Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: وجوب

الظِّهَار

(الظِّهَار) وجع الظّهْر
الظِّهَار: بِالْكَسْرِ من الظّهْر وَهُوَ فِي اللُّغَة بِمَعْنى المعاونة كالتظاهر بِمَعْنى التعاون وَتقول ظَاهر من امْرَأَته وتظاهر مِنْهَا أَي قَالَ لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وتعديته بِمن لتضمين معنى الْبعد. وَفِي الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق الظِّهَار فِي اللُّغَة مصدر ظَاهر امْرَأَته إِذا قَالَ لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي كَذَا فِي الصِّحَاح وَفِي الْمِصْبَاح قيل إِنَّمَا خص ذَلِك بِذكر الظّهْر لِأَن الظّهْر من الدَّابَّة مَوْضُوع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوبة وَقت الغشيان فركوب الْأُم مستعار من ركُوب الدَّابَّة ثمَّ شبه ركُوب الزَّوْجَة بركوب الْأُم الَّذِي هُوَ مُمْتَنع وَهُوَ اسْتِعَارَة لَطِيفَة فَكَأَنَّهُ قَالَ ركوبك للنِّكَاح حرَام عَليّ وَكَانَ الظِّهَار طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فنهوا عَن الطَّلَاق بِلَفْظ الْجَاهِلِيَّة وَأوجب عَلَيْهِم الْكَفَّارَة تَغْلِيظًا فِي النَّهْي انْتهى.
وَهُوَ فِي الشَّرْع تَشْبِيه زَوْجَة أَو تَشْبِيه مَا عبر بِهِ عَنْهَا كالرأس وَالْوَجْه والرقبة وَنَحْوهَا أَو تَشْبِيه جُزْء شَائِع مِنْهَا كالنصف وَالرّبع بعضو يحرم نظره إِلَيْهِ من أَعْضَاء مَحَارمه أبدا نسبا أَو رضَاعًا أَو ظهرية كَأُمِّهِ وبنته نسبا أَو رضَاعًا وَأم امْرَأَته وَلَا بُد وَأَن يكون الْمظَاهر مُسلما عَاقِلا بَالغا فَلَا صَحَّ ظِهَار الذِّمِّيّ وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الظِّهَار تَشْبِيه مُسلم عَاقل بَالغ مَا يُضَاف وينسب إِلَيْهِ الطَّلَاق من الزَّوْجَة بِمَا يحرم إِلَيْهِ النّظر من عُضْو محرمه أَي الْمحرم نِكَاحهَا مؤيدا بِنسَب أَو رضَاع أَو صهرية.
وَفِي كنز الدقائق هُوَ تَشْبِيه الْمَنْكُوحَة بمحرمة عَلَيْهِ على التَّأْبِيد. قيد التَّشْبِيه بالمنكوحة احْتِرَازًا عَن الْأمة والأجنبية وَلم يقيدها بِشَيْء ليشْمل المدخولة وَغَيرهَا. الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة، الرتقاء وَغَيرهَا، الْعَاقِلَة والمجنونة، الْمسلمَة والكتابية وَقيد بالتأبيد لِأَنَّهُ لَو شبهها بأخت امْرَأَته لَا يكون مُظَاهرا لِأَن حرمتهَا مُؤَقَّتَة بِكَوْن امْرَأَته فِي عصمته وَكَذَا الْمُطلقَة ثَلَاثًا. وَأطلق الْحُرْمَة فَيشْمَل الْمُحرمَة نسبا وصهرا ورضاعا فَلَو شبهها بِأُمِّهِ أَو بِأم امْرَأَته أَو بِأُمِّهِ رضَاعًا كَانَ مُظَاهرا. وَأَرَادَ بالتأبيد تأبيد الْحُرْمَة بِاعْتِبَار وصف لَا يُمكن زَوَاله لَا بِاعْتِبَار وصف يُمكن زَوَاله فَإِن للمجوسية حُرْمَة لَا على التَّأْبِيد فَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر مَجُوسِيَّة لَا يكون مُظَاهرا. ذكر فِي جَوَامِع الْفِقْه لِأَن التَّأْبِيد بِاعْتِبَار دوَام الْوَصْف وَهُوَ غير لَازم للمجوسية لجَوَاز إسْلَامهَا بِخِلَاف الأمية والأختية وَغَيرهمَا كَذَا فِي فتح الْقَدِير وَهُوَ يُوجب حُرْمَة الوطئ ودواعيه حَتَّى يكفر فَلَو وطئ قبل التَّكْفِير يكون عَاصِيا اسْتغْفر الْغفار وَلَا يجب عَلَيْهِ غير الْكَفَّارَة الأولى. وَإِنَّمَا تجب الْكَفَّارَة بِعُود الْمظَاهر ورجوعه. فالعود هُوَ الْمُوجب لِلْكَفَّارَةِ ويستقر وُجُوبــهَا بِهِ وَلَيْسَ المُرَاد بِالْعودِ الْوَطْء بل عوده عزمه على وَطئهَا وكفارته تَحْرِير رَقَبَة فَإِن لم يسْتَطع عَلَيْهَا صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين لَيْسَ فيهمَا رَمَضَان وَأَيَّام منهية وَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم أطْعم سِتِّينَ فَقِيرا كالفطرة أَو قِيمَته. ( [حرف الْعين] )

الْعَاشِر

الْعَاشِر: يحْتَمل التصيير وَالْحَال. وَفِي الشَّرْع من نَصبه الإِمَام على الطَّرِيق ليَأْخُذ الصَّدقَات من التُّجَّار الَّذين يَمرونَ عَلَيْهِ عِنْد استجماع شَرَائِط الْــوُجُوب.

عدم ارْتِفَاع النقيضين مخيل

عدم ارْتِفَاع النقيضين مخيل: أَي عِنْد العنادية من السوفسطائية. قَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة فِي حَوَاشِيه على شرح العقائد النسفية قَوْله إِن لم يتَحَقَّق نفي الْأَشْيَاء فقد ثَبت، يرد عَلَيْهِ أَن عدم ارْتِفَاع النقيضين من جملَة المخيلات عِنْدهم فَلَا يلْزم من عدم تحقق النَّفْي الثُّبُوت انْتهى. أَقُول حَاصله أَنكُمْ قُلْتُمْ إِن لم يتَحَقَّق نفي الْأَشْيَاء فقد ثَبت شَيْء من الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ إِن لم يثبت يلْزم ارْتِفَاع النقيضين وَهُوَ محَال مَعْدُوم فَيجوز أَن يَقُول العنادية أَن عَدمه من جملَة المخيلات عندنَا أَي لَيْسَ عَدمه فِي نفس الْأَمر بل من الموهومات والمخيلات فَيجوز ارْتِفَاع النقيضين فَلَا يلْزم من عدم تحقق نفي الْأَشْيَاء ثُبُوت شَيْء من الْأَشْيَاء فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع هُنَاكَ.
عدم الدَّلِيل على وجود الشَّيْء لَا يُوجب نَفْيه: أَي نفي وجوده، وَقَالَ بعض القاصرين إِنَّه يُوجِبهُ لِأَن دَلِيل عدم وجود الْجبَال الشاهقة بحضرتنا مَعْدُوم فَلَو لم يجب نفي مَدْلُوله أَعنِي وجودهَا لجَاز وجودهَا بحضرتنا وَهَذَا الْجَوَاز بَاطِل فَإنَّا نعلم عدم وجودهَا قطعا فَثَبت أَن عدم دَلِيل وجود الشَّيْء يُوجب نَفْيه. وَالْجَوَاب أَن الدَّلِيل ملزوم والمدلول لَازمه وَانْتِفَاء اللَّازِم لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَلْزُوم لجَوَاز كَون اللَّازِم أَعم من ملزومه وَعدم وجود تِلْكَ الْجبَال مَعْلُوم لنا بالبداهة بالِاتِّفَاقِ لَا بِعَدَمِ دَلِيل وجودهَا وَإِلَّا لَكَانَ الْعلم بعدمها استدلاليا بِأَن يُقَال إِن دَلِيل وجودهَا مَعْدُوم وَعدم الدَّلِيل يُوجب عدم الْمَدْلُول فعدمها ثَابت وَأَيْضًا مَا المُرَاد بِعَدَمِ الدَّلِيل على وجود الشَّيْء إِن أُرِيد بِهِ أَنه لَا دَلِيل فِي نفس الْأَمر منعناه لِأَن عدم الْعلم بالشَّيْء لَا يسْتَلْزم عَدمه فِي نفس الْأَمر. وَإِن أُرِيد أَنه لَا دَلِيل عندنَا فَمُسلم لَكِن لَا يُفِيد وجوب نَفْيه لجَوَاز أَن يكون دَلِيله مَوْجُودا فِي نفس الْأَمر وَإِن لم يكن مَعْلُوما لنا.

الْعلم تَابع للمعلوم

الْعلم تَابع للمعلوم: فَإِن الْعلم صُورَة حَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل فَلَا يكون الْمَعْلُوم أَعنِي الشَّيْء حَاصِلا قبل حُصُول صورته الَّتِي هِيَ الْعلم فَمَعْنَى كَونه تَابعا للمعلوم أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا بعد وُقُوعه، وَعَلَيْك أَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي علمنَا لَا فِي علمه تَعَالَى. نعم إِن علمه تَعَالَى أَيْضا تَابع للمعلوم لَكِن لَا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور بل بِمَعْنى أَن الْمُطَابقَة تعْتَبر من جِهَة الْعلم بِأَن يكون هُوَ على طبق الْمَعْلُوم وقوعا وَعدم وُقُوع فَلَا يرد الْمَنْع بِأَنا لَا نسلم كَون علمه تَعَالَى تَابعا للمعلوم بِمَعْنى أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا بعد وُقُوعه فَإِن الله تَعَالَى عَالم فِي الْأَزَل بِكُل شَيْء أَنه يكون أَو لَا يكون وَحِينَئِذٍ لزم الْــوُجُوب والامتناع فَيبْطل الِاخْتِيَار والتكليف وَيثبت الْجَبْر.
وَأما الْعلم الْفعْلِيّ الخلاق فمقدم على الْمَعْلُوم مُطلقًا لَكِن فِي علمه تَعَالَى بِالذَّاتِ وَفِي علمنَا بِالزَّمَانِ، وَأَنت تعلم أَن علمه تَعَالَى حضوري لَا حصولي حَتَّى يتَصَوَّر هُنَاكَ صُورَة فَتَأمل.

عود الشَّيْء على مَوْضِعه بِالنَّقْضِ

عود الشَّيْء على مَوْضِعه بِالنَّقْضِ: كَون مَا شرع لمَنْفَعَة الْعباد فَيكون الْأَمر بِهِ للْإِبَاحَة فَلَو كَانَ الْأَمر بِهِ للْــوُجُوب يعود الْأَمر على مَوْضِعه وبالنقض حَيْثُ يلْزم الْإِثْم والعقوبة بِتَرْكِهِ. الْعَوْل: فِي اللُّغَة الْميل إِلَى الْجور وَالرَّفْع. وَعند أَرْبَاب الْفَرَائِض الْعَوْل زِيَادَة بعض السِّهَام على مخرجها وَقت ضيقه عَن الْوَفَاء بالفروض المجتمعة فِي ذَلِك الْمخْرج وَحِينَئِذٍ يدْخل النُّقْصَان عَلَيْهِم بِقدر حصصهم.

الْفَضِيلَة

(الْفَضِيلَة) الدرجَة الرفيعة فِي حسن الْخلق وفضيلة الشَّيْء مزيته أَو وظيفته الَّتِي قصدت مِنْهُ يُقَال (فَضِيلَة السَّيْف إحكام الْقطع وفضيلة الْعقل إحكام الْفِكر) (ج) فَضَائِل
و (أُمَّهَات الْفَضَائِل) هِيَ الْحِكْمَة والعفة والشجاعة وَالْعدْل
الْفَضِيلَة: المزية الْغَيْر المتعدية أَي المزية الْمُقْتَضِيَة فِي تحققها بِحَسب مفهومها التَّعَدِّي ووصول الْأَثر إِلَى الْغَيْر كَالْعلمِ. والمزية هِيَ الْخصْلَة الَّتِي هِيَ ذَات فضل وَجَمعهَا الْفَضَائِل. وَأما الفواضل فَهِيَ جمع فاضلة وَهِي المزية المتعدية كالإحسان والإنعام. وَالْمرَاد بالمتعدي هَا هُنَا هُوَ الْمُتَعَلّق بِالْغَيْر وجوبــا فِي تحَققه فَإِن الإنعام هُوَ إِعْطَاء النِّعْمَة للْغَيْر لَا المُرَاد بالمتعدي الْمُنْتَقل إِلَى الْغَيْر كَمَا توهم فَإِن الْإِحْسَان والإنعام لكَون كل مِنْهُمَا عرضا فعلا لَا يقبل الِانْتِقَال. وَقد عرفت معنى المزية آنِفا فِي الْفَضِيلَة.

الْفطْرَة

الْفطْرَة: وَفِي (الْقنية) وزن أَرْبَعَة (أَقْرَان) وَنصف أَي رَطْل وَاحِد ويوزن أَرْبَعَة عشر تنكة وَثَلَاثَة عشر قرنا وَوزن نصف الصَّاع الَّذِي هُوَ أَرْبَعَة أَرْطَال مَا يعادل سَبْعَة وَخمسين تنكة وَنصف وَعشرَة أَقْرَان والرطلان الشرعيان يعادلان ثَمَانِيَة وَعشْرين تنكة وَنصف واثنتا عشر قرنا.
(الْفطْرَة) صَدَقَة الْفطر والخلقة الَّتِي يكون عَلَيْهَا كل مَوْجُود أول خلقه والطبيعة السليمة لم تشب بِعَيْب وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله} والفطرة السليمة (فِي اصْطِلَاح الفلاسفة) استعداد لإصابة الحكم والتمييز بَين الْحق وَالْبَاطِل (مج)(ج) فطر
الْفطْرَة: بِالْكَسْرِ على وزن الْخلقَة فِي اللُّغَة (آفرينش وَدين وجبلت وآغاز كَارِهًا) . وَفِي بعض كتب الْفِقْه كمختصر الْوِقَايَة الْفطْرَة من بر الخ على حذف الْمُضَاف أَي صَدَقَة الْفطْرَة أَي صَدَقَة الْإِنْسَان الْمَخْلُوق فيؤول إِلَى قَوْله زَكَاة الرؤوس فَإِنَّهُ هُوَ السَّبَب للصدقة عِنْد الْجُمْهُور فالفطرة على هَذَا الْمَعْنى المفطور أَي الْمَخْلُوق.
اعْلَم أَن صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة على الْحر الْمُسلم الْمَالِك لمقدار النّصاب الْفَاضِل عَن حَوَائِجه الْأَصْلِيَّة سَوَاء كَانَ ناميا أَو لَا. وَتجب عَن نَفسه وطفله الْفَقِير وَعَن مَمْلُوكه للْخدمَة مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا وَعَن مدبره وَأم وَلَده لَا عَن زَوجته وَولده الْكَبِير وَلَا عَن مكَاتبه وَلَا عَن عبد مُشْتَرك وَلَا عَن عبيد مُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره وَالْمَعْتُوه وَالْمَجْنُون بِمَنْزِلَة الصَّغِير سَوَاء كَانَ أَصْلِيًّا بِأَن بلغ مَجْنُونا أَو عارضيا وَإِذا كَانَ الْوَلَد الصَّغِير أَو الْمَجْنُون ذَا مَال فالأب أَو وَصِيّه أَو جدهما أَو وَصِيّه يخرج صَدَقَة الْفطر من مَالهمَا. وَلَا تجب عَن الْجَنِين لِأَنَّهُ لَا يعرف حَيَاته. وَلَا يُؤَدِّي عَن أجداده وجداته وَلَا تلْزم للرجل الْفطْرَة عَن أَبِيه وَأمه وَإِن كَانَا فِي عِيَاله لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا تلْزم عَن أَوْلَاده الْكِبَار وَإِن كَانُوا فِي عِيَاله وَلَو أدّى عَنْهُم أَو عَن زَوجته بِغَيْر إذْنهمْ أجزاهم. وَيجب دفع صَدَقَة فطر كل شخص إِلَى مِسْكين وَاحِد حَتَّى لَو فرقها على مسكينين أَو أَكثر لم يجز. وَيجوز دفع مَا يجب على جمَاعَة إِلَى مِسْكين وَاحِد.
وَإِنَّمَا تجب صَدَقَة الْفطْرَة من أَرْبَعَة أَشْيَاء من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب وَهِي نصف صَاع من بر أَو زبيب أَو صَاع من تمر أَو شعير كَذَا فِي كنز الدقائق ودقيق الْبر وَالشعِير وسويقهما مثلهمَا. وَالْخبْز لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيمَة وَهُوَ الْأَصَح. وَأما الزَّبِيب فقد ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير نصف صَاع عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى صَاعا وَهُوَ قَوْلهمَا. والأحوط أَن يُرَاعِي فِيهِ الْقيمَة. والدقيق أولى من الْبر. وَالدَّرَاهِم أولى من الدَّقِيق لدفع الْحَاجة وَمَا سوى مَا ذكر من الْحُبُوب لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيمَة. وَذكر فِي الْفَتَاوَى أَن الْقيمَة أفضل من عين الْمَنْصُوص وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
وَأما وَقت وُجُوبــهَا فَهُوَ بعد طُلُوع الصُّبْح الصَّادِق من يَوْم الْفطر فَمن ولد أَو أسلم قبله وَجَبت وَمن ولد أَو أسلم بعده أَو مَاتَ قبله لم تجب وَالْمُسْتَحب إِخْرَاج الْفطْرَة بعد طُلُوع الْفجْر قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى. والصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال بالبغدادي والرطل الْبَغْدَادِيّ عشرُون أستارا والأستار أَرْبَعَة مَثَاقِيل وَنصف.
وَاعْلَم أَن الْوَلَد إِذا كَانَ بَين أبوين فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَقَة تَامَّة فَإِن كَانَ أَحدهمَا مُوسِرًا وَالْآخر مُعسرا أَو مَيتا فعلى الآخر صَدَقَة تَامَّة وَسَائِر تفاصيل هَذَا الْبَاب فِي مطولات الْفِقْه.

الْإِكْرَاه

الْإِكْرَاه: فِي اللُّغَة حمل إِنْسَان على أَمر لَا يُريدهُ طبعا أَو شرعا وَالِاسْم مِنْهُ الكره بِالْفَتْح. وَفِي الشَّرْع حمل الْغَيْر على مَا يكره بالوعيد. وَبِعِبَارَة أُخْرَى فعل يَفْعَله الْمَرْء بِغَيْرِهِ فَيفوت بذلك رضَا الْغَيْر. ثمَّ الْفَائِت لرضاه نَوْعَانِ (صَحِيح الِاخْتِيَار) و (فَاسد الِاخْتِيَار) ويسميان بالقاصر - والكامل - وَغير الملجأ - والملجأ. والإلجاء هُوَ الْوَعْد بِتَلف نفس أَو عُضْو فَإِن الإلجاء فِي اللُّغَة مُضْطَر ساختن. وَلَا شكّ أَن الْإِنْسَان يضْطَر بذلك الْوَعْد فبالإلجاء يفْسد الِاخْتِيَار إِذا الْإِنْسَان مجبول على حب الْحَيَاة وَذَلِكَ يضْطَر على مَا أكره عَلَيْهِ فَيفْسد اخْتِيَار الْمُكْره (بِالْفَتْح) بِحَيْثُ يصير آلَة للمكره (بِالْكَسْرِ) . وَغير الإلجاء هُوَ الْوَعْد بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيد وَالْمكْره (بِالْفَتْح) حِينَئِذٍ لَا يضْطَر على مَا أكره عَلَيْهِ فَلَا يصير آلَة للمكره (بِالْكَسْرِ) فَلَا يفوت وَلَا يفْسد اخْتِيَاره بل يفوت رِضَاهُ. فالنوعان مشتركان فِي فَوت الرِّضَا ومتمايزان فِي فَسَاد الِاخْتِيَار فَإِن النَّوْع الأول أَعنِي الْمُكْره الملجأ لَيْسَ بِصَحِيح الِاخْتِيَار بِخِلَاف النَّوْع الثَّانِي أَعنِي الْمُكْره الْغَيْر الملجأ فَإِن الِاخْتِيَار فِيهِ لَيْسَ بفاسد وَيظْهر التَّفَاوُت فِي الْأَحْكَام فَإِن الْإِكْرَاه بِالْحَبْسِ والقيد على إِجْرَاء كلمة الْكفْر لَا يثبت الرُّخْصَة وَالْإِكْرَاه بِالْقَتْلِ أَو الْقطع يثبتها. وَمعنى فَسَاد الِاخْتِيَار أَن يتَطَرَّق إِلَيْهِ نُقْصَان لَا أَنه فَاتَ أصلا لِأَن أَهْلِيَّة الْــوُجُوب وَالْأَدَاء وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب بَاقِيَة فِي كلا النَّوْعَيْنِ من الْإِكْرَاه لِأَنَّهَا ثَابِتَة بِالذِّمةِ. وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِكْرَاه لَا يخل فِيهِ بِشَيْء مِنْهُمَا. أَلا ترى أَنه مُتَرَدّد بَين فرض وخطر ورخصة وَمرَّة يَأْثَم وَمرَّة يُثَاب كَسَائِر أَفعَال الْمُكَلّفين فِي حَالَة الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ يحرم على الْمُكْره الملجأ قتل النَّفس وَقطع الطَّرِيق وَالزِّنَا والربا. ويفرض عَلَيْهِ أَن يمْتَنع من ذَلِك ويثاب عَلَيْهِ إِن امْتنع ويعاقب وَيقتل إِن قتل نفسا. وَفِي الْوِقَايَة الْإِكْرَاه فعل يوقعه بِغَيْرِهِ أَي يُوقع الرجل الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) ذَلِك الْفِعْل بِغَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْمُكْره (بِالْفَتْح) .

أَصْحَاب الْعدْل والتوحيد

أَصْحَاب الْعدْل والتوحيد: سمى الْمُعْتَزلَة أنفسهم أَصْحَاب الْعدْل والتوحيد لقَولهم بِــوُجُوب ثَوَاب الْمُطِيع وعقاب العَاصِي على الله تَعَالَى وَقَوْلهمْ نفي الصِّفَات الْقَدِيمَة يَعْنِي أَنهم سموا أنفسهم أَصْحَاب الْعدْل بِالْقِيَاسِ إِلَى القَوْل الأول وَأَصْحَاب التَّوْحِيد بِالنّظرِ إِلَى القَوْل الثَّانِي وَلَا يخفى أَنهم قد ضلوا ضلالا بَعيدا وَلم يعلمُوا أَن تصرف الْمَالِك الْحَقِيقِيّ الْمخْرج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فِي ملكه ومخلوقه كَيفَ يَشَاء لَيْسَ بظُلْم وَأَن القَوْل بتعد القدماء مُطلقًا لَا يُنَافِي التَّوْحِيد فَإِن تعد الذوات الْقَدِيمَة يُنَافِيهِ دون تعدد الصِّفَات الْقَدِيمَة فَافْهَم.

التوقي

التوقي: جعل النفس في وقاية مما يخاف، هذا حقيقته ثم يسمى الخوف تارة تقوى والتقوى خوفا بحسب المقتضى لمقتضيه والمقتضي لمقتضاه، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم بترك المحظور وبعض المباحات. توقف: الشيء على الشيء إن كان من جهة الشروع يسمى مقدمة ومن جهة الشعور يسمى معرفا أو من جهة الوجود. فإن كان داخلا فيه سمي ركنا كالقيام بالنسبة للصلاة، وإلا فإن كان مؤثرا فيه سمي علة فاعلية كالمصلي بالنسبة إليها، والاسمى شرطا فيه وجوبــا أو عدميا.

الشجرة

الشجرة: الإنسان الكامل مدبر هيكل الجسم الكلي فإنه جامع الحقيقة، منتشر الدقائق إلى كل شيء، فهو شجرة وسطية {لَا شَرْقِيَّةٍ} وجوبــية و {وَلا غَرْبِيَّةٍ} إمكانية بل أمر بين الأمرين {أَصْلُهَا ثَابِت} في الأرض السفلى {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} العلى.

الحرف

الحرف: الزائد، ما سقط في بعض تصاريف الكلمة.
الحرف: الأصلي، ما ثبت في تصاريف الكلمة لفظا أو تقديرا.
الحَرف: أعني حرف المباني وهي الحروف الهجائية قال القاري: "قالوا في تعريف الحرف: هو صوتٌ معتمد على مقطع محقق وهو أن يكون اعتمادُه على جزء معين من أجزاء الحلق واللسان والشفة أو مقطع مقدرٌ وهو هواء الفم".
الحرف:
[في الانكليزية] Particle
[ في الفرنسية] Particule
في اصطلاح النحاة كلمة دلّت على معنى في غيره ويسمّى بحرف المعنى أيضا، وبالأداة أيضا. ويسمّيه المنطقيون بالأداة. ومعنى قولهم على معنى في غيره على معنى ثابت في لفظ غيره، فإنّ اللام في قولنا الرجل مثلا يدلّ بنفسه على التعريف الذي هو في الرجل، وهل في قولنا هل قام زيد يدلّ بنفسه على الاستفهام الذي هو في جملة قام زيد. وقيل المعنى على معنى حاصل في غيره أي باعتبار متعلّقه لا باعتباره في نفسه. وهذا هو التحقيق؛ وقد مرّ ذلك مستوفى في لفظ الاسم.
ثم الحروف بعضها عاملة جارة كانت أو جازمة أو ناصبة صرفة كان وأخواتها، أو مع الرفع كالحروف المشبّهة بالفعل وهي إنّ وأنّ وكأنّ وليت ولعلّ ولكنّ فإنها تنصب الاسم وترفع الخبر على عكس ما ولا المشبّهتين بليس، وبعضها غير عاملة كحروف العطف كالواو وأو وبل ونحوها مما يحصل به العطف، وحروف الزيادة التي لا يختلّ بتركها أصل المعنى كإن المكسورة المخففة وتسمّى بحروف الصّلة كما يجيء في لفظ الصلة. وحروف النفي الغير العاملة، وحروف النداء التي يحصل بها النداء كيا، وحروف الاستثناء وحروف الاستفهام، وحروف الإيجاب كنعم وبلى، وحروف التنبيه كها وألا، وحروف التحضيض كهلا وألّا، وحروف التفسير كأي، وحروف التنفيس كالسين وسوف، وحرف التوقّع كقد، وحرف الردع أي الزجر والمنع وهو كلّا، وغير ذلك. وإن شئت تفاصيل هذه فارجع إلى كتب النحو.
الحرف:
* " صوت مُعتمد على مقطع محقق أو مقدر "، وهو ما يتألف منه الكلام، وهي (أ، ب، ت .. إلخ، والمشهور في عدتها تسعة وعشرون حرفاً، منها عشرة أحرف زائدة، وتسعة عشر حرفاً أصلياً، أما (الحروف الزائدة) فمجموعة في (سألتمونيها) وهي التي لا يقع في كلام العرب حرف زائدة في اسم ولا فعل إلا من هذه الأحرف العشرة، والمقصود بالزيادة هناك أن يأتي زائداً على وزن (فعل) أي ليس بفاء الكلمة ولا عينها ولا لامها، نحو (استكبر)، وتقع هذه الزوائد في مواضع أخرى أصلاً، ولذلك تلقب بـ (الحروف المذبذبة) وأما (الحروف الأصلية) فهي ما عدا الحروف الزائدة المذكورة وعدتها تسعة عشر حرفاً، وإنما سميت بذلك لأنها لا تقع في كلام العرب إلا أصولاً. وثمة خمسة حروف فرعية زائدة على التسعة والعشرين مستعملة في كلام العرب ونزل بها القرآن الكريم وهي النون الخفيفة والألف الممالة والألف المغلظة كما في طريق الأزرق (ت في حدود 240 هـ) عن ورش (ت 197 هـ) في تغليظ اللامات والصاد المشمة صوت الزاي كما في (صراط) وما أشبه عن حمزة (ت 156 هـ) والهمزة المسهلة بَينَ بَينَ، ويقال لها: (الحروف المشربة) و (الحروف المشوبة) و (الحروف المخالطة)؛ لأنها مشربة بغيرها وتتخالط في اللفظ مع غيرها.
القراءة، " فمعناه أن قراءة كل إمام تسمى حرفاً، كما يقال: قرأ بحرف نافع وبحرف أبي وبحرف ابن مسعود، وكذلك قراءة كل إمام تسمى حرفاً ".
الحرف:
[في الانكليزية] Letter ،phoneme
[ في الفرنسية] Lettre ،phoneme
بالفتح وسكون الراء المهملة في العرف أي عرف العرب كما في شرح المواقف يطلق على ما يتركب منه اللفظ نحو اب ت لا ألف وباء وتاء، فإنّها أسماء الحروف لا أنفسها كما في النظامي شرح الشافية ويسمّى حرف التهجي وحرف الهجاء وحرف المبني. وماهيته واضحة بديهية وجميع ما ذكر في تعريفها المقصود منها التنبيه على خواصها وصفاتها.
وبهذا الاعتبار عرفه القرّاء بأنه صوت معتمد على مقطع محقّق وهو أن يكون اعتماده على جزء معين من أجزاء الحلق واللسان والشفة، أو مقطّع مقدّر وهو هواء الفم إذ الأنف لا معتمد له في شيء من أجزاء الفم بحيث إنه ينقطع في ذلك الجزء، ولذا يقبل الزيادة والنقصان ويختصّ بالإنسان وضعا كذا في تيسير القاري.
وعرّفه ابن سينا بأنه كيفية تعرض للصوت بها أي بتلك الكيفية يمتاز الصوت عن صوت آخر مثله في الحدة والثقل تمييزا في المسموع. فقوله كيفية أي هيئة وضعية. وقوله تعرض للصوت أراد به ما يتناول عروضها له في طرفه عروض الآن للزمان، فلا يرد ما قيل إنّ التعريف لا يتناول الصوامت كالتاء والطاء والدال فإنها لا توجد إلّا في الآن الذي هو بداية زمان الصوت أو نهايته فلا تكون عارضة له حقيقة، إذ العارض يجب أن يكون موجودا مع المعروض، وهذه الحروف الآنية لا توجد مع الصوت الذي هو زماني. وتوضيح الدفع أنها عارضة للصوت عروض الآن للزمان والنقطة للخط، فإنّ عروض الشيء للشيء قد يكون بحيث يجتمعان في الزمان وقد لا يكون، وحينئذ يجوز أن يكون كلّ واحد من الحروف الآنية طرفا للصوت عارضا له عروض الآن للزمان. وقوله مثله في الحدّة والثقل ليخرج عن التعريف الحدّة والثّقل فإنّهما وإن كانتا صفتين مسموعتين عارضتين للصوت يمتاز بهما ذلك الصوت عما يخالفه في تلك الصفة العارضة، إلّا أنه لا يمتاز بالحدّة صوت عن صوت آخر يماثله في الحدّة ولا بالثقل صوت عما يشاركه فيه. وقوله تمييزا في المسموع ليخرج الغنّة وهي التي تظهر من تسريب الهواء بعضها إلى جانب الأنف وبعضها إلى الفم مع انطباق الشفتين، والبحوحة التي هي غلظ الصوت الخارج من الحلق، فإنّ الغنّة والبحوحة سواء كانتا ملذتين أو غير ملذتين صفتان عارضتان للصوت يمتاز بهما عما يشاركه في الحدّة والثّقل، لكنهما ليسا مسموعين، فلا يكون التمييز الحاصل منهما تمييزا في المسموع من حيث هو مسموع ونحوهما كطول الصوت وقصره، وكونه طيبا وغير طيب، فإنّ هذه الأمور ليست مسموعة أيضا. أما الطول والقصر فلأنهما من الكميات المحضة والمأخوذة مع الإضافة ولا شيء منهما بمسموع وإن كان يتضمن هاهنا المسموع، فإنّ الطول إنما يحصل من اعتبار مجموع صوتين صوت حاصل في ذلك الوقت وهو مسموع وصوت حاصل قبل ذلك الوقت وهو ليس بمسموع. وأمّا كون الصوت طيبا أي ملائما للطبع أو غير طيب فأمر يدركه الوجدان دون السمع فهما مطبوعان لا مسموعان، إذ قد تختلف هذه الأمور أعني الغنّة والبحوحة ونحوهما والمسموع واحد، وقد تتّحد والمسموع مختلف، وذلك لأنّ هذه الأمور وإن كانت عارضة للصوت المسموع إلّا أنها في أنفسها ليست مسموعة فلا يكون اختلافها مقتضيا لاختلاف المسموع، ولا اتحادها مقتضيا لاتحاده، بخلاف العوارض المسموعة فإنّ اختلافها يقتضي اختلاف المسموع الذي هو مجموع الصوت وعارضه واتحادها يقتضي اتحاد المسموع لا مطلقا بل باعتبار ذلك العارض المسموع. والحق أنّ معنى التمييز في المسموع ليس أن يكون ما به التمييز مسموعا بل أن يحصل به التمييز في نفس المسموع بأن يختلف باختلافه ويتّحد باتحاده، كالحرف بخلاف الغنّة والبحوحة ونحوهما، كذا في شرح المواقف في مبحث الأصوات.
ويعرّف الحرف عند أهل الجفر بأنّه بناء مفرد مستقل بالدلالة وتسمّى دلالة الحروف دلالة أولية، ودلالة الكلمة دلالة ثانية، وهو موضوع علم الجفر، وبهذا صرح في بعض رسائل الجفر. ولذا يسمّى علم الجفر بعلم الحروف.
تقسيمات حروف الهجاء
الأول إلى المعجمة وهي المنقوطة وغير المعجمة وهي غير المنقوطة وتسمى بالمهملة أيضا. الثاني إلى نوراني وظلماني. قال أهل الجفر الحروف النورانية حروف فواتح السور ومجموعها صراط علي حق نمسكه والباقية ظلمانية. ومنهم من يسمّى الحروف النورانية بحروف الحق والظلمانية بحروف الخلق. ومنهم من قال: النورانية تسمّى الأعلى والظلمانية قسمان. منها سبعة حروف تسمّى الأدنى وهي:
ب، ت، د، ذ، ض، و، غ، والسبعة الباقية تسمّى أدنى الأدنى. كذا في بعض رسائل الجفر. الثالث: إلى المسروري والملبوبي والملفوظي. وفي بعض رسائل الجفر: الحروف ثلاثة أقسام: 1 - ملفوظى: وهي التي تلفظ بواسطة 3 حروف مثل: ألف وجيم ودال. وهذه 13 حرفا تنحصر في قسمين: قسم زائد الحركة مثل الألف التي وسطها متحرك وقسم زائد الأول وهو ثلاثة حروف: الميم والنون والواو.
2 - 
ملبوبي: وهو ما يلفظ بحرفين وهي 12 حرفا. انتهى كلامه. وينبغي أن يعلم أنّ الحرف الملفوظي يشترك فيه أن لا يكون أوّله وآخره نفس الحرف، وإلّا فالمسروري يمكن اعتباره من الملفوظي. فحينئذ يلغي التقابل بين الأقسام. وهذا مبطل للتّقسيم الثلاثي ومؤيّد لما ذكره في قاموس جهانگيري حيث قال: إنّ علماء العربية ذكروا أنواع الحروف وقسّموها إلى ثلاثة أقسام: الأول: مسروري وهو ما يتم لفظه بواسطة حرفين اثنين وعددها: 12 حرفا وهي با تا ثا حا خا را زا طا ظا فا ها يا.

والثاني: ملفوظى: وهو ما يلفظ بثلاثة أحرف لا يكون آخرها مثل أوّلها: وهي 13 حرفا: الف جيم دال ذال سين شين صاد ضاد عين غين قاف كاف لام.

والقسم الثالث: يقال له: ملبوبي ومكتوبي:
وهو ثلاثي الحروف وآخره مثل أوله ومجموعه 3 أحرف هي: الميم والنون والواو. انتهى.
ولا يخفى أنّه في هذا الكلام أطلق اسم الملبوبي على المسروري بعكس الكلام السابق.

الرابع: إلى المنفصلة وغيرها في أنواع البسط يأتي بالألف والدال والذال والراء والزاي والواو ولا، ويسمّيها الحروف السبعة المنفصلة وما عداها يقال لها: غير منفصلة.

الخامس: إلى المفردة والمتزاوجة التي تسمّى بالمتشابهة أيضا. ويقول في أنواع البسط:
الحروف إما متشابهة، وتسمّى أيضا متزاوجة، وهي الحروف التي لا اختلاف بينها في الصورة إلّا في النقط مثل الحاء والخاء.

وإمّا مفردة: وهي التي ليست كذلك. السادس إلى المصوّتة والصامتة فالمصوتة حروف المدّ واللين أي حروف العلّة الساكنة التي حركة ما قبلها مجانسة لها. والصامتة ما سواها سواء كانت متحركة أو ساكنة ولكن ليس حركة ما قبلها من جنسها. فالألف أبدا مصوتة لــوجوب كونها ساكنة وما قبلها مفتوحا. وإطلاق اسم الألف على الهمزة بالاشتراك اللفظي. وأما الواو والياء فقد تكونان صامتتين أيضا كذا في شرح المواقف. السابع إلى زمانية وآنية. وفي شرح المواقف الحروف إمّا زمانية صرفة كالمصوتة فإنها زمانية عارضة للصوت باقية معه زمانا بلا شبهة. وكذا بعض الصوامت كالفاء والقاف والسين والشين ونحوها ممّا يمكن تمديدها بلا توهّم تكرار، فإنّ الغالب على الظنّ أنها زمانية أيضا. وإمّا آنية صرفة كالتاء والطاء وغيرهما من الصوامت التي لا يمكن تمديدها أصلا فإنها لا توجد في آخر زمان حبس النفس كما في لفظ بيت وفرط، أو في أوله كما في لفظ تراب، أو في آن يتوسطهما، كما إذا وقعت تلك الصوامت في أوساط الكلم فهي بالنسبة إلى الصوت كالنقطة والآن بالنسبة إلى الخط والزمان. وتسميتها بالحروف أولى من تسميتها بغيرها لأنها أطراف الصوت والحرف هو الطرف. وأما آنية تشبه الزمانية وهي أن تتوارد افرادا آنية مرارا فيظن أنها فرد زماني كالراء والحاء والخاء، فإنّ الغالب على الظن أنّ الراء في آخر الدار مثلا راءات متوالية، كلّ واحد منها آني الوجود، إلّا أنّ الحسّ لا يشعر بامتياز أزمنتها فيظنها حرفا واحدا زمانيا، وكذا الحال في الحاء والخاء كذا في شرح المواقف. الثامن إلى المتماثلة والمتخالفة. فالمتماثلة ما لا اختلاف بينها بذواتها ولا بعوارضها المسمّاة بالحركة والسكون كالياءين المتحركين بنوع واحد من الحركة. والمتخالفة ما ليس كذلك سواء كانت متخالفة بالذات والحقيقة كالياء والميم، أو بالعرض كالياء الساكنة والمتحركة كذا في شرح المواقف. هذا لكن المذكور في فن الصرف أنّ المتماثلة هي المتفقة في الحقيقة وإن كانت مختلفة بالعوارض. قال في الإتقان في بحث الإدغام نعني بالمتماثلين ما اتفقا مخرجا وصفة كالياءين واللامين، وبالمتجانسين ما اتفقا مخرجا واختلفا صفة كالطاء والتاء والظاء والثاء، وبالمتقاربين ما تقاربا مخرجا أو صفة كالدال والسين والضاد والشين انتهى. فالحروف على هذا أربعة أقسام. المتماثلة والمتجانسة والمتقاربة وما ليس شيئا منها. التاسع إلى المجهورة والمهموسة فالمجهورة ما ينحصر جري النّفس مع تحركه. والمهموسة بخلافها أي ما لا ينحصر جري النفس مع تحركه.
والانحصار الاحتباس وهي السين والشين والحاء والخاء والثاء المثلثة والتاء المثناة الفوقانية والصاد المهملة والفاء والهاء والكاف.
والمجهورة ما سواها، ففي المجهورة يشبع الاعتماد في موضعه. فمن إشباع الاعتماد يحصل ارتفاع الصوت، والجهر هو ارتفاع الصوت فسمّيت بها. وكذا الحال في المهموسة لأنه بسبب ضعف الاعتماد يحصل الهمس وهو الإخفاء، فإذا أشبعت الاعتماد وجرى الصوت كما في الضاد والزاء والعين والغين والياء فهي مجهورة رخوة، وإذا أشبعته ولم يجر الصوت كالقاف والجيم والطاء والدال فهي مجهورة شديدة. قيل المجهورة تخرج أصواتها من الصدر، والمهموسة تخرج أصواتها من مخارجها في الفم وذلك مما يرخي الصوت، فيخرج الصوت من الفم ضعيفا. ثم إن أردت الجهر بها وإسماعها أتبعت صوتها بصوت من الصدر لتفهم. وتمتحن المجهورة بأن تكرّرها مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، رفعت صوتك بها أو أخفيته، سواء أشبعت الحركات حتى تتولّد الحروف نحو قا قا قا، أو قو قو قو، أو قي قي قي، أو لم تشبعها نحو ققق فإنّك ترى الصوت يجري ولا ينقطع، ولا يجري النّفس إلّا بعد انقضاء الاعتماد وسكون الصوت. وأما مع الصوت فلا يجري وذلك لأنّ النّفس الخارج من الصدر وهو مركّب الصوت يحتبس إذا اشتدّ اعتماد الناطق على مخرج الحرف، إذ الاعتماد على موضع من الحلق أو الفم يحبس النّفس وإن لم يكن هناك صوت، وإنّما يجري النّفس إذا ضعف الاعتماد. وإنّما كرّرت الحروف في الامتحان لأنك لو نطقت بواحد منها غير مكرّر فعقيب فراغك منه يجري النّفس بلا فصل فيظن أنّ النفس إنّما خرج مع المجهورة لا بعده، فإذا تكرّر وطال زمان الحرف ولم يخرج النّفس مع تلك الحروف المكرّرة عرفت أنّ النطق بالحروف هو الحابس للنفس. وإنّما جاز إشباع الحركات لأنّ الواو والألف والياء أيضا مجهورة، فلا يجري مع صوتها النّفس. وأما المهموسة فإنّك إذا كرّرتها مع إشباع الحركة أو بدونها فإنّ جوهرها لضعف الاعتماد على مخارجها لا يحبس النّفس، فيخرج النّفس ويجري كما يجري الصوت نحوك، وقس على هذا. العاشر إلى الشديدة والرخوة وما بينهما. فالشديدة ما ينحصر جري صوته في مخرجه عند إسكانه فلا يجري الصوت والرخوة بخلافها. وأما ما بينهما فحروف لا يتم لها الانحصار ولا الجري. وإنما اعتبر إسكان الحروف لأنّك لو حرّكتها، والحركات أبعاض الحروف من الواو والياء والألف وفيها رخاوة ما، لجرت الحركات لشدة اتصالها بالحروف الشديدة إلى شيء من الرخاوة فلم يتبين شدتها. فقيد الإسكان لامتحان الشديدة من الرخوة. فالحروف الشديدة الهمزة والجيم والدال والطاء المهملتان والباء الموحدة والتاء المثناة الفوقانية والكاف والقاف. والرخوة ما عدا هذه الحروف المذكورة، وما عدا حروف لم يرو عنا فإنها ليست شديدة ولا رخوة فهي مما بينهما. وإنّما جعل هذه الأحرف الثمانية أي اللام والميم والياء المثناة التحتانية والراء المهملة والواو والعين المهملة والنون والألف مما بينهما أي بين الشديدة والرخوة لأنّ الشديدة هي التي ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، وهذه الأحرف الثمانية ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف أيضا لكن يعرض لها إعراض توجب حصر الصوت من غير مواضعها.
أما العين فينحصر الصوت عند مخرجه لكن لقربه من الحاء التي هي من المهموسة ينسلّ صوته قليلا فكأنّك وقفت على الحاء. وأما اللام فمخرجها أعني طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه من الحنك عند النطق به، فلا يجري منه صوت، لكن لمّا لم يسدّ طريق الصوت بالكلية كالدال بل انحرف طرف اللسان عند النطق به خرج الصوت عند النطق به من متشدّق اللسان فويق مخرجه. وأمّا الميم والنون فإنّ الصوت لا يخرج عن موضعهما من الفم، لكن لمّا كان لهما مخرجان في الفم والخيشوم جرى الصوت من الأنف دون الفم لأنّك لو أمسكت أنفك لم يجر الصوت بهما. وأمّا الراء فلم يجر الصوت في ابتداء النطق به لكنه جرى شيئا لانحرافه وميله إلى اللام كما قلنا في العين المائل إلى الحاء، وأيضا والراء مكرّر فإذا تكرّر جرى الصوت معه في أثناء التكرير. وكذلك حروف العلّة لا يجري الصوت معها كثيرا، لكن لمّا كان مخارجها تتسع لهواء الصوت أشدّ من اتساع غيرها من المجهورة كان الصوت معها يكثر فيجري منه شيء. واتساع مخرج الألف لهواء صوته أكثر من اتساع مخرجي الواو والياء لهواء صوتهما، فلذلك سمّي الهاوي أي ذا الهواء كالناشب والنابل. وإنّما كان الاتساع للألف أكثر لأنّك تضم شفتيك للواو فتضيق المخرج وترفع لسانك قبل الحنك للياء. وأما الألف فلا يعمل له شيء من هذا، فأوسعهنّ مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو، فهذه الحروف أخفى الحروف لاتساع مخارجها وأخفاهن الألف لسعة مخرجها أكثر.
اعلم أنّ الفرق بين الشديدة والمجهورة أن الشديدة لا يجري الصوت بها بل إنّك تسمع به في آن ثم ينقطع. والمجهورة لا اعتبار فيها لعدم جري الصوت بل الاعتبار فيها لعدم جري النّفس عند التصويت بها. هذا كله ما ذهب إليه ابن الحاجب واختاره الرضي. وبعضهم أخرج من المجهورة الأحرف السبعة التي هي من الرخوة أي الضاد والطاء والذال والزاء والعين والغين والياء، فيبقى فيها الحروف الشديدة، وأربعة أحرف مما بينهما وهي اللام والميم والواو والنون، فيكون مجموع المجهورة عنده اثنى عشر حرفا، وهي حروف ولمن أجدك قطبت. وهذا القائل ظنّ أنّ الرخاوة تنافي الجهر وليس بشيء لأنّ الرخاوة أن يجري الصوت بالحرف، والجهر رفع الصوت بالحرف سواء جرى الصوت أو لم يجر. الحادي عشر إلى المطبقة والمنفتحة. فالمطبقة ما ينطبق معه الحنك على اللسان لأنّك ترفع اللسان إليه فيصير الحنك كالطبق على اللسان، فتكون الحروف التي يخرج بينهما مطبقا عليهما، وهي الصاد والضاد والطاء والظاء. وأما قول ابن الحاجب من أنّها ما ينطبق على مخرجه الحنك فليس بمطّرد لأنّ مخرج الضاد حافّة اللسان وحافته ينطبق عليها الأضراس وباقي اللسان ينطبق عليه الحنك. قال سيبويه لولا الإطباق في الصاد لكان سينا وفي الظاء لكان ذالا وفي الطاء لكان دالا، ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس شيء من الحروف في موضعها غيرها.
والمنفتحة بخلافها لأنه ينفتح ما بين اللسان والحنك عند النطق بها، وهي ما سوى الحروف الأربعة المطبقة. الثاني عشر إلى المستعلية والمنخفضة. فالمستعلية ما يرتفع بسببها اللسان وهي الحروف الأربعة المطبقة والخاء والغين المعجمتان والقاف لأنه يرتفع بهذه الثلاثة أيضا اللسان، لكن لا إلى حدّ انطباق الحنك عليها. والمنخفضة ما ينخفض معه اللسان ولا يرتفع وهي ما عدا المستعلية. وبالجملة فالمستعلية أعمّ من المطبقة إذ لا يلزم من الاستعلاء الإطباق ويلزم من الإطباق الاستعلاء.
ولذا يسمّى الأحرف الأربعة المطبقة مستعلية مطبقة. الثالث عشر إلى حروف الذّلاقة والمصمتة، فحروف الذّلاقة ما لا ينفك عنه رباعي أو خماسي إلّا شاذا كالعسجد والدهدقة والزهزقة والعسطوس، وهي الميم والراء المهملة والباء الموحدة والنون والفاء واللام. والمصمتة بخلافها وهي حروف ينفك عنها رباعي وخماسي وهي ما سوى حروف الذلاقة.
والذلاقة الفصاحة والخفة في الكلام، وهذه الحروف أخفّ الحروف. ولذا لا ينفك عنها رباعي وخماسي فسمّيت بها. والشيء المصمت هو الذي لا جوف له فيكون ثقيلا فسمّيت بذلك لثقلها على اللسان. الرابع عشر إلى حروف القلقلة وغيرها. فحروف القلقلة ما ينضم إلى الشدّة فيها ضغط في الوقف وذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة معا. فالجهر يمنع النّفس أن يجري معها، والشدّة تمنع الصوت أن يجري معها، فلذلك يحصل ما يحصل من الضغط للمتكلّم عند النطق بها ساكنة فيحتاج إلى قلقلة اللسان وتحريكه عن موضع، حتى يجري صوتها فيسمع، وهي القاف والدال المهملة والطاء المهملة والباء الموحدة والجيم. وقال المبرّد ليس القاف منها بل الكاف وغيرها ما سواها.
الخامس عشر إلى حروف الصفير وغيرها.
فحروف الصفير ما يصفر بها أي يصوت بها وهي الزاء المعجمة والصاد والسين المهملتان، سمّيت بها لوجود الصفير عند النطق بها وغيرها غيرها. السادس عشر إلى حروف العلّة وغيرها. فحروف العلة الألف والواو والياء، سمّيت بها لكثرة دورانها على لسان العليل فإنّه يقول واي وغيرها غيرها. وحروف العلّة تسمّى بالحروف الجوفية أيضا لخروجها من الجوف. ثم إنّ حروف العلّة إذا سكنت تسمّى حروف لين، ثم إذا جانسها حركة ما قبلها فتسمّى حروف مدّ، فكلّ حرف مدّ حرف لين ولا ينعكس. والألف حرف مدّ أبدا والواو والياء تارة حرفا مدّ وتارة حرفا لين، هكذا ذكر في بعض شروح المفصل. وكثيرا ما يطلقون على هذه الحروف حرف المدّ واللين مطلقا، فهو إمّا محمول على هذا التفصيل أو تسمية الشيء باسم ما يئول إليه. هكذا في جاربردي شرح الشافية في بحث التقاء الساكنين. وقيل بتباين المدّ واللين وعدم صدق أحدهما على الآخر، لكن من المحققين من جعل بينهما عموما وخصوصا مطلقا كذا في تيسير القاري. السابع عشر إلى حروف اللين والمدّ وغيرها وقد عرفت قبيل هذا. الثامن عشر إلى الأصلية والزائدة.
فالأصلية ما ثبت في تصاريف اللفظ كبقاء حروف الضرب في متصرفاته. والزائدة ما سقط في بعضها كواو قعود في قعد. ثم إذا أريد تعليم المتعلمين فالطريق أن يقال إذا وزن اللفظ فما كان من حروفه في مقابلة الفاء والعين واللام الأولى والثانية والثالثة فهو أصلي وما ليس كذلك فهو زائد. وليس المراد من الزائد هاهنا ما لو حذف لدلّ الكلمة على ما دلّت عليه وهو فيها، فإنّ ألف ضارب زائدة لو حذفت لم يدل الباقي على اسم الفاعل، كذا في جاربردي حاشية الشافية. وحروف الزيادة حروف: اليوم تنساه، أعني أنه إذا وجد في الكلمة زائد لا يكون إلّا من تلك الحروف لا من غيرها.
ولمعرفة الزائد من الأصلي طرق كالاشتقاق وعدم النظير وغيرهما يطلب من الشافية وشروحه في بحث ذي الزيادة.
والحروف في اصطلاح الصوفية الصورة المعلومية في عرضة العلم الإلهي قبل انصباغها بالوجود العيني. كذا قال الشيخ الكبير صدر الدين في النفحات. ويجيء في لفظ الكلمة. وفي الإنسان الكامل في باب أم الكتاب: أمّا الحروف فالمنقوطة منها عبارة عن الأعيان الثابتة في العلم الإلهي، والمهملة منها نوعان، مهملة تتعلق بها الحروف ولا تتعلّق هي بها وهي خمسة: الألف والدال والراء والواو واللام، فالألف إشارة إلى مقتضيات كمالاته وهي خمسة، الذات والحياة والعلم والقدرة والإرادة إذ لا سبيل إلى وجود هذه الأربعة إلّا للذات، فلا سبيل إلى كمالات الذات إلّا بها.
ومهملة تتعلّق بها الحروف وتتعلّق هي بها وهي تسعة. فالإشارة بها إلى الإنسان الكامل لجمعه بين الخمسة الإلهية والأربعة الخلقية وهي العناصر الأربع مع ما تولّد منها فكانت أحرف الإنسان الكامل غير منقوطة لأنّه خلقها على صورته، ولكن تميّزت الحقائق المطلقة الإلهية عن الحقائق المقيّدة الإنسانية لاستناد الإنسان إلى موجد يوجده. ولو كان هو الموجد فإنّ حكمه أن يستند إلى غيره. ولذا كانت حروفه متعلّقة بالحروف وتتعلّق الحروف بها. ولما كان حكم واجب الوجود أنّه قائم بذاته غير محتاج في وجوده إلى غيره مع احتياج الكلّ إليه.
كانت الحروف المشيرة إلى هذا المعنى من الكتاب مهملة تتعلّق بها الحروف ولا تتعلق هي بحرف منها. ولا يقال إنّ لام ألف حرفان فإن الحديث النبوي قد صرّح بأن لام ألف حرف واحد فافهم.
واعلم أنّ الحروف ليست كلمات لأنّ الأعيان الثابتة لا تدخل تحت كلمة كن إلّا عند الإيجاد العيني، وأمّا هي ففي أوجهها وتعيينها العلمي فلا يدخل عليها اسم التكوين، فهي حقّ لا خلق، لأنّ الخلق عبارة عمّا دخل تحت كلمة كن، وليست الأعيان في العلم بهذا الوصف، لكنها ملحقة بالحدوث إلحاقا حكميا لما تقتضيه ذواتها من استناد وجود الحادث في نفسه إلى قديم. فالأعيان الموجودة المعبّر عنها بالحروف ملحقة في العالم العلمي بالعلم الذي هو ملحق بالعالم فهي بهذا الاعتبار الثاني قديمة انتهى كلامه.

وقال الشيخ عبد الرزاق الكاشي: إنّ حروف الحقائق بسيطة وهي من الأعيان، وأمّا الحروف العالية فهي للشئون الذاتية وهي كامنة في غيب الغيوب، كالشّجرة في النواة. واعلم أنّ أهل الجفر يقولون لبعض حروف الزمام حروف أوتاد. وذلك كالأوّل والرابع، ومثل هذين الحرفين يتجاوزونهما ويأخذون الحرف الثالث كما سيرد في بحث الوتد. ويقول بعضهم: الحروف أدوار. وهي دائما أربعة:

الأول: حرف زمام، والثاني: الحرف الأخير، والثالث: الحرف الأول للزمام الأخير. والحرف الرابع: الحرف الأخير لذلك. ويسمّى بعضهم الحروف قلوبا. وتلك الحروف هي التي وسط الزمام. وعليه فإذا كانت الحروف والسطور كل منها شفعا فتكون حروف القلوب أربعة وهي وسط جميع الحروف، وإذا كانت مفردة كلاهما. فهو واحد (أي حرف القلب) وفي غير هذا الشّكل حروف القلوب اثنان. مثلا: إذا كان عدد الحروف والسطور كلّ منها تسعة. وعليه فحرف القلب هو الخامس من السطر الخامس.
وإذا كان عدد الحروف ثمانية وعدد السطور أربعة فالحرف الرابع والخامس من كلّ من السطر الثاني والثالث هي حروف قلوب. يعني كل أربعة وإذا كانت الحروف سبعة والسطور أربعة، فالحرف الرابع من كلّ السطرين الثاني والثالث هي حروف قلوب. وإذا كانت الحروف عشرة والسطور خمسة، فالخامس والسادس من السطر الثالث هي حروف قلوب. وعلى هذا فقس. كذا في أنواع البسط. 

العدالة

العدالة: لغة: الاستقامة. وشرعا: الاستقامة في طريق الحق بتجنب ما هو محظور في دينه. وقيل صفة توجب مراعاتها التحرز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرا فالمرة الواحدة من صغار الهفوات وتحريف الكلام لا تخل بالمروءة ظاهرا لاحتمال الغلط والسهو والتأويل بخلاف ما إذا عرف منه ذلك وتكرر فيكون الظاهر الإخلال، ويعتبر عرف كل شخص وما يعتاد في لبسه، كذا في المفردات. وفي جمع الجوامع وشرحه: العدالة ملكة راسخة في النفس تمنع عن اقتراف كل فرد فرد من الكبائر وصغائر الخس كسرقة لقمة وتطفيف ثمرة، والرذائل الجائزة كبول بطريق وأكل غير سوقي به.
العدالة:
[في الانكليزية] Justice ،equity
[ في الفرنسية] Justice ،equite
بالفتح وتخفيف الدال في اللغة الاستقامة.
وعند أهل الشرع هي الانزجار عن محظورات دينية وهي متفاوتة وأقصاها أن يستقيم كما أمر، وهي لا توجد إلّا في النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فاعتبر ما لا يؤدّي إلى الحرج وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة. فهذا التفسير عام شامل للمسلم والكافر أيضا لأنّ الكافر ربّما يكون مستقيما على معتقده. ولهذا يسأل القاضي عن عدالة الكافر إذا شهد كافر عند طعن الخصم على مذهب أبي حنيفة رحمه الله. نعم لا يشتمل الكافر إذا فسّرت بأنّها الاتصاف بالبلوغ والإسلام والعقل والسلامة من أسباب الفسق ونواقض المروءة كما وقع في خلاصة الخلاصة.
وقيل العدالة أن يجتنب عن الكبائر ولا يصرّ على الصغائر ويكون صلاحه أكثر من فساده، وأن يستعمل الصدق ويجتنب عن الكذب ديانة ومروءة، وهذا لا يشتمل الكافر لأنّ الكفر من أعظم الكبائر. وفي العضدي العدالة محافظة دينيّة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة من غير بدعة. فقولنا دينية ليخرج الكافر وقولنا على ملازمة التقوى والمروءة ليخرج الفاسق.
وقولنا من غير بدعة ليخرج المبتدع. وهذه لما كانت هيئة نفسية خفية فلا بد لها من علامات تتحقّق بها، وإنّما تتحقّق باجتناب أمور أربعة:
الكبائر والإصرار على الصغائر وبعض الصغائر وهو ما يدلّ على خسّة النفس ودناءة الهمّة كسرقة لقمة والتّطفيف في الوزن بحبّة وكالأكل في الطريق والبول في الطريق، وبعض المباح وهو ما يكون مثل ذلك كاللعب بالحمام والاجتماع مع الأراذل في الحرف الدنيّة كالدّباغة والحجامة والحياكة مما لا يليق به ذلك من غير ضرورة تحمله على ذلك انتهى. وفي حاشية للتفتازاني في كون البدعة مخلّة بالعدالة نظر. ولهذا لم يتعرّض له الإمام وقال هي هيئة راسخة في النفس من الدين تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة جميعا انتهى. ويقرب منه ما قيل هي ملكة في النفس تمنعها عن اقتران الكبائر والإصرار على الصغائر وعن الرذائل المباحة. ويقرب منه أيضا ما قال الحكماء هي التوسّط بين الإفراط والتفريط وهي مركّبة من الحكمة والعفّة والشجاعة وقد مرّ في لفظ الخلق.
اعلم أنّ العدالة المعتبرة في رواية الحديث أعمّ من العدالة المعتبرة في الشهادة فإنّها تشتمل الحرّ والعبد بخلاف عدالة الشهادة فإنّها لا تشتمل العبد كذا في مقدمة شرح المشكاة.
واعلم أيضا أنّهم اختلفوا في تفسير عدالة الوصف أي العلة، فقال الحنفية هي كونه بحيث يظهر تأثيره في جنس الحكم المعلّل به في موضع آخر نصا أو إجماعا، فهي عندهم تثبت بالتأثير، كذا ذكر فخر الإسلام في بعض مصنّفاته. وقال بعض أصحاب الشافعي هي كونه بحيث يخيّل، فهي عندهم تثبت بكونه مخيلا أي موقعا في القلب خيال القبول والصحة، ثم يعرض بعد ثبوت الإخالة على الأصول بطريق الاحتياط لا بطريق الــوجوب ليتحقّق سلامته عن المناقضة والمعارضة. وقال بعضهم بل العدالة تثبت بالعرض فإن لم يردّه أصل مناقض ولا معارض صار معدلا وإلّا فلا، هكذا يستفاد من المفيد شرح الحسامي وغيره.

العدل

العدل:
[في الانكليزية] Equity ،divine justice
[ في الفرنسية] Equite ،justice divine
بالفتح والسكون عند أهل الشرع نعت من العدالة ويسمّى عادلا أيضا، وقد عرفت العدالة.
وعند الشيعة هو تنزيه البارئ تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب. قالوا هو يفعل لغرض لاستلزام نفي الغرض العبث وهو قبيح وهو منزّه عنه ويجب عليه اللّطف ويجب عليه عوض الآلام الصادرة عنه إذ عدم الــوجوب يستلزم القبح على ما بيّن في كتبهم. وعند النحاة هو خروج الاسم عن صيغته الأصلية تحقيقا أو تقديرا إلى صيغة أخرى، كذا ذكر ابن الحاجب في الكافية. فالعدل مصدر مبني للمجهول أي كون الاسم معدولا، ولذا فسّر بالخروج دون الإخراج. والمراد بالخروج الخروج الحاصل بسبب الإخراج أي كونه مخرجا وبقيد الاسم خرج خروج الفعل إذ لا يسمّى عدلا. والمراد خروج مادة الاسم إذ لا يتصوّر خروج الكلّ أي الاسم الذي هو عبارة عن المادة والصيغة عن جزئه الذي هو الصيغة.
والمراد بالصيغة الصورة حقيقة أو حكما بأن تكون لازمة للكلمة كالصورة، فإنّ أحد الأمور الثلاثة لازم لأفعل التفضيل، فكان اللازم بمنزلة الصورة للكلمة فلا يخرج نحو أخر فإنّه معدول عن الأخر أو أخر من بمعنى الجماعة، وكذا سحر فإنّه معدول عن السّحر لأنّ الألف واللام في المفرد الذي صار علما بالغلبة لازمة له بمنزلة الصورة، ولا يراد مطلق الصورة بل الصورة الأصلية أي التي يقتضي الأصل، والقاعدة أن يكون ذلك الاسم عليها. ثم المراد بالخروج الخروج النحوي أي ما يبحث عنه في النحو بدليل أنّ العدل من مصطلحات النحاة فخرج المشتقات كلها، ولا يرد المصدر الميمي أيضا بل خرج التغيرات التصريفية بأسرها قياسية أو شاذّة، لكنه بقي الترخيم والتقدير، ثم خرج الترخيم بقوله خروج مادة الاسم لأنّه تغيّر المادة لا خروجها عن الصيغة وخرج التقدير ونحوه لعدم دخول المقدّر في الصيغة فلا يصدق عليه خروجه عن صيغته الأصلية، أو المراد الخروج التصريفي لا لمعنى ولا لتخفيف، فلا يرد التغيّرات التصريفية بأسرها قياسية أو شاذة، وكذلك الترخيم والتصغير ونحوهما. وأما نحو يوم الجمعة في صمت يوم الجمعة فليس بمعدول لعدم كون في داخلة في الصيغة لجواز الفصل بالحرف الزائد، بخلاف لام التعريف، ولا متضمّن لأنّ معنى في يفهم بتقديرها لا بنفس قوله يوم الجمعة، ونحو لا رجل متضمّن للحرف لا معدول وأخر معدول لا متضمن وأمس معدول ومتضمن لدخول اللام في الصيغة، وبقاء معنى التعريف بعد العدل. فبين العدل والتضمّن عموم من وجه ثم إنّا نعلم قطعا أنّهم لما وجدوا ثلاث ومثلّث وأخر وجمع وعمر غير منصرفات ولم يجدوا فيها سببا ظاهرا غير الوصفية أو العلمية احتاجوا إلى اعتبار سبب آخر، ولم يصلح للاعتبار إلّا العدل فاعتبروه وجعلوها غير منصرفات للعدل وسبب آخر، ولكن لا بدّ في اعتبار العدل من أمرين:
أحدهما وجود أصل الاسم المعدول وثانيهما اعتبار إخراجه عن ذلك الأصل إذ لا تتحقّق الفرعية بدون اعتبار ذلك الإخراج. ففي بعض تلك الأمثلة يوجد دليل غير منع الصّرف على وجود الأصل المعدول عنه فوجوده محقّق بلا شكّ، وفي بعضها لا دليل يوجد عليه إلّا منع الصّرف فيفرض له أصل ليتحقّق العدل بإخراجه عن ذلك الأصل، فانقسم العدل إلى التحقيقي والتقديري. فقوله تحقيقا معناه خروجا كائنا عن أصل محقّق يدلّ عليه دليل غير منع الصّرف.
وقوله تقديرا معناه خروجا كائنا عن أصل مقدّر مفروض يكون الداعي إلى تقديره منع الصّرف لا غير. فأشار بهذا القول إلى تقسيم العدل إلى هذين القسمين، وليس هذا القول داخلا في التعريف، مثال التحقيقي ثلاث ومثلّث والدليل على أنّ أصلهما ثلاثة ثلاثة عدلا عنه هو أنّ في معناهما تكرارا دون لفظهما، والأصل أنّه إذا كان المعنى مكرّرا كان اللفظ أيضا مكرّرا كما في جاءني القوم ثلاثة ثلاثة. ومثال التقديري عمر وزفر عدلا عن عامر وزافر فإنّهما لمّا وجدا غير منصرفين ولم يوجد سبب منع صرفهما ظاهرا إلّا العلمية اعتبر العدل، ولما كان اعتباره موقوفا على وجود أصل ولم يكن فيهما دليل على وجوده غير منع الصّرف قدّر أنّ أصلهما عامر وزافر، هكذا يستفاد من شروح الكافية.
العدل: الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط. وقال الراغب: العدالة والمعدلة لفظ يقتضي المساواة. والعدل والعدل متقاربان لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، والعدل فيما يدرك بالحاسة كالموزون والمعدود والمكيل. والعدل التقسيط على سواء، وعليه روي بالعدل قامت السموات والأرض تنبيها على أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا على مقتضى الحكمة، لم يكن العالم منتظما. والعدل ضربان: عدل مطلق يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، وكف الأذى عمن كف أذاه عنك، وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع ويمكن نسخه في بعض الأزمنة كالقصاص وأروش الجنايات: وأخذ مال المرتد. وقال التفتازاني: العدل بالفتح: المثل من غير الجنس، وبالكسر: المثل من الجنس.

العصمة

العصمة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.
العصمة:
[في الانكليزية] Infallibility ،vertue ،chastity
[ في الفرنسية] Infaillibilite ،vertu ،chastete
بالكسر وسكون الصاد هي عند الأشاعرة أن لا يخلق الله في العبد ذنبا بناء على ما ذهبوا إليه من استناد الأشياء كلّها إلى الفاعل المختار ابتداء. وقيل العصمة عند الأشاعرة هي خلق قدرة الطّاعة ويجيء في لفظ اللطف أيضا. وعند الحكماء ملكة نفسانية تمنع صاحبها من الفجور أي المعاصي بناء على ما ذهبوا إليه من القول بالإيجاب واعتبار استعداد القوابل، وتتوقّف على العلم بمعايب المعاصي ومناقب الطاعات فإنّه الزاجر عن المعصية والداعي إلى الطاعة، لأنّ الهيئة المانعة من الفجور إذا تحقّقت في النفس وعلم صاحبها ما يترتّب على المعاصي من المضار وعلى الطاعات من المنافع تصير راسخة، فيطيع ولا يعصي، وتتأكّد هذه الملكة في الأنبياء بتتابع الوحي إليهم بالأوامر والنواهي، والاعتراض عليهم على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من يجوّز تعمّدها، ومن ترك الأولى والأفضل، فإنّ الصفات النفسانية تكون في ابتداء حصولها أحوالا أي غير راسخة ثم تصير ملكات أي راسخة في محلّها بالتدريج. وقيل العصمة خاصية في نفس الشخص أو في بدنه يمتنع بسببها صدور الذنب عنه. وردّ ذلك بالعقل والنقل، أمّا العقل فلأنه لو كان كذلك لما استحقّ صاحبها المدح على عصمته ولامتنع تكليفه وبطل الأمر والنهي والثواب والعقاب.
وأما النقل فلقوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ، فإنّ الآية تدلّ على أنّ النبي مثل الأمة في جواز صدور المعصية عنه.
فائدة:
اختلف في عصمة الملائكة. فللنّافي وجوه منها قوله تعالى قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، الآية إذ في هذا القول منهم غيبة لمن يجعله الله خليفة بذكر مثالبه. وفيه العجب وتزكية النفس. وللمثبت أيضا وجوه منها قوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ، ولا قاطع فيه أي في هذا المبحث، والغاية الظّنّ.
فائدة:
أجمع أهل الملل والشّرائع كلّها على وجوب عصمة الأنبياء عن تعمّد الكذب فيما دلّ المعجزة على صدقهم فيه كدعوى الرّسالة وما يبلّغونه من الله إلى الخلائق. وفي جواز صدور الكذب عنهم فيما ذكر سهوا ونسيانا خلاف.
فمنعه الاستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة، وجوّزه القاضي. وأما ما سوى الكذب في التبليغ من الكفر وغيره، فالكفر اجتمعت الأمة على عصمتهم عنه قبل النّبوّة وبعدها. ولا خلاف لأحد منهم في ذلك إلّا أنّ الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذّنب، وكلّ ذنب عندهم كفر، فلزم لهم تجويز الكفر. بل يحكى عنهم بجواز بعثة نبيّ علم الله تعالى أنّه يكفر بعد نبوّته. نعوذ بالله من هذا القول الباطل.
وأمّا غير الكفر فإمّا كبائر أو صغائر، وكلّ منهما إمّا عمدا أو سهوا. أمّا الكبائر عمدا فمنعه الجمهور من المحقّقين والأئمة إلّا الحشويّة، والأكثر على امتناعه سمعا. وقالت المعتزلة بل عقلا. وأمّا سهوا فجوّزه الأكثرون والمختار خلافه. وأمّا الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلّا الجبّائي فإنّه لم يجوّز ظهور صغيرة إلّا سهوا، وهذا فيما ليس من الصّغائر الخسيّة، وهي ما يلحق بها فاعلها بالأراذل والسّفلة ويحكم عليه بالخسّة ودناءة الهمّة كسرقة حبّة أو لقمة. وأمّا صدور الصغائر سهوا فهو جائز اتفاقا من أكثر الأشاعرة وأكثر المعتزلة إلّا الصغائر الخسّية. وقال الجاحظ يجوز صدور غير الصغائر الخسية سهوا بشرط أن ينبّهوا عليه فيتنبّهوا عليه، وقد تبعه كثير من المتأخّرين من المعتزلة كالنّظّام والأصمّ وجعفر بن بشرويه.
ويقول الأشاعرة هذا كله بعد الوحي والنبوّة، وأما قبل ذلك فقال أكثر أصحابنا لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة. وقال أكثر المعتزلة يمتنع الكبيرة وإن مآب منها. وقالت الروافض لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة لا عمدا ولا سهوا ولا خطأ في التأويل، بل هم مبرّءون عنها بأسرها قبل الوحي وبعده. وإن شئت الزيادة فارجع إلى شرح المواقف وشرح الطوالع. اعلم أنّ العصمة المؤثمة عند الفقهاء هي عصمة نفس من القتل حقا لله تعالى، والعصمة المقوّمة هي عصمة نفس من القتل حقا للعبد، كذا في جامع الرموز في كتاب الجهاد في بيان الأراضي العشرية والخراجية.

الخبر

الخبر: لفظ مجرد عن العوامل اللفظية مسند إلى ما تقدمه لفظا، نحو زيد قائم، أو تقدير، نحو أقائم زيد.
الخبر: بالتحريك، الحديث المنقول، وبضم فسكون العلم بالأشياء من جهة الخبر. والخبرة بالكسر المعرفة ببواطن الأمور.
الخبر:
[في الانكليزية] Information ،news ،predicate
[ في الفرنسية] Information ،nouvelle ،attribut ،predicat
بفتح الخاء والباء الموحّدة هو عند بعض المحدّثين مرادف للحديث. وقيل مباين له.
وقيل أعمّ من الحديث مطلقا وقد سبق. وعند النحاة هو المجرّد المسند إلى المبتدأ وسيأتي في لفظ المبتدأ. وخبر إنّ وأخواتها عندهم هو المسند من معمولها وعلى هذا فقس خبر لا التي لنفي الجنس وخبر ما ولا المشبّهتين بليس وخبر كان وأخواتها وغير ذلك كما في الكافي.
وقد أطلق لفظ الخبر عند أهل البيان والأصوليين والمنطقيين والمتكلّمين وغيرهم على الكلام التّام الغير الإنشائي، فمن لم يثبت الكلام النفسي يطلقه على الصيغة التي هي قسم من الكلام اللفظي اللساني لا غير. وأمّا من أثبت الكلام النفسي فيطلقه على الصيغة وعلى المعنى الذي هو قسم من الكلام النفسي أيضا.
فعلى هذا الخبر هو الكلام المخبر به. وقد يقال بمعنى الإخبار أي الكشف والإعلام كما في قولهم الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو به صرّح بذلك في المطول. والمفهوم من بعض كتب اللغة كالمنتخب أنّ هذين المعنيين لغويان، حيث ذكر فيه خبر بفتحتين: آگاهى، وسخن كه بدان اعلان كنند- هو الاطّلاع، والكلام الذي به يعلمون- ولا يبعد أن يكون ما ذكره العلماء تحقيقا للمعنى اللغوي فإنّهم كثيرا ما يحقّقون المفهومات اللغوية كتعريف الحكماء للحرارة والبرودة كما مرّ. وتفسيرهم للوجود والإمكان والامتناع والــوجوب والقدم ونحو ذلك. ويؤيّد ذلك ما قيل من أنّ العلماء اختلفوا في تحديد الخبر، فقيل لا يحد لعسره، وقيل لأنّه ضروري، وقيل يحدّ. واختلفوا في تحديده فقال القاضي والمعتزلة هو الكلام الذي يدخل فيه الصدق والكذب. واعترض عليه بأنّ الواو للجمع فيلزم الصدق والكذب معا وذلك محال.
وأيضا يرد كلام الله تعالى سواء أريد الاجتماع أو اكتفي بالاحتمال لأنّه لا يحتمل الكذب.
وأجيب بأنّ المراد دخوله لغة، أي لو قيل فيه صدق أو كذب لم يخطأ لغة، وكل خبر كذلك.
وإن امتنع صدق البعض أو كذبه عقلا، لكن يرد عليه أنّ الصدق لغة الخبر الموافق للمخبر به والكذب خلافه، وهو الخبر المخالف للمخبر به، فبهذا عرّفهما أهل اللغة، فهما لا يعرفان إلّا بالخبر فتعريف الخبر بهما دور. وأمّا ما قيل في جوابه أنّ ذلك إنّما يرد لو فسّر الصدق والكذب بما ذكرتم. أمّا لو فسّرا بمطابقة النسبة الإيقاعية والانتزاعية للواقع وعدم مطابقتها للواقع فلا دور أصلا فلا يجدي نفعا، إذ هذا إنّما يصحّ لو لم يعرفوا الخبر بما يدخله الصدق والكذب لغة، فبعضهم عدل عن ذلك للزوم الدور فقال هو الكلام الذي يدخله التصديق والتكذيب، ولا ينفعه إذ يرد عليه أنّهما الحكم بالصدق والكذب. فما فعل إلّا أن أوسع الدائرة. وقيل هو ما يحتمل الصدق والكذب وبهذا عرّفه المنطقيون أيضا، ولا يلزم الدور ولا خروج كلام الله تعالى إذ المعتبر الاحتمال بالنظر إلى ماهية مفهوم الخبر مع قطع النظر عمّا عداه. ومختار بعض المتأخرين أنّ الخبر هو ما تركّب من أمرين حكم فيه بنسبة أحدهما إلى الآخر نسبة خارجية يحسن السكوت عليها.
وإنّما قال أمرين دون كلمتين أو لفظين ليشتمل الخبر النفسي. وقال حكم فيه بنسبة ليخرج ما تركّب من غير نسبة. وقال يحسن السكوت عليها ليخرج المركّبات التقييدية. وقيد النسبة بالخارجية ليخرج الأمر وغيره لأنّ المراد بالخارجية أن يكون لتلك النسبة أمر خارجي بحيث يحكم بصدقها إن طابقته وبكذبها إن خالفته، وليس الأمر ونحوه كذلك. هكذا يستفاد من كشف البزدوي والعضدي وحواشيه وسيتضح ذلك غاية اتضاح في لفظ الصدق، ولفظ القضية.
فائدة:
لا شكّ أنّ قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب. أمّا الحكم كقولك زيد قائم لمن لا يعرف أنّه قائم أو كون المخبر عالما به أي بالحكم كقولك قد حفظت التوراة لمن حفظ التوراة. ويسمّى الأول أي الحكم من حيث إنّه يستفيده المخاطب من الخبر فائدة الخبر لا من حيث إنّه يفيد المخاطب كما تشعر به عبارة البعض، لأنّ الفائدة لغة ما استفدته من علم أو غيره. ويسمّى الثاني أي كون المخبر عالما به لازم فائدة الخبر كذا في الأطول في بحث الإسناد.
فائدة:
اعلم أنّ الحذّاق من النحاة وأهل البيان وغيرهم قاطبة متّفقون على انحصار الكلام في الخبر والإنشاء وأنّه ليس له قسم ثالث. وادّعى قوم أنّ أقسام الكلام عشرة: نداء ومسألة وأمر وتشنّع وتعجب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام. وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة. وقيل ثمانية بإسقاط التشنع لدخوله فيها. وقيل سبعة بإسقاط الشكّ لأنه من قسم الخبر. وقال الأخفش هي ستة: خبر واستخبار وأمر ونهي ونداء وتمنّ. وقال بعضهم خمسة: خبر واستخبار وأمر وتصريح طلب ونداء. وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء. وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء.
قالوا لأنّ الكلام إمّا أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا. الأول الخبر، والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بلفظه بل تأخّر عنه فهو الطلب. والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وإنّ معنى اضرب مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه. وأمّا الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلّق الطلب لا نفسه. وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة:
الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلوا إمّا أن يطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكفّ عنها.
الأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي.
وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب يسمّى تنبيها وإنشاء، لأنّك نبّهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمنّي والترجّي والنداء والقسم أو لا كأنت طالق، وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر، كذا في الإتقان ويجيء ما يتعلّق بهذا في لفظ المركّب. ويسمّي ابن الحاجب في مختصر الأصول غير الخبر بالتنبيه وأدخل فيه الأمر والنهي والتمنّي والترجّي والقسم والنداء والاستفهام. قال المحقّق التفتازاني هذه التسمية غير متعارف.
فائدة:
صيغ العقود نحو بعت واشتريت وطلّقت وأعتقت لا شكّ أنها في اللغة إخبار، وفي الشرع تستعمل إخبارا أيضا. إنّما النزاع فيها إذا قصد بها حدوث الحكم وإيجاده، وقد اختلف فيها، والصحيح أنها إنشاء لصدق حدّ الإنشاء عليها لأنّها لا تدل على الحكم بنسبة خارجية.
فإنّ بعت لا يدلّ على بيع آخر غير البيع الذي يقع به، ولا يوجد فيه احتمال الصدق والكذب، إذ لو حكم عليه بأحدهما كان خطأ قطعا.
وتحقيقه يطلب من العضدي وحواشيه.

التقسيم:
يقسم الخبر إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه وإلى ما لا يعلم صدقه ولا كذبه.
القسم الأول وهو ما يعلم صدقه إما ضروري أو نظري. والضروري إمّا ضروري بنفسه أي بنفس الخبر فإنّه هو الذي يفيد العلم الضروري لمضمونه وهو المتواتر، وإمّا ضروري بغيره أي أستفيد العلم الضروري لمضمونه من غير الخبر وهو الموافق للعلم الضروري نحو الواحد نصف الاثنين. والنظري مثل خبر الله وخبر رسوله وخبر أهل الإجماع، والخبر الموافق للنظر الصحيح في القطعيات، فإنّ ذلك كله قد علم وقوع مضمونه بالنظر. القسم الثاني وهو ما علم كذبه وهو كل خبر مخالف لما علم صدقه من الأقسام المذكورة.
القسم الثالث وهو ما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فقد يظنّ صدقه كخبر العدل وقد يظنّ كذبه كخبر الكذوب، وقد لا يظن صدقه ولا كذبه كخبر مجهول الحال.
وقد خالف في هذا التقسيم بعض الظاهرية، فقال كلّ خبر لا يعلم صدقه فهو كذب قطعا وفساده ظاهر. وأيضا ينقسم إلى متواتر وآحاد. فالمتواتر خبر بلغت رواته مبلغا أحالت العادة توافقهم على الكذب كما يجيء في محله. والآحاد خبر لم ينته إلى هذه المرتبة. وفي شرح النخبة خبر الواحد في اللغة ما يرويه شخص واحد. وفي اصطلاح المحدّثين خبر لم يجمع بشروط التواتر فيه، وهو يشتمل المشهور والعزيز والغريب والمقبول والمردود.
اعلم أنّ خبر الرسول صلّى الله عليه وسلم في اصطلاح الأصوليين على ثلاثة أقسام. الأول المتواتر وهو الخبر الذي رواه قوم لا يتوهّم توافقهم على الكذب عادة، ويدوم هذا الحدّ من قرن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى يومنا هذا، فيكون آخره كأوله وأوله كآخره، وأوسطه كطرفيه. يعني يستوي فيه جميع الأزمنة من أول ما نشأ ذلك الخبر إلى آخر ما بلغ إلى الناقل الأخير، كنقل القرآن والصلاة الخمس، وأنه يوجب علم اليقين كالعيان علما ضروريا.
والثاني المشهور وهو ما كان من الآحاد في القرن الأول ثم انتشر حتى ينقله قوم لا يتوهم توافقهم على الكذب، وهو القرن الثاني ومن بعدهم، وأنه يوجب علم طمأنينة أي يرجّح جهة الصدق فهو دون المتواتر وفوق الواحد.
والثالث الخبر الواحد وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا، ولا عبرة للعدد فيه بعد أن يكون دون المتواتر والمشهور وأنّه يوجب العمل دون العلم اليقين، هكذا في نور الأنوار.
اعلم أنّ أهل العربية اتفقوا على أنّ الخبر محتمل للصدق والكذب، وهذا الكلام أيضا يحتمل الصدق والكذب ولا تفضي عنه إلّا بأن يقال إنّ هذا القول فرد من أفراد مطلق الخبر، فله اعتباران: أحدهما من حيث ذاته مع قطع النظر عن خصوصية كونه خبرا جزئيا. وثانيهما من حيث عروض هذا المفهوم له، فثبوت الاحتمال له بالاعتبار الثاني لا ينافي عدم لزوم الاحتمال بالاعتبار الأول كاللاتصوّر المتصوّر، وإذا عرفت هذا فاعرف أنّ الخبر هو الكلام الذي يقبل الصدق والكذب لأجل ذاته أي لأجل حقيقته أي من حيث إنّ فيه إثبات شيء لشيء أو نفيه عنه من غير نظر الى الخارج، وإلى خصوصية الخبر نحو خبر الله تعالى، وإلى البرهان الذي يخصّه بالصدق ويرفع احتمال الكذب نحو العالم حادث وبالعكس نحو العالم قديم، وأيضا من غير نظر إلى خصوص المادّة التي تعلّق بها الكلام كأن يكون من الأمور الضرورية التي لا يقبل إثباتها إلّا الصدق، ولا يقبل نفيها إلّا الكذب نحو اجتماع النقيضين باطل. ثم إنّ الخبر بالنظر لما يعرض له إمّا مقطوع بصدقه كالمعلوم ضرورة كالواحد نصف الاثنين، أو استدلالا نحو العالم حادث وكخبر الصادق وهو الله تعالى ورسوله، وإمّا مقطوع بكذبه كالمعلوم خلافه ضرورة نحو والسماء أسفل والأرض فوق، أو استدلالا نحو العالم القديم. هكذا في كليات أبي البقاء.

العلة

العلة: لغة: معنى يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، ومنه سمي المرض علة لأنه لحلوله يتغير الحال من القوة إلى الضعف.العلة عند الأصوليين: المعرف للحكم، وقيل المؤثر بذاته بإذن الله، وقيل الباعث عليه. والعلة القاصرة عندهم هي التي لا تتعدى محل النص.العلة عند الصوفية: تنبيه الحق لعبده بسبب وبغير سبب.العلة عند المتكلمين وأصحاب الميزان: ما يتوقف عليه ذلك الشيء، وهي قسمان: الأول ما تتقوم به الماهية من أجزائها، وتسمى علة الماهية، الثاني ما يتوقف عليه اتصاف الماهية المتقومة بأجزائها بالوجود الخارجي، وتسمى علة الــوجوب. وعلة الماهية إما أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلة المادية، وإما أن يجب بها وجوده وهي العلة الصورية. وعلة الوجود إما أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثرا في المعلول موجدا له وهي العلة الفاعلية أو لا، وحينئذ إما أن يكون المعلول لأجلها وهي الغائبة أو لا وهي الشرط إن كان وجوديا، وارتفاع المانع إن كان عدميا.

العمى

العمى: ضد البصر والبصيرة. والعماء السحاب والجهالة.وعند أهل الحقيقة: العماء هو المرتبة الأحدية.
العمى:
[في الانكليزية] Blindness
[ في الفرنسية] Cecite ،aveuglement
بفتح العين والميم لغة عدم البصر عمّا من شأنه أن يكون بصيرا. فالحجر لا يتّصف بالعمى. وعند الصوفية عبارة عن حقيقة الحقائق التي لا تتصف بالحقيقة ولا بالخلقية، فهي ذات محض لأنّها لا تضاف إلى مرتبة لا حقية ولا خلقية، فلا تقتضي لعدم الإضافة وصفا ولا اسما. وهذا معنى قوله عليه السلام: إنّ العمي ما فوقه هواء وما تحته هواء، يعني لا حقّ ولا خلق، فصار العمى مقابلا للأحدية. فكما أنّ الأحدية تضمحلّ فيها الأسماء والصفات ولا يكون لشيء فيها ظهور، كذلك العمي ليس لشيء من ذلك فيه مجال ولا ظهور. فالفرق بين العمى والأحدية أنّ الأحدية حكم الذات في الذات بمقتضى التعالي وهو الظهور الذاتي الأحدي، والعمى حكم الذات بمقتضى الإطلاق، فلا يفهم منه تعال ولا تدان وهو البطون الذاتي العمائي، فهي مقابلة للأحدية، تلك صرافة الذات بحكم التجلّي وهذه صرافة الذات بحكم الاستتار، فتعالى الله أن يستتر عن نفسه من تجلّ ويتجلّى لنفسه عن الاستتار، هو على ما يقتضيه ذاته من التجلّي والاستتار والبطون والظهور والشئون والنّسب والاعتبارات والإضافات والأسماء والصفات، لا يتغيّر ولا يتحوّل ولا يلتبس شيئا، بل حكم ذاته هو ما عليه منذ كان، ولا يكون إلّا على ما كان، لا تبديل لخلق الله أي لوصف الله الذي هو عليه، إنّما هو بحكم ما يتجلّى به علينا ويظهر به لنا وهو في نفسه على ما هو عليه من الأمر الذي كان له قبل تجليه علينا وظهوره لنا، وبعد ذلك فهو على ذلك الحكم. لا يقبل ذاته إلّا التجلّي الذي هو عليه، فليس له إلّا تجلّ واحد، وليس للتجلّي الواحد إلّا اسم واحد، وليس للاسم الواحد إلّا وصف واحد، وليس للجميع إلّا واحد غير متعدّد، فهو متجلّ لنفسه في الأزل بما هو متجلّ له في الأبد. وبالجملة فإنّ هذا التجلّي الذاتي الذي هو عليه جامع لأنواع التجلّيات البواقي لا يمنعه كونه في هذا التجلّي أن يتجلّى بتجلّ آخر. لكن حكم التجلّيات الأخر تحته كحكم الأنجم تحت الشمس موجودة معدومة، على أنّ نور الأنجم في نفسها من نور الشمس، وكذلك باقي التجلّيات الإلهية إنّما هي رشحة من سماء هذا التجلّي وقطرة من بحره.
ثم اعلم بعد أن أعلمناك أنّ العمى هو نفس الذات باعتبار الإطلاق في البطون والاستتار وأنّ الأحدية هي نفسه باعتبار التعالي في الظهور والتجلّي مع وجوب سقوط الاعتبارات فيها. وقولي باعتبار الظهور واعتبار الاستتار إنّما هو لإيصال المعنى إلى فهم السامع، لا أنّه من حكم العمى اعتبار البطون أو من حكم الأحدية اعتبار الظهور فافهم.
اعلم أنّ هذا التجلّي الواحد هو المستأثر الذي لا يتجلّى به لغيره، فليس للخلق فيه نصيب البتّة البتّة، لأنّ هذا التجلّي لا يقبل الاعتبار ولا الانقسام ولا الإضافة ولا الأوصاف ونحوها. ومتى كان لخلق فيه نسبة احتاجت إلى اعتبار أو نسبة أو وصف، وكلّ هذا ليس من حكم هذا التجلّي الذي هو عليه في ذاته من الأزل إلى الأبد، كذا في الانسان الكامل. ويقول في لطائف اللغات: العمى في اصطلاح الصّوفية عبارة عن مرتبة الأحدية، وبشكل آخر: بعض من مرتبة الواحدية..

الغرض

الغرض: الهدف المقصود بالرمي، ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها، وقال الشريف: الغرض هو الفائدة المترتبة على الشيء من حيث هي مطلوبة بالإقدام عليه.
الغرض:
[في الانكليزية] Goal ،aim ،objective
[ في الفرنسية] But ،cible ،objectif
بفتح الغين والراء المهملة ما لأجله فعل الفاعل ويسمّى علّة غائية أيضا، أي الغرض هو الأمر الباعث للفاعل على الفعل، فهو المحرّك الأول للفاعل وبه يصير الفاعل فاعلا. ولذا قيل إنّ العلّة الغائية علّة فاعلية لفاعلية الفاعل كذا في شرح العقائد العضدية للدّواني. قال الأشاعرة لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض إذ لا يجب عليه تعالى شيء فلا يجب أن يكون فعله معلّلا بالغرض، ولا يقبح منه شيء فلا قبح في خلوّ أفعاله من الأغراض بالكلّية. ووافقهم في ذلك جهابذ الحكماء وطوائف الإلهيين بناء على كون أفعاله تعالى بالاختيار لا بالإيجاب، وخالفهم المعتزلة وذهبوا إلى وجوب تعليلها. وقالت الفقهاء لا يجب ذلك لكن أفعاله تابعة لمصالح العباد تفضّلا وإحسانا. احتجّ المعتزلة بأنّ الفعل الخالي عن الغرض عبث وأنّه قبيح يجب تنزيهه تعالى عنه. وأجاب عنه الأشاعرة بأنّه إن أردتم بالعبث ما لا غرض فيه فهو أوّل المسألة المتنازع فيها، وإن أردتم أمرا آخر فلا بدّ من تصويره. وقد يجاب بأنّ العبث ما كان خاليا من الفوائد والمنافع، وأفعاله تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح لا تحصى راجعة إلى مخلوقاته، لكنها ليست اسبابا باعثة على إقدامه وعللا مقتضية لفاعليته، فلا تكون أغراضا له ولا عللا غائية لأفعاله حتى يلزم استكماله بها، بل تكون غايات ومنافع لأفعاله تعالى وآثارا مترتّبة عليها فلا يلزم أن يكون شيء من أفعاله عبثا خاليا عن الفوائد. وما ورد من الظواهر الدّالة على تعليل أفعاله تعالى فهو محمول على الغاية والمنفعة دون الغرض، كذا في شرح المواقف. وقد يقال المقصود يسمّى غرضا إذا لم يمكن للفاعل تحصيله إلّا بذلك الفعل وزيادته اصطلاح جديد لم يعرف له مستند لا عقلا ولا نقلا، كذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية. وقد يطلق الغرض بمعنى الغاية سواء كان باعثا للفاعل على الفعل أو لا، صرّح به المولوي عبد الحكيم في حاشية الفوائد الضيائية.

الدوران

الدوران: لغة، الطواف حول الشيء. وفي عرف أهل الأصول: حكم عند وجود وصف ينعدم عند عدمه. وقال ابن الكمال
هو ترتب الشيء على الشيء الذي له صلوح العلية كترتب الإسهال على السقمونياء، فالأول يسمى دائرا والثاني مدارا، وهو على ثلاثة أقسام: الأول أن يكون المدار مدارا للدائر وجودا لا عدما كشرب السقمونيا للإسهال فإنه إذا وجد وجد الإسهال وإذا عدم لا يلزم عدمه لجواز حصوله بدواء آخر، والثاني: أن يكون المدار مدارا للدائر عدما لا وجودا كالحياة للعلم، الثالث: أن يكون المدار مدارا للدائر وجودا وعدما كزنا المحصن يوجب الرجم، فإنه كلما وجد وجب الرجم، وكلما لم يوجد لم يجب.
الدوران: فِي اللُّغَة الطّواف حول الشَّيْء وَلم يُبدل الْوَاو بِالْألف لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا لمَانع هُوَ دلَالَة الْكَلِمَة على الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب. وَفِي الِاصْطِلَاح ترَتّب الشَّيْء على الشَّيْء الَّذِي لَهُ صلوح الْعلية كترتب السكر على شرب الْخمر وَيُسمى الشَّيْء الأول دائرا وَالثَّانِي مدارا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ اقتران الشَّيْء بِغَيْرِهِ وجودا وعدما وَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام - الأول: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائر وجودا لَا عدما كشرب الْخمر للسكر فَإِنَّهُ إِذا وجد وجد السكر وَأما إِذا عدم فَلَا يلْزم عدم السكر لجَوَاز أَن يحصل السكر بِشرب البنج. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائر عدما لَا وجودا كوجود الْيَد للكتابة فَإِنَّهُ إِذا لم تُوجد الْيَد لم تُوجد الْكِتَابَة. وَأما إِذا وجدت فَلَا يلْزم أَن يُوجد الْكِتَابَة - وَالثَّالِث: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائر وجودا وعدما كَالزِّنَا الصَّادِر عَن الْمُحصن لــوُجُوب الرَّجْم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كلما وجد وَجب الرَّجْم وَكلما لم يُوجد لم يجب.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.