Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: عاشر

مَنْبِجٌ

مَنْبِجٌ:
بالفتح ثم السكون، وباء موحدة مكسورة، وجيم: وهو بلد قديم وما أظنه إلا روميّا إلا أن اشتقاقه في العربية يجوز أن يكون من أشياء، يقال:
نبج الرجل ينبج إذا قعد في النّبجة وهي الأكمة، والموضع منبج، ويجوز أن يكون قياسا صحيحا، ويقال: نبج الكلب ينبج، بالجيم، مثل نبح ينبج معنى ووزنا، والموضع منبج، ويجوز أن يكون من النبيج وهو طعام كانت العرب تتخذه في المجاعة يخاض الوبر في اللبن فيجدح ويؤكل، ويجوز أن يكون من النبج وهو الضراط، فأما الأول وهو الأكمة فلا يجوز أن يسمى به لأنه على بسيط من الأرض لا أكمة فيه، فلم يبق إلا الوجوه الثلاثة فليختر مختار منها ما أراد:
فقال: ثكل وغدر أنت بينهما، ... فاختر فما فيهما حظّ لمختار
وذكر بعضهم أن أول من بناها كسرى لمّا غلب على الشام وسماها من به أي أنا أجود فعرّبت فقيل له منبج، والرشيد أول من أفرد العواصم، كما ذكرنا في العواصم، وجعل مدينتها منبج وأسكنها عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، وقال بطليموس: مدينة منبج طولها إحدى وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة،
طالعها الشولة، بيت حياتها تسع درج من الحوت لها شركة في كف الخضيب وأربعة أجزاء من رأس الغول تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، عاشرها مثلها من الحمل، رابعها مثلها من الميزان، وهي في الإقليم الرابع، قال صاحب الزيج: طولها ثلاث وستون درجة ونصف وربع، وعرضها خمس وثلاثون درجة، وهي مدينة كبيرة واسعة ذات خيرات كثيرة وأرزاق واسعة في فضاء من الأرض، كان عليها سور مبنيّ بالحجارة محكم، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ، وشربهم من قنيّ تسيح على وجه الأرض، وفي دورهم آبار أكثر شربهم منها لأنها عذبة صحيحة، وهي لصاحب حلب في وقتنا ذا، ومنها البحتري وله بها أملاك، وقد خرج منها جماعة من الشعراء، فأما المبرّزون فلا أعرف غير البحتري، وإياها عنى المتنبي بقوله:
قيل بمنبج مثواه ونائله ... في الأفق يسأل عمن غيره سألا
وقال ابن قتيبة في أدب الكتّاب: كساء منبجانيّ ولا يقال أنبجاني لأنه منسوب إلى منبج، وفتحت باؤه في النسب لأنه خرج مخرج منظراني ومخبراني، قال أبو محمد البطليوسي في تفسيره لهذا الكتاب: قد قيل أنبجاني وجاء ذلك في بعض الحديث، وقال:
أنشد أبو العباس المبرّد في الكامل في وصف لحية:
كالأنبجانيّ مصقولا عوارضها، ... سوداء في لين خدّ الغادة الرّود
ولم ينكر ذلك وليس في مجيئه مخالفا للفظ منبج ما يبطل أن يكون منسوبا إليها لأن المنسوب يرد خارجا عن القياس كثيرا كمروزي ودراوردي ورازي ونحو ذلك، قلت: دراوردي هو منسوب إلى درابجرد، وقرأت بخط ابن العطّار: منبج بلدة البحتري وأبي فراس وقبلهما ولد بها عبد الملك بن صالح الهاشمي وكان أجلّ قريش ولسان بني العباس ومن يضرب به المثل في البلاغة، وكان لما دخل الرشيد إلى منبج قال له: هذا البلد منزلك، قال:
يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك، قال: كيف بناؤك به؟ فقال: دون بناء بلاد أهلي وفوق منازل غيرهم، قال: كيف صفتها؟ قال: طيبة الهواء قليلة الأدواء، قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله، قال:
صدقت إنها لطيبة، قال: بل طابت بك يا أمير المؤمنين، وأين يذهب بها عين الطيب وهي برّة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء في فياف فيح بين قيصوم وشيح، فقال الرشيد: هذا الكلام والله أحسن من الدّر النظيم، ورأيت في كتاب الفتوح أن أبا عبيدة بعد فتح حلب وأنطاكية قدّم عياضا إلى منبج ثم لحقه صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية فأنفذ ذلك، وقال إبراهيم بن المدبّر يتشوّق إلى منبج وكان قد فارقها وله بها جارية يهواها وكان قد ولي الثغور الجزريّة:
وليلة عين المرج زار خياله ... فهيّج لي شوقا وجدّد أحزاني
فأشرفت أعلى الدير أنظر طامحا ... بألمح آماقي وأنظر إنساني
لعلّي أرى أبيات منبج رؤية ... تسكّن من وجدي وتكشف أشجاني
فقصّر طرفي واستهلّ بعبرة، ... وفدّيت من لو كان يدري لفدّاني
ومثّله شوقي إليه مقابلي، ... وناجاه عني بالضمير وناجاني
وينسب إلى منبج جماعة، منهم: عمر بن سعيد بن أحمد بن سنان أبو بكر الطائي المنبجي، سمع بدمشق رحيما والوليد بن عتبة وهشام بن عمار وهشام بن خالد وعبد الله بن إسحاق الأدرمي وغيرهم، سمع منه أبو حاتم محمد بن حبّان البستي وأبو بكر محمد ابن عيسى بن عبد الكريم الطرسوسي وأبو القاسم عبدان بن حميد بن رشيد الطائي المنبجي وأبو العباس عبد الله بن عبد الملك بن الإصبع المنبجي وغيرهم، وقال ابن حبان: إنه صام النهار وقام الليل مرابطا ثمانين سنة فإرساله مقبول، ومن منبج إلى حلب يومان ومنها إلى ملطية أربعة أيام وإلى الفرات يوم واحد.

سَاعِيرُ

سَاعِيرُ:
في التوراة اسم لجبال فلسطين، نذكره في فاران، وهو من حدود الروم وهو قرية من الناصرة بين طبرية وعكّا، وذكره في التوراة: جاء من سينا، يريد مناجاته لموسى على طور سينا، وأشرق من ساعير: إشارة إلى ظهور عيسى بن مريم، عليه السلام، من الناصرة، واستعلن من جبال فاران:
وهي جبال الحجاز، يريد النبي، عليه الصلاة والسلام، وهذا في الجزء الــعاشر في السفر الخامس من التوراة، والله أعلم.

تقويم الأبدان، في تدبير الإنسان

تقويم الأبدان، في تدبير الإنسان
في الطب.
لأبي حسن: علي (لأبي علي يحيى) بن عيسى بن جزلة المتطبب، البغدادي.
المتوفى: سنة 493، ثلاث وتسعين وأربعمائة.
مجلدا.
أوله: (الحمد لله الذي خلق فسوى... الخ).
صنفه مجدولا، (كالتقويم النجومي).
للمقتدي: بأمر الله العباسي.
وجعل مواضع الاجتماع والاستقبال قسمة الأمراض، ثم قسم لكل مرض: اثني عشر بيتا.
كتب في الأول: اسم المرض،
وفي أربعة أبيات: الأمزجة، والأسنان، والأريحة، والبلدان.
وفي السادس: هو سالم، أو مخوف، فإن الفقهاء اعتبروا ذلك في الإقرار.
وفي السابع: سبب ذلك المرض، وسبب تولده، ومن أي شيء حصل؟
وفي الثامن: هل يصلح فيه الاستفراغ، أم لا؟
وفي التاسع: هل يداوى بالأدوية الباردة، أو الحارة؟ أو لا بد من اعتدال الأدوية.
وفي الــعاشر: المداواة بالتدبير الملكي.
وفي الحادي عشر: التدبير بأسهل الأدوية وجودا.
وفي الثاني عشر: التدبير العام، وأوقات الأدوية.
ثم ذكر طرفا من الأدوية القتالة، وعلامات من سقي منها.
وجميع ما ذكره من الأمراض: أربع وأربعون نوعا، كل منها في صحيفة.
مشتملا على: ثمان شعب.
فيكون مجموع العلل: 352، اثنتين وخمسين وثلاثمائة.

المعشر

(المعشر)
كل جمَاعَة أَمرهم وَاحِد وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم} وَأهل الرجل (ج) مــعاشر وَيُقَال جَاءَ الْقَوْم معشر أَو معشر معشر عشرَة عشرَة

كازَر

كازَر:
بعد الزاي المفتوحة راء، فهو عجميّ، عن الحازمي، وكازر: موضع من ناحية سابور من أرض فارس كان فيه قتال الخوارج والمهلّب وقتل عنده عبد الرحمن بن مخنف الغامدي، فقال سراقة بن مرداس البارقي يرثيه:
ثوى سيّد للأزد أزد شنوءة ... وأزد عمان رهن رمس بكازر
وضارب حتى مات أكرم ميتة ... بأبيض صاف كالعقيقة باتر
وصرّع حول التلّ تحت لوائه ... كرام المساعي من كرام المــعاشر
قضى نحبه يوم اللقاء ابن مخنف ... وأدبر عنه كلّ ألوث داثر

النسء

(النسء) الشَّرَاب الْقوي المزيل لِلْعَقْلِ وَاللَّبن الرَّقِيق الْكثير المَاء وَالسمن

(النسء) المخالط المــعاشر يُقَال هُوَ نسء نسَاء

علم الجفر والجامعة

علم الجفر والجامعة
قال أهل المعرفة بهذا العلم: هو عبارة عن العلم الإجمالي بلوح القضاء والقدر المحتوي على كل ما كان وما يكون كليا وجزئياً. والجفر: عبارة عن لوح القضاء الذي هو عقل الكل.
والجامعة: لوح القدر الذي هو نفس الكل وقد ادعى طائفة أن الإمام علي ابن أبي طالب - كرم الله وجهه - وضع الحروف الثمانية والعشرين على طريق البسط الأعظم في جلد الجفر يستخرج منها بطرق مخصوصة وشرائط معينة ألفاظ مخصوصة تدل على ما في لوح القضاء والقدر.
وهذا علم توارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم ويأخذ منهم من المشائخ الكاملين وكبار الأولياء وكانوا يكتمونه عن غيرهم كل الكتمان وقيل: لا يفقه في هذا الكتاب حقيقة إلا المهدي المنتظر خروجه في آخر الزمان.
وورد هذا في كتب الأنبياء السالفة كما نقل عن عيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام -: نحن مــعاشر الأنبياء نأتيكم بالتنزيل وأما التأويل فسيأتيكم به البارقليط الذي سيأتيكم بعدي.
نقل أن الخليفة المأمون لما عهد بالخلافة من بعده إلى علي بن موسى الرضا وكتب إليه كتابه عهده كتب هو في آخر ذلك الكتاب: نعم إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أن هذا الأمر لا يتم وكان كما قال لأن: المأمون استشعر لأجل ذلك فتنة من طرف ابن العباس فسم الإمام علي بن موسى الرضا في عنب على ما هو المسطور في كتب التواريخ كذا في: مفتاح السعادة ومدينة العلوم.
قال ابن طلحة: الجفر و: الجامعة: كتابان جليلان أحدهما ذكره الإمام علي بن أبي طالب وهو يخطب على المنبر بالكوفة والآخر أسره إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره بتدوينه فكتبه علي حروفا متفرقة على طريق سفر آدم في جفر يعني في رق صنع من جلد البعير فاشتهر بين الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين.
والناس مختلفون في وضعه وتكسيره
فمنهم: من كسره بالتكسير الصغير وهو: جعفر الصادق وجعل في حافية البار الكبير اب ت ث إلى آخرها والباب الصغير أبجد إلى قرشت وبعض العلماء قد سمى الباب الكبير بالجفر الكبير والصغير بالجفر الصغير فيخرج من الكبير ألف مصدر ومن الصغير سبعمائة.
ومنهم: من يضعه بالتكسير المتوسط وهي: الطريقة التي توضع بها الأوفاق الحرفية وهو الأولى والأحسن وعليه مدار الحافية القمرية والشمسية.
ومنهم: من يضعه بطريق التكسير الكبير وهو الذي يخرج منه جميع اللغات والأسماء.
ومنهم: من يضعه بطريق التركيب الحرفي وهو مذهب أفلاطون.
ومنهم: من يضعه بطريق التركيب العددي وهو مذهب سائر أهل السنة وكل موصل إلى المطلوب.
ومن الكتب المصنفة فيه: الجفر الجامع والنور اللامع للشيخ كمال الدين أبي سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة اثنتين وخمسين وستمائة مجلد صغير أوله: الحمد لله الذي أطلع من اجتباه. إلخ ذكر فيه أن الأئمة من أولاد جعفر يعرفون الجفر فاختار من أسرارهم فيه. انتهى ما في: كشف الظنون أقول: وهذه أقوال ساقطة جدا والحق في الباب ما ذكرناه وحققناه في كتابنا: لقطة العجلان فارجع إليه. علم الجناس
وهو وإن كان من أنواع البديع لكن لما كان البحث هناك على وجه كلي في مطلق الكلام وهنا على وجه جزئي في كلام منقول عن الفضلاء والبلغاء أفردوه بالتدوين وجعلوه فرعا على البديع أو على المحاضرات.
وهو: علم باحث عن اللفظين الذين بينهما تشابه في اللفظ فقط أو فيه وفي الخط مع تغايرهما في المعاني وإلا فلا تجنيس أصلا ووجوه التشابه.
وأقسامه: مذكورة في موضعها وليس هذا المقام موضع الاستقصاء فيه قبل التجنيس على نوعين: جناس شكلي وجناس غير شكلي قال أبو الفتح البستي: من أصلح فاسده أرغم حاسده ومن أطاع غضبه أضاع أدبه عادات السادات سادات العادات من سعادة جدك وقوفك عند حدك الروشة رشا الحاجات المنية تضحك من الأمنية حد العفاف الرضا بالكفاف ومن ذلك قول رشيد الدين الوطواط: رب رب غني غي سرته شرته فجاءه فجاءة بعد بعد عشرته عسرته أي: يا رب كم من غني متصف بالغباوة سرته إضراره بالناس حتى جاءه بغته بعد طول مــعاشرته ونعمه العسر والفقر.
ومنه: إن لم يكن لنا حظ في درك درك فخلصنا من شرك شرك.
ومنه: إن أخليتنا من مبارك مبارك فأرحنا من معارك معارك.
ومن غرائب التجنيس قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: عزك عزل فصار قصارى ذلك فاخش فاحش فعلك وفعلك تهدى بهذا فأجابه معاوية: على قدري غلى قدري.

علم دلائل الإعجاز

علم دلائل الإعجاز
هكذا في كشف الظنون ولم يكشفه والظاهر أنها من فروع: علم البيان والمعاني. علم الدواوين
لم يزد في كشف الظنون على هذا وذكر تحته أسماء دواوين الشعراء من العرب والعجم وأكثر وأطنب وأجاد.
قال في مدينة العلوم: اعلم أن الكلام إما منثور أو منظوم. ولما كانت المحاضرة تقع بالمنظوم كما تقع بالمنثور دونوا الدواوين المشتملة بالقصائد والمقاطيع والأراجيز والمجاميع.
وموضوعه وغايته وغرضه ومنفعته ظاهرة مما تقدم. ولا يخفي أن أفضل الشعراء شرفا وفضلا وأولاهم بالتقدم: حسان بن ثابت رضي الله عنه لفضيلته بشرف صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشرفه بمدحه - صلى الله عليه وسلم - وهو شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بروح القدس يكنى1 بأبي الحسام لمناضلته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغازي به أعراض المشركين عاش مائة وعشرين سنة. ستين في الإسلام وستين في الجاهلية وكذا أبوه وجده وأبو جده ولا يعرف في العرب أربعة من صلب واحد اتفقت مدة عمرهم غيرهم وكان له القدر الجليل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى
ثم ذكر دواوين كثيرة وقال منها:
نهاية الأرب في أشعار العرب يشتمل على ألف قصيدة مختارة ومنها2 الحماسة اختيار أبي تمام الطائي وله مجموع آخر سماه: فحول الشعراء جمع فيه بين طائفة كثيرة من شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين.
وكتاب الاختيارات من شعر الشعراء
ومنها: الذخيرة لابن بسام3
وديوان أبي العلاء4 المعري وكان مهتما في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى أكل اللحم ولا يؤمن بالبعث والنشر وبعث الرسل وشعره المتضمن للإلحاد كثير قال ابن العميد في كتابه وقع التحري على أبي العلاء المعري: كان يرميه أهل الحسد بالتعطيل ويعملون على لسانه أشعار أو يضمنونها أقوال الملاحدة قصدا لهلاكه وقد نقل عنه أشعار تتضمن صحة عقيدته وكذب ما ينسب إليه من إسناد الإلحاد إليه.
وقال الذهبي: أنه ملحد وحكم بزندقته.
وقال السلفي أظنه تاب أناب.
وديوان أبي الطيب المتنبي1 وكان شعره بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة والحكمة وسائر المحاسن بحيث لا حاجة إلى مدحه والناس في شعره على اختلاف.
منهم من يرجحه على شعر أبي تمام ومن بعده.
ومنهم من يرجح شعر أبي تمام عليه.
واعتنى العلماء بشرح ديوانه حتى قال بعضهم: وقفت له على أكثر من أربعين شرحا ما بين مطول ومختصر وكان رجلا مسعودا ورزق السعادة في شعره وإنما يقال له المتنبي لأنه ادعى النبوة حتى حبس ثم تاب وأطلق.
وديوان البحتري2 سئل المعري أي الثلاثة أشعر: أبو تمام أم البحتري أم المتنبي فقال: هما حكيمان والشاعر البحتري وشعره سائر وديوانه موجود.
وديوان3 جرير بن عطية الخطفي التميمي كان من فحول شعراء الإسلام وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة جرير وفرزدق وأخطل ويقال: أن بيوت الشعر أربعة فخر ومديح ونسيب وهجاء وفي الأربعة فاق جرير على غيره.
وديوان الفرزدق4. وديوان أبي نواس حسن بن هاني الشاعر المشهور كان المأمون يقول: لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قوله:
ألا كل حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
وديوان الطغرائي1 ومن محاسن شعره قصيدة لامية العجم وكان عملها ببغداد في سنة يصف حاله ويشكو زمانه وشرحها الصفدي في مجلدين وسماه الغيث الذي انسجم وقد ملأ شرحه بالفوائد الأدبية والغرائب الجدية والهزلية وبالجملة أنه من أحسن المجاميع وأنفعها.
وديوان ابن نباته بالضم
وديوان ابن المعتز بالله الخليفة العباسي
وديوان ابن فارض وشعره لطيف وأسلوبه فيه رائق طريف
وديوان بهاء الدين زهير
وديوان دعبل الخزاعي بكسر الدال مدح علي بن موسى الرضا بقصيدة أولها:
مدارس آيات خلت عن تلاوة ... ومهبط وحي مقفر العرصات
وديوان التنوخي وله كتاب الفرج بعد الشدة.
وديوان شمس الدين بن عفيف التلمساني وديوان ابن سناء الملك وديوان القاضي الفاضل وديوان ابن الوكيل.
وديوان التهامي هؤلاء شعراء الإسلام وأما الشعراء القدماء فأشعرهم عشرة نذكر أسماءهم ههنا: منهم امرئ القيس الكندي والنابغة الذبياني ومنهم زهير بن أبي سلمى وابنه كعب أسلم ومدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأعشى وطرفة بن العبد وأوس بن حجر ولبيد بن ربيعة وعدي بن زيد وعبيد بن الأبرص وبشر الأسدي وهو عاشرهم وأهل الحجاز يقدمونه عليهم ويرون أنه أشعرهم وأسدهم سياقا للحديث. 

علم السحر

علم السحر
هو: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأشياء خفية قاله في كشاف اصطلاحات الفنون.
وفي كشف الظنون: هو ما خفي سببه وصعب استنابطه لأكثر العقول.
وحقيقته: كل ما سحر العقول وانقادت إليه النفوس بخدعة وتعجب واستحسان فتميل إلى إصغاء الأقوال والأفعال الصادرة عن الساحر.
فعلى هذا التقدير هو: علم باحث عن معرفة الأحوال الفلكية وأوضاع الكواكب وعن ارتباط كل منها مع الأمور الأرضية من المواليد الثلاثة على وجه خاص ليظهر من ذلك الارتباط والامتزاج عللها وأسبابها وتركيب الساحر في أوقات المناسبة من الأوضاع الفلكية والأنظار الكوكبية بعض المواليد ببعض فيظهر ما جل أثره وخفي سببه من أوضاع عجيبة وأفعال غريبة تحيرت فيها العقول وعجزت عن حل خفاها أفكار الفحول.
أما منفعة هذا: العلم فالاحتراز عن عمله لأنه محرم شرعا إلا أن يكون لدفع ساحر يدعي النبوة فعند ذلك يفترض وجود شخص قادر لدفعه بالعمل ولذلك قال بعض العلماء:
إن تعلم السحر فرض كفاية وإباحة الأكثرون دون عمله إلا إذا تعين لدفع المتنبي.
واختلف الحكماء في طرق السحر:
فطريق الهند: بتصفية النفس وطريق النبط: بعمل العزائم في بعض الأوقات المناسبة.
وطريق اليونان: بتسخير روحانية الأفلاك والكواكب.
وطريق العبرانيين والقبط والعرب: بذكر بعض الأسماء المجهولة المعاني فكأنه قسم من العزائم زعموا أنهم سخروا الملائكة القاهرة للجن. فمن الكتب المؤلفة في هذا الفن: الإيضاح للأندلسي والبساطين لاستخدام الأنس وأرواح الجن والشياطين وبغية الناشد ومطلب القاصد على طريقة العبرانيين والجمهرة أيضا ورسائل أرسطو إلى الإسكندر وغاية الحكيم للمجريطي وكتاب طيماؤس وكتاب الوقوفات للكواكب على طريقة اليونانيين وكتاب سحر النبط لابن وحشية وكتاب العمي على طريقة العبرانيين ومرآة المعاني في إدراك العالم الإنساني على طريقة الهند انتهى ما في كشف الظنون
وفي تاريخ ابن خلدون علم السحر والطلسمات هو: علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية والأول هو: السحر والثاني: هو الطلسمات.
ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقود بين الناس إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام مثل: النبط والكلدانيين فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاؤوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ توحيد الله وتذكير بالجنة والنار وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين وفي أهل مصر من القبط وغيرهم وكان لهم فيها التأليف والآثار ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل مثل:
الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل: مصاحف الكواكب السبعة وكتاب طمطم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرهم.
ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة وغاص على زبدتها واستخرجها ووضع فيها غيرها من التآليف وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده ولنقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص وهي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها.
فنفوس الأنبياء عليهم السلام لها خاصية تستعد بها للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله - سبحانه وتعالى - كما مر وما يتبع ذلك من التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية.
فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربانية ونفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر.
والنفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها:
فأولها: المؤثرة بالهمة فقط من غير إله ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة: السحر.
والثاني: بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد ويسمونه: الطلسمات وهو أضعف رتبة من الأول. والثالث: تأثير في القوى المتخيلة يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكات وصورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحسن من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظر الراؤون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك كما يحكي عن بعضهم أنه يرى البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة: الشعوذة أو الشعبذة هذا تفصيل مراتبه.
ثم هذه الخاصية تكون في الساحرة بالقوة شأن القوى البشرية كلها وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل فهي لذلك وجهه إلى غير الله وسجود له والوجهة إلى غير الله كفر فلهذا كان السحر كفرا والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت ولهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر هل هو لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكل حاصل منه.
ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لهما حقيقة في الخارج والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل؟
فالقائلون بأن له حقيقة: نظروا إلى المرتبتين الأوليين.
والقائلون بأن لا حقيقة له: نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب والله أعلم.
واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق به القرآن قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} .
وسحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعة ودفن في بئر ذروان فأنزل الله عز وجل عليه في المعوذتين {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} .
قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت.
وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانيون فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار
وكان للسحر في بابل ومصر زمان بعثه موسى عليه السلام أسواق نافقة ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتناغون فيه وبقي من آثار ذلك في البرابي بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحلوله موجودة بالمسحور وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق
ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة ولتلك البنية والأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر.
وشاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر عمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع مترف ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض.
وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتا وينقب عن قلبه فلا يوجد في حشاه ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء.
وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة.
وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة وهي رك رف د أحد العددين مائتان وعشرون والآخر مائتان وأربعة وثمانون.
ومعنى المتحابة: أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان مساويا للعدد الآخر صاحبه فيسمى لأجل ذلك: المتحابة.
ونقل أصحاب الطلسمات: أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول ويجعل طالع الثاني سابع الأول ويضع على أحد التمثالين أحد العددين والآخر على الآخر ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التأليف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر قاله صاحب الغاية وغيره من أئمة هذا الشأن وشهدت له التجربة.
وكذا طابع الأسد ويسمى أيضا: طابع الحصى وهو أن يرسم في قالب هذا الطابع صورة أسد شائلا ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصفين وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها إلى فيه وعلى ظهره صورة عقرب تدب ويتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس فإذا وجد ذلك وعثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب وغمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد ورفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبر عنه وكذلك السلاطين فيه من القوة والعز على من تحت أيديهم ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشأن في الغاية وغيرها وشهدت له التجرية.
وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه يوضع عند حلول الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس وسلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب الــعاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول ويصلح فيه ما يكون في مواليد الملوك من الأدلة الشريفة ويرفع خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب فزعموا أنه له أثرا في صحابة الملوك وخدمتهم ومــعاشرتهم وأمثال ذلك كثيرة.
وكتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدون هذه الصناعة وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها. وذكر لنا1 أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك وسماه: بالسر المكتوم وإنه بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه والإمام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن ولعل الأمر بخلاف ذلك وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين وهم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق ويشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فتنبعج ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم: البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرتب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم متسترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك روحانيات الجن والكواكب سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها وإن بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم وإن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع والحيوان والرقيق يعبرون عن ذلك بقولهم: إنما انفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي: ما يملك ويباع ويشترى من سائر الممتلكات هذا ما زعموه وسألت بعضهم فأخبرني به.
وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك هذا شأن السحر والطلسمات وآثارهما في العالم
فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبعي وأسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور من جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم فإن الماشي على حرف حائط أو على حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك ولهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السقوط فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية وتصورها للسقوط من أجل الوهم وإذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام.
وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات فهو: أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون.
ويقولون: السحر اتحاد روح بروح. والطلسم: اتحاد روح بجسم.
ومعناه عندهم: ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية.
والطبائع العلوية هي: روحانيات الكواكب ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة.
والساحر عندهم: غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير.
والفرق عندهم بين المعجزة والسحر أن المعجزة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك والساحر إنما يفعل ذلك من عند نفسه وبقوته النفسانية وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال.
فبينهما الفرق في المعقولية والحقيقة والذات في نفس الأمر وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة وهي: وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير وللنفوس المتمحضة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك وللنفوس المتمحضة للشر
هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم وليس معدودا من جنس السحر وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها ولهم في المدد الإلهي حظ على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر فلا يأتيها لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق وربما سلب حاله.
ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا يأفكون وذهب سحرهم واضمحل كأن لم يكن وكذلك لما أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعوذتين {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرؤها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت فالسحر لا يثبت مع اسم الله وذكره.
وقد نقل المؤرخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى كان فيه الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم وهو الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب وإن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت وبطل ما كانوا يعملون.
وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات وجعلتهما بابا واحدا محظورا لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا وما لا يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر ونوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع يلحق به الطلسمات لأن أثرهما واحد وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله تعالى فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر وإن لم يكن مهما علينا ولا فيه ضرر فلا أقل من أن تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة بابا واحدا لما فيها من الضرر وخصته بالحظر والتحريم.
وأما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر: فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه قالوا: والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه وقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذبا وهو محال فإذا لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق.
وأما الحكماء: فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر فكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهم والله يهدي من يشاء وهو القوي العزيز لا رب سواه.
ومن قبيل هذه التأثيرات النفسانية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين.
والفرق بينها وبين التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب أن صدورها راجع إلى اختيار فاعلها والفطري منها قوة صدروها لا نفس صدروها ولهذا قالوا: القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل وما ذلك إلا لأنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه وإنما هو مجبور في صدوره عنه والله أعلم بما في الغيوب ومطلع على ما في السرائر انتهى كلام ابن خلدون ومن عينه نقلت هنا وفي كل موضع من هذا الكتاب والله تعالى الموفق للحق والصواب.

علم الفرائض

علم الفرائض
هو علم بقواعد وجزئيات تعرف بها كيفية صرف التركة إلى الوارث بعد معرفته وموضوعه التركة والوارث لأن الفرضي يبحث عن التركة وعن مستحقها بطريق الإرث من حيث إنها تصرف إليه إرثا بقواعد معينة شرعية ومن جهة قدر ما يحرزه ويتبعها متعلقات التركة.
ووجه الحاجة إليه الوصول إلى إيصال كل وارث قدر استحقاقه:
وغايته الاقتدار على ذلك وإيجاده وما عنه البحث فيه هو مسائله.
واستمداده من أصول الشرع كذا في أقدار الرائض.
واختلف في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها نصف العلم" فقال: طائفة سماهم في ضوء السراج وغيره وهم أهل السلامة لا ندري وليس علينا ذلك بل يجب علينا اتباعه عقلنا المعني أو لم نعقل لاحتمال خطأ التأويل. وأول الآخرون على أربعة عشر قولاً.
والأول: سماعا نصفا باعتبار البلوى رواه البيهقي.
والثاني: لأن الخلو بين طوري الحياة والممات قاله في النهاية وعليه الأكثرون.
الثالث: إن سبب الملك اختياري وضروري فالاختياري كالشراء وقبول الهبة والوصية والضروري كالإرث قاله صاحب الضوء وغيره.
الرابع: تعظيما لها كذا في الابتهاج.
الخامس: لكثرة شعبها وما يضاف إليها من الحساب قاله صاحب إغاثة اللهاج.
السادس: لزيادة المشقة قاله نزيل حلب.
السابع: باعتبار العلمين لأن العلم نوعان: علم يحصل به معرفة أسباب الإرث وعلم يعرف به جميع ما يجب قاله صاحب الضوء وغيره.
الثامن: باعتبار الثواب لأنه يستحق الشخص بتعليم مسئلة واحدة من الفراض مائة حسنة وبتعليم مسئلة واحدة من الفقه عشر حسنات ولو قدرت جميع الفراض عشر مسائل وجميع الفقه مائة مسئلة يكون حسنات كل واحد منهما ألف حسنة وحينئذ تكون الفرائض باعتبار الثواب مساوية لسائر العلوم.
التاسع: باعتبار التقدير يعني أنك لو بسطت علم الفرائض كل البسط لبلغ حجم فروعه مثل حجم فروع سائر الكتب كما في شرح السراجية.
الــعاشر: سماها نصف العلم ترغيبا لهم في تعلم هذا العلم لما علم أنه أول علم ينسى وينتزع من بين الناس.
وورد أنها ثلث العلم وفي الجمع بينهما ما أجاب ابن عبد السلام المالكي في شرحه لفروع ابن الحاجب أن الجمع ليس واجبا على الفقيه قال الفقيه الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة تسع وعشرين وأربعمائة في كتاب الرد علي الجرجاني في ترجج مذهب أبي حنيفة:
إنه أدعى تقدمهم في الفرائض ونقض بسعيد بن جبير وعبيدة وأبو الزناد وفي زمن أبي حنيفة كان ابن أبي ليلى وابن شبرمة قد صنفا في الفرائض ولأصحاب مالك والشافعي أيضا كتب منها كتاب أبي ثور وكتاب الكرابيسي وكتاب رواه الربيع عن الشافعي وأبسط الكتب فيها كتب أبي العباس ابن سريج وأبسط من الجميع كتاب محمد بن نصر المروزي وما صنف فيها أتقن وأحكم منه وحجمه يزيد على خمسين جزءا قال: وكتابنا في الفرائض يزيد على ألف ورقة. قال ابن السبكي: وهو كتاب جليل القدر لا مزيد على حسنه انتهى1 وبالله التوفيق

علم الفلسفيات

علم الفلسفيات
العلوم الفلسفية أربعة أنواع: رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية. فالرياضية على أربعة أقسام.
الأول: علم الأرتماطيقي وهو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس نيقوماخس وتحته علم الوفق وعلم الحساب الهندي وعلم الحساب القبطي والزنجي وعلم عقد الأصابع.
الثاني: علم الجومطريا وهو علم الهندسة بالبراهين المذكورة في إقليدس ومنها علمية وعملية وتحتها علم المساحة وعلم التكسير وعلم رفع الأثقال وعلم الحيل المائية والهوائية والمناظر والحزب.
الثالث: علم الإسطرلاب قوميا وهو: علم النجوم بالبراهين المذكورة في المجسطي وتحت علم الهيئة والميقات والزيج والتحويل.
الرابع: علم الموسيقى وتحته علم الإيقاع والعروض، والثاني العلوم المنطقية وهي خمسة أنواع:
الأول: أنولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر.
الثاني: بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب.
الثالث: بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل.
الرابع: الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان. الخامس: سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة.
والثالث العلوم الطبيعية وهي سبعة أنواع:
الأول: علم المبادئ وهو: معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي: الهيولى والصورة والزمان والمكان والحركة.
الثاني: علم السماء والعالم وما فيه.
الثالث: علم الكون والفساد.
الرابع: علم حوادث الجو.
الخامس: علم المعادن.
السادس: علم النبات.
السابع: علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه.
الرابع: العلوم الإلهية وهي خمسة أنواع:
الأول: علم الواجب وصفته.
الثاني: علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية الفعالة التي هي الملائكة.
الثالث: العلوم النفسانية وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض.
الرابع: علم السياسات وهي خمسة أنواع:
الأول: علم سياسة النبوة.
الثاني: علم سياسة الملك وتحته الفلاحة والرعايا وهو الأول المحتاج إليه في أول الأمر لتأسيس المدن.
الثالث: علم قود الجيش ومكائد الحرب والبيطرة والبيزرة وآداب الملوك.
الرابع: العلم المدني كعلم سياسة العامة وعلم سياسة الخاصة وهي سياسة المنزل.
الخامس: علم سياسة الذات وهو علم الأخلاق.
فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
من كلام ابن خلدون رحمه الله وهذا الفصل مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعلل بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وإن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق.
ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صورا منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل؛ ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معاني أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معاني أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا أن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية.
وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني.
فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية لطلب الإدراك وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو.
ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين.
وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس.
ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس والحيوانات ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان.
ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل واحد أول مفرد وهو الــعاشر ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالقضاء وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة وإن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم.
وأمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر1 ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق ويعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات.
ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها.
وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة. أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما.
واعلم: إن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفائهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك ويخلق ما لا تعلمون وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء.
وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضوا على مغيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض.
أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينية لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة والموجودات الخارجية متشخصة بموادها ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا ما يشهدوا له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها.
وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لها ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية.
وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق الأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسن من الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزئين.
أحدهما: جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزئين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الاتبهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس حصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة أمانة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم.
فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر ونحن أول شيء نعني به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له فادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة وتلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك الموانع عنها ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده.
وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس.
وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنا إنما تبين لنا بما قرروه إن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة وإنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.
وأما قولهم أن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفي إدراكه بجمله روحانيا أو جسمانيا والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشرة ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا به الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون.
وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية والروحانية فهذا التهذيب الذي توصولنا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين.
وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا به الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأملا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعميهم أبو علي بن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه أن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة قلنا في البراهين عليه سعة.
وأما المعاد الجسماني أحواله فلا يمكننا إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيرا ما يستعلمونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكه الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم هم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار.
هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطيها فليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو عن علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطيها والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
قال الغزالي في الإحياء: الفلسفة ليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء.
أحدها: الهندسة والحساب وهما مباحان ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما خوفا عليه من أن القوي يندب إلى مخالطتهم.
قال الثاني: المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام.
الثالث: الإلهيات وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفرد بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة.
الرابع: الطبيعيات بعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغييرها وهو شبيه بنظر الأطباء ولا حاجة إليها وإنما حدث ذلك بحدوث البدع إلى آخر ما قال والله أعلم.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.