتَفْرَخُ في البُيُوْتِ.
واليَمَامَةُ: مَوْضِعٌ من مَحَلَّةِ العَرَبِ. واسْمُ امْرَأَةٍ.
واليَمُّ: البَحْرُ الذي لا يُدْرَكُ قَعْرُه ولا شَطّاه. وسَيْفُ الأشْتَرِ.
ويَوْمٌ أَيْوَمٌ: شَدِيْدٌ طَوِيْلٌ، ويَوْمٌ ويم. ويَاوِمْ أَجِيْرَكَ، وعامَلْتُه مُيَاوَمَةً. وما رَأَيْتُه مُذْ يَوْمَ يَوْمَ. ويُقال ليَوْمِ الثَّلاَثِيْنَ من الشَّهْرِ: يَوْمٌ أَيْوَمٌ.


ما أَوَّلُه الواو
التَّوْأَمُ وأَصْلُه وَوْأَمٌ: وَلَدَانِ مَعاً، هذا تَوْأَمُ هذا، وذا تَوْأَمُ هذه، فإذا جُمِعا قيل: تُؤَامٌ. وأَتْأَمَتِ المَرْأَةُ: وَلَدَتْ تُؤَاماً، وامْرَأَةٌ مِتْأمٌ.
ودَمْعٌ تُؤَامٌ. والمُوَاءَمَةُ: شِبْهُ المُبَارَاةِ والتَّفَاخُرِ، فُلاَنَةُ تُوَائمُ صَاحِبَاتِها وِئَاماً شَدِيْداً: إذا تَكَلَّفَتْ ما يَتَكَلَّفْنَ من الزِّيْنَةِ، ومنه المَثَلُ: " لَوْلاَ الوِئَام هَلَكَتْ جُذَام " أي لَوْلا المُوَافَقَةُ، ويُقال: " هَلَكَ الأَنَام ".
ورَجُلٌ وَأَمَةٌ: يَحْكي ما يَصْنَعُ غَيْرُه.
والمُؤَامَةُ في حَوَافِرِ رِجْلَيِ الفَرَسِ: أنْ تَقَعَ مَعاً على الأرْضِ.
والبَيْضَةُ التي لا قَوْنَسَ لها: المُوَأَّمَةُ.
والوَأْمُ: البَيْتُ الدَّفِيْءُ. والخِبَاءُ الثَّخِيْنُ.
ورَجُلٌ مُوَأَّمُ الرَّأْسِ: ضَخْمٌ في اخْتِلاَفٍ.
والمُوَامِىءُ: المُقَارِبُ، أمْرٌ مُؤَامٌّ.
ووَمَأْتُ على القَوْمِ: هَجَمْت.
والإِيْمَاءُ: أنْ تُوْمِىءَ برَأْسِكَ أو بِيَدِكَ كما يُوْمىءُ المَرِيْضُ برَأْسِه للرُّكُوْعِ والسُّجُوْدِ.
والوَمَى: الوَرَى والخَلْقُ، ما في الوَمى مِثْلُه.
والوامِئَةُ: الدّاهِيَةُ.
وذَهَبَ ثَوْبي فلا أدْري ما وَامِئَتُه ولا مِئَتُه: أي لا أدْري مَنْ ذَهَبَ به.
والمُؤَامِئَةُ: التي تُقَاسي الشِّدَّةَ وتُعَانِيْها.
ووَقَعَ في الوَامِئَةِ الوَمْأءِ: أي الدّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ.
وفلانٌ يُوَامِىءُ فلاناً: إذا كانَ يُبَاهِيْه في فِعْلِه، ويُوَائِمُه واحِدٌ: من المَقْلُوْبِ.

آلِسٌ

آلِسٌ:
بكسر اللام: اسم نهر في بلاد الروم، وآلس هو نهر سلوقية قريب من البحر، بينه وبين طرسوس مسيرة يوم، وعليه كان الفداء بين المسلمين والروم.
وذكره في الغزوات في أيام المعتصم كثير، وغزاه سيف الدولة أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن حمدان، قال أبو فراس يخاطب سيف الدولة، كتبها إليه من القسطنطينية:
وما كنت أخشى أن أبيت، وبيننا ... خليجان والدّرب الأصمّ وآلس
وقال أبو الطيّب يمدح سيف الدولة:
يذري اللّقان غبارا في مناخرها، ... وفي حناجرها من آلس جرع
كأنما تتلقّاهم لتسلكهم، ... فالطّعن يفتح في الأجواف ما تسع
وهذا من إفراطات أبي الطيب الخارجة إلى المحال، فإنه يقول: إن هذه الخيل شربت من ماء آلس ووصلت إلى اللّقان، وبينهما مسافة بعيدة، فدخل غبار اللّقان في مناخرها قبل أن يصل ماء آلس في أجوافها. ويقول في البيت الثاني إن الطّعن يفتح في الفرسان طريقا بقدر ما يسع الخيل، فيسلكونه فيكون مسيرهم إلى مواضع طعنــاتهم. وقال أبو تمام يمدح أبا سعيد الثّغري:
فإن يك نصرانيّا نهر آلس، ... فقد وجدوا وادي عقرقس مسلما

الْفَتْوَى

(الْفَتْوَى) الْجَواب عَمَّا يشكل من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة أَو القانونية (ج) فتاو وفتاوى وَدَار الْفَتْوَى مَكَان الْمُفْتِي 
الْفَتْوَى: فِي السخاء وَالْكَرم. وَعند أَرْبَاب الْحَقَائِق أَن تُؤثر الْحق على نَفسك بالدنيا وَالْآخِرَة. ثمَّ اعْلَم أَن فتيا على وزن دنيا اسْم مَأْخُوذ من فتا بِالْفَتْح مصدر فَتى على وزن علم كَمَا أَن تقيا اسْم مَأْخُوذ من تقى وَالْفَتْوَى بِالْفَتْح لُغَة فِي فتيا كَمَا أَن تقوى لُغَة فِي تقيا وأصل فَتْوَى فتيا الْيَاء مَقْلُوبَة عَن الْوَاو للخفة. وَقَالَ بَعضهم إِن أفتى فرع فَتْوَى وفتوى فرع فتيا وفتيا فرع فتا مصدرا فافتا فرع الْمصدر بوسائط وَهَذَا الْفِعْل فِي الْمَزِيد من الْأَفْعَال المتصرفة يُقَال أفتى يُفْتِي إِفْتَاء واستفتى يستفتي استفتاء وَفِي الْمغرب أَن فَتْوَى مَأْخُوذ من فَتى وَمعنى فتيا حَادِثَة مُبْهمَة والافتاء تَبْيِين ذَلِك الْمُبْهم والاستفتاء السُّؤَال من الافتاء واشتقاقه اشتقاق صَغِير وَرُبمَا يمال فَتْوَى كَمَا يمال تقوى وَدَعوى وَيجْعَل حَرَكَة الْفَاء تَابِعَة لحركة الْوَاو فِي الْفَتْوَى لَا فِي التَّقْوَى وَالدَّعْوَى وَيكْتب الْألف فِي كلهَا على صُورَة الْيَاء لِأَن الْحَرْف الرَّابِع مَقْصُور إِلَّا وَقت الْإِضَافَة إِلَى الْمُضمر فَيُقَال فتواه ودعواه وتقواه بِخِلَاف فَتْوَى الْعلمَاء وَدَعوى الخصماء وتقوى الأتقياء وَجمع الْفَتْوَى فَتَاوَى بِفَتْح الْوَاو والمفتي من يبين الْحَوَادِث المبهمة. وَفِي الشَّرْع هُوَ الْمُجيب فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة. والنوازل الفرعية. أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي الشريفية شرح السِّرَاجِيَّة فِي بَاب مقاسمة الْجد وَمن رسم الْمُفْتِي أَنه إِذا كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَانب وصاحباه فِي جَانب كَانَ هُوَ مُخَيّرا فِي أَي الْقَوْلَيْنِ شَاءَ انْتهى.
ثمَّ اعْلَم أَن هَا هُنَا إشارات ولطائف: الأولى: إِن أفتا بِاعْتِبَار الثلاثي الْمُجَرّد من الْأَفْعَال الْغَيْر المتصرفة وَبِاعْتِبَار الْمَزِيد فِيهِ من الْأَفْعَال المتصرفة فَيَنْبَغِي للمفتي أَن لَا يتَصَرَّف فِي الْأُصُول والنصوص بِوَجْه من الْوُجُوه بل لَهُ جَوَاز التَّصَرُّف وَالِاخْتِيَار فِي الفرعيات والمستنبطات والمجتهدات. الثَّانِيَة: إِن أفتا مُتَعَدٍّ فَيَنْبَغِي أَن يكون علمه مُتَعَدِّيا إِلَى الْغَيْر. وَالثَّالِثَة: إِن أفتا من بَاب الْأَفْعَال وَهُوَ أول أَبْوَاب الْمَزِيد فَمن وصل إِلَى دَرَجَة الْإِفْتَاء لَهُ رَجَاء فتح أَبْوَاب الْمَزِيد. وَالرَّابِعَة: إِن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون ذَا فتوة فَإِن بَين الافتا والفتوة أخوة فَلَا يطْمع من المستفتي شَيْئا وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الملال من كَثْرَة السُّؤَال. وَالْخَامِسَة: إِن أول أفتا وَآخره. ألف يُشِير أَن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون فِي الِابْتِدَاء والانتهاء متصفا بِوَصْف الاسْتقَامَة والصدق وَالْقِيَام بِأُمُور الدّين وَالْألف الْقطعِي الَّذِي فِي أَوله يُشِير أَن أول مَا وَجب على الْمُفْتِي هُوَ قطع الطمع. وَالسَّادِسَة: إِن عدد حُرُوف افتا وَهُوَ بِحِسَاب الْجمل أَربع مائَة وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ يُشِير أَن عدد كتب الْمُفْتِي فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا يَنْفِي أَن يكون نَاقِصا عَنهُ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بعد تفحص كتب ظَاهر الرِّوَايَة أَن عدد كتب الافتاء يصل إِلَى ذَلِك الْعدَد وَتلك الْكتب خَمْسَة صنفها الإِمَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وأساميها فِي هَذَا الْبَيْت.
(مَبْسُوط وجامعين وزيادات باسير ... در ظَاهر الرِّوَايَة ايْنَ بنج رانكر)
وَالْمرَاد بالجامعين: الْجَامِع الصَّغِير وَالْجَامِع الْكَبِير. وَالسَّابِعَة: إِن حُرُوف افتا خَمْسَة تُشِير أَن للمفتي أَن يُلَاحظ أَحْكَام الْكتب الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة ويحفظ الْأَركان الْخَمْسَة الإسلامية. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن بَاب الْأَفْعَال أول أَبْوَاب الْمَزِيد لِأَن الْمَزِيد نَوْعَانِ مَا فِيهِ همزَة الْوَصْل وَمَا لَيست فِيهِ وَالْأَصْل هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يسْقط فِيهِ حرف زَائِد من ماضيه لَا فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي الدرج. ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك الأَصْل بَاب الْأَفْعَال لِأَن الزَّائِد فِي أَوله حرف من مبدأ المخارج وَهِي الْهمزَة.
ثمَّ اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَا هُنَا فَوَائِد غَرِيبَة نافعة بالعبارة الفارسية فِي كتاب مُخْتَار الِاخْتِيَار كتبتها فِي هَذَا الْمقَام. لينْتَفع بهَا الْخَواص والعوام.
الْفَتْوَى: اعْلَم أَن الافتاء فرض كِفَايَة. أما فرض الْكِفَايَة قد يصبح فرض عين فِي وَقت يصبح من المتوجب والمتعين اعطاء على من كَانَ الافتاء عَلَيْهِ فرض كِفَايَة. وَفِي (الْكَشَّاف) أَن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ يُفْتِي قبل بعثة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا بعث دَاوُد ترك لُقْمَان الافتاء.
وَفِي الْكِفَايَة قَالَ إِن الْإِفْتَاء فرض كِفَايَة مثل الْقَضَاء، وَأدنى دَرَجَات فرض الْكِفَايَة هُوَ (الندبة) ، إِذا فالمندوب فِي أَمر الافتاء هُوَ من كَانَ أَهلا لذَلِك، لِأَن فِيهِ خطر عَظِيم لأجل ذَلِك هُوَ بَحر لَا يصل إِلَى شواطئه كل سابح. حَتَّى إِذا كَانَ هُوَ بِذَاتِهِ يُوصل النَّاس إِلَى بر السَّلامَة (ظهر الْمُفْتِي جسر جَهَنَّم) وَهِي إِشَارَة إِلَى أَن أَحْيَانًا هبوب رِيحه يكون شَدِيدا: {مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} فتعصف الرّيح وتتلاطم أمواج الِاشْتِبَاه والأشكال وتتراكم وَلَا ترسو وَلَا تَسْتَقِر عِنْدهَا سفية الراسخين على شاطئ التَّوْفِيق الإلهي وَلَا تتحرك فلك الْمُجْتَهدين من دون انسياب نسيم الْفَيْض اللامتناهي. أما شَرط الافتاء فَهُوَ الْإِسْلَام وَالْعقل. وَالْبَعْض قَالَ. إِن شَرط الْإِفْتَاء هُوَ نَفسه شَرط الْقَضَاء أَي الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْعَدَالَة. وَهَذَا مَا يكون من أهل الِاجْتِهَاد. وَأما الصَّحِيح فَهُوَ أَن هَذَا شَرط الْكَمَال، وَأول الشَّرْط الصِّحَّة، وأهلية الِاجْتِهَاد شَرط الأولية، وَفِي صَحِيح الْمذَاهب فِي (الْفُصُول) جَاءَ إِجْمَاع الْعلمَاء، أَن من الْوَاجِب أَن يكون الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد من أجل أَنه هُوَ الَّذِي يبين أَحْكَام الشَّرْع هَذَا يكون مُمكنا عِنْدَمَا يكون عَالما بالدلائل الشَّرْعِيَّة.
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَاهُ. وَفِي (الغياث) جَاءَ أَن معنى هَذَا الْكَلَام هُوَ أَن لَا يُقَاس على الْمَسْأَلَة من عِنْده مَا دَامَ هُوَ لَا يعلم من أَي وَجه أعْطى الإِمَام جَوَابه على الْمَسْأَلَة الأولى. وَجَاء فِي (الْمُلْتَقط) وَغَيره، وَلِأَن جَوَابه غَالب على خطائه، فَمن الْجَائِز لنا الْأَخْذ إِذا مَا أعْطى هُوَ الْفَتْوَى حَتَّى وَلَو لم يكن الْآخِذ من أهل الإجتهاد، وَلَكِن لَا يحل لَهُ أَن يُفْتِي إِلَّا عَن طَرِيق الرِّوَايَة عَن قَول الْفُقَهَاء.
قَالَ فِي (المفاتيح) وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُفْتِي عَاقِلا بَالغا عَالما باللغة والنحو وَالْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بِالْأَحْكَامِ والناسخ والمنسوخ وَالصَّحِيح والسقيم وَأَن يكون فَقِيه النَّفس عَالما بالتواريخ وسير الصَّحَابَة ومذاهب الْأَئِمَّة وأصول الْفِقْه. وَجَاء فِي شرح (الْقَدُورِيّ) أَن الإِمَام أَبُو يُوسُف رَحمَه الله فِي هَذَا الْمَعْنى قد أَخذ الْأَمر بِشدَّة وَقَالَ، لَا يصل أحد إِلَى إِعْطَاء الْفَتْوَى إِذا لم يكن من أهل الْعقل والرأي وَإِذا لَا يعرف أَحْكَام الْكتاب وَالسّنة والناسخ والمنسوخ وأقوال الصَّحَابَة وسيرهم ووجوه الْكَلَام، وَيظْهر من هَذِه الْأَقْوَال جَوَاز الْإِفْتَاء مَعَ الِاجْتِهَاد والتقليد مَعَ أَوْلَوِيَّة الأول.
أما الْآدَاب والمستحبات فِي ذَلِك هِيَ أَنه إِذا لم يكن الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد فليجب على الْفُرُوع فَذَلِك أسلم وأحوط، وَكَذَلِكَ أَن لَا يتجرأ على الافتاء استنادا إِلَى علمه وَيَقُول لقد أجازني علمي، لَكِن عَلَيْهِ أَن يلازم الْمُفْتِينَ وَيَأْخُذ الْإِجَازَة عَلَيْهِم حَتَّى يصبح على بَصِيرَة من أمره، قَالُوا وَإِن حفظ جَمِيع كتب أَصْحَابنَا فَلَا بُد أَن يتلمذ للْفَتْوَى حَتَّى يهتدى إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَا تقدم على الْجَواب قبل الْقِرَاءَة والمطالعة الجديدة والتأمل الطَّوِيل واجتنب الْمُبَادرَة والتعجيل فِي إِعْطَاء الْجَواب، حَتَّى إِذا وَقع الْخَطَأ عذرت وَمَسْأَلَة التَّحَرِّي فِي هَذَا الْمقَام هِيَ الدَّلِيل التَّام، ويروى عَن الإِمَام الْأَعْظَم رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه لم يجب على كثير من الْمسَائِل الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا. وَلَا يجب الِالْتِفَات إِلَى إلحاح المستفتي، ويروى عَن أَبُو نصر رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول للَّذي يستفتيه ويلح عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَيَقُول لَهُ أرد جَوَاب فقد أتيت من طَرِيق بعيد:
(فَلَا نَحن ناديناك من حَيْثُ جئتنا ... وَلَا نَحن عمينا عَنْك الذهبا)
وَكَذَلِكَ أَن تصبح ملولا من كَثْرَة السُّؤَال وَالْجَوَاب وَأَن لَا تُعْطِي جَوَابا وَأَنت مشتت الذِّهْن، فَإِذا أجبْت فَلَا تَدعِي الْجَواب لنَفسك وَتقول أَنا أَقُول إِن الحكم كَذَا وَأَنا أُفْتِي بِكَذَا وَغير ذَلِك بل قل بالرواية عَن الْعلمَاء هَكَذَا وَفِي الْكتاب الْفُلَانِيّ هَكَذَا.
وَكَذَلِكَ إِذا سُئِلَ عَن الْعِبَادَات صِحَّتهَا وفسادها وَوجه فَسَادهَا وصحتها، فاختر وَجه الْفساد، وَإِذا كَانَ السُّؤَال فِي الْمُعَامَلَات فاختر وَجه الصِّحَّة، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي (الْمُحِيط) وَفِي (الذَّخِيرَة) أَنه فِي هَذَا النَّوْع من الْمسَائِل فِي المعتقدات عَلَيْهِ أَن يخْتَار الْإِيمَان وَمهما أمكن أَلا يحكم بالْكفْر. وَأَيْضًا أَن لَا يَأْخُذ أجرا على الْإِفْتَاء نَفسه لِأَنَّهُ (طَاعَة) وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد فصلناها فِي بَاب (الْأجر) ، وعَلى كل حَال فَإِن عدم أَخذ الْأجر فِي الْعِبَادَات أولى وَأَحْرَى لقَوْله تَعَالَى: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} ، وَأَيْضًا إِذا سَأَلَهُ أحدهم عَن جَوَاب مَسْأَلَة فَلْيقل إِنَّه على قَول الإِمَام الْأَعْظَم جوابها هَكَذَا.
وَفِي بَاب السيوم من كتاب النِّكَاح لشيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده جَاءَ إِذا زوجت امْرَأَة بكر بَالِغَة شافعية الْمَذْهَب من رجل شَافِعِيّ أَو حَنَفِيّ ووالدها كَانَ غَائِبا، فَإِن هَذَا النِّكَاح يكون صَحِيحا، على الرغم من أَنه عِنْد الشَّافِعِي غير صَحِيح، لِأَن عِنْده يجب أَن يكون الزَّوْج وَالزَّوْجَة على الْمَذْهَب الشَّافِعِي، وعَلى الرغم من اعتقادنا أَن الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ على خطأ، إِلَّا أَن الْوَاجِب علينا أَن نعطي الْجَواب بغض النّظر عَمَّا هُوَ اعتقادنا فِي الْمَسْأَلَة. وَإِذا كَانَ السُّؤَال مَا هُوَ جَوَاب الشَّافِعِي على هَذِه الْمَسْأَلَة، فَالْوَاجِب أَن نقُول إِنَّهَا صَحِيحَة وَعند أبي حنيفَة كَذَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَالله أعلم. وَإِذا كَانَ السُّؤَال عَن مسَائِل مؤيده (مصدقه) فَإِن على الْمُفْتِي فِيهَا (ديانَة لَا قَضَاء) مَا هُوَ حكم الدّيانَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. فَإِذا كَانَ الْجَواب مَكْتُوبًا فَيكْتب (لَيْسَ مُصدقا، بل قَضَاء) وَإِذا كَانَ الْجَواب شفويا فَيَقُول (مُصدق، وديانة لَيْسَ سليما) .
أَن لَا يُبَادر إِلَى الْجَواب فِي حُضُور شخص أعلم مِنْهُ، لَا تقريرا وَلَا تحريرا وَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَاب مفت آخر على مَسْأَلَة مَا وَيظْهر ان ذَلِك الْمُفْتِي قد أَخطَأ فَإِن ذَلِك الْمُفْتِي مَعْذُور فِي ترك الْجَواب ورد الْفَتْوَى إِذا مَا كَانَ مُجْتَهدا. أما إِذا كَانَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فَهُوَ لَيْسَ مَعْذُورًا فِي الرَّد بل يحْتَفظ بِهِ أَو أَن يمزقه حَتَّى لَا يعْمل بِهِ.
وَقد أورد (كَمَال البياعي) أَنه فِي الْفَتَاوَى لَيْسَ مَعْذُورًا مُطلقًا فِي ردهَا إِذا علم بخطئه وَأدْركَ أَنه سيعمل بهَا.
وَإِذا وَردت عَلَيْهِ رقْعَة فِيهَا استفتاء لم يسْتَوْف الْقُيُود الأساسية لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن لَا يُجيب عَلَيْهِ بل يُعِيدهُ للمستفتي حَتَّى يكمله، وَإِذا قَيده مَعَ التمَاس المستفتي فَإِنَّهُ غير سليم. وَعَلِيهِ أَن يُرَاعِي فِي الْقُيُود شُرُوط الإيجاز ويبتعد عَن الْأَطْنَاب وَكَذَلِكَ الحشو والتطويل، مِثَال الإيجاز: قَالَ زيد لِزَيْنَب كَذَا، وَمِثَال الْأَطْنَاب زيد الْحر والمكلف قَالَ لِزَيْنَب الْحرَّة والمكلفة كَذَا وَكَذَا. وَمِثَال الحشو زيد رجل ابْن عمر قَالَ لِزَيْنَب الْمَرْأَة وَابْنَة خَالِد كَذَا. وَمِثَال التَّطْوِيل زيد الْكَبِير فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ على زَيْنَب الْكَبِيرَة فِي دَار الْإِسْلَام كلَاما نابيا وسبها. وَلَا يجب على الْكَلَام النابي حد الْقَذْف الَّذِي هُوَ عبارَة عَن ثَمَانِينَ جلدَة.
وَيجب أَن يحْتَرز من أَن يضر الْقَيْد بالمستفتي، وَأَن لَا يُعْطِيهِ الرقعة من دون اسْتِحْقَاق الْإِجَابَة أَو أَن يكون مشعرا بالحيلة والالتباس. وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة من الخلافات الَّتِي لَهَا أَكثر من قَول فيعطي الْفَتْوَى على إِحْدَى الْأَقْوَال والطريقة فِي ذَلِك أَن يعلم أَنه فِي هَذِه الْحَادِثَة لَا تُوجد رِوَايَة أُخْرَى تنقض الْفَتْوَى، حَتَّى لَا يطعن بِهِ ويتهم لَدَى الْعَامَّة. وَأَن يجْتَنب مُطلقًا تَعْلِيم الْحِيَل والتلبيس حَتَّى لَا يسْتَحق الْحجر وَالْمَنْع، وَقَالَ الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله أَن الْحجر لَا يجوز إِلَّا على ثَلَاثَة وعد الْمُفْتِي الماجن من ضمنهم. وَجَاء فِي (الذَّخِيرَة) وَقد أَمر أَن تستر عَورَة الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام لِأَن زَوجته قد حرمت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أصبح كَافِرًا، نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
وَجَاء فِي (جَوَاهِر الْفَتَاوَى) وكل مفتي حَنَفِيّ يَأْمر مُطلقَة بِالثَّلَاثَةِ أَن تنقل مذهبها إِلَى الْمَذْهَب الشَّافِعِي وتقر أَن نِكَاحهَا كَانَ بَاطِلا بِسَبَب كَونهَا من دون ولي من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان أَن يزجره ويمنعه. وَقد قَالَ صَاحب (الْجَوَاهِر) لقد أستفتي أَئِمَّة بخارا عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَكَانَت إجابــاتهم على هَذَا النَّحْو. أجَاب الإِمَام ظهير الدّين المرغيناني بعد قَول المستفتي كَانَ من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان زَجره وَمنع هَذَا الْمُفْتِي وتعزيزه وَالله أعلم، وَعَن أَئِمَّة السّلف، سُئِلَ عَن مثل هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب، أعتقد هَذَا رجل خرج من دنيا الْإِيمَان وَالله العاصم. وَالْقَاضِي الإِمَام فَخر الدّين حُسَيْن بن مَنْصُور الأوزجندي أجَاب بِمثل ذَلِك وَالله أعلم. أما الإِمَام قوام الدّين الصفار فَأجَاب لَا يجب أَن يفعل وَإِن فعل فَذَلِك لَيْسَ حَلَالا. وعَلى سُلْطَان الْوَقْت أَن يزجره وَأَن يحْجر على هَذَا الْمُفْتِي وَألا يفعل مثل ذَلِك. وَلَيْسَ سليما من الْمُفْتِي أَن يقبل الْهَدِيَّة وَلَكِن إِذا قبل الْهَدِيَّة بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ هُوَ أقرب للْحلّ وَأبْعد عَن الرِّشْوَة.
يَقُول شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده إِذا جَاءَ المستفتي بهدية إِلَى الْمُفْتِي بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ فَلَا عيب فِي قبُولهَا.
وَيجب عَلَيْهِ أَن يحْتَاط كثيرا فِي أُمُور الْفرج بِقدر الِاسْتِطَاعَة كَمَا جَاءَ فِي (الْمُحِيط) ، وَأَن يذيل الرِّوَايَة بِلَفْظ (هُوَ الْأَصَح) أَو (هُوَ الأولى) أَو (هُوَ الْأَيْسَر) أَو (افتى بِهِ فلَان) أَو (بِهِ أَخذ فلَان) أَو (عَلَيْهِ فَتْوَى فلَان) أَو (مَا فِي هَذَا الْمَعْنى) وَيجوز للمفتي أَن يُفْتِي اعْتِمَادًا على الرِّوَايَات بِمَا خَالف ذَلِك. أما إِذا كَانَت الرِّوَايَة مذيلة بِلَفْظ (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَو (هُوَ الصَّحِيح) أَو (هُوَ الْمَأْخُوذ للْفَتْوَى) أَو (بِهِ يُفْتِي) وَمَا شابه ذَلِك، فَلَا يجوز عِنْدهَا للمفتي أَن يُفْتِي بِخِلَاف ذَلِك. وَقد جَاءَ فِي (الْمُضْمرَات) بعض عَلَامَات الْفَتْوَى هِيَ: (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) _ بِهِ نَأْخُذ _ بِهِ يعْتَمد _ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد _ عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم _ عَلَيْهِ عمل الِاعْتِمَاد _ هُوَ الصَّحِيح _ هُوَ الظَّاهِر _ هُوَ الْأَظْهر _ هُوَ الْمُخْتَار _ عَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخنَا _ هُوَ الْأَشْبَه _ هُوَ الْأَوْجه. وَفِي حَاشِيَة (بزدوي) أَن لفظ (الْأَصَح) يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا، أما لفظ (صَحِيح) فَلَا يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا:
(انْظُر أَيهَا الْقلب كم هِيَ شُرُوط الافتاء عِنْد الْمُجْتَهدين ... )
(وَلَكِن فِي عصرنا فَإِن للمفتي حكم العنقاء والكيمياء ... )
وَمن الحرمان والخسران أنني قضيت مُدَّة من عمري الْعَزِيز فِي طلب هَذِه الطَّائِفَة فَلم أجد إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم الَّذين يتحلون بِهَذِهِ الصِّفَات، ولأنني حرمت من تَحْقِيق مقصودي فقد رَأَيْت كثيرا من الَّذين لَا علم لَهُم وَلَا عمل ويتصدون لهَذَا الْأَمر الْجَلِيل عَن جهل وَعدم الدّين فأنشدت قصيدة من ثَلَاثِينَ بَيْتا:
(قيل الْآن كَانَ مفتي كل مَدِينَة ... على اطلَاع على الْعُلُوم الدِّينِيَّة)
(وَكَانُوا من سالكي طَرِيق الله ... وَمن وارثي علم الْمُصْطَفى)
(وَكَانَ علمهمْ دستورا قبل حلمهم ... عُلَمَاء فِي الْعلم وحلمهم عَامر ومعمور) (تنير الدُّنْيَا من نور علمهمْ ويتضوع ... الْعَالم من عطر زهورهم)
(طويتهم نور تحرق الظلمَة وَلَكِن ... علمهمْ بِنَاء وَدينهمْ ثَابت)
(أقلامهم تسطر علم الْغَيْب ... ورسم توقيعهم بَرِيء من الْعَيْب)
(كل وَاحِد مِنْهُم فِي صفائه كَأَنَّهُ صوفي ... وَالثَّانِي أَبُو حنيفَة الْكُوفِي)
(سعيت سنوات عدَّة من أجل اكْتِسَاب ... الْكَمَال جادا وجاهدا)
(فدرست علم النَّحْو وَالصرْف ورأينا ... الْمنطق وَالْحكمَة وَالْبَيَان)
(وَبعد أَن أنفقت السنوات فِي هَذِه الْعُلُوم ... اتجهت إِلَى علم الْأُصُول)
(فَأَصْبَحت مَشْهُورا بَين الْخَاصَّة والعامة ... فِي علم الْأُصُول والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْكَلَام)
(بعد ذَلِك اتجهت لعلم الْفِقْه ... وقضيت السنوات فِي ممارسته)
(وَمُدَّة أُخْرَى سرا وجهرا كنت ... تركض وَرَاء الأساتذة)
(وَلما أَصبَحت فِي الدُّنْيَا صَاحب علم الْعلم ... فَجعلت من الْعلم أفضل من الْعَمَل)
(وَإِذا لم يبْق من الْمَرْء عَلامَة وَاسم ... فَلَا أثر لَهُ فِي هَذِه الدُّنْيَا)
(من هُوَ الْمُفْتِي فِي هَذِه الْأَيَّام ... أشخص جَاهِل بعيد عَن النّسَب وحسبه عاطل)
(لَك كل مَا أردْت من الفضول وَعدم الْمَعْنى ... فَهُوَ لَا يعرف من الْجَهْل الْمَوْجُود من عَدمه)
(يَقُولُونَ إِن الْحق وبال ... وَالدَّم الْحَرَام حَلَال)
وَهَكَذَا حَتَّى الآخر.

الجلب

الجلب: أصله سوق الشيء، واجلبت عليه صحت عليه بقهر. والجلابيب القمص.
الجَلَب: ما جيء به من بلد للتجارة وفي الحديث: "نهي عن تلقي الجلب" وأيضاً بمعنى أن يجلبوا إلى المصدق أنعامَهم في موضع ينزله فنهى عن ذلك في قوله: "لا جلب ولا جنب" وأمر أن يأتي بنفسه في أفنيتهم فيأخذ صدقــاتهم.
الجلب:
[في الانكليزية] Chosen house
[ في الفرنسية] Domicile d'election
عند المنجّمين هو وجود كوكب مذكّر في نصف نهار الفلك ووجود كوكب مؤنّث في نصف الليل، ويجئ في لفظ الحيّز.
(الجلب) مَا جلب من إبل وغنم ومتاع للتِّجَارَة وَفِي الْمثل (النفاض يقطر الجلب) إِذا أنفض الْقَوْم أَي نفدت أَزْوَادهم قطروا إبلهم للْبيع وَالَّذين يجلبون الْإِبِل وَغَيرهَا للتِّجَارَة (ج) أجلاب

(الجلب) من كل شَيْء غطاؤه وَمن اللَّيْل ظلامه والسحاب الْمُعْتَرض كَأَنَّهُ جبل وَلَو خلا من المَاء (ج) أجلاب

الأبدال

(الأبدال) الزهاد و (عِنْد الصُّوفِيَّة) لقب يطلقونه على رجال الطَّبَقَة من مَرَاتِب السلوك عِنْدهم
الأبدال: جمع بدل، وهم طائفة من الأولياء، قال أبو البقاء: كأنهم أرادوا أنهم أبدال الأنبياء وخلفاؤهم، وهم عند القوم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكل بلد إقليم فيه ولايته، منهم واحد على قدم الخليل وله الإقليم الأول، والثاني على قدم الكليم والثالث على قدم هارون والرابع على قدم إدريس والخامس على قدم يوسف والسادس على قدم عيسى على ترتيب الأقاليم. وهم عارفون بما أودع الله تعالى في الكواكب السيارة من الأسرار والحركات والمنازل وغيرها، ولهم من الأسماء أسماء الصفات، وكل واحد بحسب ما يعطيه حقيقة ذلك الاسم الإلهي من الشمول والإحاطة ومنه يكون تلقيه.
الأبدال:
[في الانكليزية] Substituted
[ في الفرنسية] Substitues
بفتح الألف جمع البدل والبديل وكذا البدلاء بالضمّ على ما عرفت. ومولوي عبد الغفور
في حاشية نفحات الأنس للجامي إنّ لفظ الأبدال في اصطلاح الصوفية هو لفظ مشترك، فهو يطلق تارة على جماعة بدّلوا صفــاتهم الذميمة بالصفات الحميدة وليس عددهم محصورا، وتارة يطلق على عدد معيّن؛ وعلى هذا فبعضهم يطلق هذا الاصطلاح على أربعين شخصا لهم أوصاف مشتركة، وبعضهم يطلق اسم الأبدال على سبعة رجال، ومن هؤلاء قوم، على أنّ الأبدال هم غير الأوتاد، بينما يقول آخرون: إن الأوتاد هم من جملة الأبدال. واثنان من الأبدال هما إمامان وهما وزيرا القطب والآخر هو القطب. وهؤلاء السّبعة إنما يقال لهم الأبدال لأنهم إذا ذهب واحد حلّ محله الذي يليه في الرتبة، وينال رتبته. ويقول قوم: إنّ تسمية هؤلاء بالأبدال لأنّ الحق جل وعلا أعطاهم قوة بحيث يتنقّلون حيث يشاءون، وإذا أرادوا أمكنهم وضع صورتهم في موضع، فإنهم يضعون شخصا على مثالهم بدلا عنهم. وإذا اكتشف بعضهم الأشخاص المتشابهين فبدون إرادتهم لا يقولون لهم أبدالا، وإنّ كثيرا من الأولياء هم هكذا. انتهى.
وفي بعض التفاسير سئل أبو سعيد عن الأوتاد والأبدال أيهما أفضل فقال الأوتاد.
فقيل كيف. فقال لأنّ الأبدال ينقلبون من حال إلى حال ويبدلون من مقام إلى مقام.
والأوتاد بلغ بهم النهاية وثبتت أركانهم فهم الذين بهم قوام العالم وهم في مقام التمكين.

وفي مرآة الأسرار يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بدلاء أمّتي سبعة». بدلاء في سبعة أقاليم يبقون. فذلك الذي في الإقليم الأول على قلب إبراهيم عليه السلام واسمه عبد الحي، والثاني على قلب موسى عليه السلام واسمه عبد العليم، والثالث على قلب هارون عليه السلام واسمه عبد المريد، والرابع اسمه عبد القادر وهو على قلب إدريس عليه السلام، والذي في الاقليم الخامس على قلب يوسف عليه السلام واسمه عبد القاهر، والذي في السادس هو على قلب عيسى عليه السلام واسمه عبد السميع، وأمّا الذي في السابع فهو على قلب آدم واسمه عبد البصير.
وهؤلاء السبعة هم أبدال الخضر ووظيفتهم معاونة الخلق، وكلهم عارفون بالمعارف والأسرار الإلهية التي في الكواكب السبعة التي جعل الله فيها التأثير في مجريات الأمور. وإن اثنين من الأبدال السبعة المذكورين أي عبد القاهر وعبد القادر، عند نزول مصيبة أو نازلة على قوم أو ولاية، فإنهم يسمّون، والسبب في قهر وعذاب إحدى الولايات أو بعض الأقوام بسبب قيامهم بذلك الأمر. وإذا مات أحد هؤلاء السبعة فإنه ينصّب مكانه أحد الصوفية من عالم الناسوت، ويدعى باسم ذلك الذي مات، أي محبوب ثلاثمائة وسبعة وخمسين رجلا من الأبدال، وكلّهم من سكان الجبال. وطعامهم ورق السّلم وبقية الأشجار وجرار الصحراء، وهم ملتزمون بكمال المعرفة، وهم لا يسيرون ولا يطيرون. وإنّ منهم ثلاثمائة على قلب آدم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق ثلاثمائة نفس قلوبهم على قلب آدم. وله أربعون على قلب موسى. وله سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم. وله خمسة قلوبهم على قلب جبرائيل. وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل. وله واحد قلبه على قلب محمد» عليه الصلاة والسلام. فإذا مات يحلّ محلّه واحد من الثلاثة، وإذا مات واحد من الثلاثة يحلّ محله واحد من الخمسة، وإذا مات أحد الخمسة يحلّ محلّه أحد السبعة، وإذا مات أحد السبعة قام مقامه أحد الأربعين، وإذا مات واحد من الأربعين يرتقي مكانه واحد من الثلاثمائة، وإذا مات أحد الثلاثمائة يحلّ مكانه رجل من زهّاد الصوفية. وإنّ هؤلاء البدلاء حسب الترتيب المذكور يستمدّون الفيوضات الإلهية من القطب الذي قلبه على قلب إسرافيل وهو محبوب الأربعمائة وأربعة البدلاء؛ وقد ذكرنا منهم ثلاثمائة وأربعة وستين، وثمة أربعون آخرون كما قال عليه الصلاة والسلام «بدلاء أمتي أربعون رجلا اثنا عشر بالشام وثمان وعشرون بالعراق».

ويقول في «لطائف أشرفي»: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد قسّم العالم إلى قسمين: نصف شرقي ونصف غربي، ومن العراق النصف الشرقي كما أن بلاد خراسان والهند والتركستان وسائر بلاد الشرق داخلة في العراق، ومن الشام النصف الغربي ويشمل الشام ومصر وسائر بلاد الغرب. وهكذا تغمر فيوضات هؤلاء الأربعين المذكورين على جميع العالم، ويدعى أكثر هؤلاء الأبدال بالأبدال الأبرار.

الجهل البسيط

الجهل البسيط: عدم العلم عما من شأنه أن يعلم. والمركب: اعتقاد جازم غير مطابق للواقع، كذا لخصه ابن الكمال. وقال الراغب: الجهل ثلاثة: الأول، خلو النفس من العلم، هذا أصله، وقد جعله بعضهم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام، الثاني، اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. الثالث، فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، هبه اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أم فاسدا كتارك الصلاة عمدا. والجهل يذكر تارة للذم، وهو الأكثر، وتارة لا له نحو {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} أي من لا يعرف حالهم، إلى هنا كلامه. وقال العضد "الإبجي": والجهل البسيط أصحابه كالأنعام لفقدهم ما به يمتاز الإنسان عنها بل هم أضل لتوجهها نحو كمالاتها، ويعالج بملازمة العلماء ليظهر له نقصه عند محاوراتهم. والجهل المركب إن قبل العلاج فبملازمة الرياضات ليطعم لذة اليقين ثم التنبيه على مقدمة مقدمة بالتدريج.

الجنة

الجنة:
[في الانكليزية] Paradise
[ في الفرنسية] Paradis
بالفتح بمعنى بهشت والسّبعية من هذا يريدون راحة الأبدان من التكليفات الشّرعية كما سيأتي.
الجنة
تحدث القرآن كثيرا عن الجنة وما فيها من النعيم، الذى ينتظر من آمن وعمل صالحا، وعند ما أراد أن يقرّب إلى أذهاننا سعة هذه الجنة وضخامتها، قال:
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران 133). ولما كان العرض عادة أضيق من الطول ترك للخيال أمر تصور طول يكون عرضه السموات والأرض؛ وقد أعد في هذه الجنة مساكن وصفها القرآن بأنها طيّبة، تطيب فيها الحياة، ويسعد فيها المقيم.
عنى القرآن أكثر ما عنى وهو يتحدث عن الجنة بأن الأنهار تجرى من تحتها، فكثيرا ما تسمع فيه هذا الوصف الذى ورد في قوله سبحانه: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 89). ولا ريب أن للأنهار منظرا يروق العين، ويثلج النفس، ويهيج القلب، فضلا عن أن الماء يوحى بمعنى الحياة والاطمئنان إليها، وليست هذه الأنهار الجارية مياها متدفقة فحسب، ولكنها أنهار متنوعة بين ماء عذب، ولبن سائغ، وخمر شهى، وعسل صاف، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى (محمد 15). ومن هذه الأنهار يعب الشاربون كما
يشاءون. ولا يكتفى القرآن بذكر هذه الأنهار الجارية فيها، بل يحدثنا عن العيون المتفجرة في أرجائها، ولتفجر العيون في النفس أثره المبهج السار.
ويعيش أهل الجنة في جو لا يؤذيه حر الشمس ولا قوة البرد، لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (الإنسان 13). ولكنها ظل ظليل لا يمحوه وهج الشمس، وقد أكثر القرآن من الحديث عن ظلّ الجنة، فقال مرة: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (النساء 57). وقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (المرسلات 41). وقال: أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها (الرعد 35). وقال:
وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها (الإنسان 14). وقال: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (يس 56). والظل مما تجد النفس عنده الطمأنينة، وتشعر لديه بالهدوء والغبطة يلجأ إليه السائر في حرّ الظهيرة، فيجد راحة نفسه وهدوء قلبه، وكأن           القرآن بهذا الوصف يعقد مباينة تامة بين النار الملتهبة لا يجد فيها الإنسان مأوى من لظاها، وبين الجنة ذات الظل الوافر الظليل.
وأجمل القرآن مرّة ما في الجنة من نعيم الطعام والشراب حين قال: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ (الزخرف 71). وخص القرآن من بين أنواع الطعام، الفواكه بالحديث يجمعها حينا، ويعدد بعض أنواعها حينا آخر، ويتحدث عن قرب مجتناها، ودنو قطوفها، فقال مرة: أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (الصافات 41 - 43). وقال ثانية:
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (الزخرف 72، 73). وقال أخرى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ذَواتا أَفْنانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُدْهامَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (الرحمن 45 - 68). وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (ص 49 - 51). وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (الواقعة 27 - 33). إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ وَأَعْناباً (النبأ 31 - 32).
وأشار إلى اللحم بعامة، ولحم الطيور بخاصة في موضعين من القرآن. ولعل العناية بذكر الفاكهة، مع أن القرآن قد أشار إلى أن في الجنة من كل الثمرات، وبذكر اللحم تشير إلى ما فيه أهل الجنة من الترف والنعيم، فالمعتاد أن هذين النوعين من الطعام يسعد بغزارتهما الأغنياء المترفون.
وخص القرآن من بين أنواع الشراب الماء واللبن والخمر والعسل، وتحدث كثيرا عن خمر الجنة وما تمتاز به من خمر هذه الحياة، فهى خمر خالصة للذة لا تعتدى على العقل، ولا تنتهب قواه، يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (الصافات 45 - 47). خمر يحتفظ فيها الشارب بخير ما أعطى من النعم وهو عقله، وإذا كانت الخمر يجمل شربها من يد ساق جميل، فقد أعد في الجنة هؤلاء السقاة وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (الطور 24).
هذا إلى ألوان أخرى من الشراب، خصت بها الجنة، هذا، وما في الجنة من ألوان الطعام والشراب دائم لا نفاد له، إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (ص 54).
ويقدم الطعام والشراب في صحاف وأكواب صنعت من الذهب والفضة وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (الإنسان 15، 16).
أما ملابسهم فمن الحرير والإستبرق ، يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (الكهف 31). ويجلسون متقابلين مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (الرحمن 54). وعَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (الواقعة 15 - 16).
يتحدثون، وقد بدت على وجوههم البهجة والسرور، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (المطففين 24). قد اطمأنت نفوسهم إلى هذا النعيم المقيم، وملأ الرضا نفوسهم فلا غلّ فيها ولا حفيظة، وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (الحجر 47)، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ (الأعراف 43). وهذا مجلس من مجالس أهل الجنة يصفه القرآن في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (الغاشية 8 - 16). ويصف مجلسا آخر من مجالسها قائلا: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (الواقعة 10 - 26). قد امتلأت نفوسهم بالغبطة لرضا الله عنهم ورضاهم عن نتيجة أعمالهم، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (المائدة 119). وتدور بينهم أطيب
الأحاديث وأسعدها، وها هم أولاء قد ضمهم مجلس، فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ  إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (الصافات 50 - 60).
وها هم أولاء قد ضمهم مجلس ثان، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (الطور 25 - 28). ويصورهم يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (المدثر 40 - 47).
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (الأعراف 47).
أوليس في هذا التصوير ما يدفع إلى التفكير العميق حذرا من كارثة مقبلة.
ويملأ هذه الجنة أنسا هؤلاء الزوجات اللاتى جمعن بين جمال الجسم وجمال النفس، فهن حور كواعب، كأنهن الياقوت والمرجان، عين كأنهن بيض مكنون، أما خلقهن فإنهن يتزيّن بأجمل صفات النساء وأسماها، وهى صفة العفة التى عبر القرآن عنها بقصر الطرف، إذ وصفهن مرارا بقوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (ص 52). وبذا كله تصبح الجنة كما وصفها القرآن- نعيما وملكا كبيرا.
تلك هى الجنة كما رسمها القرآن، نعيم مقيم، ولذة دائمة، ومتعة لا تنفد، وقد يقال إن القرآن قد أكثر من ذكر اللذائذ الجسمية، والمتع الجسدية، ولكن يجب ألا ننسى أن الإنسان الطبيعى الكامل جسما وعقلا يسرّ لهذه اللذائذ ويهش لها، ويتمنى أن لو عاش تلك الحياة السعيدة المنعمة، فليس في الطبيعة البشرية زهد فى اللذائذ ولا كراهة لها، فلا جرم كان الوعد بالحصول عليها جزاء العمل الطيب، مغريا بهذا العمل وحاثا عليه، ولم يعمل الناس ويجاهدون؟ إنهم يعملون للحصول على مستوى رفيع في الحياة، يمكنهم من الحصول على السعادة الجسمية والروحية، ومن يزعم أن الطبيعة البشرية المثالية تتجه إلى الزهد أو تميل إليه فهو مغال مسرف، بل جاهل بحقيقة الطبيعة البشرية، فالناس في هذه الحياة يجاهدون ليصلوا بحيــاتهم المادية إلى مستوى سام رفيع، ويحصلوا على أكثر ما يستطيعون الحصول عليه من هذه السعادة المادية، لها يجاهد الناس، ومن أجلها تقتتل الأمم، وكان لذلك وصف النعيم مثيرا في النفس رغبة العمل لنيله والحصول عليه، وكان وصف لذائذ الجنة المادية مما يتفق مع طبيعة الإنسان، والقرآن بهذا يلحظ الجانب الواقعى من حياة الإنسان. ومع قوة ما للنعيم المادى من أثر في قوة توجيه المرء إلى الصالح النافع، لم ينس القرآن اللذة الروحية في وصف نعيم الجنة، فهذا الرضا النفسى عن نتيجة الأعمال التى قدمها المرء في هذه الحياة، والسرور برضوان الله، لكل هذه لذة روحية سامية، بل لقد أشار القرآن إلى أن هذا الرضوان من الله أكبر من هذه اللذائذ حين قال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 72). أرأيت أن القرآن لم يغفل الجانب الروحى فى الإنسان، جانب السرور بمغفرة الله ورضوانه، وأنه لم يغفل غرائز الإنسان التى تندفع إلى طلب اللذائذ واجدة في هذه الملذات سعادتها وهناءتها، ولو أن القرآن اقتصر على وصف اللذة الروحية، كان في ذلك الاتجاه انحراف عن الطريق الطبيعى الذى تسير فيه الطبيعة الإنسانية السليمة.
الجنة: بالضم، ما يتوقى من الأذى، والفتح في الأصل المرة من الجن وهو مصدر جنة إذا ستره، ومدار التركيب على ذلك، سمي به الشجر المظلم لالتفاف أغصانه وستر ما تحته، ثم البستان لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظلة، ثم دار الثواب لما فيها من الجنان.

جنة الأفعال عند القوم: الجنة الصورية الحسية.

الجند

الجند: أتباع تحت نجدة المستتبع، ذكره الحرالي.
الجُند: جمعٌ معدٌّ للحرب جمعه الأجناد والجندي واحد الجند، وأيضاً يطلق الجندُ على المدائن كقولهم: في الشام خمسة أجناد، دمشق وحمص وقنسرين وأُردُن وفلسطين. وأيضاً الفئة ومنه قوله تعالى: {وَأَضْعَفُ جُنْدًا} [مريم:75] أي فئةً وانتصاراً.
الجند:
فيجيء في قولهم: جند قنسّرين، وجند فلسطين، وجند حمص، وجند دمشق، وجند الأردنّ، فهي خمسة أجناد، وكلّها بالشام. ولم يبلغني أنهم استعملوا ذلك في غير أرض الشام، قال الفرزدق:
فقلت: ما هو إلا الشام تركبه، ... كأنما الموت، في أجناده، البغر
قال أحمد بن يحيى بن جابر: اختلفوا في الأجناد، فقيل سمّى المسلمون كل واحد من أجناد الشام جندا، لأنه جمع كورا، والتجنّد على هذا التجمّع، وجنّدت جندا أي جمعت جمعا. وقيل:
سمّى المسلمون لكل صقع جندا بجند عيّنوا له يقبضون أعطيــاتهم فيه منه، فكانوا يقولون: هؤلاء جند كذا حتى غلب عليهم وعلى الناحية.

أَفْلَحَ

{أَفْلَحَ}
وسأل ابن الأزرق عن معنى قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}
فقال ابن عباس: فازوا وسعدوا. واستشهد بقول لبيد بن ربيعة:
فاعقِلى إنْ كنتِ لَمَّا تعقلي. . . ولقد أفلح مَنْ كان عقَلْ
(تق) ك، ط، وزاد فيهما في جواب ابن عباس: يوم القيامة.
= الكلمة من آية المؤمنون الأولى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَــاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
وفي القرآن منه: أفلح، الماضي من الرباعي، أربع مرات، ومضارعع ثلاثاً وعشرين مرة واسم الفاعل منه، جمع مذكر سالم، مرتين.
إثباتاً للفلاح وبشرى: للمؤمنين والمتقين، والصابرين، والمجاهدين، وحزب الله، والذين على هدى من ربهم.
ونفياً له عن: الكافرين، والظالمين، والمكذبين، والساحر، والذين يفترون على الله الكذب.
وتفسير الإفلاح بالفوز والسعادة قريب.
ومن معاني الفلاح في العربيةك النجاحُ وإدراك البغية. وميز "الراغب" بين ضربين منه: الدنيوي وهو الظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا من بقاء وغنى وعز. قال: وإياه عَنى الشاعر بقوله:
أفلِحْ بما شئتَ فقد يُدرَك بالضـ. . . ـعفِ وقد يُخَدعَ الأرِيبُ والضرب الآخر: فلاح أخروى: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل (المفردات) .
وإلى الفوز في الآخرة، وجَّهه الطبري في تأويله للآية، والقرطبي في آية البقرة: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} - 5.
وهي الرواية في جواب المسألة في (ك، ط) : فازوا وسعدوا يوم القيامة. وفسره الطبري بمعنى "ظفر بحاجتة وأصاب خيراً".
وقج نميل إلى فهم إفلاح المؤمنين، بدلالة إسلامية على التوفيق إلى ما يرضى الله سبحانه ويرضيهم. والله أعلم. وهو في الشاهد من بيت "لبيد" أقرب إلى معنى نجاح المسعى وإدراك الطلب المراد.

الأول

(الأول) ضد الآخر (أَصله أوأل أَو ووأل) (ج) الْأَوَائِل والأوالي والأولون
الأوَّل: فرد لا يكون غيره من جنسه سابقاً عليه ولا مقارناً له. والوسط: ما هو بين المساويين وأيضاً الأول نقيض الآخر.
الأول: فرد لا يكون غيره من جنسه سابقا عليه ولا مقارنا له، ذكره ابن الكمال.
وقال الراغب. هو الذي يترتب عليه غيره ويستعمل على أوجه أحدهما المتقدم بالزمان نحون عبد الملك أولا ثم المنصور الثاني المتقدم بالرياسة بالشيء وكون غيره مجتذبا به نحو الأمير ثم الوزير، الثالث المتقدم بالوضع كقولنا للخارج من العراق القادسية أولا ثم قيد، الرابع المتقدم بالنظام الصناعي نحو الأساس أولا ثم البناء والأول في صفة الله الذي لم يسبقه شيء.
الأول:
[في الانكليزية] First ،prime number
[ في الفرنسية] Premier ،nombre premier
بالفتح وتشديد الواو نقيض الآخر. وأصله قيل أوأل على أفعل مهموز الأوسط فقلبت الهمزة واوا وأدغمت، يدل على ذلك قولهم وهذا أول منك والجمع الأوائل والأولى أيضا عل القلب والأولون أيضا. وقيل ووول على فوعل قلبت الواو الأولى همزة ولم يجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف كذا في الصراح. وفي كشف اللغات أوّل هو بالفارسية نخستين، وپيشين، ويجمع على أوائل، وهو في اصطلاح أهل السلوك: الأوّل:
هو اسم الله تعالى. ويقول في شرح المشارق:

الأول: هو موجود الوجود والآخر. والآخر هو مغني الوجود، وأيضا: الأول هو دائما والآخر دائما يكون انتهى. والأوّل عند المحاسبين هو العدد الذي لا يعده غير الواحد كالثلاثة والخمسة والسبعة وأحد عشر، ويقابله المركب وكون العدد هكذا يسمّى أولية، وسيأتي في لفظ التركيب ولفظ العدد. وقيل الأول إمّا زوج كالإثنين أو فرد كالثلاثة.
(الأول) أَن تكون للردع والزجر وَهُوَ الْغَالِب فِي اسْتِعْمَالهَا كَمَا فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا إِن معي رَبِّي سيهدين} مَعْنَاهُ انْتَهوا عَن هَذَا القَوْل
الثَّانِي أَن تكون للرَّدّ وَالنَّفْي فَترد شَيْئا وَتثبت شَيْئا آخر يَقُول الْمَرِيض الَّذِي لم يعْمل بنصح طبيبه شربت مَاء فَيَقُول الطَّبِيب كأو يَقُول لَا بل شربت لَبَنًا وأكلت خبْزًا مَعْنَاهُ مَا شربت مَاء وَلَكِن شربت لَبَنًا أَو أكلت خبْزًا
الثَّالِث أَن تكون بِمَعْنى أَلا الَّتِي يستفتح بهَا الْكَلَام للتّنْبِيه كَمَا فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى أَن رَآهُ اسْتغنى} إِذْ لم يسبقها فِي القَوْل مَا يَقْتَضِي الزّجر أَو النَّفْي
الرَّابِع أَن تَجِيء جَوَابا بِمَعْنى حَقًا وَتَكون مَعَ الْقسم كَمَا فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر كلا وَالْقَمَر} مَعْنَاهُ حَقًا وَالْقَمَر
الأول: فَرد لَا يكون غَيره من جنسه سَابِقًا عَلَيْهِ وَلَا مُقَارنًا لَهُ. وَفِي التَّلْوِيح أَنه أفعل التَّفْضِيل بِدَلِيل الأولى والأوائل كالفضلى والفضائل. وَاعْلَم أَن كَونه اسْم التَّفْضِيل مَذْهَب جُمْهُور الْبَصرِيين حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى أَنه أفعل التَّفْضِيل من (وول) وَالْقِيَاس فِي تأنيثه وَولى كفضلى لكِنهمْ قلبوا الْوَاو الأول همزَة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ فوعل من وؤل نقلت الْهمزَة إِلَى مَوضِع الْفَاء وتصريفه كتصريف أفعل التَّفْضِيل واستعماله بِمن مُبْطل لهَذَا القَوْل. فَإِن قلت إِن أَولا لما كَانَ اسْم التَّفْضِيل فَيكون فِيهِ عِلَّتَانِ الوصفية وَوزن الْفِعْل فَمَا وَجه تنوينه فِي بعض استعمالــاتهم قُلْنَا إِذا لم ينون فَلَا إِشْكَال وَأما إِذا نون فوجهه أَنه هُنَاكَ ظرف بِمَعْنى قبل فَيكون منصرفا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا وَصفِيَّة فِيهِ أصلا. وَهَذَا مُرَاد مَا قَالَ فِي الصِّحَاح إِذا جعلته صفة لم تصرفه تَقول لَقيته عَاما أول. وَإِذا لم تَجْعَلهُ صفة صرفته تَقول لَقيته عَاما أَولا. وَالْفرق بَين المثالي إِمَّا لفظا فَلِأَنَّهُ فِي الْمِثَال الأول صفة الْعَام. وَفِي الْمِثَال الثَّانِي بدل مِنْهُ ظرف مَحْض مُتَعَلق بلقيته. وَإِمَّا معنى فَلِأَن معنى الْمِثَال الأول لَقيته عَاما أول من هَذَا الْعَام أَي عَاما قبيل هَذَا الْعَام الَّذِي نَحن فِيهِ بِأَن يكون هَذَا الْعَام عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات والتحيات. وَالْعَام الأول عَام سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف لَا غير. وَمعنى الْمِثَال الثَّانِي لَقيته عَاما سَابِقًا فِي الْجُمْلَة على هَذَا الْعَام بِأَن يكون فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة عَام سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف مثلا. وَيحْتَمل أَن يكون فَوْقه وَفَوق فَوْقه وَهَكَذَا بِأَن يكون عَام سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف مثلا هَكَذَا قيل فِي الْفرق. وَالظَّاهِر أَن الْفرق بَين الْمَعْنيين لَيْسَ إِلَّا بِأَنَّهُ يعْتَبر فِي الْمِثَال الأول فِي هَذَا الْعَام سبقه على الْعَام الْقَابِل وَفِي الْعَام الأول سبقه على الْعَام الْقَابِل وعَلى هَذَا الْعَام أَيْضا. فسبقه زَائِد على سبق هَذَا الْعَام. وَفِي الْمِثَال الثَّانِي لَا يعْتَبر سبق هَذَا الْعَام على الْقَابِل كَذَا ذكر الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على التَّلْوِيح.

الإعلال

الإعلال: لغة جعل الشيء ذا علة، واعتل تمسك بحجة ومنه إعلالات الفقهاء واعتلالــاتهم.
الإعلال: فِي اصْطِلَاح التصريف تَغْيِير حرف الْعلَّة للتَّخْفِيف والتغيير جنس شَامِل للإعلال ولتخفيف الْهمزَة والإبدال. فَلَمَّا قيد بِحرف الْعلَّة خرج تَخْفيف الْهمزَة والإبدال مِمَّا لَيْسَ بِحرف عِلّة كاصيلال فِي أصيلان لقرب الْمخْرج. وَقَوْلهمْ للتَّخْفِيف أَيْضا فصل خرج بِهِ نَحْو أعالم بِالْهَمْزَةِ فِي عَالم فَبين تَخْفيف الْهمزَة والإعلال مباينة كُلية وَبَين الْإِبْدَال والإعلال عُمُوم من وَجه إِذْ وجدا فِي نَحْو قَالَ وَوجد الاعتلال بِدُونِ الْإِبْدَال فِي يَقُول والإبدال بِدُونِ الإعلال فِي إصيلال. والإعلال على ثَلَاثَة أَقسَام (الْقلب) كَمَا فِي قَالَ (والحذف) كَمَا فِي قلت (والإسكان) كَمَا فِي يَقُول وَسميت الْألف وَالْوَاو حُرُوف الإعلال لما وَقع فِيهَا من التغيرات المطردة. وَقد جعل بَعضهم الْهمزَة من حُرُوف الْعلَّة لذَلِك وَلم يعدها كثير إِذْ لم يجر فِيهَا مَا أجْرى فِي حُرُوف الْعلَّة من الاطراد اللَّازِم فِي كثير من الْأَبْوَاب.
الإعلال:
[في الانكليزية] Sweeting of a weak letter
[ في الفرنسية] Adoucissement d'une lettre faible
بكسر الهمزة عند الصرفيين تغيير حرف العلّة بالقلب أو الإسكان أو الحذف للتخفيف ويسمّى تعليلا واعتلالا أيضا. وحروف العلّة الألف والواو والياء، فلا يقال لتغيير الهمزة بأحد الثلاثة أي بالقلب أو الحذف أو الإسكان إعلال، بل تخفيف همزة ولا لإبدال غير حروف العلّة ولا لحذفه ولا لإسكانه إعلال، ولا يقال أيضا لتغيير حروف العلّة للإعراب لا للتخفيف إعلال كمسلمين وأبيه. وقد اشتهر في اصطلاحهم الحذف الإعلالي للحذف الذي يكون لعلّة موجبة على سبيل الاطّراد كحذف ألف عصا وياء قاض، والحذف الترخيمي والحذف لا لعلّة للحذف غير المطّرد، كحذف لام يد ودم، وإن كان أيضا حذفا للتخفيف، ولفظ القلب مختص في اصطلاحهم بإبدال حروف العلّة والهمزة بعضها مكان بعض.
والمشهور في غير الأربعة لفظ الإبدال، هكذا في الرضي شرح الشافية وغيره.

الإسناد

الإسناد
انظر: الأسانيد.
الإسناد: نسبة أحد الجزأين إلى الآخر هبه أفاد المخاطب ما يصح السكوت عليه أم لا.
الإسناد:
[في الانكليزية] Attribution ،cross reference
[ في الفرنسية] Attribution ،renvoi
عند أهل النظر والمحدّثين ستعرف في لفظ السند. وعند أهل العربية يطلق على معنيين:
أحدهما نسبة إحدى الكلمتين إلى الأخرى أي ضمّها إليها وتعلّقها [بها] فالمنسوب يسمّى مسندا والمنسوب إليه مسندا إليه، وهذا فيما سوى المركبات التقييدية شائع. وأما فيها فالمستفاد من إطلاقــاتهم أن المنسوب يسمّى مضافا أو صفة؛ والمنسوب إليه يسمّى مضافا إليه أو موصوفا.
قال المولوي عبد الحكيم في حاشية حاشية الفوائد الضيائية ما حاصله: إن الشائع في عرفهم أن النسبة عبارة عن الثبوت والانتفاء، وهي صفة مدلول الكلمة، فإضافتها إلى الكلمة إمّا بحذف المضاف أي نسبة مدلول إحدى الكلمتين إلى مدلول الأخرى أو بحمل النسبة على المعنى اللغوي. فعلى الأول يكون إطلاق المسند والمسند إليه على الالفاظ مجازا تسمية للدالّ بوصف المدلول، وعلى الثاني حقيقة. ثم المراد بالاسناد والنسبة والضم الحاصل بالمصدر المبني للمفعول وهي الحالة التي بين الكلمتين أو مدلولهما ولذا عبّر عنه الرّضي بالرابط بين الكلمتين، والمراد بالكلمة هاهنا أعم من الحقيقية ملفوظة كانت أو مقدرة، ومن الحكمية. والكلمة الحكمية ما يصحّ وقوع المفرد موقعه فدخل فيه إسناد الجمل التي لها محل من الإعراب، وكذا الإسناد الشرطي إذ الإسناد في الشرطية عندهم في الجزاء، والشرط قيد له. نعم يخرج الإسناد الشرطي على ما حققه السيّد السّند والمنطقيون من أن مدلول الشرطية تعليق حصول الجزاء بحصول الشرط، لا الإخبار بوقوع الجزاء وقت وقوع الشرط، إذ ليس المسند إليه والمسند فيهما كلمة حقيقة وهو ظاهر، ولا حكما إذ المقصود حينئذ تعليق الحكم بالحكم فتكون النسبة في كلّ واحد منهما ملحوظة تفصيلا، لا بدّ فيها من ملاحظة المسند إليه والمسند قصدا لا إجمالا، فلا يصح التعبير عنهما بالمفرد، انتهى. فالموافق لمذهبهم هو أن يقال: الإسناد ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها إلى الأخرى، أو ضمّ إحدى الجملتين إلى الأخرى.
تنبيه
قال صاحب الأطول في بحث المسند في قوله: وأما تقييد الفعل بالشرط الخ، الكلام التّام هو الجزاء والشرط قيد له إما لمسنده نحو إن جئتني أكرمك، أي اكرمك على تقدير مجيئك، وإمّا لمجموعه نحو: إن كان زيد أبا عمرو فأنا أخ له، فإنّ التقييد ليس للفعل ولا لشبهه بل للنسبة. وهذا هو المنطبق بجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ولحصر الكلام في المركّب من اسمين أو فعل واسم فقد رجع الشرطيات عندهم إلى الحمليات إلّا أنه يخالف ما ذهب إليه الميزانيون من أنّ كلّا من الشرط والجزاء خرج عن التمام بدخول أداة الشرط على الجملتين، والجزاء محكوم به والشرط محكوم عليه والنسبة المحكوم بها بينهما ليس من نسبتي الشرط [والجزاء]. قال السيّد السّند ليس كون الشرط قيدا للجزاء إلّا ما ذكره السكّاكي.

وفي كلام النحاة برمّتهم حيث قالوا: كلم المجازاة تدل على سببية الأول ومسبّبية الثاني إشارة إلى أنّ المقصود هو الارتباط بين الشرط والجزاء، فينبغي أن تحفظ هذه الإشارة وتجعل مذهب عامتهم ما يوافق الميزانيين، وكيف لا ولو كان الحكم في الجزاء لكان كثير من الشرطيات المقبولة في العرف كواذب، وهو ما لا يتحقق شرطه فيكون قولك إن جئتني أكرمك كاذبا إذا لم يجيء المخاطب مع أنه لا يكذبه العرف، وذلك لأن انتفاء قيد الحكم يوجب كذبه. وفيه أنه لا يخص كلام السكّاكي لأن حصر الكلام في القسمين المذكورين يقتضيه اقتضاء بيّنا وجعل الإسناد إليه من خواص الاسم ظاهر فيه، ولا يلزم كذب القضايا المذكورة لأنه يجوز أن يكون المراد بالجزاء في قولك إن جئتني أكرمك، أني بحيث أكرمك على تقدير مجيئك. وفي قولك إن كان زيد حمارا فهو حيوان أنه كائن بحيث يكون حيوانا على تقدير الحمارية. وفي قولك إن كان الآن طلوع الشمس كان النهار موجودا أنه يكون النهار بحيث يتصف بالوجود على تقدير طلوع الشمس الآن وعلى هذا القياس. وإشارة قولهم كلم المجازاة تدلّ الخ إلى أنّ المقصود هو الارتباط بينهما غير سديدة، بل هو كقولهم: في للظرفية، أي لظرفية مجرورها لغيره وله نظائر لا تحصى، ولم يقصد بشيء أن المقصود الارتباط بينهما.
فإن قلت إذا دار الأمر بين ما قاله الميزانيون وبين ما قاله النحاة فهل يعتبر كل منهما مسلكا لأهل البلاغة أو يجعل الراجح مسلكا وأيّهما أرجح؟
قلت الأرجح تقليل المسلك تسهيلا على أهل الخطاب والاصطلاح، ولعلّ الأرجح ما اختاره النحاة لئلا يخرج الجزاء عن مقتضاه كما خرج الشرط، إذ مقتضى التركيب أن يكون كلاما تاما، وأيضا هو أقرب إلى الضبط إذ فيه تقليل أقسام الكلام، ولو اعتبره الميزانيون لاستغنوا عن كثير من مباحث القضايا والأقيسة فكن حافظا لهذه المباحث الشريفة.
التقسيم
الإسناد بهذا المعنى إمّا أصلي ويسمّى بالتام أيضا وإمّا غير أصلي ويسمّى بغير التّام أيضا. فالإسناد الأصلي هو أن يكون اللفظ موضوعا له ويكون هو مفهوما منه بالذات لا بالعرض، وغير الأصلي بخلافه. فقولنا ضرب زيد مثلا موضوع لإفادة نسبة الضرب إلى زيد وهي المفهومة منه بالذات والتعرّض للطرفين إنما هو لضرورة توقّف النسبة عليهما. وقولنا غلام زيد موضوع لإفادة الذات والتعرّض للنسبة إنما هو للتبعية، وكذا الحال في إسناد المركبات التوصيفية وإسناد الصفات إلى فاعلها فإنها موضوعة لذات باعتبار النسبة، والمفهوم منها بالذات هو الذات باعتبار النسبة، والنسبة إنما تفهم بالعرض. ولا شك أن اللفظ إنما وضع لإفادة ما يفهم منه بالذات لا ما يفهم منه بالعرض، وتلوح لك حقيقة ذلك بالتأمّل في المركّبات التامّة إنشائية كانت أو خبرية، وفي غيرها من المركبات التقييدية وما في معناها.
هذا خلاصة ما حققه السيّد الشريف في حاشية العضدي في تعريف الجملة في مبادئ اللغة.
ومن الاسناد الغير الأصلي إسناد المصدر إلى فاعله ولذا لا يكون المصدر مع فاعله كلاما ولا جملة كما يجيء في لفظ الكلام. ومنه إسناد اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل والظرف أيضا على ما قالوا.
والإسناد الأصلي هو إسناد الفعل أو ما هو فعل في صورة الاسم كالصفة الواقعة بعد حرف النفي أو الاستفهام، كذا في الأطول في باب المسند إليه في بحث التقوى.
اعلم أنّ المراد بالإسناد الواقع في حدّ الفاعل هو هذا المعنى صرّح به في غاية التحقيق حيث قال: المراد بالإسناد في حدّ الفاعل أعم من أن يكون أصليا أو لا، مقصودا لذاته أو لا. وثانيهما الإسناد الأصلي فالإسناد الغير الأصلي على هذا لا يسمّى إسنادا. وعرّف بأنه نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكما إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة، أي من شأنه أن يقصد به إفادة المخاطب فائدة يصحّ السكوت عليها، أي لو سكت المتكلّم لم يكن لأهل العرف مجال تخطئته. ونسبته إلى القصور في باب الإفادة وإن كان بعد محتاجا إلى شيء كالمفعول به والزمان والمكان ونحوها، فدخل في الحدّ إسناد الجملة الواقعة خبرا أو صفة أو صلة ونحوها؛ فإن تلك الجمل بسبب وقوعها موقع المفرد وإن كانت غير مفيدة فائدة تامة، لكن من شأنها أن يقصد بها الإفادة إذا لم تكن واقعة في مواقع المفرد. وكذا دخل إسناد الجملة التي علم مضمونها المخاطب، كقولنا:
السماء فوقنا، فإنها وإن لم تكن مفيدة باعتبار العلم بمضمونها، لكنّها مفيدة عند عدم العلم به. فالإسناد الأصلي على نوعين: أحدهما ما هو مقصود لذاته بأن يلتفت إلى النسبة قصدا بأن يلاحظ المسند والمسند إليه مفصّلا، كما في قولنا: زيد قائم، وأ قائم الزيدان. وثانيهما ما هو غير مقصود لذاته بأن لا يلتفت إلى النسبة قصدا بل إلى مجموع المسند والمسند إليه من حيث هو مجموع كإسناد جملة قائمة مقام المفرد، والواقعة صلة، ونحو ذلك. ويتضح ذلك في لفظ القضية. فبقيد الإفادة خرج الاسناد الغير الأصلي. ولما كانت الإفادة غير مقيدة بشيء يشتمل الحدّ الاسناد الخبري وهو النسبة الحاكية عن نسبة خارجية. والإسناد الانشائي وهو ما لا يكون كذلك. وعرّف الإسناد الخبري بأنه ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها كالمركّبات التقييدية وما في معناها إلى الأخرى بحيث يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى أو منفي عنه، فإنّ مفاد الخبر هو الوقوع واللاوقوع لا الحكم بهما، وهذا أوفق بإطلاق المسند والمسند إليه على اللفظ على ما هو اصطلاحهم، فهو أولى من تعريف المفتاح بأنه الحكم بمفهوم لمفهوم بأنه ثابت له أو منفي عنه؛ لكن صاحب المفتاح أراد التنبيه على أنّ هذا الاطلاق على ضرب من المسامحة وتنزيل الدالّ منزلة المدلول لشدّة الاتصال بينهما.
وتعريفه المنطبق على مذهب الميزانيين هو أنه ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها إلى الأخرى، أو ضم إحدى الجملتين بحيث يفيد الحكم بأن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى، أو عنده، أو مناف لمفهوم الأخرى، أو ينفي ذلك كذا في الأطول.

فائدة:
قيل في نحو: زيد عرف، ثلاثة أسانيد مترتبة في التقديم والتأخير، أولها إسناد عرف إلى زيد بطريق القصد وامتناع إسناد الفعل إلى المبتدأ قبل عود الضمير ممنوع. وثانيها إسناده إلى ضمير زيد. وثالثها إسناده إلى زيد بطريق الالتزام بواسطة أن عود الضمير إلى زيد يستدعي صرف الإسناد إليه مرة ثانية. أما وجه تقديم الأول على الثاني فلأنّ الإسناد نسبة لا تتحقق قبل تحقق الطرفين وبعد تحققهما لا تتوقف على شيء آخر. ولا شك أن ضمير الفاعل إنما يكون بعد الفعل والمبتدأ قبله. فكلّ ما يتحقق الفعل أسند إلى زيد لتحقق الطرفين.
ثم إذا تحقّق الضمير انعقد بينهما الحكم. وأما وجه تقديم الثاني على الثالث فظاهر كذا في المطول في آخر باب المسند.

فائدة:
المسند فعلي وسببي فالمسند الفعلي كما ذكر في المفتاح ما يكون مفهومه محكوما بثبوته للمسند إليه أو بالانتفاء عنه بخلاف السببي، فإن: زيد ضرب حكم فيه بثبوت الضرب لزيد، وزيد ما ضرب حكم فيه بنفي الضرب عنه، بخلاف زيد ضرب أبوه فإنه لم يحكم فيه بثبوت ضرب أبوه لزيد بل بثبوت أمر يدلّك عليه ذلك المذكور، وهو كائن بحيث ضرب أبوه؛ فالمسند السببي سمّي مسندا لأنه دال على المسند الحقيقي، والمسند السببي ما أسند فيه شيء إلى ما هو متعلّق المسند إليه، وصار ذلك سببا لإسناد أمر حاصل بالقياس إليه إلى المسند إليه، نحو: زيد أبوه منطلق، فإن أبوه منطلق أسند فيه شيء إلى متعلق زيد، وصار ذلك سببا لإسناد كون زيد بحيث ينطلق أبوه إليه. وعلى هذا يلزم أن يكون منطلق أبوه في: زيد منطلق أبوه مسندا سببيا، ولا يكون نحو: زيد مررت به، وزيد كسرت سرج فرس غلامه فعليا ولا سببيا. هذا هو مختار صاحب الاطول. وذكر الفاضل في شرح المفتاح أن المسند في: زيد منطلق أبوه فعلي بخلافه في: زيد أبوه منطلق؛ فإنّ في المثال الأول اسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة، فالمحكوم به في زيد منطلق أبوه هو المفرد، بخلاف زيد أبوه منطلق، وهذا خبط ظاهر لأن اللازم مما ذكر أن لا يكون منطلق مع أبوه جملة، ولم يلزم منه أن يكون المسند هو منطلق وحده. وقال صاحب التلخيص: والمراد بالسببي نحو زيد أبوه منطلق، وقال في المطول لم يفسّر المصنف له لإشكاله وتعسّر ضبطه، وكان الأولى أن يمثل بالجملة الفعلية أيضا نحو: زيد انطلق أبوه. ويمكن أن يفسر بأنه جملة علقت على المبتدأ بعائد بشرط أن لا يكون ذلك العائد مسندا إليه في تلك الجملة، فخرج نحو: زيد منطلق أبوه، لأنه مفرد، ونحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لأن تعليقها على المبتدأ ليس بعائد، ونحو: زيد قائم، وزيد هو قائم، لأن العائد مسند إليه، ودخل فيه نحو:
زيد أبوه قائم، وزيد ما قام أبوه، وزيد مررت به، وزيد ضرب عمرا في داره، وزيد كسرت سرج فرس غلامه، وزيد ضربته، ونحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا لأنّ المبتدأ أعم من أن يكون قبل دخول العوامل أو بعدها، والعائد أعم من الضمير وغيره. فعلى هذا، المسند السببي هو مجموع الجملة التي وقعت خبر مبتدأ. وهاهنا بحث طويل الذيل وتحقيق شريف لصاحب الأطول تركناه حذرا من الاطناب.
اعلم أنّ الاسناد في الحديث أن يقول المحدّث: حدّثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وهو يسمّى بعلم أصول الحديث أيضا وقد سبق في المقدمة.

الأب

الأب: بالتشديد المرعى المتهيئ للرعي أو الذي لم تزرعه الناس مما يأكله الدواب والأنعام.
الأب: الوالد والأبوان: الأب والأم أو الأب والجد أو الأب والعم أو الأب والمعلم، وكذا كل من كان سببا لإيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره.
الأب: الوالد ويسمى كلُّ مَن كان سبباً في إيجاد شيء، أو إصلاحه أو ظهوره أباً قاله الراغب. وقال السيد: "الأبُ حيوانٌ يتولد من نطفةِ شخص آخر من نوعه".
الأب:
[في الانكليزية] Full moon .stars
[ في الفرنسية] Pleine lune ،astres

بالفارسية: پدر، الآباء الجمع، والآباء عند الحكماء تطلق على الأفلاك. وسيجيء في لفظ الأمّهات.
الأبّ
الأبُّ: العُشب والمرعى، من: أبَّ يؤبُّ أبّاً وأَبَاباً وأبابَةً: نشأ وطلع . وهي مادة قديمة جرى فيها تصرّفُ اللسان، فتجدها في صور متشابهة، مثلاً: أمَّ، و هَمَّ، و هَبَّ، و تَأهَّبَ . فأَبَّ صورة أخرى لهَبّ. ولذلك نظائر، مثلاً: هَزَّ و أزَّ، وأرَاقَ و هَرَاقَ ، قال الأعشى:
أخٌ قَدْ طَوَى كَشْحاً وَأبَّ لِيَذْهَبَا أي هَبَّ وهَمَّ.
وإنما سُمّي المرعى "أبّاً" لنشئه أولاً بعد المطر. ومنه: إبَّان النبات. لأول خروجه. ثم توسّع، فقيل: إبّان الشباب، لمناسبة ظاهرة؛ ثم إبّان كل شيء: أوّل وقته. يقال: كُلِ الفواكهَ فِي إبَّانِها .
وتوهّم الجوهري وغيره، فجعل الإبّان فِعَّالاً من مادة "أبن" ، ولا مناسبة بينهما، فإن أبَنَه بشيء: اتهمــه به، من الأُبنَةِ: وهي العقدة في العود. وإنما هو فِعْلاَن من "أبَّ" لما يدلّ عليه المناسبة بينهما، ولما تجد هذه المادة بهذا المعنى في العبرانية -وهي أخت العربية-[. . .] (أب ب) [. . .] (أب): الخضرة والثمرة. [. . .] (أبيب): السنبلة الخضراء، وأول شهورهم -وهو الربيع- لظهور النبات فيه أولاً .
ومما ذكرنا تبيّن أن هذه المادّة مما عرفته العرب، وإنَّما قَلّ استعمالها في أشعارهم لخفّة مرادفاتها . ولكن إذا أريدَ استعمالُ كلمة جامعة وحسن موقعها لم تترك، بل تكون أحسن من غيرها .
الأب
قال السيوطي" (آب) قال بعضهم وهو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيدلة ".اهـ. ونقله عنه جفري وفسر لغة أهل الغرب بالبربرية. أقول وهذا من أعجب العجب ولا نعلم أن العرب كانت لهم علاقة بالبربر قبل الإسلام حتى تقتبس العربية من لغتهم ثم إن هذه الكلمة يبعد أن تكون بربرية لأنها لا تشبه الكلمات البربرية وإنما تشبه العربية والسريانية والعبرانية. وقال جفري أنه مأخوذ من (أبا) الآرامية ومعناه الخضرة.
وقال في لسان العرب:"الاب الكلأ وعبر بعضهم عنه بأنه المرعى، وقال الزجاج: الاب، جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية، وفي التنزيل العزيز {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} ,قال أبو حنيفة سمى الله تعالى المرعى كله أبا.قال الفراء الاب ما يأكله الأنعام، وقال مجاهد: الفاكهة ما أكله الناس، والاب ما أكلت الأنعام، فالاب من المرعى للدواب كالفاكهة للانسان. وقال الشاعر:
جذ منا قيس ونجد دارنا ... ولنا الاب به والمكرع
قال ثعلب: الاب كل ما أخرجت الأرض من النبات، وقال عطاء كل شئ ينبت على وجه الأرض فهو الاب وفي حديث أن عمر بن الخطاب "قرأ قوله عز وجل: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} وقال فما الاب؟ ثم قال ما كلفنا وما أمرنا بهذا".اهـ.
وقال ابن كثير عن ابن جرير بسنده إلي أنس قال قرأ عمر بن الخطاب {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فلما أتى على هذه الآية: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} قال قد عرفناها الفاكهة فما الاب؟ فقال لعمرك
يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلّف" فهو إسناد صحيح رواه غير واحد عن أنس به. وهذا محمول على أنه أراد يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}

الحياة

الحياة: في الأصل: الروح وهي الموجبة لتحرك من قامت به، ذكره العكبري.

وقال الحرالي: الحياة تكامل في ذات ما أدناه حياة النبات بالنمو والاهتزاز مع انغراسه إلى حياة ما يدب بحركته وحسه إلى غاية حياة الإنسان في تصرفه وتصريفه إلى ما وراء ذلك من التكامل في علومه وأخلاقه. وقال في موضع آخر: الحياة كل خروج عن الجمادية من حيث إن معنى الحياة بالحقيقة تكامل الناقص. وقال ابن الكمال: الحياة صفة توجب للمتصف بها العلم والقدرة. وقال الراغب: تستعمل للقوة النامية الموجودة بالنبات والحيوان، وللقوة الحساسة، ومنه سمي الحيوان حيوانا، وللقوة العالمة العاقلة، ومنه {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} وقوله
لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولارتفاع الهم والغم ومنه قوله
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
وللحياة الأخروية والأبدية وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم، وللحياة التي يوصف بها الباري فإنه إذا قيل فيه حي فمعناه لا يصح عليه الموت وذلك ليس إلا له.
الحياة:
[في الانكليزية] Life
[ في الفرنسية] Vie
بالفتح بمعنى زندگى ضد موت. والحي زنده كما في الصراح. ومفهومه بديهي فإنه من الكيفيات المحسوسة. وقال ابن سينا ماهيات المحسوسات غنية عن التعريف. واختلف في رسومها. فقيل هي قوة تتبع الاعتدال النوعي وتفيض منها سائر القوى الحيوانية. ومعنى الاعتدال النوعي أنّ كل نوع من أنواع المركّبات العنصرية له مزاج مخصوص هو أصلح الأمزجة بالنسبة إليه فالحياة في كل نوع من أنواع الحيوانات تابعة لذلك المزاج المسمّى بالاعتدال النوعي. ومعنى الفيضان أنّه إذا حصل في مركّب عنصري اعتدال نوعي فاضت عليه من المبدأ قوة الحياة ثم انبعثت منها قوى أخرى، أعني الحواس الظاهرة والباطنة والقوى المحرّكة إلى جلب المنافع ودفع المضار، كلّ ذلك بتقدير العزيز العليم فهي تابعة للمزاج النوعي ومتبوعة لما عداها. وقد ترسم الحياة بأنّها قوة تقتضي الحسّ والحركة الإرادية مشروطة باعتدال المزاج.
واستدلّ الحكيم على مغايرة الحياة لقوتي الحسّ والحركة فقال ابن سينا هي غير قوة الحسّ والحركة، وغير قوة التغذية فإنّها توجد في العضو المفلوج إذ هي الحافظة للأجزاء عن الانفكاك، وليس له قوة الحسّ والحركة. وكذا الحال في العضو الذابل فإنّه لو لم يكن حيّا يفسد بالتعفّن مع عدم قوة التغذية، وتوجد في النبات قوة التغذية مع عدم الحياة. وأجيب بأنّا لا نسلّم أن قوة الحس والحركة والتغذية مفقودة في المفلوج والذابل لجواز أن يكون الإحساس والحركة والتغذية قد تخلّف عن القوة الموجودة فيها لمانع يمنعها عن فعلها، لا لعدم المقتضي.
ولا نسلم أنّ التغذية التي في الحي موجودة في النبات لجواز أن تكون التغذية في النبات مخالفة بالماهية للتغذية في الحي. هذا خلاصة ما في شرح الطوالع وشرح المواقف. فعلى هذا لا توجد الحياة في النبات وقيل بوجودها في النبات أيضا لأن الحياة صفة هي مبدأ التغذية والتنمية. ومنهم من ادّعى تحقق الحس والحركة في النبات كما سيجيء. وفي الملخّص الحياة إما اعتدال المزاج أو قوة الحسّ والحركة أو قوة تتبع ذلك الاعتدال، سواء كان نفس قوة الحسّ والحركة، أو مغايرة لها كما اختاره ابن سينا انتهى.

وفي البيضاوي في تفسير قوله تعالى:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ الآية، الحياة حقيقة في القوة الحسّاسة أو ما يقتضيها مجاز في القوة النامية لأنّها من مقدماتها، وفيما يخصّ الإنسان من الفضائل كالعقل والعلم والإيمان من حيث إنّه كمالها وغايتها، والموت بإزائها يقال على ما يقابلها في كل مرتبة كما قال تعالى: يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، وقال اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، وقال أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ انتهى كلامه.
فائدة:
شرط الحياة عند الحكماء البنية التي هي الجسم المركّب من العناصر على وجه يحصل من تركيبها مزاج. قالوا الحياة مشروطة باعتدال المزاج وبالروح الذي هي أجسام لطيفة تتولّد من بخارية الأخلاط سارية في الشرايين المنبثّة من القلب. وكذا عند المعتزلة إلّا أنّ البنية عندهم هي مجموع جواهر فردة لا يمكن [تركب بدن] الحيوان من أقلّ منها، والأشاعرة لا يشترطون البنية ويقولون يجوز أن يخلق الله تعالى الحياة في جزء واحد من الأجزاء التي لا تتجزى.

قال الصوفية: الحياة عبارة عن تجلّي النفس وتنورها بالأنوار الإلهية. وفي التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى أنّ المراد من الموتى عند أهل التصوّف القلوب المحجوبة عن أنوار المكاشفات والتجلّي، والإحياء عبارة عن حصول ذلك التجلّي والأنوار الإلهية انتهى.
وفي القشيري في تفسير هذه الآية، قال الجنيد: الحي من تكون حياته بحياة خالقه، لا من تكون حياته ببقاء هيكله. ومن يكون بقاؤه ببقاء نفسه فإنّه ميت في وقت حياته. ومن كانت حياته به كان حقيقة حياته عند وفاته، لأنّه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصلية. قال تعالى:
لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا انتهى.
والمستفاد من الإنسان الكامل أنّ الحياة هي الوجود وهي تعمّ المعاني والهيئات والأشكال والصّور والأقوال والأعمال والمعادن والنباتات وغير ذلك. قال وجود الشيء لنفسه حياته التامة ووجوده لغيره حياة إضافية له.
فالحق سبحانه موجود لنفسه فهو الحيّ، وحياته وهي الحياة التامة، والخلق من حيث الجملة موجودون بالله فحيــاتهم إضافية، ولذا التحق بها الفناء والموت. ثم إنّ حياة الله تعالى في الخلق واحدة تامة، لكنهم متفاوتون فيها. فمنهم من ظهرت الحياة فيه على صورتها التامة وهو الإنسان الكامل، فإنّه موجود لنفسه وجودا حقيقيا لا مجازيا ولا إضافيا. فربّه هو الحيّ التام الحياة بخلاف غيره، والملائكة العلّيّون وهم المهيمنة ومن يلحق بهم، وهم الذين ليسوا من العناصر كالقلم الأعلى واللوح وغيرهما من هذا النوع، فإنّهم ملحقون بالإنسان الكامل فافهم، ومنهم من ظهرت فيه الحياة على صورتها لكن غير تامة وهو الإنسان الحيواني والملك والجنّ فإنّ كلا من هؤلاء موجود لنفسه يعلم أنّه موجود وأنّه كذا وكذا، ولكنّ هذا الوجود له غير حقيقي لقيامه بغيره. فربّه موجود للحق لا له، وكانت حياة ربّه حياة غير تامة. ومنهم من ظهرت فيه لا على صورتها وهي باقي الحيوانات، ومنهم من بطنت فيه الحياة فكان موجودا لغيره لا لنفسه كالنباتات والمعادن والمعاني وأمثال ذلك، فسارت الحياة في جميع الأشياء. فما موجود إلّا وهو حي لأنّ وجوده عين حياته، وما الفرق إلّا أن يكون تامّا أو غير تام، بل ما تمّ إلّا من حياته التّامة لأنّه على القدر الذي تستحقه مرتبة، فلو نقص أو زاد لعدمت تلك المرتبة. فما في الوجود إلّا ما هو حي بحياة تامة ولأنّ الحياة عن واحدة ولا سبيل إلى نقص فيها ولا إلى انقسام لاستحالة تجزئ الجوهر الفرد. فالحياة جوهر فرد موجود بكماله في كل شيء، فشيئية الشيء هي حياته وهي حياة الله التي قامت الأشياء بها، وذلك هو تسبيحها من حيث اسمه الحي لأن كل موجود يسبح الحق من حيث كل اسم فتسبيحه من حيث اسمه الحيّ هو عين وجوده بحياته ومن حيث اسمه العليم هو دخولها تحت علمه. وقولها لها يا عالم هو كونها أعطاها العلم من نفسها بأن حكم عليها أنّها كذا وكذا وتسبيحها له من حيث اسمه السميع هو إسماعها إيّاه كلامها، وهو ما استحقّ حقائقها بطريق الحال فيما بينها وبين الله بطريق المقال، ومن حيث اسمه القدير هو دخولها تحت قدرته، وقس على ذلك باقي الأسماء.
إذا علمت ذلك فاعلم أنّ حياتها محدّثة بالنسبة إليها قديمة بالنسبة إلى الله تعالى لأنّها حياته، وحياته صفة له قديمة. ومتى أردت أن تتعقل ذلك فانظر إلى حياتك وقيّدها بك فإنّك لا تجد إلّا روحا يختصّ بك، وذلك هو المحدث. ومتى رفعت النظر في حياتك من الاختصاص بك وذقت من حيث الشهود أنّ كل حي في حياته كما كنت فيها وشهدت سريان تلك الحياة في جميع الموجودات، علمت أنّها الحياة الحق التي أقام بها العالم وهي الحياة القديمة الإلهية.
واعلم أنّ كلّ شيء من المعاني والهيئات والأشكال والصور والأقوال والأعمال والمعادن والنباتات وغير ذلك مما يطلق عليه اسم الوجود فإنّ له حياة في نفسه لنفسه، حياة تامة كحياة الإنسان. لكن لمّا حجب ذلك عن الأكثرين نزّلناه عن درجة الإنسان وجعلناه موجودا لغيره، وإلّا فكلّ شيء له وجود في نفسه لنفسه وحياة تامة، بها ينطق ويعقل ويسمع ويبصر ويقدر ويريد ويفعل ما يشاء ولا يعرف هذا إلّا بطريق الذوق والكشف، وأيّد ذلك الإخبارات الإلهية من أنّ الأعمال تأتي يوم القيمة صورا تخاطب صاحبها فتقول له عملك ثم يأتيه غيرها وتطرده وتناجيه. ومن هذا القبيل نطق الأعضاء والجوارح، انتهى ما في الإنسان الكامل.
فائدة:
اختلف العلماء في حياته تعالى. فذهب الحكماء وأبو الحسين البصري من المعتزلة إلى أنها صحة العلم والقدرة. وقال الجمهور من الأشاعرة ومن المعتزلة إنّها صفة توجب صحّة العلم والقدرة. وقال صاحب الإنسان الكامل إنّها هي وجوده لنفسه كما عرفت.

يرموك

[يرموك] نه: فيه "اليرموك"، موضع بالشام كانت به وقعة عظيمة للمسلمين والروم زمن عمر. ك: أي مع عسكر قيصر هرقل، وكانت الدولة للمسلمين. ج: ويوم يرموك يوم تلك الوقعة وأبلى فيه الزبير بلاء حسنا.
يرموك:
واد بناحية الشام في طرف الغور يصب في نهر الأردن ثم يمضي إلى البحيرة المنتنة، كانت به حرب بين المسلمين والروم في أيام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وقدم خالد الشام مددا لهم فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش، أبو عبيدة على جيش ويزيد بن أبي سفيان على جيش وشرحبيل بن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش، فقال خالد: إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم وتوجهوا لله تعالى بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده فلا تقاتلوا قوما على نظم وتعبئة وأنتم على تساند وانتشار فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من وإليكم، قالوا: فما الرأي؟ قال: إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم، ولقد علمت أن الدنيا فرّقت بينكم والله فهلمّوا فلنتعاورنّ الإمارة فليكن علينا بعضنا اليوم وبعضنا غدا والآخر بعد غد حتى يتأمّر كلكم ودعوني اليوم عليكم، قالوا: نعم، فأمّروه وهم يرون أنها كخرجــاتهم فكان الفتح على يد خالد يومئذ وجاءه البريد يومئذ بموت أبي بكر، رضي الله عنه، وخلافة عمر، رضي الله عنه، وتأمير أبي عبيدة على الشام كله وعزل خالد، فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس عن الأمر لئلا يضعفوا إلى أن هزم الله الكفار وقتل منهم فيما يزعمون ما يزيد على مائة ألف ثم دخل على أبي عبيدة وسلّم عليه بالإمارة وكانت من أعظم فتوح المسلمين وباب ما جاء بعدها من الفتوح لأن الروم كانوا قد بالغوا في الاحتشاد فلما كسروا ضعفوا ودخلتهم هيبة، وقال القعقاع بن عمرو يذكر مسيرة خالد من العراق إلى الشام بعد أبيات:
بدأنا بجمع الصّفّرين فلم ندع ... لغسّان أنفا فوق تلك المناخر
صبيحة صاح الحارثان ومن به ... سوى نفر نجتذهم بالبواتر
وجئنا إلى بصرى وبصرى مقيمة، ... فألقت إلينا بالحشا والمعاذر
فضضنا بها أبوابها ثم قابلت ... بنا العيس في اليرموك جمع العشائر
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.