Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يموت

النّفي

النّفي:
[في الانكليزية] Negation
[ في الفرنسية] Negation
بالفتح وسكون الفاء عند أهل العربية من أقسام الخبر مقابل الإثبات والإيجاب، قيل بل هو شطر الكلام كلّه. والفرق بينه وبين الجحد أنّ النافي إن كان صادقا سمّي كلامه نفيا ومنفيا أيضا ولا يسمّى جحدا، وإن كان كاذبا سمّي جحدا ونفيا أيضا. فكلّ جحد نفي وليس كلّ نفي جحدا، ذكره أبو جعفر النحاس وابن السحري، وغيرهما. مثال النفي ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، ومثال الجحد نفى فرعون وقومه آيات موسى وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ. ثم إنّ النفي في الماضي إمّا أن يكون نفيا واحدا أو مستمرا أو نفيا فيه أحكام متعدّدة، وكذلك في المستقبل، فصار النفي أربعة أقسام واختاروا له أربع كلمات ما ولم ولن ولا. والمنفي عند المتكلّمين هو المعلوم الغير الثابت وقد سبق مستوفى في لفظ المعلوم.

تنبيهات:

الأول: زعم بعضهم أنّ شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفي عنه بذلك الشيء، وهو مردود بقوله تعالى وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ونظائره كثيرة. والصواب أنّ انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه.

الثاني: نفي الذات الموصوفة قد يكون نفيا للصفة دون الذّات نحو وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ أي بل هم جسد يأكلون، وقد يكون نفيا لهما نحو لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً، أي لا سؤال لهم أصلا فلا يحصل منهم إلحاف ويسمّى هذا النوع عند أهل البديع نفي الشيء بإيجابه. وعبارة ابن رشيق في تفسيره أن يكون الكلام ظاهرة إيجاب الشيء وباطنه نفيه بأن ينفي ما هو من سببه كوصفه، وهو المنفي في الباطن. وعبارة غيره أن ينفى الشيء مقيّدا والمراد نفيه مطلقا مبالغة في النفي وتأكيدا له. ومنه وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فإنّ الإله مع الله لا يكون إلّا عن غير برهان، ومنه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ فإنّ قتلهم لا يكون إلّا بغير حقّ ومنه اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فإنّها لا عمد لها أصلا. الثالث: قد ينفى الشيء رأسا لعدم كمال وصفه أو انتفاء ثمرته كقوله تعالى في صفة أهل النار لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى فنفى عنه الموت لأنّه ليس بموت صريح ونفى عنه الحياة لأنّها ليست بحياة طيّبة ولا نافعة.

الرابع: المجاز يصحّ ففيه بخلاف الحقيقة وأورد عليه: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى فإنّ المنفي فيه هو الحقيقة. وأجيب بأنّ المراد بالرمي هنا المترتّب عليه وهو وصوله إلى الكفار، فالوارد عليه النفي هنا مجاز لا حقيقة والتقدير وما رميت خلقا إذ رميت كسبا أو ما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء.

الخامس: نفي الاستطاعة الواردة في القرآن قد يراد به نفي القدرة والإمكان نحو فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً، وقد يراد به نفي الامتناع نحو هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ على القراءتين أي هل يفعل أو هل يجيبنا، فقد علموا أنّ الله قادر على الإنزال وأنّ عيسى قادر على السؤال، وقد يراد به الوقوع بمشقّة وكلفة نحو إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، هذا كلّه من الاتقان.

السادس: من قواعدهم أنّ النفي إذا دخل على كلام فيه قيد توجه إلى القيد خاصة وأفاد ثبوت أصل الفعل. قال أبو القاسم في حاشية المطول: التحقيق أنّ هذه القاعدة ليست كلّية بل أكثرية إذ يحتمل أن يقصد نفي الفعل والقيد جميعا بمعنى انتفاء كلّ من الأمرين مثل ما جئت راكبا بمعنى لا مجيء ولا ركوب، أو بمعنى انتفاء القيد من غير اعتبار لنفي الفعل أو إثباته كما إذا قلت لم أضرب كلّ أحد بمعنى أنّ الضرب لم يقع على كلّ أحد من غير اعتبار لنفي الضرب وإثباته، وهذا مراد من قال إنّ رفع الإيجاب الكلّي أعمّ من السّلب الكلّي والسّلب عن البعض مع الإيجاب للبعض، وهذا كثير الوقوع في الكلام، أو انتفاء الفعل من غير اعتبار لنفي القيد أو إثباته كقوله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ هذا إذا اعتبر القيد أوّلا ثم نفي. وإن اعتبر النفي أولا ثم قيّد رجع النفي إلى المقيّد حتى إذا كان القيد هو العموم مثلا أفاد نفي العموم على الأول وعموم النفي على الثاني والتعويل على القرائن انتهى. وفي بعض حواشي البيضاوي أنّ رجوع النفي إلى القيد إنّما يكون إذا كان القيد مما لا يلزم المقيد وإن كان مما يلزمه يرجع إلى المقيّد.

المسمّط المختصر

المسمّط المختصر:
[في الانكليزية] play in prosody
[ في الفرنسية] Jeu en prosodie
هو عند الشعراء أن يقسم البيت إلى أربعة أقسام. فالأقسام الثلاثة الأولى تكون مسجّعة، وفي القسم الرابع يؤتى بعدّة كلمات رديفا، ثم في كلّ بيت يأتي الشاعر في القسم الرابع بالكلمات نفسها. مثاله ما ترجمته: مهما كنت مذنبا فعندي آثام كثيرة فلست آيسا منك فاعف عني يا ربّ كرما منك مع كوني قد أخطأت وقد اقترفت دائما الذنوب فما فعلته كلّه بسبب السّفاهة فاعف عني يا ربّ كرما منك لقد صرت وراء الجميع أنا مقرّ بأنّي لا أساوي شيئا ولما كنت ليس لي سواك أعف عني يا ربّ كرما منك كذا في جامع الصنائع

وقال السّيّد الشريف في الاصطلاحات:
التسميط هو تصيير كلّ بيت أربعة أقسام:
ثلاثتها على سجع واحد مع مراعاة القافية في الرابع إلى أن تنقضي القصيدة، كقوله:
وحرب وردت وثغر سددت. وعلج شددت عليه الحبالا. ومال حويت وخيل حميت وضيف قريت يخاف الوكالا، إلى آخر القصيدة. وقال بعض الناس كقول صاحب مجمع الصنائع بأنّ المسمّط هو المسجّع، وهو عبارة عن أن يقسّم الشاعر البيت إلى أربعة أقسام؛ ثم يراعي السّجع في ثلاثة منها على قافية واحدة، وفي الرابع يأتي بالقافية الأصلية لمبنى القصيدة، وذلك كما قال مولانا عبد الرحمن الجامي ما ترجمته:
من الشوك، شوك عشقك يوجد في. صدري أشواك وفي كلّ لحظة تتفتح من تلك الأشواك الزهور ومن شدّة ألمي وصيامي صار بدني مقوسا (منحنيا) ووصل الدمع إلى ذيلي من كلّ هدب مثل الخيوط اذهب إلى البستان وألق من الشوق الورد في المرج فتمزّق القميص إلى مائة قطعة وتضمّخت الخدود بالدماء إن مررت من الحديقة فانظر إلى السّرو والصّنوبر فمن كلّ ناحية من أجل النّظر الرءوس فوق الجدران.
أنت أعطيت القلب لكلّ أحد، وأنا متّ من الغيرة كثيرا وكلّ شخص مرة واحدة يموت ولكنّ الجامي المسكين عدة مرات إذن من المعلوم أنّ أقسام الجمع ثلاثة معروفة، ويجوز الزيادة على الثلاثة كما قال (عبد الواسع جبلي) حيث ذكر سبع فقرات مسجّعة والثامنة على القافية الأصلية للقصيدة.

شعر وترجمته:
يا صاحبي إيش الخبر عن ذلك الطويل القدّ الفضّي اللون فأنا من عشقه صرت حديث السّمر، ظامئ الشفة وجريح الكبد (مقلوع) منزوع الروح، ورأسي ملقى وفمي جافّ وعيني مبتلّة مقلوبا من الفم رأسا على عقب دينا ودنيا وروحا وجسما وبدا لعيني من عشقه العالم كلّ نفس كقفص وبدونه أدركوني. وفي الليل خياله يكفيني حتى متى أكون كالجرس وبدونه صائحا من الهوس لا جعل الله أحدا كحالي في العشق إلى أن صرت مفتونا بهذا، لست مطلعا إلى أن صرت ممتلئ العين بالدّم، وقامتي مطويّة كحرف النون وصرت في المحنة مثل ذي النون (يونس) وخرجت يدي حائرا مثل المجنون (مجنون ليلى) وهائما في الدنيا بلا وعي لديّ قلب ضيّق من كثرة حيله مثل فمه (الضيق) وصوت القلب مثل (صخرته) قلبه القاسي ومن دلاله وغضبه وحربه فحتّى م أتضرّع وأنا في قبضته من لا مبالاته ومن عارضه الملوّن مثل الورد الذي تمزّق قميصه في الوصل والهجر والحياة والغمّ فيّ الروح والعين الحرارة والرطوبة فيّ (اللّعل) شفته وجزعه الهناء والسّم وفي الوجه والظهر الانقباض والتقوّس أبدا لم تر في العجم ولن ترى أبدا مثله بالشّطارة صنا (محبوبا) ومثلي بالغمّ عابدا للصّنم بدون ذكره لا أعدّ الوقت، ولا أطوي لطريق إلّا في محبّته وبدونه لا أنظر لشيء بعين العشق (ذلك خاطف القلب) ومن كثرة ما أصابني الغمّ والهمّ لباسي على جسمي ممزّق والتراب دائما على رأسي (كناية عن الحزن).
أمام صفيّ الدين حسن. إلى آخر القصيدة. انتهى في مجمع الصنائع

عين الحياة

عين الحياة:
[في الانكليزية] Source of life
[ في الفرنسية] Source de la vie
في اصطلاح الصّوفية هي باطن اسم الحيّ. فمن تحقّق بذلك الاسم يشرب من ماء الحياة فلا يموت أبدا. كذا في لطائف اللغات.

الرّخصة

الرّخصة:
[في الانكليزية] Easiness ،permission
[ في الفرنسية] Facilite ،permission
بالضّمّ وسكون الخاء المعجمة في اللغة اليسر والسّهولة. وعند الأصوليين مقابل للعزيمة. وقد اختلفت عباراتهم في تفسيرهما بناء على أنّ بعضهم جعلوا الأحكام منحصرة فيهما، وبعضهم لم يجعلوها كذلك. فبعض من لم يحصرها عليهما قال: العزيمة ما لزم العباد بإيجاب الله تعالى كالعبادات الخمس ونحوها، والرّخصة ما وسع للمكلّف فعله لعذر فيه مع قيام السّبب المحرّم، فاختصّ العزيمة بالواجبات وخرج النّدب والكراهة عنها من غير دخول في الرّخصة. وعليه يدلّ ما قال القاضي الإمام من أنّ العزيمة ما لزمنا من حقوق الله تعالى من العبادات والحلّ والحرمة أصلا بأنّه إلهنا ونحن عبيده، فابتلانا بما شاء. والرّخصة إطلاق بعد الحظر لعذر تيسيرا. وبعبارة أخرى الرّخصة صرف الامر أي تغييره من عسر إلى يسر بواسطة عذر في المكلّف. وبعض من اعتبر الحصر فيهما قال: الرخصة ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام المحرّم لولا العذر. والعزيمة بخلافها، هكذا في أصول الشافعية على ما قيل.
وحاصله أنّ دليل الحرمة إذا بقي معمولا به وكان التخلّف عنه لمانع طارئ في المكلّف لولاه لثبتت الحرمة في حقه فهو الرخصة، أي ذلك الحكم الثابت بطريق التخلّف عن المحرّم هو الرّخصة، وإلّا فهو العزيمة. فالمراد بالمحرّم دليل الحرمة وقيامه بقاؤه معمولا به، وبالعذر ما يطرأ في حقّ المكلّف فيمنع حرمة الفعل أو التّرك الذي دلّ الدليل على حرمته.
ومعنى قوله لولا العذر أي المحرّم كان محرما ومثبتا للحرمة في حقّه أيضا. لولا العذر فهو قيد لوصف التحريم لا للقيام وهذا أولى مما قيل من أنّ الرّخصة ما جاز فعله لعذر مع قيام السبب المحرّم. وإنّما قلنا انه اولى لأنه يجوز ان يراد بالفعل في هذا التعريف ما يعمّ الترك بناء على أنّه كفّ، فخرج من الرّخصة الحكم ابتداء لأنّه لا محرّم، وخرج ما نسخ تحريمه لأنّه لا قيام للمحرّم حيث لم يبق معمولا به وخرج ما خصّ من دليل المحرّم لأنّ التخلّف ليس لمانع في حقّه بل التخصيص بيان أنّ الدليل لم يتناوله، وخرج أيضا وجوب الطعام في كفارة الظّهار عند فقد الرّقبة لأنّه الواجب في حقّه ابتداء على فاقد الرقبة، كما أن الاعتاق هو الواجب ابتداء على واجدها، وكذا خرج وجوب التيمّم على فاقد الماء لأنّه الواجب في حقّه ابتداء، بخلاف التيمّم للخروج ونحوه.
وبالجملة فجميع ما ذكره داخل في العزيمة وهي ما شرع من الأحكام لا كذلك أي لا لعذر مع قيام المحرّم لولا العذر بل إنّما شرع ابتداء.
ثم الرخصة قد يكون واجبا كأكل الميتة للمضطر أو مندوبا كقصر الصلاة في السفر أو مباحا كترك الصوم في السفر. وقيل العزيمة الحكم الثابت على وجه ليس فيه مخالفة دليل شرعي، والرّخصة الحكم الثابت على خلاف الدليل لمعارض راجح. ويرد عليه جواز النّكاح فإنّه حكم ثابت على خلاف الدليل إذ الأصل في الحرّة عدم الاستيلاء عليها ووجوب الزكاة والقتل قصاصا، فإنّ كلّ واحد منهما ثابت على خلاف الدليل، إذ الأصل حرمة التعرّض في مال الغير ونفسه مع أن شيئا منها ليس برخصة. وقيل العزيمة ما سلم دليله عن المانع والرّخصة ما لم يسلم عنه.

وقال فخر الإسلام: العزيمة اسم لما هو أصل من الأحكام غير متعلّق بالعوارض والرّخصة اسم لما بني على أعذار العباد وهو ما يستباح [لعذر] مع قيام المحرّم. فقوله اسم لما هو أصل من الأحكام معناه اسم لما ثبت ابتداء بإثبات الشارع وهو من تمام التعريف.
وقوله غير متعلّق بالعوارض تفسير لأصالتها لا تقييد، فدخل فيه ما يتعلّق بالفعل كالعبادات وما يتعلّق بالترك كالمحرّمات، ويؤيّده ما ذكره صاحب الميزان بعد تقسيم الأحكام إلى الفرض والواجب والسّنّة والنّفل والمباح والحرام والمكروه وغيرها أنّ العزيمة اسم لكل أمر أصلي في الشرع على الأقسام التي ذكرنا، من الفرض والواجب والسّنة والنّفل ونحوها لا بعارض، وتقسيم فخر الإسلام العزيمة إلى الفرض والواجب والسّنة والنّفل بناء على أنّ غرضه بيان ما يتعلّق به الثواب من العزائم، أو على أنّ الحرام داخل في الفرض أو الواجب، والمكروه داخل في السّنّة أو النّفل، لأنّ الحرام إن ثبت بدليل قطعي فتركه فرض، وإن ثبت بظني فتركه واجب، وما كان مكروها كان ضده سنّة أو نفلا.
والإباحة أيضا داخلة في العزيمة باعتبار أنّه ليس إلى العباد رفعها. وقوله وهو ما يستباح الخ في تعريف الرّخصة تفسير لقوله ما بني على أعذار العباد. فقوله ما يستباح عام يتناول الترك والفعل. وقوله لعذر احتراز عما أبيح لا لعذر. وقوله مع قيام المحرّم احتراز عن مثل الصيام عند فقد الرّقبة في الظّهار إذ لا قيام للمحرّم عند فقد الرّقبة. واعترض عليه بأنه إن أريد بالاستباحة الإباحة مع قيام الحرمة فهو جمع بين المتضادين، وإن أريد الإباحة بدون الحرمة فهو تخصيص العلّة لأنّ قيام المحرّم بدون حكمه لمانع تخصيص له. وأجيب بأنّ المراد من قوله يستباح يعامل به معاملة المباح برفع الإثم وسقوط المؤاخذة لا المباح حقيقة، لأنّ المحرّم قائم، إلّا أنّه لا يؤاخذ بتلك الحرمة بالنّص، وليس من ضرورة سقوط المؤاخذة انتفاء الحرمة، فإنّ من ارتكب كبيرة وقد عفى الله عنه لا يسمّى مباحا في حقه.
ولهذا ذكر صدر الإسلام الرّخصة ترك المؤاخذة بالفعل مع وجود السّبب المحرّم للفعل وحرمة الفعل، وترك المؤاخذة بترك الفعل مع وجود الموجب والوجوب. وذكر في الميزان الرّخصة اسم لما تغيّر عن الأمر الأصلي إلى تخفيف ويسر ترفيها وتوسعة على أصحاب الأعذار.
وقال بعض أهل الحديث الرّخصة ما وسع على المكلّف فعله لعذر مع كونه حراما في حق من لا عذر له، أو وسع على المكلّف تركه مع قيام الوجوب في حق غير المعذور.
التقسيم
الرّخصة أربعة أنواع بالاستقراء عند أبي حنيفة. فنوعان منها رخصة حقيقة ثم أحد هذين النوعين أحقّ بكونه رخصة من الآخر، ونوعان يطلق عليهما اسم الرّخصة مجازا، لكن أحدهما أتمّ في المجازية من الآخر، أي أبعد من حقيقة الرّخصة من الآخر. فهذا تقسيم لما يطلق عليه اسم الرّخصة لا لحقيقة الرّخصة. أما الأول وهو الذي هو رخصة حقيقة وأحقّ بكونه رخصة من الآخر وتسمّى بالرّخصة الكاملة فهو ما استبيح مع قيام المحرّم والحرمة. ومعنى ما استبيح ما عومل به معاملة المباح كما عرفت كإجراء كلمة الكفر مكرها بالقتل أو القطع، فإنّ حرمة الكفر قائمة أبدا، لكن حقّ العبد يفوت صورة ومعنى وحقّ الله تعالى لا يفوت معنى لأنّ قلبه مطمئن بالإيمان، فله أن يجري على لسانه وإن أخذ بالعزيمة وبذل نفسه حسبة لله في دينه فأولى وأحبّ إذ يموت شهيدا، لحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه حيث ابتلي به، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «كيف وجدت قلبك؟ قال مطمئنا بالإيمان. فقال عليه السلام فإن عادوا فعد»، وفيه نزل قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ الآية. وروي أنّ المشركين أخذوه ولم يتركوه حتى سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلمّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«ما دراك. قال: شرّ. ما تركوني حتى نبلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال كيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئنا بالإيمان. قال عليه السلام: فإن عادوا فعد إلى طمأنينة القلب بالإيمان». وما قيل فعد إلى ما كان منك من النّبل مني وذكر آلهتهم بخير، فغلط لأنّه لا يظنّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه يأمر أحدا بالتكلّم بكلمة الكفر. وإن صبر حتى قتل ولم يظهر الكفر كان مأجورا لأنّ خبيبا رضي الله عنه صبر على ذلك حتى صلب وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّد الشهداء، وقال في مثله:
«هو رفيقي في الجنة». وقصته أنّ المشركين أخذوه وباعوه من أهل مكة فجعلوا يعاقبونه على أن يذكر آلهتهم بخير ويسبّ محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو يسب آلهتهم ويذكر محمدا صلى الله عليه وسلم بخير، فأجمعوا على قتله. فلما أيقن أنهم قاتلوه سألهم أن يدعوه ليصلّي ركعتين فأوجز صلاته وقال: إنّما أوجزت لكيلا تظنّوا أنّي أخاف القتل. ثم سألهم أن يلقوه على وجهه ليكون ساجدا حتى يقتلوه فأبوا عليه ذلك. فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنّي لا أرى هاهنا إلّا وجه عدوّ فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام. ثم قال: اللهم احص هؤلاء عددا واجعلهم مددا ولا تبق منهم أحدا. ثم أنشأ يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان لله مصرعي فلمّا قتلوه وصلبوه تحوّل وجهه إلى القبلة، وسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل الشهداء، وقال هو رفيقي في الجنّة. وهكذا في الهداية والكفاية.
والثاني وهو الذي هو رخصة حقيقة ولكنه دون الأول وتسمّى رخصة قاصرة فهو ما استبيح مع قيام المحرّم دون الحرمة كإفطار المسافر، فإنّ المحرّم للإفطار وهو شهود الشهر قائم لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، لكن حرمة الإفطار غير قائمة، فرخّص بناء على تراخي حكم المحرّم لقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، لكنّ العزيمة هاهنا أولى أيضا لقيام السبب، ولأنّ في العزيمة نوع يسر بموافقة المسلمين. ففي النوع الأول لمّا كان المحرّم والحرمة قائمين فالحكم الأصلي فيه الحرمة بلا شبهة في أصالته، بخلاف هذا النوع فإنه وجد السبب للصوم لكن حكمه متراخ عنه، فصار رمضان في حقّه كشعبان، فيكون في الإفطار شبهة كونه حكما أصليا في حقّ المسافر، فلذا صار الأول أحقّ بكونه رخصة دون الثاني.
والثالث وهو الذي هو رخصة مجازا وهو أتم في المجازية هو ما وضع عنّا من الإصر والأغلال وتسمّى رخصة مجازا لأنّ الأصل لم يبق مشروعا أصلا. ومما كان في الشرائع السابقة من المحن الشاقة والأعمال الثقيلة وذلك مثل قطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النجاسة، والتوبة بقتل النفس، وعدم جواز الصلاة في غير المسجد، وعدم التطهير بالتيمّم، وحرمة أكل الصائم بعد النوم، وحرمة الوطء في ليالي أيام الصيام، ومنع الطيّبات عنهم بصدور الذنوب، وكون الزكاة ربع المال، وعدم صلاحية أموال الزكاة والغنائم لشيء من أنواع الانتفاع إلّا للحرق بالنار المنزلة من السماء، وكتابة ذنب الليل بالصبح على الباب، ووجوب خمسين صلاة في كلّ يوم وليلة، وحرمة العفو عن القصاص، وعدم مخالط الحائضات في أيامها، وحرمة الشحوم والعروق في اللحم، وتحريم الصيد يوم السبت وغيرها، فرفع كل هذا عن أمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم تخفيفا وتكريما، فهي رخصة مجازا لأنّ الأصل لم يبق مشروعا قط حتى لو عملنا بها أحيانا أثمنا وغوينا، وكان القياس في ذلك أن يسمّى نسخا، وإنّما سمّيناه رخصة مجازا محضا، هكذا في نور الأنوار.
والرابع وهو الذي هو رخصة مجازا لكنه أقرب في حقيقة الرّخصة من الثالث، هو ما سقط مع كونه مشروعا في الجملة، أي في غير موضع الرّخصة. فمن حيث إنه سقط كان مجازا، ومن حيث إنّه مشروع في الجملة كان شبها بحقيقة الرّخصة، بخلاف الثالث كقول الراوي: رخّص في السّلم، فإنّ الأصل في البيع أن يلاقي عينا موجودا لكنه سقط في السّلم حتى لم يبق التعيّن عزيمة ولا مشروعا، هذا كله خلاصة ما في كشف البزدوي والتلويح والعضدي وغيرها.

وفي جامع الرموز: الرّخصة على ضربين.
رخصة ترفيه أي تخفيف ويسر كالإفطار للمسافر، ورخصة إسقاط أي إسقاط ما هو العزيمة أصلا كقصر الصلاة للمسافر انتهى. ولا يخفى أنّ هذا داخل في الأنواع السابقة الأربعة.

الجهاد

الجهاد
قوبل الدين الجديد بأعنف مظاهر المعارضة، واجتمع أعداؤه يريدون القضاء عليه، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يخنقوه في مهده، وأن يبيدوا فكرته ومبادئه، ولم يقفوا عند حد الجدل اللسانى، أو المعارضة القولية، بل تعدوا ذلك إلى أشد ألوان الإيذاء، فحملوا بقسوة على من اعتنق هذا الدين الجديد، حتى أصبح مقامهم في وطنهم عبئا لا يحتمل، وجحيما لا يطاق، ففروا بدينهم إلى المدينة، وضحوا في سبيل عقيدتهم بأموالهم. وأهليهم، فكان من الطبيعى أن يسمح لمعتنقى هذا الدين الذى اتخذ شعاره: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل 125). أن يعدوا العدة للدفاع عن أنفسهم، والدفاع عن عقيدتهم، حتى يتدبر الناس أمرها في حرية وأمن، ويتدبروا ما فيها من الحق والصواب، فيعتنقوها عن اقتناع، ويدخلوها مطمئنين، لا يخافون، وقد بين القرآن ذلك في قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (الحج 39، 40). وإن أحق ما يعطاه المظلوم من الحقوق الدفاع عن النفس، ليعيش آمنا في سربه، مطمئنّا إلى حياته، لا يخشى أحدا على نفسه ولا عقيدته، والجهاد هو الذى يدفع شرّة العدو، ويحول بينه وبين الاعتداء والتعدى، فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (النساء 84).
وإذا كان للجهاد، هذا الأثر القوى في تأمين الجماعة الناشئة على نفسها وعقيدتها، فلا جرم كان له مكانه الممتاز بين مبادئ هذا الدين وقواعده، حتى إنه لينكر أن يسوى به غيره مما لا يبلغ قدره وقيمته، فيقول: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التوبة 19 - 22).
ويقول: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء 95).
أرأيت هذا التكرير وما يحمله من معانى التوكيد، مثبتا في النفس فضل الجهاد وقدره وقيمته.
والقرآن يعترف بأن الجهاد فريضة ثقيلة على النفوس، لا تتقبله في يسر، ولا تنقاد إليه في سهولة، فهو يعلم ما لغريزة حب الذات من أثر قوى في حياة الإنسان وتوجيه أفعاله، ولذلك تحدث في صراحة، مقررا موقف النفس الإنسانية، من تلك الفريضة الشاقة، التى يعرض المرء فيها حياته لخطر الموت، وقد طبعت النفوس على بغضه وكراهيته، فقال كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة 216). ويقرر في صراحة أن نفوس المسلمين قد رغبت في أن تظفر بتجارة المكيين الآئبة من الشام، والتى يستطيعون الاستيلاء عليها من غير أن يريقوا دماءهم في قتال مرير مع القرشيين، إذ يقول: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (الأنفال 7).
وإذا كانت النفس الإنسانية تجد الجهاد فريضة شاقة، فقد جمع القرآن حولها من المغريات ما يدفع إلى قبولها قبولا حسنا، بل إلى حبها والرغبة فيها.
وإذا كان أول ما يثنى المرء عن الجهاد هو حبه للحياة وبغضه للموت، فقد أكد القرآن مرارا أن هذا الذى يقتل في سبيل الله حىّ عند ربه يرزق، وإن كنا لا نشعر بحياته ولا نحس بها، فقال: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 169 - 171). وإذا كان من يقتل في سبيل الله حيا يرزق، ويظفر بحياة سعيدة، فرحا بما أنعم الله به عليه، ولا يمسه خوف، ولا يدركه حزن، فلا معنى للإحجام عن الجهاد، حرصا على حياة لا تنقطع بالموت في ميدان القتال، ولا تنتهى بالاستشهاد، بل يستأنف صاحبها حياة أخرى آمنة، خالصة مما يشوب حياة الدنيا من القلق والمخاوف والأحزان.
ويمضى بعدئذ، غارسا في نفوسهم أن الموت قدر مقدور، لا يستطيع المرء تجنبه أو الهرب منه، فلا معنى إذا لتجنب الجهاد الذى لا يدنى الأجل، إذا كان في العمر فسحة، إذ الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (الأعراف 34). فيقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (الأعراف 34). ويقول: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ (آل عمران 154). ويرد على أولئك الذين يزعمون الجهاد مجلبة للموت ردّا رفيقا حازما في قوله: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (آل عمران 167، 168). وإذا كان المرء يموت عند انقضاء أجله، فلا معنى كذلك للفرار من ميدان القتال خوفا من الموت إذ لا
شىء يحول بينهم وبينه إن كان أجلهم قد دنا، قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (الأحزاب 16، 17).
وإذا كانت الدنيا زائلة لا محالة والموت قادما لا ريب فيه، وإذا كان الباقى الدائم هو الدار الآخرة والجهاد وسيلة من وسائل السعادة في هذه الدار- كان العاقل الحازم هو هذا الذى يقبل على الجهاد بنفس راضية، مؤثرا ما يبقى على ما يزول قال سبحانه: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء 74). ويرد على هؤلاء الذين اعترضوا على فرض القتال بقوله: وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (النساء 77، 78).
ويثير فيهم النخوة الإنسانية، وشهامة الرجولة، حينما يمثل لهم واجبهم المقدس إزاء إنقاذ قوم ضعاف يسامون الذل، ويقاسون الظلم، على أيدى قرية ظالم أهلها، فلا يجدون ملجأ يتجهون إليه سوى الله، يرجونه ويطلبون نصرته، أليس هؤلاء الضعاف أجدر الناس بأن يهب من لديهم نخوة لإنقاذهم من أيدى ظالميهم؟ قال سبحانه: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (النساء 75).
ويمثلهم وأعداءهم معسكرين، أحدهما ينصر الله، وثانيهما ينصر الشيطان، أحدهما يدافع عن الحق، وثانيهما يدافع عن الباطل والغواية، والدفاع عن الحق من عمل الإنسان الكامل، أما الباطل فلا يلبث أن ينهار في سرعة، لأنه هشّ ضعيف، الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (النساء 76).
أما جزاء الجهاد فقد أعد الله للمجاهد مغفرة منه ورحمة خيرا مما يتكالب الناس على جمعه في هذه الحياة، وهيأ له جنات تجرى من تحتها الأنهار، فقد عقد معه عقد بيع وشراء، يقاتل في سبيله، فيقتل ويقتل، وله في مقابل ذلك جنة الخلد، ذلك عهد قد أكد الله تحقيقه في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة 111). وأكّد القرآن هذا، وكرره في مواضع عدة، فقال مرة: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (آل عمران 195). وقال أخرى حاثا على الجهاد مغريا به: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (الصف 10 - 12).
ويشجعهم على تتبع أعدائهم بلا تباطؤ ولا وهن، مبينا لهم أن أعداءهم ليسوا بأسعد حالا منهم، فهم يتألمون مثلهم ثمّ هم يمتازون عليهم بأن لهم آمالا في الله، ورجاء في ثوابه وجنته، ما ليس لدى أعدائهم، ولذا كانوا أجدر منهم بالصبر، وأحق منهم بالإقدام، فيقول: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء 104).
تلك هى المغريات التى بثها القرآن هنا وهناك، يحث بها على الجهاد، ويوطن النفس على الرغبة فيه والإقبال عليه، وأنت تراها مغريات طبيعية تدفع النفس إلى الإقدام على مواطن الخطر غير هيابة ولا وجلة، مؤمنة بأنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها، فلا الخوف بمنجّ من الردى، ولا الإحجام بمؤخر للأجل، مؤملة خير الآمال في حياة سعيدة قادمة، لا يعكر صوفها خوف ولا حزن.
وإذا كان الله قد حث النفس الإنسانية على الجهاد، وحببه إليها، فقد حذرها من الفرار من ميدان القتال تحذيرا كله رهبة وخوف، وإن الفرار يوم الزحف لجدير أن يظفر بهذا التهديد، لأنه يوهن القوى، ويفت في العضد، ويسلم إلى الانحدار، والهزيمة، فلا غرابة أن نسمع هذا الزجر العنيف في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال 15، 16).
ويشير القرآن إلى أن الإعداد للحرب وسيلة من وسائل تجنّبها، وهو من أجل ذلك يحث على إعداد العدة واتخاذ الأهبة، حتى يرهب العدو ويحذر، فيكون ذلك مدعاة إلى العيش في أمن وسلام، ويدعو القرآن إلى البذل في سبيل هذا الإعداد، حتى ليتكفل بوفاء النفقة لمن أنفق من غير ظلم ولا إجحاف به، والقرآن بتقرير هذا المبدأ عليم بالنفس الإنسانية التى يردعها الخوف فيثنيها عن الاعتداء، قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال 60).
وبهذه القوة التى أمرنا القرآن بإعدادها نرهب العدو، ونستطيع القضاء عليه، إذا هو حاول الهجوم، أو نقض عهدا كان قد أبرمه معنا، وبها نقلّم أظافره، فلا نغتر بما قد يبديه من خضوع، يخفى وراءه رغبة في الانقضاض إن واتته الفرصة، أو وجد عندنا غفلة، وبهذه القوة يشعر العدو بخشونة ملمسنا، وأننا لسنا لقمة سائغة الازدراء،
فالقتال مباح حتى يأمن سرب الجماعة، ويهدأ بالها، فلا تخشى هجوما ولا مباغتة، ولكن من غير أن تحملنا القوة على الزّهو فنعتدى، وبهذه القوة نقابل الاعتداء بمثله، من غير أن نظهر وهنا ولا استكانة يظنها العدو ضعفا، وبها نقضى على أسباب الفتنة، حتى تصبح حرّيّة العبادة مكفولة، وحرية العقيدة، موطدة الأركان، واستمع إلى هذه المبادئ القوية مصوغة في أسلوب قوى في قوله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة 190 - 193).
وإِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (الأنفال 55 - 57)، وكَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة 7 - 15). يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة 123). فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد 35).
ولم يدع القرآن بابا لتقوية الروح المعنوية لدى المسلمين إلا سلكه، ففضلا عن المغريات التى أسلفنا الحديث عنها، يؤكد لهم مرارا أن الله معهم، وأنه وعد من ينصره بالنصر المؤزر، ويطمئنهم بأنه يمدهم بالملائكة يساعدونهم ويشدون عضدهم، ويخبرهم بأنه ينزل السكينة على قلوبهم، والأمن على أفئدتهم، ويربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم، وهو يعلم ما للإيمان الصادق، وما للروح المعنوية القوية من أثر بالغ في صدق الدفاع والنصر، ولهذا جعل المؤمن الصابر الصادق يساوى فى المعركة عشرة رجال، ثم رأى أن هذا الجندى المثالى قليل الوجود، فجعل المؤمن الواحد يساوى اثنين، فللقوة المعنوية أثرها الذى لا ينكر في ميدان القتال، واستمع إليه يقول: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال 65).
ويقرر القرآن ما للرعب الذى يلقيه في قلوب أعدائهم من الأثر فيما يلحقهم من الهزائم، وفي كل ذلك تثبيت لقلوب المؤمنين، وتقوية لروحهم المعنوية.
هذا، ومن أهم ما عنى به القرآن وهو يصف القتال الناجح- وصفه المقاتلين يتقدمون إلى العدو في صفوف ملتحمة متجمعة، لا ثغرة للعدو ينفذ منها، ولا جبان بين الصفوف يتقدم في خوف ووهن، وذلك حين يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف 4). وفي كلمة البنيان والرصّ ما يصور لك صفوف المجاهدين يتقدمون في قوة وحزم، يملأ قلوبهم الإيمان، ويحدوهم اليقين.
كما عنى بالحديث عن الجند الخائن، وأن الخير في تطهير الجيش منهم، فهم آفة يبثون الضعف، ويبذرون بذور الوهن في النفس، ويقودون الجيش إلى الانهيار والهزيمة، وقد أطال القرآن في وصف هؤلاء الجند وتهديدهم وتحذير الرسول من صحبتهم، فقال مرة: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (النساء 72، 73). ويصفهم مهددا منذرا فى قوله: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (التوبة 81 - 87). ويبين أن الخير في عدم استصحابهم، فيقول: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (المائدة 47). وهذه النذر القوية تؤذن بما للجهاد من أثر في صيانة الدين، والتمكين له في الأرض.
الجهاد:
[في الانكليزية] Effort ،holywar ،struggle against the desires
[ في الفرنسية] Effort ،guerre sainte ،lutte contre les desirs
بالكسر في اللغة بذل ما في الوسع من القول والفعل كما قال ابن الأثير. وفي الشريعة قتال الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغيرها كذا في جامع الرموز. ومثله في فتح القدير حيث قال:
الجهاد غلب في عرف الشرع على جهاد الكفار وهو دعوتهم إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا، وهو في اللغة أعمّ من هذا انتهى.
والسّير أشمل من الجهاد كما في البرجندي.
وعند الصوفية هو الجهاد الأصغر. والجهاد الأكبر عندهم هو المجاهدة مع النفس الأمّارة كذا في كشف اللغات.

اللسع

اللسع: وَهُوَ عضة الْحَيَّة، بالغين الْمُعْجَمَة. قَالَ حُسَيْن الْفُضَلَاء الْحُسَيْن بن معِين الدّين الميبذي رَحمَه الله فِي (الفوائح) روى أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن جِبْرَائِيل جَاءَ وَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فُقَرَاء أمتك سيدخلون الْجنَّة قبل أغنيائها بِخَمْسِمِائَة سنة، ففرح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ أَلَيْسَ بَيْنكُم من يَقُول الشّعْر، فَقَامَ أحدهم وَقَالَ:
(قد لسغت حَيَّة الْهوى كَبِدِي ... فَلَا طَبِيب لَهُ وَلَا راقي)
(إِلَّا الحبيب الَّذِي شغفت بِهِ ... فَعنده رقيتي وترياقي)
وَقد تَرْجمهُ عَن أَصله بِالْعَرَبِيَّةِ إِلَى الفارسية الجامي قدس سره السَّامِي. عِنْد سَماع النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه هَذَا الشّعْر وصلوا إِلَى مرتبَة الوجد فَسقط رِدَاءَهُ عَن كَاهِله الْمُبَارك عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما انْتَهوا من ذَلِك عَاد كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى مَجْلِسه، فَقَالَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، مَا أحسن لعبكم يَا رَسُول الله، فَقَالَ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ((يَا مُعَاوِيَة، لَيْسَ بكريم من لم يَهْتَز عِنْد سَماع ذكر الحبيب)) . بعْدهَا قطع رِدَاءَهُ إِلَى أَرْبَعمِائَة قِطْعَة وَأعْطى كل وَاحِد وصلَة مِنْهُ. وَفِي الْحصن الْحصين: من كَلَام سيد الْمُرْسلين، ويرقى اللديغ بِالْفَاتِحَةِ سبع مَرَّات، ولدغت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عقرب وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فرغ قَالَ: لعن الله الْعَقْرَب لَا تدع مُصَليا وَلَا غَيره. ثمَّ دَعَا بِمَاء وملح وَجعل يمسح عَلَيْهَا وَيقْرَأ: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} {وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق} {وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس} . (انْتهى) . ولمداواة سم الْعَقْرَب هُنَاكَ أدوية كَثِيرَة لَكِنَّهَا تتَوَقَّف على موافقتها للمزاج، وَلَكِن يجب الانتباه أَنه فِي حَال لسعة الْعَقْرَب أَن لَا يَأْكُل الملسوع أَو الملدوغ الكرفش أَو أَن يُطلق الرّيح وَإِلَّا إِذا أكل الكرفش فَإِنَّهُ يَمُوت.
(بَاب اللَّام مَعَ الْيَاء)

أَرر

أَرر
: (} الأَرُّ: السَّوْقُ والطَّرْد) نقلَه الصغانيُّ. (والجِمَاعُ) ، وَفِي خُطبة عليَ، كرّم الله وجهَه، (يُفْضِي كإِفضاءِ الدِّيَكَة {وَيؤرُّ بمَلاقِحِه) .
} وأَرَّ فُلانٌ، إِذا شَفْتَنَ، وَمِنْه قولُه:
وَمَا النّاسُ إِلّا {آئِرٌ ومَئِيرُ
قَالَ أَبو مَنْصُور: معنى شَفْتَنَ ناكَحَ وجامَعَ، وجعلَ} أَرَّ {وآرَ بِمَعْنى واحدٍ وَعَن أَبي عبَيْد:} أَرَرْتُ المرأَةَ {أَؤُرُّهَا} أَرًّا، إِذا نَكَحْتها.
(و) {الأَرُّ: (رَمْيُ السَّلْحِ. و) هُوَ أَيضاً (سقُوطُه) نَفْسُه.
(و) } الأَرُّ: (إِيقاد النَّارِ) ، قَالَ يَزِيد بنُ الطَّثْرِيَّةِ يَصفُ البَرقَ:
كأَنَّ حِيرِيَّةً غفَيْرَى مُلاحِيَةً
باتَتْ {تَؤُرُّ بِهِ مِنْ تَحْتِه القَصَبَا
وحكَاهَا آخَرون:} - تُؤَرِّي بالياءِ مِن {التَّأْرِيَةِ.
(و) } الأَرُّ: (غُصْنٌ مِن شَوْكٍ) أَو قَتَادٍ (يُضْرَب بِهِ الأَرْضُ حتَّى تَلِينَ أَطرافُه، ثمَّ تَبلّه وتَذُرُّ عَلَيْهِ مِلْحاً وتُدْخِلُه فِي رَحِمِ النّاقَةِ) إِذا مَارَنَتْ فَلم تَلْقَح، ( {كالإِرارِ، بالكسْر، وَقد} أَرَّها {أَرًّا) إِذا فَعَلَ بهَا مَا ذُكِر. وَقَالَ اللَّيْث:} الإِرار شِبْهُ ظُؤْرَةٍ {يَؤُرُّ بهَا الرّاعِي رَحِمَ النّاقَةِ إِذا مَارَنَتْ، ومُمَارَنتُهَا أَنْ يَضْربَها الفَحْلُ فَلَا تَلْقَحَ، قَالَ: تفسيرُ قولِه:} ويَؤُر بهَا الراعِي هُوَ أَن يُدخِلَ يدَه فِي رحِمِها، أَو يَقْطَعَ مَا هُنَالك ويُعَالِجَه.
( {والإِرَّةُ، بِالْكَسْرِ: النّارُ) وَقد} أَرَّها، إِذا أَوْقَدَهَا.
( {والأَرِيرُ) كأَمِيرٍ: حكايةُ (صَوتِ الماجِنِ عندَ القِمَارِ والغَلَبَةِ، وَقد} أَرَّ) {يَأَرُّ} أَرِيراً، (أَو هُوَ مُطْلَقُ الصَّوتِ.
(! وأَرْأَرْ) ، بسكونِ الرّاءِ فيهمَا) : (مِن دُعَاءِ الغَنَمِ) . (و) عَن أَبي زيد: ( {ائْتَرَّ) الرجلُ ائتراراً، إِذا (استعجَلَ) . قَالَ أَبو مَنْصُور: لَا أَدْرِي هُوَ بالزّاي أَم بالرَّاءِ.
(} والمِئَرُّ) ، كمِجَنَ: الرجُلُ (الكثيرُ الجِمَاعِ) . قَالَت بنتُ الحُمَارِسِ أَو الأَغْلب:
بَلَّتْ بِهِ عُلابِطاً {مِئَرَّا
ضَخمَ الكَرَادِيسِ وَأَي زِبِرَّا
قَالَ أَبو عُبَيْد: رجُلٌ} مِئَرٌّ، أَي كثيرُ النِّكَاح؛ مأْخوذٌ من {الايْر. قَالَ الأَزهريُّ: أَقْرَأَنِيه الإِياديُّ عَن شَمِرٍ لأَبي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي تَصْحيفٌ، والصَّوابُ ميأَرٌ بِوَزْن مِيعَر؛ فَيكون حينئذٍ مِفْعَلاً من آرَها يَئيرُها أَيْراً، وإِنْ جعلتَه من الأَرِّقلْتَ: رجلٌ} مِئَرٌّ.
وممّا يُسْتَدَرك عَلَيْهِ:
{اليُؤْرُورُ: الجِلْوازُ، وَهُوَ من} الأَرِّ بِمَعْنى النِّكَاح، عِنْد أَبي عليَ، وَقد ذَكَرَه المصنِّف فِي أَثر.
{وَأَرَّ الرجلُ نَفْسُه، إِذا اسْتَطْلَقَ حَتَّى يَمُوتَ.
} وأَرّار، كَكتّانٍ: ناحيةٌ من حَلَبَ.
{وإِرَار، ككتَابٍ: وادٍ.

أحمدنكر

الأحمد: قد ذكر فِي أول الْكتاب تيمنا وتبركا، قيل إِن عَلَاء الدّين سُلْطَان دلهي كتب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد سُلْطَان الكجرات يَقُول:
(أَنا الْعَلَاء وعَلى حرف جر ... فَهَل يُمكن أَن يجر عَليّ)
لما وصل الْمَكْتُوب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد كتب فِي الْجَواب:
(اسْم أَحْمد مَمْنُوع من الصّرْف ... وَلَيْسَ مُمكنا أَن يجر عَليّ)
أَحْمد نكر بَلْدَة طيبَة فِي (الدكن) من مضافات (اورنك) عامرة الْبُنيان حفظهما الله تَعَالَى عَن الْآفَات وَالشَّر وعمرهما مدى الْأَيَّام والشهور، وَبِمَا أَن الْبَلدة الْمَذْكُورَة هِيَ مَوضِع ولادَة العَبْد الْفَقِير، وَبِمَا أنني فِي قَضَائهَا وعشت فِيهَا مُدَّة الْعُمر فِي رخاء وَيسر ونشأة وترعرعت فِيهَا فَكَانَ من حَقّهَا عَليّ أَن أسرد بَعْضًا أَو نفحات من تاريخها الَّذِي استنبطه أَو وصل لي من خلال الرِّوَايَات المتواترة المحققة.
هَذِه الْبَلدة بناها أَحْمد نظام شاه البحري عَلَيْهِ شآبيب سَحَاب الرَّحْمَة والغفران وَأحمد نظام شاه البحري هُوَ ابْن ملك نَائِب بحري، وَهُوَ من أَوْلَاد برهمنان بيجانكر واسْمه الْأَصْلِيّ تيمابهت وَاسم وَالِده بهريون، زمن سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني من أَوْلَاد بهمن بن اسفنديار الَّذِي كَانَ يحكم منْطقَة (مُحَمَّد آباد بيدر) وَقع أَسِيرًا أَيَّام ملك بيجانكر وَعرف بِملك حسن وَدخل فِي سلك غلْمَان المملكة، وعندما رأى السُّلْطَان أَحْمد مَا لَدَى ملك حسن من علم وَمَعْرِفَة واطلاع وعقل ورأي أهداه إِلَى وَلَده الْأَكْبَر مُحَمَّد شاه بهمني وأرسله إِلَى الْكتاب لتعلم الْخط والعلوم الفارسية الَّتِي برع فِيهَا ملك حسن بِسُرْعَة وَفِي مُدَّة قَصِيرَة واشتهر بعْدهَا ب (ملك حسن بهريور) فأغدق عَلَيْهِ العطايا والمراكز الْعَالِيَة والممتازة وَتَوَلَّى قيادة الحرس الْخَاص للقصر واصطفاه وقربه مِنْهُ واستبدل كلمة (بهريور) بِكَلِمَة (بحري) وخلع عَلَيْهِ لقب (نظام أشرف هايون الْملك بحري) بِمُوجب فرمان همايوني شرِيف مِمَّا عَاد على أَوْلَاده بالشرف الرفيع وعلو الْقيمَة وَالْقدر، وَبعد وَفَاة أَحْمد شاه بهمني، تحول الْملك إِلَى أكبر أَوْلَاده مُحَمَّد شاه بهمني، فَأصْبح (أشرف همايون نظام الْملك بحري) وَكيلا للسلطنة بِنَاء لوَصِيَّة أَحْمد شاه بهمني، فعين وَلَده (ملك أَحْمد) قائدا للجيش وأقطعه (ويركنات) مِمَّا يَلِي قلعة (دولت آباد) وفوضه أمرهَا.
ووصلت سلطة ملك أَحْمد إِلَى حُدُود (جنير) واهتم بإدارتها وضبطها غير أَن قلعة (سنير) الْوَاقِعَة على بعد ميل من (جنير) لجِهَة الغرب وقلعة (جوند) و (هرسل) وَغَيرهَا من القلاع وَالَّتِي كَانَت أَيَّام سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني تَحت سيطرة (مرهته هاي) ، لم تدخل تَحت نُفُوذه على الرغم من الفرمانات والقرارات الَّتِي اصدرها وَكيل السلطنة وَالَّتِي تقضي بِوُجُوب تَسْلِيم القلاع إِلَى ملك أَحْمد، لَكِن (مرهته هاي) اعتذر عَن ذَلِك مَا دَامَ مُحَمَّد شاه بهمني لم يبلغ سنّ الرشد والتمييز وَيُصْبِح صاحبا لملكه وقادرا على ادارته، عِنْد ذَلِك يُطِيع الْأَوَامِر وَيسلم القلاع. غير أَن ملك أَحْمد كَانَ صَاحب قَرَار وعزم فقرر الِاسْتِيلَاء على قلعة (سنير) فَعمد إِلَى محاصرتها لمُدَّة سِتَّة أشهر بعْدهَا خرج آمُر القلعة وَسلم مَفَاتِيح القلعة إِلَى ملك أَحْمد، فاستولى على جَمِيع الْأَمْوَال والأشياء الَّتِي كَانَت تحويها القلعة وَالَّتِي كَانَت كَثِيرَة وَلَا تحصى وافتخر بذلك أَيّمَا افتخار وطارت أخباره بذلك، مِمَّا دفع القلاع الْأُخْرَى (جوند) و (هرسل) و (جيودهن) وَغَيرهَا إِلَى التَّسْلِيم لَهُ قهرا فسيطر بذلك على ملك (كوكن) وَعَن قلعة (سنير) يَقُول مُحَمَّد قَاسم فرشته واصفا، أَنَّهَا تقع على رَأس قمة جبل شَاهِق تعانق السَّحَاب وَلَا يصلها النسْر فِي تحليقه.
وَقد زار الْكَاتِب قلعة ((سنير)) فِي الفترة الَّتِي كَانَ حَاكما عَلَيْهَا ابْن عبد الْعَزِيز الَّذِي كَانَ يتحلى بِصِفَات الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْوَفَاء. وَالَّذِي أصبح قائدا لقلعة ((سنير)) بعد وَفَاة مَحْمُود عَالم خَان، وَفِي عهد مُحَمَّد فرخ سير قَائِد دلهي عقد اتِّفَاق بَينه وَبَين أَمِير الْأُمَرَاء سيد حُسَيْن عَليّ خَان المشرف على (دكن) بعد تدخل من سنكراجي ملها رزناردار 1129 وَكَانَ من شُرُوطه عدم الانقلاب والثورة على الْملك وَعدم التَّعَرُّض إِلَى سبل النَّقْل (الطّرق) والاحتفاظ بِخَمْسَة عشر ألف رَاكب تَحت إمرة المسؤول عَن (الدكن) وَأسْندَ إِلَيْهِ أَو جوتهه وسرد بسمكى النواحي السِّتَّة من (الدكن) وَتفرد غنيم بِملك (كوكن) وَمَا حولهَا من الْمَوَاشِي والأبقار وقصبات وأمصار وبلاد وبقاع. وَأصْبح كَذَلِك مسيطرا على ملك كجرات ومالوة وفنديس وَمَا وَرَاء الدكن وأغلب أَرَاضِي الْهِنْد والبنغال. وبسبب ضعف جيوش الْإِسْلَام بلغ الْأَمر إِزَالَة الشعارات والعلامات الإسلامية من الْقرى والامصار الَّتِي سيطر عَلَيْهَا وهدمت الْمَسَاجِد وَمنع ذبح الأبقار. وَبلغ الْأَمر أَنهم قطعُوا أَيدي القصابين فِي بَلْدَة برهَان بوركو وأخرجوهم مِنْهَا ... وَبعد انتصار غنيم حاصر قلعة ((سنير)) الَّتِي كَانَت لمحمود عَالم خَان الَّذِي رأى أَن الْأَصْحَاب والأتباع وَمن يُؤَيّد مُحَمَّد حُسَيْن نويته الَّذِي كَانَ صَاحب الرَّأْي لَدَى مَحْمُود عَالم خَان قد تفَرقُوا بعد أَن وصلوا إِلَى الْهَلَاك وَلم تصلهم امدادات جيوش الْإِسْلَام قرر وبشكل مزاجي أَن يفضل الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة على الشَّهَادَة والحياة الأبدية فَاخْتَارَ مَا يلطخ الجبين إِلَى الْأَبَد فقرر فِي السَّادِس عشر من شهر جُمَادَى الأولى سنة 1170 تَسْلِيم القلعة إِلَى غنيم فَخرجت السيطرة عَن القلعة بذلك من يَد الْمُسلمين وَمَات بعْدهَا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
وصلنا إِلَى أصل الْمَوْضُوع ذَلِك أَن أشرف همايون نظام الْملك بحري قد توفّي فتسمى ابْنه الْملك أَحْمد بِأَحْمَد نظام الْملك شاه بحري وَبسط لِوَاء سلطته، وعندما وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى مسامع السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بهمني وَجه إِلَيْهِ جَيْشًا جرارا بقيادة جهانكير خَان، الَّذِي وصل إِلَى قَصَبَة (بهنكار) عابرا من ((تلِي كانون)) فَتوجه أَحْمد نظام الْملك شاه بحري من قَصَبَة (جيور) إِلَى ملاقاته، فَنزل الجيشان تفصل بَينهمَا مَسَافَة سِتَّة فراسخ لمُدَّة شهر تَقْرِيبًا، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء علم جهانكير خَان أَن جَيش أَحْمد نظام شاه بحري لَا يملك التنظيم وَلَيْسَ لَهُ قدرَة على المواجهة، وَكَانَت الْأَيَّام تِلْكَ مُنَاسبَة لإِقَامَة الملذات ومجالس الطَّرب وَالشرَاب فَعمد إِلَى إِقَامَتهَا. وصلت أَخْبَار هَذِه الْمجَالِس الَّتِي يقيمها جهانكير خَان إِلَى مسامع أَحْمد نظام شاه بحري الَّذِي اغتنم الفرصة وتحرك بجيشه الَّذِي يَقُودهُ أعظم خَان لَيْلَة الثَّالِث من رَجَب المرجب سنة 895 عبر جبال قَصَبَة (جيور) فوصل مَعَ الصُّبْح إِلَى قَصَبَة (بهنكار) وَنزل كالصواعق على جَيش جهانكير خَان فَقَتلهُمْ وَأسر من بَقِي مِنْهُم فأركبهم أَحْمد نظام شاه بحري على ظُهُور الأبقار وأطلقهم وسط عسكره مشهرا بهم، وَأعْطى الْأمان لمن بَقِي بِالْقربِ من (مُحَمَّد آباد بيدر) ، وَأما الْمَكَان الَّذِي جرت فِيهِ المعركة وَفتح الله لَهُ فِيهَا فقد أَقَامَ حديقة وسماها حديقة نظام وَلذَلِك فَإِن هَذِه المعركة عرفت بمعركة (الحديقة) . وحول هَذِه الحديقة زرعت الغابات والأزهار وبنيت العمارات الشاهقة وَسميت ((نكينه مَحل)) و ((سون مَحل)) وجر إِلَيْهَا نَهرا من السوَاد فِي محلّة (كافور باري) تنبع من بِئْر مَشْهُور باسم (ناكابائين) وَمَعَ الْوَقْت أَصبَحت هَذِه الحديقة تعرف ((بروضة الرضْوَان)) .
بعد ذَلِك وَمن بَاب الشُّكْر لله على فتح قَصَبَة (جيور) وَمَعَهَا قَرْيَة (إِمَام بور) عمد أَحْمد نظام الشاه بحري إِلَى جعل هَذِه النَّاحِيَة وَقفا على الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء، وغادر بعْدهَا منصورا مظفرا إِلَى (بجنير) . ثمَّ أَزَال اسْم السُّلْطَان مَحْمُود شاه بهمن من الْخطْبَة بعد أَن أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك يُوسُف عَادل خَان واستبدله باسمه وَركب جملا أَبيض وَهَذَا الرَّسْم كَانَ من خصوصيات سُلْطَان دلهي وكجرات، بعد ذَلِك راوده حلم السيطرة على قلعة (دولت آباد) ، وأرقه وجود أَفْوَاج السلاطين فِي (بيجابور) و (حيدر آباد) و (بيدر) فَخرج من (جنير) لمواجهتهم ولصعوبة هَذِه المهمة ومقتضيات الْأُمُور عمد إِلَى بِنَاء مَدِينَة فِي الْوسط مَا بَين (دولت آباد) و (جنير) وسماها (دَار السلطنة) والعاصمة وَذَلِكَ فِي شهور سنة (900) فِي الْمُقَابل من (حديقة نظام) إِلَى الْجَانِب الغربي على نهر (السِّين) . وَكَانَ يُرِيد أَن يُطلق عَلَيْهَا اسْم (أَحْمد آباد) وَلكنه بعد أَن علم أَن عَاصِمَة ملك كجرات سُلْطَان أَحْمد شاه كجرات كَائِن على هَذَا الِاسْم نَفسه، وَهِي مستمدة من اسْمه وَهُوَ اسْم يُوَافق اسْم وزيره الْقَدِير وقاضيه الْعَادِل، فَعدل عَن ذَلِك، إِلَى اسْم (أَحْمد نكر) الَّذِي يتوافق مَعَ اسْمه وَالِاسْم الْأَصْلِيّ لنصير الْملك ووزير الممالك وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر، وأصدر أوامره إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء وَالْأَصْحَاب والقادة الْكِبَار وَأَصْحَاب الخدمات بِبِنَاء العمائر الْكَبِيرَة والضخمة، فبنوها على النمط الْمصْرِيّ والبغدادي وارفقوها بالعديد من الْمَسَاجِد والحمامات وجروا إِلَيْهَا عدَّة أنهر وزرعوا عدَّة حدائق جميلَة ورائعة تخلب الأنظار والقلوب مَعًا فَأَصْبَحت (أَحْمد نكر) خضراء أَكثر وَأفضل من (كشمير) وهواها ألطف وأرق من سَائِر الْبِلَاد.
وَبعد وَفَاة ملك أشرف صَاحب قلعة (دولت آباد) ضم أَحْمد نظام شاه بحري هَذِه القلعة إِلَى سلطته فَبنى مَا تهدم مِنْهَا وترفق بِالنَّاسِ ثمَّ قفل إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) منصورا مظفرا. فِي هَذِه الفترة مَاتَ وزيره نصير الْملك كجراتي فعين مَكَانَهُ كَمَال خَان دكهني، بعْدهَا مرض أَحْمد نظام شاه بحري وَاسْتمرّ مَرضه مُدَّة ثَلَاثَة أشهر، فَجمع أَرْكَان دولته إِلَيْهِ وأعلن ابْنه الْأَمِير وليا لعهده الْبَالِغ من الْعُمر سبع سنوات. حكم أَحْمد نظام شاه مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَتُوفِّي سنة (904) . فارتعدت السَّمَاء وَالْأَرْض عِنْد مَوته وَحمل نعشه الطَّاهِر السَّادة والفضلاء والأمراء بِجلَال ووقار السلطنة إِلَى الْقرب من نهر (السِّين) حَيْثُ دفن هُنَاكَ:
(أَيهَا الْمَوْت لقد دمرت آلَاف الْبيُوت ... وخطفت الْأَرْوَاح من عَالم الْوُجُود)
(وكل درة نفيسة أَتَت إِلَى هَذِه الدُّنْيَا ... أَخَذتهَا ووضعتها تَحت التُّرَاب)
بني على قبر أَحْمد نظام شاه بحري قبَّة عالية وأحيط بسور كَبِير ووسيع أطلق عَلَيْهِ اسْم (حديقة الرَّوْضَة) وَفِي دَاخل هَذَا السُّور هُنَاكَ قُبُور عديدة وعدة قبب صَغِيرَة، أما الأَرْض خَارج السُّور فَهِيَ مليئة بالقبور لمساحة رمية سَهْمَيْنِ أَو أَكثر لجِهَة الْجنُوب حَتَّى يُمكن القَوْل أَن لَيْسَ فِيهَا وجبا وَاحِدًا خَالِيا من قبر.
لقد تحولت هَذِه الْمقْبرَة إِلَى مقصد للْعُلَمَاء لطلاب الْعلم الَّذين يَجْلِسُونَ تَحت قبَّة قبر أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى الْمِحْرَاب الْوَاقِع لجِهَة الشمَال حَيْثُ يعقدون الحلقات، وأبرز هَؤُلَاءِ الْعلمَاء المرحوم مير عنايت الله ولد مير طَاهِر جنيري الَّذِي قبل الانتساب إِلَى بيُوت الْفقر من أجل تَحْصِيل الْعلم فَقضى مُعظم أوقاته فِي تِلْكَ الْمقْبرَة.
وَلَقَد اسميت هَذَا الْمُحب السعيد بالشهيد لِأَنَّهُ فِي شهر رَمَضَان الْمُبَارك من هَذِه السّنة جَاءَ إِلَى منزلي وَقَالَ إِنَّه إِذا ربح بطيخة فَأولى لَهُ أَن يربح أَو يكْسب الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فَقبلت مَعَه فَقضيت مَعَه شهر رَمَضَان فِي تكْرَار درس ((شرح الْوِقَايَة)) بحاشية ((الْجبلي)) فِي ذَلِك الْمِحْرَاب.
وَكنت فِي بعض الأحيان اذْهَبْ إِلَى ((حديقة الرَّوْضَة)) لزيارة الْقُبُور وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة على العظماء المدفونين فِيهَا وأجلس إِلَى قبر حَافظ مُحَمَّد عبد الله التلميذ النجيب لوالد المرحوم المدفونين دَاخل سور الحديقة. الَّذِي كَانَ لَهُ الِاطِّلَاع الْوَاسِع والمعرفة الْحجَّة والبصيرة الواسعة والفكر الصائب، وَقَالَ كلَاما مجيدا وَوَجهه إِلَى الْمُلُوك الْمُخْتَلِفين وَكَانَ لَهُ اطلَاع وَاسع على علم الْقِرَاءَة وصنف رِسَالَة فِي التجويد شعرًا ونثرا. وَقد اسْتَفَدْت مِنْهُ فِي دراسة ((شرح الملا)) وَبَعض أَبْوَاب ((كنز الْفَوَائِد)) اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وَأَنت الْغفار الرَّحِيم.
وَظهر يَوْم الْأَحَد من سنة 1164 اسْتشْهد محبي لله مير عنايت الله فِي المعركة الَّتِي نشبت بَين هدايت محيي الدّين خَان ((وفاغنة)) والقصة أَن مكمل خَان انفق جهدا كَبِيرا فِي تربية وَتَعْلِيم وتأديب برهَان نظام شاه ولمدة عشرَة سنوات الَّتِي كَانَت كَافِيَة وجيدة لاتقان الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة بِخَط جميل بشكل جيد.
وَكتب ((مُحَمَّد قَاسم)) يَقُول إِن برهَان نظام شاه كتب رِسَالَة فِي علم الْأَخْلَاق وسلوك الْمُلُوك ووصلت إِلَيْهِ وَقد كتب فِي آخرهَا هَذِه الْجُمْلَة ((كَاتبه الشَّيْخ برهَان بن أَحْمد الملقب بنظام الْملك بحري)) . وَقد كَانَ برهَان نظام شاه مَعْرُوفا بالشجاعة وَالتَّقوى وَالصَّلَاح وَالْكَرم وفريدا فِي عصره. وَيُقَال إِنَّه كَانَ عِنْدَمَا يركب فرسه وَيخرج إِلَى السُّوق فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَعَ أَصْحَابه، فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا يسارا، وعندما سَأَلَهُ أحد المقربين عَن عدم التفاتة إِلَى الْأَطْرَاف والجوانب قَالَ لَهُ: عِنْدَمَا أعبر فَإِن كثيرا من الرِّجَال وَالنِّسَاء يقفون لمشاهدة هَذَا الفاني، وَأَنا أَخَاف. أَن تلفت أَن تقع عَيْني على شَيْء حرَام فَينزل عَليّ وبال ذَلِك. وَلما كَانَ هَذَا الْملك الْعَظِيم شَابًّا ومغامرا فِي أَوَائِل سلطنته أَرَادَ أَن يسيطر على قلعة (كاويل) ، فَخرج من أجل ذَلِك من دَار السلطنة فِي (أَحْمد نكر) باتجاه تِلْكَ القلعة وسيطر عَلَيْهَا، وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين وَقَعُوا فِي يَد قَائِد جَيْشه جَارِيَة بَالِغَة الْحسن وَالْجمال تشابه الْقَمَر أَو المُشْتَرِي، فَلَمَّا وَقع نظره على وَجه الْملاك هَذَا فشاهد الْمُسْتَقْبل فِي مرْآة وَجههَا تملكه الوله والحيرة وَلم يملك سَبِيلا إِلَّا أَن يحملهَا إِلَى السُّلْطَان وَيرى أَثَرهَا عَلَيْهِ، وَفِي خلْوَة بَينهمَا قَالَ نصير الْملك للسُّلْطَان دَامَ ضله أَنه قد حجب عَن بَاقِي الْعَسْكَر وَالنَّاس فاتنه من بَين الأسرى لَا مثيل لَهَا وَلَا تلِيق إِلَّا بالسلطان فَإِذا أَمر السُّلْطَان فَإِنَّهُ يبْعَث بهَا إِلَى الْجنَاح الليلي، فتملك شهريار حَالَة من الانشراح والفرح فَاسْتحْسن نصير الْملك ذَلِك وَلما ذهبت هَذِه الْجَارِيَة إِلَى الْجنَاح الليلي كَانَت تضع على رَأسهَا شادورا كحليا مقصبا بِالذَّهَب وَكَأَنَّهَا ملاك يسير باتجاه برهَان نظام شاه، وَلما تمّ اللِّقَاء بَينهمَا، شرفها الشاه بِالْحَدِيثِ مَعهَا فَسَأَلَهَا من أَي قوم هِيَ وَإِلَى من تنْسب وَمن يتَّصل بهَا بِالْقَرَابَةِ أيتها الوردة الجميلة الخالية من الشوك. فأجابت، روحي فدَاء للعلي الْقَدِير أَنا من قَبيلَة (فلَان) وَأبي وَأمي وَزَوْجي هم فعلا فِي قَبْضَة السُّلْطَان. فَلَمَّا سمع الْملك اسْم زَوجهَا سيطرت عَلَيْهِ الحمية وَاجْتنَاب الْمعاصِي فذوت شَهْوَته وَقَالَ لَهَا مطيبا خاطرها سَوف أطلق سراح والدك ووالدتك وزوجك وأهبك إيَّاهُم. عِنْدهَا ركعت الْجَارِيَة وَقبلت الأَرْض بَين يَدَيْهِ وشرعت بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ. وَفِي الصَّباح عِنْدَمَا دخل عَلَيْهِ نصير الْملك يُرِيد تهنئته بِهَذِهِ اللَّيْلَة الجميلة، فَضَحِك ((يُوسُف زَمَانه)) وَقَالَ: لقد سترنا عَورَة هَذَا الشّرف الْكَرِيم وأعطيتها وَعدا أَن أعيدها إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أحضر لي والدها ووالدتها وَزوجهَا إِلَى هَذَا الْمجْلس فأنعم عَلَيْهِم وأغدق ووهبهم لَهَا.
وَفِي عهد برهَان نظام شاه ازدهرت مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَأخذت رونقا جَدِيدا فَاجْتمع فِيهَا الْعلمَاء والسادات والأكابر وَالشعرَاء أَصْحَاب الْفُنُون والحرف والفقراء.
التقى الملا بير مُحَمَّد الشيرواني من كبار عُلَمَاء الْمَذْهَب السّني وأستاذ الْملك الْمُعظم عَن طَرِيق الِاتِّفَاق بالشاه طَاهِر دكنهي عِنْد جهان كاوان الَّذِي كَانَ ركن السلطنة لَدَى مُحَمَّد شاه بهمني فِي قلعة (بريندا) ، ودرس عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) فِي علم الْهَيْئَة لمُدَّة سنة وعندما عَاد إِلَى (أَحْمد نكر) سَأَلَهُ برهَان نظام شاه عَن سَبَب توقفه هُنَاكَ. فَقَالَ لَهُ الملا بير مُحَمَّد ظَاهر أَنه كَانَ طول هَذِه الْمدَّة برفقة عَالم محلق فِي الْفَهم الإنساني، وَلَيْسَ من طَرِيق إِلَى إِدْرَاك سر كَمَاله وعقله يزن عقول أهل زَمَانه وَلَا أحد يبلغ شرف مرتبَة علمه، فاعتبرت ذَلِك فوزا عَظِيما أَن أَقرَأ عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) الَّذِي يعْتَبر محك امتحان الْفُضَلَاء لَا بل ميزَان معركة حكماء اليونان وَالْعراق وَأنْشد فِي وصف شاه طَاهِر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: (لقد حَار الْعُقَلَاء فِي وصف كَمَاله ... فَلَا يُدْرِكهُ لَا بقراط الْحَكِيم وَلَا أَبُو عَليّ)
(مَعَ علمهمْ وحكمتهم وفضلهم وكمالهم ... فَإِنَّهُم جَمِيعًا يدرسون علم الْألف فِي صفه)
لقد رغب برهَان نظام شاه بمصاحبة الْعلمَاء والفضلاء، وخصوصا صُحْبَة شاه طَاهِر فَأرْسل لَهُ رِسَالَة حملهَا شوقه وحبه واحترام مَعَ الملا بير مُحَمَّد، وعندما وصلت الرسَالَة إِلَى شاه طَاهِر فِي (بريندا) فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن اطلع (خواجه جهان) على الرسَالَة الَّذِي لم ير بدا من مركب السّفر لشاه طَاهِر وَيبْعَث بِهِ إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) ، فَخرج أَعْيَان وأمراء وأقرباء الْملك من الْمَدِينَة لمسافة أَرْبَعَة فراسخ لاستقباله بِكُل اعزاز وإكرام وأدخلوه الْمَدِينَة. وَبعد أَن التقاه برهَان نظام شاه وَكَرمه وعظمه اعترافا بِقَدرِهِ ومنزلته، الَّتِي ادركها شاه طَاهِر من بَين جَمِيع المقربين، وَبعد أَن فرغ من مراسم الِاسْتِقْبَال والمهمات مَعَ السُّلْطَان (بهادر الكجراتي) ، اتخذ لَهُ مَكَانا فِي أَسْفَل قلعة (أَحْمد نكر) للدرس الَّذِي تحول فِيمَا بعد إِلَى مَسْجِد جَامع فَجَلَسَ للدرس يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع يدرس الْعلمَاء الْكِبَار ويطلعهم على الْكتب الدراسية. وَقد حضر دروسه كل من السَّيِّد جَعْفَر أَخ الشاه طَاهِر، وشاه حسن الْجواد، والملا مُحَمَّد النيشابوري، والملا حيدر الاسترآبادي، وَالسَّيِّد حسن المشهدي، والملا عَليّ كلمش الاسترآبادي، والملا ولي مُحَمَّد، والملا رستم الْجِرْجَانِيّ، والملا عَليّ المازندراني، وَأَبُو الْبركَة والملا عَزِيز الله الكيلاني، والملا مُحَمَّد الأسترآبادي، وَالْقَاضِي زين العابدين وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر وَالسَّيِّد عبد الْحق (كَاتب بركنه ((انبر)) ) وَالشَّيْخ جَعْفَر، ومولانا عبد الأول وَالْقَاضِي مُحَمَّد نور الْمُخَاطب بِأَفْضَل خَان وَالشَّيْخ عبد الله القَاضِي، وَآخَرين من الْفُضَلَاء وطلاب الْعلم وَقد جلس إِلَيْهِ فِي درسه كَذَلِك كل من برهَان نظام شاه واستاذه الملا بير مُحَمَّد الشرواني فَكَانَ يجلس من أول الدَّرْس إِلَى آخِره وَيسْأل ويجيب ويناقش ويعارض.
وَلما كَانَ شاه طَاهِر على مَذْهَب الإمامية، فَإِن برهَان نظام شاه قد اخْتَار مَذْهَب الإمامية هُوَ وَجَمِيع أَهله وَعِيَاله والمقربين لَهُ، وَبعد النقاش الَّذِي دَار بَين شاه طَاهِر وَجمع من الْفُضَلَاء حول هَذَا الْمَذْهَب عمد برهَان نظام شاه إِلَى قتل قَاضِي (انبر) ، وَلَيْسَ هُنَا مقَام الْكَلَام على هَذَا الْمَوْضُوع.
لقد توفّي الشاه طَاهِر فِي زمن سلطنة برهَان نظام شاه سنة 956 وَدفن دَاخل سور حديقة الرَّوْضَة خَارج قبَّة نظام شاه بحري إِلَى الْجَانِب الشمالي. وَقد عمد هاني نظام شاه بعد مُدَّة إِلَى نقل رفاة شاه طَاهِر إِلَى كربلاء المعظمة. وَخلف شاه طَاهِر وَرَاءه أَرْبَعَة أَبنَاء هم: شاه حيدر وشاه رفيع الدّين حُسَيْن وشاه أَبُو الْحسن وشاه أَبُو طَالب وَثَلَاثَة بَنَات بقيت اسماميهن مستورة كَمَا كن هن مستورات. وَبَقِي أَوْلَاد شاه طَاهِر حَتَّى زمن كِتَابَة هَذِه الْكَلِمَات يسكنون فِي عمارات عامرة فِي مَكَان اقامة شاه طَاهِر فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) ويتولون تصريفها وادارتها، وَالْحَال أَن الْكَاتِب قد اشْترى منزلا من وَرَثَة شاه طَاهِر فِي منطقته، وَقد عمد برهَان نظام شاه بعد جُلُوسه على عرش السلطة سنة (908) إِلَى بِنَاء قلعة من الْحجر الْمَطْبُوخ فِي أَرَاضِي (حديقة نظام) وَبنى فِيهَا أَرْبَعَة أبراج وَأعْطى كل برج وتوابعه إِلَى أحد الْأُمَرَاء المرموقين، وَمَعَ مُرُور وَقت قصير أَصبَحت قلعة (أَحْمد نكر) من القلاع النادرة وَبلا نَظِير وشيرازة (نِسْبَة إِلَى شيراز) ملك الدكن، فَكَانَت فِي بنائها وصقل أحجارها وتدويرها وأسلوب أَحْكَامهَا فريدة بَين قلاع الأَرْض وأصبحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَدِينَة مَشْهُورَة بِطيب هوائها ومائها ومناخها بَين جَمِيع الْخلق من الْخَاصَّة والعامة فِي جَمِيع الْبِلَاد والأمصار.
وَقد بنى أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى جَانب الشمالي من مَدِينَة (أَحْمد نكر) حديقة سميت بحديقة (فيض نجش) والمشهورة بحديقة (الْجنَّة) وَبنى دَاخل الحديقة حوضا ضخما مثمن الاضلاع، وَفِي دَاخل الْحَوْض بنى عمَارَة كمنزل لَهُ مثمن الاضلاع، وَإِلَى جَانب الْحَوْض بنى إيوانه وحماما جميلا ومترفا. وَفِي أَيَّام التعطيل نَذْهَب مَعَ الطّلبَة الرفقاء إِلَى تِلْكَ الحديقة لصيد السّمك والتفرج والنزهة، لَكِن النَّهر خرب هَذَا الْحَوْض وأصبحت الحديقة تعاني من قلَّة المَاء فآلت إِلَى الخراب، فأصبحنا عِنْدَمَا نعبر هَذِه الحديقة تتملكنا الْحَسْرَة والندم عَلَيْهَا.
أما برهَان نظام شاه فقد بنى حديقة إِلَى الْجَانِب الجنوبي من (أَحْمد نكر) وأسماها حديقة (فَرح نجش) وَبنى دَاخل الحديقة (حوضا) مربع وَبنى وسط هَذَا الْحَوْض (جبوتره) مثمنة وواسعة، وَبنى فَوق (جبوتره) بِنَاء عَالِيا ومثمن من طبقتين بطراز غَرِيب وَعَجِيب يعجز الْقَلَم وَاللِّسَان عَن وَصفه ويحتار بِهِ، وَلَا يَسْتَطِيع عقل المهندسين ادراك عَظمَة تصميمه، وَكم حاول وسعى شاه طَاهِر لوصفه وتكلف الْمَشَقَّة غير أَنه لم يصل إِلَى إيفائه حَقه، وَمِمَّا قَالَه قصيدة طَوِيلَة فِي سِتَّة وَعشْرين بَيْتا يصف فِيهَا عَظمَة الْبناء وعظمة الْبَانِي وَالْقُدْرَة على تصميمه وَأَن لَا أحد من الْمُلُوك العظماء من سبق يَسْتَطِيع انجاز مَا أنْجز فِي هَذَا الْبناء حَتَّى أَن ديوَان كسْرَى وكلستان خسرو لَا يُمكن لَهما أَن يصلا إِلَى مستوى هَذَا الْبناء.
وَفِي حديقة (فَرح نجش) نهر عَظِيم يصل إِلَيْهَا من السوَاد من مَوضِع يُقَال لَهُ (كافور باري) ويدخلها من تَحت السُّور ويصل إِلَى خزان للمياه عَظِيم، وَقد خطّ تأريخ لهَذِهِ الحديقة على لوح رُخَام قرب خزان المَاء كتب عَلَيْهِ مَا مَعْنَاهُ. اسْمهَا (فَرح نجش) اشتق من طيب هوائها ومائها فاشتهرت بذلك:
(لتكن النِّعْمَة مرافقة للساعي ببنائها ... فَجَمِيع سَعْيه مشكور)
(أردْت أَن أأرخ لهَذَا الْكَبِير والحكيم ... فَقلت يَا رب لتكن عامرة إِلَى الْأَبَد) وَبِمَا أَن شاه طَاهِر كَانَ مَعَ نعمت خَان كدورتي فقد أنْشد حول الحديقة بَيْتَيْنِ من الشّعْر قَالَ فِيمَا مَعْنَاهُ:
(مر على حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه ... وَانْظُر إِلَى أصل النشاط)
(فقد بنى نعمت خَان وَمن فضل التَّارِيخ ... فَخَرجُوا أقمارا من حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه)
وَبعدهَا أنْشد شاه نور المتخلص بنزهت من قَصَبَة (جمار كونده قلندرانه) شعرًا بِوَصْف هَذِه الحديقة، وشاه نور كَانَ على علاقَة بشاه مُسَافر النقشبندي وَصَاحب بَاعَ فِي الخطابة وخطب مرّة فِي حَضْرَة شاه مُسَافر خطْبَة تقَارب الاعجاز وشعره رفيع بمقام شعر ميرزا صائب رَحمَه الله صَاحب الدِّيوَان والقصائد الغراء. وَقد التقاه الْكَاتِب وتباحث مَعَه مطولا لمرتين، ولنزهت حَاجِب ديوَان للشعر يُقَلّد فِي كَثِيره نسق ميرزا صائب.
ونعمت خَان كَانَ فِي عهد برهَان نظام شاه ذَا سليقة شعرية وسلوك حسن ورفيع وَصَاحب حَسَنَات فريدة. ومكانة نعمت خَان فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) أظهر من الشَّمْس فَكَانَ صَاحب عمارات وَمَسْجِد وبركة مَاء خلف الْمَسْجِد ودكاكين رفيعة الشَّأْن ووقف دكاكين السُّوق وخراجها وَبنى خلف الْمَسْجِد حَماما لَا مثيل لَهُ فِي سَائِر الْبِلَاد وَقد كتب شاه ظَاهر فِي تَارِيخ بِنَاء هَذَا الْحمام (وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا) (سنة 925) .
وَكَانَ ل (نعمت خَان) ولد وَاحِد كَانَ اسْمه (الملا نادري) توفّي فِي حَيَاة وَالِده فدفنه تَحت دكان فِي شمال السُّوق، أما قبر نعمت خَان وزوجه فقد دفنا فِي دَاخل سرداب إِلَى جَانب الْمَسْجِد فِي الْجِهَة الشمالية، وَلَا ولد لَهُ. وَتلك الدكاكين والعمارات الَّتِي كَانَ يملكهَا وصلت إِلَى الخراب وَقد بيع ترابها وحجارتها، فَإِذا كَانَ تعاقب الْأَيَّام على هَذَا المنوال فَلَنْ يبْقى لَهُ بعد أَيَّام أَي ذكر أَو أَكثر فسبحان الله. لقد كَانَ يعرف بحاتم زَمَانه.
الْقِصَّة من زمن برهَان نظام شاه راج مَذْهَب الإمامية وحينها أَصبَحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) ذَات رونق جَدِيد بِفضل العمارات والدكاكين والحدائق والحمامات المتعددة والأنهر الْكَثِيرَة ... وَلما شرع برهَان نظام شاه بترويج هَذَا الْمَذْهَب مُعْتَمدًا على شاه طَاهِر فقد اسند المناصب والوظائف الَّتِي قررها أَحْمد نظام شاه بحري لأهل السّنة إِلَى أَتبَاع الْمَذْهَب الشيعي وَبنى لَهُم سورا ومسجدا عَظِيما وبركة وغرفا كَثِيرَة فِي الْجِهَة الْمُقَابلَة لقلعة (أَحْمد نكر) وأصبحت مدرسة لَهُم.
وَسمي هَذَا الْمَكَان ب (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) ووقف لَهُم قصبات (جيور) و (سيور) و (راسيابور) وَبَعض الْقرى الْأُخْرَى لنفقات السَّادة والطلبة والفضلاء من الشِّيعَة، جعل لَهُم طَعَاما يوزع عَلَيْهِم يوميا لمرتين.
أما أَسمَاء الْأُمَرَاء المعروفين فِي ذَلِك الْعَهْد فهم: مير أَحْمد الْمُخَاطب بمير مرتضى خَان تكتي، وجنكيز خَان، وشرزه خَان، واعتماد خَان، وفرهاد خَان يُوسُف، وزمرد فرهاد خَان، ونعمت خَان، ورومي خَان، وصلابت خَان كرجي، وَحَكِيم كاشي، وَصدر جهان، وَاخْتِيَار خَان، وابهنك خَان، وفولاد خَان حبشِي، وبساط خَان، وغالب خَان شَهِيد، وآتش خَان، وَسيد منتجب الدّين، وعالم خَان ميواتي، وشمشير خَان جبشي، وَسيد الهداد خَان، وَسُهيْل خَان، وَسيد جلال الدّين، وخواجه سُهَيْل، وقاسم خَان، وميرزا خَان سبزواري، وجمشيد خَان، وبهائي خَان، وجمال خَان، وبحري خَان، وَأسد خَان الرُّومِي، وبهادر خَان الكيلاني كور، وموثي خَان وَغَيرهم.
وَالِدَة برهَان نظام شاه ابْنة أحد أكَابِر استرآباد توفيت فِي (جنير) ودفنت هُنَاكَ، أما قبَّة غَالب خَان الشَّهِيد تقع على مَسَافَة رميتي سهم من مَقْبرَة قدوة الواصلين وزبدة السالكين وجامع الكمالات الصورية والمعنوية حَضْرَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الجشتي من أَتبَاع ومريدي حَضْرَة شاه نظام نارنولي، الَّتِي تتصل سلسلة بيعَته بالشيخ نصير الدّين مَحْمُود مَنَارَة دلهي قدس الله تَعَالَى أسرارهم.
وَقد توفّي برهَان نظام شاه سنة 961 وَدفن تَحت الْقبَّة فِي حديقة الرَّوْضَة إِلَى جَانب أَحْمد نظام شاه بحري، وَبعد مُدَّة نقلت رفاتهما إِلَى كربلاء ودفنت على مَسَافَة درع وَاحِدَة من الْقبَّة الْخَاص بآل الْعَبَّاس. وَكَانَ عمر برهَان نظام شاه 54 سنة حكم مِنْهَا 47 سنة. خَلفه على سَرِير الْملك وَلَده حُسَيْن نظام الْملك وَكَانَ شجاعا وكريما وحاتميا وَقَامَ بأعمال جلة وفتوحات عديدة. وَكَانَ فِي زَمَانه (رامراج) وَكَانَ لَدَيْهِ فرقة من الفرسان وتسع فرق من المشاة ويسيطر على (بيجانكر) ويتسلط على من فِيهَا وتحالف مَعَ الْكَفَرَة السامريين فِي قَصَبَة (بهنكار) وَفِي أحد الْأَيَّام فِي السُّوق وأثناء الازدحام أَخذ يتداخل بَين النَّاس ويستعطيهم، وَلما كَانَ (راجه ساهو) فِي يَد (عالمكير بادشاه) فقد نجاه من قَيده مُحَمَّد أعظم شاه ابْن عالمكير بادشاه بِالْقربِ من منْطقَة (فردابور) بِنَاء على توصية ذُو الفقار خَان ابْن وَزِير الممالك اسد خَان، وعندما رَجَعَ إِلَى الْقَوْم الْكَفَرَة اجْتَمعُوا حوله فوصل إِلَى (أَحْمد نكر) وأغار على قَصَبَة (بهنكار) وأحرق الْبيُوت، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء وَقعت على رَأسه صَاعِقَة حارقة فَاحْتَرَقَ.
أما حُسَيْن نظام الْملك فقد بنى مَسْجِدا عَظِيما سَمَّاهُ الْمَسْجِد الْجَامِع دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) فِي مَكَان مدرسة شاه طَاهِر الْمَوْقُوفَة لسَائِر الْعلمَاء وَقد حكم حُسَيْن نظام الْملك مُدَّة 13 سنة وَمَات، فخلفه وبحكم الْوَصِيَّة وَلَده مرتضى نظام الْملك بن حُسَيْن نظم الْملك وَبعد عدَّة أَيَّام أَصَابَهُ مس فِي دماغه فانزوى فِي (رَوْضَة الْجنَّة - بَاغ بهشت) فَعمد ميرزا خَان السبزواري إِلَى ربطه فِي حمام رَوْضَة الْجنَّة حَتَّى مَاتَ من حرارة الْحمام، استمرت حكومته مُدَّة سِتَّة سنوات وعدة أشهر، وَيُقَال إِن أفضل شَيْء فعله فِي حكمه هُوَ مَوته. وَفِي عَهده تولى الْخطْبَة الملا ملك القمي وَكَانَ إِلَى جَانب ذَلِك شَاعِرًا عالي الدرجَة، وَفِي عَهده كَذَلِك وصلت الخطابة إِلَى أقْصَى الدَّرَجَات فِي (أَحْمد نكر) وَكَانَ لنسق الملا ظهوري فِي النّظم والنثر طرز خَاص وَألف (ساقي نامه) (رِسَالَة الساقي) على اسْم النامي برهَان نظام شاه وَكَانَ لَهَا صفاء وطلاوة وحلاوة خَاصَّة بهَا تنم عَن ذائقة رفيعة، وعندما رأى الملا ملك القمي هَذَا التمايز وَهَذِه القابلية والكمال من الملا ظهوري زوجه ابْنَته لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَبعد سنة من وَفَاة الملا ملك القمي، انْتقل الملا ظهوري إِلَى رَحْمَة الله وَالدَّار الْبَاقِيَة فَأشْعلَ نَار فِي قُلُوب الخطباء. وعندما مَاتَ أفلاطون قَالَ هَذِه الْكَلِمَات (من الحيف أَن يَمُوت الْعلمَاءأُصِيب فِيهَا بِسَهْم الْهَلَاك وَمَات، فَأَرَادَ بعض الْأُمَرَاء تنصيب (أَحْمد) ابْن (خوابنده بكلاني) وَبَعْضهمْ أَرَادَ تنصيب (موتِي شاه) ابْن (قَاسم شاه بن برهَان نظام شاه) مِمَّا أصَاب مملكة (أَحْمد نكر) بالفتور الْعَظِيم فتحول الْأَمر وعصمة المآب وعفت الإياب إِلَى (ملكة زماني جاند بِي بِي) ابْنة حُسَيْن نظام شاه بن برهَان نظام شاه بن أَحْمد نظام شاه بن أشرف همايون نظام الْملك بحري الَّتِي فاقت أقرانها من الشجعان والمقدامين فِي قدرتها واستيعابها للمراحل الْمَاضِيَة من تواريخ السلاطين، وأصبحت سيدة على (أَحْمد نكر) واستعملت الْأُمَرَاء الأجلاء مثل عنبر جنكيز خاني الْمَعْرُوف بعدله وأمانته وتدينه وَقدرته على تَدْبِير أُمُور المملكة فَكَانَ بِلَا نَظِير وشبيه وَكَذَلِكَ استعانت ب (اعْتِمَاد خَان الثَّانِي) وَغَيره من الْأُمَرَاء. وَمَعَ تحين أول فرْصَة أصبح عنبر غُلَام جنكيز خَان وَكيلا للسلطنة وَتسَمى بِالْملكِ عنبر وَبسط سلطته مُعْلنا بَدْء دولة الْملك عنبر وَجلسَ على كرْسِي الحكم وَقد قَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك:
(لم يكن للرسول غير بِلَال ذَاك ... )
(وَبعد ألف سنة جَاءَ ملك عنبر ... )
وَلما مَاتَ الْملك عنبر دفن فِي رَوْضَة (خلد آباد) بِالْقربِ من (دولت آباد) بِالْقربِ من قبَّة قدوة الواصلين وزبدة العارفين السَّيِّد يُوسُف بن السَّيِّد عَليّ بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الدهلوي الدولت آبادي الْمَشْهُور ب (سدراجا) وَالْمَعْرُوف فِي هَذَا الْوَقْت ب (شاه راجو قتال) ، وَالِد الْمَاجِد حَضْرَة السَّيِّد مُحَمَّد كيسو دراز قدس الله تَعَالَى أسرارهم وَبني فَوق قَبره قبَّة عَظِيمَة الشَّأْن.
وعندما وصلت أَخْبَار الإفراط والتفريط بسلطنة (أَحْمد نكر) إِلَى أكبر شاه، جرد الْأَمِير الشاه مُرَاد عسكرا جرارا يرافقه الْأُمَرَاء المعروفين قَاصِدا السيطرة على (أَحْمد نكر) ، وعندما علمت (جاند بِي بِي) بِهَذَا الْخَبَر سارعت إِلَى تنصيب بهادر نظام شاه ابْن إِبْرَاهِيم نظام شاه بن برهَان نظام شاه على عرش (أَحْمد نكر) وتفرغت للاستعداد إِلَى الْحَرْب والقتال وإدارة الدولة، وَبعد عدَّة أشهر حاصر شاه مُرَاد قلعة (أَحْمد نكر) وَهزمَ فَعَاد إِلَى دلهي فَتوفي فِي أثْنَاء عودته، فَأَرَادَ الْأَمِير دانيال معاودة فتح (أَحْمد نكر) والسيطرة على ملك (الدكن) فَاسْتَأْذن لذَلِك الْخَانَات وكل من ميرزا شاه رخ وميرزا يُوسُف خَان، فحاصر الشاه دانيال (أَحْمد نكر) لمُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَفتحهَا فِي النِّهَايَة بِوَاسِطَة حِيلَة مُحرمَة سنة (1008) وَقبض على بهادر نظام الْملك، أما (جاند بِي بِي) الَّتِي كَانَت رائعة الْجمال بحسنها وشديدة العفاف فخافت أَن تقع فِي يَد عَسَاكِر دلهي الَّتِي سَمِعت عَنْهُم أَنهم سَوف يهتكون سترهَا، فرمت بِنَفسِهَا فِي حَوْض من (مَاء النَّار) فتحولت فِي طرفَة عين إِلَى أثر بعد عين فَكَانَ مَوتهَا سترا لَهَا من يَد الْعَسْكَر والمحارم عَنْهَا. و (جاند بِي بِي) هَذِه كَانَت مخطوبة لأحد أَبنَاء سلاطين (بيجابور) وَكَانَ والدها قد أرسلها بوفير التَّجْهِيز وَركب عَظِيم إِلَى زَوجهَا فِي (بيجابور) فَكَانَ برفقة الْأُمَرَاء وَأَصْحَاب السلطة فِي استقبالها، وَلكنهَا وَفِي لَيْلَة الزفاف رَأَتْ من زَوجهَا مَا كدرها، وَأَنه لَا يَلِيق بهَا فاعتزلته، حَتَّى آخر اللَّيْل وَفِي الصَّباح خرجت من (بيجابور) راكبة حصانها عَائِدَة إِلَى (أَحْمد نكر) . فلحقتها أَفْوَاج عديدة من (بيجابور) ولمسافة أَرْبَعِينَ فرسخا ساعين إِلَى اعادتها لكِنهمْ لم يوفقوا إِلَى ذَلِك فَعَادَت ظافرة غانمة إِلَى دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) أما اعْتِمَاد خَان الثَّانِي وبسبب من وسواس كَانَ فِي باله فَإِنَّهُ ذهب إِلَى (بجنير) وعندما حوصرت (جاند بِي بِي) من قبل الْأَمِير دانيال ارسلت لَهُ رِسَالَة تعهد مختومة بخاتمها الْخَاص ونقشت عَلَيْهَا كف يَدهَا المضمخة بالزعفران والصندل ورسالة التعهد هَذِه مَوْجُود لَدَى أَوْلَاد اعْتِمَاد خَان، وبرأي الْكَاتِب فَإِن أَصَابِع تِلْكَ الْيَد العفيفة طَوِيلَة وضعيفة وراحة يَدهَا صَغِيرَة وَكَانَت تلبس خَاتمًا فِي خنصرها، وَقد تملك كل من كَانَ حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَشَاهد هَذَا التعهد وَنقش الْيَد عَلَيْهِ وانتبه إِلَى البلاغة والفصاحة والعبارة الَّتِي يتحلى بهَا هَذَا التعهد ومعانيه المتنوعة والمتينة تغلب عَلَيْهِ الْحَسْرَة ويسيل الدمع أسفا عَلَيْهَا وَيضْرب أَخْمَاسًا بأسداس.
إِن بَلْدَة (أَحْمد نكر) وَحَتَّى كِتَابَة هَذِه السطور قد تعرضت ثَلَاثَة مَرَّات للغارات:
الْمرة الأولى: عِنْدَمَا هاجمها الْكَافِر الشقي (رامراج) حَاكم (بيجانكرد) فِي عهد حُسَيْن نظام شاه بأفواجه الجرارة من الفرسان والمشاة الكثر واحتل (أَحْمد نكر) وذبحوا الْخَنَازِير فِي مَسْجِد (لنكرد) الْأَئِمَّة الاثنا عشر عَلَيْهِم وعَلى جدهم الأمجد الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَقِي فِي الْمَدِينَة مُدَّة تِسْعَة أشهر محاصرا قلعتها غير أَنه انهزم فِي النِّهَايَة وهرب مهزوما خائبا وخاسرا.
الْمرة الثَّانِيَة: حِين استغل (بابونا) ابْن الْملك عنبر جنكيز خَان اضْطِرَاب العلاقة بَين السلطة النظامية والأمراء فَأَغَارَ على (أَحْمد نكر) واحرق عمارات الْأُمَرَاء المبنية من الْخشب، وَكَذَلِكَ الْبيُوت الْوَاقِعَة فِي أَعلَى بوابة (كلان) فِي محلّة شاه طَاهِر وَأبقى على أبنية أهل الْحَرْف والغرباء وَالَّذين عاونوه.
الْمرة الثَّالِثَة: كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة فِي عهد مُحَمَّد فرخ سير حَاكم (دلهي) فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي زمن أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان الْمُتَوَلِي على (الدكن) وَكَانَ يتَوَلَّى امرة القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان (كهندو دبهارية) من طرف عَسَاكِر (غنيم) الْبَالِغَة أَرْبَعِينَ ألف خيال وراجل الَّذين انحدروا إِلَيْهَا من نَاحيَة (كنجاله) و (نيبه دهيره) وحاصروها (أَي أَحْمد نَكِير) ، وَلم يسْتَطع مُحَمَّد إِبْرَاهِيم مُتَوَلِّي القلعة من قبل آمرها الصمود بِوَجْهِهِ هَؤُلَاءِ لقلَّة الْعدَد الَّذِي كَانَ مَعَه فَخرج من القلعة فَارًّا مِنْهَا قبل سُقُوطهَا بساعات فَدَخلَهَا المغيرون وَعمِلُوا بالنهب وَالسَّلب طوال اللَّيْل وَبَعض النَّهَار التَّالِي واحرقوا كثيرا من الْأَبْنِيَة والدكاكين، وَلما سمع المغيرون أَن سيف الدّين عَليّ خَان شَقِيق أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان قد وصل إِلَى مشارف (كنجاله) وَمَعَهُ خَمْسُونَ ألف فَارس قَاصِدا النّيل من (غنيم) عَمدُوا إِلَى الْفِرَار. حينها لم يسْتَطع أَكثر السَّادة والفقراء الْوُصُول إِلَى القلعة فلجأوا بأهلهم وعيالهم إِلَى (تاراجى) وَالْكَاتِب حينها لم يكن قد بلغ سنّ الْبلُوغ بعد فَذهب مَعَ وَالِده الْمَاجِد المرحوم بعد صَلَاة الظّهْر إِلَى القلعة وَقَالَ للشَّيْخ فتح مُحَمَّد الملا من قَصَبَة (جيور) وَكَانَ من الْفُقَهَاء القدماء لَدَى وَالِده طَالبا مِنْهُ أَن يُوصل الْأَشْيَاء المهمة والمستورات إِلَى القلعة وَكَذَلِكَ إِيصَال مَا تحويه المكتبات من كتب الَّتِي كَانَ يعدها هَذَا الشَّيْخ أهم من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْجَامِع. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أَمر بتحميل جَمِيع الْكتب الَّتِي كَانَت فِي (بالكي وبهل) وأرسلها إِلَى القلعة أما مَا بَقِي من أثاث الْبَيْت والماشية فقد نهب وسرق، وَيَقُول الشَّيْخ عصمت الله ابْن الشَّيْخ تَاج مُحَمَّد أَنه قضى اللَّيْل كُله على سطح منزله الْوَاقِع فِي محلّة شاه طَاهِر دكهني خوفًا من أَن يَنَالهُ أَذَى جمَاعَة غنيم، وَأَنه شَاهد هَؤُلَاءِ المغيرين يخرجُون من منزل (شعريعت بناه) اثْنَا عشر جملا محملًا بالفرش والأواني وَغَيرهَا من الْمَتَاع وَأَن كثيرا من أرزاق وَأَسْبَاب معاش الْفُقَرَاء وَأهل الْحَرْف والشرف والغرباء ذهب نهبا وأحرقت مَنَازِلهمْ وَتَفَرَّقُوا فِي جَمِيع الأنحاء. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي كَانَت (أَحْمد نكر) تحترق فِيهَا، كَانَت النَّار ترى على مَسَافَة سِتَّة فراسخ من جَمِيع الْجِهَات، ويحضر فِي بالي أنني فِي حينها شَكَوْت إِلَى والدتي الماجدة المرحومة الْجُوع فَلم يكن لَدَيْهَا شَيْء، وَفِي منتصف الْيَوْم الثَّانِي أرسل صَاحب القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان طَعَاما، فَمَا كَانَ من وَالِدي إِلَّا أَن قسمه على التَّابِعين والأقرباء. وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاء جَاءَ الشَّيْخ عبد الْملك قريب وَالِدي بِخَبَر مفاده أَن جَمِيع دكاكين السُّوق ومنازل النَّاس، وَمَا أخرجناه من غلَّة قد احْتَرَقَ، كَمَا احْتَرَقَ منزلنا ومحلنا وديوانيتنا، وَمَا بَقِي لنا هُوَ السَّلامَة، فَشكر وَالِدي الله على هَذِه النِّعْمَة.
وَقَالَ راجي مُحَمَّد وَهُوَ شخص ورع وشريف وكهاران بالكي أَنه يجب إرْسَال بعض الْغلَّة إِلَى القلعة وتوزيعها على أَتبَاع شاه أَبُو تُرَاب وشاه قَاسم وَغَيرهم من أَبنَاء شاه طَاهِر دكهني وَكَذَلِكَ الأتباع من السَّادة الْأَشْرَاف وَأهل الْمعرفَة والحقيقة فالسيد بخش الْكرْمَانِي الخيرآبادي قدس سره الَّذِي حزت شرف خدمته وقرأت عَلَيْهِ بعض
رسائل الْمنطق وكل من يسْتَحق من الْجِيرَان فَمَا كَانَ مِنْهُم إِلَّا أَن أوصلوا ذَلِك إِلَى القلعة ووزعوه من سَاعَته على الْجَمِيع وَهَذَا مَا يشْهد لوالدي بِتِلْكَ الهمة الْعَالِيَة فِي فعل الْخَيْر وخدمة الْفُقَرَاء والسادة وَهِي صِحَة أظهر من الشَّمْس وَأبين من الأمس. فقد كَانَ يوزع الطَّعَام على الْفُقَرَاء مطبوخا ونيئا، وَقد وضع عدَّة قطع من الأَرْض فِي تصرف الْقَضَاء من جُمْلَتهَا (يكجاور وبنجاه بيكه) من الأَرْض من أجل سد حاجات الْكِبَار وَهِي بَاقِيَة حَتَّى الْآن وَقد أضفت عَلَيْهَا بعض الْأَرَاضِي وفقا على حاجات السَّادة. وَقد تلقى وَالِدي المرحوم هَذِه الْخِصَال الحميدة والعقيدة والتربية من الْعَارِف بِاللَّه الغواص فِي بحار معرفَة الله حَضْرَة الشاه عبد الْمَاجِد نبيره قدوة الواصلين وزبدة السالكين حَضْرَة الشاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله تَعَالَى أسرارهما، وَكَذَلِكَ من حَضْرَة الشاه نصير الدّين خلف الصدْق شاه عبد الْمَاجِد وَكَذَلِكَ الملا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مشاهير عُلَمَاء (أَحْمد آباد) صَاحب التصانيف أنار الله برهانهم ودرس عَلَيْهِ الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة المطولة ودرس التجويد على فريد الْعَصْر الشَّيْخ فريد رَحْمَة الله عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ الْحَوَاشِي والمعروفة عَليّ الْمولى زَاده وَكتب دراسية أُخْرَى مَشْهُورَة ومعروفة، واتصل فِي (بيران بتن) بِخِدْمَة الفاضلي العارفي الَّذِي كَانَ يجلس مُنْفَردا فِي مَسْجِد (آدينه) ونال مَعَه الْبركَة والسعادة والتوفيق، وبأمر مِنْهُ ذهب إِلَى (شاه جهان آياد) وَتَوَلَّى قَضَاء (دهولقه) من تَوَابِع (أَحْمد آباد) فَقضى فِيهَا خمس سِنِين ثمَّ استعفى من ذَلِك وَعَاد إِلَى (أَحْمد آباد) واتصل بِخِدْمَة المرشد لعدة سنوات حظي فِيهَا بالتوفيق وَلما كَانَ المرشد يُرِيد الالتحاق بِجَيْش مُحَمَّد اورنك زيب عالمكير المعسكر فِي قَرْيَة (كلكله) ، فقد عزم الْأَمر على الرحيل، وَلما صَادف مُرُور الْعَسْكَر بِجَانِب (أَحْمد نكر) وَكَانَ فِيهَا آنذاك شاه عَسْكَر قدس سره الَّذِي وصلت إِلَيْهِ شهرة الْوَاحِد فَأَرَادَ الِاتِّصَال بِهِ وَكَانَ حينها يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشرَة) ، وَبِمَا أَن المرحوم وَالِدي كَانَ قد سمع عَن كمالاته فَأحب أَن يلازمه، وَلكنه وَهُوَ فِي الطَّرِيق أَخذ يفكر فِي مَاهِيَّة مَذْهَب شاه عَسْكَر فِي حِين أَنه يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) وَهُوَ مَعْرُوف أَنه لأتباع الْمَذْهَب الإمامية، ولكنهما عِنْدَمَا التقيا وتباحثا فِي الْمسَائِل والقضايا، وَبَان الِاتِّفَاق بَينهمَا، فَقَامَ وَالِدي بتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، فَأَجَازَهُ، فالتحق وَالِدي بالعسكر وَأمره بِقَضَاء (أَحْمد نكر) ، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء زَارَهُ طَائِر الْمَوْت فَتوفي وَجعل قَبره مَا بَين (أَحْمد نكر) و (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) خَارج بوابة (شاه كنج) ، بعد ذَلِك وبسبب من ظلم مُتَوَلِّي (أَحْمد نكر) الَّذِي كَانَ يحمي الْكفَّار وَيظْلم النَّاس قرر المرحوم وَالِدي السكن فِي قلعة (أَحْمد نكر) ، فَلم يبْق أحد من أكَابِر والسادات وَجَمَاعَة الْمُسلمين إِلَّا وأتى إِلَى قلعة (أَحْمد نكر) طَالبا مِنْهُ أَن يعود للسكن فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَلكنه لم يقبل. وَفِي سنة (1130) وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس التَّاسِع عشر من شهر شَوَّال فِي الهزيع الْأَخير من اللَّيْل فَارق الدُّنْيَا إِلَى الدَّار الْآخِرَة، وَدفن فِي مَقْبرَة حَضْرَة شاه
بنكالي قدس سره الْوَاقِعَة فِي مُقَابل القلعة وَقد كَانَ عثماني النّسَب يَعْنِي أَنه من أَوْلَاد جَامع الْقُرْآن كَامِل الْحَيَاة وَالْإِيمَان حَضْرَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجده الْأَعْلَى صَاحب الْفَضَائِل والكمالات الْوَاصِل إِلَى منزلَة الْحَقَائِق والمعارف قدوة العارفين حَضْرَة مَوْلَانَا حسام الدّين قدس سره وَنور مرقده. وينتسب إِلَيْهِ عَن طَرِيق الشَّيْخ عبد الرَّسُول ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْوَارِث ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْملك ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ حسام الدّين العثماني قدس الله تَعَالَى أسرارهم ومرقده الشريف يَقع فِي (كلكشت) من نَاحيَة (كبيرنبج) الْوَاقِع على بعد سِتَّة فراسخ من (أَحْمد آباد) إِلَى الْجِهَة الغربية وَهُوَ مقصد للزائرين. والناحية الْمَذْكُورَة تعْتَبر موطن وَمَكَان ولادَة المرحوم وَالِدي وأجداده. وَقد توَلّوا فِيهَا الْقَضَاء والخطابة مُنْذُ الْقَدِيم، أما جده لأمه فَهُوَ الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فِي بحار معرفَة الله (مخدوم شيخو) قدس الله سره الْعَزِيز وَهُوَ فيض من جناب قدوة الواصلين وزبدة العارفين أستاذ الْجَمِيع حَضْرَة شاه (وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين) الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله سرهما وَنور مرقدهما. وَقد أنْشد الشَّاعِر (بزركي) قصيدة فِي شمائل هَذَا الشَّيْخ تقع فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بَيْتا تحدث فِيهَا عَن فَضَائِل وأخلاق وَعلم ودرجة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل ومكانته العلمية والأدبية والاجتماعية وموقعه الديني فِي زَمَانه.

يَأْجُوج وَمَأْجُوج

يَأْجُوج وَمَأْجُوج: اسمان عجميان بِدَلِيل منع الصّرْف كَذَا فِي المدارك. وَفِيه أَن يَأْجُوج من التّرْك وَمَأْجُوج من الْجَبَل والديلم - وَفِي شرح الْمَقَاصِد وَأما يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَقيل من أَوْلَاد يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل جمع كثير من أَوْلَاد آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَضْعَاف سَائِر بني آدم لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى ينظر إِلَى مائَة ذكر من صلبه يحملون السِّلَاح. فَمنهمْ من هُوَ فِي غَايَة الطول خَمْسُونَ ذِرَاعا وَقيل سَبْعُونَ وَقيل مائَة وَعِشْرُونَ. وَمِنْهُم من طوله وَعرضه كَذَلِك. وَمِنْهُم من هُوَ فِي غَايَة الْقصر مِقْدَار شبر كَانُوا يخرجُون أَيَّام الرّبيع إِلَى قوم صالحين بقربهم فيهلكون زُرُوعهمْ ويقتلونهم فَجعل ذُو القرنين سدا دونهم فيحفرون كل يَوْم ذَلِك السد حَتَّى إِذا كَادُوا يرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم ارْجعُوا فستحفرونه غَدا فيعيده الله تَعَالَى كَمَا كَانَ حَتَّى إِذا بلغت مدتهم حفروا حَتَّى إِذا كَادُوا يرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس - قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم ارْجعُوا فستحفرونه غَدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فيعودون وَهُوَ كَهَيْئَته فيحفرون وَيخرجُونَ مقدمهم بِالشَّام ومؤخرهم بخراسان فيشربون الْمِيَاه ويتحصن النَّاس مِنْهُم فِي حصونهم وَلَا يقدرُونَ على إتْيَان مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس فَيُرْسل الله تَعَالَى نغفا فِي أَعْنَاقهم فيهلكون جَمِيعًا فَيُرْسل طيرا تلقيهم فِي الْبَحْر فَيُرْسل مَطَرا يغسل الأَرْض. وخروجهم يكون بعد خُرُوج الدَّجَّال وَقتل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاه انْتهى. 

الْكَلَالَة

(الْكَلَالَة) أَن يَمُوت الْمَرْء وَلَيْسَ لَهُ وَالِد أَو ولد يَرِثهُ بل يَرِثهُ ذَوُو قرَابَته وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك}
الْكَلَالَة: الإعياء وَذَهَاب الْقُوَّة هَذَا فِي أصل اللُّغَة ثمَّ استعيرت لقرابة من عدا الْوَلَد وَالْوَالِد أَي لهَذِهِ الْقَرَابَة الْمقيدَة كَانَ هَذِه الْقَرَابَة كلا ضَعِيفَة بِالْقِيَاسِ إِلَى قرَابَة الْوَلَد وَالْوَالِد. وَيُطلق أَيْضا على من لَا يخلف ولدا وَلَا والدا وَأَيْضًا على من لَيْسَ بِولد وَلَا وَالِد من الْمُخلفين.
وَاعْلَم أَن أهل اللُّغَة اخْتلفُوا فِي الْكَلَالَة وَاخْتَارَ أهل الْبَصْرَة أَنه اسْم لمَيت لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد - وَاخْتَارَ اهل الْكُوفَة وَالْمَدينَة أَنه اسْم لوَرَثَة لَيْسَ فيهم ولد وَلَا وَالِد - وَالْأول أصح لتفسير النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما رُوِيَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَحبه وَسلم قَالَ الْكَلَالَة من لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد.
كل مِقْدَار وسط فِي النِّسْبَة فَهُوَ ضلع مَا يُحِيط بِهِ الطرفان: فِي الْمِقْدَار إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الحسل

(الحسل) النبق الْأَخْضَر

(الحسل) ولد الضَّب حِين يخرج من بيضته (ج) أحسال وحسول وحسلة وحسلان وَيُقَال لَا آتِيك سنّ الحسل أبدا (لِأَن سنه لَا تسْقط حَتَّى يَمُوت)

الدَّجَّال

الدَّجَّال: يَقُول أفضل الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره فِي تَرْجَمَة (الْمشكاة) . أَن الدَّجَّال مُشْتَقّ من الدجل والدجل مَعْنَاهُ الْخَلْط وَالْمَكْر وَالْخداع والتلبيس وَقد جَاءَ (دجل الْحق بِالْبَاطِلِ) أَي عِنْدَمَا يعمد شخص إِلَى خلط الْحق بِالْبَاطِلِ ويموهه، وَقد أَتَى بِمَعْنى الْكَذِب. وَجَمِيع وُجُوه هَذِه الْمعَانِي ظَاهِرَة فِي (الدَّجَّال) وَيُمكن أَن يكون لَهَا أوجه أُخْرَى قد تظهر لاحقا. لأننا أوردنا ذَلِك فِي الْقَامُوس السالف الذّكر عِنْد شرحنا للكلمة.
والمسيح اسْم مُشْتَرك بَين الدَّجَّال وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَيُقَال لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام الْمَسِيح لِأَنَّهُ مسح على الأكمة والأبرص ولمسهم فشفوا وَكَذَلِكَ لسَبَب أَنه عِنْد وِلَادَته من بطن أمه كَانَ ممسوحا أَي لم يكن عَلَيْهِ من الدَّم والخلاص مَا يكون على الْأَوْلَاد العاديين. وَالْبَعْض قَالَ إِن الْمَسِيح بِمَعْنى الصّديق أَو لِأَن بَاطِن قدمه كَانَ سويا أَو لِأَنَّهُ كَانَ يسوح فِي الأَرْض كثيرا وَهَذَا وَجه اشْتِرَاك بَينه وَبَين الدَّجَّال.
وَيُقَال للدجال مسيح بِسَبَب أَن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ممسوحة وممسوح الْوَجْه هُوَ الشَّخْص الَّذِي يكون أحد طرفِي وَجهه مَمْسُوح الْعين والحاجب أَو لِأَنَّهُ لَا خير فِيهِ وَلَا حَسَنَات كَمَا مسح عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الشَّرّ وَالسوء، لذَلِك فالدجال هُوَ مسيح الضَّلَالَة وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مسيح الْهِدَايَة.
(الدَّجَّال) السرجين
(الدَّجَّال) مَاء الذَّهَب والكذاب المموه الْمُدَّعِي
الدَّجَّال: مُبَالغَة من الدجل وَهُوَ الْكَذِب وسير تَمام الأَرْض والتكبر والتلبيس أَي كثير الْكَذِب وسير تَمام الأَرْض والتكبر والتلبيس وَهُوَ علم ابْن الصياد وَخُرُوجه من أَشْرَاط الْقِيَامَة قد ولد فِي زمن نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ أَعور الْعين الْيُمْنَى. فِي الْمشكاة عَن فَاطِمَة بنت قيس فِي حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ قَالَت قَالَ فَإِذا أَنا بِامْرَأَة تجر شعرهَا قَالَ مَا أَنْت قَالَت أَنا الْجَسَّاسَة اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الْقصر فَأَتَيْته فَإِذا رجل يجر شعره مسلسل فِي الأغلال يتَرَدَّد فِيمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقلت من أَنْت قَالَ أَنا الدَّجَّال وَأمه امْرَأَة من الْيَهُود. وَكتب الْأَحَادِيث مَمْلُوءَة بِذكر الدَّجَّال.
ثمَّ اعْلَم أَن الرِّوَايَات دَالَّة على أَن الدَّجَّال يخرج بعد ظُهُور الْمهْدي بِسبع سِنِين ويلبث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ لَيْلَة ويسير فِي الأَرْض كلهَا إِلَّا مَكَّة وَالْمَدينَة زادهما الله تَعَالَى شرفا وتعظيما فَإِن الْمَلَائِكَة يحرسونهما وَكلما هم أَن يدْخل وَاحِدًا مِنْهُمَا استقبله ملك شَارِعا سَيْفه يصده عَن الدُّخُول. وَمَعَهُ عجائب كَثِيرَة ترى فِي الظَّاهِر إِنَّهَا من الخوارق كإحياء الْمَوْتَى وتقليل الْكثير وتكثير الْقَلِيل وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي مَحَله.
وَبِالْجُمْلَةِ إِذا انْتهى إِلَى بَيت الْمُقَدّس حاصره. وَالْمهْدِي وأعوانه يغلقون الْأَبْوَاب ويضيق الْوَقْت على الْمُسلمين حَتَّى يَأْكُلُوا أوتار قسيهم وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يصلوا قيَاما إِلَّا الْمهْدي فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَائِما فَينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة حِين تُقَام الصَّلَاة فَإِذا فرغ مِنْهَا يَقُول افتحوا الْبَاب فَيفتح لَهُ فَيخرج هُوَ وَالْمهْدِي والمسلمون مَعَه فَإِذا رَآهُ عَدو الله هرب وذاب كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء حَتَّى لَو لم يقْتله لهلك وَلَكِن كَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا. فَإِذا قَتله يملك الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة إِمَامًا عادلا مستنا بِسنة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحاكما على مِلَّته وتابعا لشريعته لَا يَمُوت فِي هَذِه السنين أحد وَلَا يمرض والحيات والعقارب وَالسِّبَاع لَا تؤذي أحدا ويبذر الرجل الْمَدّ بِلَا حرث فَيحصل مِنْهُ سبع مائَة مد ثمَّ إِذا مَاتَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يسْتَخْلف بأَمْره رجل من بني تَمِيم يُقَال لَهُ المقعد وَالنَّاس فِي عصره كَذَلِك فَإِذا مَاتَ لم يَأْتِ على النَّاس ثَلَاث سِنِين حَتَّى يرفع الْقُرْآن من الصُّدُور والمصاحف وَيكسر سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج. وَفِي بعض الرسائل أَن أول أَشْرَاط السَّاعَة ظُهُور الْمهْدي ثمَّ خُرُوج الدَّجَّال ثمَّ نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَتله الدَّجَّال ثمَّ رفع الْقُرْآن وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج ثمَّ خُرُوج دَابَّة الأَرْض ثمَّ طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا.
(بَاب الدَّال مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة)

الْحِفْظ

الْحِفْظ: ضبط الصُّور المدركة. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِابْنِ عَبَّاس أَلا أهديك بهدية علمنيها جِبْرَائِيل فِي الْحِفْظ قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ تكْتب على الطس بالزعفران فَاتِحَة الْكتاب والمعوذتين وَقل هُوَ الله أحد وَسورَة الْحَشْر والواقعة وتبارك الْملك كلهَا إِلَى آخرهَا ثمَّ تصب عَلَيْهِ مَاء زَمْزَم أَو مَاء السَّمَاء أَو مَاء نظيفا ثمَّ تشربه على الرِّيق وَذَلِكَ عِنْد السحر مَعَ ثَلَاثَة مَثَاقِيل لبان وَعشرَة مَثَاقِيل سكر ثمَّ تصلي بعد الشّرْب رَكْعَتَيْنِ تقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب وَخمسين مرّة قل هُوَ الله أحد ثمَّ تصبح صَائِما لَا يَأْتِي عَلَيْك أَرْبَعُونَ يَوْمًا إِلَّا وَتصير حَافِظًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَهَذَا لمن دون سِتِّينَ سنة. قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ جربنَا فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا فرحت بِشَيْء بعد الْإِسْلَام مَا فرحت بِهَذَا. قَالَ عِصَام وكتبت لنَفْسي وشربته وَكنت يَوْمئِذٍ ابْن خمس وَخمسين سنة فَلم يَأْتِ عَليّ شهر إِلَّا وَقد رَأَيْت فِي نَفسِي زِيَادَة مَا لَا أقدر أَن أصفه. قَالَ عِصَام وَكَانَ الزُّهْرِيّ يكْتب ويسقي أَوْلَاده وَقَالَ جربناه فوجدناه نَافِعًا لمن دون سِتِّينَ سنة. قَالَ الشّعبِيّ أَنا حفظت ألفا وَسبع مائَة دُعَاء للْحِفْظ لم أنتفع مَا انتفعت من هَذَا.
وَالْمَنْقُول من بعض الْمَشَايِخ أَن من أَرَادَ أَن لَا ينسى مَا يسمع وَيفتح لَهُ بَاب الْحِفْظ فَليصل رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة {ففهمناها سُلَيْمَان} الْآيَة وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْكَوْثَر وَيَدْعُو بعد السَّلَام اللَّهُمَّ افْتَحْ علينا حكمتك وانشر علينا رحمتك وَأنزل علينا بركاتك وَلَا تنسنا ذكرك وصل على خير خلقك مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ
فِي الصراح (لبان) (كندر) . وَفِي الْقَامُوس (الرِّيق) بِالْكَسْرِ مَاء الْفَم و (الريقان) بِالْكَسْرِ ذُو الرِّيق الْخَالِص وكل مَا أكل أَو شرب على الرِّيق. فَمَعْنَى ثمَّ تشربه على الرِّيق أَن لَا تتَنَاوَل شَيْئا سوى الرِّيق الَّذِي هُوَ فِي فمك. وَحَاصِله من غير سبق أكل وَشرب. وَقَالَ الْأَطِبَّاء كَثْرَة شرب المَاء على الرِّيق توهن الْبدن. وعجبا لمن يدْخل الْحمام على الرِّيق ثمَّ يُؤَخر الْأكل بعد أَن يخرج كَيفَ لَا يَمُوت.
(بَاب الْحَاء مَعَ الْقَاف)

الْإِبْدَال

الْإِبْدَال: بِالْكَسْرِ (بدل كردن جيزي بجيزي) وَفِي اصْطِلَاح الصّرْف وضع حرف مَكَان حرف آخر سَوَاء كَانَا حرفي عِلّة أَو لَا للتَّخْفِيف. وبالفتح جمع الْبَدَل. وَأَيْضًا رجال سَبْعَة من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مأمورون بِأُمُور الْخَلَائق من جنابه تَعَالَى وَيعلم من الفواتح أَنهم لَيْسُوا أقطابا وأوتادا وَإِنَّمَا سموا بِهَذَا الِاسْم لِأَن وَاحِدًا مِنْهُم إِذا يَمُوت يقوم بدله وَاحِد من الْأَرْبَعين وَلِأَنَّهُم إِذا انتقلوا من مقَام يقدرُونَ أَن يضعوا أَجْسَادهم فِي ذَلِك الْمقَام. قَالَ بعض الأبدال مَرَرْت بِبِلَاد الْمغرب على طَبِيب والمرضى بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يصف لَهُم علاجهم فتقدمت إِلَيْهِ وَقلت عالج مرضِي يَرْحَمك الله فَتَأمل فِي وَجْهي سَاعَة ثمَّ قَالَ خُذ عروق الْفقر وورق الْبَصَر مَعَ إهليلج التَّوَاضُع واجمع الْكل فِي إِنَاء الْيَقِين وصب عَلَيْهِ مَاء الخشية وأوقد تَحْتَهُ نَار الْحزن ثمَّ صفه بمصفاة المراقبة فِي جَام الرِّضَا وامزجه بشراب التَّوَكُّل وتناوله بكف الصدْق واشربه بكأس الاسْتِغْفَار وتمضمض بعده بِمَاء الْوَرع واحتم عَن الْحِرْص والطمع فَإِن الله سُبْحَانَهُ يشفيك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي الفواتح (جون كسى راحاجتي باشد بايدكه رو بجانبي كندكه ايشان در ان جَانب اندو بكويد) السَّلَام عَلَيْكُم يَا رجال الْغَيْب يَا أَرْوَاح المقدسة أغيثوني بغوثة. انظروني بنظرة. أعينوني بِقُوَّة. (بس بسوى مقصد خود مُتَوَجّه شود وبمقابل ايشان نردد ومقرر است كه ايشان در هر روز از روز هلى ماه بجانبي باشند بدين تَفْصِيل) .

النار

النار: جوهر لطيف يفرط لشدة لطافته في ذاته المتجمد بالحر المفرط وفي تجميد المتميع بالبرد المفرط، ذكره الحرالي. وقال غيره: جسم لطيف مضيء حار من شأنه الإحراق بالطبع عن الوسط مستقر تحت فلك القمر.
النار
أما جهنم فقد أعدت لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (النبأ 22، 23). ويقال لهم وقد كبكبوا فيها: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (الطور 14، 15). وقد أجاد القرآن في تصويرها تصويرا يبعث الرهبة فى النفوس والهلع في القلوب، والخوف من أن يكون المصير إليها، فتلجأ إلى العمل تتقى به لظاها، وتتخذه ستارا بينه وبين لفحها، وإذا كان عرض الجنة عرض السموات والأرض، وكان من السعة بحيث يشعر أهلها بالطلاقة والحرية أنى ساروا، فعلى العكس من ذلك النار فإن ساكنها لا يحس بحرية ولا طلاقة، ولكنه يحس بالضيق، وكأنى بأهل النار يرصّ بعضهم رصّا إلى جوار بعض، لا يكادون يجدون متسعا للحركة ولا الانتقال، ويزيد من ضيقهم أنهم مقيدون في السلاسل، مقرنون في الأغلال، يسحبون على وجوههم ويلقون في النار، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (الفرقان 13). إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (غافر 71، 72). وليس ذلك لضيق في النار، ولكن للتضييق
على ساكنها، أما النار فتسع أكثر من داخليها، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (ق 30).
وتلتهب نيران جهنم بوقود من الناس الطغاة والحجارة، وإن الصلة لوثقى بين أهل النّار والحجارة، فإنّ أهل النار لا يميّزهم من الحجارة، ما يمتاز به الناس من العقل والإدراك والحسّ، بل لقد ألغوا عقولهم، فلم يفهموا بها الحق والصواب، ولم يفكروا بها التفكير السليم المنتج، وألغوا أعينهم، وآذانهم، فلا يهتدون بما يرون ولا بما يسمعون، وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (الأعراف 179). أو ليس الغافل أشبه شىء بالجماد، وبم يصير الإنسان إنسانا بغير عقله وإدراكه. ومن حطب جهنم كذلك جند إبليس الذين كانوا يغوون الناس ويضلونهم، فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (الشعراء 94 - 95).
كما يقذف في النار أولئك الآلهة التى كانوا يعبدون من دون الله، وهنا يوجه القرآن أنظارهم إلى أن ما يعبدونه لو كان يستحق أن يكون إلها ما صح أن يلقى فى نهار جهنم خالدا فيها، إذ يقول: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (الأنبياء 98، 99).
ويصوّر القرآن شدّة لهيب هذه النيران بضخامة ما يتطاير منها من الشرر، فهو ليس بذرات صغيرة كهذه الذّرّات التى تتصاعد من نار هذه الحياة الدنيا، ولكنه شرر كجذوع الشجر الضخم، أو الجمال الصفر، إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33). فليترك المجال للخيال، يتصوّر هذه النيران تلقى مثل هذا الشرر.
هذه النيران الملتهبة يسمع لظاها من مدى بعيد، فكأنما تبدى غيظها مما اقترفه هؤلاء الجناة، واستمع إليه يصوّر ذلك في قوله: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (الملك 6 - 8). أو لا تحس في هذا التصوير بقوة غضب النيران يملؤها، حتى لتكاد تضيق به وتنفجر، وفي هذه النيران ذات اللظى، يتنفسون لهبها لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (هود 106). وليصوّر خيالك هذا اللهب يتنفسون منه ويزفرون، ليصوّر خيالك هذه النيران تحيط بالعصاة من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت 54، 55). فهى مهادهم، ومنها غطاؤهم، وليصوّر الخيال هذه الوجوه تتقلّب في النيران، والرءوس تنزع منها شواها، وهذه الأجسام تتخذ ثيابها من النار، فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ (الحج 19). وهذه الجلود كلما احترقت وصهرت، استبدلت بجلود أخرى، ليبدأ عذابهم من جديد، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ (النساء 56). وهكذا لا يجدون في وسط هذه النيران ظلا يحسون عنده ببرد الراحة، اللهم إلا ظلّ دخان قد تفرق وانتشر شعبا، فصار ظلا لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (المرسلات 31). وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (الواقعة 41 - 44). ويظلون في هذا العذاب خالدين، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (الزخرف 75). وعليهم حرس مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (التحريم 6).
وأمّا طعامهم فمن شجرة الزقوم، وهى شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (الصافات 64 - 66).
وهى طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (الدخان 44 - 46).
وجعل الله طعامهم في موضع آخر مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (الغاشية 6، 7). فإذا أرادوا الشراب سقوا من عين آنية ، وشربوا حميما ، وغساقا ، وإن ما يتصاعد منه من حرارة يشوى الوجوه شيّا، إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (الكهف 29). وهم يملئون بطونهم من هذا الطعام، ويقبلون على شرابهم في شراهة كشراهة الهيم، فيقطع أمعاءهم، ولا يكتفى الأمر بأن يشربوا من هذا الحميم، ولكنه يصبّ من فوق رءوسهم، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (الحج 20).
لا عجب إذا إن حاول هؤلاء النزلاء أن يفروا من جهنم، ولكن أنى لهم الفرار، وقد أعدت وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (الحج 21، 22). أو إن تمنوا أن لو كانوا ترابا، أو دعوا الله أن ينالهم بالهلاك المبيد، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (الفرقان 14)، يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (المعارج 11 - 14). أرأيت كيف يشتد العذاب بأصحاب النار، حتى يتمنى أحدهم أن يفدى نفسه بابنه، الذى يتمنى المرء أن يفديه بنفسه، بل يتمنى أن لو هلك الناس جميعا، ونجا وحده.
فى هذا اللهب المشتعل الذى لا يموت من فيه موتة تريحه، ولا يحيا حياة يرضاها- يلعن أهل النار بعضهم بعضا، فإذا حوتهم جهنم جميعا قال الرعاع عن سادتهم: رَبَّنا هؤُلاءِ
أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ
(الأعراف 38). فيجيبهم الله بأن لكل منهم ضعفا، ويقول السادة للرّعاع: أنتم مثلنا في العذاب، ولن يخفف عنكم فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (الأعراف 39). وينادى على السيد منهم، فيقال لمعذبيه: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (الدخان 47 - 49). ويشتد الخصام بينهم وبين ما كانوا يعبدون من دون الله، ويدركون مقدار ما كانوا عليه من الخطأ والضلال قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (الشعراء 96 - 101). ويندمون على عصيان الله ورسوله، ويتمنون أن لو كانوا قد أطاعوهما، وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (الأحزاب 67، 68). وحينا يتجه هؤلاء الضعاف إلى رؤسائهم فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (غافر 47، 48). ويتجه هؤلاء العصاة إلى الله، ويصور القرآن ذلك في قوله، يوجه إليهم الأسئلة فيجيبون: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (المؤمنون 105 - 115). وحينا يصطرخون فيها قائلين: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (فاطر 37).
فيسألون: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (فاطر 37). وفي النار لا يسعهم إلا اعترافهم بذنوبهم فها هم أولاء الخزنة يسألونهم، كلما أقبل فوج منهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (الملك 8 - 11). وحينا يجيبون إجابة من يريد أن يموه، طمعا في النجاة حيث لا مطمع، فإذا قيل لهم:
أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً (غافر 73، 74). وحينا يصمتون وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (الشعراء 92، 93).
ويتجه أصحاب النار حينا إلى خازنها، ويتضرعون أن يقضى ربهم عليهم، فتكون الإجابة قاضية على آمالهم، بأنهم مخلدون لا يفترّ عنهم العذاب، وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (الزخرف 77، 78)، وحينا وقد أضناهم العذاب يتوسلون لخزنة جهنم أن ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر 49، 50). وحينا يتساءلون عن رجال مضوا إلى الجنة مع أنهم كانوا يعدونهم من الأشرار، فإذا اتجهت أبصارهم تلقاء أصحاب الجنة نادوا أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (الأعراف 50، 51).
وأكبر ما يتمنون يومئذ أن يكون لهم شفعاء، فيشفعوا لهم، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (الأعراف 53).
ذلك وصف حافل للعذاب الجسمى في جهنم، أما العذاب الروحى فشعور هؤلاء المجرمين بأنهم محجوبون عن رضوان الله الذى خلقهم، وأنعم عليهم بما قل من النعم أو كثر،
ثم قابلوا نعمه بالجحود والنكران، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ (البقرة 174). كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (المطففين 15). وفي كفران النعمة شقاء نفسى، يتعذب له الضمير، ويشقى من أجله الوجدان.

المصر

المصر: كل بلد ممصور أي محدود. والماصر: الحاجز بين الماءين. والمصر في عرف الحنفية: ما لا يسع أكبر مساجده أهله. وقال الحرالي: مصر أرض جامعة كليتها وجملة إقليمها نازل منزلة الأرض كلها فلها إحاطة بوجه ماء، فلذلك أعظم شأنها في القرآن، وشان العالي فيها من الفراعنة.
المصر:
فيجيء في قولهم: مصّرت مدينة كذا في زمن كذا، وفي قولهم مدينة كذا مصر من الأمصار. والمصر في الأصل: الحدّ بين الشيئين، وأهل هجر يكتبون في شروطهم: اشترى
فلان من فلان هذه الدار بمصورها أي بحدودها. قال عديّ بن زيد:
وجاعل الشّمس مصرا، لا خفاء لها، ... بين النهار وبين الليل، قد فصلا
المصر:
[في الانكليزية] Country ،land
[ في الفرنسية] pays ،contree
بالكسر وسكون الصاد في اللغة الحدّ والبلد المحدود. وعند الفقهاء هو موضع لا يسع أكبر مساجده المبنية لصلاة الخمس أهله أي أهل ذلك الموضع ممّا وجب عليه الجمعة، واحترز به عن أصحاب الأعذار مثل النّساء والصبيان والمسافرين، إلّا أنّهم قالوا إنّ هذا الحدّ غير صحيح عند المحقّقين، والحدّ الصحيح المعوّل عليه أنّه كلّ مدينة ينفّذ فيها الأحكام ويقام الحدود كما في جواهر الفقه.
وظاهر المذهب أنّه ما فيه جماعات الناس من أهل الحرف وجامع وأسواق ومفت وسلطان أو قاض يقيم الحدود وينفّذ الأحكام، وقريب منه ما في المضمرات. وفي المضمرات أيضا أنّه الأصح. وقيل إنّه ما يجتمع فيه مرافق الدين والدنيا. وقيل ما يتعيّش فيه كلّ صانع سنة بلا تحوّل عنه إلى أخرى. وقيل ما يكون سكانه عشرة آلاف. وقيل ما يسمّى مصرا عند التعداد كبخارى. وقيل ما لا يظهر فيه نقصان بموت ولا زيادة بولادة. وقيل ما يمكنهم دفع عدو بلا استعانة. وقيل ما يمصّره الإمام وإن صغر وقلّ أهله كما في التمرتاشي. وقيل ما يولد فيه إنسان ويموت كلّ يوم. وقيل ما لا يعد أهله إلّا بمشقة. وقيل ما يكون فيه ألف رجل مقاتل.
وقيل ما يكون فيه عشرة آلاف رجل مقاتل، كذا في البرجندي في ذكر صلاة الجمعة.

سأَت

سأَت
: ( {سَأَته) :} يَسْأَتُه، {سَأْتاً (كمَنَعَه: خَنَقَه) بشِدَّةٍ، مثل سَأَبَه، عَن أَبي زيد. وَقيل: إِذا خَنَقه حَتَّى يَقتُلَه. وَفِي رِوَايَة عَن أَبي عَمْرٍ و: حَتَّى يَمُوتَ.
(و) عَن الفَرّاءِ: (} السَّأْتَانِ، مُحَرَّكَةً جانِبَا الحُلْقومِ) حَيْثُ يَقَع فيهمَا إِصْبَعَا الخانقِ، و (الواحِدُ: سَأَتٌ) ، بالفَتْح والهمز.

جثمه

(جثمه) حَبسه حَتَّى يَمُوت وَنصب غَرضا ورماه وَفِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُجثمَة وَهِي الشَّاة ترمى بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوت

جدجد

[جدجد] فيه: فأتينا على "جدجد" متدمن، هو بالضم البئر الكثيرة الماء. أبو عبيد: إنما هو الجد وهي البئر الجيدة الموضع من الكلأ. وفيه: في "الجدجد" يموت في الوضوء، قال: لا بأس به، هو حيوان كالجراد يصوت في الليل، قيل: هو الصرصر.

كَلِمَةُ التَّوحِيدِ

كَلِمَةُ التَّوحِيدِ: هي لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمٌلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِيْ وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.