Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: عصام

من رَآنِي فقد رأى الْحق

من رَآنِي فقد رأى الْحق: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن أبي زِيَاد حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد حَدثنَا ابْن أخي ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَمه قَالَ قَالَ أَبُو سَلمَة قَالَ أَبُو قَتَادَة قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من رَآنِي يَعْنِي فِي النّوم فقد رأى الْحق ". وَمَعْنَاهُ عِنْد الصُّوفِيَّة مَا يفهم مَا قَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي.
شعر:
(خود كفت هر انكس كه مرا ديد خدا ديد ... )
(يَعْنِي بود آئينه حق روى مُحَمَّد ... )
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من إِسْنَاد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي " - قَالَ قدوة المدققين مَوْلَانَا عِصَام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رَآنِي فِي وَقت النّوم فقد رَآنِي ذاتي فَإِنَّهُ تمثل لَهُ ذاتي بِصُورَة مُنَاسبَة للْوَقْت لهدايته - فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي أَي بشبهي وَفِي صُورَة مُضَافَة إِلَيّ وَلَا يخدع الرابي بإلقاء أَنه رَسُول الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فعلى هَذَا من رأى إنْسَانا فِي النّوم واعتقد أَنه رَسُول الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقد رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أَي صُورَة كَانَت. وَهَذَا مَذْهَب الْأَكْثَر وَهُوَ الْمَعْقُول المقبول عِنْد الْعُقُول أَيْضا لِأَن الله تَعَالَى جعله رَحْمَة للْعَالمين وهاديا للضالين وحافظا من وساوس الشَّيْطَان.
وَإِذا تنور الْعَالم بِنور وجوده رجمت الشَّيَاطِين من الِاسْتِمَاع من الْمَلَائِكَة وهدمت بُنيان الكهنة فَكيف يتَصَوَّر أَن يضل الشَّيْطَان مُؤمنا فِي صورته وَلَو كَانَ يتَمَثَّل بصورته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتمثل فِي الْخَارِج أَيْضا. فَكَمَا لَا يقدر أَن يظْهر على الْعُيُون بصورته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للمتيقظين لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي الْمَنَام. ويرشد بِهَذَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بإسنادهما إِلَى أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عَن رَسُول الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة أَو فَكَأَنَّمَا يراني فِي الْيَقَظَة وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي ". فَإِنَّهُ يُنبئ عَن أَنه كَمَا لم يُمكن لَهُ التمثل فِي الْيَقَظَة لَا يُمكنهُ فِي الْمَنَام. وَذهب الْبَعْض إِلَى أَنه إِذا رَآهُ فِي صُورَة من الصُّور كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته فقد رَآهُ - وَذهب الْبَعْض إِلَى أَنه من رَآهُ فِي صُورَة من الصُّور يرَاهُ بِعَيْنِه كَمَا يُمكن رَآهُ فِي حَيَاته.
وَاعْترض الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَنَّهُ يلْزم أَن يخرج من قَبره ويصل إِلَى مَكَان المرئي وَلَا يرَاهُ اثْنَان مَعًا فِي الْيَقَظَة فِي مكانين وَلَا يظْهر فِي غير صُورَة كَانَت لَهُ فِي أَيَّام حَيَاته. وَيَردهُ أَنه يرَاهُ بِعَين فَلَا يشْتَرط الْقرب والبعد فيراه فِي مَكَانَهُ - وَأما الرُّؤْيَة فِي مكانين وعَلى غير صورته فتخيل من الرَّأْي فَلَا بَأْس أَن لَا يكون لَهُ حَقِيقَة وَيكون تغييرا عَن أَمر آخر سوى كَونه فِي هَذَا الْمَكَان وَسوى هَذِه الصُّورَة.
ولنذكر لَك فصلا من رُؤْيَة الله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وأئمة الدّين تتميما لباب الرُّؤْيَة - قَالَ الشَّيْخ الإِمَام محيي السّنة رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح السّنة رُؤْيَته تَعَالَى فِي الْمَنَام جَائِزَة. قَالَ معَاذ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنِّي نَعَست فَرَأَيْت رَبِّي عز وَجل ". ورؤيته تَعَالَى ظُهُور الْعدْل والفرح وَالْخصب وَالْخَيْر لأهل ذَلِك الْموضع فَإِن رَآهُ فوعد لَهُ جنَّة أَو مغْفرَة أَو نجاة من النَّار فَهُوَ وعد حق وَكَلَام صدق. وَإِذا رَآهُ معرضًا عَنهُ فَهُوَ تحذير من الذُّنُوب لقَوْله تَعَالَى: {لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم} . وَإِن أعطَاهُ من اتبعهُ فِي الدّين فَهُوَ بلَاء ومحنة يُصِيبهُ توصلا إِلَى أجر عَظِيم. وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِنَبِي من الْأَنْبِيَاء وَلَا بِملك من الْمَلَائِكَة وَلَا بالشمس وَالْقَمَر والنجوم المضيئة والسحاب الَّذِي فِيهِ الْغَيْن. ورؤية الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان - ورؤية أهل الدّين بركَة وَخير على قدر مَنَازِلهمْ فِي الدّين - وَمن رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كثيرا فِي الْمَنَام لم يزل خَفِيف الْحَال مقلا فِي الدُّنْيَا من غير حَاجَة وَلَا خذلان من الله عز وَجل - ورؤية الإِمَام إِصَابَة خير وَشرف. سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد مُحَمَّد بن حمويه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. أما عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إِذا اشْتقت إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صليت هَذِه الصَّلَاة فَلَا أَبْرَح فِي مَكَاني حَتَّى أرَاهُ. وَفِي حَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ من صلاهَا وَلم يره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلست بعمر وَإِن من صلاهَا وَلَو فِي عمره مرّة وَاحِدَة يقْضِي الله تَعَالَى حَوَائِجه كلهَا وَيغْفر ذنُوبه وَلَو كَانَت ملْء الأَرْض وَهِي أَربع رَكْعَات بتشهدين وتسليمة وَاحِدَة تقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب مرّة وَإِنَّا أنزلنَا عشر مَرَّات وتسبح خَمْسَة عشر مرّة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ثمَّ تركع وَتقول ثَلَاث مَرَّات سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وتسبح فِي الرُّكُوع عشر مَرَّات ثمَّ ترفع رَأسك وتسبح ثَلَاث مَرَّات ثمَّ تسْجد وتسبح خمس مَرَّات ثمَّ ترفع رَأسك وَلَيْسَ فِيمَا بَين السَّجْدَتَيْنِ شَيْء. ثمَّ تسْجد ثَانِيًا على مَا وصف إِلَى أَن يتم أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة. فَإِذا فرغت من الصَّلَاة فَلَا تكلم حَتَّى تقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب عشر مَرَّات وَإِنَّا أنزلنَا عشر مَرَّات ثمَّ تسبح ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ثمَّ تَقول جزى الله مُحَمَّدًا عَنَّا مَا هُوَ أَهله فَإِنَّهُ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة - قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من صلاهَا فِي عمره مرّة وَاحِدَة يَأْتِيهِ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ رَيَّان وَيدخل الْقَبْر وَهُوَ رَيَّان ويفرش لَهُ من الْورْد والياسمين وينبت عبهر عِنْد رجلَيْهِ وعبهر عِنْد رَأسه وعبهر عَن يَمِينه وعبهر عَن يسَاره فَإِذا خرج من الْقَبْر خرج من وسط العبهر وَقد توج بتاج الْكَرَامَة.
نقلت هَذِه النِّعْمَة الْعُظْمَى من خطّ جمال الدّين بن عبد الْعَزِيز الأجيهتي رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَلْدَة أَحْمد نكر من (مضافاة خجسته بنياد اورنكك آباد) من بِلَاد دكن فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع شهر شعْبَان الْمُعظم سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَألف وَكَانَ الْمَكْتُوب بِخَطِّهِ رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الْعبارَة نقلنا هَذَا الدّرّ الْأَزْهَر والمسك الأذفر من خطّ السَّيِّد الْجَلِيل صَاحب وقته أَحْمد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ بِمَكَّة المشرفة فِي صَبِيحَة ثَالِث عشر من مولد هَذَا النَّبِي الْكَرِيم عَلَيْهِ أفضل التَّحِيَّة وَأجل التَّسْلِيم من سنة تِسْعَة وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ بذيله بِخَطِّهِ الشريف وَهَذَا خطّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْغَزالِيّ حامدا لله تَعَالَى على نعمه ومصليا على نبيه سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وَآله الأكرمين فِي شهر الله الْأَصَم رَجَب سنة ثَلَاث وَخمْس مائَة نَقله الْفَقِير إِلَى كرم الله الْوَدُود صفي الدّين مُحَمَّد ابْن سُلْطَان مَحْمُود عفى الله عَنْهُمَا من شرِيف خطّ الْمولى الْأَعْظَم الأكرم الْمولى مصطفى الرُّومِي سلمه الله تَعَالَى فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَخمسين وَتِسْعمِائَة ببلدة بخارا بجوار مدرسة غازيان وَكَانَ بذيله بِخَطِّهِ الشريف الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا وَهَذَا من جملَة نعمه علينا بِمَكَّة المشرفة نقلت من شرِيف خطّ الشَّيْخ الْكَامِل صفي الدّين مُحَمَّد سلمه الله الصَّمد حامدا لله على مَا أنعم. ومصليا على رَسُوله الأكرم. وَآله الأتقياء. وَصَحبه الأصفياء. وَأَنا الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ جمال الدّين عبد الْعَزِيز الأجيهتي عفى عَنْهُمَا سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة.

رُؤْيا الْمُؤمن

رُؤْيا الْمُؤمن: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَام وَذَلِكَ لِأَن مُدَّة الْوَحْي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَكَانَت ابتداؤه سِتَّة أشهر فِي النّوم وبالتنصيف يصير سِتَّة وَأَرْبَعين نصف سنة فَتكون الرُّؤْيَا وَهِي سِتَّة أشهر جُزْءا مِنْهَا. وَقَالَ الْفَاضِل المدقق مَوْلَانَا عِصَام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الشَّمَائِل جعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الرُّؤْيَا جُزْءا من النُّبُوَّة وَيُرَاد بِهِ أَنه مُوَافق لما هُوَ جُزْء من النُّبُوَّة.
وتوجيه كَونه جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين بِأَن زمَان الْوَحْي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَسِتَّة أشهر قبلهَا كَانَت رُؤْيا ضَعِيف لِأَنَّهُ لم يثبت كَون زمَان الرُّؤْيَا سِتَّة أشهر وَلِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ سِتَّة وَأَرْبَعين. جَاءَ فِي رُؤْيَة مُسلم رُؤْيا الْمُسلم جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين وَجَاء من سبعين. وَفِي غير مُسلم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا من أَرْبَعِينَ جُزْءا وَفِي رِوَايَة من تِسْعَة وَأَرْبَعين وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من خمسين وَفِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود من عشْرين وَمن رِوَايَة عباد من أَرْبَعَة وَأَرْبَعين. وَالْحق أَنه من التوقيفيات وَلَا يعرف إِلَّا بِبَيَان الشَّارِع انْتهى.
وروى البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يبْق من النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة - وَقَالَ الْخطابِيّ رَحمَه الله المُرَاد من رُؤْيا الْمُؤمن الحَدِيث تَحْقِيق أَمر من الرُّؤْيَا وتأكيده إِيَّاه وَإِنَّمَا كَانَت جُزْءا من أَجزَاء النُّبُوَّة فِي حق الْأَنْبِيَاء دون غَيرهم فَكَانَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام يُوحى إِلَيْهِم فِي النّوم واليقظة انْتهى.

الحكم

(الحكم) الْعلم والتفقه وَالْحكمَة يُقَال الصمت حكم وَالْقَضَاء

(الحكم) من أَسمَاء الله تَعَالَى وَالْحَاكِم وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {أفغير الله أَبْتَغِي حكما} وَمن يخْتَار للفصل بَين المتنازعين وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا} وَيُقَال رجل حكم مسن وهم حِكْمَة
الحكم: بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْكَاف أثر الشَّيْء الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَفِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَى أَمر آخر إِيجَابا أَو سلبا. فَخرج بِهَذَا مَا لَيْسَ بِحكم كالنسبة التقييدية. وَفِي اللُّغَة تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام ثمَّ نقل إِلَى مَا يَقع بِهِ الْخطاب. وَلِهَذَا قَالُوا إِن مُرَاد الْأُصُولِيِّينَ بخطاب الله تَعَالَى هُوَ الْكَلَام اللدني.

وَالْحكم المصطلح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ أثر حكم الله الْقَدِيم فَإِن إِيجَاب الله تَعَالَى قديم وَالْوُجُوب حكمه وأثره. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاق الحكم على خطاب الشَّارِع وعَلى أَثَره وعَلى الْأَثر الْمُتَرَتب على الْعُقُود والفسوخ بالاشتراك اللَّفْظِيّ. ومرادهم بالمحكوم عَلَيْهِ من وَقع الْخطاب لَهُ وبالمحكوم بِهِ مَا تعلق بِهِ الْخطاب كَمَا يُقَال حكم الْأَمِير على زيد بِكَذَا.
وَيعلم من التَّوْضِيح فِي بَاب الحكم أَن مورد الْقِسْمَة الحكم بِمَعْنى الْإِسْنَاد أَي إِسْنَاد الشَّارِع أمرا إِلَى أَمر فِيمَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف من حَيْثُ هُوَ مُكَلّف صَرِيحًا كالنص أَو دلَالَة كالإجماع وَالْقِيَاس. فَفِي جعل الْوُجُوب وَالْملك وَنَحْو ذَلِك أقساما للْحكم بِهَذَا الْمَعْنى تسَامح ظَاهر.

وَفِي اصْطِلَاح الْمَعْقُول: يُطلق على أَرْبَعَة معَان: الأول: الْمَحْكُوم بِهِ. وَالثَّانِي: النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية. وَالثَّالِث: التَّصْدِيق أَي إذعان أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. وَالرَّابِع: الْقَضِيَّة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على الرابط بَين الْمَعْنيين. وَتَحْقِيق أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة إِمَّا فِي الْجَزَاء أَو بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَيْهَا.
وَاعْلَم أَن الحكم بِمَعْنى التَّصْدِيق هُوَ الإذعان كَمَا مر. ثمَّ مُتَعَلق الإذعان عِنْد الْمُتَقَدِّمين من الْحُكَمَاء هُوَ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ من قبيل الْمَعْلُوم عِنْدهم - وَعند الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم مُتَعَلق الإذعان هُوَ وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا الَّذِي هُوَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة فللقضية عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَلَاثَة أَجزَاء. وَعند الْمُتَأَخِّرين أَرْبَعَة كَمَا سَيَجِيءُ مفصلا فِي النِّسْبَة الْحكمِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَالْحكم هُوَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. والإدراك إِمَّا من مقولة الانفعال أَو الكيف فَالْحكم كَذَلِك وَانْظُر فِي الْإِدْرَاك حَتَّى يزِيد لَك الْإِدْرَاك.
وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّازِيّ مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا وَلم يذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. نعم أَنه ذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق وَلِهَذَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على شرح الشمسية قَوْله إِذا أردْت تقسيمه على مَذْهَب الإِمَام أَي على القَوْل بالتركيب فَلَا يرد أَن الإِمَام لَا يَقُول بِكَوْن الحكم إدراكا مَعَ أَنه قد نقل الْبَعْض أَن الإِمَام مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا. وَفِي حصر التَّقْسِيم على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِشَارَة إِلَى بطلَان القَوْل بتركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من الإِمَام انْتهى.

فَالْحكم: الَّذِي هُوَ جُزْء التَّصْدِيق عِنْد الإِمَام هُوَ الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَا غير. وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم حكمان حكم هُوَ مَعْلُوم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا وَهُوَ جُزْء أخير للقضية المعقولة وَحكم هُوَ علم بِمَعْنى إِدْرَاكه وَهُوَ تَصْدِيق عِنْد الْحُكَمَاء وَشَرطه فِي مَذْهَب مستحدث وَشطر أخير وتصور عِنْد الإِمَام لكنه إذعاني فيكتسب من الْحجَّة نظرا إِلَى الْجُزْء الْأَعْظَم من المبادئ فَلَا يُنَافِيهِ اكتسابه من الْمُعَرّف نظرا إِلَى جُزْء إذعاني فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة. وَعند الأصولين الحكم خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين باقتضاء الْفِعْل أَو التّرْك أَو بالتخير فِي الْفِعْل وَالتّرْك. والاقتضاء الطّلب وَهُوَ إِمَّا طلب الْفِعْل جَازِمًا كالإيجاب. أَو غير جازم كالندب. أَو طلب التّرْك جَازِمًا كالتحريم. أَو غير جازم كالكراهة التحريمية -. وَالْمرَاد بالتخيير الْإِبَاحَة - وَفِي التَّوْضِيح وَقد زَاد الْبَعْض أَو الْوَضع ليدْخل الحكم بالسببية والشرطية وَنَحْوهمَا.

اعْلَم أَن الْخطاب نَوْعَانِ: إِمَّا تكليفي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال المتكلفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير وَإِمَّا وضعي وَهُوَ الْخطاب بِالْوَضْعِ بِأَن يكون هَذَا سَبَب ذَلِك أَو شطر ذَلِك كالدلوك سَبَب لصَلَاة الظّهْر وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا - فَلَمَّا ذكر أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التكليفي وَجب ذكر النَّوْع الآخر وَهُوَ الوضعي وَالْبَعْض لم يذكر الوضعي لِأَنَّهُ دَاخل فِي الِاقْتِضَاء أَو التَّخْيِير لِأَن الْمَعْنى من كَون الدلوك سَببا للصَّلَاة أَنه إِذا وجد الدلوك وَجَبت الصَّلَاة حِينَئِذٍ وَالْوُجُوب من بَاب الِاقْتِضَاء لَكِن الْحق هُوَ الأول لِأَن الْمَفْهُوم من الحكم الوضعي تعلق شَيْء بِشَيْء آخر وَالْمَفْهُوم من الحكم التكليفي لَيْسَ هَذَا وَلُزُوم أَحدهمَا للْآخر فِي صُورَة لَا يدل على اتحادهما انْتهى.
الحكم:
[في الانكليزية] Verdict ،judgement ،gouvernment ،power
[ في الفرنسية] Verdict ،jugement ،gouvernement ،pouvoir
بالضم وسكون الكاف يطلق بالاشتراك أو الحقيقة والمجاز على معان. منها إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا. وهذا المعنى عرفي، وحاصله أنّ الحكم نفس النسبة الخبرية التي إدراكها تصديق إيجابية كانت أو سلبية، وقد يعبّر عن هذا المعنى بوقوع النسبة ولا وقوعها، وقد يعبّر عنه بقولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة، وهذا المعنى من المعلومات فليس بتصوّر ولا تصديق لأنهما نوعان مندرجان تحت العلم. فالإسناد بمعنى مطلق النسبة والإيجاب الوقوع. والسلب اللاوقوع. واحترز بهما عمّا سوى النسبة الخبرية. وتوضيحه أنّه قد حقّق أنّ الواقع بين زيد والقائم هو الوقوع نفسه أو اللاوقوع كذلك، وليس هناك نسبة أخرى مورد الإيجاب والسلب، وأنّه قد يتصوّر هذه النسبة في نفسها من غير اعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، بل باعتبار أنّها تعلّق بين الطرفين تعلّق الثبوت أو الانتفاء، وتسمّى نسبة حكمية، ومورد الإيجاب والسلب ونسبة ثبوتية أيضا نسبة العام إلى الخاص أعني الثبوت لأنّه المتصوّر أولا، وقد تسمّى سلبية أيضا إذا اعتبر انتفاء الثبوت. وقد يتصوّر باعتبار حصولها أو لا حصولها في نفس الأمر، فإن تردّد فهو الشك وإن أذعن بحصولها أو لا حصولها فهو التصديق. فالنسبة الثبوتية تتعلّق بها علوم ثلاثة اثنان تصوّريان أحدهما لا يحتمل النقيض وهو تصوّرها في نفسها من غير اعتبار حصولها ولا حصولها. وثانيهما يحتمله. والثالث تصديقي فقد ظهر أنّ المعنى المذكور للحكم ليس أمرا مغايرا للوقوع واللاوقوع. وأنّ معنى قولنا نسبة أمر بأمر وإسناد أمر إلى أمر تعلّق أمر بأمر وقوعا كان أو لا وقوعا إن كان الإيجاب والسلب بمعنى الوقوع واللاوقوع، وإن أريد بالإيجاب والسّلب إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة. فمعناه تعلّق أمر بأمر سواء كان موردا للإيجاب أو موردا للسلب، فإنّ الإيجاب والسّلب يطلق على كلا هذين المعنيين، كما صرّح بذلك المحقق التفتازاني في حاشية العضدي. وأنّ معنى قولنا إدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة ادراك أنّ النسبة الثبوتية واقعة في نفس الأمر أو ليست بواقعة فيها. ثم هذا التقرير على مذهب من يقول إنّ الحكم ليس من مقولة الفعل. وأما من يقول بأنّ الحكم من مقولة الفعل كالإمام الرازي والمتأخرين من المنطقيين فالمناسب عندهم في تفسير الحكم بإسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا أن يقال إنّ الإسناد لغة بمعنى تكيه دادن چيزي به چيزى،- إضافة شيء إلى شيء- وفي العرف ضم أمر إلى آخر، بحيث يفيد فائدة تامّة. وقد يطلق بمعنى مطلق النسبة. فعلى الأول قولنا إيجابا أو سلبا بيان لنوعه، وعلى الثاني يفيد لإخراج ما سوى النسبة الخبرية، والإيجاب لازم كردن والسلب ربودن كما في الصراح. وبالجملة فالمناسب على هذا أن يفسّر الإسناد والإيجاب والسلب بمعان منبئة عن كون الحكم فعلا. ولا يراد بالضم وبالنسبة التعلّق بين الطرفين وبالإيجاب والسلب الوقوع [فعلا] واللاوقوع، إذ لو أريد ذلك لم يبق الحكم فعلا، وعلى هذا القياس قولنا الحكم هو الإيجاب والسّلب أو الإيقاع والانتزاع أو النفي والإثبات فإنها مفسّرة بالمعاني اللغوية المنبئة عن كون الحكم فعلا.
فالحكم على هذا إمّا جزء من التصديق كما ذهب إليه الإمام أو شرط له كما هو مذهب المتأخرين من المنطقيين، ويجيء في لفظ التصديق زيادة تحقيق لهذا.
ومنها نفس النسبة الحكمية على ما صرّح به الچلپي في حاشية الخيالي بعد التصريح بالمعنى الأول. وهذا المعنى إنّما يكون مغايرا للأول عند المتأخرين الذاهبين إلى أنّ أجزاء القضية أربعة: المحكوم عليه وبه ونسبة تقييدية مسمّاة بالنسبة الحكمية ووقوع تلك النسبة أولا وقوعها الذي إدراكه هو المسمّى بالتصديق.
وأما عند المتقدمين الذاهبين إلى أنّ أجزاء القضية ثلاثة: المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية التي إدراكها تصديق فلا يكون مغايرا للمعنى الأول، لما عرفت من أنّ النسبة الحكمية ليست أمرا مغايرا للنسبة الخبرية.
ومنها إدراك تلك النسبة الحكمية
ومنها إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها المسمّى بالتصديق، وهذا مصطلح المنطقيين والحكماء وقد صرّح بكلا هذين المعنيين الچلپي أيضا في حاشية الخيالي. والتغاير بين هذين المعنيين أيضا إنما يتصوّر على مذهب المتأخرين. قالوا الفرق بين إدراك النسبة الحكمية وإدراك وقوعها أولا وقوعها المسمّى بالحكم هو أنّه ربّما يحصل إدراك النسبة الحكمية بدون الحكم، فإنّ المتشكّك في النسبة الحكمية متردّد بين وقوعها ولا وقوعها، فقد حصل له إدراك النسبة قطعا ولم يحصل له إدراك الوقوع واللاوقوع المسمّى بالحكم فهما متغايران قطعا. وأجيب بأنّ التردّد لا يتقوم حقيقة ما لم يتعلّق بالوقوع أو اللاوقوع فالمدرك في الصورتين واحد والتفاوت في الإدراك بأنّه إذعاني أو تردّدي. وبالجملة فيتعلّق بهذا المدرك علمان علم تصوّري من حيث إنّه نسبة بينهما وعلم تصديقي باعتبار مطابقته للنسبة التي بينهما في نفس الأمر، وعدم مطابقته إياها على ما مرّت الإشارة إليه في المعنى الأول. وأما على مذهب القدماء فلا فرق بين العبارتين إلّا بالتعبير. فمعنى قولنا إدراك النسبة وإدراك الوقوع واللاوقوع على مذهبهم واحد إذ ليس نسبة سوى الوقوع واللاوقوع، وهي النسبة التامة الخبرية. وأمّا النسبة التقييدية الحكمية المغايرة لها فممّا لا ثبوت له كما عرفت. فعلى هذا إضافة الوقوع واللاوقوع إلى النسبة بيانية. لكنّ هذا الإدراك نوعان: إذعاني وهو المسمّى عندهم بالحكم المرادف للتصديق وغير إذعاني وتسميته بالحكم عندهم محتمل غير معلوم، ويؤيد هذا ما ذكر السيّد السّند والمولوي عبد الحكيم في حواشي شرح الشمسية. وحاصله أنّ معنى قولنا إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها ليس أن يدرك معنى الوقوع أو اللاوقوع مضافا إلى النسبة، فإنّ إدراكهما بهذا المعنى ليس حكما بل هو إدراك مركّب تقييدي من قبيل الإضافة، بل معناه أن يدرك أنّ النسبة واقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما إيجابيا، أو أن يدرك أنّ النسبة ليست بواقعة ويسمّى هذا الإدراك حكما سلبيا، أعني معناه أن يدرك أنّ النسبة المدركة بين الطرفين أي المحكوم عليه والمحكوم به واقعة بينهما في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن إدراكنا إيّاها أو ليست بواقعة كذلك، وهو الإذعان بمطابقة النسبة الذهنية لما في نفس الأمر أو في الخارج، أعني للنسبة مع قطع النظر عن إدراك المدرك بل من حيث إنها مستفادة من البداهة أو الحسّ أو النظر. فمآل قولنا إنّ النسبة واقعة أو ليست بواقعة.
وقولنا إنّها مطابقة واحدة والمراد به الحالة الإجمالية التي يقال لها الإذعان والتسليم المعبّر عنه بالفارسية بگرويدن لا إدراك هذه القضية، فإنّه تصوّر تعلّق بما يتعلّق به التصديق يوجد في صورة التخييل والوهم ضرورة أنّ المدرك في جانب الوهم هو الوقوع واللاوقوع، إلّا أنّها ليست على وجه الإذعان والتسليم فظهر فساد ما توهّمه البعض من أنّ الشكّ والوهم من أنواع التصديق، ولا التفصيل المستفاد من ظاهر اللفظ لأنّه خلاف الوجدان، ولاستلزامه ترتّب تصديقات غير متناهية. فقد ظهر أنّ الحكم إدراك متعلّق بالنسبة التامة الخبرية فإنّها لمّا كانت مشعرة بنسبة خارجية كان إدراكها على وجهين من حيث إنّها متعلّقة بالطرفين رابطة بينهما كما في صورة الشكّ مثلا. ومن حيث إنّها كذلك في نفس الأمر كما في صورة الإذعان. وهذا هو الحكم والتصديق.
وإنما قيل كون الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أولا وقوعها يشعر بأنّ المراد بالنسبة النسبة الحكمية لا النسبة التامة الخبرية لأنّ الحكم على تقدير كونها تامة هو إدراك نفسها ليس بشيء عند التحقيق، وإنّ أجزاء القضية ثلاثة المحكوم عليه وبه والنسبة التامة الخبرية وهي نسبة واحدة هي اتحاد المحمول بالموضوع، أو عدم اتحاده به، وهو الحقّ عند المحققين، لا كما ذهب إليه المتأخرون من أنّ أجزاءها أربعة: المحكوم عليه وبه والنسبة الحكمية ووقوعها أولا وقوعها وأنّ الاختلاف بين التصوّر والتصديق بحسب الذات والمتعلّق، فإنّ التصوّر لا يتعلّق عندهم به التصديق، فالتصديق عندهم إدراك متعلّق بوقوع النسبة أولا وقوعها والتصوّر إدراك متعلّق بغير ذلك. والحق عند المحققين أنّ التصوّر يتعلّق بما يتعلّق به التصديق أيضا، فلا امتياز بين التصور والتصديق إلّا بحسب الذات واللوازم كاحتمال الصدق والكذب دون المتعلق.
واعلم أنّه ذكر السّيد الشريف أنّه يجوز أن يفسّر الحكم بالتصديق فقط وأن يفسّر بالتصديق والتكذيب، وهذا بناء على أنّ إذعان أنّ النسبة ليست بواقعة إذعان بأنّ النسبة السلبية واقعة.
فعلى هذا يجوز أن يعرف الحكم بإدراك الوقوع فقط وأن يعرف بإدراك الوقوع واللاوقوع معا.
التقسيم
الحكم سواء أخذ بمعنى التصديق أو بمعنى النسبة الخبرية ينقسم إلى شرعي وغير شرعي. فالشرعي ما يؤخذ من الشرع بشرط أن لا يخالف القطعيات بالنسبة إلى فهم الآخذ سواء كان مما يتوقف على الشرع بأن لا يدرك لولا خطاب الشارع كوجوب الصلاة، أو لم يكن كوجوده تعالى وتوحيده، وهو ينقسم إلى ما لا يتعلّق بكيفية عمل ويسمّى أصليا واعتقاديا وإلى ما يتعلّق بها ويسمّى عمليا وفرعيا، وغير الشرعي ما لا يؤخذ من الشرع كالأحكام العقلية المأخوذة من مجرّد العقل، والاصطلاحية المأخوذة من الاصطلاح. وأكثر ما ذكرنا هو خلاصة ما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في الخطبة وحاشية شرح الشمسية.
ومنها المحكوم عليه.
ومنها المحكوم به. قال الچلپي في حاشية المطول في بحث التأكيد: إطلاق الحكم على المحكوم به متعارف عند النحاة كإطلاقه على المحكوم عليه انتهى. وهكذا ذكر السيّد الشريف في حاشية المطول.
ومنها نفس القضية على ما ذكر الچلپي أيضا في حاشية الخيالي، وهذا كما يطلق التصديق على القضية.
ومنها القضاء كما يجيء في لفظ الديانة.

وما ذكره الغزالي حيث قال: الحكم والقضاء والقدر: هو توجّه الأسباب لجانب المسبّبات هو الحكم المطلق. وهو سبحانه وتعالى مسبب لجميع الأسباب المجمل منه والمفصّل، وعن الحكم يتفرع القضاء والقدر. فإذن: التدبير الإلهي هو أصل لوضع الأسباب لكي تتوجه نحو مسبّبات وهو الحكم الإلهي. وقيام الأسباب الكلية وظهورها مثل الأرض والسّماء والكواكب والحركات المتناسبة لها وغير ذلك مما لا يتغيّر ولا يتبدّل حتى يحين وقتها فذلك هو القضاء. ثم توجّه الأسباب هذه للأحوال والحركات المتناسبة والمحدودة والمقدّرة لجانب الأسباب، وحددت ذلك لحظة بلحظة فهو القدر.

إذن فالحكم: هو التدبير الأزلي كله وأمره كلمح البصر. والقضاء: وضع كلّ الأسباب الكلية الدائمة.

والقدر: هو توجيه هذه الأسباب الكلية لمسبباتها المعدودة بعدد معين فلا تزيد ولا تنقص. وكذا ذكر المولوي عبد الحق المحدّث في ترجمة المشكاة في باب الإيمان بالقدر.
ومنها خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين. هكذا نقل عن الأشعري. وهذا المعنى مصطلحات الأصوليين.
والخطاب في اللغة توجيه الكلام نحو الغير ثم نقل إلى الكلام الذي يقع به التخاطب، وبإضافته إلى الله تعالى خرج خطاب من سواه إذ لا حكم إلّا حكمه ووجوب طاعة النبي عليه السلام وأولي الأمر والسيّد إنّما هو بإيجاب الله تعالى إياها. والمراد بالخطاب هاهنا ليس المعنى اللغوي، اللهم إلّا أن يراد بالحكم المعنى المصدري، بل المراد به المعنى المنقول من الكلام المذكور لكن لا مطلقا بل الكلام النفسي، لأنّ اللفظي ليس بحكم بل دال عليه سواء أريد بالكلام الذي يقع به التخاطب الكلام الذي من شأنه التخاطب فيكون الكلام خطابا به أزليا كما هو رأي الأشعري من قدم الحكم والخطاب بناء على أزلية تعلّقات الكلام وتنوعه في الأزل أمرا أو نهيا أو غيرهما، أو أريد به معناه الظاهر المتبادر أي الكلام الذي يقع به التخاطب بالفعل، وهو الكلام الذي قصد منه إفهام من هو متهيئ لفهمه كما ذهب إليه ابن القطّان من أنّ الحكم والخطاب حادثان بناء على حدوث تعلّقات الكلام وعدم تنوّعه في الأزل، وهذا معنى ما قال إنّ الحكم والخطاب حادثان بل جميع أقسام الكلام مع قدمه فهو لا يسمّى الكلام في الأزل خطابا. ومعنى تعلقه بأفعال المكلّفين تعلّقه بفعل من أفعالهم لا بجميع أفعالهم على ما يوهم إضافة الجمع من الاستغراق، وإلّا لم يوجد حكم أصلا إذ لا خطاب يتعلّق بجميع الأفعال فيشمل خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا كإباحة ما فوق الأربع من النساء.
لا يقال إذا كان المراد بالخطاب الكلام النفسي ولا شكّ أنّه صفة واحدة فيتحقّق خطاب واحد متعلّق بجميع الأفعال لأنّا نقول الكلام وإن كانت صفة واحدة لكن ليس خطابا إلّا باعتبار تعلّقه، وهو متعدّد بحسب المتعلّقات، فلا يكون خطاب واحد متعلقا بالجميع، وخرج بقوله المتعلّق بأفعال المكلّفين الخطابات المتعلّقة بأحوال ذاته وصفاته وتنزيهاته وغير ذلك ممّا ليس بفعل المكلّف كالقصص. واعترض على الحدّ بأنه غير مانع إذ يدخل فيه القصص المبينة لأفعال المكلّفين وأحوالهم والأخبار المتعلّقة بأعمالهم كقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ مع أنّها ليست أحكاما.
وأجيب بأنّ الحيثية معتبرة في الحدود، فالمعنى الحكم خطاب الله متعلّق بفعل المكلّفين من حيث هو فعل المكلّف وليس تعلّق الخطاب بالأفعال في صور النقض من حيث إنّها أفعال المكلّفين هذا لكن اعتبار حيثية التكليف فيما يتعلّق به خطاب الإباحة بل الندب والكراهة موضع تأمّل. ولذا أراد البعض في الحدّ قولنا بالاقتضاء أو التخيير للاحتراز عن الأمور المذكورة وكلمة أو لتقسيم المحدود دون الحدّ.
ومعنى الاقتضاء الطلب. وهو إمّا طلب الفعل مع المنع عن الترك وهو الإيجاب، أو طلب الترك مع المنع عن الفعل وهو التحريم، أو طلب الفعل بدون المنع عن الترك وهو الندب، أو طلب الترك بدون المنع عن الفعل وهو الكراهة. ومعنى التخيير عدم طلب الفعل والترك وهو الإباحة.
إن قيل إذا كان الخطاب متعلّقا بأفعال المكلّفين في الأزل كما هو رأي الأشعري يلزم طلب الفعل والترك من المعدوم وهو سفه. قلت السفه إنّما هو طلب الفعل أو الترك عن المعدوم حال عدمه. وأمّا طلبه منه على تقدير وجوده فلا، كما إذا قدّر الرجل ابنا فأمره بطلب العلم حين الوجود لكن بقي أنّه يلزم خروج الخطاب الوضعي من الحدّ، مع أنّه حكم فإنّ الخطاب نوعان: تكليفي وهو المتعلّق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، والتخيير، ووضعي وهو الخطاب باختصاص شيء بشيء وذلك على ثلاثة أقسام:
سببي كالخطاب بأنّ هذا سبب لذلك كالدلوك للصلاة، وشرطي كالخطاب بأنّ هذا شرط لذلك كالطهارة للصلاة، ومانعي أي هذا مانع لذلك كالنجاسة للصلاة. فأجاب البعض عنه بأنّ خطاب الوضع ليس بحكم، وإن جعلها غيرنا حكما إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولو سلّم أنّه حكم فلا نسلّم خروجه عن الحدّ إذ المراد من الاقتضاء والتخيير أعمّ من التصريحي والضمني، والخطاب الوضعي من قبيل الضمني إذ معنى سببية الدلوك وجوب الصلاة عند الدلوك.
ومعنى شرطية الطهارة وجوبها في الصلاة أو حرمة الصلاة بدونها. ومعنى مانعية النجاسة حرمة الصلاة معها أو وجوب إزالتها حالة الصلاة، وكذا في جميع الأسباب والشروط والموانع. وبعضهم زاد قيدا في التعريف ليشتمله، فقال بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، أي وضع الشارع وجعله. فإن قلت الحكم يتناول القياس المحتمل للخطأ فكيف ينسب إلى الله تعالى؟ قلت الحاكم في المسألة الاجتهادية هو الله تعالى إلّا أنه لم يحكم إلّا بالصواب.
فالحكم المنسوب إليه هو الحق الذي لا يحوم حوله الباطل، وما وقع من الخطأ للمجتهد فليس بحكم حقيقة بل ظاهرا وهو معذور في ذلك.
قال صدر الشريعة بعضهم عرّف الحكم الشرعي بهذا التعريف المذكور، فإذا كان هذا التعريف للحكم فمعنى الشرعي ما يتوقّف على الشرع فيكون قيدا مخرجا لوجوب الإيمان ونحوه. وإذا كان تعريفا للحكم الشرعي فمعنى الشرعي ما ورد به خطاب الشارع لا ما يتوقّف على الشرع، وإلّا لكان الحدّ أعمّ من المحدود لتناوله مثل وجوب الإيمان. ومعنى الحكم في قولنا الحكم الشرعي على هذا إسناد أمر إلى آخر، وإلّا لزم تكرار قيد الشرعي. وقال الآمدي الحكم خطاب الشارع لفائدة شرعية. قيل إن فسّر الآمدي الفائدة الشرعية بمتعلّق الحكم فدور، ولو سلّم أن لا دور فلا دليل عليه في اللفظ. وإن فسّرها بما لا تكون حسّية ولا عقلية على ما يشعر به كلامه حيث قال: هذا القيد احتراز عن خطابه بما لا يفيد فائدة شرعية كالإخبار عن المحسوسات والمعقولات، وردّ على طرد الحدّ إخبار الشارع بالمغيبات كقوله تعالى: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فزيد قيد يختصّ به ليخرج ما أورد عليه إذ لا تحصل تلك الفائدة إلّا بالاطلاع على الخطاب لأنّ فائدة الإخبار عن المغيّبات قد يطّلع عليها لا من خطاب الشرع، إذ لكل خبر مدلول خارجي قد يعلم وقوعه بطريق آخر كالإحساس في المحسوسات والضرورة، والاستدلال في المعقولات والإلهام، مثلا في المغيبات فإن للخبر لفظا ومعنى ثابتا في نفس المتكلم يدلّ عليه اللفظ فيرتسم في نفس السامع، هو مفهوم الطرفين والحكم، ومتعلقا لذلك المعنى هو النسبة المتحققة في نفس الأمر بين الطرفين يشعر اللفظ بوقوعه في الخارج. لكن الإشعار بوقوعه لا يستلزم وقوعه بل قد يكون واقعا فيكون الخبر صادقا وقد لا يكون فيكون كاذبا، بخلاف الحكم بالمعنى المذكور فإنّه إنشاء والإنشاء له لفظ ومعنى يدلّ عليه لكن ليس لمعناه متعلّق يقصد الإشعار والإعلام به، بل إنّما يقصد به الإشعار بنفس ذلك المعنى الثابت في النفس كالطّلب مثلا في الإنشاءات الطلبية.
ومثل هذا المعنى لا يعلم إلّا باللفظ توقيفا، أي بطريق جعل السامع واقفا على ثبوته في النفس، فيختصّ بالخطاب الدال عليه. فمثل قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ إن قصد به الإعلام بنسبة واقعة سابقة كان خبرا فلا يكون حكما بالمعنى المذكور، وإن قصد به الإعلام بالطلب القائم بالنفس كان إنشاء فيكون حكما. قيل هاهنا دور إذ معرفة الخطاب المفيدة فائدة مختصّة به موقوفة على تصوّر الفائدة المختصّة ضرورة توقّف الكلام على تصوّر أجزائه، وهي متوقّفة على الخطاب فيلزم الدور. قيل جوابه أنّ المتوقّف على الخطاب حصول الفائدة، وما توقّف عليه الخطاب تصوّرها وحصول الشيء غير تصوّره فلا دور. قيل لا حاجة إلى زيادة القيد بل الحدّ مطّرد ومنعكس لا غبار عليه وذلك بأن تفسّر الفائدة الشرعية بتحصيل ما هو حصولها بخطاب الشارع دون ما هو حاصل في نفسه ولو في المستقبل، ورد به خطاب الشرع أم لا، لكنه يعلم بخطابه كالمغيّبات، فإنّ الإخبار عنها لا يحصلها بل يفيد العلم بها.
لكن بقي بعد شيء وهو أنّ مثل قوله تعالى فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ونِعْمَ الْعَبْدُ يدخل في الحدّ وليس بحكم.
ومنها الأثر الثابت بالشيء كما وقع في الهادية حاشية الكافية في بحث المعرب. وفي العارفية حاشية شرح الوقاية في بيان الوضوء كون الحكم بمعنى الأثر الثابت بالشيء إنما هو من أوضاع الفقهاء واصطلاحات المتأخرين انتهى. وفي التوضيح يطلقون الحكم على ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا بطريق إطلاق اسم المصدر على المفعول كالخلق على المخلوق. لكن لما شاع فيه صار منقولا اصطلاحيا وهو حقيقة اصطلاحية انتهى.
وحاصل هذا أنّ الحكم عند الفقهاء هو أثر خطاب الشارع.
ومنها الأثر المترتّب على العقود والفسوخ كملك الرقبة أو المتعة أو المنفعة المترتّب على فعل المكلّف وهو الشراء. وفي التلويح في باب الحكم إطلاق الحكم في الشرع على خطاب الشارع وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك انتهى. فعلم من هذا أنّ إطلاق الحكم على الأثر الثابت بالشيء ليس من أوضاع الفقهاء كما ذكره صاحب العارفية، اللهم إلّا أن يراد بالشيء خطاب الشارع أو العقود والفسوخ. نعم إطلاقه بهذا المعنى شائع في عرفهم وعرف غيرهم.
قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية: تفسير الحكم بالأثر المترتّب على الشيء مما أتى به أقوام بعد أقوام وإن لم أعثر على مأخذه في أفانين الكلام انتهى.
ومنها الخاصة كما وقع في الحاشية الهندية في بحث المعرب. قال في الهادية هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم لأنّ حكم الشيء أي أثره لا يكون إلّا مختصا به ضرورة استحالة توارد المؤثّرين على أثر واحد.
تقسيم
ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا على ما اختاره صدر الشريعة في التوضيح هو ما حاصله أنّ الحكم إمّا حكم بتعلّق شيء بشيء أو لا. فإن لم يكن فالحكم إمّا صفة لفعل المكلّف أو أثر له. فإن كان أثرا كالملك فلا بحث هاهنا عنه، وإن كان صفة فالمعتبر فيه اعتبارا أوليا إمّا المقاصد الدنيوية أو الأخروية.
فالأول ينقسم الفعل بالنظر إليه تارة إلى صحيح وباطل وفاسد وتارة إلى منعقد وغير منعقد، وتارة إلى نافذ وغير نافذ، وتارة إلى لازم وغير لازم، والثاني إمّا أصلي أو غير أصلي.
فالأصلي إمّا أن يكون الفعل أولى من الترك أو الترك أولى من الفعل، أو لا يكون أحدهما أولى. فالأوّل إن كان مع منع الترك بدليل قطعي ففرض أو بظني فواجب، وإلّا فإن كان الفعل طريقة مسلوكة في الدين فسنة، وإلّا فندب. والثاني إن كان مع منع الفعل فحرام وإلّا فمكروه. والثالث مباح وغير الأصلي رخصة. وإن كان حكما بتعلّق شيء بشيء فالمتعلّق إن كان داخلا فركن، وإلّا فإن كان مؤثّرا فيه فعلّة، وإلّا فإن كان موصلا إليه في الجملة فسبب، وإلّا فإن توقّف الشيء عليه فشرط، وإلّا فعلامة. وإنّما قلنا هذا تقسيم ما يطلق عليه لفظ الحكم شرعا إذ لو أريد بالحكم خطاب الشارع أو أثره لا يشمل الحكم نحو الملك لأنّ الملك إنّما ثبت بفعل المكلّف لا الخطاب. فالمقصود هاهنا بيان أقسام ما يطلق عليه لفظ الحكم في الشرع. فإنّ التحقيق أنّ إطلاق الحكم على خطاب الشرع وعلى أثره وعلى الأثر المترتّب على العقود والفسوخ إنّما هو بطريق الاشتراك، هكذا ذكر في التلويح في باب الحكم. ومثل هذا تقسيمهم العلّة إلى سبعة أقسام كما يجيء في محله.
اعلم أنّ أفعال المكلّف اثنا عشر قسما لأنّ ما يأتي به المكلّف إن تساوى فعله وتركه فمباح، وإلّا فإن كان فعله أولى فمع المنع عن الترك واجب وبدونه مندوب. وإن كان تركه أولى فمع المنع عن الفعل بدليل قطعي حرام وبدليل ظنّي مكروه كراهة التحريم، وبدون المنع عن الفعل مكروه كراهة التنزيه، هذا على رأي محمد. وأمّا على رأيهما فهو أنّ ما يكون تركه أولى من فعله فهو مع المنع عن الفعل حرام، وبدونه مكروه كراهة التنزيه إن كان إلى الحلّ أقرب، بمعنى أنّه لا يعاقب فاعله لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، ومكروه كراهة التحريم إن كان إلى الحرام أقرب، بمعنى أنّ فاعله يستحق محذورا دون العقوبة بالنار. ثم المراد بالواجب ما يشمل الفرض أيضا لأنّ استعماله بهذا المعنى شائع عندهم كقولهم الزكاة واجبة والحج واجب، بخلاف إطلاق الحرام على المكروه تحريما فإنه ليس بشائع. والمراد بالمندوب ما يشمل السّنة الغير المؤكّدة والنفل.
وأمّا السّنة المؤكّدة فهي داخلة في الواجب على الأصح، فصارت الأقسام ستة، ولكلّ منها طرفان، فعل أي الإيقاع، وترك أي عدم الفعل، فيصير اثنا عشر قسما، هكذا في التلويح وحواشيه.
خاتمة
قد عرفت أنّ الحكم عند الأصوليين هو نفس خطاب الله تعالى. فالإيجاب هو نفس معنى قوله افعل وهو قائم بذاته سبحانه، وليس للفعل من الإيجاب المتعلّق به صفة حقيقية قائمة به تسمّى وجوبا. فإنّ القول لفظيا كان أو نفسيا ليس لمتعلّقه منه صفة حقيقية، أي لا يحصل لما يتعلّق به القول بسبب تعلّقه به صفة موجودة لأنّ القول يتعلّق بالمعدوم كما يتعلّق بالموجود. فلو اقتضى تعلّقه تلك الصفة لكان المعدوم متصفا بصفة حقيقية، وهو أي معنى قوله افعل إذ أنسب إلى الحاكم تعالى لقيامه به يسمّى إيجابا، وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل لتعلّقه به يسمّى وجوبا، فالإيجاب والوجوب متّحدان بالذات لأنّهما ذلك المعنى القائم بذاته تعالى المتعلّق بالفعل مختلفان بالاعتبار لأنّه باعتبار القيام إيجاب وباعتبار التعلّق وجوب، وكذا الحال في التحريم والحرمة وترتّب الوجوب على الإيجاب بأن يقال أوجب الفعل، فوجب مبني على التغاير الاعتباري، فلا ينافي الاتّحاد الذاتي. وهذا كما قيل التعليم والتعلّم واحد بالذات واثنان بالاعتبار لأنّ شيئا واحدا وهو إسباق ما إلى اكتساب مجهول بمعلوم يسمّى بالقياس إلى الذي يحصل فيه تعلّما، وبالقياس إلى الذي يحصل منه تعليما، كالتّحرّك والتّحريك. فلذلك الاتحاد ترى الأصوليين يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة تارة والإيجاب والتحريم أخرى ومرة الوجوب والتحريم. قيل ما ذكرتم إنما يدلّ على أنّ الفعل من حيث تعلّق به القول لم يتصف بصفة حقيقية يسمّى وجوبا، لكن لم لا يجوز أن يكون صفة اعتبارية هي المسمّاة بالوجوب، أعني كونه حيث تعلّق به الإيجاب، بل هذا هو الظاهر، فيكون كلّ من الموجب والواجب متصفا بما هو قائم به. ولا شكّ أنّ القائم بالفعل ما ذكرناه لا نفس القول، وإن كانت هناك نسبة قيام باعتبار التعلّق. ولو ثبت أنّ الوجوب صفة حقيقية لتمّ المراد إذ ليس هناك صفة حقيقية سوى ما ذكر إلّا أنّ الكلام في ذلك.
واعلم أنّ النزاع لفظي إذ لا شكّ في خطاب نفساني قائم بذاته تعالى متعلّق بالفعل يسمّى إيجابا مثلا، وفي أنّ الفعل بحيث يتعلّق به ذلك الخطاب الإيجابي يسمّى وجوبا. فلفظ الوجوب إن أطلق على ذلك الخطاب من حيث تعلقه بالفعل كان الأمر على ما سبق، ولا يلزم المسامحة في وصف الفعل حينئذ بالوجوب، وإن أطلق على كون الفعل تعلّق به ذلك الخطاب لم يتحدا بالذات، وتلزم المسامحة في عباراتهم حيث أطلق أحدهما على الآخر. هذا كله خلاصة ما في العضدي وحواشيه. 

الْحَذف

(الْحَذف) غنم سود جرد صغَار لَيْسَ لَهَا آذان وَلَا أَذْنَاب وَضرب من البط صغَار على التَّشْبِيه وَمن الزَّرْع ورقه
الْحَذف: فِي التَّاج التّرْك (دست برداشتن) والحذف (بيفكندن) . فَفِي الأول إِشَارَة إِلَى عدم الْإِتْيَان ابْتِدَاء. وَفِي الثَّانِي إِلَى إِسْقَاطه بعد الْإِتْيَان هَكَذَا يفهم من المطول فِي شرح قَوْله الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْوَال الْمسند. أما تَركه فَلَمَّا مر فَانْظُر هُنَاكَ. وَقَالَ الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله فِي الأطول التّرْك الردع أَي الْكَفّ وَالْمَنْع - والحذف الْإِسْقَاط فَالثَّانِي يدل على سبق الثُّبُوت دون الأول. فَلهَذَا قَالَ الشَّارِح يَعْنِي الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله مَا حَاصله أَن فِي اسْتِعْمَال الْحَذف فِي الْمسند إِلَيْهِ وَالتّرْك فِي الْمسند إِشْعَار بِأَن احْتِيَاج الْكَلَام إِلَى الْمسند إِلَيْهِ أَشد فَكَأَنَّهُ كَانَ ثَابتا لَا محَالة ثمَّ أسقط لداع. وَأورد عَلَيْهِ أَن كَلَامه هَذَا يُنَافِي مَا ذكره فِي شرح الْكَشَّاف أَن قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا من ترك التَّسْمِيَة فَكَأَنَّمَا ترك مائَة وَأَرْبع عشرَة آيَة من الْقُرْآن مُشكل لِأَنَّهَا لَا تُوجد فِي سُورَة الْبَرَاءَة حَتَّى يكون تاركها لِأَن كَلَامه هَذَا دلّ على التّرْك وَهُوَ يَقْتَضِي الثُّبُوت. وَالْأَوْجه أَن اخْتِلَاف الْعبارَات للنِّيَّة على تعدد مَا يعبر بِهِ عَمَّا يُقَابل الذّكر لَا للتفاوت وَإِلَّا لما عبر المُصَنّف عَن عدم ذكر الْمَفْعُول فِي بحث متعلقات الْفِعْل بالحذف انْتهى. والحذف أَعم من التَّقْدِير لِأَنَّهُ إِسْقَاط من اللَّفْظ مَعَ الْإِبْقَاء فِي النِّيَّة. والحذف هُوَ الْإِسْقَاط من اللَّفْظ مُطلقًا. والحذف عِنْد أَصْحَاب الْعرُوض إِسْقَاط سَبَب خَفِيف مثل لن من مفاعيلن ليبقى مفاعي فينقل إِلَى فعولن وَمَا يَقع فِيهِ هَذَا الْحَذف يُسمى محذوفا.

الوضع

الوضع: لغة: جعل اللفظ بإزاء المعنى.

واصطلاحا: تخصيص شيء بشيء متى، أطلق فهم منه الشيء الثاني.

وعند الحكماء: هو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبتين: نسبة أجزائه بعضهما إلى بعض، ونسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود، فإن كلا منهما هيئة عارضة للشخص بسبب نسبة أعضائه بعضها لبعض، وإلى الأمور الخارجة عنه. والوضع الحسي: ألقاء الشيء المستثقل، ذكره الحرالي. وقال الراغب: والوضع أعم من الحط، ومنه الموضع. والوضيعة: الحطيطة.
الوضع:
[في الانكليزية] Situation ،position ،attitude
[ في الفرنسية] Situation ،position ،attitude
بالفتح وسكون الضاد المعجمة في اللغة وضع شيء في مكان، كما في الصراح. وعند الحكماء يطلق على معان. منها ما هو مقولة من المقولات التسع من الأعراض هي هيئة تعرّض للشيء بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض منها، وإلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود والمراد بالشيء الجسم أي هي هيئة حاصلة للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض بالقرب والبعد والمحاذاة منه وغيرها، وبسبب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عن ذلك الشيء كوقوع بعضها نحو السماء مثلا وبعضها نحو الأرض، سواء كانت الأجزاء بالفعل أو بالقوة فالوضع هيئة معلولة للنسبتين معا، ولو لم يعتبر في ماهيته نسبة الأجزاء إلى الأمور الخارجية، بل اكتفي فيها بالنسبة فيما بين الأجزاء وحدها لزم أن يكون القيام بعينه الانتكاس لأنّ القائم إذا قلب بحيث لا تتغيّر النسبة فيما بين أجزائه كانت الهيئة معلولة لهذه النسبة وحدها باقية بشخصها، فيكون وضع الانتكاس بعينه وضع القيام. قال شارح حكمة العين: اللازم مما ذكرتم اشتراكهما في معنى الوضع الذي هو جنسهما فجاز أن يفترقا بالفصل الحاصل من النسبة الخارجية. وأجيب بأنّ الجنس والفصل يتحدان وجودا وجعلا، فكيف يتصوّر أنّ حصة من الجنس قارنت فصلا ثم فارقته إلى فصل آخر. ثم إنّهم اتفقوا على أنّ الوضع هيئة بسيطة معلولة للنسبتين وليست مركّبة منهما، إذ النسبة فيما بين الأجزاء وفيما بينها وبين الأمور الخارجية ليس إلّا القرب والبعد والمحاذاة والمجاورة والتماسّ، وليس القيام والقعود نفس تلك النسب ولا مركّبا من الهيئتين الحاصلتين منها إذ لا دليل على وجودهما في القيام مثلا، فضلا عن تركّبه منها فهو هيئة وحدانية معلولة لهما. واعلم أنّ الإمام في المباحث المشرقية عرّف الوضع بأنّه هيئة تحصل للجسم بسبب نسبة بعض أجزائه إلى بعض نسبة تتخالف الأجزاء لأجلها بالقياس إلى تلك الجهات في الموازاة والانحراف، ولا تخالف بين التعريفين وأنّ ظاهر هذا التعريف مشعر بأنّه معلول لنسبة الأجزاء فيما بينها لأنّه قيد فيه النسبة لكونها موجبة لتخالفها بالقياس إلى تلك الجهات وذلك لا يحصل إلّا بعد اعتبار النسبة إلى الأمور الخارجية أيضا، إلّا أنّه في التعريف المشهور جعل معلولا لمجموع النسبتين، وفيما ذكره الإمام معلولا للنسبة المقيّدة، هكذا يستفاد من شرح المواقف وحاشيته لمولانا عبد الحكيم.
ومنها ما هو جزء المقولة وهو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض.
ومنها كون الشيء بحيث يمكن أن يشار إليه إشارة حسّية، فالنقطة بهذا المعنى ذات وضع دون الوحدة، هكذا في شرح التجريد وشرح حكمة العين. وعند أهل العربية عبارة عن تعيين الشيء للدلالة على شيء والشيء الأول هو الموضوع لفظا كان أو غيره كالخطّ والعقد والنصب والإشارة والهيئة، والشيء الثاني هو المعنى الموضوع له، فهذا تعريف لمطلق الوضع لا لوضع اللفظ صرّح به في الأطول. وأمّا وضع اللفظ فقال السّيّد السّند في حاشية شرح المطالع في بحث الدلالة إنّه مشترك بين معنيين أحدهما تعيين اللفظ للدلالة على المعنى، وعلى هذا ففي المجاز وضع نوعي قطعا إذ لا بدّ من العلاقة المعتبرة نوعها عند الوضع. وأمّا الوضع الشخصي فربّما يثبت في بعض، والثاني تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه أي ليدلّ بنفسه لا بقرينة تنضم إليه، وعلى هذا فلا وضع في المجاز أصلا لا شخصيا ولا نوعيا، لأنّ الواضع لم يعيّن اللفظ للمعنى المجازي بنفسه بل بالقرينة الشخصية أو النوعية، فاستعماله فيه بالمناسبة لا بالوضع بخلاف تعيين المشتقّات كاسم الفاعل ونظائره فهو وضع قطعا لدلالتها على معانيها بأنفسها، لكنه وضع نوعي أي بضابطة كلّية كأن يقال كلّ صيغة فاعل كذا فهو لكذا.

التقسيم:
الوضع على قسمين وضع شخصي ويسمّى أيضا وضعا جزئيا ووضعا عينيا، ووضع نوعي ويسمّى وضعا كلّيا أيضا. فالوضع الشخصي تعيين اللفظ بخصوصه وبعينه للمعنى كما يقال هذا اللفظ موضوع لكذا، والوضع النوعي تعيين اللفظ لا بخصوصه وبعينه للمعنى بل في ضمن القاعدة الكلّية، ولذا وقع في شرح المطالع من أنّه قد يعتبر عموم الوضع في جانب اللفظ ويسمّى حينئذ وضعا نوعيا انتهى. ويؤيّد ما ذكرنا أيضا ما قال الهداد في حاشية الكافية من أنّه لا نعني بالوضع الجزئي سوى وضع اللفظ بشخصه لمعنى كالمضمرات والمبهمات فإنّها وضعت بأشخاصها للإطلاق على المعيّن أيّ معيّن كان، بخلاف ذي اللام فإنّه غير موضوع بشخصه. فنحو الرجل لم يوضع هكذا بشخصه وإنّما وضعت قاعدة كلّية تطلق عليه وعلى أمثاله وهي أنّ ما دخله اللام فهو معرفة فكان وضعه كلّيا لا جزئيا انتهى. قال في التلويح في فصل قصر العام: الوضع النوعي قد يكون بثبوت قاعدة دالّة على أنّ كلّ لفظ يكون بكيفية كذا فهو متعيّن للدلالة بنفسه على معنى مخصوص يفهم منه بواسطة تعيينه له، مثل الحكم بأنّ كلّ اسم آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة فهو لفردين من مدلول ما لحق آخره هذه العلامة، وكلّ اسم غيّر إلى نحو رجال ومسلمين ومسلمات فهو لجمع من مسمّيات ذلك الاسم، وكلّ جمع عرّف باللام فهو لجميع تلك المسمّيات إلى غير ذلك، ومثل هذا من باب الحقيقة بمنزلة الموضوعات الشخصية بأعيانها، بل أكثر الحقائق من هذا القبيل كالمثنى والمصغّر والمنسوب وعامة الأفعال والمشتقات والمركّبات. وبالجملة كلّ ما يكون دلالته على المعنى بهيئته فهو من هذا القبيل. وقد يكون بثبوت قاعدة دالّة على أنّ كلّ لفظ معيّن للدلالة بنفسه على معنى فهو عند القرينة المانعة من إرادة ذلك المعنى متعيّن لما يتعلّق بذلك المعنى تعلّقا خاصا ودال عليه بمعنى أنّه يفهم منه بواسطة القرينة لا بواسطة هذا التعيّن حتى لو لم يثبت من الواضع جواز استعمال اللفظ في المعنى المجازي لكانت دلالته عليه وفهمه منه عند قيام القرينة بحالها، ومثله مجاز لتجاوزه المعنى الأصلي، فالوضع عند الإطلاق يراد به تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه سواء كان ذلك التعيين بأن يفرد اللفظ بعينه بالتعيين أو يدرج في القاعدة الدّالّة على التعيين وهو المراد بالوضع المأخوذ في تعريف الحقيقة والمجاز، ويشتمل الوضع الشخصي والقسم الأول من النوعي انتهى. وبالجملة فالوضع النوعي على قسمين، وأيضا ينقسم إلى وضع لغوي وشرعي وعرفي واصطلاحي وقد سبق في لفظ المجاز.
وأيضا ينقسم الوضع إلى ثلاثة أقسام. قال السّيّد السّند في حاشية شرح مختصر الأصول في بحث الحروف لا بدّ للواضع في الوضع من تصوّر المعنى فإن تصوّر معنى جزئيا وعيّن بإزائه لفظا مخصوصا أو ألفاظا مخصوصة متصوّرة إجمالا أو تفصيلا كان الوضع خاصا لخصوص التصوّر المعتبر فيه أي تصوّر المعنى والموضوع له أيضا خاصا، وإن تصوّر معنى عاما يندرج تحته جزئيات إضافية أو حقيقية فله أن يعيّن لفظا معلوما أو ألفاظا معلومة على أحد الوجهين بإزاء ذلك المعنى العام فيكون الوضع عاما لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له أيضا عاما، وله أن يعيّن اللفظ أو الألفاظ بإزاء الخصوصيات المندرجة تحته لأنّها معلومة إجمالا إذا توجّه العقل بذلك المفهوم العام ونحوها، والعلم الإجمالي كاف في الوضع فيكون الوضع عاما لعموم التصوّر المعتبر فيه والموضوع له خاصا. وأمّا عكس هذا أعني بكون الوضع خاصا لخصوص التصوّر المعتبر فيه والموضوع له عاما فلا يتصوّر لأنّ الجزئي ليس وجها من وجوه الكلّي ليتوجّه العقل به إليه فيتصوّره إجمالا، إنّما الأمر بالعكس انتهى.
ومثله ذكر مولانا عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية حيث قال: الوضع الجزئي ما لوحظ فيه الموضوع له الجزئي بعينه ويسمّى وضعا خاصا أيضا والوضع الكلّي ما لوحظ فيه الموضوع له الكلّي بنفسه أو الموضوع له الجزئي بعنوان أعمّ كما يقال لوحظ كلّ مشار إليه يعنون المشار إليه ووضع له بعينه اسم الإشارة ويسمّى وضعا عاما أيضا، فالأول وضع عام لموضوع له عام والثاني وضع عام لموضوع له خاص انتهى.

وقال المحقّق التفتازاني: اعلم أنّ نظر الواضع في وضعه قد يكون إلى خصوص اللفظ بخصوص المعنى كما في الأعلام وقد يكون إلى خصوص اللفظ لعموم المعنى أي للمعنى الكلّي المحتمل للمقولية على الكثرة كوضع رجل حتى يصحّ أن يقال أكرم رجلا، والمراد رجلا ما ولو أريد زيد بخصوصه لم يصح حقيقة. وقد يكون إلى عموم اللفظ لخصوص المعنى بأن لا يلاحظ لفظا بعينه بل أمرا كلّيا يندرج فيه كثير من الألفاظ وذلك في وضع الهيئات بأن يقول صيغة فاعل من كلّ مصدر لمن قام به مدلول ذلك المصدر فيعلم منه أنّ ضاربا لمن قام به الضرب وقاعدا لمن قام به القعود إلى غير ذلك من الخصوصيات، مع أنّه لم يعتبرها ولم يلاحظها على التفصيل. وقد يكون إلى اللفظ بخصوصه فيضعه بملاحظة أمر عام لأفراد ذلك الأمر بخصوصياتها حتى لا يكون الموضوع له هو ذلك الأمر العام بل خصوصياته على التفصيل، إلّا أنّ نظر الواضع عند الوضع يكون إلى ذلك الأمر لا إلى الخصوصيات بمعنى أنّه عين اللفظ لتلك الخصوصيات لكن بملاحظة ذلك الأمر العام كما في تعيين لفظ هذا لهذا الرجل وهذا الفرس إلى غير ذلك مما لا يتناهى بملاحظة أمر كلّي هو مفهوم المشار إليه بالخصوص. ففي القسم الأخير من القسمين الأخيرين خصوص المعنى الشخصي لا يحتمل الكثرة واعتبار خصوص اللفظ في نظر الواضع ضروري بخلاف القسم الأول منهما فإنّ خصوصيات المعاني كلّيات وملاحظة الألفاظ عند الوضع ليست باعتبار خصوصياتها بل باعتبار اندراجها تحت أمر كلّي انتهى كلامه. ففهم من هذا أنّ في الأقسام الأربعة التي ذكرها المحقّق التفتازاني سوى القسم الثالث وضعا شخصيا لاعتبار الخصوص في جانب اللفظ وفي القسم الثالث منهما وضعا نوعيا لاعتبار العموم في جانب اللفظ وأنّ في القسم الأول منها الوضع والموضوع له كليهما خاصان، وفي القسم الثاني كليهما عامان، وفي القسمين الأخيرين الوضع عام والموضوع له خاص إذ عموم الوضع وخصوصه معتبر لعموم تصوّر المعنى عند الوضع وخصوصه عنده وعموم الموضوع له وخصوصه معتبر بعموم المعنى الذي وضع ذلك اللفظ بإزائه وخصوصه يشهد بذلك التأمّل الصادق.

تنبيه:

الوضع الجزئي يطلق على معنيين:
أحدهما الوضع الشخصي وثانيهما الوضع الخاص، وكذلك الوضع الكلّي يطلق على معنيين: أحدهما الوضع النوعي والثاني الوضع العام.
فائدة:
من قبيل الوضع العام لموضوع له خاص وضع المبهمات والمضمرات، فإنّ لفظ هذا مثلا موضوع لكلّ مشار إليه مخصوص، فإنّ الواضع تصوّر كلّ مشار إليه مفرد مذكّر باعتبار هذا المفهوم العام ولم يضع اللفظ لهذا المعنى الكلّي بل لتلك الجزئيات المندرجة تحته، فصار الوضع عاما والموضوع له خاصا، وإنّما حكمنا بذلك لأنّ لفظ هذا لا يطلق إلّا على الخصوصيات ولا يجوز إطلاقه على غيرها، إذ لا يقال هذا والمراد أحد ممّا يشار إليه، بل لا بدّ في إطلاقه من المقصد إلى خصوصية معيّنة فلو كان موضوعا للمعنى العام كرجل لجاز فيه ذلك ولكان استعماله في الخصوصيات مجازا.
والقول بأنّه موضوع لمفهوم كلّي لكن الواضع قد اشترط أن لا يستعمل إلّا في الجزئيات بخلاف نحو رجل تمحّل ظاهر. فإن قلت إذا كان هذا موضوعا للخصوصيات المتعدّدة كان مشتركا لفظا. قلت إنّما يلزم ذلك لو كان موضوعا لها بأوضاع متعدّدة وليس كذلك بل موضوع لها وضعا واحدا. واعلم أنّ وضعه للخصوصيات من حيث إنّها مندرجة تحت المفهوم الكلّي، فزيد من حيث تعلّق به إشارة مخصوصة معنى لهذا فله اعتبار في الوضع وفي الموضوع له أيضا، وكذا الحال في المضمرات فإنّ لفظ أنا موضوع لكلّ متكلّم واحد ولفظ أنت لكلّ مخاطب مذكّر واحد، ولفظ هو لكلّ مفرد مذكّر غائب مخصوص، ولا يقدح في ذلك أنّ هذا يشار به أيضا إلى أمر كلّي مذكور وأنّ ضمير الغائب قد يرجع إليه أيضا. أمّا الأول فلأنّ هذا يقتضي بحسب أصل الوضع مشارا إليه إشارة حسّية فلا يكون إلّا جزئيا حقيقيا، وإذا استعمل في غيره فقد نزّل منزلته، والكلّي المذكور من حيث إنّه مذكور بهذا الذكر الجزئي جزئي لا يحتمل الشركة. وأمّا الثاني فلاقتضاء ضمير الغائب ذكرا جزئيا للمرجوع إليه إمّا لفظا أو معنى أو حكما، وقد عرفت أنّ الكلّي من حيث هو مذكور ذكرا جزئيا جزئي ومنه المشتقات كالأفعال فإنّها بالنظر إلى النسب الداخلة في مفهومها من هذا القبيل، وكالأسماء المتصلة بها مثل اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما وكالمصغّر والمنسوب، إلّا أنّ في وضع المبهمات والمضمرات وبين وضع المشتقات فرقا من وجهين: الأول أنّ الخصوصيات التي وضعت بإزائها المشتقات جزئيات إضافية كلّ واحد منها كلّي في نفسه حتى لو فرض أنّ الواضع تصوّر مفهوم الضارب وعيّن بإزائه كان الوضع والموضوع له عامين، والخصوصيات التي وضعت المبهمات والمضمرات بإزائها جزئيات حقيقية. والثاني أنّ تصوّر اللفظ والمعنى في المشتقات بوجه عام وأمّا في المبهمات والمضمرات فعموم التصوّر في المعنى، لكن الوضع في كليهما عام لأنّ المعتبر في ذلك هو المعنى إذ لا يترتّب على اعتباره في اللفظ فائدة. ومنه الحروف فإنّ لفظة من مثلا موضوعة لكلّ ابتداء خاص بوضع واحد، هكذا ذكر السّيّد الشريف في حاشية شرح مختصر الأصول.
فائدة:
من المعلوم أنّ دلالة اللفظ على مفهوم دون مفهوم آخر مع استواء نسبته إليهما ممتنعة بل لا بدّ من اختصاص يقتضي لإمكانه مخصّصا ينحصر بحكم التقسيم العقلي في ذات اللفظ وغيرها، وذلك الغير إمّا الله تعالى أو غيره، فذهب عبّاد بن سليمان الصيري وأهل التكسير أي أصحاب علم الحروف وبعض المعتزلة إلى الأول وزعموا أنّ بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتية مخصوصة منها نشأت دلالته عليه، والحقّ خلافه، لأنّا لو فرضنا وضع اللفظ الدّالّ على الشيء لمناسبة ذاتية على زعمكم لنقيض ذلك الشيء أو لضدّه دلّ اللفظ على النقيض أو الضدّ دون هذا المدلول الذي هو الشيء، فقد تخلّف عن اللفظ الدلالة عليه، أو لو فرضنا وضع اللفظ للشيء ولنقيضه أو له ولضده دلّ عليهما، فقد اختلف دلالته فتارة على الشيء وحده وتارة عليه وعلى نقيضه أو عليه وعلى ضدّه، وما كان ثابتا لشيء بالذات وبحسب اقتضائها لا يتخلّف عنها ولا تختلف في شيء من الأحوال قطعا فلا تكون دلالته مستندة إلى ذاته، وبهذا التقرير يندفع ما يقال لم لا يجوز أن يكون للفظ مناسبة ذاتية إلى النقيضين أو الضدين إذ لا دليل على استحالته. نعم إنّه مستبعد لكنه لا ينافي الجواز ولا الوقوع. ثم إنّه لا يلزم التخصيص بلا مخصّص إذ إرادة الواضع المختار يصلح مخصصا من غير انضمام داعية إليه كتخصيص الله الحدوث بوقت وكتخصيص العبد الأعلام بالأشخاص. واعلم أنّ المخالف لعلّه يدعي ما يدعيه الاشتقاقيون في ملاحظة الواضع مناسبة ما بين اللفظ ومدلوله في الوضع وإلّا فبطلانه ضروري.
فائدة:
الواضع إمّا الله تعالى أو الخلق أو الله تعالى والخلق بالتوزيع، ثم أن يجزم بأصالة الثلاثة أم لا؟ فهذه أربعة أقسام، قال بكلّ قسم منها قائل. فقال الأشعري ومتابعوه الواضع للغات هو الله تعالى وعلّمها بالوحي أي بأن خاطب إمّا بذاته أو بإرسال ملك عبدا أو داعيا بكون الألفاظ موضوعة للمعاني، أو بخلق أصوات تدلّ على الوضع، وذلك إمّا بخلق الأصوات والحروف أعني جميع الألفاظ التي وضعها للمعاني وإسماعها لواحد أو لجماعة بحيث يحصل له أو لهم العلم بأنّها بإزاء تلك المعاني، وإمّا بخلق أصوات وحروف تدلّ على أنّ تلك الألفاظ موضوعة، أو بخلق علم ضروري بأن يخلق العلم الضروري لواحد أو لجماعة باللغات وأنّ واضعها قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة. وقالت البهشمية أي أصحاب أبي هاشم وضعها البشر واحدا أو جماعة بأن انبعث داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها ثم حصل تعريف الباقين بالإشارة والتكرار كما في الأطفال يتعلمون اللغات بترديد الألفاظ مرة بعد أخرى مع قرينة الإشارة وغيرها، كأن يقال هات الكتاب ولم يكن فيه غيره فيعلم أنّ اللفظ بإزائه. وقال الاستاذ أبو إسحاق الواضع هو الله تعالى والخلق بالتوزيع لا من حيث أنّ بعضا لهذا قطعا وبعضا لذلك قطعا، بل من حيث إنّ البعض لله سبحانه جزما والبعض الآخر يتردّد بينهما، وأما عكس مذهبه بأن يكون الاصطلاحي مقدّما على التوقيفي فهو وإن كان مندرجا تحت التوزيع لكنه على ما قيل من أنّه لم يتحقّق لا هو ولا صاحبه، والقدر المحتاج إليه في التعريف يحصل بالتوقيف من قبل الله وغيره محتمل للأمرين. وقال القاضي أبو بكر الجميع ممكن عقلا ولشيء من أدلة المذاهب لا يفيد القطع فوجب التوقّف وهذا هو الصحيح.
ثم إنّه إن كان المقصود هو الظّنّ بأن كان النزاع في الظهور لا في القطع وهو الحقّ إذ الألفاظ يكتفى فيها بالظواهر، فالحقّ ما صار إليه الأشعري لقوله تعالى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.
فائدة:
طريق معرفة الوضع هو النقل لأنّ وضع لفظ معيّن لمعنى معيّن من الممكنات والعقل لا يستقلّ بها. والنقل إمّا متواتر يفيد القطع أو آحاد يفيد الظّنّ، واللغات قسمان: قسم لا يقبل التشكيك كالأرض والسماء والحرّ والبرد مما يعلم وضعها لما يستعمل فيه قطعا، وقسم يقبله كاللغات العربية، فالطريق فيما لا يقبل التشكيك هو التواتر وفي غيره الآحاد، ولا يراد بالنقل أن يكون مستقلا بالدلالة من غير مدخل العقل فيه إذ صدق المخبر لا بدّ فيه وأنّه عقلي، بل يراد به أن يكون للنقل مدخل. وإن شئت زيادة فارجع إلى العضدي وحواشيه.

الكون

الكون: اسم لما حدث دفعة كانقلاب الماء هواء، كأن الصورة الإلهية كانت للماء بالقوة فخرجت منها إلى الفعل دفعة. فإذا كان على التدرج فهو الحركة. وقيل الكون حصول الصورة في المادة بعد أن لم تكون فيها، ذكره ابن الكمال. وقال الراغب: الكون يستعمله بعضهم في استحالة جوهر إلى ما هو أشرف منه، والفساد في استحالة جوهر ما إلى ما هو والمتكلمون يستعملونه في معنى الإبداع.الكون عند أهل التحقيق: عبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم لا من حيث أنه حق، وإن كان مرادفا للوجود المطلق العام عند أهل النظر وهو بمعنى الكون. 
الكون:
[في الانكليزية] Generation ،universe
[ في الفرنسية] Generation ،univers
بالفتح وسكون الواو عند الحكماء مقابل الفساد. وقيل الكون والفساد في عرف الحكماء يطلقان بالاشتراك على معنيين. الأول حدوث صورة نوعية وزوال صورة نوعية أخرى، يعني أنّ الحدوث هو الكون والزوال هو الفساد.
وإنّما قيّد بالصورة النوعية لأنّ تبدّل الصورة الجسمية على الهيولى الواحدة لا يسمّى كونا وفسادا اصطلاحا لبقاء النوع مع تبدّل أفراده، ولا بدّ من أن يزاد قيد دفعة ويقال حدوث صورة نوعية وزوالها دفعة، إذ التبدّل اللادفعي لا يطلق عليه الكون والفساد. ولذا قيل كلّ كون وفساد دفعي عندهم إلّا أن يقال تبدّل الصورة بالصورة لا يكون تدريجا بل دفعة كما تقرّر عندهم، وبهذا المعنى وقع الكون والفساد في قولهم الفلك لا يقبل الكون والفساد. الثاني الوجود بعد العدم والعدم بعد الوجود، وهذا المعنى أعمّ من الأول، ولا بدّ من اعتبار قيد دفعة هاهنا أيضا لما عرفت، وبالنظر إلى هذا قيل الكون والفساد خروج ما هو بالقوة إلى الفعل دفعة كانقلاب الماء هواء فإنّ الصورة الهوائية للماء كانت بالقوة فخرجت عنها إلى الفعل دفعة. ولهذا قال السّيّد السّند في حاشية شرح حكمة العين أيضا الكون والفساد قد يفسّران بالتغير الدفعي فيتناول تبدّل الصورة الجسمية.
فائدة:
منع بعض المتكلّمين تبدّل الصورة وقال لا كون ولا فساد في الجواهر والتبدّل الواقع فيها إنّما هو في كيفياتها دون صورها فأنكر الكون والفساد وسلّم الاستحالة، وقال العنصر واحد وقد سبق في لفظ العنصر. وعند المتكلّمين مرادف للوجود. قال المولوي عصام الدين في حاشية شرح العقائد عند الأشاعرة الثبوت والكون والوجود والتحقّق ألفاظ مترادفة. وعند المعتزلة الثبوت أعمّ من الوجود انتهى. فالثبوت والتحقّق عند المعتزلة مترادفان وكذا الكون والوجود سيأتي توضيح ذلك في لفظ المعلوم. ويطلق الكون عندهم على الأين أيضا، في شرح المواقف المتكلمون وإن أنكروا سائر المقولات النسبية فقد اعترفوا بالأين وسمّوه بالكون، والجمهور منهم على أنّ المقتضي للحصول في الحيّز هو ذات الجوهر لا صفة قائمة به، فهناك شيئان ذات الجوهر والحصول في الحيّز المسمّى عندهم بالكون.
وزعم قوم منهم أي من مثبتي الأحوال أن حصول الجوهر في الحيّز معلّل بصفة قائمة بالجوهر فسمّوا الحصول في الحيّز بالكائنة والصفة التي هي علّة للحصول بالكون، فهناك ثلاثة أشياء: ذات الجوهر وحصوله في الحيّز وعلّته، وأنواعه أربعة: الحركة والسكون والافتراق والاجتماع، لأنّ حصول الجوهر في الحيّز إمّا أن يعتبر بالنسبة إلى جوهر آخر أو لا، والثاني أي ما لا يعتبر بالقياس إلى جوهر آخر إن كان ذلك الحصول مسبوقا بحصوله في ذلك الحيّز فسكون، وإن كان مسبوقا بحصوله في حيّز آخر فحركة، فعلى هذا السكون حصول ثان في حيّز أول والحركة حصول أوّل في حيّز ثان، ويرد على الحصر حصول الجوهر في الحيّز أول زمان حدوثه فإنّه كون غير مسبوق بكون آخر لا في ذلك الحيّز ولا في حيّز آخر فلا يكون سكونا ولا حركة، فذهب أبو الهذيل إلى بطلان الحصر والتزام الواسطة.
وقال أبو هاشم وأتباعه إنّ الكون في أوّل الحدوث سكون لأنّ الكون الثاني في ذلك الحيّز سكون وهما متماثلان لأنّ كلا منهما يوجب اختصاص الجوهر بذلك الحيّز وهو أخصّ صفاتهما، فإذا كان أحدهما سكونا كان الآخر كذلك، فهؤلاء لم يعتبروا في السكون اللّبث والمسبوقية بكون فيلزم تركّب الحركات من السكنات إذ ليس فيها إلّا الأكوان الأول في الأحياز المتعاقبة. ثم منهم من التزم ذلك وقال الحركة مجموع سكنات في تلك الأحياز، ولا يرد أنّ الحركة ضد السكون فكيف تكون مركّبة منه، لأنّ الحركة من الحيّز ضد السكون فيه، وأمّا الحركة إلى الحيّز فلا ينافي السكون فيه فإنّها نفس الكون الأول فيه والكون الأول مماثل للكون الثاني فيه وأنّه سكون باتفاق فكذا الكون الأوّل، ويلزمهم أن يكون الكون الثاني حركة لأنّه مثل الكون الأول وهو حركة إلّا أن يعتبر في الحركة أن لا تكون مسبوقة بالحصول في ذلك الحيّز لا أن تكون مسبوقة بالحصول في حيّز آخر، وحينئذ لا تكون الحركة مجموع سكنات. والنزاع في أنّ الكون في أول زمان الحدوث سكون أو ليس بسكون لفظي، فإنّه إن فسّر الكون بالحصول في المكان مطلقا كان ذلك الكون سكونا ولزم تركّب الحركة من السكنات لأنّها مركّبة من الأكوان الأول في الأحياز، وإن فسّر بالكون المسبوق بكون آخر في ذلك الحيّز لم يكن ذلك الكون سكونا ولا حركة بل واسطة بينهما ولم يلزم أيضا تركّب الحركة من السكنات. فإنّ الكون الأول في المكان الثاني أعني الدخول فيه هو عين الخروج من المكان الأول، ولا شكّ أنّ الخروج عن الأول حركة فكذا الدخول فيه.
أمّا الأول وهو أن يعتبر حصول الجوهر في الحيّز بالنسبة إلى جوهر آخر، فإن كان بحيث يمكن أن يتخلّل بينه وبين ذلك الآخر جوهر ثالث فهو الافتراق وإلّا فهو الاجتماع. وإنّما قلنا إمكان التخلّل دون وقوعه لجواز أن يكون بينهما خلاء عند المتكلّمين، فالاجتماع واحد أي لا يتصوّر إلّا على وجه واحد وهو أن لا يمكن تخلّل ثالث بينهما، والافتراق مختلف، فمنه قرب ومنه بعد. وأيضا ينقسم الكون إلى ثلاثة أقسام لأنّ مبدأ الكون إن كان خارجا عن ذات الكائن فهو قسري وإلّا فإن كان مقارنا للقصد فهو إرادي وإلّا فهو طبيعي، كذا في شرح التجريد.
فائدة:
فيما اختلف في كونه متحرّكا وذلك في صورتين. الأولى إذا تحرّك جسم فاتفقوا على حركة الجواهر الظاهرة منه واختلفوا في الجواهر المتوسّطة. فقيل متحرّك وقيل لا. وكذلك اختلف في المستقر في السفينة المتحرّكة فقيل ليس بمتحرّك وقيل متحرك، وهو نزاع لفظي يعود إلى تفسير الحيّز. فإن فسّر بالبعد المفروض كان المستقر في السفينة المتحرّكة متحرّكا، وكذا الجوهر المتوسّط لخروج كلّ منهما حينئذ من حيّز إلى حيّز آخر لأنّ حيّز كلّ منهما بعض من الحيّز للكلّ وإن فسّر بالجواهر المحيطة لم يكن الجوهر الوسطاني مفارقا لحيّزه أصلا. وأمّا المستقر المذكور فإنّه يفارق بعضا من الجواهر المحيطة به دون بعض وإن فسّر بما اعتمد عليه ثقل الجوهر كما هو المتعارف عند العامة لم يكن المستقر مفارقا لمكانه أصلا.
والثانية قال الأستاذ أبو اسحاق إذا كان الجوهر مستقرا في مكانه وتحرّك عليه جوهر آخر من جهة إلى جهة بحيث تبدّل المحاذاة بينهما فالمستقر في مكانه متحرّك، ويلزم على هذا ما إذا تحرّك عليه جوهران كلّ منهما إلى جهة مخالفة لجهة الآخر فيجب أن يكون الجوهر المستقر متحرّكا إلى جهتين مختلفتين في حالة واحدة وهو باطل بداهة. والحق أنّه لا نزاع في الاصطلاح فإنّ الاستاذ أطلق اسم الحركة على اختلاف المحاذيات سواء كان مبدأ الاختلاف في المتحرّك أو في غيره فلزمه اجتماع الحركتين إلى جهتين فالتزمه.
فائدة:
القائلون بالأكوان يجوّزون وجود جوهر محفوف بستة جواهر ملاقية له من جهاته السّتّ إلّا ما نقل عن بعض المتكلّمين من أنّه منع ذلك حذرا من لزوم تجزيه وهو إنكار للمحسوس ومانع من تأليف الأجسام من الجواهر الفردة.
واتفقوا أيضا على المجاورة والتأليف بين ذلك الجوهر والجواهر المحيطة به، ثم اختلفوا فقال الأشعري والمعتزلة المجاورة أي الاجتماع غير الكون لحصوله حال الانفراد دونها. وقال الأشعري أيضا والمعتزلة التأليف والمماسّة غير المجاورة بل هما أمران زائدان على المجاورة يتبعانها، والمباينة أي الافتراق ضدّ المجاورة ولذلك تنافي التأليف لأنّ ضدّ الشرط ينافي ضدّ المشروط. ثم قال الأشعري وحده المجاورة واحدة وإن تعدّد المجاور له، وأمّا المماسّة والتأليف فيتعددان، فههنا أي فيما أحاط بالجوهر الفرد ستّ جواهر وستّ تأليفات وستّ مماسّات ومجاورة واحدة وهي أي المماسّات الستّ تغنيه عن كون سابع يخصّصه بحيّزه.
وقالت المعتزلة المجاورة بين الرّطب واليابس تولّد تأليفا قائما به، ثم اختلفوا فيما إذا تألّف الجوهر مع ستة من الجواهر، فقيل يقوم بالجواهر السبعة تأليف واحد فإنّه لمّا لم يبعد قيامه بجوهرين لم يبعد قيامه بأكثر. قيل ست تأليفات لا سبع حذرا من انفراد كلّ جزء من الجواهر السبعة بتأليف على حدة وأبطلوا وحدة التأليف. وقال الأستاذ أبو إسحاق المماسّة بين الجواهر نفس المجاورة وإنهما متعدّدتان ضرورة، فالمباينة على رأيه ضدّ لهما حقيقة أي للمجاورة والتأليف. وقال القاضي أبو بكر إذا حصل جوهر في حيّز ثم توارد عليه مماسات ومجاورات من جوهر آخر ثم زالت تلك المماسّات والمجاورات فالكون قبلها وبعدها واحد لم يتغيّر ذاته، وإنّما تعدّدت الأسماء بحسب الاعتبارات، فإنّ الكون الحاصل له قبل انضمام الجواهر إليه يسمّى سكونا والكون المتجدّد له حال الانضمام، وإن كان مماثلا للكون الأول يسمّى اجتماعا وتأليفا ومجاورة ومماسّة، والكون المتجدّد له بعد زوال الانضمام يسمّى مباينة، والأكوان المختلفة على أصله ليست غير الأكوان الموجبة لاختصاص الجوهر بالأحياز المختلفة وهذا أقرب إلى الحقّ.
فائدة:
من لم يجعل المماسّة كونا قائما بالجواهر كالقاضي وأتباعه أطلق القول بتضاد الأكوان، ومن جعلها كونا كالأشعري والأستاذ فلم يجعلها أي الأكوان أضدادا ولا متماثلة بل مختلفة، وهاهنا أبحاث أخر فمن أرادها فليرجع إلى شرح المواقف.

الكسب

الكسب: ما يجري من الفعل والقول والعمل والآثار على إحسان قوة عليه، ذكره الحرالي. وقال ابن الكمال: الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر. ولا يوصف فعل الله بأنه كسب كتنزهه عن جلب نفع أو دفع ضر. وقال الراغب: الكسب ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ وقد يستعمل فيما يظن أنه يجلب منفعة ثم جلب مضرة، والكسب فيما أخذه لنفسه ولغيره. والاكتساب لا يقال إلا فيما استفاده لنفسه.
الكسب:
[في الانكليزية] Acquisition ،gain
[ في الفرنسية] Acquisition ،gain
بالفتح وسكون السين المهملة عند الأشاعرة من المتكلّمين عبارة عن تعلّق قدرة العبد وإرادته بالفعل المقدور. قالوا أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى وحدها وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله سبحانه أجرى العادة بأنّه يوجد في العبد قدرة واختيارا، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى إبداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد. والمراد بكسبه إيّاه مقارنته بقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له.
وبالجملة فصرف العبد قدرته وإرادته نحو الفعل كسب وإيجاد الله الفعل عقيب ذلك خلق.
ومعنى صرف القدرة جعلها متعلّقة بالفعل وذلك الصرف يحصل بسبب تعلّق الإرادة بالفعل لا بمعنى أنّه سبب مؤثّر في حصول ذلك الصرف، إذ لا مؤثّر إلّا الله تعالى، بل بمعنى أن تعلّق الإرادة يصير سببا عاديا لأن يخلق الله تعالى في العبد قدرة متعلّقة بالفعل بحيث لو كانت مستقلّة في التأثير لوجد الفعل، فالفعل الواحد مقدور لله تعالى بجهة الإيجاد وللعبد بجهة الكسب.
والمقدور الواحد يجوز دخوله تحت قدرتين بجهتين مختلفتين. ولهم في الفرق بين الكسب والخلق عبارات مثل قولهم إنّ الكسب واقع بآلة والخلق لا بآلة، والكسب مقدور وقع في محلّ قدرته والخلق لا في محلّ قدرته. مثلا حركة زيد وقعت بخلق الله تعالى في غير من قامت به القدرة وهو زيد، ووقعت بكسب زيد في المحلّ الذي قامت به قدرة زيد وهو نفس زيد.
والحاصل أنّ أثر الخالق إيجاد لفعل في أمر خارج من ذاته، وأثر الكاسب صفة في فعل قائم به، والكسب لا يصحّ انفراد القادر به والخلق يصح.
اعلم أنّ المتكلّمين اختلفوا في أنّ المؤثّر في فعل العبد ما هو؟ فقالت الجبرية المؤثّر في فعل العبد قدرة الله تعالى ولا قدرة للعبد أصلا لا مؤثّرة ولا كاسبة، بل هو بمنزلة الجمادات فيما يوجد منها. وقال الأشعري المؤثّر فيه قدرة الله تعالى ولكن للعبد كسبا في الفعل بلا تأثير فيه. وقال أكثر المعتزلة وهي واقعة بقدرة العبد وحدها بالاستقلال بلا إيجاب بل باختيار. وقالت طائفة هي واقعة بالقدرتين معا، ثم اختلفوا فقال الأستاذ بمجموع القدرتين على أن تتعلّقا جميعا بالفعل نفسه.
وقال القاضي على أن يتعلّق قدرة الله بأصل الفعل وقدرة العبد بصفته أعني كونه طاعة ومعصية ونحو ذلك. وقالت الحكماء وإمام الحرمين هي واقعة على سبيل الوجود وامتناع التخلّف بقدرة يخلقها الله في العبد إذا قارنت حصول الشرائط وارتفاع الموانع. هذا خلاصة ما في شرح المواقف وشرح العقائد وحواشيه.
ويطلق الكسب أيضا على طريق يعلم منه المجهول، وقد اختلف في جواز الكسب بغير النظر. فمن جوّزه جعل الكسبي أعمّ من النظري، ومن لم يجوزه فقال النظري والكسبي متلازمان، وقد سبق تحقيقه في لفظ الضروري.
وفي شرح العقائد النسفية الاكتسابي علم يحصل بالكسب وهو مباشرة الأسباب بالاختيار كصرف العقل والنظر في المقدّمات في الاستدلاليات والإصغاء وتقليب الحدقة ونحو ذلك في الحسّيات، فالاكتسابي أعمّ من الاستدلالي لأنّ الاستدلالي هو الذي يحصل بالنظر في الدليل، فكلّ استدلالي اكتسابي ولا عكس كالإبصار الحاصل بالقصد والاختيار.
وأمّا الضروري فقد يقال في مقابلة الاكتسابي ويفسّر بما لا يكون تحصيله مقدورا لمخلوق، وقد يقال في مقابلة الاستدلالي ويفسّر بما يحصل بدون نظر وفكر في دليل. فمن هاهنا جعل بعضهم العلم الحاصل بالحواس اكتسابيا أي حاصلا بمباشرة الأسباب بالاختيار، وبعضهم ضروريا أي حاصلا بدون الاستدلال انتهى كلامه. وفيه مخالفة صاحب المواقف، وإن شئت التوضيح فارجع إلى ما حقّقه مولانا عصام الدين في حاشيته.

اللّقب

اللّقب:
[في الانكليزية] Surname ،sobriquet
[ في الفرنسية] Surnom ،sobriquet
بالقاف في اللغة ما يعبّر به عن شيء.
وفي اصطلاح أهل العربية علم يشعر بمدح أو ذمّ باعتبار معناه الأصلي، صرّح بذلك المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضيائية في المبنيات في شرح قول المصنّف وألقابه ضمّ وفتح وكسر وقد سبق في لفظ العلم.

فَرد

(فَرد)
فرودا انْفَرد وتوحد وبالأمر والرأي انْفَرد
(فَرد) الرجل تفقه وَاعْتَزل النَّاس وخلا لِلْعِبَادَةِ وَفِي الحَدِيث (طُوبَى للمفردين) وبرأيه استبد وَالذَّهَب فَصله بالفريد وَالشَّيْء جعله أفرادا والأشياء باعد بَين بَعْضهَا وَبَعض (محدثتان)
فَرد
: (الفَرْدُ: نِصْفُ الزَّوْجِ. و) الفَرْد: (المُتَّحِدُ، ج: فِرَادٌ) ، بالكسرِ، على القِيَاسِ فِي جَمْع فَعْل بِالْفَتْح.
(و) عَن اللّيثِ: الفَرْدُ فِي صِفاتِ اللهِ تَعَالَى: (مَن لَا نَظِيرَ لَهُ) وَلَا مِثْلَ وَلَا ثانِيَ.
قَالَ الأَزهريّ: وَلم أَجِدْه فِي صفاتِ الله تَعَالَى الَّتِي وَرَدَت فِي السُّنَّةِ، قَالَ: وَلَا يُوصَف اللهُ تَعَالَى إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نفْسَ، أَو وصَفَه بِهِ النّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم قَالَ:.
وَلَا أَدري من أَين جاءَ بِهِ الليثُ. والفَرْدُ: الوِتْر، و (ج أَفرادٌ وفُرَادَى) ، على غيرِ قياسٍ، كأَنَّه جمع فَرْدَانَ كسَكْرَى وسَكْرَان، وسُكارَى. وبعضُهم أَلْحقَه بالأَلفاظ الثّلاثةِ الّتي كرت فِي: فرخ.
(و) الفَرْد: (الجانِبُ الوَاحِدُ من اللَّحْيِ) ، كأَنَّهُ يُتَوَهَّم مُفْرَدا، والجَمْع أَفرادٌ، قَالَ ابْن سَيّده: وَهُوَ الّذي عَنَاه سيبويهِ بقوله: نَحْو فَرْد وأَفراد، وَلم يَعْنِ الفَرْد الّذِي هُوَ ضدّ الزَّوج، لأَن ذالك لَا يكَاد يُجْمَع.
(و) الفَرْد (من النِّعَالِ: السَّمْط الَّتِي لم تُخْصَفْ) طاقاً على طاقٍ (وَلم تُطارَقْ) ، وَفِي الحَدِيث: (جاءَ رَجُلٌ يشكو رَجُلاً من الأَنصارِ شَجَّه، فَقَالَ:
يَا خَيْرَ مَن يَمْشِي بِنَعْلٍ فَرْده
أَوْهَبَهُ لِنَهْدَةٍ ونَهْدِ
أَراد النَّعْلَ الّتي هِيَ طاقٌ واحدٌ، وهم يُمدَحُون بِرِقَّةِ النِّعَال، وإِنما يَلْبَسُهَا ملوكُهم وسادتُهم. أَراد: يَا خَيْرَ الأَكاِبِر من العَرَب، لأَنَّ لُبْس النِّعَال لَهُم دون العَجَم. كَذَا فِي اللِّسَان.
(و) يُقَال: (شيْءٌ فارِدٌ وفَرْدٌ) ، بفتْح فَسُكُون (وفردَّ، كجَبَلٍ، وكَتِفٍ، ونَدُسٍ وعُنُقٍ وسَحْبَانَ وحَلِيمً وقَبُولٍ: مُتَفَرِّدٌ) ، ويُنْشَد بيتُ النَّابِغَة:
مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيَ أَكارِعُهُ
طاوِي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفَرَدِ
بِفَتْح الرّاءِ، وضمّها، وَكسرهَا مَعَ فتح الفاءِ، وبضمتين، وكذالك. ثَوْر فارِدٌ وفَرَدٌ وفَرُدٌ وفَرِدٌ وفَرِيد بمعنَى مُنفردٍ.
(وشَجَرةٌ فارِدٌ) وفارِدَةٌ: (مُتَنَحِّيَةٌ) انفردَت عَن سائرِ الأَشجارِ، قَالَ المسيَّب بن عَلَسٍ:
فِي ظِل فارِدَةٍ مِنَ السِّدْرِ
وسِدْرَةٌ فارِدَةٌ: انفردَت عَن سَائِر السِّدْرِ. (وظَبْيَةٌ فارِدٌ: مُنْفَرِدةٌ) ، انْقَطَعَتْ (عَن القطِيعِ، وناقَةُ فارِدةُ، ومِفْرَادٌ، وفَرُودٌ) كصَبُورٍ، إِذا كَانَت (تَنْفَرِدُ) وتَتَنَحَّى (فِي المَرْعَى) والمَشْرُوب. والذَّكَر فارِدٌ لَا غَيْرُ.
(وأَفرادُ النُّجومِ وفُرُودُها: الّتي تَطْلُع فِي آفاقِ السَّماءِ) ، وَهِي الدَّرَارِيُّ، سُمِّيَت بذالك لتَنَحِّيها وانفرادِهَا من سائِر لنُّجومِ.
(و) عَن ابْن الأَعرابيِّ: (فَرَّدَ) الرَّجلُ (تَفْرِيداً) ، إِذا (تَفَقهَ، واعزَلَ النَّاسَ، وخَلَا لِمُرَاعَاةِ الأَمْرِ والنَّهْيِ، وَمِنْه) الحديثُ: ((طُوبَى للمُفَرِّدِينَ) و) هِيَ روايةٌ من الحدِيثِ المرويِّ عَن أَبي هُريرة، رَضِي الله عَنهُ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صلَّى الله عليْه وسلّم، كَانَ فِي طَرِيقِ مكَّةَ على جَبَلٍ، يُقَال لَهُ: يُجْدَانُ فَقَالَ: سِيرُوا، هاذا بُجْدَانُ، (سَبَقَ المُفَرِّدُون) ، قَالُوا: يَا رسولَ الله، وَمن المُفَرِّدُون؟ قَالَ: الذَّاكِرُون الله كثيرا وَالذَّاكِرَات) هاكذا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه. (و)يُقَال أَيضاً: (هُم المُهْتَرُون بِذِكْرِ الله تَعَالَى) كَمَا جاءَ ذالك فِي روايةٍ أُخْرَى، ونصّها: (قَالَ: الَّذين أُهْتِرُوا فِي ذِكْرِ الله يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُم أَثقالَهُمْ، فيأْتُون يَومَ القِيَامَ خِفَافاً) (وهم) أَي المُفَرِّدون (أَيضاً) على قَول القُتَيْبِيِّ فِي تَفْسِير الحَدِيث؛ الهَرْمَى (الَّذين قد هَلَكَتْ (كَذَا فِي النّسخ، وَفِي بَعْضهَا: هَلَكَ (لداتُهُمْ) ، بالكسرِ، أَي من الناسِ، وذَهَب القَرْنُ الّذي كَانُوا فِيهِ، (وبَقُوا هم) يَذْكُرون اللهَ عَزَّ وجَلَّ. وَفِي بعض النّسخ: هَلَكت لَذَّتُهم. قَالَ أَبو مَنْصُور: وقولُ ابنِ الأَعرَابِيِّ فِي التَّفْرِيد عِنْدِي أَصْوَبُ من قَول القُتَيْبِيّ.
(وراكِبٌ مُفَرِّدٌ: مَا مَعَهُ غَيْرُ بَعِيرِهِ) . فِي الأَساس: بَعَثُوا فِي حاجَتِهِم راكِباً مُفَرِّداً: لَا ثانِيَ مَعَه.
(وفَردَ بالأَمرِ، مثلْثَةَ الرّاءِ) ، الفتحُ هُوَ الْمَشْهُور، قَالَ ابنُ سِيدَه: وأُرى اللِّحْيَانيَّ حكَى الكَسْرَ والضّمَّ. وَأَفْرَدَ، وانفَرَدَ، واستَفْرَدَ) ، إِذا (تَفَرَّدَ بِهِ) ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: فَرَدْتُ بهاذا الأَمْرِ أَفرُدُ بِهِ فُرُداً، إِذا انفرَدْت بِهِ (و) قولُهم: (جاءُوا فُرَاداً وفِرَاداً) بالضّمّ وَالْكَسْر مَعَ التَّنْوِين، (وفُرادَى) كسُكَارَى، (فُرَادَ) ، كثُلاثَ ورُبَاعَ، (وفَرَادَ) ، بِالْفَتْح، غَيْرَ منصرفَيْنِ، (وفَرْدَى كسَكْرَى، أَي واحِداً بَعْدَ واحِدٍ) ، قَالَ أَبو زَيْدٍ عَن الكِلابِيِّين: جِئْتُمُونا فُرَادى، وهم فُرَادٌ وأَزواجٌ، نَوَّنوا قَالَ: وأَما قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} (الْأَنْعَام: 94) فإِنَّ الفَرَّاءَ قَالَ: فُرَادَى جمْعٌ، قَالَ: وَالْعرب تَقول: قَوْمٌ فُرَادَى، وفُرَادَ، فَلَا يُجْرُونها، شُبِّهَتْ بثُلَاثَ ورُبَاعَ، قَالَ: (والوَاحِدُ: فَرَدٌ) ، بِالتَّحْرِيكِ، (وفَرِدٌ) ككَتفٍ، (وفَرِيد) ، كأَمِير، (وفَرْدَانُ) كسَكْرَانَ، (وَلَا يَجُوزُ فَرْدٌ فِي هَذَا الْمَعْنى) ، أَي بفتْح فَسُكُون، قَالَ الفرَّاءُ: وأَنشدني بعضُهم:
تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِهِ
فُرَادَى ومَثْنَى أَضْعَفَتْهَا صَوَاهِلُهْ
وَفِي (بصائر ذَوي التَّمْيِيز) للمصنِّف: هُوَ قَولُ تَمِيمِ بنِ أُبيِّ بن مُقْبل، يصف فرسا. ويروى أَيضاً: (أُحَاد ومَثْنَى) ثمَّ قَالَ: وجاءَ فَرْدَى، مِثَال سَكْرَى، وَمِنْه قِراءَة الأَعرجِ ونافِعٍ، وأَبي عَمْرٍ و: {8. 029 وَلَقَد جئتمونا فردى} .
واسْتَفْرَد فُلاناً: انفَرَدَ بِهِ و) استَفْرَد (الشيْءَ: أَخرَجَهُ من بينِ أَصحابِهِ) وأَفْرَدَه: جَعَلَهُ فَرْداً.
وَفِي الأَساس: واستَفْردْته فحدَّثْته (بشُقورى) أَي وَجدتُه فَردا لَا ثانِيَ مَعَه. وَيُقَال: استَطْرَدَ للقَوْمِ فلمَّا استَفْرَدَ مِنْهُم رَجُلاً كَرَّ عَلَيْهِ فجَدَّلَهُ.
(وفَرْدٌ) بِفَتْح فَسُكُون، (وفِرْدٌ) ، بِالْكَسْرِ، (وفُرْدٌ) ، بالضّمّ، (وفَرْدَةُ) ، وفَرْدَةُ) ، كتَمْرَة، (وَفَرَدَى، كَجَمَزَى، وفارِدٌ، والفُرُداتُ) ، الأَخِير (بِضَمتَيْنِ) ، كُلّ ذالكَ أَسماءُ (مَوَاضِع) جاءَ ذِكْرُ آخرِهَا فِي قَول عَمْرِو بنِ قَميئةَ. وأَمَّا بِفَتْحٍ فسُكونٍ، فجَبَلٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، يُقَال لَهما: الفَرْدَانِ، وأَمَّا بِكَسْر فَسُكُون فمَوْضعٌ عِندَ بَطْنِ الإِيادِ، من بِلَاد يَرْبُوع بن حَنْظَلة، ثَمَّ وَقْعَةٌ. كَذَا فِي المعجم.
وفَارِدٌ: جَبَلٌ بِنَجْدٍ، (وفَرْدَةُ: جَبَلٌ بالبادِيَةِ) ورَمْلَةُ مَعْرُوفَةٌ، قَالَ الرَّاعِي:
إِلَى ضَوْءِ نارٍ بَين فَرْدَةَ والرَّحَى
وَقيل: موضعٌ بينَ المدينةِ والشامِ انْتهى إِليه زَيْدُ بنُ حارِثةَ لَمَّا بَعَثَه النّبيُّ صَلَّى الله عليْه وسلَّم، لاعتراض عِيرِ قُرَيْش، ورُوِيَ قولُ عَبِيدٍ:
فَفَرْدَةٌ فَقَفَا عِبِرَ
لَيْسَ بهَا مِنْهُم عَرِيبُ
وَقد تقدم فِي: ع ر د.
وَقَالَ لبيد:
بِمَشارِقِ الجَبَلَيْنِ أَو بِمُحَجَّرٍ
فَتَضَمَّنَتْهَا فَرْدَةٌ فرُخَامُها
(و) فَرْدَةُ: جَبَلٌ (آخَرُ لِطَيِّءَ) يُقَال لَهُ: فَرْدَةُ الشّموس. (و) فَرْدَة (ماءٌ لِجَرمٍ) ، وهُنَاكَ قبْرُ زيدِ الخَيْلِ (أَو هُوَ بِالْقَافِ) ، وسيأْتي.
وَفِي قَول الشَّاعِر:
لَعَمْرِي لأَعْرَابِيَّةٌ فِي عَبَاءَةٍ
تَحُلَّ الكَثِيبَ سُوَيْقَةَ أَو فَرْدَا
فَقيل: إِنه مُرَخَّم من فَرْدَة، رخَّمه فِي غيرِ النداءِ اضطراراً (و) قولُهم: فُلان يُفَصِّل كلامَه تَفْصِيلَ الفَرِيدِ، (الفَرِيدُ: الشَّذْرُ) الَّذِي (يَفْصِلُ بَين اللُّؤْلُؤِ والذَّهَب) ، وَيُقَال لَهُ: الجَاوَرْسَقُ، بِلِسَان العَجَمِ، (ج: فَرَائِدُ، و) قيل: الفَرِيد، بِغَيْر هاءٍ: (الجَوْهَرَةُ النَّفِيسَةُ) ، كأَنَّهَا مُفْرَدَةٌ فِي نَوْعِها، (كالفَرِيدَة) ، بالهَاءِ (و) الفَرِيدُ أَيضاً: (الدُّرُّ، إِذا نُظِمَ وفُصِّلَ بِغيرِه) ، وفَسَّر الــعِصَامُ الفَرِيدَةَ بالدُّرَّةِ الثَّمِينَة الَّتِي تُحْفَظُ فِي ظَرْفٍ على حِدَةٍ، وَلَا تُخْلَطُ باللآليءِ، لِشَرَفِها.
قَالَ شيخُنَا: وَهَذِه القُيُودُ تَفَقُّهاتٌ مِنْهُ، على عَادَتِه.
(وبائِعُهَا، وصانِعُها: فَرَّادٌ) .
وَقَالَ إبراهِيمُ الحَرْبيّ: الفَرِيدُ جمْع لفَرِيدةٍ، وَهِي الشَّذْرُ من فِضَّةٍ كاللُّؤْلُؤ، وفَرائدُ الدُّرِّ: كِبَارُها.
(و) الفَرِيد، أَيضاً (المَحَالُ الّتي انفردَتْ فوَقَعَت بَين آخِرِ المَحَالاتِ السِّتِّ الّتي تَلِي دَأْيَ العُنُقِ، وبينَ السِّتِّ الّتي بَين العَجْبِ وبَيْن هاذه، كالفَرَائِدِ) ، سُمِّيَتْ بِهِ لانفِرَادِهَا، وَقيل: الفَرِيدَةُ: المَحَالَةُ الّتي تَحْرُج من الصهْوَةِ الّتي تَلِي المَعَاقِمَ، وإِنَّمَا دُعِيَتْ فَرِيدَةً لأَنَّهَا وَقَعَتْ بينَ فَقَارِ الظَّهْرِ ومَعَاقِمِ العَجُزِ، والمَعَاقِمُ: مُلْتَقَى أَطْرَافِ العِظَامِ.
(والفُرْدُودُ) ، كسُرْسُورٍ، كَمَا هُوَ نصُّ التكملة، وَفِي بعض النُّسخ: الفُرُودُ: (كَوَاكِبُ) زاهِرةٌ، (مُصْطَفَّةٌ خَلْفَ) ، وَفِي بعض النُّسخ: حَوْلَ (الثُّرَيَّا) ، وَهِي النَّسَقُ أَيضاً، قَالَه ابنُ الأَعرابيِّ. وَيُقَال: الفُرُودُ هاذه نُجومٌ حولَ حَضَارِ. أَحدِ المُحْلِفَيْنِ، أَنشَدَ ثَعْلَبٌ:
أَرَى نارَ لَيْلَى بالعَقِيقِ كأَنَّهَا
حَضَارِ إِذا مَا أَعْرَضَت وفُرُودُها
كَذَا فِي اللِّسَان.
قلْت: وثانِي المُحْلِفَيْنِ الوَزْن، وهما كَوكَبانِ يَطْلُعانِ قَبْلَ سُهَيْلٍ، تَقول الْعَرَب: حَضَارِ والوَزْنُ مُحْلِفَان وذالك أَنَّهما يَطْلُعان قَبْلَه، فيَظنُّ النَّاسُ بكلِّ واحدٍ مِنْهُمَا أَنَّه سُهَيْلٌ، فيَحالفون على ذالك. وَفِي كتاب (أَنواء الْعَرَب) : ويكونُ مَعَ حَضارِ كواكِبُ صِغارٌ، يقالُ لَهُ: الفُرُودُ، سُمِّيَتْ بذالك لانفِرادِهَ عَنهُ من جَانب.
(وذَهَبٌ فَرَّدٌ) كمُعَظَّمٍ (مُفَصَّلٌ بالفَرِيدِ) . وَمن سَجَعَاتِ الأَساس: كَم فِي تَفَاصِيلِ المُبَرَّد، مِن تَفْصِيلٍ فَرِيدٍ ومُفْرَّد:.
(والفِرِنْدَادُ) بِالْكَسْرِ: (شَجَرٌ) قَالَه ابنُ سَيّده (و: ع بِهِ قَبْرُ ذِي الرُّمَّةِ) الشاعرِ المشهورِ. وَقيل: رَمْلَةٌ مُشْرِفَةٌ فِي بلادِ بَنِي تَمِيمٍ، ويزعُمون أَنَّ قَبر ذِي الرُّمَّة فِي ذِرْوَتِهَا قَالَ ذُو الرُّمَّة:
ويافِعٌ من فِرِنْدَادَيْنِ مَلْمُومُ
ثَنَّاه ضَرُورَة.
وَفِي التَّهْذِيب: فِرِنْدَادٌ: جَبَلٌ بناحيةِ الدَّهْنَاءِ، وبِحِذائِهِ جَبَلٌ آخَرُ، وَيُقَال لَهما مَعًا: الفِرِنْدَادَانِ. وأَنشدَ بيتَ ذِي الرُّمة، ذكَره فِي الرُّباعيِّ.
كتاب م كتاب (والفَوَارِدُ مِن الإِبلِ: الَّتي لَا تُشْبِهُهَا فُحُولٌ) .
(و) يُقَال: (لَقِيتُه فَرْدَيْنِ، أَي لم يكن مَعَنَا أَحَدٌ، وَعبارَة اللِّسَان لَقِيتُ زَيداً فَرْدَيْنِ، إِذا لم يكن مَعَكُمَا أَحدٌ.
(والفَرْدَيْنِ) ، بِصِيغَة التَّثْنِية: (قناةٌ) .
وزيادُ بنُ الفَرْدِ أَو (ابنُ) أَبِي (الفَرْدِ) ، وَيُقَال: القرْد، بِالْقَافِ: (صَحابِيٌّ) لم يَصِحَّ حَدِيثُه. كَذَا فِي مُعْجم الصَّحَابَة.
(وَحفْصٌ الفَرْدُ المِصْرِيُّ) ، أَبو حَفْص (مِنَ الجَبْرِيَّةِ) مشهورٌ، من المتكلِّمين. وَكَانَ قد تَلمذَ أَبا يُوسُفَ، وناظرَ الشافِعِيَّ.
(والفَرْدُ) : اسْم (سَيْفِ عبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ) بن ثَعْلَبَةَ الأَنصاريّ، أَبي محمَّدٍ النّقِيبِ البَدْريِّ، رَضِي الله عَنهُ.
(والفارِدُ من السُّكَّرِ: أَجْوَدُهُ وأَبْيَضُهُ) .
(و) الفارِد: (جَبَلٌ بِنَجْدٍ) ، تقدَّمَ ذِكْره.
(و) الفُرَدَةُ، (كَهُمَزَةٍ: مَن) يَتْرُك الرُّفْقَة، و (يَذْهَبُ وَحْدَه) .
(والفُرْدَاتُ بضمّ الفاءِ) وَسُكُون الراءِ: (الآكامُ) .
(و) يُقَال: (سَيْفٌ فَرْدٌ) ، بِفَتْح فَسُكُون، (وَفَرِدٌ) ، ككَتِفٍ، (وفَريدٌ) كأَمِيرٍ، (وفَرَدٌ) ، محرّكَة، (وفَرْدَدٌ) ، كجعفرٍ، (وفِرِنْدٌ) ، بِالْكَسْرِ، أَي (لَا نَظيرَ لَهُ) من جَوْدتِه، فَهُوَ مُنْقَطِعُ القَرِينِ، هاكذا فَسَّر بنُ السِّكّيت فِي قَوْله:
طاوِي المَصِيرِ كسَيْفِ الصَّيْقَلِ الفردِ
قَالَ: الفَرَدُ والفُرُدُ، بِالْفَتْح والضّمِّ، وَلم أَسمعْ بالفَرَد إِلَّا فِي هاذا الْبَيْت. وَالَّذِي فِي التكملة: سيف فَرَدٌ وفَرِيدٌ: ذُو فِرِنْد. فتأَمَّلْ ذالك.
(وأَفْرَدَهُ: عَزَلَهُ) . (و) أَفْرَدَ (إِليه رَسُولَا: جَهَّزَهُ.
(و) أَفردَت (المَرْأَةُ: وضَعَت وَاحِدَة) ، هاكذا فِي النُّسْخَة: وَفِي بعْضها: وَاحِدًا، (فَهِيَ مُفْرِدٌ) ، ومُوحِدٌ، ومُفِذٌّ. وَزَاد فِي الأَساس: وأَتْأَمَت، إِذا وَضَعَت اثْنَيْنِ. قَالَ الأَزهريُّ (وَلَا يُقالُ) ذالك فِي (الناقَةِ، لأَنَّها لَا تَلِد إِلَّا واحِداً) ، كَذَا فِي اللِّسَان.
(وفَرْدَدُ) ، كجعفر: (ة بِسَمَرْقَنْدَ) ، مِنْهَا أَبو إِسحاقَ إِبراهيمُ بنُ منصورِ بنِ شُرَيْحٍ، عَن محمّد بن أَيّوبَ الرازيّ.
ومِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
المُفْرَد: ثَوْرُ الوَحْشِ. وَفِي قصيدة كَعْب:
تَرْمِي الغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهَقٍ
شَبَّهَ بِهِ النّاقَةَ.
وَفِي الحَدِيث: (لَا تُعَدُّ فارِدَتُكم) يَعْنِي الزائدةَ على الفَرِيضةِ، أَي لَا تُضَمُّ إِلى غيرِهَا فَتُعَدّ مَعهَا وتُحْسَب. وَقَالَ الزّمخشريُّ فِي الأَساس: الفاردةُ هُنَا. هِيَ الَّتِي أَفرَدْتهَا عَن الغَنَمِ تَحْلبُها فِي بَيْتِك.
وَفِي حَدِيث أَي بَكْرٍ: (فَمِنْكُمْ المُزْدَلِفُ صاحِبُ العِمَامَةِ الفَرْدَةِ) إِنَّما قِيل لَه ذالك، لأَنّه كَانَ إِذا رَكِبَ لم يَعْتَمَّ مَعَه غَيْرُه إجلالاً لَهُ.
وَفِي الحَدِيث: (لَا يَغُلَّ فارِدَتُكم) فَسَّرَه ثعلبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ مَن انفرَدَ مِنْكُم، مثْل واحدٍ أَو اثْنَيْنِ، فأَصاب غَنِيمَةً فلْيَرُدَّها على الجَمَاعَةِ، وَلَا يَغُلَّها أَي لَا يَأْخذْها وَحْدَه.
اسْتَفْرَدْتُ الشيءَ، إِذا أَخذْته فَرْداً لَا ثانِيَ لَهُ وَلَا مِثْل، قَالَ الطِّرِمَّاحُ يذْكُر قِدْحاً من قِدَاحِ المَيْسِرِ:
إِذَا انْتَحَت بالشَّمَالِ بارِحَةً
جالَ بَرِيحاً واستفرَدَتْهُ يَدُهْ
والفارِدُ والفَرَدُ: الثَّوْرُ.
وعَدَدْتُ الجَوْزَ، أَو الدَّرَاهِمَ أَفراداً، أَي وَاحِدًا وَاحِدًا. وفَرْدٌ: كَثِيبٌ مُنْفَرِدٌ عَن الكُثْبَانِ، غَلَبَ عَلَيْهِ ذالك، و (لَيْسَ) فِيهِ الأَلفُ والّلام حتّى جُعِلَ ذالك إسماً لَهُ كَزَيْدٍ، وَلم يُسمَع فِيهِ الفَرْد.
وَفِي حديثِ الحُدَيْبِيَة: (لأُقاتِلَنّهم حتَّى تَنْفَرِدَ سالِفَتِي) أَي حتَّى أَموتَ. السالِفةُ: صَفْحةُ العُنُقِ وَكَنَى بانفِرَادِهَا عَن المَوْت، لأَنَّهَا لَا تَنْفَرِدُ عَمَّا يَلِيها إِلَّا بِهِ.
واستفَردَ الغَوَّاصُ الدُّرَّة: لم يَجِدُ معَها أُخرَى. كَذَا فِي الأَساس.
وفُرُودُ النُّجومِ، مثل أَفرادِهَا.

الماهية

الماهية:
[في الانكليزية] Essence ،quiddity
[ في الفرنسية] Essence ،quiddite
هي مأخوذة عن ما هو بإلحاق ياء النسبة وحذف إحدى الياءين للتخفيف ثم التعليل كمثل مرمي وإلحاق التاء للنقل من الوصفية إلى الاسميّة. وقيل ألحق ياء النسبة بما هو وحذف الواو وألحق تاء التأنيث. ولو قيل بأنّها مأخوذة عما هي لكان أقلّ إعلالا. وفي صحة إلحاق ياء النسبة بما هو على ما هو قاعدة اللغة نظر، ولا يوجد له نظير. قال المولوي عصام الدين في حاشية شرح العقائد وغيره وإنّي أظنّ أنّ لفظ الماهية منسوب إلى لفظ ما بإلحاق ياء النسبة إلى لفظ ما ومثل لفظ ما إذا أريد به لفظ يلحقه الهمزة فأصله مائية أي لفظ يجاب به عن السّؤال بما قلبت همزته هاء لما بينهما من قرب المخرج، كما يقال في إيّاك هيّاك. ويؤيّده أنّ الكيفية اسم لما يجاب به عن السّؤال بكيف أخذ بإلحاق ياء النسبة وتاء النقل من الوصفية إلى الاسمية بكيف، والكمية اسم لما يجاب به عن السّؤال بكم حصل بإلحاق ياء النسبة والتاء بلفظ كم وتشديد كمّ حين إرادة لفظة على ما يقتضيه قانون إرادة نفس اللفظ بالثنائي الصحيح.
ثم الماهية عند المنطقيين بمعنى ما به يجاب عن السؤال بما هو. وعند المتكلّمين والحكماء بمعنى ما به الشيء هو، وتحقيق هذا التعريف سبق في لفظ الحقيقة، وبين المعنيين عموم من وجه لتحقّق الأول فقط في الجنس بالقياس إلى النوع والثاني فقط في الماهيات الجزئية كالشخص، وكذا الحال في الصنف أيضا واجتماعهما في الماهية النوعية بالقياس إلى النوع والماهية بالمعنى الثاني لا يكون إلّا نفس الشيء. اعلم إن كان لها ثبوت وتحقّق مع قطع النظر عن اعتبار العقل يسمّى ماهية حقيقية أي ثابتة في نفسه الأمر وإن لم تكن كذلك تسمّى ماهية اعتبارية أي كائنة بحسب اعتبار العقل فقط، كما إذا اعتبر الواضع عدة أمور فوضع بإزائها اسما. واعلم أيضا أنّ الماهية والحقيقة والذات قد تطلق على سبيل الترادف، والحقيقة والذات تطلقان غالبا على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي، كلّية كانت أو جزئيّة، والجزئية تسمّى هوية. وأمّا إطلاقهما على الحقيقة كليّة كانت أو جزئية على سبيل الترادف كما مرّ فبناء على تفسيرها بما به الشيء هو هو. قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف:
وللماهية معنى آخر يفهم من كلام الشيخ في إلهيات الشفاء حيث قال: كلّ بسيط فإنّ ماهيته ذاته لأنّه ليس هناك شيء قابل لماهيّته وصورته أيضا ذاته، لأنّه لا تركيب فيه. وأمّا المركّبات فلا صورتها ذاتها ولا ذاتها ماهيّتها. أمّا الصورة فظاهر أنّها جزء منها. وأمّا الماهية فهي ما به هي هي وإنّما ما هي هي بكون الصورة مقارنة للمادة وهو أزيد من معنى الصورة والمركّب ليس هذا المعنى أيضا، بل هو مجموع الصورة والمادة. قال هذا ما هو المركّب والماهية هذا التركيب الجامع للصورة والمادة والوحدة الحادثة منهما لهذا الواحد انتهى.
واعلم أيضا أنّ الماهية والذات والحقيقة معقولات ثانية لأنّها عوارض تلحق المعقولات الأولى من حيث هي في العقل، ولم يوجد في الأعيان ما يطابقها، مثلا المعقول من الحيوان الإنسان ويعرض له أنّه ماهية وليس في الأعيان شيء هو ماهية بل في الأعيان فرس أو إنسان وهي أي الماهية مغايرة لجميع ما عداها من العوارض اللاحقة لازمة كانت أو مفارقة، وأمّا كونها ماهية فبذاتها فإنّ الانسان إنسان بذاته لا بشيء آخر ينضمّ إليه، والإنسان واحد لا بذاته بل بضمّ صفة الوحدة إليه، فالإنسان من حيث هو هو من غير التفات إلى أن يقارنه شيء أو لا، بل يلتفت إلى مفهومه من حيث هو هو يسمّى المطلق والماهية بلا شرط، وإن أخذ مع المشخّصات واللواحق يسمّى مخلوطا والماهية بشرط شيء وهما موجودان في الخارج، وإن أخذ بشرط العراء عن المشخّصات واللواحق يسمّى الماهية المجرّدة وبشرط لا شيء وذلك غير موجود في الخارج، وقيل توجد في الذهن عند القائل بالوجود الذهني، وقيل لا لأنّ وجودها في الذهن من العوارض واللواحق فلا تكون مجرّدة عن جميعها، وقيل توجد لأنّ الذهن يمكنه تصوّر كلّ شيء حتى عدم نفسه ولا حجر في التصورات أصلا، فلا يمتنع أن يعقل الذهن الماهية المجرّدة. وقيل إنّ شرط تجرّدها عن الأمور الخارجية وجدت في الذهن وإنّ شرط تجرّدها مطلقا فلا وفيه نظر، فإنّ كون الشيء موجودا في الذهن ليس من العوارض الذهنية إذ هي ما جعله الذهن قيدا فيه أي في الشيء بأن يعتبر الذهن لذلك الشيء عارضا له، ويلاحظ فيه. وهذا الذي فرضناه موجودا في الذهن عرض له في نفس الأمر كونه في الذهن من غير أن يعتبره عارضا له ويلاحظ فيه.
اعلم أنّ هذا ليس تقسيما للماهية إلى الأقسام الثلاثة حتى يلزم تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره لأنّ الماهية المطلقة عين المقسم، بل بيان اعتبارات الماهية بالقياس إلى العوارض وهو الظاهر من عبارات القوم. وفي شرح التجريد إنّه تقسيم لحال الماهية إلى الاعتبارات الثلاثة وهو خلاف الظاهر. وقيل إنّه تقسيم ما يطلق عليه الماهية فليس بشيء إذ ليس المقصود بيان إطلاقاتها. اعلم أنّ الماهية إمّا بسيطة أي غير مركّبة من أجزاء بالفعل أو مركّبة وتنتهي إلى البسيط إذ لا بدّ في المركّب من أمور كلّ واحد منها حقيقة واحدة أي متصفة بالوحدة بالفعل وإلّا لكان مركّبا من أمور غير متناهية وهو محال، وكلاهما تارة يعتبران بالقياس إلى العقل وتارة بالقياس إلى الخارج فالبسيط العقلي ما لا يتركّب من أجزاء بالفعل في العقل كالأجناس العالية والفصول، والبسيط الخارجي ما لا تركّب فيه في الخارج كالمفارقات من العقول والنفوس فإنها بسيطة في الخارج وإن كانت مركّبة في العقل بناء على كون الجوهر جنسا لها. والمركّب العقلي ما يكون مركّبا من أجزاء بالفعل في العقل كالمفارقات والمركّب الخارجي ما يتركّب منها في الخارج كالست. ثم المركّب إمّا ذات إن كان قائما بنفسه أو صفة إن كان قائما بغيره. والأوّل يقوم بعض أجزائه ببعض آخر منها إذ لا بدّ في تركيب الماهية الحقيقية من حاجة الأجزاء بعضها إلى بعض إذ لو استغنى كلّ عن الآخر لم يحصل منهما حقيقة ماهية واحدة حقيقية كالحجر الموضوع بجنب الإنسان. والثاني أي المركّب الذي هو صفة يقوم بثالث لامتناع قيامة بجزئه فإمّا أن يقوم أجزاؤه كلها بذلك الثالث الذي هو غير المركّب وأجزائه ابتداء لكن يكون قيام بعضها به شرطا لقيام بعضها الآخر حتى يتصوّر كون ذلك المركّب واحدا حقيقيا لا اعتباريا، وهذا على تقدير امتناع قيام العرض بالعرض، أو يقوم جزء منه بذلك الثالث ويقوم الجزء الآخر منه بالجزء القائم به فيكون قيام الجزء الآخر بالثالث بالواسطة. وهذا على تقدير جواز قيام العرض بالعرض.
فائدة:
إنّما يحكم بتركّب الماهية إذا علم أنّها مشاركة لغيرها في ذاتي مخالفة له أي لذلك الغير في ذاتي آخر لا بأن يشتركا في ذاتي ويختلفا بعارض ثبوتي أو سلبي لجواز كون ذلك الذاتي تمام ماهيتهما ولا بأن يختلفا في ذاتي مع الاشتراك في عارض ثبوتي أو سلبي.
واعلم أنّ المشتركين في ذاتي إذا اختلفا في لوازم الماهية دلّ ذلك على التركيب.
فائدة:
أجزاء الماهية إن صدق بعضها على بعض فمتصادقة سواء كانت متساوية أولا، بل متداخلة. وإن لم يصدق بعضها على بعض فمتباينة. فالمتساوية كالحسّاس والمتحرّك بالإرادة إذا اعتبر تركّب ماهية ما منهما.
والمتداخلة إمّا أن يكون بينهما عموم وخصوص مطلقا وحينئذ إمّا أن يقوّم العام الخاص وهذا في الماهيات الاعتبارية نحو الجسم الأبيض، فإنّ العقل يعتبر منهما ماهية واحدة أو يقوّم الخاص العام نحو الحيوان الناطق، فإنّ الناطق لكونه فصلا هو المقوّم للحيوان وإمّا عموم وخصوص من وجه نحو الحيوان الأبيض وهذا أيضا في الماهيات الاعتبارية، لأنّ الماهية الحقيقية يمتنع أن يكون بين أجزائها عموم من وجه. وأمّا المباينة فإمّا أن يعتبر الشيء مع علّة ما من العلل أو مع معلول أو مع ما ليس علّة ولا معلولا بالقياس إليه، والأول إمّا معتبر مع الفاعل كالعطاء فإنّه اسم لفائدة اعتبرت إضافتها مع الفاعل أو مع القابل نحو الفطومة وهي التقعّر الذي في الأنف اعتبر فيها الشيء بالإضافة إلى قابله، أو مع الصورة نحو الأفطس وهو الأنف الذي فيه تقعير وهو يجري مجرى الصورة، فإنّ المراد بالعلّة أعم من الحقيقة أو الشبيه بها أو مع الغاية نحو الخاتم فإنّه حلقة تزيّن بها في الأصبع، وذلك التزيين هو الغاية المقصودة من تلك الحلقة. والثاني وهو المعتبر بالنسبة إلى المعلول نحو الخالق والرازق ونحوهما مما اعتبر فيه الشيء مقيسا إلى معلوله. والثالث إمّا متشابهة في الماهية كأجزاء العشرة هي الوحدات المتوافقة الحقيقة أو متخالفة في الماهية، وهي إمّا متمايزة عقلا لا حسّا كالجسم المركّب من الهيولى والصورة، أو خارجا أي حسّا كأعضاء البدن وكالخلقة المركّبة من اللون والشكل المتمايزة في الحسّ، فإنّ الهيئات الشكلية محسوسة تبعا، وأيضا الأجزاء إمّا أن تكون وجودية بأسرها أي لا يكون في مفهوماتها سلب أو لا يكون كذلك، والوجودية إمّا حقيقية أي غير إضافية كالجسم المركّب من الهيولى والصورة والإنسان المركّب من الروح والجسد تركيبا اعتباريا، أو إضافية نحو الأقرب فإنّ مفهومه مركّب من القرب والزيادة فيه وكلاهما إضافيان، أو ممتزجة من الحقيقية والإضافية كالسرير المركّب من قطع الخشب وهي موجودات حقيقية ومن ترتيب مخصوص فيما بينهما باعتبار يتحصل السرير وأنّه أمر نسبي لا يستقلّ بالمعقولية، والثاني وهو ما لا يكون بأسرها وجودية نحو القديم فإنّه موجود لا أوّل له، فقد تركّب مفهومه من وجودي وعدمي، وأمّا العدمي المحض فغير معقول لأنّ تعدّد العدم ليس بذاته بل بالإضافة إلى الملكات. فالمفهوم الوجودي وهو النسبة إلى الملكة ملحوظة في التراكيب من العدمات.
واعلم أنّ هذه الأقسام المذكورة في هذين المعنيين إنّما هي في الماهية على الإطلاق حقيقية كانت أو اعتبارية. وأمّا إذا اعتبرنا الماهية الحقيقية فلا تكون أجزاؤها إلّا موجودة فتكون وجودية قطعا والنسبة بين أجزاء الماهية الحقيقية قد يمتنع على بعض الوجوه المذكورة في التقسيم الأوّل كالعموم من وجه، وكالمساواة على ما قيل من امتناع تركّب الماهية الحقيقية الواحدة وحدة حقيقية من أمرين متساويين.
فائدة:
هل الماهية مجعولة بجعل جاعل أم لا، فيه ثلاثة مذاهب. الأوّل أنّها غير مجعولة مطلقا. الثاني أنّها مجعولة مطلقا. الثالث أنّ الماهية المركّبة مجعولة بخلاف البسيطة، وتحرير محلّ النزاع على ما هو التحقيق هو أنّهم بعد الاتفاق على أنّ الماهيات الممكنة محتاجة في كونها موجودة إلى الفاعل وإلّا لم تكن ممكنة، اختلفوا في أنّ الماهيات في حدّ ذواتها مع قطع النظر عن الوجود وما يتبعها والعدم وما يلزمها أثر للفاعل. ومعنى التأثير استتباع المؤثّر الأثر حتى لو ارتفع المؤثّر ارتفع الأثر بالكلية فيكون الوجود انتزاعيا محضا. وكذا كون الماهية تلك الماهية انتزاعي محض وإليه ذهب الأشعري والإشراقيون القائلون بعينية الوجود أم لا، بل الماهيات في حدّ ذواتها ماهيات والتأثير والجعل باعتبار كونها موجودة وما يتبع الوجود.
ومعنى التأثير جعل شيء شيئا وهو الجعل المركّب فيكون الاتصاف بالوجود حقيقيا، سواء كان موجودا أو معدوما وإليه ذهب جمهور المتكلّمين القائلون بزيادة الوجود، وقد سبق في لفظ الجعل ولفظ الحقيقة ما يوضّح هذا. بقي هاهنا شيء وهو أنّ مرتبة علمه تعالى مقدّمة على الجعل، فالماهيات في مرتبة العلم متميّزة متكثّرة من غير تعلّق الجعل، فكيف يقال إنّ الماهيات في أنفسها أثر الجعل اللهم إلّا أن يقال إنّ ذلك التكثّر والتعدّد بسبب العلم فيكون أنفسها مجعولة بالجعل العلمي، وإن لم تكن مجعولة بالجعل الخارجي. هذا كله ما يستفاد من شرح المواقف وحواشيه.

وحاشية: الأسفرايني

وحاشية: الأسفرايني
الفاضل، المحقق، عصام الدين: إبراهيم بن محمد بن عربشاه الأسفرايني.
المتوفى: سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.
وهي مشحونة بالتصرفات اللائقة، والتحقيقات الفائقة، من: أول القرآن، إلى آخر الأعراف، ومن: أول سورة النبأ، إلى آخر القرآن.
أهداها: إلى السلطان: سليمان خان.
أوله: (الحمد لله الذي عم بإرفاد إرشاد الفرقان... الخ).

قَطَوَانُ

قَطَوَانُ:
بالتحريك، وآخره نون، قال أبو عبيد:
القطو تقارب الخطو من النشاط، وقد قطا يقطو وهو رجل قطوان، وقال شمر: هو عندي قطوان، بسكون الطاء، وقطوان: موضع جاء ذكره في الحديث أنه يبعث منه سبعون ألف شهيد، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي: قطوان موضع بالكوفة وليس باسم قبيلة، ينسب إليه ابو الهيثم خالد ابن مخلد القطواني المحدّث المشهور، وعبد الله بن أبي زياد القطواني، سمع عبيد الله بن موسى، روى عنه أبو بكر بن خزيمة وغيره، ويحيى بن يعلى أبو زكرياء الأسلمي القطواني وليس بيحيى بن يعلى المحاربي، فإن المحاربي ثقة والأسلمي ضعيف، وإسماعيل بن خالد القطواني الكوفي، وقطوان أيضا: قرية من قرى سمرقند على خمسة فراسخ منها، ينسب إليها محمد بن عصام بن أبي أحمد أبو عبد الله الفقيه القطواني، سمع محمد بن نصر المروزي، روى عنه أبو سعد الإدريسي الحافظ، ومات سنة 352، وإسماعيل بن مسلم، شيخ حدث بقطوان عن محمد بن عمر بن علي المقدّمي، روى عنه العباس بن الفضل بن يحيى السمرقندي، قال أبو سعد الإدريسي صاحب تاريخ سمرقند: لا أدري أهو من أهلها أو من ساكنيها، وأبو محمد محمد بن محمد بن أيوب القطواني، كان مفتيا واعظا مفسرا، مات سنة 506، قال المؤلف، رحمة الله عليه: أنبأنا افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي الحلبي قال:
حدثنا الشيخ العدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد ابن جعفر الحلمي بإسناد رفعه إلى حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: وراء سمرقند تربة يقال لها قطوان يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفع كلّ شهيد في سبعين من أهل بيته وعترته، وقد ذكرت الحديث بطوله في بخارى.

عَجَّسُ

عَجَّسُ:
بالتحريك، والتشديد: قال العمراني: قرية بالمغرب، ولا أظنها إلا عجمية فان كانت عربية فإنها منقولة عن الفعل الماضي من عجسه إذا حبسه، وقال السمعاني: عجّس قرية من قرى عسقلان فيما أظن، ينسب إليها ذاكر بن شيبة العسقلاني العجسي، يروي عن أبي عصام داود بن الجرّاح، روى عنه أبو القاسم الطبراني وسمع منه بقرية عجّس.

راوِيَةُ

راوِيَةُ:
بكسر الواو، وياء مثناة من تحت مفتوحة، بلفظ راوية الماء: قرية من غوطة دمشق بها قبر أمّ كلثوم وقبر مدرك بن زياد الفزاري صحابي، قدم الشام مع أبي عبيدة فمات بدمشق فدفن براوية، وهو أوّل مسلم دفن بها، عن ابن عساكر، والمصّا ابن عيسى الكلاعي الزاهد كان يسكن راوية من قرى دمشق وصحب سليمان الخوّاص وحدث عن شعبة، حكى عنه القاسم بن عثمان الجوعي وأحمد بن أبي الحواري وعبيد بن عصام الخراساني.

تِلِيانُ

تِلِيانُ:
بالكسرتين، وياء خفيفة، وألف، ونون: من قرى مرو منها حامد بن آدم التلياني المروزي، حدث عن عبد الله بن المبارك وغيره، تكلّموا فيه، روى عنه محمد بن عصام المروزي وغيره، توفي سنة 239.

تُرْمُسَانُ

تُرْمُسَانُ:
بالضم ثم السكون، وضم الميم، والسين مهملة قال أبو سعد: وظنّي أنها من قرى حمص منها أبو محمد القاسم بن يونس التّرمساني الحمصي، روى عن عصام بن خالد، حدث عنه ابن أبي حاتم قال: وكان صدوقا.

بِيلُ

بِيلُ:
بالكسر، واللام، قال أبو سعد: ظني أنها من قرى الرّيّ، وقال نصر: بيل ناحية بالري، ينسب إليها عبد الله بن الحسن بن أيوب البيلي الزاهد الرازي، سمع سهل بن زنجلة وغيره، روى عنه أبو عمرو بن نجيد، وأحمد بن الحسن البيلي، روى عن محمد بن حميد الرازي، روى عنه أبو جعفر العقيلي، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمرويه الشاهدي النيسابوري البيلي المعدّل، سمع عليّ بن الحسن
الدارا بجردي ومحمد بن عبد الوهاب، روى عنه أبو أحمد بن الفضل، وهو صهر أبي الحسن بن سهلويه المزكّي، ومات سنة 330، حكاه ابن ماكولا عن الحاكم. وبيل أيضا: من قرى سرخس، عن العمراني وأبي سعد، منها عصام بن الوضّاح الزبيري البيلي السرخسي، كان جليل القدر كبير الشأن، سمع مالكا وابن عيينة وفضيل بن عياض وغيرهم، وتوفي قبل سنة 300، وأبو بكر محمد بن حمدون بن خالد ابن يزيد بن زياد النيسابوري البيلي المعروف بابن أبي حاتم، كان من أعيان المحدّثين الثقات الأثبات الجوّالين في الأقطار، سمع بخراسان والعراق والشام والجزيرة، سمع محمد بن إسحاق الصّاغاني ببغداد وإسحاق بن سيار بالجزيرة ومحمد بن يحيى الذّهلي وأبا زرعة وابن دارة وأبا حاتم والدوري ومحمد بن عوف ويوسف بن سعيد بن مسلم وأبا أمية، روى عنه عليّ ابن جمشاد وأبو عليّ الحافظ ومحمد بن إسماعيل بن مهران وأبو عليّ الثقفي، توفي سنة 320 في ربيع الآخر، ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور.

بُرْخُوَارُ

بُرْخُوَارُ:
بالضم ثم السكون، وخاء معجمة مضمومة،
وواو، وألف، وراء: من نواحي أصبهان تشتمل على عدة قرى، منها أبو سعيد عصام بن زيد بن عجلان البرخواري البلومي.

بانَب

بانَب:
بفتح النون، والباء موحدة: من قرى بخارى، ينسب إليها حلوان بن سمرة بن ماهان بن خاقان بن
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية أبو الطيب البانبي البخاري، يروي عن القعنبي وأبي مقاتل عصام النحوي وغيرهما، وروى عنه سهل ابن شاذويه وكان من العبّاد، وأبو سفيان وكيع ابن أحمد بن المنذر الهمداني البانبي البخاري حدث عن إسرائيل بن السّميدع، روى عنه خلف الخيّام في جماعة نسبوا إليها، ذكرهم الأمير.

أَسْفِزَار

أَسْفِزَار:
بفتح الهمزة، وسكون السين، والفاء تضم وتكسر، وزاي، وألف، وراء: مدينة من نواحي سجستان من جهة هراة، ينسب إليها أبو القاسم منصور بن أحمد بن الفضل بن نصر بن عصام الاسفزاري المنهاجي، سمع عامّة مشايخ وقته، روى عن أبي عمرو بن عبد الواحد بن محمد المليحي كتاب دلائل النبوّة لأبي بكر القفّال الشاشي، وكان وحيد عصره في حفظ شعائر الإسلام وأهله متبعا للآثار واعظا حسن الكلام حلو المنطق بعيد الاشارة في كلام الصوفية خادما لهم سخيّا متواضعا كريم الطبع خفيف الروح من أعيان أهل العلم، مؤمنا بأهل الخرقة قائما بحوائج المظلومين والمساكين، يدخل على السلاطين والجبابرة يذكّرهم الله ويحثهم على طاعته ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، لا يخاف من سطوتهم ولا يبالي بهم فيقبلون منه أمره، قتل في همذان في السّنّة شهيدا على باب خانقاه أبي بكر المقري وقت الاسفار في الرابع عشر من شوال سنة 502.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.