Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: يؤذن

عِمُّ

عِمُّ:
بكسر أوله، وتشديد ثانيه، ولا أراها إلا عجمية لا أصل لها في العربية: وهي قرية غنّاء ذات عيون جارية وأشجار متدانية بين حلب وأنطاكية، وكل من بها اليوم نصارى، وقد نسب إليها قديما قوم من أهل العلم والحديث، منهم: بشر بن علي العمّيّ الأنطاكي، روى عن عبد الله بن نصر الأنطاكي، روى عنه الطبراني، وأنشد ابن الأعرابي لرجل من طيّء يصف جملا:
أقسمت أشكيك من أين ومن نصب ... حتى ترى معشرا بالعمّ أزوالا
قال: والعمّ بلد بحلب، وقال ابن بطلان في رسالته التي كتبها في سنة 540 إلى ابن الصابي: وخرجنا من حلب إلى أنطاكية فبتنا في بلدة للروم تعرف بعمّ فيها عين جارية يصاد فيها السمك ويدور عليها رحى، وفيها من مشاوير الخنازير ومباح النساء والزنا والخمور أمر عظيم، وفيها أربع كنائس وجامع يؤذّن فيه سرّا.

رُصافَةُ الشام

رُصافَةُ الشام:
الرصافة في مواضع كثيرة، منها:
رصافة هشام بن عبد الملك في غربي الرقّة بينهما أربعة فراسخ على طرف البريّة، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف، كذا ذكره بعضهم، ووجدت في أخبار ملوك غسان: ثمّ ملك النعمان بن الحارث بن الأيهم وهو الذي أصلح صهاريج الرصافة وصنع صهريجها الأعظم، وهذا يؤذن بأنّها كانت قبل الإسلام بدهر ليس بالقصير، ولعلّ هشاما عمّر سورها أو بنى بها أبنية يسكنها، وقال أحمد بن يحيى: وأما رصافة الشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها وكان ينزل فيها الزيتونة، قال الأصمعي: الزّوراء رصافة هشام وفيها دير عجيب وعليها سور، وليس عندها نهر ولا عين جارية إنّما شربهم من صهاريج عندهم داخل السور، وربّما فرغت في أثناء الصيف فلأهل الثروة منهم عبيد وحمير يمضي أحدهم إلى الفرات العصر فيجيء بالماء في غداة غد لأنّه يمضي أربعة فراسخ أو ثلاثة ويرجع مثلها، وعندهم آبار طول رشاء كلّ بئر مائة وعشرون ذراعا وأكثر وهو مع ذلك ملح رديء، وهي في وسط البريّة، ولبني خفاجة عليهم خفارة يؤدّونها إليهم صاغرين، وبالجملة لولا حبّ الوطن لخربت، وفيها جماعة من أهل الثروة لأنّهم بين تاجر يسافر إلى أقطار البلاد وبين مقيم فيها يعامل العرب، وفيها سويق عدّة عشرة دكاكين، ولهم حذق في عمل الأكسية، وكلّ رجل فيها غنيّهم وفقيرهم يغزل الصوف ونساؤهم ينسجن، وهذه الرصافة عنى الفرزدق بقوله:
إلام تلفّتين وأنت تحتي، ... وخير النّاس كلّهم أمامي؟
متى تردي الرصافة تستريحي ... من الأنساع والجلب الدوامي
ولما قال الفرزدق هذين البيتين قال: كأنّي بابن المراغة وقد سمع هذين البيتين فقال:
تلفّت إنّها تحت ابن قين ... حليف الكير والفاس الكهام
متى تأت الرصافة تخز فيها، ... كخزيك في المواسم كلّ عام
وكان الأمر كذلك لم يخرم جرير حرفا ولا زاد ولا نقص لما بلغه معناه، وذكرها ابن بطلان الطبيب في رسالته إلى هلال بن المحسن فقال: وبين الرصافة والرحبة مسيرة أربعة أيّام، قال: وهذا القصر،
يعني قصر الرصافة، حصن دون دار الخلافة ببغداد مبني بالحجارة وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفصّ المذهّب أنشأه قسطنطين بن هيلانة وجدّد الرصافة وسكنها هشام بن عبد الملك وكان يفزع إليها من البقّ في شاطئ الفرات، وتحت البيعة صهريج في الأرض على مثل بناء الكنيسة معقود على أساطين الرّخام مبلّط بالمرمر مملوء من ماء المطر، وسكّان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى، معاشهم تخفير القوافل وجلب المتاع والصعاليك مع اللصوص، وهذا القصر في وسط بريّة مستوية السطح لا يردّ البصر من جوانبها إلّا الأفق، ورحلنا منها إلى حلب في أربع رحلات، وكان ابن بطلان كتب هذه الرسالة في سنة 440، وحدّث برصافة الشام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، فروى عنه من أهلها أبو منيع عبيد الله بن أبي زياد الرصافي، وكان الحجّاج من العلماء، كان أعلم الناس بخلق الفرس من رأسه إلى رجله وبالنبات، روى عنه هلال بن العلاء الرقي وغيره، وكان ثقة ثبتا حديثه في الصحيح، ومات في سنة 221، قاله ابن حباب. وقال محمد بن الوليد:
أقمت مع الزهري بالرصافة عشر سنين، وقال مدرك ابن حصين الأسدي وكان قدم الشام هو ورجل من بني عمّه يقال له ابن ماهي وطعن ابن ماهي فكبر جرحه فقال:
عليك ابن ماهي ليت عينك لم ترم ... بلادي وإن لم يرع إلّا درينها
ويا ذكرة والنفس خائفة الرّدى ... مخاطرة والعين يهمي معينها
ذكرت وأبواب الرصافة بينها ... وبيني وجعديّاتها وقرينها
وصفّين والنّهي الهنيء ولجّة ... من البحر موقوف عليها سفينها
بدائبة للحفر فيها عجاجة، ... وللموت أخرى لا يبلّ طعينها
وقال جرير:
طرقت جعادة بالرّصافة أرحلا ... من رامتين لشطّ ذاك مزارا
وإذا نزلت من البلاد بمنزل ... وقي النّحوس وأسقي الأمطارا

دِمَشْقُ الشّام

دِمَشْقُ الشّام:
بكسر أوله، وفتح ثانيه، هكذا رواه الجمهور، والكسر لغة فيه، وشين معجمة، وآخره قاف: البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة وكثرة فاكهة ونزاهة رقعة وكثرة مياه ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، وناقة دمشق، بفتح الدال وسكون الميم: سريعة، وناقة دمشقة اللحم: خفيفة، قال الزّفيان:
وصاحبي ذات هباب دمشق
قال صاحب الزيج: دمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف، وهي في الإقليم الثالث، وقال أهل السير: سمّيت دمشق بدماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السلام، فهذا قول ابن الكلبي، وقال في موضع آخر: ولد يقطان بن عامر سالف وهم السلف وهو الذي بنى قصبة دمشق، وقيل: أول من بناها بيوراسف، وقيل: بنيت دمشق على رأس ثلاثة آلاف ومائة وخمس وأربعين سنة من جملة الدهر الذي يقولون إنه سبعة آلاف سنة، وولد إبراهيم الخليل، عليه السلام، بعد بنائها بخمس سنين، وقيل:
إن الذي بنى دمشق جيرون بن سعد بن عاد بن إرم ابن سام بن نوح، عليه السلام، وسماها إرم ذات العماد، وقيل: إن هودا، عليه السلام، نزل دمشق وأسس الحائط الذي في قبلي جامعها، وقيل: إن العازر غلام إبراهيم، عليه السلام، بنى دمشق وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان يسمّى الغلام دمشق فسماها باسمه،
وكان إبراهيم، عليه السلام، قد جعله على كلّ شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك، وقال غير هؤلاء:
سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم، كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجّى الله تعالى إبراهيم من النار، وقال آخرون: سميت بدمشق بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو أخو فلسطين وأيلياء وحمص والأردنّ، وبنى كلّ واحد موضعا فسمي به، وقال أهل الثقة من أهل السير: إن آدم، عليه السلام، تكان ينزل في موضع يعرف الآن ببيت انات وحوّاء في بيت لهيا وهابيل في مقرى، وكان صاحب غنم، وقابيل في قنينة، وكان صاحب زرع، وهذه المواضع حول دمشق، وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة يوضع عليها القربان فما يقبل منه تنزل نار تحرقه وما لا يقبل بقي على حاله، فكان هابيل قد جاء بكبش سمين من غنمه فوضعه على الصخرة فنزلت النار فأحرقته، وجاء قابيل بحنطة من غلّته فوضعها على الصخرة فبقيت على حالها، فحسد قابيل أخاه وتبعه إلى الجبل المعروف بقاسيون المشرف على بقعة دمشق وأراد قتله، فلم يدر كيف يصنع فأتاه إبليس فأخذ حجرا وجعل يضرب به رأسه فلما رآه أخذ حجرا فضرب به رأس أخيه فقتله على جبل قاسيون، وأنا رأيت هناك حجرا عليه شيء كالدم يزعم أهل الشام أنه الحجر الذي قتله به، وأن ذلك الاحمرار الذي عليه أثر دم هابيل، وبين يديه مغارة تزار حسنة يقال لها مغارة الدم، لذلك رأيتها في لحف الجبل الذي يعرف بجبل قاسيون.
وقد روى بعض الأوائل أن مكان دمشق كان دارا لنوح، عليه السلام، ومنشأ خشب السفينة من جبل لبنان وأنّ ركوبه في السفينة كان من عين الجرّ من ناحية البقاع، وقد روي عن كعب الأحبار:
أن أوّل حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط دمشق وحرّان، وفي الأخبار القديمة عن شيوخ دمشق الأوائل: أن دار شدّاد بن عاد بدمشق في سوق التين يفتح بابها شأما إلى الطريق وأنه كان يزرع له الريحان والورد وغير ذلك فوق الأعمدة بين القنطرتين قنطرة دار بطّيخ وقنطرة سوق التين، وكانت يومئذ سقيفة فوق العمد، وقال أحمد بن الطيب السرخسي: بين بغداد ودمشق مائتان وثلاثون فرسخا.
وقالوا في قول الله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ 23: 50، قال: هي دمشق ذات قرار وذات رخاء من العيش وسعة ومعين كثيرة الماء، وقال قتادة في قول الله عز وجل والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس، وطور سينين: شعب حسن، وهذا البلد الأمين: مكة، وقيل: إرم ذات العماد دمشق، وقال الأصمعي: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر بلخ ونهر الأبلّة، وحشوش الدنيا ثلاثة:
الأبلّة وسيراف وعمان، وقال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق، وفي الأخبار: أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون، وعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنّ عيسى، عليه السلام، ينزل عند المنارة البيضاء من شرقي دمشق، ويقال: إنّ المواضع الشريفة بدمشق التي يستجاب فيها الدعاء مغارة الدم في جبل قاسيون،
ويقال: إنها كانت مأوى الأنبياء ومصلّاهم، والمغارة التي في جبل النّيرب يقال: إنها كانت مأوى عيسى، عليه السلام، ومسجدا إبراهيم، عليه السلام، أحدهما في الأشعريّين والآخر في برزة، ومسجد القديم عند القطيعة، ويقال: إن هنا قبر موسى، عليه السلام، ومسجد باب الشرقي الذي قال النبي، صلى الله عليه وسلّم: إن عيسى، عليه السلام، ينزل فيه، والمسجد الصغير الذي خلف جيرون يقال إنّ يحيى بن زكرياء، عليه السلام، قتل هناك، والحائط القبلي من الجامع يقال إنه بناه هود، عليه السلام، وبها من قبور الصحابة ودورهم المشهورة بهم ما ليس في غيره من البلدان، وهي معروفة إلى الآن.
قال المؤلف: ومن خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار بها وجريان الماء في قنواتها، فقلّ أن تمرّ بحائط إلّا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يشرب منه ويستقي الوارد والصادر، وما رأيت بها مسجدا ولا مدرسة ولا خانقاها إلّا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسحّ في ميضأة، والمساكن بها عزيزة لكثرة أهلها والساكنين بها وضيق بقعتها، ولها ربض دون السور محيط بأكثر البلد يكون في مقدار البلد نفسه، وهي في أرض مستوية تحيط بها من جميع جهاتها الجبال الشاهقة، وبها جبل قاسيون ليس في موضع من المواضع أكثر من العبّاد الذين فيه، وبها مغاور كثيرة وكهوف وآثار للأنبياء والصالحين لا توجد في غيرها، وبها فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعمّ الكل، وقد وصفها الشعراء فأكثروا، وأنا أذكر من ذلك نبذة يسيرة، وأما جامعها فهو الذي يضرب به المثل في حسنه، وجملة الأمر أنه لم توصف الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله، ومن المحال أن يطلب بها شيء من جليل أعراض الدنيا ودقيقها إلا وهو فيها أوجد من جميع البلاد، وفتحها المسلمون في رجب سنة 14 بعد حصار ومنازلة، وكان قد نزل على كلّ باب من أبوابها أمير من المسلمين فصدمهم خالد بن الوليد من الباب الشرقي حتى افتتحها عنوة، فأسرع أهل البلد إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة، وكان كل واحد منهم على ربع من الجيش، فسألوهم الأمان فأمنوهم وفتحوا لهم الباب، فدخل هؤلاء من ثلاثة أبواب بالأمان، ودخل خالد من الباب الشرقي بالقهر، وملكوهم وكتبوا إلى عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، بالخبر وكيف جرى الفتح، فأجراها كلها صلحا.
وأما جامعها فقد وصفه بعض أهل دمشق فقال:
هو جامع المحاسن كامل الغرائب معدود إحدى العجائب، قد زوّر بعض فرشه بالرخام وألّف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فصّ أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان لكنها لا تجنى إلا بالأبصار ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار بل باقية على طول الزمان مدركة بالعيان في كلّ أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر، وقالوا: عجائب الدنيا أربع: قنطرة سنجة ومنارة الإسكندرية وكنيسة الرّها ومسجد دمشق، وكان قد بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ذا همّة في عمارة المساجد، وكان الابتداء بعمارته في سنة 87، وقيل سنة 88، ولما أراد بناءه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنّا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم، يعني كنيسة يوحنا، ونعطيكم 30- 2 معجم البلدان دار صادر
كنيسة حيث شئتم وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن، فأبوا وجاءوا بكتاب خالد بن الوليد والعهد وقالوا:
إنّا نجد في كتبنا أنه لا يهدمها أحد إلا خنق، فقال لهم الوليد: فأنا أول من يهدمها، فقام وعليه قباء أصفر فهدم وهدم الناس ثم زاد في المسجد ما أراده واحتفل في بنائه بغاية ما أمكنه وسهل عليه إخراج الأموال وعمل له أربعة أبواب: في شرقيه باب جيرون وفي غربيه باب البريد وفي القبلة باب الزيادة وباب الناطفانيين مقابله وباب الفراديس في دبر القبلة، وذكر غيث بن علي الأرمنازي في كتاب دمشق على ما حدثني به الصاحب جمال الدين الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني، أدام الله أيامه:
أن الوليد أمر أن يستقصى في حفر أساس حيطان الجامع، فبينما هم يحفرون إذ وجدوا حائطا مبنيّا على سمت الحفر سواء فأخبروا الوليد بذلك وعرّفوه إحكام الحائط واستأذنوه في البنيان فوقه، فقال: لا أحب إلا الإحكام واليقين فيه ولست أثق بإحكام هذا الحائط حتى تحفروا في وجهه إلى أن تدركوا الماء فإن كان محكما مرضيّا فابنوا عليه وإلا استأنفوه، فحفروا في وجه الحائط فوجدوا بابا وعليه بلاطة من حجر مانع وعليها منقور كتابة، فاجتهدوا في قراءتها حتى ظفروا بمن عرّفهم أنه من خط اليونان وأن معنى تلك الكتابة ما صورته: لما كان العالم محدثا لاتصال أمارات الحدوث به وجب أن يكون له محدث لهؤلاء كما قال ذو السنين وذو اللحيين فوجدت عبادة خالق المخلوقات حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل من صلب ماله محبّ الخير على مضي سبعة آلاف وتسعمائة عام لأهل الأسطوان فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه بخير فعل والسلام، وأهل الأسطوان:
قوم من الحكماء الأول كانوا ببعلبك، حكى ذلك أحمد بن الطيب السرخسي الفيلسوف، ويقال: إن الوليد أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحملت إليه الحسبانات بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فأمر بإحراقها ولم ينظر فيها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلم نتبعه، ومن عجائبه أنه لو عاش الإنسان مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى فيه كل يوم ما لم يره في سائر الأيام من حسن صنائعه واختلافها، وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع فيه ستة آلاف دينار، وضج الناس استعظاما لما أنفق فيه وقالوا: أخذ بيوت أموال المسلمين وأنفقها فيما لا فائدة لهم فيه، قال: فخاطبهم وقال بلغني أنكم تقولون وتقولون وفي بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إذا لم تدخل لكم فيها حبة قمح، فسكت الناس، وقيل: إنه عمل في تسع سنين، وكان فيه عشرة آلاف رجل في كل يوم يقطعون الرخام، وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب، فلما فرغ أمر الوليد أن يسقّف بالرصاص فطلب من كل البلاد وبقيت قطعة منه لم يوجد لها رصاص إلا عند امرأة وأبت أن تبيعه إلا بوزنه ذهبا فقال: اشتروه منها ولو بوزنه مرتين، ففعلوا فلما قبضت الثمن قالت: إني ظننت أن صاحبكم ظالم في بنائه هذا، فلما رأيت إنصافه فأشهدكم أنه لله! وردّت الثمن، فلما بلغ ذلك إلى الوليد أمر أن يكتب على صفائح المرأة لله ولم يدخله فيما كتب عليه اسمه، وأنفق على الكرمة التي في قبلته سبعين ألف دينار، وقال موسى بن حمّاد البربري: رأيت في مسجد دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة:
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 102: 1 إلى آخرها، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 2، فسألت عن ذلك: فقيل لي إنه كانت للوليد بنت وكانت هذه الجوهرة لها فماتت فأمرت أمها أن تدفن
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشدّ شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبنيّ على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كلّ مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليّه القبّة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شيء أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيّرت منارة، ويقال في الأخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، ... فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقت طعم الماء إلّا استخفني ... إلى بردى والنّيربين حنين
وقد كان شكّي في الفراق يروعني، ... فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم، ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون
وقال الصّنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، ... فلست ترى بغير دمشق دنيا
تفيض جداول البلّور فيها ... خلال حدائق ينبتن وشيا
مكللة فواكههنّ أبهى ال ... مناظر في مناظرنا وأهيا
فمن تفاحة لم تعد خدّا، ... ومن أترجّة لم تعد ثديا
وقال البحتري:
أمّا دمشق فقد أبدت محاسنها، ... وقد وفى لك مطريها بما وعدا
إذا أردت ملأت العين من بلد ... مستحسن وزمان يشبه البلدا
يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ... ويصبح النبت في صحرائها بددا
فلست تبصر إلا واكفا خضلا، ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا
كأنما القيظ ولّى بعد جيئته، ... أو الربيع دنا من بعد ما بعدا
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النّقّار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحيّاها، ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن ... يحنّ إليها كلّ قلب ويهواها
لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ... ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها
وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضّت، وما أبقت لنا غير ذكراها
فآها على ذاك الزمان وطيبه، ... وقلّ له من بعده قولتي واها!
فيا صاحبي إمّا حملت رسالة ... إلى دار أحباب لها طاب مغناها
وقل ذلك الوجد المبرِّح ثابت، ... وحرمة أيام الصّبا ما أضعناها
فإن كانت الأيام أنست عهودنا، ... فلسنا على طول المدى نتناساها
سلام على تلك المعاهد، إنها ... محطّ صبابات النفوس ومثواها
رعى الله أياما تقضّت بقربها، ... فما كان أحلاها لديها وأمراها!
وقال آخر في ذمّ دمشق:
إذا فاخروا قالوا مياه غزيرة ... عذاب، وللظامي سلاف مورّق
سلاف ولكن السراجين مزجها، ... فشاربها منها الخرا يتنشق
وقد قال قوم جنة الجلد جلّق، ... وقد كذبوا في ذا المقال ومخرقوا
فما هي إلا بلدة جاهليّة، ... بها تكسد الخيرات والفسق ينفق
فحسبهم جيرون فخرا وزينة، ... ورأس ابن بنت المصطفى فيه علّقوا
قال: ولما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، قال: إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة قد أنفقت في غير حقها فأنا مستدرك ما استدركت منها فردت إلى بيت المال، أنزع هذا الرخام والفسيفساء وأنزع هذه السلاسل وأصيّر بدلها حبالا، فاشتدّ ذلك على أهل دمشق حتى وردت عشرة رجال من ملك الروم إلى دمشق فسألوا أن يؤذن لهم في دخول المسجد، فأذن لهم أن يدخلوا من باب البريد، فوكل بهم رجلا يعرف لغتهم ويستمع كلامهم وينهي قولهم إلى عمر من حيث لا يعلمون، فمروا في الصحن حتى استقبلوا القبلة فرفعوا رؤوسهم إلى المسجد فنكس رئيسهم رأسه واصفرّ لونه، فقالوا له في ذلك فقال: إنّا كنّا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدّة لا بدّ أن يبلغوها، فلما أخبر عمر بن عبد العزيز بذلك قال: إني أرى مسجدكم هذا غيظا على الكفار، وترك ما همّ به، وقد كان رصّع محرابه بالجواهر الثمينة وعلّق عليه قناديل الذهب والفضة.
وبدمشق من الصحابة والتابعين وأهل الخير والصلاح الذين يزارون في ميدان الحصى، وفي قبلي دمشق قبر يزعمون أنه قبر أمّ عاتكة أخت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وعنده قبر يروون أنه قبر صهيب الرومي وأخيه، والمأثور أن صهيبا بالمدينة، وأيضا بها مشهد التاريخ في قبلته قبر مسقوف بنصفين وله خبر مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن حمامة وكعب الأحبار وثلاث من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلّم، وقبر فضّة جارية فاطمة، رضي الله عنها، وأبي الدرداء وأمّ الدرداء وفضالة بن عبيد وسهل بن الحنظليّة وواثلة ابن الأسقع وأوس بن أوس الثقفي وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، رضي الله عنه، وعليّ بن عبد الله بن العباس وسلمان بن عليّ بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين وسكينة بنت الحسين، والصحيح أنها بالمدينة، ومحمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرّقّة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر
والأشهر الأعرف أنه بالرقة لأنه قتل فيما يزعمون مع عليّ بصفّين، ومن شرقي البلد قبر عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وهذه القبور هكذا يزعمون فيها، والأصحّ الأعرف الذي دلّت عليه الأخبار أن أكثر هؤلاء بالمدينة مشهورة قبورهم هناك، وكان بها من الصحابة والتابعين جماعة غير هؤلاء، قيل إن قبورهم حرثت وزرعت في أول دولة بني العباس نحو مائة سنة فدرست قبورهم فادّعى هؤلاء عوضا عما درس، وفي باب الفراديس مشهد الحسين بن عليّ، رضي الله عنهما، وبظاهر المدينة عند مشهد الخضر قبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، رضي الله عنه، وبدمشق عمود العسر في العليين يزعمون أنهم قد خرّبوه وعمود آخر عند الباب الصغير في مسجد يزار وينذر له، وبالجامع من شرقيه مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ومشهد عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومشهد الحسين وزين العابدين، وبالجامع مقصورة الصحابة وزاوية الخضر، وبالجامع رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ومصحف عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قالوا إنه خطه بيده، ويقولون إن قبر هود، عليه السلام، في الحائط القبلي، والمأثور أنه بحضرموت، وتحت قبة النسر عمودان مجزّعان زعموا أنهما من عرش بلقيس، والله أعلم، والمنارة الغربية بالجامع هي التي تعبّد فيها أبو حامد الغزّالي وابن تومرت ملك الغرب، قيل إنها كانت هيكل النار وإن ذؤابة النار تطلع منها، وسجد لها أهل حوران، والمنارة الشرقية يقال لها المنارة البيضاء التي ورد أن عيسى بن مريم، عليه السلام، ينزل عليها، وبها حجر يزعمون أنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى بن عمران، عليه السلام، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا، ويقال إن المنارة التي ينزل عندها عيسى، عليه السلام، هي التي عند كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية يقال إن فيها قبر عائشة، رضي الله عنها، والصحيح أن قبرها بالبقيع، وعلى باب الجامع المعروف بباب الزيادة قطعة رمح معلّقة يزعمون أنها من رمح خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، وبدمشق قبر العبد الصالح محمود بن زنكي ملك الشام وكذلك قبر صلاح الدين يوسف بن أيوب بالكلاسة في الجامع.
وأما المسافات بين دمشق وما يجاورها فمنها إلى بعلبكّ يومان وإلى طرابلس ثلاثة أيام وإلى بيروت ثلاثة أيام وإلى صيدا ثلاثة أيام وإلى أذرعات أربعة أيام وإلى أقصى الغوطة يوم واحد وإلى حوران والبثنيّة يومان وإلى حمص خمسة أيام وإلى حماة ستة أيام وإلى القدس ستة أيام وإلى مصر ثمانية عشر يوما وإلى غزّة ثمانية أيام وإلى عكا أربعة أيام وإلى صور أربعة أيام وإلى حلب عشرة أيام، وممن ينسب إليها من أعيان المحدّثين عبد العزيز بن أحمد ابن محمد بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الدمشقي الكناني الصوفي الحافظ، سمع الكثير وكتب الكثير ورحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق أبا القاسم صدقة بن محمد بن محمد القرشي وتمّام بن محمد وأبا محمد بن أبي نصر وأبا نصر محمد بن أحمد بن هارون الجندي وعبد الوهاب ابن عبد الله بن عمر المرّي وأبا الحسين عبد الوهاب ابن جعفر الميداني وغيرهم، ورحل إلى العراق فسمع محمد بن مخلّد وأبا عليّ بن شاذان وخلقا سواهم، ونسخ بالموصل ونصيبين ومنبج كثيرا، وجمع جموعا، وروى عنه أبو بكر الخطيب وأبو نصر الحميدي وأبو القاسم النسيب وأبو محمد الأكفاني
وأبو القاسم بن السمرقندي وغيرهم، وكان ثقة صدوقا، قال ابن الأكفاني: ولد شيخنا عبد العزيز بن الكناني في رجب سنة 389، وبدأ بسماع الحديث في سنة 407، ومات في سنة 466، وقد خرّج عنه الخطيب في عامّة مصنفاته، وهو يقول: حدثني عبد العزيز بن أبي طاهر الصوفي، وأبو زرعة عبد الرحمن ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو البصري الدمشقي الحافظ المشهور شيخ الشام في وقته، رحل وروى عن أبي نعيم وعفان ويحيى بن معين وخلق لا يحصون، وروى عنه من الأئمة أبو داود السجستاني وابنه أبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم بن أبي العقب الدمشقي وعبدان الأوزاعي ويعقوب بن سفيان الفسوي، ومات سنة 281، وينسب إليها من لا يحصى من المسلمين، وألّف لها الحافظ ابن عساكر تاريخا مشهورا في ثمانين مجلدة، وممن اشتهر بذلك فلا يعرف إلا بالدمشقي، يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الدمشقي الفقيه الشافعي، كان أبوه قرقوبيّا من أهل مراغة، وولد يوسف بدمشق وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وصحب أسعد الميهني وأعاد له بعض دروسه، ثم ولي تدريس النظامية ببغداد مدّة وبنيت له مدرسة بباب الأزج، وكان يذكر فيها الدرس، ومدرسة أخرى عند الطّيوريّين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته، وحدث بشيء يسير عن أبي البركات هبة الله بن أحمد البخاري وأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح، وعقد مجلس التذكير ببغداد، وأرسله المستنجد إلى شملة أمير الأشتر من قهستان، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في السادس والعشرين من شوال سنة 563.

الخَوَرْنَقُ

الخَوَرْنَقُ:
بفتح أوله وثانيه، وراء ساكنة، ونون مفتوحة، وآخره قاف: بلد بالمغرب، قرأت في كتاب النوادر الممتعة لأبي الفتح بن جنّي: أخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال: قال الأصمعي سألت الخليل ابن أحمد عن الخورنق فقال ينبغي أن يكون مشتقّا من الخرنق الصغير من الأرانب، قال الأصمعي:
ولم يصنع شيئا إنما هو من الخورنقاه، بضم الخاء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون والقاف، يعني موضع الأكل والشرب بالفارسية، فعرّبته العرب فقالت الخورنق ردّته إلى وزن السّفرجل، قال ابن جنّي: ولم يؤت الخليل من قبل الصنعة لأنه أجاب على أن الخورنق كلمة عربية، ولو كان عربيّا لوجب أن تكون الواو فيه زائدة كما ذكر لأن الواو لا تجيء أصلا في ذوات الخمسة على هذا الحدّ فجرى مجرى الواو كذلك، وإنما أتي من قبل السماع، ولو تحقق ما تحققه الأصمعي لما صرف الكلمة، أنّى وسيبويه إحدى حسناته؟
والخورنق أيضا: قرية على نصف فرسخ من بلخ، يقال لها خبنك، وهو فارسيّ معرب من خرنكاه، تفسيره موضع الشرب، ينسب إليها أبو الفتح محمد ابن محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي الخورنقي، وهو أخو عمر البسطامي الخورنقي، كان يسكن الخورنق فنسب إليها، سمع أباه أبا الحسن بن أبي محمد وأبا هريرة عبد الرحمن بن عبد الملك بن يحيى ابن أحمد القلانسي وأبا حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي وأبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، وكانت له إجازة من أبي علي السرخسي، كتب عنه أبو سعد، وكانت ولادته في العشر الأخير من شهر رمضان سنة 468 ببلخ، ووفاته بالخورنق في السابع عشر من رمضان سنة 551، وأما الخورنق الذي ذكرته العرب في أشعارها وضربت به الأمثال في أخبارها فليس بأحد هذين إنما هو موضع بالكوفة، قال أبو منصور: هو نهر، وأنشد:
وتجبى إليه السّيلحون ودونها ... صريفون في أنهارها والخورنق
قال: وهكذا قال ابن السكّيت في الخورنق، والذي عليه أهل الأثر والأخبار أن الخورنق قصر كان بظهر الحيرة، وقد اختلفوا في بانيه فقال الهيثم بن عدي:
الذي أمر ببناء الخورنق النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن الحارث بن عمرو بن لخم ابن عدي بن مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يعرب بن قحطان، ملك ثمانين سنة وبنى الخورنق في ستين سنة، بناه له رجل من الروم يقال له سنمّار، فكان يبني السنتين والثلاث ويغيث الخمس سنين وأكثر من ذلك وأقل، فيطلب فلا يوجد، ثم يأتي فيحتجّ، فلم يزل يفعل هذا الفعل ستين سنة حتى فرغ من بنائه، فصعد النعمان على رأسه ونظر إلى البحر تجاهه والبرّ خلفه فرأى الحوت والضبّ والضبّي والنخل فقال: ما رأيت مثل هذا البناء قط! فقال له سنمّار: إني أعلم موضع آجرّة لو زالت لسقط القصر كله، فقال النعمان: أيعرفها أحد غيرك؟ قال:
لا، قال: لا جرم لأدعنّها وما يعرفها أحد! ثم أمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطع، فضربت العرب به المثل، فقال شاعر:
جزاني، جزاه الله شرّ جزائه، ... جزاء سنمّار، وما كان ذا ذنب
سوى رمّه البنيان، ستين حجّة، ... يعلّ عليه بالقراميد والسكب
فلما رأى البنيان ثمّ سحوقه، ... وآض كمثل الطّود والشامخ الصّعب
فظنّ سنمّار به كلّ حبوة، ... وفاز لديه بالمودّة والقرب
فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه! ... فهذا، لعمر الله، من أعجب الخطب
وقد ذكرها كثير منهم وضربوا سنمّار مثلا، وكان النعمان هذا قد غزا الشام مرارا وكان من أشدّ الملوك بأسا، فبينما هو ذات يوم جالس في مجلسه في الخورنق فأشرف على النّجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب وعلى الفرات مما يلي المشرق والخورنق مقابل الفرات يدور عليه على عاقول كالخندق فأعجبه ما رأى من الحضرة والنور والأنهار فقال لوزيره: أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه؟
فقال: لا والله أيها الملك ما رأيت مثله لو كان يدوم! قال: فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في الآخرة، قال: فبم ينال ذلك؟ قال: بترك هذه الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده، فترك ملكه في ليلته ولبس المسوح وخرج مختفيا هاربا، ولا يعلم به أحد ولم يقف الناس على خبره إلى الآن، فجاؤوا بابه بالغداة على رسمهم فلم يؤذن لهم عليه كما جرت العادة، فلما أبطأ الإذن أنكروا ذلك وسألوا عن الأمر فأشكل الأمر عليهم أياما ثم ظهر تخلّيه من الملك ولحاقه بالنّسك في الجبال والفلوات، فما رؤي بعد ذلك، ويقال: إن وزيره صحبه ومضى معه، وفي ذلك يقول عدي بن زيد:
وتبيّن ربّ الخورنق، إذ ... أشرف يوما، وللهدى تفكير
سرّه ما رأى وكثرة ما يم ... لك والبحر، معرضا، والسدير
فارعوى قلبه وقال: فما غب ... طة حيّ إلى الممات يصير!
ثم بعد الفلاح والملك والإم ... مة وارتهم هناك القبور
ثم صاروا كأنهم ورق جف ... ف، فألوت به الصّبا والدّبور
وقال عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة عند غلبة خالد ابن الوليد على الحيرة في خلافة أبي بكر، رضي الله عنه:
أبعد المنذرين أرى سواما ... تروّح بالخورنق والسدير
تحاماه فوارس كلّ حيّ، ... مخافة ضيغم عالي الزّئير
فصرنا، بعد هلك أبي قبيس، ... كمثل الشاء في اليوم المطير
تقسّمنا القبائل من معدّ ... كأنّا بعض أجزاء الجزور
وقال ابن الكلبي: صاحب الخورنق والذي أمر ببنائه بهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف، وذلك أن يزدجرد كان لا يبقى له ولد وكان قد لحق ابنه بهرام جور في صغره علّة تشبه الاستسقاء فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام ليبعث بهرام إليه خوفا عليه من العلّة، فأشار عليه أطبّاؤه أن يخرجه من بلده إلى أرض العرب ويسقى أبوال الإبل وألبانها، فأنفذه إلى النعمان وأمره أن يبني له قصرا مثّله على شكل بناء الخورنق، فبناه له وأنزله إياه وعالجه حتى برأ من مرضه، ثم استأذن أباه في
المقام عند النعمان فأذن له، فلم يزل عنده نازلا قصره الخورنق حتى صار رجلا ومات أبوه فكان من أمره في طلب الملك حتى ظفر به ما هو متعارف مشهور، وقال الهيثم بن عدي: لم يقدم أحد من الولاة الكوفة إلا وأحدث في قصرها المعروف بالخورنق شيئا من الأبنية، فلما قدم الضّحّاك بن قيس بني فيه مواضع وبيّضه وتفقّده، فدخل إليه شريح القاضي فقال:
يا أبا أميّة أرأيت بناء أحسن من هذا؟ قال: نعم، السماء وما بناها! قال: ما سألتك عن السماء، أقسم لتسبّن أبا تراب، قال: لا أفعل، قال: ولم؟
قال: لأنا نعظم أحياء قريش ولا نسب موتاهم، قال: جزاك الله خيرا! وقال علي بن محمد العلوي الكوفي المعروف بالحمّاني:
سقيا لمنزلة وطيب، ... بين الخورنق والكثيب
بمدافع الجرعات من ... أكناف قصر أبي الخصيب
دار تخيّرها الملو ... ك، فهتّكت رأي اللبيب
أيام كنت، من الغواني، ... في السواد من القلوب
لو يستطعن خبأنني ... بين المخانق والجيوب
أيام كنت، وكنّ لا ... متحرّجين من الذنوب
غرّين يشتكيان ما ... يجدان بالدمع السّروب
لم يعرفا نكدا سوى ... صدّ الحبيب عن الحبيب
وقال علي بن محمد الكوفي أيضا:
كم وقفة لك بالخور ... نق ما توازى بالمواقف
بين الغدير إلى السدي ... ر إلى ديارات الأساقف
فمدارج الرهبان في ... أطمار خائفة وخائف
دمن كأن رياضها ... يكسين أعلام المطارف
وكأنما غدرانها ... فيها عشور في مصاحف
وكأنما أغصانها ... تهتزّ بالريح العواصف
طرر الوصائف يلتقين ... بها إلى طرر المصاحف
تلقى أواخرها أوا ... ئلها بألوان الرّفارف
بحريّة شتواتها، ... برّيّة منها المصائف
درّيّة الصهباء كا ... فوريّة منها المشارف

الحُولَةُ

الحُولَةُ:
بالضم ثم السكون: اسم لناحيتين بالشام، إحداهما من أعمال حمص ثم من أعمال بارين بين حمص وطرابلس، والأخرى كورة بين بانياس وصور من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة، من إحداهما كان الحارث الكذاب الذي ادعى النبوة أيام عبد الملك بن مروان، قال أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن مبارك حدثنا الوليد بن مسلمة عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب من أهل دمشق وكان مولى لابن الجلاس وكان له أب بالحولة، فعرض له إبليس، وكان رجلا متعبدا زاهدا لو لبس جبة من ذهب لرأيت عليه زهادة، قال: وكان إذا أخذ في التحميد لم يستمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه، قال:
فكتب إلى أبيه وهو بالحولة: يا أبتاه اعجل عليّ فإني رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان عرض لي، قال: فزاره أبوه غبّا وكتب إليه: يا بنيّ أقبل على ما أمرت به فإن الله تعالى يقول: عَلى من تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 26: 221- 222، ولست بأفاك ولا أثيم فامض لما أمرت به، وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن هو رأى ما يرضى قبل وإلا كتم عليه، قال: وكان يريهم الأعاجيب، كان يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبّح، وكان يطعمهم فواكه الصيف في الشتاء، وكان يقول لهم اخرجوا حتى أريكم الليلة فيخرجهم إلى دير مرّان فيريهم رجالا على خيل، فتبعه بشر كثير وفشا الأمر في المسجد وكثر أصحابه حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق إن رضي أمرا قبله وإن كره كتم عليه، فقال له: إني نبيّ، فقال له القاسم: كذبت يا عدوّ الله ما أنت نبي ولا لك عهد ولا ميثاق! فقال له أبو إدريس: ما صنعت شيئا إذ لم يبين حتى نأخذه الآن يفر، قال: وقام من مجلسه حتى دخل على عبد الملك فأعلمه بأمر حادث من الحارث، فأمر عبد الملك بطلبه فلم يقدر عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصّبيرة، قال:
واتهم عامة عسكره، يعني بالحارث، أن يكونوا يرون رأيه، وخرج الحارث حتى أتى بيت المقدس فاختفى فيه، وكان أصحابه يخرجون فيلتمسون الرجال فيدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس فأتاه رجل من أصحاب الحارث فقال له:
ههنا رجل يتكلم فهل لك أن تسمع من كلامه؟
قال: نعم، فانطلق معه حتى دخل على الحارث فأخذ في التحميد، فسمع البصريّ كلاما حسنا، قال: ثم أخبره
بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل، فقال له: إن كلامك لحسن ولكن في هذا نظر فانظر، فخرج البصري ثم عاد إليه فرد كلامه فقال: إن كلامك لحسن وقد وقع في قلبي وقد آمنت بك وهذا الدين المستقيم، قال: فأمر أن لا يحجب، قال: فأقبل البصري يتردد ويعرف مداخله ومخارجه وأين يذهب وأين يهرب حتى صار من أخص الناس به، ثم قال له:
ائذن لي، فقال: إلى أين؟ فقال: إلى البصرة أكون أول داعية لك بها، قال: فأذن له فخرج البصري مسرعا إلى عبد الملك وهو بالصّبيرة، فلما دنا من سرادقه صاح النصيحة النصيحة! فقال أهل العسكر: وما نصيحتك؟
قال: هي نصيحة لأمير المؤمنين، قال: فأمر عبد الملك أن يأذنوا له فدخل وعنده أصحابه، قال:
فصاح النصيحة النصيحة! فقال: وما نصيحتك؟
قال: اخلني لا يكن عندك أحد، قال: فأخرج من كان عنده، وكان عبد الملك قد اتهم أهل عسكره أن يكون هواهم معه، ثم قال له: ادنني، فأدناه وعبد الملك على السرير، فقال: ما عندك؟ فقال:
عندي أخبار الحارث، فلما سمع عبد الملك بذكر الحارث طرد نفسه من السرير ثم قال: أين هو؟
قال: يا أمير المؤمنين هو بالبيت المقدس وقد عرفت مداخله، وقص عليه قصته وكيف صنع به، فقال له:
أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأميرها ههنا فمرني بما شئت، فقال: ابعث معي قوما لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلا من أهل فرغانة وقال لهم:
انطلقوا مع هذا فما أمركم به من شيء فأطيعوه، قال: وكتب إلى صاحب بيت المقدس إن فلانا لأمير عليك حتى تخرج فأطعه فيما يأمرك به، فلما قدم البيت المقدس أعطاه الكتاب فقال له: مرني بما شئت، فقال له: اجمع لي إن قدرت كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس فإذا قلت أسرجوا فليسرجوا جميعا، قال: فرتبهم في أزقة بيت المقدس وفي زواياها بالشمع، فأقبل البصري وحده إلى منزل الحارث فأتى الباب وقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله، قال: في هذه الساعة ما يؤذن عليه حتى تصبح! قال: أعلمه إنما رجعت شوقا إليه قبل أن أصل، قال: فدخل عليه فأعلمه كلامه ففتح الباب ثم صاح البصري أسرجوا فأسرجت الشموع حتى كان بيت المقدس كأنه نهار، ثم قال: كل من مرّ بكم فاضبطوه، قال: ودخل هو إلى الموضع الذي يعرفه فنظره فلم يجده فقال أصحابه: هيهات تريدون أن تقتلوا نبي الله وقد رفعه الله إلى السماء! قال: فطلبه في شقّ كان هيأه سربا فأدخل البصري يده في ذلك السرب فإذا بثوبه فاجتره فأخرجه إلى خارج ثم قال للفرغانيين: اربطوه فربطوه، فبينما هم كذلك يسيرون به على البريد إذ قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟
فقال أهل فرغانة أولئك العجم: هذا كراننا فهات كرانك أنت، فسار به حتى أتى عبد الملك، فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلا فطعنه فأصاب ضلعا من أضلاعه فكاعت الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح! فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى بها إليه ثم أقبل يتجسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها فأنفذها فقتله، فقال الوليد: ولقد بلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال: لو حضرتك ما أمرتك بقتله! قال: ولم؟ قال: إنما كان به المذهب فلو جوعته لذهب عنه ذلك، والمذهب الوسوسة، ومنه المذهب وهو وسوسة الوضوء ونحوه. قال القاضي عبد الصمد بن سعيد في تاريخ حمص: كان
العرباض بن سارية السّلمي يسكن حولة حمص.

جَكَّانُ

جَكَّانُ:
بالفتح ثم التشديد: محلّة على باب مدينة هراة منها أبو الحسن عليّ بن محمد بن عيسى الهروي الجكاني، رحل إلى الشام فسمع أبا اليمان ويحيى بن صالح الوحاظي بحمص وآدم بن أبي إياس ومحمد بن أبي السري العسقلاني وزيد بن مبارك وسلّام ابن سليمان المدائني، روى عنه أحمد بن إسحاق الهروي وأبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن حميرويه السّيّاري الكرابيسي وغيرهم، قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا عبد الله بن أبي ذهل يقول سمعت أبا تراب محمد بن إسحاق الموصلي يقول:
كنا في مجلس عبد الله بن أحمد بن حنبل ببغداد فحدثنا عن أبيه عن أبي اليمان بحديث وإلى جنبي رجل هرويّ لم يكتب ذلك الحديث، فقلت له: لم لا تكتب؟ فقال: حدثنا شيخ لنا ثقة مأمون بهراة عن أبي اليمان، وهو حيّ يقال له عليّ بن محمد بن عيسى الجكاني، فكان ذلك سبب خروجي إلى خراسان، فلما دخلت هراة سألت عن منزل عليّ بن محمد الجكاني فدلوني على منزله، فبقيت أستأذن كل يوم ولا يأذن لي إلى أن قعدت يوما على بابه فأذن لجماعة من جيرانه فدخلت معهم، فكلموه فلما قاموا التفت إليّ فقال: لم دخلت داري بغير إذني؟ فقلت: قد استأذنت غير مرة فلم يؤذن لي فلما أذن للقوم دخلت معهم، قال: وكان على فراش وتحته من التراب ما الله به عليم، فقال: ولم جلست على تكرمتي بغير إذني؟ فمددت يدي وقلبتها على الفراش ونثرت من ذلك التراب عليه وقلت: هذه تكرمة، فوجد عليّ وأسمعني، فاستشفعت إليه بأبي الفضل بن أبي سعد فقال: ليس له عندي إلا طبق واحد فليجمع فيه ما شاء من حديثي، فكتب لي أبو الفضل بخط يده طبقا من حديثه على الورق الجيهاني الكبير جمع فيه كل حديث كبير، فأتيته به فقال: هه اقرأ، فكنت أقرأ عليه وهو ينقطع إلى أن قرأته فقال: قم الآن ولا أراك بعدها. ومات علي الجكاني سنة 292.

البَعوضَةُ

البَعوضَةُ:
بالفتح، بلفظ واحدة البعوض، بالضاد المعجمة: ماءة لبني أسد بنجد قريبة القعر، قال الأزهري: البعوضة ماءة معروفة بالبادية، قال ابن مقبل:
أإحدى بني عبس ذكرت، ودونها ... سنيح، ومن رمل البعوضة منكب
وبهذا الموضع كان مقتل مالك بن نويرة، لأن خالد ابن الوليد، رضي الله عنه، بعث إليهم وهم بالبطاح فأقروا فيما قيل بالإسلام، فاستدعاهم إليه وهو نازل على البعوضة فاختلفوا فيهم فمن المسلمين من شهد أنهم أذّنوا ومنهم من شهد أنهم لم يؤذّنــوا، فأمر خالد بالاحتياط، وكانت ليلة باردة فقال خالد: أدفئوا أسراكم، وادفئوا في لغة كنانة اقتلوا، فقتلوهم عن آخرهم، فنقم عمر، رضي الله عنه، على خالد في قصة طويلة، وكان فيمن قتل مالك بن نويرة اليربوعي، فقال أخوه متمم بن نويرة:
لعمري! وما عمري بتأبين هالك ... ولا جزع، والدهر يعثر بالفتى
لئن مالك خلّى عليّ مكانه، ... فلي أسوة إن كان ينفعني الأسى
كهول ومرد من بني عمّ مالك، ... وأيفاع صدق قد تملّيتهم رضى
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي، ... لك الويل! حرّ الوجه أو يبك من بكى
على بشر منهم أسود وذادة، ... إذا ارتدف الشر الحوادث والرّدى
رجال أراهم من ملوك وسوقة، ... جنوا بعد ما نالوا السلامة والغنى

بَرْوَجُ

بَرْوَجُ:
بفتح الواو، وجيم، ويقال بروص، بالصاد المهملة: من أشهر مدن الهند البحرية وأكبرها وأطيبها، يجلب منها النيل واللّكّ، نسب إليها السلفيّ أبا محمد هارون بن محمد بن المهلّب البروجي الهندي، لقيه بالاسكندرية، قال: وكان شيخا صالحا لا يتمكن من تعبير ما في قلبه لا بالعربية ولا بالفارسية إلا بعد جهد جهيد، وكان يؤذّن في مسجد من مساجد الاسكندرية، وكان قد حجّ.

أطرقا

أَطْرِقا:
بكسر الراء، وقاف، وألف، بلفظ الأمر للاثنين، ومن اطرق يطرق، قال الهذلي:
على أطرقا باليات الخيا ... م، إلا الثّمام وإلّا العصيّ
وللنحويين كلام لهم فيه صناعة، قال أبو الفتح:
ويروى أطرقا جمع طريق، فمن أنّث الطريق جمعه على أطرق، مثل عناق وأعنق، ومن ذكّر جمعه على أطرقاء كصديق وأصدقاء، فيكون قد قصره ضرورة، وقال أبو عمرو: أطرقا اسم لبلد بعينه من فعل الأمر، وفيه ضمير علامته الألف كأنّ سالكه سمع نبوة فقال لصاحبيه: أطرقا، وقال الأصمعي: كان ثلاثة نفر بهذا المكان فسمعوا أصواتا، فقال أحدهم لصاحبيه: أطرقا، فسمّي بذلك، وأنشد البيت. وقال عبد الله بن أبي أميّة ابن المغيرة المخزومي يخاطب بني كعب بن عمرو بن خزاعة، وكان يطالبهم بدم الوليد بن المغيرة أبي خالد بن الوليد، لأنه مرّ برجل منهم يصلح سهاما فعثر بسهم منها فجرحه فانقضّ عليه فمات:
إني زعيم أن تسيروا وتهربوا، ... وان تتركوا الظهران تعوي ثعالبه
وان تتركوا ماء بجزعة أطرقا، ... وان تسلكوا أيّ الأراك أطايبه
وإنّا أناس لا تطلّ دماؤنا، ... ولا يتعالى صاعدا من نحاربه
وقالوا في تفسير هذا: الجزعة والجزع بمعنى واحد وهو معظم الوادي، وقال ابن الأعرابي: هو ما انثنى منه، وأطرقا:
 اسم علم لموضع بعينه سمّي بفعل الأمر كما قدّمنا، وهذا يؤذن بان أطرقا موضع من نواحي مكة لأن الظهران هناك، وهي منازل كعب من خزاعة، فيكون أطرقا من منازلهم بتلك النواحي، وهي من منازل هذيل أيضا، وكذلك ذكروه في شعرهم والله أعلم.

أَرْيُولُ

أَرْيُولُ:
بالفتح ثم السكون، وياء مضمومة، وواو ساكنة، ولام: مدينة بشرق الأندلس من ناحية تدمير، ينسب إليها أبو بكر عتيق بن أحمد بن عبد الرحمن الأزدي الأندلسي الأريولي، قدم الاسكندرية ولقيه بها أبو طاهر أحمد بن سلفة الحافظ، ثم مضى إلى مكة فجاور بها سنين يؤذن للمالكية، ثم رجع إلى المغرب وكان آخر العهد به.

اذن

اذن

1 أَذِنَ لَهْ (T, S, M, Msb, K) and إِلَيْهِ, (M, K,) aor. ـَ (T, Msb, K,) inf. n. أَذَنٌ, (T, S, Msb, K,) He [gave ear or] listened to it, (T, S, M, Msb, K,) or him: (T, S, M, K: *) or it signifies, (K,) or signifies also, (M,) he listened to it, or him, pleased, or being pleased. (M, K.) It is said in a trad., (T,) مَا أَذِنَ اللّٰهِ لِشَىْءٍ لِنَبِىٍّ يَتَغَنَّى

بالقُرآنِ (T, S) God hath not listened to anything [in a manner] like his listening [to a prophet chanting the Kur-án]. (T.) And in the Kur [lxxxiv. 2 and 5], وَأَذِنَتْ لِرَبِّها And shall listen to its Lord, (M, Bd, Jel,) and obey; (Jel;) i. e., shall submit to the influence of his power as one listens to the commander and submits to him. (Bd.) And you say, أَذِنَ لِلَّهْوِ He listened and inclined to sport, or play. (M.) b2: [Hence, perhaps,] أَذِنَ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ (assumed tropical:) He desired eagerly, or longed for, the food, [perceiving its odour,] (ISh, K,) and inclined to it. (ISh, TA.) b3: [Hence also, app.,] أَذِنَ لَهُ فِى الشَّىء, (S, M, K,) or فِى أَمْرِ كَذَا, (T,) or فِى كَذَا, (Msb,) aor. ـَ (T, K,) inf. n. إِذْنٌ, (T, S, M, K,) or this is a simple subst., (Msb,) and أَذِينٌ, (K,) [as though originally signifying He gave ear to him in respect of such a thing; and then] he permitted him, allowed him, or gave him permission or leave, to do the thing, or such a thing. (M, Msb, K.) [See also إِذْنٌ, below.] You say, أَذِنْتُ لِلْعَبْدِ فَي التِّجَارَةِ [I gave permission, or leave, to the slave to traffic]. (Msb.) b4: أَذِنَ لَهُ عَلَيْهِ He took, or got, permission, or leave, for him from him. (M.) You say, اِيذَنْ لِى

عَلَى الأَمِيرِ (S, TA) Take thou, or get thou, permission for me from the commander, or governor, or prince. (TA.) El-A'azz Ibn-'AbdAllah says, وَ إِنِّى إِذَا ضَنَّ الأَمِيرُ بإِذْنِهِ
عَلَي الإِذنِ مِنْ نَفْسِى إِذا شِئْتٌ قَادِرٌ [And verily I, when the prince is niggardly of his permission, am able to take permission of myself when I will]. (TA.) And a poet says, قُلْتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دَارُهَا
تِئْذَنْ فَإِنِّى حَيْؤُهَا وَجَارُهَا [I said to a door-keeper, near by whom was her house, take thou, or get thou, permission for me to enter, for I am her husband's father, and her neighbour]: meaning, says Aboo-Jaafar, لِتَأْذَنْ; for the suppression of the ل is allowable in poetry, and the pronunciation with kesr to the ت is accord. to the dial. of him who says أَنْتَ تِعْلَمُ. (S.) b5: أَذِنَ بِالشَّىءِ, (S, * M, Msb, K,) aor. ـَ (S, M, K,) inf. n. إِذْنٌ and أَذَنٌ and أَذَانٌ and أَذَانَةٌ, (M, K,) He knew the thing; knew of it; had knowledge of it; became informed, or apprized, of it. (S, M, Msb, K.) It is said in the Kur [ii. 279], فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَرَسُولِهِ (S, M, K) Then be ye informed, or apprized, of war [that shall come upon you] from God and his apostle: (M, K:) or then be ye sure, or assured, &c. (T.) [See also إِذْنٌ, below.]

A2: أَذَنَهُ, (T, S, M, K,) inf. n. أَذْنٌ, (T,) He hit, or hurt, his ear; (T, S, M, K;) or struck his ear; (so in some copies of the S;) and ↓ آذَنَهُ signifies the same, (M, K,) inf. n. إِيذَانٌ. (TA.) [See also 2.] b2: أُذِنَ [as though originally signifying He had his ear hit or hurt;] he complained, or had a complaint, of his ear; (K;) said of a man. (TA.) 2 أذّنهُ, (S, M, K,) inf. n. تَأْذِينٌ, (K,) He wrung, or twisted, (عَرَكَ,) his (a boy's, S) ear: (S, K:) or he struck, (ضَرَبَ, TA,) or struck with his finger, or fillipped, (نَقَرَ, M, TA,) his ear. (M, TA.) [See also أَذَنَهُ.] They say, (in a prov., TA in art. جوز,) لِكُلِّ جَابِهٍ جَوْزَةٌ ثُمَّ يُؤْذَّنُ, (M, TA,) i. e. For every one that comes to water is a single watering for his family and his cattle; then his ear is struck, to apprize him that he has nothing more to receive from them: (TA in the present art., and the like is said in the same in art. جوز:) or, (assumed tropical:) then he is repelled from the water: (TA in art. جوز:) [for أذّنهُ signifies also] b2: (assumed tropical:) He repelled him, (IAar, T, M, K,) namely, a man, (IAar, T, M,) from drinking, (K,) and did not give him to drink. (M, K.) You say also, أَذِّنُوا عَنِّى أُوَلَهَا, [in which the pronoun appears, from the context, to relate to camels,] (assumed tropical:) Send ye away from me the first ones of them. (En-Nadr, T.) A2: أذّن النَّعْلَ, (inf. n. as above, S,) He put to the sandal what is termed أُذُنٌ, q. v. infrà: (S, M, K:) and in like manner one says with respect to other things. (S, K.) A3: أذّن, (M, K,) inf. n. as above, (K,) also signifies He made known, or notified, a thing (بِشَىْءٍ) much; (M, K; *) he proclaimed, or made proclamation; syn. نَادَى: (Jel in vii. 42, and Bd and Jel in xii. 70 and xxii. 28:) Sb says that some of the Arabs make أَذَّنَ and ↓ آذَنَ to be syn.: but some say that the former signifies he called out publickly; and the latter, i. q. أَعْلَمَ [he made to know, &c.: see 4]. (M, TA.) It is said in the Kur [xxii. 28], وَأَذِّنْ فِى

النَّاسِ بِالحَجِّ (M) And proclaim thou, among the people, the pilgrimage. (Bd, Jel.) b2: Also, (S, K,) or أذّن بِالصَّلَاةِ, (Msb,) inf. n. as above, (M, K,) or أَذَانٌ, (S,) or both, (TA,) or the latter is [properly speaking] a simple subst. [used as an inf. n.], as in the instances of وَدَّعَ وَدَاعَّا and سَلَّمَ سَلَامًا and كَلَّمَ كَلَامًا &c., (Msb,) He called to prayer; (M, K;) he notified, or made known, or proclaimed, [i. e., chanted, from the مِئْذَنَة,] the time of prayer; (S, * Msb, * TA;) and ↓ آذَنَ signifies the same, (K,) inf. n. إِيذَانٌ. (TA.) IB says, the phrase أَذَّنَ العَصْرُ, with the verb in the act. form, [a phrase commonly obtaining in the present day,] is wrong; the correct expression being أُذِّنَ بِالعَصْرِ [The time of the prayer of afternoon was proclaimed, i. e., chanted], with the verb in the pass. form, and with the preposition to connect it with its subject. (Msb.) b3: You say also, أَذَّنَ بِإِرْسَالِ إِبِلِهِ He spoke of sending away his camels. (En-Nadr, T.) 4 آذنهُ: see 1, last sentence but one. b2: [Hence, app.,] inf. n. إِيذَانٌ, (assumed tropical:) He prevented him, or forbade him; (K;) and repelled him. (TA.) [See also 2.] b3: And (assumed tropical:) It (a thing, M) pleased, or rejoiced, him, (M, K,) and he therefore listened to it. (M.) A2: آذَنْتُهُ, inf. n. إِيذَانٌ, (T, Msb,) in the place of which the subst. أَذَانٌ is also used, (T,) signifies أَعْلَمْتُهُ [I made him to know, or have knowledge; informed, apprized, advertised, or advised, him; gave him information, intelligence, notice, or advice: and I made it known, notified it, or announced it]: (T, Msb:) and ↓ تَأَذَّنْتُ, also, signifies أَعْلَمْتُ [as meaning I made to know, &c.: and I made known, &c.]. (Msb.) You say, آذنهُ بِالأَمْرِ, (T, K, [in the CK, erroneously, اَذَنَهُ,]) or بِالشَّىْءِ, (S,) and آذنهُ الأَمْرَ, (M, K,) inf. n. إِيذَانٌ, (T,) meaning أَعْلَمَهُ [He made him to know, or have knowledge of, the thing; informed, apprized, advertised, or advised, him of it; gave him information, intelligence, notice, or advice, of it; made it known, notified it, or announced it, to him]; (T, S, M, K;) as also الأَمْرَ ↓ تأذّنهُ. (M.) So, accord. to one reading, in the Kur [ii. 279], فَآذِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ Then make ye known, or notify ye, or announce ye, war from God. (M. [For the more common reading, see 1, latter part.]) And so in the Kur [vii. 166], رَبُّكَ ↓ وَ إِذْ تَأَذَّنَ And when thy Lord made known, or notified, or announced: (Zj, S, M, K: *) or the meaning here is, swore: (M, K: *) [for] you say, لَيَفْعَدَنَ ↓ تَأَذَّنَ, meaning he swore that he would assuredly do [such a thing]: (M:) Lth says that لَأَ فْعَلَنَّ كَذَا وَ كَذَا ↓ تَأَذَّنْتُ signifies the making the action obligatory. (T.) You say also, الأَمِيرُ فِى النَّاسِ ↓ تَأَذَّنَ The commander, or governor, or prince, proclaimed (نَادَى) among the people, with threatening (S, K) and prohibition; i. e. تَقَدَّمَ and أَعْلَمَ. (S.) And you say of a building that has cracked in its sides, آذَنَ بِالِانْهِدَامِ وَالسُّقُوطِ (assumed tropical:) [It gave notice of becoming a ruin and of falling down]. (Msb in art. دعو.) [See also a similar ex. in a verse cited voce أَلَا. and hence,] آذَنَ العُشْبُ [in the CK (erroneously) اَذَنَ] (tropical:) The herbage began to dry up; part of it being still succulent, and part already dried up. (M, K, TA.) And آذَنَ الحُبُّ The grain put forth its أَذَنَة, or leaves. (TA.) See also 2, latter half, in two places.

A3: آذَنَ and ↓ تأذّن are [also] used in one and the same sense [as meaning He knew; had knowledge; or became informed, apprized, advertised, or advised, of a thing]; like as one says أَيْقَنَ and تَيَقَّنَ. (S, TA.) You say, ↓ تَأَذَّنْ, meaning اِعْلَمْ [Know thou]; like as you say تَعَلَّمْ, meaning اِعْلَمْ. (M.) 5 تَاَذَّنَ see 4, in eight places.10 استأذنهُ He asked, or demanded, of him permission, or leave, (M, Msb, K,) فِى كَذَا to do such a thing. (Msb.) [You say, استأذن meaning He asked, or demanded, permission, or leave, to enter, or to come into the presence of another; and to go. And استأذن فِى الدُّخُولِ عليه, and, elliptically, استأذن عليه, He asked, or demanded, permission, or leave, to go in to him.]

أُذْنٌ: see أُذُنٌ.

إِذْنٌ [is held by some to be an inf. n., like ↓ أَذَيِنٌ: (see 1:) by others, to be] a simple subst.; (Msb;) signifying Permission; leave; or concession of liberty, to do a thing: and sometimes command: and likewise will; (Msb, TA;) as in the phrase بِإِذْنِ اللّٰهِ by the will of God: (Msb:) or, accord. to El-Harállee, the withdrawal, or removal, of prevention or prohibition, and the giving of power or ability, in respect of being and creation: or, accord. to Ibn-El-Kemál, the rescission of prohibition, and concession of freedom of action, to him who has been prohibited by law: or, accord. to Er-Rághib, the notification of the allowance or permission of a thing, and of indulgence in respect of it; as in إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّٰهِ, [in the Kur iv. 67,] meaning [but that he may be obeyed] by the will of God, and [also] by his command: (TA:) or, as explained in the Ksh, facilitation; an explanation founded upon the opinion that the actions of men are by their own effective power, but facilitated by God; and in this sense, Esh-Shiháb regards it as a metaphor, or a non-metaphorical trope: (MF:) and accommodation; syn. تَوْفِيقٌ; (Hr in explanation of a clause of iii. 139 of the Kur [which see below];) but Es-Semeen says that this requires consideration. (TA.) b2: Also Knowledge; syn. عِلْمٌ; (T, M, K;) and so ↓ أَذِينٌ; (M, K;) as in the saying فَعَلَهُ بِإِذْنِى (T, * M, K) and ↓ بِأَذِينى (M, K) [He did it with my knowledge]: or إِذْنٌ has a more particular signification than عِلْمٌ, being scarcely ever, or never, used save of that [knowledge] wherein is will, conjoined with command or not conjoined therewith; for in the saying [in the Kur iii. 139, referred to above,] وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ

أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللّٰهِ [And it is not for a soul to die save with the knowledge of God], it is known that there are will and command; and in the saying [in the Kur ii. 96], وَمَا هُمْ بِضَّارِينَ بِهِ مِنْ

أَحَدٍ إِلَّا بإِذْنِ اللّٰهِ [But they do not injure thereby any one save with the knowledge of God], there is will in one respect, for there is no difference of opinion as to the fact that God hath made to exist in man a faculty wherein is the power of injuring another: (Er-Rághib:) but Es-Semeen says that this plea is adduced by Er-Rághib because of his inclining to the persuasion of the Moatezileh. (TA.) You say also, فَعَلْتُ كَذَا بِإِذْنِهِ meaning I did thus by his command. (T.) أَذَنٌ: see أَذَنَةٌ

أُذُنٌ and ↓ أُذْنٌ, (S, M, Msb, K,) the latter a contraction of the former, [which is the more common,] (Msb,) [The ear;] one of the organs of sense; (M, TA;) well known: (M:) of the fem. gender: (S, M, Msb, K:) as also ↓ أَذِينٌ: (K:) pl. آذَانٌ, (S, M, Msb, K,) its only pl. form: (M:) dim. ↓ أُذَيْنَةٌ; but when used as a proper name of a man, أُذَيْنُ, though أُذَيْنَةُ has been heard. (S.) You say, جَآءَ نَاشِرَّا أُذُنَيْهِ [He came spreading, or, as we say, pricking up, his ears: meaning] (tropical:) he came in a state of covetousness, or eagerness. (T, K, TA. [See also نَشَرَ.]) and وَجَدْتُ فُلَانًا لَا بِسًا أُذُنَيْهِ (tropical:) I found such a one feigning himself inattentive, or heedless. (T, TA.) And لَبِسْتُ أُذُنَىَّ لَهُ (tropical:) I turned away from him, avoided him, or shunned him: or I feigned myself inattentive, or heedless, to him. (K, TA. [See also لَبِسَ.]) b2: (tropical:) A man who listens to what is said to him: (M, K, TA:) or a man who hears the speech of every one: (S:) or who relies upon what is said to him; as also وَابِصَةُ السَّمْعِ: (M in art. وبص:) applied as an epithet to one and to a pl. number, (S, M, K,) alike, (S, M,) and to two, and to a woman; not being pluralized nor dualized [nor having the fem. form given to it]: (IB:) you say رَجُلٌ أٌذْنٌ (Az, S, M) and أُذْنٌ, and رِجَالٌ أُذُنٌ and أُذْنٌ [&c.]: (Az, M:) and sometimes it is applied to a man as a name of evil import. (M.) It is said in the Kur [ix. 61], وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ (T, M) and they say, “He is one who hears and believes everything that is said to him:” as though, by reason of the excess of his listening, he were altogether the organ of hearing; like as a spy is termed عَيْنٌ; or أُذُن is here from أَذِنَ “he listened,” and is like أُنُفٌ and شُلُلٌ in its derivation: (Bd:) for among the hypocrites was he who found fault with the Prophet, saying, “If anything be told him from me, I swear to him, and he receives it from me, because he is an أُذُن:” (M:) therefore he is commanded to answer, Say, “A hearer of good for you.” (T, M, Bd.) b3: (assumed tropical:) A sincere, or faithful, adviser of a people, who counsels to obedience: (Msb:) a man's intimate, and special, or particular, friend. (TA.) b4: (assumed tropical:) A certain appertenance of the heart; (M;) [i. e. either auricle thereof;] أُذُنَا القَلْبِ signifying two appendages (زَنَمَتَانِ) in the upper part of the heart: (K:) and (tropical:) of a نَصْل [or arrow-head or the like; i. e. either wing thereof]: and (tropical:) of an arrow; آذَانُ السَّهْمِ signifying the feathers of the arrow, as AHn says, when they are attached thereon; and ذُو ثَلَاثِ آذَانٍ [a thing having three such feathers] meaning an arrow: all so called by way of comparison: (M:) and (assumed tropical:) of a sandal; (S, M, K;) i. e. the part thereof that surrounds the قِبَال [q. v.]: (M:) or أُذُنَا النَّعْلِ signifies the two parts, [or loops,] of the sandal, to which are tied the عَضُدَانِ of the شِرَاك, [or two branches of the thong that is attached to another thong between two of the toes, which two branches, however, sometimes pass through the أُذُنَانِ, encompassing the heel,] behind the narrow part (خَصْر) of the sole. (AO in an anonymous MS in my possession. See also خَصْرٌ.) b5: (tropical:) A handle, (M,) or [a loopshaped, or an ear-shaped, handle, such as is termed] عُرْوَة, (T, K,) of anything; (M, K) as, for instance, (M,) of a كُوز [or mug]; (T, M;) and of a دَلْو [or bucket]: so called by way of comparison: and in all cases fem.: (M:) pl. as above. (T.) b6: (assumed tropical:) What becomes sharp, or pointed, and then falls off, or out, of the plants called عَرْفَج and ثُمَام when they put forth their خُوص [q. v.], or when their خوص become perfect; because it has the shape of an ear. (AHn, M.) إِذَنْ, also written إِذًا: see art. اذا.

أَذَنَةٌ The leaves of trees, (En-Nadr, T,) or of grain. (K.) b2: [The kind of leaf called خُوصَة of the ثُمَام.] b3: (tropical:) The young ones of camels and of sheep or goats; (En-Nadr, T, K;) as being likened to the خُوصَة of the ثُمَام. (TA.) b4: A piece of straw: pl. [or rather coll. gen. n.] ↓ أَذَنٌ [in the CK أُذُنٌ]. (IAar, T, K.) A2: Appetite, appetency, longing, yearning, or strong desire. (En-Nadr, T.) You say, هٰذِهِ بَقْلَةٌ تَجِدُ بِهَا الإِبِلُ

أَذَنَةَ شَدِيدَةً This is a herb for which the camels feel a strong appetite &c. (En-Nadr, T.) and هٰذَا طَعَامٌ لَا أَذَنَةَ لَهُ This is food for the odour of which there is no appetite. (K, * TA.) أَذَانٌ A making known; a notification; an announcement. (T, S, Mgh.) [See 4.] So in the Kur [ix. 3], وَ أَذَانٌ مِنَ اللّٰهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ [And a notification, or an announcement, from God and his apostle to men, or the people]. (T, Mgh.) b2: Also, and ↓ أَذِينٌ, (T, S, M, K,) and تَأْذِينٌ, [the last an inf. n. of 2, and the second a quasi-inf. n. of the same, which see,] (M, K,) The notification, or announcement, of prayer, and of the time thereof; (T, S;) the call to prayer. (M, K.) [The words of this call (which is usually chanted from the مِئْذَنَة, or turret of the mosque,) are اَللّٰهُ أَكْبَرْ (four times) أَشْهَدُ أنْ لَا إِلٰهَ

إِلَّا اللّٰهْ (twice) أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُولُ اللّٰهُ (twice) حَيَّ عَلَى الصَّلَاهٌ (twice) حَىَّ عَلَى الفَلَاحْ (twice) اَللّٰهُ أَكْبَرٌ (twice) لَا إِلٰهَ إِلَّا اللّٰهٌ.] b3: الأَذَانُ also signifies The [notification, or announcement, called] إِقَامَة; (M, K;) because it is a notification to be present at the performance of the divinelyordained prayers. (TA.) [This (which is chanted in the mosque) consists of the words of the former أَذَان with the addition of قَدْ قَامَتِ الصَّلَاهْ pronounced twice after حَىَ عَلَى الفَلَاحْ.] b4: الأَذَانَانِ signifies The أَذَانِ [more commonly so called] and the إِقَامَة. (TA.) أَذُونٌ [An animal having an ear; as distinguished from صَمُوخٌ, which means “having merely an ear-hole”]. (Msb in art. بيض.) أَذِينٌ: see أُذُنٌ.

A2: See also إِذْنٌ, in three places. b2: And see أَذَانٌ.

A3: I. q. ↓ مُؤْذِنٌ [Making to know or have knowledge, بِأَمْرٍ of a thing; informing, apprizing, advertising, or advising; giving information, intelligence, notice, or advice; making known, notifying, or announcing]: like أَلِيمٌ and وَجِيعٌ as meaning مُؤْلِمٌ and مُوجِعٌ. (M.) b2: See also مُؤَذِّنٌ.

A4: One who is responsible, answerable, amenable, or a surety; [بِأَمْرٍ for a thing; and perhaps also بِغَيْرِهِ for another person;] syn. كَفِيلٌ (S, M, K) and زَعِيمٌ [which signifies the same as كَفِيلٌ, and is plainly shown in the M to be here used as a syn. of this latter; but SM assigns to it here another meaning, namely رَئِيسٌ, in which sense I find no instance of the use of أَذِينٌ]; (AO, M;) and ↓ آذِنٌ also is syn. with أَذِينٌ in the sense of كَفِيلٌ. (K.) A5: Also A place to which the أَذَان [or call to prayer] comes [or reaches] from [or on] every side. (S, K.) أُذَيْنَةٌ dim. of أُذُنٌ, q. v. (S.) أُذَانِىٌّ (S, M, Mgh, K) and ↓ آذَنُ (M, K) Largeeared; (S, M, Mgh, K;) long-eared; (M;) applied to a man, (S, M, K,) and to a camel, and to a sheep or goat: (M:) [or] the latter epithet is applied to a ram; and its fem. أَذْنَآءُ to a ewe. (T, S, M.) أُذَيْنِىٌّ One who hears everything that is said: but this is a vulgar word. (TA.) [See أُذُنٌ.]

آذَنُ: see أُذَانِىٌّ.

آذِنٌ [act. part. n. of 1. As such, Permitting, or allowing; one who permits, or allows. and hence,] A doorkeeper, or chamberlain. (S, K.) b2: See also أَذِينٌ.

مُؤْذَنٌ: see مَأْذُونٌ.

مُؤْذِنٌ: see أَذِينٌ. You say, سِيمَاهُ بِالخَيْرِ مُؤْذِنَةٌ His impress notifies [or is indicative of] goodness. (TA.) b2: مُؤْذِنَاتٌ, signifying The women who notify, or announce, the times of festivity and rejoicing, [particularly on the occasions of weddings,] is a vulgar word. (TA.) A2: Herbage beginning to dry up; part of it being still succulent, and part already dried up: and a branch, or wood, that has dried, but has in it some succulency. (TA.) مَأْذَنَةٌ: see what next follows.

مُؤْذَنَةٌ: see what next follows.

مِئْذَنَةٌ (which may also be pronounced مِيذَنَةٌ, Msb) The place [generally a turret of a mosque] upon which the time of prayer is notified, made known, or proclaimed; (T, M, * K; *) i. q. مَنَارَةٌ [which has this meaning and others also]; (Az, T, S, Msb;) as also ↓ مُؤْذَنَةٌ: (Az, T:) or it signifies, (as in some copies of the K,) or signifies also, (as in other copies of the same,) i. q. مَنَارَةٌ: and صَوْمَعَةٌ: [see these two words:] (K:) or i. q. مَنَارَةٌ, meaning صَوْمَعَةٌ; (Lh, M, TA;) by way of comparison [to the turret first mentioned]: but as to ↓ مَأْذَنَةٌ, it is a vulgar word: (TA:) the pl. is مَآذِنُ, agreeably with the original form of the sing. (Msb.) مُؤَذِّنٌ One who notifies, makes known, or proclaims, [by a chant,] the time of prayer; (M, * Msb, K; *) [i. e., who chants the call to prayer;] as also ↓ أَذِينٌ. (M, K.) مَأْذُونٌ, as meaning A slave permitted, or having leave given him, by his master, to traffic, is used for مَأْذُونٌ لَهُ, (Msb, TA,) by the lawyers. (Msb.) A2: Also Having his ear hit, or hurt; and so ↓ مُؤْذَنٌ. (TA.)

حَمِيمٍ آنٍ

{حَمِيمٍ آنٍ} :
وسأله عن معنى قوله - عز وجل -: {حَمِيمٍ آنٍ} ما الآن؟
قال: الحار الذي اشتد حره. قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت بقول النابغة.
وتُخضَبُ لحيةٌ غدرتْ وخانت. . . بأحمر من نجيع الجوفِ آنِ
(ظ، طب) وفي (تق، ك، ط)
قال: الآنى الذي انتهى طبخه وحرُّه.
= الكلمة من آية الرحمن 44:
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} من أنى يأنى فهو آن.
معها آنية في آية الغاشية 5: {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}
والفعل المضارع عن آية الحديد 16:
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}
والمصدر في آية الأحزاب 53:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}
وجاءت {آنَاءَ اللَّيْلِ} ثلاث مرات (آل عمران 113، طه 130، الزمر 9) و {آنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} في آية (الإنسان 15) وأنَّى، في ثمانٍ وعشرين آية.
وتفسير {حَمِيمٍ آنٍ} بالذي اشتد حره وانتهى، قال بنحوه الفراء في معنى الكلمة بالآية: والآنى الذي قد انتهت شدة حره (3 / 118) ونقل فيه ابن الأنباري: وقال بعض الناس، الحميم من الأضداد يقال للحار وللبارد، ولم يذكر شاهداً. (الأضداد 82 / 138) أحسبه عنى الأصمعي. وقد صرح به أبو حاتم السجستاني فقال: وزعموا أن الأصمعي قال: الحميم الماء الحار والماء البارد، ولا أعرفه (الأضداد 152 / 267) وذكر فيه القرطبي ثلاثة أوجه: أنه الذي انتهى حره وحميمه، قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدى. وأنشد بيت النابغة. وقال قتادة منذ خلق الله السمواعت والأرض، وقال كعب القرطبي: واد من أودية جهنم يجتمع فيد صديد أهل النار (الجامع 17 / 175) "الراغب" لحظ فيه أصل دلالة المادة على الزمن، فقال: حان وقته وبلغ إناه في شدة الحر (المفردات) وبه تتقارب الأقوال في تفسير الكلمة بشدة الحر، وانتهائه، ونضجه. والله أعلم.

أَلِيمٌ

{أَلِيمٌ} :
وسأله عن معنى قوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
قال: الوجيع، واستشهد بقول الشاعر:
نام من كان خِليّاً من ألم. . . وبقِيتُ الليلَ طولاً لم أنمْ
(تق، ك، ط)
وفي (ظ، وق) المسألة عن قوله - عز وجل -: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} ما الألم؟ قال: الوجع.
واستشهد في (ظ) بقول الحارث بن حلزة اليشكرى:
أَلِمُوا القتلَ حين دارت رَحاهُمْ. . . ورَحانا على عِنان الدماءِ
وشاهده في (وق) قول الأعشى:
لا نَقِيهم حَدَّ السلاح ولا نأ. . . لم جرحا، ولا نبالي السهاما
= الكلمة في الرواية الأولي من آيات:
التوبة 61: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وإبراهيم 22، والنور 16، والعنكبوت 223 والشورى 21، 42 ومعها: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
في آيات: البقرة 10، 104، 178، وآل عمران 77، 177، 188، والمائدة 36، والتوبة 79، والنحل 63، 104، 117، والحشر 15، والتغابن 5. . . في ثمان وستين آية، وصف فيها عذاب والعذاب، بعذاب أليم، من عذاب أليما، العذاب الأليم.
وأما الرواية في (ظ، وق) : {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} .
فمن آية النساء 104:
{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
لم يأت في غيرها، أيُّ فعلٍ من الألم.
وأقوال اللغويين والنمفسرين، تأتي في آية البقرة 10:
{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} .
إذ هي المرة الأولى التي جاء فيها "عذاب أليمط في ترتيب المصحف. تأويل الألم في المسألة بالوجع، وأليم بوجيع، يبدو قريباً ظاهر القرب. والجمهرة من المفسرين تأولوه بالوجع، وقال الراغب: الوجع الشديد. وهو معروف من كلام العرب، والشواهد فيه كُثْرٌ، وإن لم يكن الوجع من ألفاظ القرآن.
وفي (مجاز القرآن: آية البقرة 10) ، قال أبو عبيدة: "عذاب أليم" أي موجع، من: الألم. وهو في موضع مُفعِل - أي مؤلم - قال ذو الرمة:
ونرفع في صدور شمردلاتٍ. . . يصكُّ وجوهَها وَهَجٌ أليمُ
الشمردلة: الطويلة.
والبيت من شواهد الطبري والقرطبي، لأليم بمعنى وجيع.
لكن "ابن عرفة" أنكره فيما جكى عنه الهروى، قال في (الغريبين، باب الهمزة مع اللام) : قوله تعالى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال أبو عبيدة: أي مؤلم. يقال: أَلمِنى الشيءُ وألمِتُ الشيءَ، قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} . وقال ابن عرفة: أليم ذو ألم، وسميع ذو سماع، ولا أدري معنى ما قال أبو عبيدة. "ابن عرفة" إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الأزدى، نفطويه، واسطى سكن بغداد وتوفى بها سنة 323 هـ: نحوى راوية ثبت، محدث صدوق ثقة،وفقيه ظاهرى حجة. له كتاب في (غريب القرآ ن) ذكره ابن النديم وياقوت والقفطى.
ولعله إنما أنكر قول أبي عبيدة من جهة الاشتقاق. وكان ينكره ويحيله وله فيه كتاب، كما قال القفطي في (الإنباه)
ويظهر لي أن الوجع أقرب إلى ما يعتري الجسم من مرض أو أذى بدني عارض. وفي (ق) : الأم الوجع، والألم من العذاب الذي يبلغ غاية البلوغ. وغلبة مجئ أليم لعذاب الآخرو. عذاب يوم أليم، وأخْذ الله تعالى الكفار والفاسقين {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} يؤذن - والله أعلم - بأن الأليم أخص وأفدح من وجع يعرض لعامة البشر. وتفسير "ألم" في شاهد المسألة الأول. يقوى بدلالة عذاب من وجد وسهد وأرق، مما لو كان مجرد وجع لعارض من مرض أو جرح كما في الشاهد من قول الأعشى: ولا نألم جرحا *.

الغباوة

الغباوة: فِي الْعَدَالَة وَفِي الذكاوة أَيْضا.
الغباوة: الغفلة والجهل، وتركيبها يؤذن بالخفاء، يقال غبى عليه الأمر أي خفي. والمتغابي: من يري من نفسه الغباوة وليست به وهو من صفات الكرام العقلاء، ومنه قوله "لكن سيد قومه المتغابي".

رِيشًا

{رِيشًا} :
وسأله عن قوله تعالى: {وَرِيشًا}
قال: المال، واستشهد بقول الشاعر:
فَرِشْنَىِ بِخيرٍ طال ما قد بَريَتْنَى. . . وخيرُ الموالى مَن يَرِيشُ ولا يَبْرِى
(تق، ك، ط)
= الكلمة من آية الأعراف 26:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}
وحيدة في القرآن صيغة ومادة.
وجاء المال فيه، نكرة ومعرفة، مفرداً وجمعاً، ستاً وثمانين مرة. مما يؤذن بفرق بين مال وريش، في آية الأعراف.
وذكر الفراء والطبري قراءة لغير السبعة: "ورياشا" ووجهه عندهما إما أن يكون مصدراً مثل لبس ولباس، أو جمعاً واحدُه ريش كصحْبٍ وصحاب. وأورده أبو عبيدة في مجاز القرآن بلفظ "ورياشاً" قال: الرياش والريش واحد وهو - في الآية - ما ظهر من اللباس والشارة. والرياش أيضاً الخِصب والمعاش.
وقال الطبري: الرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب والمتاع مما يُلبس أو يُحشى من فراش أو دثار. والريش إنما هو في المتاع والأموال عندهم وربما استعملوه في الثياب والكسوة، دون سائر المال، وقد يستعمل في الخصب ورفاهة العيش. ثم أسند عن ابن عباس وآخرين أنه المال. وعنه أيضاً وآخرين أنه اللباس والعيش الناعم. وفي قولٍ: المعاش، والجمال.
وسياق الآية: أقرب في الريش إلى اللباس، مستعار من الريش لأنه كالثياب للإنسان على ما قال الراغب. وأما في الشاهد فهو من" راش السهم يريشه إذا ألصق به الريش وسدده، واستعبر للإصلاح. كما أن البَرْى مجاز من بُراية القلم واستعير للعجز والضعف.

الإنسان المثالى

الإنسان المثالى
أجمل الله الإنسانية المثالية وما ينتظرها من الجزاء المادى والروحى في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (البينة 7، 8). فالإنسان المثالى هو ذلك الذى يؤمن ويعمل صالحا، وقد فصل القرآن في مواضع كثيرة هذا العمل الصالح فمنه ما يرتبط بالله، ومنه ما يرتبط بالناس، ومنه ما يعود إلى الشخص نفسه.
أما ما يرتبط بالله فأن يؤدّى فرائضه في محبة وخشوع، ويصلى ذاكرا جلاله، وعظمته، وإذا أصغى إلى آيات الله سجد لما فيها من عظمة وحكمة قائلا: سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (الإسراء 108)، لا يغيب ذكر الله عنه، مفكرا في خلق السموات والأرض، رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (آل عمران 191 - 194). وفي ذكر الله ورقابته دائما إحياء للضمير الإنسانى، وإقامة هذا الضمير رقيبا على أعمال المرء، فلا يفعل منفردا ما يخجل من فعله مع الجماعة، وإذا حيى الضمير، وقويت شوكته، كان للإنسان منه رقيب على نفسه، فى كل ما يأتى من الأمور وما يدع، وتربية الضمير هو الهدف الرئيسى للتربية، والغرض الأول الذى يرمى إليه المربون.
أما صلته بالناس فصلة رفق وحب وعطف، يفى بالعهد إن عاهد، ويؤدى الأمانة إن اؤتمن، ويربأ بنفسه عن اللغو، فلا يضيع وقته سدى فيه، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (المؤمنون 1 - 8). وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج 24، 25). ويؤتون: الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ (البقرة 177). يأمرون بالصدقة والمعروف، ويصلحون بين الناس، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء 114). وهو هنا لا يكتفى بأن يكون المرء صالحا في نفسه، بل لا بدّ أن يكون عضوا نافعا في جماعته، وقوة عاملة فيها، فهو يتصدق، ويأمر غيره بالصدقة، ويصلح بين الناس ويأمر غيره بالإصلاح بينهم، ولا يكتفى القرآن بأن يقف المرء موقف الواعظ المرشد فحسب، بل من الواجب أن يأخذ بحظه من الخير الذى يدعو إليه ولهذا وبخ القرآن أولئك الذين يدعون إلى الخير، وينسون أنفسهم فى قوله: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (البقرة 44).
والإنسان الكامل هو ذلك الذى يبذل جهده في خدمة جماعته، ويعمل على النهوض بها، فلا يعيش كلّا، ولا يقبل أن يرضى غروره، بأن يسمع ثناء على ما لم يفعل، أما هؤلاء الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران 188).
ومن أكبر سماته أنه يدفع السيئة بالحسنى، فيؤلف القلوب النافرة، ويستل الخصومة من صدر أعدائه، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (فصلت 34، 35). وأنت ترى القرآن يعترف بأن هذا الخلق لا يتصف به إلا من كان ذا قدم عظيمة في التفوق في مراتب الكمال، وذا حظ عظيم منه. ويتصل بهذه الصفة كظم الغيظ والعفو عن الناس، وهما مما مجد القرآن إذ قال: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران 133، 134). وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى 37).
وهو عادل، يقول الحق ولا يحيد عنه، ولا يصرفه عن قوله ذو قرابة أو عداوة، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (الأنعام 152). كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (المائدة 8).
قد طهر قلبه، فلا يحمل لأحد غلا ولا موجدة، ويسأل الله السلامة من شر ذلك قائلا: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الحشر 10). ولا يسعد إنسان في حياته، إذا كان يحمل في قلبه ضغنا على أحد، أو حسدا أو غلا، فإن ذلك يقلب الحياة شقاء، وينغص على المرء أيامه ولياليه فضلا عن ضياع الوقت، وما أجمل الحياة إذا طهر قلب المرء، وبعد عنه ما يئوده من هموم الحقد والحسد، حينئذ يعمل في طمأنينة، ويجاهد في سكينة.
وحسنت صلته بجاره ذى القربى والجار الجنب، ولذلك أثره في سعادة الحياة، والطمأنينة فيها، ويعامل الناس برفق، فلا يغره منصب يظفر به، ولا مال يحويه، ولا
يدفعه ذلك إلى تعاظم أو كبر، ولا يخرجه ما يظفر به إلى البطر والمرح، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان 18، 19).
يرد التحية بأحسن منها، وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (النساء 86). ولا يدخل بيتا غير بيته حتى يستأذن، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (النور 27، 28). ويجلس مع الناس في رفق. فلا يجد غضاضة في أن يفسح لغيره من مجلسه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (المجادلة 11).
وإذا كانت السخرية بالغير، بأى لون من ألوان السخرية، مدعاة إلى تأصل العداء، وتقطع الصلات، كان الإنسان النبيل هو من يجتنب السخرية من الناس، وعيبهم، ولمزهم بألقاب يكرهونها، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات 11).
ومن أهم أخلاق الإنسان المثالى الصبر، وقد أثنى به الله كثيرا، وحث عليه كثيرا، وجعله خلة لا يظفر بها إلا الممتازون من الناس، ذوو الحظ الكبير من الرقى الخلقى، قال سبحانه: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة 155 - 157). وقال: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ (الحج 34، 35). وقال: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (الزمر 10). ومما يرتبط بالصبر شديد الارتباط مقابلة الأحداث ونوازل الحياة، بل ما تأتى به من سعادة وخير، فى هدوء وطمأنينة، فلا يستفزه فرح، ولا يثيره حزن ولا ألم، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (الحديد 23).
ويسير في إنفاقه سيرا مقتصدا لا تقتير فيه ولا تبذير، وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (الفرقان 67)، وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (الإسراء 26 - 29). وهو لذلك يأكل ويشرب، ويستمتع، فى غير إسراف ولا خيلاء، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف 31)، ويأخذ بحظه من الحياة الدنيا في غير تكالب عليها، ولا جعل الاستمتاع بها الهدف الأساسى في الحياة.
ويكره القرآن للمرء أن يتبجّح بالقول، فيدعى أنه سيفعل ويفعل، ثم تنجلى كثرة القول عن تقصير معيب في العمل، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (الصف 2، 3).
ويحسن أن أوجه النظر هنا إلى أن القرآن لا يبرئ الإنسان من فعل السوء، ولا ينزهه عن الإثم، ولكن الذى يأخذه عليه هو أن يتمادى في العصيان، ويصرّ على ما يفعل، فلا يندم، ولا يتوب، أما أبواب الجنة فمفتحة لأولئك وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (آل عمران 135، 136).
وهذه بعض آيات من القرآن يصف بها أولئك المثاليين، إذ يقول: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (الفرقان 63 - 67).

الذكر والحذف

الذكر والحذف
يذكر القرآن ما يذكره، مما يبدو أن السياق يجيز حذفه، عند ما يكون في هذا الذكر تثبيت للمعنى، وتوطيد له في النفس، ويكون في ذكره فضلا عن ذلك معان لا تستفاد إذا حذف فمما ذكر فيه المسند إليه قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ (الإخلاص 1، 2)، ذكر اسم الجلالة في الجملة الثانية ليستقر في النفس مرتبطا بخبره، وليفيد بتعريفه وتعريف الخبر أنه وحده السيد الذى يقصد إليه، عند اشتداد الخطوب، وفضلا عن ذلك نرى في الأسلوب هذا التناسق الموسيقى، الذى يفقد إذا حذفنا لفظ الله، برغم ما في الكلام مما يدل عليه. ومن ذلك قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء 85).
ألا ترى في ذكر الروح وارتباطها بخبرها، ما يثبت معنى الجملة في نفسك، ولا يشتت أركانها في فؤادك، فيذكر لك ما يتحدث عنه صراحة، ولا يدعك تلتمسه من الكلام. وإن شئت فاحذف كلمة الروح من الجملة، وانظر أتجد المعنى في الجلاء والاستقرار مثله عند ما تذكر.
ومن هذا الباب قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ (طه 17، 18) وذكر البلاغيون أن ذكر المسند إليه هنا للرغبة في إطالة الكلام، وتلذذا بهذه الإطالة، هذا التلذذ الذى دفع موسى إلى أن يتحدث بما لم يسأل عنه، فقال:
أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (طه 18).
ويذكر المسند إليه أيضا صراحة، تأكيدا لوقوع المسند، إذا كان ذكر اسمه مما يطمئن السامع إليه، واقرأ قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (المائدة 95). أو لا ترى في ذكر اسم الله بعد الوعد ضمانا لتنفيذه، كما يذكر للتصوير الباعث على الرهبة، كما في قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (الزلزلة 1، 2). فذكر الأرض إلى جانب إخراج الأثقال، يصور هذا الجرم الهائل، وقد انشق عن فجوات تقذف بما ضمت الأرض من أثقال، وذكرها وهى المكان المستقر الثابت الذى نجد على سطحه الاستقرار، يصورها مائدة مضطربة تحت أقدامنا، فأى فزع يلم بنا عند هذا التصور. كما يذكر تأكيدا لنعمة أداها، فيكون ذكره مثيرا لشكره، كما في قوله تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ (الأحزاب 25). ألا ترى هذه النعمة الكبرى نعمة حقن دماء المسلمين جديرة بذكر المنعم، ليشكر.
وفي ذكر المسند كذلك تثبيت لمعنى الجملة في النفس، وقد يثير حذفه برغم ما قد يدل عليه، معنى لا يراد، وتأمل قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (المائدة 41). ففي تكرير لهم ما يشعر بكمال قوة الجزاءين، ويؤكد أن العذاب العظيم قد أعد لهم في الآخرة.
ويحذف الفاعل من الجملة عند ما تدل عليه قرينة واضحة، فيصبح كالمتعين الذى تنصرف إليه النفس أول وهلة، كما تجد ذلك في قوله تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (القيامة 26 - 28). فالحديث في ذكر الموت، ولا يبلغ التراقى عند الموت إلا النفس، وإذا نظرنا إلى الآيتين الكريمتين اللتين حذف الفاعل منهما، وهما قوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (الأنعام 94). وقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (يوسف 35). وجدنا ذكر الفعل في الجملة الأولى مغنيا عن ذكر فاعله، فالمراد أن التقطع حل بينهم مكان التواصل، فكأنه قيل: لقد تم التقاطع بينكم، وفي الجملة الثانية أغنى ذكر ليسجننه، بما فيه من أدوات التوكيد عن ذكره، وكان المجيء بتلك الجملة مصورا لما حدث من هؤلاء القوم، ومعبرا عما كان من أمرهم، وهم يتشاورون في أمر يوسف، فقد قلبوا وجوه الرأى بينهم، ثم بدا لهم في عقولهم أمر، عبروا عنه بقولهم: ليسجننه، فكانت الآية حاكية لما حدث، مصورة له.
ويحذف المبتدأ عند ما يكون ذكر الخبر المتصف بصفة، كأنه يشير إلى هذا المبتدأ، وكأنما بلغ من الشهرة بهذا الوصف مبلغا يغنى عن ذكره، كما تجد ذلك فى قوله سبحانه: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود 1).
ويحذف لأن ذكره يبعث في النفس السأم، لشدة وضوحه، لقرب الحديث عنه، كما تحس بذلك في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة 2). أو لا ترى أن فى ذكر الضمير العائد على الكتاب قلقا، لشدة قرب الكتاب الماثل أمام النفس، ومن ذلك قوله سبحانه: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ (القارعة 10، 11). وتأمل الفرق بين هذا الأسلوب الموجز وبين أن يقال. «وما أدراك ماهيه، هى نار حامية» من الإسراع إلى ذكر النار، بعد أن أثار الشوق بالسؤال عنها، وعلى ذلك قوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ. نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، وقوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (البقرة 18). فما دام فى معرض الحديث عنهم، ليس في حاجة إلى إعادة ذكرهم.
ويحذف الخبر عند ما يقوم دليل في الكلام عليه، فيكون ذكره كاللغو، واقرأ قوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (الطلاق 4). فالصمت عن الخبر، وعطف اللائى لم يحضن على اللائى يئسن، مؤذن باتحادهما في الخبر. وتأمل حذف الخبر في قوله سبحانه: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الزمر 22). أولا ترى في حذف الخبر ما يشير إلى أن عقد الموازنة بين من هو على نور من ربه، ومن هو قاسى القلب مظلمة، لا تستسيغه النفس، حتى في معرض الإنكار.
ويحذف الفعل إذا وقعت جملته جواب سؤال، فيكون في ذكر الفاعل إسراع بذكر المسئول عنه، بعد أن فهمت النفس الفعل المسئول عنه، واستقر أمره في الفؤاد، ومن ذلك قوله سبحانه: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (الإسراء 50، 51). ومثله قوله سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (العنكبوت 61).
وحذف الفعل في باب التحذير، مثل قوله تعالى: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (الشمس 13). يشير إلى أن هذا المفعول المذكور منهى عن المساس به، بأى نوع من أنواع الأذى، ففي حذف الفعل تعميم، لا يتأتى إذا ذكر فعل بعينه.
وحذف فعل القول في الجمل القرآنية الآتية: وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (الكهف 48). أى فقيل لهم: لقد جئتمونا؛ وقوله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا (الأحقاف 20). أى، فيقال لهم:
أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ، وقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما (العنكبوت 8). أى وقلنا له إن جاهداك .. هذا الحذف يصور ما حدث، ولما كان ما حدث هو أنهم عرضوا على الله صفّا، ثم سمعوا هذا التأنيب، فكان القول مضمرا في الواقع، فأضمر في الجملة المعبرة عنه، وعلى هذا النسق نرى قوله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ (الأحقاف 20). فإنهم عرضوا، فسمعوا، فالقول مضمر كذلك ومن السائغ لدىّ في الآية الثالثة، أن تكون من باب تلوين الأسلوب، فقد كان الحديث عن غائب فلما كان أمر الوصية بالتوحيد معنيّا به العناية كلها، اتجه إلى المأمور يخاطبه، موجها له الحديث زيادة في التأكيد، ولن يكون ذلك إذا كان الحديث عن غائب.
ويحذف المفعول، عند ما يكون المراد الاقتصار على إثبات المعانى، التى اشتقت منها الأفعال لفاعليها، من غير تعرض لذكر المفعولين، فيصبح الفعل المتعدى كغير المتعدى، ومن أمثلة هذا الحذف، قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ (الزمر 9). إذ المعنى أيستوى من له علم ومن لا علم عنده، من غير أن يقصد النص على معلوم.
وقوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (النجم 43، 44). وقوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (النجم 48). فالمعنى هو الذى منه الإضحاك والإبكاء، والإماتة، والإحياء، والإغناء، والإقناء، فالغرض هنا إثبات الفعل للفاعل. قال عبد القاهر : وإن أردت أن تزداد تبينا لهذا الأصل .. فانظر إلى قوله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ (القصص 23، 24). ففيها حذف مفعول في أربعة مواضع، إذ المعنى: وجد عليه أمة من الناس يسقون أغنامهم، أو مواشيهم، وامرأتين تذودان غنمهما، وقالتا لا نسقى غنمنا، فسقى لهما غنمهما، ثم إنه لا يخفى على ذى بصر أنه ليس في ذلك كله إلا أن يترك ذكره، ويؤتى بالفعل مطلقا، وما ذاك إلا أن الغرض في أن يعلم أنه كان من الناس في تلك الحال سقى، ومن المرأتين ذود، وأنهما قالتا لا يكون منا سقى، حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى عليه السلام من بعد ذلك سقى، فأما ما كان المسقى، أغنما أم إبلا أم غير ذلك، فخارج عن الغرض وموهم خلافه، وذلك أنه لو قيل: وجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما، جاز أن يكون لم ينكر الذود من حيث هو ذود، بل من حيث هو ذود غنم، حتى لو كان مكان الغنم إبل لم ينكر الذود ... فاعرفه، تعلم أنك لم تجد لحذف المفعول في هذا النحو من الروعة والحسن ما وجدت، إلا لأن في حذفه وترك ذكره فائدة جليلة، وأن الغرض لا يصح إلا على تركه».
ويحذف المفعول بعد فعل المشيئة بعد لو، وبعد حروف الجزاء، حذرا من التكرير كما في قوله سبحانه: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى (الأنعام 35). ولا يكاد يأتى مفعول المشيئة إلا في الأمور الغريبة المتعجب منها، كقوله تعالى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء 17). وقوله تعالى: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ (الزمر 4).
ويحذف المضاف كثيرا في القرآن؛ لأغراض شتى، تفهم من هذا الحذف، وقد أحصى عز الدين بن عبد السلام في كتابه: الإشارة إلى الإيجاز، ما حذف من مضافات فى القرآن الكريم، ويطول بى المقام إذا أنا حاولت ذكر السبب في كل حذف، وحسبى أن أورد هنا بعض الأمثلة، مشيرا إلى ما يحدثه الحذف فيها من جمال وروعة:
قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ (البقرة 261). قالوا: أى كمثل باذر حبة أو زارعها. ولعل السر في هذا الحذف هو اتجاه القرآن إلى الصدقة نفسها، والجزاء عليها هذا الجزاء المضاعف.
وقال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ (آل عمران 28). أي فليس من موالاة الله في شىء، يعنى أنه منسلخ من ولاية الله؛ أو لا ترى أن حذف المضاف فى هذه الآية قد أوحى إلى أنفسنا معنى براءة الله منه، وانقطاع الصلة بينه وبين الله، تمام الانقطاع. ومثل ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً (آل عمران 10). ومن أجمل ما حذف فيه المضاف قوله تعالى:
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (البقرة 171). فأصل الجملة ومثل داعى الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع، ثم حذف المضاف وهو داعى، رفعا لشأنه، فى اللفظ، عن أن يقرن بهذا الذى ينعق بما لا يسمع، وبقى المراد وهو أن هؤلاء الكفار صم بكم عمى فهم لا يعقلون.
وحذف الصفة في قوله سبحانه: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (الكهف 79). فقد حذفت الصفة بعد سفينة، إذ المراد بها السفينة الصالحة، لدلالة الآية على هذه الصفة، فإن عيب السفينة لا يخرجها عن أن تكون سفينة، وقد أوحى إلينا هذا الحذف، بأن الملك ينظر إلى السفينة المعيبة، كأنها فقدت حقيقتها.
وكثيرا ما يحذف جواب القسم في القرآن كقوله تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (الفجر 1 - 8).
وقوله تعالى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (ق 1 - 3).
وقوله سبحانه وتعالى: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (النازعات 1 - 7).
فجواب القسم في ذلك كله محذوف يفهم من السورة التى ورد فيها هذا القسم، وإن في هذا الحذف بعث النفس على التفكير، لتهتدى إلى الجواب، وتظل النفس تتبع هذه الآيات، يتلو بعضها بعضا، تستوحى منها هذا الجواب، الذى لا بدّ أن يكون شيئا عظيما يقسم عليه الله، وإذا أنت تتبعت آيات السورة رأيتها حديثا عن البعث، وتعجبا من منكريه، مما يؤذن بأن هذا القسم وارد لتأكيده، وأنه سيكون لا محالة، أو لا ترى في حذف هذا الجواب دلالة على مثوله في الذهن لشدة ما شغل النفس، واستأثر بعميق تفكيرها، يوم نزل القرآن مؤكدا مجىء اليوم الآخر.
وكذلك يحذف في القرآن جواب- لو، ولولا، ولما، وأما، وإذا- ويورث هذا الحذف الكلام قوة وشدة أسر:
فمن أمثلة لَوْ قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (سبأ 51). أو لا ترى في هذا الحذف إشارة إلى أن الجواب أمر عظيم، يترك إلى الخيال إدراكه، أما اللفظ فلا يستطيع الإحاطة به.
وقوله سبحانه: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (الأنبياء 38، 39). وحذف الجواب هنا كأنه يشير إلى تعينه، فإن من يعلم أنه سيعرض للنار، فيشوى بها وجهه وظهره، ولا يجد ناصرا ينصره، إن لم يؤمن، يعمل بكل قواه على أن يتقى هذه النار، فكأن تقدير الآية لو يعلم الذين كفروا .. لما أنكروا البعث، وما لجوا في كفرهم. وقوله تعالى: قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (هود 79، 80). وفي حذف الجواب هنا إخفاء لأمنية تجول في نفس لوط، كأنما لا يستطيع أن يبديها أمام قومه.
وقوله سبحانه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى (الرعد 31). وحذف الجواب هنا يشير إلى أنه من الوضوح بمكان، فلو أن قرآنا أوتى تلك القوة الخارقة، لكان هذا القرآن جديرا أن تكون له هذه القوة. فإذا لم يتضح جواب (لو) ولم يشر إليه سياق الآيات ذكر، كقوله تعالى: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (الحجر 14، 15)؛ لأنه إذا حذف احتمل وجوها، منها أن يقال لما آمنوا، أو لطلبوا ما وراء ذلك. ومن حذف جواب لَوْلا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (النور 19، 20). وترك جواب لَوْلا هنا يثير في نفس هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة الرهبة من عذاب الله، الذى يشير إليه ما بعد لولا. ومن حذف جواب لما قوله سبحانه: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
(الصافات 103 - 105). وفي هذا الحذف إشارة كذلك إلى أن اللفظ لا يستطيع أن يصف ما أصاب إبراهيم وابنه من المسرة والابتهاج. ومن حذف جواب أما قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، واستغنى هنا عن الجواب وهو القول، إذ التقدير فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم استغناء بالمقول عنه. ومن حذف جواب إذا قوله سبحانه: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (يس 45، 46). وكأن في حذف جواب إذا إشارة إلى أنه معروف واضح عند المخاطبين، لا يكاد يحتاج إلى أن يذكر، فضلا عما في الآية الثانية من دلالة عليه فكأنه قيل: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون، أعرضوا، وبينت الآية التالية أن هذا الإعراض سجية لهم، فلا تكاد الآية تأتى إليهم حتى يعرضوا عنها.
ويعتمد القرآن على ذكاء قارئه فيحذف من الجمل ما يستطيع القارئ أن يدركه، لأن السياق يستلزمه ويستدعيه، فمن ذلك قوله تعالى، فى قصة سليمان عليه السلام:
قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (النمل 27 - 29). فحذف ما حذف هنا من تفصيلات جزئية تدرك من السياق، وفي تخطيها وصول إلى العناصر الجوهرية في القصة، وقل مثل ذلك في قوله تعالى: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (مريم 7 - 12). فأغفل القرآن الحديث عن مجىء الغلام، ونشأته، وترعرعه، مما ليس بعنصر أساسى في القصة، ما دامت مخاطبته بأخذ الكتاب مغنية عنه، ونهج القرآن ذلك النهج في كثير من قصصه، ويدخل البلغاء كل ما ذكرناه من الحذف في باب الإيجاز. 

التقديم والتأخير

التقديم والتأخير
إذا كانت الواو لمطلق الجمع، ولا تقتضى ترتيبا، ولا تعقيبا، فليس معنى ذلك أن الآية القرآنية، تجمع بها معطوفات على غير ترتيب ولا نظام، وإذا كان من الجائز أن يتقدم بعض أجزاء الجملة على بعض، فقد حرصت الجملة في القرآن، على أن يكون هذا التقديم، مشيرا إلى مغزى، دالا على هدف، حتى تصبح الآية بتكوينها، تابعة لمنهج نفسى، يتقدم عندها فيها ما تجد النفس تقديمه أفضل من التأخير، فيتقدم مثلا بعض أجزاء الجملة حين يكون المحور الذى يدور عليه الحديث وحده، فيكون هو المقصود والمعنى، والنفس يتقدم عندها من يكون هذا شأنه، فلا جرم أن يتقدم في الجملة، كما تقدم في النفس، ويدعو البلاغيون هذا التقديم بالاختصاص، ومن أمثلته قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فالله هنا وحده أهل العبادة، ومنه وحده نستمد المعونة، وقوله: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (الحاقة 30 - 32). أولا ترى أن الجحيم وهذه السلسلة، لن يفلت منهما أبدا هذا العاصى الأثيم، وقوله تعالى: اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا فتقديم شاخصة على أبصار، يصورها لك كأن كل صفة أخرى لها قد انمحت، ولم يبق لها سوى الانفتاح الذى يؤذن بالخوف، والذهول معا. ولذلك كان نفى الغول مقصورا على خمر الآخرة، دون خمر هذه الحياة الدنيا، دل على ذلك قوله تعالى: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (الصافات 45 - 47). وكان الإنكار منصبا على عبادة غير الله في قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (الزمر 64). قال عبد القاهر «ومن أجل ذلك قدم غَيْرَ فى قوله تعالى: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (الأنعام 40). وكان له من الحسن والمزية والفخامة ما تعلم أنه لا يكون لو أخر فقيل: قل أأتخذ غير الله وليّا، وأ تدعون غير الله، وذلك لأنه قد حصل بالتقديم معنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ وليّا، وأ يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك، أو يكون جهل أجهل، وعمى أعمى من ذلك؟! ولا يكون شىء من ذلك إذا قيل: أأتخذ غير الله وليّا، وذلك لأنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط، ولا يزيد على ذلك فاعرفه. وكذلك الحكم في قوله تعالى: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ (القمر 24). وذلك لأنهم بنوا كفرهم على أن من كان مثلهم بشرا، لم يكن بمثابة أن يتبع ويطاع، وينتهى إلى أن يأمر ويصدق أنه مبعوث من الله تعالى، وأنهم مأمورون بطاعته».
وقلّ في القرآن أن يأتى التقديم للاحتفاظ بالموسيقى في الآية القرآنية، ولزيادة التناسق اللفظى فحسب، ومن ذلك قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (طه 67، 68). فالتقديم والتأخير لهذه الصياغة التى يعنى بها القرآن، وهى إحدى وسائل تأثيره في النفس، وأصل الجملة «فأوجس موسى في نفسه خيفة» وإذا أنت قرنت هذا التعبير بالآية السابقة واللاحقة، وجدت خروجا على النسق، ونفرة لا تلتئم. وللمحافظة على هذه الموسيقى كذلك ورد قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى 9، 10)، وعد ابن الأثير منها قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
(يس 37 - 39). قال : فقوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، ليس تقديم المفعول به على الفعل من باب الاختصاص، وإنما هو من باب مراعاة نظم الكلام، فإنه قال: اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، ثم قال: وَالشَّمْسُ تَجْرِي، فاقتضى حسن النظم أن يقول: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، ليكون الجميع على نسق واحد في النظم أى أن تبدأ الجمل كلها بالأسماء المتناسبة.
وبتقديم بعض المعطوفات والصفات على بعض، كما يتقدم السبب على المسبب، فى قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فتقديمهم العبادة على الاستعانة، تقديم للوسيلة، قبل طلب الحاجة، وذلك أنجح في توقع حصولها، وقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (الفرقان 48، 49). فتقدم ذكر البلدة الميتة؛ لأن في حياتها حياة الأنعام، فمن نباتها تأكل وتنمو، وتقدم الأنعام على الأناس، لأن في حياة تلك حياة هؤلاء؛ ولهذا قدمت التوبة، على الطهارة، فى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة 222). وقدم الإفك على الإثم في قوله سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الجاثية 7). والاعتداء عليه، فى قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (القلم 10 - 12). ويرد الحكيم بعد العليم، فى معظم الآيات التى ورد فيها الوصفان، فإن ورد الوصف بالحكمة أولا كان ذلك لاتجاهات أخرى، اقتضاها سياق الآية.
وتتقدم الكلمة لتقدمها في الزمن، أو العمل، كما في الآيات التى ورد فيها ذكر الأنبياء وكتبهم، فإن بعضهم يتقدم على بعض، يسبق زمنه، كقوله تعالى:
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ (آل عمران 3، 4). وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (الحج 77). وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (المائدة 6).
وللترقى من العدد القليل إلى الكثير، كما في قوله سبحانه: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء 3). وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (المجادلة 7). وأما قوله سبحانه: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (سبأ 46). فقد سيقت في مقام دعوتهم إلى التفكير في شأن محمد ورسالته، وربما كان اجتماعهم مثنى، أسرع في وصولهم إلى الحق، فقد تعترض أحدهم شبهة، فيبددها صاحبه، ولهذا قدم مثنى على فرادى.
ولتقديم الكثير على ما دونه، ولهذا قدم السارق على السارقة في قوله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة 38). لأن السرقة في الذكور أكثر. والأزواج على الأولاد، فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التغابن 14)؛ لأن العداوة في الأزواج أكثر منها في الأولاد.
وقدمت الأموال على الأولاد، فى قوله سبحانه: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التغابن 15). لأن الأموال أكثر فتنة من الأولاد، كما قدمت في الآية الكريمة: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا (الكهف 46). ولكنه عند ذكر الشهوات، قدم النساء والبنين عليها، فقال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (آل عمران 14).
ولشرف المقدم وعلو رتبته، ولهذا قدم اسمه تعالى في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء 59). وقوله تعالى:
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً (المؤمنون 50). أما قوله تعالى: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء 91). فلأن الكلام السابق كان حديثا عنها.
ولأنه أدل على القدرة، كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (النور 45). ومما يحتاج إلى تدبر لإدراك سر تقدمه قوله سبحانه: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (البقرة 255). فقد يبدو أن نفى النوم بعد السنة لا محل له، فنفى السنة يدل من باب أولى على نفى النوم، ولكن نسق الآية يريد أن ينفى الشبه بين الله والإنسان، فهو قيوم، مدبر لشئون السموات والأرض، لا يدركه ما يدرك الناس، من سنة، يعقبها نوم، فيترك شئون العالم، ولا يديرها، فالترتيب هنا ترتيب زمنى، لا ترتيب يتجه إلى نفى الأدنى فالأكثر. وتقدم ضمير المخاطبين على الضمير العائد على الأولاد في قوله سبحانه:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام 151). وفي موضع آخر، تقدّم الضمير العائد على الأولاد، وتأخر ضمير المخاطبين في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الإسراء 31). ولعل السّر في ذلك أنه في الآية الأولى يخاطب آباء مملقين، بدليل قوله من إملاق، فكان من البلاغة أن يسرع فيعد هؤلاء الآباء بما يغنيهم من الرّزق، وأن يكمل ذلك بعدتهم برزق أبنائهم، حتى تسكن نفوسهم، ولا يجد القلق سبيلا إليها. أما في الآية الثانية فالخطاب للأغنياء، بدليل قوله خشية
إملاق، فإنه لا يخشى الفقر إلا من كان غنيّا، إذ الفقير منغمس في الفقر، فكان من البلاغة أن يقدم وعد الأبناء بالرزق، حتى يسرع بإزالة ما يتوهمون من أنهم بإنفاقهم على أبنائهم، صائرون إلى الفقر بعد الغنى، ثم مضى يكمل طمأنينتهم فوعدهم بالرزق بعد عدة أبنائهم به.
وهكذا نرى القرآن الكريم، لا ينهج في ترتيب كلماته سوى هذا المنهج الفنّى الذى يقدم ما يقدم، لمعنى نفهمه وراء رصف الألفاظ، وحكمة ندركها من هذا النسج المحكم المتين.

إناه

إناه : قال شيدلة في البرهان:) إناه (أي نضجة بلسان أهل المغرب. وقال أبو القاسم في) لغات القرآن (بلغة البربر.
أن ي [إناه]
قال: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: إِناهُ .
قال: الأنا: النضج. يعني إذا أدرك الطعام، وذلك أن أمراء المؤمنين كانوا يدخلون بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فيحدثون قبل أن يدرك الطعام ويكلمون نساءه، وذلك قبل الحجاب، فشق ذلك على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ .
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
يفعم ذاك الأنا العبيط كما ... يفعم عزب المجالة الجمل 

المعرة

(المعرة) الْأَذَى والمساءة وَالْمَكْرُوه وَالْغُرْم وَالدية وَالْإِثْم والشدة وَمَوْضِع الجرب ومعرة الْجَيْش أَن ينزلُوا بِقوم فيأكلوا من زرعهم وَأَمْوَالهمْ بِمَا لم يُؤذن لَهُم فِيهِ
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.