Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: فيروز

جَلُلْتَا

جَلُلْتَا:
بالفتح ثم الضم، وسكون اللام الثانية، والتاء مثناة من فوقها، والقصر: قرية مشهورة من قرى النهروان ينسب إليها أبو طالب المحسن بن عليّ بن شهــفيروز الجللتاني من فقهاء أصحاب الشافعي، روى عن القاضي أبي الفرج المعافى بن زكرياء الجريري وأبي طاهر المخلص وتفقه على أبي حامد الأسفراييني، وتوفي بجللتا في شهر رمضان سنة 456 قاله السلفي.

التَّاجِيَّةُ

التَّاجِيَّةُ:
منسوبة: اسم مدرسة ببغداد ملاصق قبر الشيخ أبي إسحاق الــفيروزآباذي، نسبت إليها محلة هناك ومقبرة، والمدرسة منسوبة إلى تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسرو فيروز المتولّي لتدبير دولة ملكشاه بعد الوزير نظام الملك. والتاجيّة أيضا:
نهر عليه كور بناحية الكوفة.

بِهْقُباذُ

بِهْقُباذُ:
بالكسر ثم السكون، وضم القاف، وباء موحدة، وألف، وذال معجمة: اسم لثلاث كور ببغداد من أعمال سقي الفرات، منسوبة إلى قباذ ابن فيروز والد أنوشروان بن قباذ العادل، منها:
بهقباذ الأعلى سقيه من الفرات، وهو ستة طساسيج:
طسّوج خطرنية وطسوج النهرين وطسوج عين التمر والفلّوجتان العليا والسفلى وطسوج بابل، والبهقباذ الأوسط وهي أربعة طساسيج: طسّوج سورا وطسوج باروسما والجبة والبداة وطسوج نهر الملك، والبهقباذ الأسفل خمسة طساسيج: الكوفة وفرات بادقلى والسيلحين وطسوج الحيرة وطسوج نستر وطسوج هرمزجرد.

الأَنْبارُ

الأَنْبارُ:
بفتح أوله: مدينة قرب بلخ وهي قصبة ناحية جوزجان وبها كان مقام السلطان، وهي على الجبل، وهي أكبر من مرو الروذ وبالقرب منها، ولها مياه وكروم وبساتين كثيرة، وبناؤهم طين، وبينها وبين شبورقان مرحلة في ناحية الجنوب، ينسب إليها قوم منهم: أبو الحسن عليّ بن محمد الأنباري، روى عن القاضي أبي نصر الحسين بن عبد الله الشيرازي نزيل سجستان، روى عنه محمد بن أحمد بن أبي الحجاج الدهستاني الهروي أبو عبد الله، والأنبار أيضا:
مدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ، وكانت الفرس تسميها فيروز سابور، طولها تسع وستون درجة ونصف وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلثان، وكان أول من عمّرها سابور بن هرمز ذو الأكتاف، ثم جدّدها أبو العباس السفّاح أول خلفاء بني العباس وبنى بها قصورا وأقام بها إلى أن مات، وقيل: إنما سمّيت الأنبار لأن بخت نصّر لما حارب العرب الذين لا خلاق لهم حبس الأسراء فيها، وقال أبو القاسم: الأنبار حدّ بابل سميت به لأنه كان يجمع بها أنابير الحنطة والشعير والقتّ والتبن، وكانت الأكاسرة ترزق أصحابها منها، وكان يقال لها الأهراء، فلما دخلتها العرب عرّبتها فقالت الأنبار، وقال الأزهري: الأنبار أهراء الطعام، واحدها نبر ويجمع على أنابير جمع الجمع، وسمّي الهري نبرا لأنّ الطعام إذا صبّ في موضعه انتبر أي ارتفع، ومنه سمّي المنبر لارتفاعه، قال ابن السكيت: النّبر دويبّة أصغر من القراد يلسع فيحبط موضع لسعها أي يرم، والجمع أنبار، قال الرّاجز يذكر إبلا سمنت وحملت الشحوم:
كأنها من بدن وأبقار، ... دبّت عليها ذربات الأنبار
وأنشد ابن الأعرابي لرجل من بني دبير:
لو قد ثويت رهينة لمودّإ ... زلج الجوانب، راكد الأحجار
لم تبك حولك نيبها، وتفارقت ... صلقاتها لمنابت الأشجار هلا منحت بنيك، إذ أعطيتهم ... من جلّة أمنتك، أو أبكار
زلج الجوانب: أي مزلّ، يعني القبر، صلقاتها:
أي أنيابها التي تصلّق بها، أمنتك: أي أمنت أن تنحرها أو تهبها أو تعمل بها ما يؤذيها.
وفتحت الأنبار في أيام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، سنة 12 للهجرة على يد خالد بن الوليد، لما نازلهم سألوه الصلح فصالحهم على أربعمائة ألف درهم وألف عباءة قطوانية في كل سنة، ويقال: بل صالحهم على ثمانين ألفا، والله أعلم، وقد ذكرت في الحيرة شيئا من خبرها، وينسب إليها خلق كثير من أهل العلم والكتابة وغيرهم، منهم من المتأخرين: القاضي أحمد بن نصر بن الحسين الأنباري الأصل أبو العباس الموصلي يعرف بالدّيبلي فقيه شافعي، قدم بغداد واستنابه قاضي القضاة أبو الفضائل القاسم بن يحيى الشهرزوري في القضاء والحكم بحريم دار الخلافة، وكان من الصالحين ورعا ديّنا خيّرا له أخبار حسان في ورعه ودينه وامتناعه من إمضاء الحكم فيما لا يجوز، وردّ أوامر من لا يمكن ردّ ما يستجرئ عليه، وكان لا تأخذه في الحقّ لومة لائم، وله عندي يد كريمة، جزاه الله عنها ورحمه الله رحمة واسعة، وذاك أنه تلطف في إيصالي إلى حق كان حيل بيني وبينه من غير معرفة سابقة ولا شفاعة من أحد، بل نظر إلى الحقّ من وراء سجف رقيق فوعظ الغريم وتلطف به حتى أقرّ بالحقّ، ولم يزل على نيابة صاحبه إلى أن عزل وانعزل بعزله ورجع إلى الموصل، وتوفي بها سنة 598 رحمة الله عليه.
والأنبار أيضا: سكة الأنبار بمرو في أعلى البلد، ينسب إليها أبو بكر محمد بن الحسن بن عبدويه الأنباري، قال أبو سعد: وقد وهم فيه أبو كامل البصيري، وهو المذكور بعد هذا، فنسبه إلى أنبار بغداد وليس بصحيح.

أرْدشِيرخرّه

أرْدشِيرخرّه:
بالفتح ثم السكون، وفتح الدال المهملة، وكسر الشين المعجمة، وياء ساكنة، وراء، وخاء معجمة مضمومة، وراء مفتوحة مشددة، وهاء:
وهو اسم مركب معناه بهاء أردشير، وأردشير ملك من ملوك الفرس، وهي من أجلّ كور فارس، ومنها مدينة شيراز وجور وخبر وميمند والصيمكان والبرجان والخوار وسيراف وكام فيروز وكازرون، وغير ذلك من أعيان مدن فارس، قال البشّاري: أردشير خرّه كورة قديمة، رسمها نمرود بن كنعان ثم عمرها بعده سيراف بن فارس، وأكثرها ممتد على البحر، شديدة الحر كثيرة الثمار، قصبتها سيراف. ومن مدنها: جور وميمند ونائن والصيمكان وخبر وخوزستان والغندجان وكران وشميران وزيرباذ ونجيرم، وقال الاصطخري:
أردشير خرّه تلي كورة إصطخر في العظم، ومدينتها جور، وتدخل في هذه الكورة كورة فناخرّه، وبأردشير خرّه مدن هي أكبر من جور، مثل شيراز وسيراف، وإنما كانت جور مدينة أردشير خرّه، لأن جور مدينة بناها أردشير، وكانت دار مملكته، وشيراز وإن كانت قصبة فارس، وبها الدواوين ودار الإمارة، فإنها مدينة محدثة، بنيت في الإسلام.

أَرَّجَانُ

أَرَّجَانُ:
بفتح أوله وتشديد الراء، وجيم وألف ونون، وعامّة العجم يسمّونها أرغان، وقد خفّف المتنبي الراء فقال:
أرجان أيّتها الجياد، فإنه ... عزمي الذي يدع الوشيج مكسّرا
وقال أبو عليّ: أرّجان وزنه فعلان، ولا تجعله أفعلان، لأنك إن جعلت الهمزة زائدة، جعلت الفاء والعين من موضع واحد، وهذا لا ينبغي أن يحمل على شيء لقلّته. ألا ترى أنه لا يجيء منه إلا حروف
قليلة، فإن قلت إن فعلان بناء نادر، لم يجيء في شيء من كلامهم، وأفعلان قد جاء نحو أنبخان وأرونان، قيل: هذا البناء وإن لم يجيء في الأبنية العربية، فقد جاء في العجمي بكم اسما، ففعلان مثله إذا لم يقيّد بالألف والنون، ولا ينكر أن يجيء العجمي على ما لا تكون عليه أمثلة العربي. ألا ترى أنه قد جاء فيه نحو سراويل في أبنية الآحاد، وإبريسم وآجرّ ولم يجيء على ذلك شيء من أبنية كلام العرب؟
فكذلك أرجان، ويدلّك على أنه لا يستقيم أن يحمل على أفعلان، أن سيبويه جعل إمّعة فعّلة، ولم يجعله إفعلة، بناء لم يجيء في الصفات وإن كان قد جاء في الأسماء نحو إشفى وإنفحة وإبين، وكذلك قال أبو عثمان في أمّا، في قولك: أما زيد فمنطلق، إنك لو سمّيت بها لجعلتها فعّلا ولم تجعلها أفعل لما ذكرنا، وكذلك يكون على قياس قول سيبويه وأبي عثمان: الإجّاص والإجّانة والإجّار فعّالا، ولا يكون إفعالا. والهمزة فيها فاء الفعل، وحكى أبو عثمان: في همزة إجّانة الفتح والكسر، وأنشدني محمد بن السري:
أراد الله أن يخزي بجيرا، ... فسلّطني عليه بأرّجان
وقال الإصطخري: أرّجان مدينة كبيرة كثيرة الخير، بها نخيل كثيرة وزيتون وفواكه الجروم والصّرود، وهي بريّة بحرية، سهليّة جبليّة، ماؤها يسيح بينها وبين البحر مرحلة، وبينها وبين شيراز ستون فرسخا، وبينها وبين سوق الأهواز ستون فرسخا، وكان أول من أنشأها، فيما حكته الفرس، قباذ بن فيروز والد أنوشروان العادل، لما استرجع الملك من أخيه جاماسب وغزا الروم، افتتح من ديار بكر مدينتين: ميّافارقين وآمد وكانتا في أيدي الروم، وأمر فبني فيما بين حدّ فارس والأهواز مدينة سماها أبز قباذ، وهي التي تدعى أرّجان، وأسكن فيها سبي هاتين المدينتين، وكوّرها كورة، وضمّ إليها رساتيق من رامهرمز وكورة سابور وكورة أردشير خرّه وكورة أصبهان، هكذا قيل.
وإن أرجان لها ذكر في الفتوح، ولا أدري أهي غيرها أم إحدى الروايتين غلط، وقيل: كانت كورة أرجان بعضها إلى أصبهان، وبعضها إلى إصطخر، وبعضها إلى رامهرمز، فصيرت في الإسلام كورة واحدة من كور فارس. وحدّث أحمد بن محمد بن الفقيه، قال: حدثني محمد بن أحمد الأصبهاني، قال: بأرّجان كهف في جبل ينبع منه ماء شبيه بالعرق من حجارة، فيكون منه هذا الموميا الأبيض الجيد، وعلى هذا الكهف باب من حديد وحفظة، ويغلق ويختم بخاتم السلطان إلى يوم من السنة يفتح فيه، ويجتمع القاضي وشيوخ البلد حتى يفتح بحضرتهم، ويدخل إليه رجل ثقة عريان، فيجمع ما قد اجتمع من الموميا، ويجعله في قارورة، فيصير ذلك مقدار مائة مثقال أو دونها، ثم يخرج ويختم الباب بعد قفله إلى قابل، ويوجه بما اجتمع منه إلى السلطان، وخاصيّته لكل صدع أو كسر في العظم يسقى الإنسان الذي قد انكسر شيء من عظامه مثل العدسة، فينزل أول ما يشربه إلى الكسر فيجبره ويصلحه لوقته، وقد ذكر البشّاري والإصطخري: إن هذا الكهف بكورة دارابجرد. وأنا أذكره إن شاء الله هناك. ومن أرجان إلى النّوبندجان نحو شيراز ستة وعشرون فرسخا، وبينهما شعب بوّان الموصوف بكثرة الأشجار والنزهة، وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وينسب إلى أرجان جماعة كثيرة من
أهل العلم، منهم أبو سهل أحمد بن سهل الأرجاني، حدّث عن أبي محمد زهير بن محمد البغدادي، حدّث عنه أبو محمد عبد الله بن محمد الإصطخري، وأبو عبد الله محمد بن الحسن الأرجاني، حدّث عن أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، حدّث عنه محمد بن عبد الله بن باكويه الشيرازي، وأبو سعد أحمد بن محمد ابن أبي نصر الضرير الأرجاني الجلكي الأصبهاني، سمع من فاطمة الجوزدانية، ومات في شهر ربيع الأول سنة 606، والقاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني الشاعر المشهور، كان قاضي تستر، ولد في حدود سنة 460 ومات في سنة 544، وغيرهم.

أَبَزْقُبَاذُ

أَبَزْقُبَاذُ:
بفتح أوله وثانيه وسكون الزاي وضم القاف والباء موحدة وألف وذال معجمة: كذا وجدته بخطّ غير واحد من أهل العلم بالزاي.
وقباذ بن فيروز: ملك من ملوك الفرس وهو والد
أنو شروان العادل، ولهذا الموضع ذكر في الفتوح يجيء مع ذكر المذار، فكأنه يجاور ميسان ودستميسان.
وقال هلال بن المحسن: أبزقباذ كذا، هو بخطّه بالزاي، من طساسيج المذار بين البصرة وواسط.
وقال ابن الفقيه وغيره: أبزقباذ، هي كورة أرّجان بين الأهواز وفارس بكمالها، وقد ذكرت مع أرّجان. وفي كتب الفرس أن قباذ بنى أبزقباذ وهي أرجان وأسكنها سبي همذان.
وقال أبو يحيى زكرياء الساجي في تاريخ البصرة: سار عتبة بن غزوان بعد فتح الأبلّة إلى دستميسان ففتحها، ومضى من فوره ذلك إلى أبزقباذ ففتحها.
هكذا وجدته بخطّ أبي الحسن بن الفرات بالزاي، وإذا صحّت الروايات، فهذه غير أرجان، والله الموفق.

مِهْرِجان

مِهْرِجان:
معناه بالفارسية فرح النفس، قد يسقط من الكورة المذكورة آنفا قذق فيقال مهرجان فقط، قال أبو سعد: مهرجان قرية بأسفرايين لقبها بذلك كسرى قباذ بن فيروز والد كسرى أنوشروان لحسنها وخضرتها وصحة هوائها، ينسب إليها جماعة من العلماء، منهم: أبو بكر محمد بن عبد الله بن مهدي المهرجاني النيسابوري، سمع محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن رجاء وعمر بن شبّة وأبا سعيد الأشجّ وغيرهم، روى عنه أبو علي الحافظ وغيره، ومهرجان: قرية بين أصبهان وطبس كبيرة بها جامع وقد خربت.

الدَّثِينَة

الدَّثِينَة:
بفتح أوله، وكسر ثانيه، وياء مثناة من تحت، ونون: ناحية بين الجند وعدن، وفي حديث أبي سبرة النخعي قال: أقبل رجل من اليمن فلما كان ببعض الطريق نفق حماره فقام وتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال: اللهم إني جئت من الدثينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك وأنا أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل اليوم لأحد عليّ منّة، أطلب إليك اليوم أن تحيي لي حماري، قال: فقام الحمار ينفض أذنيه، وقال الزمخشري: الدثينة والدفينة منزل لبني سليم، وقال أبو عبيد السكوني: الدثينة منزل بعد فلجة من البصرة إلى مكة، وهي لبني سليم ثم وجرة ثم نخلة ثم بستان ابن عامر ثم مكة، وقال الجوهري: الدثينة ماء لبني سيار بن عمرو، وأنشد للنابغة:
وعلى الرّميثة من سكين حاضر، ... وعلى الدثينة من بني سيار
قال: ويقال كانت تسمّى في الجاهلية الدفينة فتطيروا منها فسموها الدثينة، وذكرها ابن الفقيه في أعمال المدينة، وقد نسبوا إليها عروة بن غزيّة الدثيني، روى عن الضحاك بن فيروز.

مِرْجَمٌ

مِرْجَمٌ:
بالكسر ثم السكون، وجيم مفتوحة: موضع في بلاد بني ضمرة، قال كثير:
أفي رسم أطلال بشطب فمرجم ... دوارس لمّا استنطقت لم تكلّم
وقال فيروز الديلمي:
هاجتك دمنة منزل ... بين المراض فمرجم
وكأنما نسج التراب ... سفا الرياح بمعلم

نهرُ عيسى

نهرُ عيسى:
بن عليّ بن عبد الله بن العباس: وهي 21- 5 معجم البلدان دار صادر
كورة وقرى كثيرة وعمل واسع في غربي بغداد يعرف بهذا الاسم ومأخذه من الفرات عند قنطرة دممّا ثم يمرّ فيسقي طسوج فيروز سابور حتى ينتهي إلى المحوّل ثم تتفرع منه أنهار تتخرق مدينة السلام ثم يمر بالياسرية ثم قنطرة الرومية وقنطرة الزياتين وقنطرة الأشنان وقنطرة الشوك وقنطرة الرّمّان وقنطرة المغيض عند الأرحاء ثم قنطرة البستان ثم قنطرة المعبدي ثم قنطرة بني زريق ثم يصب في دجلة عند قصر عيسى بن علي، وكان عند كل قنطرة سوق يعرف بها، والآن ليس من ذلك كله غير قنطرة الزياتين وقنطرة البستان وتعرف بقنطرة المحدّثين، وهو نهر على متنزهات وبساتين كثيرة، وقد قالت فيه الشعراء فأكثروا، فمن ذلك قال الحسن بن علي الشاتاني الموصلي: قال لي القاضي نجم الدين ابن السّهروردي قاضي الموصل: دخل عليّ شابّ من أهل بغداد وأنشدني:
في نهر عيسى والهواء معنبر، ... والماء فضّيّ القميص صقيل
والطير إما هاتف بقرينه، ... أو نادب يشكو الفراق ثكول
وعرائس السرّ التحفن بسندس، ... ورقصن فارتفعت لهن ذيول
ثم قال لي: اعمل على وزنها ما يشاكلها، فعملت:
والغصن مهزوز القوام كأنها ... دارت عليه من الشّمال شمول
والدهر كالليل البهيم وأنتم ... غرر تنير ظلامه وحجول
نبّه بني اللذّات واهتف فيهم ... بتيقظ: إن المقام قليل
وقال أبو الحسن علي بن معمّر الواسطي متأخر مات في رمضان سنة 609:
يا نهر عيسى إلى عيسى نسبت وما ... نسبت إلا بتحقيق وإيضاح
فإنه بك إحياء القلوب كما ... عيسى المسيح به إحياء أرواح

نَجْرَانُ

نَجْرَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، والنجران في كلامهم: خشبة يدور عليها رتاج الباب، وأنشدوا:
وصيت الباب في النجران حتى ... تركت الباب ليس له صرير
وقال ابن الأعرابي: يقال لأنف الباب الرتاج ولد رونده النّجاف والنجران ولمترسه المفتاح، قال ابن دريد: نجران الباب الخشبة التي يدور عليها، ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا: سمي بنجران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لأنه كان أول من عمرها ونزلها وهو المرعف وإنما صار إلى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخرج رائدا حتى انتهى إلى واد فنزل به فسمي نجران به، كذا ذكره في كتاب الكلبي بخط صحيح زيدان بن سبإ، وفي كتاب غيره زيد، روى ذلك الزيادي عن الشرقي، وأما سبب دخول أهلها في دين النصرانية قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيميون، بالفاء ويروى بالقاف، وكان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بالقرى فإذا عرف بقرية خرج منها إلى أخرى، وكان لا يأكل إلّا من كسب يديه، وكان بنّاء يعمل في الطين، وكان يعظّم الأحد فلا يعمل فيه شيئا فيخرج إلى فلاة من الأرض فيصلي بها حتى يمسي، ففطن لشأنه رجل من أهل قرية بالشام كان يعمل فيها فيميون عمله، وكان ذلك الرجل اسمه صالح فأحبه صالح حبّا شديدا فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح فجلس منه منظر العين مستخفيا منه، فقام فيميون يصلي فإذا قد أقبل نحوه تنّين، وهو الحية العظيمة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخاف عليه فصرخ: يا فيميون التنين قد أقبل نحوك! فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها فخرج إليه صالح وقال: يا فيميون يعلم الله أنني ما أحببت شيئا قط مثل حبك وقد أحببت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمري كما ترى فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كان أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا جاءه العبد وبه ضرّ دعا له فشفي، وكان إذا دعي لمنزل أحد لم يأته، وكان لرجل من أهل تلك القرية ولد ضرير فقال لفيميون: إن لي عملا فانطلق معي إلى منزلي، فانطلق معه فلما حصل في بيته رفع الرجل الثوب عن الصبيّ وقال له: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له! فدعا الله فقام الصبيّ ليس به بأس، فعرف فيميون أنه عرف فخرج من القرية واتبعه صالح حتى وطئا بعض أراضي العرب فعدوا عليهما فاختطفهما سيّارة من العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وكان أهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة لهم عظيمة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة فإذا كان ذلك العيد علّقوا عليها كلّ ثوب حسن وجدوه وحليّ النساء، فخرجوا إليها يوما وعكفوا عليها يوما، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام بالليل في بيت له أسكنه إياه سيّده استسرج له البيت نورا حتى يصبح
من غير مصباح، فأعجب سيّده ما رأى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم على باطل وهذه الشجرة لا تضرّ ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيّده: افعل فإنك إن فعلت هذا دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون وتطهّر وصلّى ركعتين ثم دعا الله تعالى عليها فأرسل الله ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فعند ذلك اتبعه أهل نجران فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على غيرهم من أهل دينهم بكلّ أرض فمن هناك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبّه عن أهل نجران، قال: وحدّثني يزيد بن زياد عن محمد ابن كعب القرظي وحدثني أيضا بعض أهل نجران أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام وكان في قرية من قراها قريبا من نجران، ونجران القرية العظيمة التي إليها إجماع تلك البلاد، كان عندهم ساحر يعلّم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فيميون ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به ابن منبه إنما قالوا رجل نزلها وابتنى خيمة بين نجران وبين القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون أولادهم إلى ذلك الساحر يعلّمهم السحر فبعث الثامر ابنه عبد الله مع غلمان أهل نجران فكان ابن الثامر إذا مر بتلك الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم وعبد الله تعالى وحده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى فقه فيه فسأله عن الاسم الأعظم فكتمه إياه وقال: إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظنّ إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه عمد إلى قداح فجمعها ثم لم يبق لله تعالى اسما يعلمه إلا كتب كل واحد في قدح فلما أحصاها أوقد نارا وجعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى مرّ بالاسم الأعظم فقذفه فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضرّه النار شيئا، فأتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم وهو كذا، فقال: كيف علمته؟ فأخبره بما صنع، فقال: يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظنّ أن تفعل، وجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ إلا قال له: يا عبد الله أتوحّد الله وتدخل في ديني فأدعو الله فيعافيك؟
فيقول: نعم، فيدعو الله فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، فرفع أمره إلى ملك نجران فأحضره وقال له:
أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثّلنّ بك! فقال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح من رأسه فيقع على الأرض ويقوم وليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر، لا تقدر على قتلي حتى توحّد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلّطت عليّ فتقتلني، قال: فوحّد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة غير كبيرة فقتله، قال عبيد الله الفقير إليه: فاختلفوا ههنا، ففي حديث رواه الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، على غير هذا السياق وإن قاربه في المعنى، فقال: إن الملك لما رمى الغلام في رأسه وضع الغلام يده على صدغه ثم مات، فقال أهل نجران: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه
أحد فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام، قال: فقيل الملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك! قال: فخدّ أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس وقال: من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود، فذلك قوله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، حتى بلغ إلى:
العزيز الحميد، وأما الغلام فإنه دفن وذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، روى هذا الحديث الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ابن معمر، ورواه مسلم عن هدّاب بن خالد عن حماد بن سلمة ثم اتفقا، عن سالم عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث ابن إسحاق: إن الملك لما قتل الغلام هلك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وهو النصرانية وكان على ما جاء به عيسى، عليه السّلام، من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك أصل النصرانية بنجران، قال: فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود فحرق من حرق في النار وقتل من قتل بالسيف ومثّل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، إلى آخر الآية، قال عبيد الله الفقير إليه: خبر الترمذي ومسلم أعجب إليّ من خبر ابن إسحاق لأن في خبر ابن إسحاق أن الذي قتل النصارى ذو نواس وكان يهوديّا صحيح الدين اتبع اليهودية بآيات رآها، كما ذكرناه في امام من هذا الكتاب، من الحبرين اللذين صحباه من المدينة ودين عيسى إنما جاء مؤيدا ومسددا للعمل بالتوراة فيكون القاتل والمقتول من أهل التوحيد والله قد ذمّ المحرق والقاتل لأصحاب الأخدود فبعد إذا ما ذكره ابن إسحاق وليس لقائل أن يقول إن ذا نواس بدّل أو غيّر دين موسى، عليه السلام، لأن الأخبار غير شاهدة بصحة ذلك، وأما خبر الترمذي أن الملك كان كافرا وأصحاب الأخدود مؤمنين فصحّ إذا، والله أعلم، وفتح نجران في زمن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة عشر صلحا على الفيء وعلى أن يقاسموا العشر ونصف العشر، وفيها يقول الأعشى:
وكعبة نجران حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيدا وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وشاهدنا الورد والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها
وبربطنا دائم معمل، ... فأيّ الثلاثة أزرى بها؟
وكعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد المدان بن الدّيّان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمّون وهم الذين جاءوا إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمّونها كعبة نجران، وكانت على نهر بنجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغلّ
من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبّة تستغرقها، ثم كان أول من سكن نجران من بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان يزيد بن عبد المدان، وذلك أن عبد المسيح زوّجه ابنته دهيمة فولدت له عبد الله بن يزيد ومات عبد الله بن يزيد فانتقل ماله إلى يزيد فكان أول حارثيّ حلّ في نجران، وكان من أمر المباهلة ما ليس ذكره من شرط كتابي ذا وقد ذكرته في غيره، وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: القرى المحفوظة أربع: مكة والمدينة وإيلياء ونجران، وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إليها بعد هذا أبدا، قال أبو عبيد في كتاب الأموال: حدثني يزيد عن حجاج عن ابن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأخرجنّ اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما، قال:
فأخرجهم عمر، رضي الله عنه، قال: وإنما أجاز عمر إخراج أهل نجران وهم أهل صلح بحديث روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فيهم خاصة عن أبي عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه كان آخر ما تكلم به أنه قال: أخرجوا اليهود من الحجاز وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب، وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء أهل نجران إلى عليّ، رضي الله عنه، فقالوا:
شفاعتك بلسانك وكتابتك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردّها إلينا صنيعة، فقال: يا ويلكم إن كان عمر رشيد الأمر فلا أغيّر شيئا صنعه! فكان الأعمش يقول: لو كان في نفسه عليه شيء لاغتنم هذا.
ونجران أيضا: موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال إن نصارى نجران لما أخرجوا سكنوا هذا الموضع وسمّي باسم بلدهم، وقال عبيد الله بن موسى بن جار بن الهذيل الحارثي يرثي عليّ بن أبي طالب ويذكر أنه حمل نعشه في هذا الموضع فقال:
بكيت عليّا جهد عيني فلم أجد ... على الجهد بعد الجهد ما أستزيدها
فما أمسكت مكنون دمعي وما شفت ... حزينا ولا تسلى فيرجى رقودها
وقد حمل النّعش ابن قيس ورهطه ... بنجران والأعيان تبكي شهودها
على خير من يبكى ويفجع فقده، ... ويضربن بالأيدي عليه خدودها
ووفد على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفد نجران وفيهم السيّد واسمه وهب والعاقب واسمه عبد المسيح والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، مباهلتهم فامتنعوا وصالحوا النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فكتب لهم كتابا، فلما ولي أبو بكر، رضي الله عنه، أنفذ ذلك لهم، فلما ولي عمر، رضي الله عنه، أجلاهم واشترى منهم أموالهم، فقال أبو حسّان الزيادي: انتقل أهل نجران إلى قرية تدعى نهر ابان من أرض الهجر المنقطع من كورة البهقباذ من طساسيج الكوفة وكانت هذه القرية من الضواحي وكان كسرى أقطعها امرأة يقال لها ابان وكان زوجها من أوراد المملكة يقال له باني وكان قد احتفر نهر الضيعة لزوجته وسماه نهر ابان ثم ظهر عليها الإسلام وكان أولادها يعملون في تلك الأرض، فلما أجلى عمر، رضي الله عنه، أهل نجران نزلوا
قرية من حمراء ديلم يرتادون موضعا فاجتاز بهم رجل من المجوس يقال له فيروز فرغب في النصرانية فتنصر ثم أتى بهم حتى غلبوا على القرية وأخرجوا أهلها عنها وابتنوا كنيسة دعوها الأكيراح، فشخصوا إلى عمر فتظلّموا منهم فكتب إلى المغيرة في أمرهم فرجع الجواب وقد مات عمر، رضي الله عنه، فانصرف النجرانيون إلى نهر ابان واستقروا به، ثم شخص العجم إلى عثمان، رضي الله عنه، فكتب في أمرهم إلى الوليد بن عتبة فألفوه وقد أخرجه أهل الكوفة فانصرف النجرانيون إلى قريتهم وكثر أهلها وغلبوا عليها.
ونجران أيضا: موضع بالبحرين فيما قيل. ونجران أيضا: موضع بحوران من نواحي دمشق وهي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك ينذر له المسلمون والنصارى، ولنذور هذا الموضع قوم يدورون في البلدان ينادون من نذر نذر نجران المبارك، وهم ركاب الخيل، وللسلطان عليهم قطيعة وافرة يؤدّونها إليه في كل عام، وقيل: هي قرية أصحاب الأخدود باليمن، ينسب إليها يزيد بن عبد الله بن أبي يزيد النجراني يكنى أبا عبد الله من أهل دمشق من نجران التي بحوران، روى عن الحسين بن ذكوان والقاسم بن أبي عبد الرحمن ومسحر السكسكي، روى عنه يحيى بن حمزة وسويد ابن عبد العزيز وصدقة بن عبد الله وأيوب بن حسّان وهشام بن الغاز، وقال أبو الفضل المقدسي النجراني:
والنجراني الأول منسوب إلى نجران هجر وفيهم كثرة، قال عبيد الله الفقير إليه: هذا قول فيه نظر فإن نجران هجر مجهول والمنسوب إليه معدوم، وقال أبو الفضل: والثاني نجران اليمن، منهم: عبيد الله ابن العباس بن الربيع النجراني، حدث عن محمد بن إبراهيم البيلماني، روى عنه محمد بن بكر بن خالد النيسابوري ونسبه إلى نجران اليمن وقال: سمعت منه بعرفات، وقال الحازمي: وممن ينسب إلى نجران بشر بن رافع النجراني أبو الأسباط اليماني، حدث عنه حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق، وينسب إلى نجران اليمن أيضا أبو عبد الملك محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري يقال له النجراني لأنه ولد بها في حياة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سنة عشر وولّاه الأنصار أمرهم يوم الحرّة فقتل بها سنة 63، روى عنه ابنه أبو بكر، وقد أكثرت الشعراء من ذكر نجران في أشعارها، قال اعرابيّ:
إن تكونوا قد غبتم وحضرنا، ... ونزلنا أرضا بها الأسواق
واضعا في سراة نجران رحلي، ... ناعما غير أنني مشتاق
وقال عطارد بن قرّان أحد اللصوص وكان قد أخذ وحبس بنجران:
يطول عليّ الليل حتى أملّه ... فأجلس والنهديّ عندي جالس
كلانا به كبلان يرسف فيهما، ... ومستحكم الأقفال أسمر يابس
له حلقات فيه سمر يحبها ال ... عناة كما حبّ الظماء الخوامس
إذا ما ابن صبّاح أرنّت كبوله ... لهنّ على ساقيّ وهنا وساوس
تذكّرت هل لي من حميم يهمّه ... بنجران كبلاي اللذان أمارس
فأما بنو عبد المدان فإنهم ... وإني من خير الحصين ليائس
روى نمر من أهل نجران أنكم ... عبيد العصا لو صبّحتكم فوارس

مَيّافارِقِين

مَيّافارِقِين:
بفتح أوله، وتشديد ثانيه ثم فاء، وبعد الألف راء، وقاف مكسورة، وياء، ونون، قال بعض الشعراء:
فإن يك في كيل اليمامة عسرة ... فما كيل ميّافارقين بأعسرا
وقال كثيّر:
مشاهد لم يعف التنائي قديمها، ... وأخرى بميّافارقين فموزن
ميّافارقين: أشهر مدينة بديار بكر، قالوا: سميت بميّا بنت لأنها أول من بناها، وفارقين هو الخلاف
بالفارسية يقال له بارجين، لأنها كانت أحسنت خندقها فسميت بذلك، وقيل: ما بني منها منها بالحجارة فهو بناء أنوشروان بن قباذ وما بني بالآجرّ فهو بناء أبرويز، قال بطليموس: مدينة ميّافارقين طولها أربع وسبعون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، داخلة في الإقليم الخامس، طالعها الجبهة، بيت حياتها ثلاث درج من العقرب، لها شركة في السماك الشامي وحرب في قلب الأسد تحت أربع عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، رابعها مثلها من الميزان، وقال صاحب الزيج: طول ميافارقين سبع وخمسون درجة ونصف وربع، وعرضها ثمان وثلاثون درجة، والذي يعتمد عليه أنها من أبنية الروم لأنها في بلادهم، وقد ذكر في ابتداء عمارتها أنه كان في موضع بعضها اليوم قرية عظيمة وكان بها بيعة من عهد المسيح وبقي منها حائط إلى وقتنا هذا، قالوا:
وكان رئيس هذه الولاية رجلا يقال له ليوطا فتزوج بنت رئيس الجبل الذي هناك يسكنه في زماننا الأكراد الشامية وكانت تسمّى مريم فولدت له ثلاثة بنين كان اثنان منهم في خدمة الملك ثيودسيوس اليوناني الذي دار ملكه برومية الكبرى وبقي الأصغر وهو مرّوثا فاشتغل بالعلوم حتى فاق أهل عصره فلما مات أبوه جلس في مكانه في رياسة هذه البلاد وأطاعه أهلها، وكان ملك الروم مقيما بدار ملكه برومية وكان تحت حكمه إلى آخر بلاد ديار بكر والجزيرة، وكان ملك الفرس حينئذ سابور ذو الأكتاف، وكان بينه وبين ملك الروم ثيودسيوس منازعة وحروب مشهورة، وكان ثيودسيوس قد تزوّج امرأة يقال لها هيلانة من أهل الرّها فأولدها قسطنطين الذي بنى مدينة قسطنطينية ثم مات ثيودسيوس فملّكوا هيلانة إلى أن كبر ابنها قسطنطين فاستولى على الملك برومية الكبرى ثم اختار موضع قسطنطينية فعمّرها هناك وصارت دار ملك الروم، وبقي مرّوثا بن ليوطا المقدم ذكره مقيما بديار بكر مطاعا في أهلها وكان له همة في عمارة الأديرة والكنائس فبنى منها شيئا كثيرا فأكثر ما يوجد من ذلك قديم البناء فهو من إنشائه، وكان ربّ ماشية، وكان الفرس مجاوريه فكانوا يغيرون عليه ويأخذون مواشيه فعمد إلى أرض ميافارقين فقطع جميع ما كان حولها من الشوك والشجر وجعله سياجا على غنمه من اللصوص الذين يسرقون أمواله، فيقال إنه كان لملك الفرس بنت لها منه منزلة عظيمة فمرضت مرضا أشرفت منه على الهلاك وعجز عن إصلاحها أطباء الفرس فأشار عليه بعض أصحابه باستدعاء مرّوثا لمعالجتها، فأرسل إلى قسطنطين ملك الروم يسأله ذلك، فأنفذه إليه ووصل إلى المدائن وعالج المرأة فوجدت العافية، فسرّ سابور بذلك وقال لمرّوثا:
سل حاجتك، فسأله الصلح والهدنة، فأجاب إليه وكتب بينه وبين قسطنطين عهدا بالهدنة مدّة حياتهما، فلما أراد مرّوثا الرجوع عاود سابور في ذكر حاجة أخرى فقال: إنك قتلت خلقا كثيرا من النصارى وأحب أن تعطيني جميع ما عندك في بلادك من عظام الرهبان والنصارى الذين قتلهم أصحابك، فرتب معه الملك من سار في بلاده ليستخرج له ما أحبّ من ذلك بعد البحث حتى جمع منه شيئا كثيرا فأخذه معه إلى بلده ودفنها في الموضع الذي اختاره من دياره ومضى إلى قسطنطين وعرّفه ما صنع بالهدنة، فسرّ به وقال له: سل حاجتك، فقال: أحب أن يساعدني الملك في بناء موضع في ذلك الدّوار الذي جعلته لغنمي ويعاونني بجاهه وماله، فكتب إلى كل من يجاوره بمساعدته بالمال والنفس ورجع مرّوثا إلى دياره فساعده من حوله
حتى أدار عوضا من الشوك حائطا كالسور وعمل فيه طاقات كثيرة سدّها بالشوك ثم سأل الملك أن يأذن له أن يبني في جانب حائطه حصنا يأمن به غائلة العدوّ الذي يطرق بلاده، فأذن له في ذلك، فبنى البرج المعروف ببرج الملك وبنى البيعة على رأس التلّ وكتب اسم الملك على أبنيته، ووشى به قوم إلى الملك قسطنطين وزعموا أنه فعل ما فعل للعصيان، فسيّر الملك رجلا وقال له: انظر فإن كان بناؤه بيعة وكتب اسمي على ما بناه فدعه بحاله وإلّا فانقض جميع ما بناه وعد، فلما رأى اسم الملك على السور رجع وأخبر قسطنطين بذلك فأقره على بنائه وأعجبه ما صنع من كتابة اسم الملك على ما جدّده وأنفذ إلى جميع من في تلك الديار من عماله بمساعدة مرّوثا على بناء مدينة بحيث بنى حائطه وأطلق يده في الأموال فعمرها وجعل في كل طاقة من تلك الطيقان التي ذكرنا أنه سدّها بالشوك عظام رجل من شهداء النصارى الذين قدم بهم من عند سابور فسميت المدينة مدورصالا، ومعناه بالعربية مدينة الشهداء، فعرّبت على تطاول الأيام حتى صارت ميّافارقين، هكذا ذكروه وإن كان بين اللفظتين تباين وتباعد، وحصّنها مروثا وأحكمها، فيقال إنها إلى وقتنا هذا وهو سنة 620 لم تؤخذ عنوة قط، وآمد بالقرب منها وهي أحصن منها وأحسن قد أخذت بالسيف مرارا، قالوا:
وأمر الملك قسطنطين وزراءه الثلاثة فبنى كل واحد منهم برجا من أبرجتها فبنى أحدهم برج الرومية والبيعة بالعقبة، وبنى الآخر برج الراوية المعروف الآن ببرج علي بن وهب وبيعة كانت تحت التلّ وهي الآن خراب وأثرها باق مقابل حمّام النجارين، وبنى الثالث برج باب الربضّ والبيعة المدورة وكتب على أبراجها اسم الملك وأمه هيلانة وجعل لها ثمانية أبواب، منها:
باب أرزن ويعرف بباب الخنازير ثم تسير شرقا إلى باب قلونج وهو بين برج الطبّالين وبين برج المرآة ومكتوب عليه اسم الملك وأمه، وإنما سمي برج المرآة لأنه كان عليه بين البرجين مرآة عظيمة يشرق نورها إذا طلعت الشمس على ما حولها من الجبال وأثرها باق إلى الآن وبعض الضباب الحديد باق إلى الآن، ثم عمل بعد ذلك باب الشهوة وهو من برج الملك ثم تسير من جانب الشمال إلى أن تصل إلى البرج الذي فيه الموسوم بشاهد الحمّى، وهناك باب آخر وهو من الربض إلى المدينة ومقابل أرزن القبلي نصبا، ثم تسير إلى الجانب الشمالي وكان هناك باب الربض بين البرجين، ثم تنزل في الغرب إلى القبلة وهناك باب يسمى باب الفرح والغم لصورتين هناك منقوشتين على الحجارة، فصورة الفرح رجل يلعب بيديه وصورة الغمّ رجل قائم على رأسه صخرة جماد، فلذلك لا يبيت أحد في ميافارقين مغموما إلا النادر، والآن يسمى هذا الباب باب القصر العتيق الذي بناه بنو حمدان، ثم تسير إلى نحو القبلة إلى أسفل العقبة وهناك باب عند مخرج الماء، وفي جانب القبلي في السور الكبير باب فتحه سيف الدولة من القصر العتيق وسماه باب الميدان وكان يخرج في الفصيل إلى باب الفرح والغم وليس مقابله في الفصيل باب، وفي برج علي بن وهب في الركن الغربي القبلي في أعلاه صليب منقور كبير يقال إنه مقابل البيت المقدس وعلى بيعة قمامة في البيت المقدس صليب مثل هذا مقابله، ويقال إن صانعهما واحد، وقيل إنه كان مدة عمارتها حتى كملت ثماني عشرة سنة، فإن صح هذا فهو إحدى العجائب لأن مثل تلك العمارة لا يمكن استتمام مثلها إلا في أضعاف هذه السنين، وقيل إنه ابتدئ بعمارتها بعد المسيح بثلاثمائة سنة وكان ذلك لستمائة
وثلاث وعشرين سنة من تاريخ الإسكندر اليوناني، وقيل إن أول عمارتها في أيام بطرس الملك في أيام يعقوب النبي، عليه السّلام، وقيل إن مرّوثا بنى في المدينة ديرا عظيما على اسم بطرس وبولس اللذين هما في البيعة الكبرى وهو باق إلى زماننا هذا في المحلة المعروفة بزقاق اليهود قرب كنيسة اليهود وفيها جرن من رخام أسود فيه منطقة زجاج فيها من دم يوشع بن نون وهو شفاء من كل داء وإذا طلي به على البرص أزاله، يقال إن مروثا جاء به معه من رومية الكبرى عند عوده من عند الملك، وما زالت ميافارقين بأيدي الروم إلى أيام قباذ بن فيروز ملك الفرس فإنه غزا ديار بكر وربيعة وافتتحها وسبى أهلها ونقلهم إلى بلاده وبنى لهم مدينة بين فارس والأهواز فأسكنهم فيها وجعل اسمها أبزقباذ، وقيل هي أرّجان ويقال لها الاستان الأعلى أيضا، ثم ملك بعده ابنه أنوشروان بن قباذ ثم هرمز بن أنوشروان ثم أبرويز بن هرمز وكان أبرويز مشتغلا بلذاته غافلا عن مملكته فخرج هرقل ملك الروم صاحب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فافتتح هذه البلاد وأعادها إلى مملكة الروم وملكها بأسرها ثماني سنين آخرها سنة ثماني عشرة للهجرة، وبعد أن فتحت الشام وجاء طاعون عمواس ومات أبو عبيدة بن الجرّاح أنفذ عمر، رضي الله عنه، عياض بن غنم بجيش كثيف إلى أرض الجزيرة فجعل يفتحها موضعا موضعا، ووجدت بعض من يتعاطى علم السير قد ذكر في كتاب صنفه أن خالد بن الوليد والأشتر النخعي سارا إلى ميافارقين في جيش كثيف فنازلاها فيقال إنها فتحت عنوة، وقيل صلحا على خمسين ألف دينار على كل محتلم أربعة دنانير، وقيل دينارين وقفيز حنطة ومدّ زيت ومدّ خل ومدّ عسل وأن يضاف كل من اجتاز بها من المسلمين ثلاثة أيام، وجعل للمسلمين بها محلة وقرر أخذ العشر من أموالهم، وكان ذلك بعد أخذ آمد، قال: وكان المسلمون لما نزلوا عليها نزلوا بمرج هناك على عين ماء فنصبوا رماحهم هناك بالمرج فسمي ذلك الموضع عين البيضة إلى الآن، وإياها عنى المتنبي في قوله يصف جيشا:
ولما عرضْتَ الجيش كان بهاؤه ... على الفارس المرخى الذؤابة منهم
حواليه بحر للتجافيف مائج، ... يسير به طود من الخيل أيهم
تساوت به الأقطار حتى كأنه ... يجمّع أشتات الجبال وينظم
وأدّبها طول القتال وطرفه ... يشير إليها من بعيد فتفهم
تجاوبه فعلا وما تسمع الوحى، ... ويسمعها لحظا وما يتكلّم
تجانف عن ذات اليمين كأنها ... ترقّ لميّافارقين وترحم
ولو زحمتها بالمناكب زحمة ... درت أيّ سوريها الضعيف المهدّم
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.