Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: زهد

بُوَيْطُ

بُوَيْطُ:
بالضم ثم الفتح: قرية بصعيد مصر قرب بوصير قوريدس، وكان قد خرج في أيام المهدي دحية بن مصعب بن الإصبع بن عبد العزيز بن مروان ابن الحكم ودعا إلى نفسه واستمرّ إلى أيام الهادي، فولّى مصر الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن العباس فكاتبه، وكانت نعم أمّ ولد دحية تقاتل في وقعة على بويط، فقال شاعرهم:
فلا ترجعي، يا نعم، عن جيش ظالم ... يقود جيوش الظالمين ويجنب
وكرّي بنا طردا على كلّ سانح ... إلينا، منايا الكافرين يقرّب
كيوم لنا، لا زلت أذكر يومنا ... بفأو، ويوم، في بويط، عصبصب
ويوم بأعلى الدير كانت نحوسه، ... على فيئة الفضل بن صالح، تنعب
وبويط أيضا: قرية في كورة سيوط بالصعيد أيضا، وإلى إحداهما ينسب أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي المصري الفقيه صاحب الشافعي، رضي الله عنه، والمدرّس بعده، سمع الشافعي وعبد الله بن وهب، روى عنه أبو إسماعيل الترمذي وإبراهيم بن إسحاق الحربي وقاسم بن مغيرة الجوهري وأحمد بن منصور الرّمّادي والقاسم بن هاشم السمسار، وكان حمل إلى بغداد أيام المحنة وانتدب إلى القول بخلق القرآن فامتنع من الإجابة إليه، ولم يزل محبوسا حتى توفي، وكان إماما ربّانيّا كثير العبادة والــزّهد، ومات في سنة 231، ذكره الخطيب، وأما محمد ابن عمر بن عبد الله بن اللّيث أبو عبد الله الشيرازي الفقيه البويطي فليس من بويط ولكني أراه كان يدرّس كتاب البويطي، فنسب إليه.

سَمَنْطار

سَمَنْطار:
قيل: هي قرية في جزيرة صقلية، وقيل سمنطاري الذهبي بلسان أهل المغرب، قرأت بخط الحافظ محب الدين بن النجار ما نقله عن أبي الحسن المقدسي: منها أبو بكر عتيق السمنطاري الرجل الصالح العابد، له كتاب كبير في الرقائق وكتاب دليل القاصدين يزيد على عشرة مجلدات، ذكره ابن القطاع فقال: العابد أبو بكر عتيق بن علي بن داود المعروف بالسمنطاري أحد عبّاد الجزيرة المجتهدين وزهّادها العالمين وممّن رفض الأولى ولم يتعلق منها بسبب وطلب الأخرى وبالغ في الطلب، وسافر إلى الحجاز فحجّ وساح في البلدان من أرض اليمن والشام إلى أرض فارس وخراسان ولقي من بها من العبّاد وأصحاب الحديث والزهّاد فكتب عنهم جميع ما سمع وصنّف كلّ ما جمع، وله في دخول البلدان ولقياه العلماء كتاب بناه على حروف المعجم في غاية الفصاحة، وله في الرقائق وأخبار الصالحين كتاب كبير لم يسبق إلى مثله في نهاية الملاحة وفي الفقه والحديث تآليف حسان في غاية الترتيب والبيان، وله شعر في الــزهد ومكابد الزمان، فمنه قوله:
فتن أقبلت وقوم غفول، ... وزمان على الأنام يصول
ركدت فيه لا تريد زوالا، ... عمّ فيها الفساد والتضليل
أيّها الخائن الذي شأنه الإث ... م وكسب الحرام ماذا تقول؟
بعت دار الخلود بالثمن البخ ... س بدنيا عمّا قريب تزول
وقال الحافظ أبو القاسم: بلغني أن عتيقا السمنطاري توفي لثمان بقين من ربيع الآخر سنة 464.

بَيّاسَةُ

بَيّاسَةُ:
ياء مشددة: مدينة كبيرة بالأندلس معدودة في كورة جيّان، بينها وبين أبّدة فرسخان، وزعفرانها هو المشهور في بلاد الغرب، دخلها الروم سنة 542، وأخرجوا عنها سنة 552، نسب إليها الحافظ أبو طاهر أبا العباس أحمد بن يوسف بن تمام اليعمري البيّاسي وقال: هو شاعر مفلق وأديب محقق، وكان كثير الحفظ لشعر الأندلسيّين المتأخرين خاصة، وتــزهّد في آخر عمره، قال وسمعته بالثغر يقول: سمعت فاخر بن فاخر القرطبي يقول: مدح عبد الجليل بن وهبون المرسي المعروف بالدّمعة المعتمد ابن عباد بقصيدة فيها تسعون بيتا فأجازه بتسعين دينارا، فيها دينار مقروض، فلم يعرف العلّة في ذلك حتى أطال تأمّل قصيدته، وإذا هو قد خرج عن عروض الطويل في بيت منها إلى عروض الكامل فعرف حينئذ السبب.

جَمَّاعِيلُ

جَمَّاعِيلُ:
بالفتح، وتشديد الميم، وألف، وعين مهملة مكسورة، وياء ساكنة، ولام: قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين منها كان الحافظ
عبد الغني بن عبد الواحد بن عليّ بن سرور بن نافع ابن حسن بن جعفر المقدسي أبو محمد، انتسب إلى بيت المقدس لقرب جمّاعيل منها ولأن نابلس وأعمالها جميعا من مضافات البيت المقدس وبينهما مسيرة يوم واحد، ونشأ بدمشق ورحل في طلب الحديث إلى أصبهان وغيرها، وكان حريصا كثير الطلب، ورد بغداد فسمع بها من ابن النقور وغيره في سنة 560، ثم سافر إلى أصبهان وعاد إليها في سنة 578، فحدث بها وانتقل إلى الشام ثم إلى مصر فنفّق بها سوقه، وصار له بها حشد وأصحاب من الحنابلة، وكان قد جرى له بدمشق أن ادّعي عليه أنه يصرّح بالتجسيم وأخذت عليه خطوط الفقهاء، فخرج من دمشق إلى مصر لذلك ولم يخل في مصر عن مناكد له في مثل ذلك تكدّرت عليه حياته بذلك، وصنف كتبا في علم الحديث حسانا مفيدة، منها كتاب الكمال في معرفة الرجال، يعني رجال الكتب الستة من أول راو إلى الصحابة، جوّده جدّا، ومات في سنة 600 بمصر ومنها أيضا الشيخ الزاهد الفقيه موفّق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد ابن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر الجماعيلي المقدسي المقيم بدمشق، كان من الصالحين العلماء العاملين، لم يكن له في زمانه نظير في العلم على مذهب أحمد بن حنبل والــزهد، صنف تصانيف جليلة، منها كتاب المغني في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل والخلاف بين العلماء، قيل لي إنه في عشرين مجلدا، وكتاب المقنع وكتاب العهدة، وله في الحديث كتاب التوّابين وكتاب الرقة وكتاب صفة الفلق وكتاب فضائل الصحابة وكتاب القدر وكتاب الوسواس وكتاب المتحابّين، وله في علم النسب كتاب التبيين في نسب القرشيين وكتاب الاستبصار في نسب الأنصار ومقدمة في الفرائض ومختصر في غريب الحديث وكتاب في أصول الفقه وغير ذلك، وكان قد تفقه على الشيخ أبي الفتح بن المني ببغداد، وسمع أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان بن البطي وأبا المعالي أحمد ابن عبد الغني بن حنيفة الباجسرائي وأبا زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي وغيرهم كثيرا، وتصدّر في جامع دمشق مدة طويلة يقرأ في العلم، أخبرني الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأزهري الصيرفي أنه آخر من قرأ عليه، وأنه مات بدمشق في أواخر شهر رمضان سنة 620، وكان مولده في شعبان سنة 541.

حَوْرَى

حَوْرَى:
قرية من قرى دجيل ببغداد، ينسب إليها سليم بن عيسى بن عبد الله الحوريّ الزاهد صاحب أبي الحسن القزويني الحربي، حكى عنه، وكان من الصالحين صاحب كرامات، قال هبة الله بن المحلّي:
حدثني سليم بن عيسى الحوري ولم أر مثله في معناه، يعني في الــزهد والعبادة، وأبو علي الحسن بن مسلم بن الحسن بن أبي الجود الفارسي ثم الحوري من هذه القرية وانتقل إلى قرية من قرى نهر عيسى يقال لها الفارسية، وكان من الزّهاد، وذكر في الفارسية.

الحُوَيْزَةُ

الحُوَيْزَةُ:
صغير الحوزة، وأصله من حازه يحوزه حوزا إذا حصله، والمرّة الواحدة حوزة: وهو موضع حازه دبيس بن عفيف الأسدي في أيام الطائع لله ونزل فيه بحلّته وبنى فيه أبنية وليس بدبيس بن مزيد الذي بنى الحلّة بالجامعين ولكنه من بني أسد أيضا، وهذا الموضع بين واسط والبصرة وخوزستان في وسط البطائح، وهذه رسالة كتبها أبو الوفاء زاد ابن خودكام إلى أبي سعد شهريار بن خسرو يصف في أولها الحويزة وأتبعها بوصف بقرة له أكلها السبع ذكرت منها وصف الحويزة، وأولها:
لو شاب طرف شاب أسود ناظري ... من طول ما أنا في الحوادث ناظر
فهذا كتابي أيها الأخ متّعك الله بالإخوان، وجنّبك حبائل الشيطان، وغوائل السلطان، وكفاك شرّ حوادث الزمان، وطوارق الحدثان، من الحويزة وما أدراك ما الحويزة دار الهوان، ومظنة الحرمان، ومحطّ رحل الخسران، على كل ذي زمان وضمان، ثم ما أدراك ما الحويزة أرضها رغام، وسماؤها قتام، وسحابها جهام، وسمومها سهام، ومياهها سمام، وطعامها حرام، وأهلها لئام، وخواصّها عوام، وعوامّها طعام، لا يؤوى ربعها، ولا يرجى نفعها، ولا يمرى ضرعها، ولا يرأب صدعها، وقد صدق الله تبارك وتعالى قوله فيها، وأنفذ حكمه في أهاليها:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ من الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ من الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ 2: 155، وأنا منها بين هواء رديء، وماء وبيء، ومن أهاليها بين شيخ غويّ، وشاب غبيّ، يؤذونك إن حضرت شغبا، ويشنعونك إن غبت كذبا، يتخذون الغمز أدبا، والزور إلى أرزاقهم سببا، يأكلون الدنيا سلبا، ويعدّون الدين لهوا ولعبا، لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية، ... فلا سقاها سوى النيران تضطرم
ثم شكا زمانه ووصف القرية بما ليس من شرط كتابنا، وقد نسب إليها قوم، منهم: عبد الله بن حسن بن إدريس الحويزي، حدّث عن أحمد بن الجبير بن نصر الحلبي، حدّث عنه محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي وغيره، وأحمد بن محمد بن سليمان العباسي أبو العباس الحويزي، كان ذا فضل وتمييز، ولّي في أيام المقتفي عدّة ولايات، منها النظر بديوان واسط، وآخر ما تولاه النظر بنهر الملك، وكان الجور والظلم والعسف غالبا على طبائعه مع إظهار الــزّهد والتقشف والتسبيح الدائم والصلاة الكثيرة، وكان إذا عزل لزم بيته واشتغل بالنظر إلى الدفاتر، فهجاه أبو الحكم عبد الله بن المظفر الباهلي الأندلسي فقال:
رأيت الحويزيّ يهوى الخمول، ... ويلزم زاوية المنزل
لعمري! لقد صار حلسا له ... كما كان في الزمن الأوّل
يدافع بالشعر أوقاته، ... وإن جاع طالع في المجمل
وكان الحويزي ناظرا بنهر الملك في شعبان سنة 550، وكان نائما في السطح فصعد إليه قوم فوجؤوه بالسكاكين وتركوه وبه رمق، فحمل إلى بغداد فمات بعد أيام.

خَرْكُوشُ

خَرْكُوشُ:
بفتح أوله، وتسكين ثانيه، وآخره شين، وتفسيرها بالفارسية أذن الحمار: وهي سكة كبيرة بنيسابور، نسب إليها طائفة من أهل العلم، منهم: أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان محمد بن إبراهيم
الخركوشي الزاهد الواعظ الفقيه الشافعي المعروف بأعمال البرّ والخير والــزهد في الدنيا، وكان عالما فاضلا، رحل إلى العراق والحجاز ومصر وجالس العلماء وصنّف التصانيف المفيدة في علوم الشريعة ودلائل النبوة وسير العبّاد والزهّاد وغيرها، روى عن أبي عمر ونجيد السّلمي وأبي سهل بشر بن أحمد الأسفراييني، روى عنه الحاكم أبو عنبسة وأبو محمد الخلّال وغيرهما، وتفقّه على أبي الحسن الماسرجسي:
وجاور بمكة عدّة سنين وعاد إلى نيسابور وبذل بها نفسه وماله للغرباء والفقراء، وبنى بيمارستان ووقف عليه الوقوف الكثيرة، وتوفي سنة 406 بنيسابور، وقد ذكرناه في الخرجوش، وقال أبو سعد: وقبره بسكة خركوش بنيسابور، ولا أدري أنسب هذا إلى هذه السكة أم نسبت السكة إليه.

دُونَة

دُونَة:
بضم أوله، وبعد الواو الساكنة نون: قرية من قرى نهاوند، وقد نسب إليها بعض الصالحين، ذكره والذي قبله الحازمي كما كتبناه سواء. ودونة أيضا: بهمذان قرية والنسبة إليها دونيّ، وقد نسب إلى التي بنهاوند دونقي كما ذكرنا قبل، وقال أبو زكرياء بن مندة: دونة قرية بين همذان ودينور على عشرة فراسخ من همذان، وقيل: على خمسة عشر فرسخا، ومنها إلى الدينور عشرة فراسخ، وقيل: هي من رستاق همذان، وقال شيرويه:
أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الصوفي أبو الفرج الدوني قدم علينا في رجب سنة 459، روى عن أبي السكار من كتب أبي بكر السنّي، لم أزرق منه السماع، وكان صدوقا فاضلا، وعمر بن الحسين بن عيسى بن إبراهيم أبو حفص الدوني الصوفي، سكن صور وسمع أبا محمد الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع بصيداء وأبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن برهان العرّاف بصور، حدث عنه غيث بن علي، وسئل عن مولده فقال في سنة 400، ومات سنة 481، وكان يذهب مذهب سفيان، ومنها أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن علي ابن أحمد بن إسحاق الدوني الصوفي الزاهد، قال أبو زكرياء: وكان من بيت الــزهد والستر والعبادة، مولده في سنة 427، ومات سنة 501، وروى الكثير وسمع كتبا كثيرة.

زَيْلَعُ

زَيْلَعُ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، وفتح اللام، وآخره عين مهملة: هم جيل من السودان في طرف أرض الحبشة، وهم مسلمون وأرضهم تعرف بالزيلع، وقال ابن الحائك: ومن جزائر اليمن جزيرة زيلع فيها سوق يجلب إليه المعزى من بلاد الحبشة فتشتري جلودها ويرمى بأكثر مسائحها في البحر. وزيلع، بالعين المهملة: قرية على ساحل البحر من ناحية الحبش، حدثني الشيخ وليد البصري وكان ممّن جال في البلدان أن البربر طائفة من السودان بين بلاد الزنج وبلاد الحبش، قال: ولهم سنّة عجيبة مع كونهم إلى الإبطاء منسوبين وفي أهله معدودين، وهم طوائف يسكنون البرية في بيوت يصنعونها من حشيش، قال: فإذا أحبّ أحدهم امرأة وأراد التزوّج بها ولم يكن كفؤا لها عمد إلى بقرة من بقر أبي تلك المرأة ولا تكون البقرة إلّا حبلى فيقطع من ذنبها شيئا من الشعر ويطلقها في السّرح ثم يهرب في طلب من يقطع ذكره من الناس، فإذا رجع الراعي وأخبر والد الجارية أو من يكون وليّا لها من أهلها فيخرجون في طلبه فإن ظفروا به قتلوه وكفوا أمره، وإن لم يظفروا به مضى على وجهه يلتمس من يقطع ذكره ويجيئهم به، فإن ولدت البقرة ولم يجيء بالذكر بطل أمره ولا يرجع أبدا إلى قومه بل يمضي هاجّا حيث لا يعرفون له خبرا، فإنّه إن رجع إليهم قتلوه، وإن قطع ذكر رجل وجاءهم به تملّك تلك الجارية ولا يسعهم أبدا أن يمنعوه ولو كانت من كانت، قال: وأكثر من ترى من هذه البلاد من الطائفة المعروفة بالزيلع السودان، إنّما هم من الذين التمسوا قطع الذكر فأعجزهم فإذا حصلوا في بلاد المغرب التمسوا القرآن والــزهد كما تراهم، قال: وزيلع قرية على ساحل البحر من ناحية الحبش فيها طوائف منهم ومن غيرهم، قال: وأكثر معيشة البربر من الصيد، وعندهم نوع من الخشب يطبخونه ويستخرجون منه ماء ثمّ يعقدونه حتى يبقى كأنّه الزّفت، فإذا أكل الرجل منه لا يضره، فإن جرح موضعا بمقدار غرز الإبرة وترك فيه أهلك صاحبه، وذلك أن الدم يهرب من ذلك السم حتى يصل إلى القلب ويجتمع فيه فيفجره، فإذا أراد أحدهم اختباره جرح برأس الإبرة ساقه فإذا سال منه الدم قرّب
ذلك السمّ منه فإنّه يعود طالبا لموضعه، فإن لم يبادره بقطعه من أوّله وإلّا قتله، وهو من العجائب، وهم يجعلون منه قليلا في رأس السهم ويتوارون في بعض الأشجار فإذا مرّت بهم سباع الوحوش كالفيل والكركدن والزراف والنمر يرشقونه بذلك السهم، فإذا خالط دمه مات لوقته فيأخذون من الفيل أنيابه ومن الكركدن قرونه ومن الزراف والنمر جلده، والله أعلم.

سُهْرَوَرْد

سُهْرَوَرْد:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، وفتح الراء والواو، وسكون الراء، ودال مهملة: بلدة قريبة من زنجان بالجبال، خرج منها جماعة من الصالحين والعلماء، منهم: الشيخ أبو النجيب عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعد بن الحسن بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، البكري السهروردي الفقيه الصوفي الواعظ، قدم بغداد وهو شاب وسمع بها الحديث من علي بن نبهان واشتغل بدرس الفقه على أسعد الميهني وغيره، وسمع بأصبهان أبا علي الحدّاد فيما يزعم واشتغل
بالــزهد والمجاهدة مدة حتى إنّه يستقي الماء ببغداد ويأكل من كسبه، ثمّ اشتغل بالتذكير وحصل له فيه قبول وبني له ببغداد رباطات للصوفية من أصحابه وولي المدرسة النظامية ببغداد وأملى الحديث، وقدم دمشق سنة 558 عازما على زيارة بيت المقدس فلم يتفق له ذلك لانفساخ الهدنة بين المسلمين والعدوّ فأكرم نور الدين محمود بن زنكي مقدمه واحترمه وأكرمه وأقام بدمشق مدة يسيرة وعقد بها مجلس التذكير وحدّث يسيرا وعاد إلى بغداد، قال أبو القاسم: وسمعت منه، وسأله أبو القاسم بمكّة عن مولده فقال: سنة 490 بسهرورد، وابن أخيه الشهاب أبو نصر عمر بن محمد بن عبد الله بن عمّويه السهروردي إمام وقته لسانا وحالا، وسئل الشهاب عن مولده فقال: في سنة 539، قدم بغداد ونفق فيها سوقه ووعظ الناس وتقدّم عند أمير المؤمنين الناصر لدين الله حتى جعله مقدّما على شيوخ بغداد وأرسله في الرسائل المعظمة وصنّف كتابا سماه عوارف المعارف، وروى الحديث عن عمّه أبي النجيب وأبي زرعة.

البَلُّوطُ

البَلُّوطُ:
بلفظ البلوط من النبات، فحص البلوط:
ناحية بالأندلس تتصل بجوف أوريط بين المغرب والقبلة من أوريط، وجوف من قرطبة يسكنه البربر، وسهله منتظم بجبال، منها جبل البرانس وفيه معادن الزيبق، ومنها يحمل إلى جميع البلاد، وفيها الزّنجفر الذي لا نظير له، وأكثر أرضهم شجر البلوط، ينسب إليها المنذر بن سعيد البلوطي القاضي بالأندلس، وكان أحد أعيان الأماثل ببلاده زهدا وعلما وأدبا ولسانا ومكانة من السلطان.
وقلعة البلوط: بصقلية، حولها أنهار وأشجار وأثمار وأراض كريمة تنبت كل شيء.

شَنْتَجالة

شَنْتَجالة:
بالأندلس، وبخط الأشتري شنتجيل، بالياء، ينسب إليها سعيد بن سعيد الشنتجالي أبو عثمان، حدث عن أبي المطرف بن مدرج وابن مفرج وغيرهما، وحدث عنه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن بنان، قال ابن بشكوال: وعبد الله بن سعيد بن لباج الأموي الشنتجالي المجاور بمكة، وكان من أهل الدين والورع والــزهد، وأبو محمد رجل مشهور، لقي كثيرا من المشايخ، وأخذ عنهم وروى، صحب أبا ذرّ عبد بن أحمد الهروي الحافظ، ولقي أبا سعيد السجزي وسمع منه صحيح مسلم، ولقي أبا سعد الواعظ صاحب كتاب شرف المصطفى فسمعه منه وأبا الحسين يحيى بن نجاح صاحب كتاب سبل الخيرات وسمعه منه، وأقام بالحرم أربعين عاما لم يقض فيه حاجة الإنسان تعظيما له بل كان يخرج عنه إذا أراد ذلك، ورجع إلى الأندلس في سنة 430، وكانت رحلته سنة 391، وأقام بقرطبة إلى أن مات في رجب سنة 436.

شِيرازُ

شِيرازُ:
بالكسر، وآخره زاي: بلد عظيم مشهور معروف مذكور، وهو قصبة بلاد فارس في الإقليم الثالث، طولها ثمان وسبعون درجة ونصف، وعرضها تسع وعشرون درجة ونصف، قال أبو عون: طولها ثمان وسبعون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وقيل: سمّيت بشيراز بن طهمورث، وذهب بعض النحويين إلى أن أصله شرّاز وجمعه شراريز، وجعل الياء قبل الراء بدلا من حرف التضعيف وشبهه بديباج ودينار وديوان وقيراط فإن أصله عندهم دبّاج ودنّار ودوّان وقرّاط، ومن جمعه على شواريز فإن أصله عندهم شورز، وهي مما استجدّ عمارتها واختطاطها في الإسلام، قيل: أول من تولى عمارتها محمد بن القاسم بن أبي عقيل ابن عمّ الحجّاج، وقيل: شبهت بجوف الأسد لأنّه لا يحمل منها شيء إلى جهة من الجهات ويحمل إليها ولذلك سمّيت شيراز، وبها جماعة من التابعين مدفونون، وهي في وسط بلاد فارس، بينها وبين نيسابور مائتان وعشرون فرسخا، وقد ذمّها البشّاري بضيق الدروب وتداني الرواشين من الأرض وقذارة البقعة وضيق الرقعة وإفشاء الفساد وقلة احترام أهل العلم والأدب، وزعم أن رسوم المجوس بها ظاهرة ودولة الجور على الرعايا بها قاهرة، الضرائب بها كثيرة ودور الفسق والفساد بها شهيرة، وخروءهم في الطرقات منبوذة، والرمي بالمنجنيق بها غير منكور، وكثرة قذر لا يقدر ذو الدين أن يتحاشى عنه وروائحه عامة تشقّ الدّماغ، ولا أدري ما عذرهم في ترك حفر الحشوش وإعفاء أزقتهم وسطوحهم من تلك
الأقذار إلا أنها مع ذلك عذبة الماء صحيحة الهواء كثيرة الخيرات تجري في وسطها القنوات وقد شيبت بالأقذار، وأصلح مياههم القناة التي تجيء من جويم، وآبارهم قريبة القعر، والجبال منها قريبة، قالوا:
ومن العجائب شجرة تفّاح بشيراز نصفها حلو في غاية الحلاوة ونصفها حامض في غاية الحموضة، وقد بنى سورها وأحكمها الملك ابن كاليجار سلطان الدولة بن بويه في سنة 436، وفرغ منه في سنة 440، فكان طوله اثني عشر ألف ذراع وعرض حائطه ثمانية أذرع، وجعل لها أحد عشر بابا، وقد نسب إلى شيراز جماعة كثيرة من العلماء في كلّ فنّ، منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن يوسف بن عبد الله الفيروزآبادي ثم الشيرازي إمام عصره زهدا وعلما وورعا، تفقه على جماعة، منهم القاضي أبو الطيب الطاهر بن عبد الله الطبري وأبو عبد الله محمد بن عبد الله البيضاوي وأبو حاتم القزويني وغيرهم، ودرّس أكثر من ثلاثين سنة، وأفتى قريبا من خمسين سنة، وسمع الحديث من أبي بكر البرقاني وغيره، ومات ببغداد في جمادى الآخرة سنة 476، وصلى عليه المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين، ومن المحدّثين الحسن بن عثمان بن حمّاد ابن حسان بن عبد الرحمن بن يزيد القاضي أبو حسان الزيادي الشيرازي، كان فاضلا بارعا ثقة، ولي قضاء الشرقية للمتوكل وصنّف تاريخا، وكان قد سمع محمد بن إدريس الشافعي وإسماعيل بن علية ووكيع ابن الجرّاح، روى عنه جماعة، ومات سنة 272، قاله الطبري، ومن الزهاد أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي شيخ الصوفية ببلاد فارس وواحد الطريقة في وقته، كان من أعلم المشايخ بالعلوم الظاهرة، صحب رويما وأبا العباس بن عطاء وطاهرا المقدسي وصار من أكابرهم، توفي بشيراز سنة 371 عن نحو مائة وأربع سنين، وخرج مع جنازته المسلمون واليهود والنصارى، ومن الحفّاظ أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الحافظ الشيرازي أبو بكر، روى عن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي وأبي سهل بشر بن أحمد الأسفراييني وأبي أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ وغيرهم من مشايخ خراسان والجبل والعراق، وكان مكثرا، روى عنه أبو طاهر بن سلمة وأبو الفضل بن غيلان وأبو بكر الزنجاني وخلق غيرهم، وكان صدوقا ثقة حافظا يحسن علم الحديث جيّدا جدّا، سكن همذان سنين ثم خرج منها إلى شيراز سنة 404 وعاش بها سنين، وأخبرت أنه مات بها سنة 411، وله كتاب في ألقاب الناس، قال ذلك شيرويه، وأحمد بن منصور بن محمد بن عباس الشيرازي الحافظ من الرّحّالين المكثرين، قال الحاكم: كان صوفيّا رحّالا في طلب الحديث من المكثرين من السماع والجمع، ورد علينا نيسابور سنة 338 وأقام عندنا سنين، وكنت أرى معه مصنفات كثيرة في الشيوخ والأبواب، رأيت به الثوري وشعبة في ذلك الوقت، ورحل إلى العراق والشام وانصرف إلى بلده شيراز وصار في القبول عندهم بحيث يضرب به المثل، ومات بها في شعبان سنة 382.

طَرَابُلُسُ

طَرَابُلُسُ:
بفتح أوله، وبعد الألف باء موحدة مضمومة، ولام أيضا مضمومة، وسين مهملة، ويقال أطرابلس، وقال ابن بشير البكري، طرابلس بالرومية والإغريقية ثلاث مدن، وسماها اليونانيون طرابليطة وذلك بلغتهم أيضا ثلاث مدن، لأن طرا معناه ثلاث وبليطة مدينة، وقد ذكر أن أشباروس قيصر أول من بناها، وتسمى أيضا مدينة إياس، وعلى مدينة طرابلس سور صخر جليل البنيان، وهي على شاطئ البحر، ومبنى جامعها أحسن مبنى، وبها أسواق حافلة جامعة وبها مسجد يعرف بمسجد الشعاب مقصود وحولها أنباط، وفي بربرها من كلامه بالنبطية، في قرارات في شرقيها وغربيها مسيرة ثلاثة أيام إلى موضع يعرف ببني السابري وفي القبلة مسيرة يومين إلى حدّ هوارة، وفيها رباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون أعمرها وأشهرها مسجد الشعاب، ومرساها مأمون من أكثر الرياح، وهي كثيرة الثمار والخيرات، ولها بساتين جليلة في شرقيها وتتصل بالمدينة سبخة كبيرة يرفع منها الملح الكثير، وداخل مدينتها بئر تعرف ببئر أبي الكنود يعيّرون بها ويحمق من شرب منها فيقال للرجل منهم إذا أتى بما يلام: لا يعتب عليك لأنك شربت من بئر أبي الكنود، وأعذب آبارها بئر القبّة، نذكرها في طرابلس فانه لم تكتب الألف وقد ذكر في باب الألف ما فيه كفاية، وذكر الليث بن سعد قال: غزا عمرو بن العاص طرابلس سنة 23 حتى نزل القبة التي على الشرف من شرقيها فحاصرها شهرين لا يقدر منهم على شيء فخرج رجل من بني مدلج ذات يوم من عسكر عمرو بن العاص متصيّدا مع سبعة نفر فجمعوا غربي المدينة واشتدّ عليهم الحرّ فأخذوا راجعين على ضفة البحر وكان البحر لاصقا بالمدينة ولم يكن في ما بين المدينة والبحر سور وكانت سفن البحر شارعة في مرساها إلى بيوتهم ففطن المدلجي وأصحابه وإذا البحر قد غاض من ناحية المدينة فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة وكبّروا فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم وأقبل عمرو بجيشه حتى دخل عليهم فلم تفلت الروم إلا بما خفّ في مراكبهم وغنم عمرو ما كان في المدينة، وإنما بنى سورها مما يلي البحر هرثمة بن أعين حين ولايته على القيروان، ومن طرابلس إلى نفوسة مسيرة ثلاثة أيام، وفي كتاب ابن عبد الحكم: أن عمرو ابن العاص نزل على مدينة طرابلس في سنة 23 من الهجرة فملكها عنوة واستولى على ما فيها، قال:
وكان من بسبرت متحصنين فلما بلغتهم محاصرة عمرو طرابلس واسمها نبارة، وسبرت السوق القديم وإنما نقله إلى نبارة عبد الرحمن بن حبيب سنة 31 فهذا يدلّ على أن طرابلس اسم الكورة وأن نبارة قصبتها، وقد ذكرنا أن طرابلس معناه الثلاث مدن وهذا يدل على أنها ليست بمدينة بعينها وأنها كورة، وينسب إلى طرابلس الغرب عمر بن عبد العزيز بن عبيد بن يوسف الطرابلسي المالكي، لقيه السلفي وأثنى عليه، وهو القائل في كتب الغزّالي:
هذّب المذهب حبر ... أحسن الله خلاصة
ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه
وسافر إلى بغداد ومات بها في سنة 510، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن مخلوف الطرابلسي، كان له اهتمام بالتواريخ وصنّف تاريخا لطرابلس، وكان فاضلا في فنون شتى، أخذ عنه السلفي وسافر إلى الحج فأدركته المنية بمكة في ذي الحجة سنة 522، وقال أبو الطيب يمدح عبيد الله بن خراسان الطرابلسي:
لو كان فيض يديه ماء غادية عزّ القطا في الفيافي موضع اليبس أكارم حسد الأرض السماء بهم، وقصّرت كلّ مصر عن طرابلس أيّ الملوك، وهم قصدي، أحاذره، وأيّ قرن وهم سيفي وهم ترسي وقال أحمد بن الحسين بن حيدرة يعرف بابن خراسان الطرابلسي:
أحبابنا! غير زهد في محبتكم ... كوني بمصر وأنتم في طرابلس
إن زرتكم فالمنايا في زيارتكم، ... وإن هجرتكم فالهجر مفترسي
ولست أرجو نجاحا في زيارتكم ... إلا إذا خاض بحرا من دم فرسي
وأنثني ورماح الخط قد حطمت ... في كل أروع لا وان ولا نكس
حتى يظلّ عميد الجيش ينشدنا ... نظما يضيء كضوء الفجر في الغلس
يفدي بنيك عبيد الله حاسدكم، ... بجبهة العير يفدى حافر الفرس

طُوسُ

طُوسُ:
قال بطليموس: طول طوس إحدى وثمانون درجة، وعرضها سبع وثلاثون، وهي في الإقليم الرابع، إن شئت صرفته لأن سكون وسطه قاوم إحدى العلّتين، واشتقاقه في الذي قبله: وهي مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ تشتمل على بلدتين يقال لإحداهما الطابران وللأخرى نوقان ولهما أكثر من ألف قرية فتحت في أيام عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وبها قبر عليّ بن موسى الرّضا وبها أيضا قبر هارون الرشيد، وقال مسعر بن المهلهل:
وطوس أربع مدن: منها اثنتان كبيرتان واثنتان صغيرتان، وبها آثار أبنية إسلامية جليلة، وبها دار حميد بن قحطبة، ومساحتها ميل في مثله، وفي بعض بساتينها قبر عليّ بن موسى الرضا وقبر الرشيد، وبينها وبين نيسابور قصر هائل عظيم محكم البنيان لم أر مثله علوّ جدران وإحكام بنيان، وفي داخله مقاصير تتحير في حسنها الأوهام وآزاج وأروقة وخزائن وحجر للخلوة، وسألت عن أمره فوجدت أهل البلد مجمعين على أنه من بناء بعض التبابعة وأنه كان قصد بلد الصين من اليمن فلما صار إلى هذا المكان رأى أن يخلّف حرمه وكنوزه وذخائره في مكان يسكن إليه ويسير متخففا فبنى هذا القصر وأجرى له نهرا عظيما آثاره بيّنة وأودعه كنوزه وذخائره وحرمه ومضى إلى الصين فبلغ ما أراد وانصرف فحمل بعض ما كان جعله في القصر وبقيت له فيه بعد أموال وذخائر تخفى أمكنتها وصفات مواضعها مكتوبة معه، فلم يزل على هذه الحال تجتاز به القوافل وتنزله السابلة ولا يعلمون منه شيئا حتى استبان ذلك واستخرجه أسعد بن أبي يعفر صاحب كحلان في أيامنا هذه لأن الصفة كانت وقعت إليه فوجّه قوما استخرجوها وحملوها إليه إلى اليمن، وقد خرج من طوس من أئمة أهل العلم والفقه ما لا يحصى، وحسبك بأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي وأبي الفتوح أخيه، وأما الغزالي أبو حامد فهو الإمام المشهور صاحب التصانيف التي ملأت الأرض طولا وعرضا، قرأ على أبي المعالي الجويني ودرس بالنظاميّة بعد أبي إسحاق ونال من الدنيا أربه ثم انقطع إلى العبادة فحجّ إلى بيت الله الحرام وقصد الشام وأقام بالبيت المقدّس مدة، وقيل: إنه قصد الإسكندرية وأقام بمنارتها ثم رجع إلى طوس وانقطع إلى العبادة فألزمه فخر الملك بن نظام الملك بالتدريس بمدرسته في نيسابور فامتنع وقال: أريد العبادة، فقال له: لا يحلّ لك أن تمنع المسلمين الفائدة منك، فدرّس ثم ترك التدريس ولزم منزله بطوس حتى مات بالطابران منها في رابع عشر جمادى الآخر سنة 505 ودفن بظاهر الطابران، وكان مولده سنة 450، ورثاه الأديب الأبيوردي فقال:
بكى على حجّة الإسلام حين ثوى ... من كل حيّ عظيم القدر أشرفه
وما لمن يمتري في الله عبرته ... على أبي حامد لاح يعنّفه
تلك الرزيّة تستهوي قوى جلدي، ... والطّرف تسهره والدمع تنزفه
فما له خلّة في الــزّهد منكرة، ... ولا له شبه في الخلق نعرفه
مضى وأعظم مفقود فجعت به ... من لا نظير له في الخلق يخلفه
ومنها تميم بن محمد بن طمغاج أبو عبد الرحمن الطوسي صاحب المسند الحافظ، رحل وسمع بحمص سليمان بن سلمة الخياري، وبمصر محمد بن رمح وغيره، وبالجبال وخراسان إسحاق بن راهويه والحسن بن عيسى الماسرجسي، وبالعراق عبد الرحمن بن واقد الواقدي وأحمد بن حنبل وهدبة بن خالد وشيبان ابن فرّوخ، روى عنه جماعة، منهم: عليّ بن جمشاد العدل وأبو بكر بن إبراهيم بن البدر صاحب الخلافيات وخلق سواهم، وقال الحاكم: تميم بن محمد ابن طمغاج أبو عبد الرحمن الطوسي محدث ثقة كثير الحديث والرحلة والتصنيف، جمع المسند الكبير ورأيته عند جماعة من مشايخنا، والوزير نظام الملك الحسن بن عليّ وغيرهم، وأهل خراسان يسمّون أهل طوس البقر، ولا أدري لم ذلك، وقال رجل يهجو نظام الملك:
لقد خرّب الطّوسيّ بلدة غزنة، ... فصبّ عليه الله مقلوب بلدته
هو الثور قرن الثور في حر أمّه، ... ومقلوب اسم الثور في جوف لحيته
وقال دعبل بن عليّ في قصيدة يمدح بها آل عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ويذكر قبري عليّ بن موسى والرشيد بطوس:
اربع بطوس على قبر الزكيّ به ... إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس: خير الناس كلّهم، ... وقبر شرّهم، هذا من العبر
ما ينفع الرّجس من قرب الزكيّ ولا ... على الزكيّ بقرب الرجس من ضرر
هيهات كلّ امرئ رهن بما كسبت ... يداه حقّا، فخذ ما شئت أو فذر
وطوس: من قرى بخارى، عن أبي سعد، ونسب إليها أبا جعفر رضوان بن عمران الطوسي من أهل بخارى، روى عن أسباط بن اليسع وأبي عبد الله بن أبي حفص، روى عنه خلف بن محمد بن إسماعيل الخيّام.

العَقْرُ

العَقْرُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، قال الخليل:
سمعت أعرابيّا من أهل الصّمان يقول كل فرجة تكون بين شيئين فهو عَقر وعُقر لغتان، قال ووضع يديه على قائمتي المائدة ونحن نتغدّى فقال: ما بينهما عقر، قال: والعقر القصر الذي يكون معتمدا لأهل القرية، قال لبيد:
كعقر الهاجريّ إذا ابتناه ... بأشباه حذين على مثال
وقال غيره: العقر القصر على أي حال كان، والعقر:
الغمام. وعقر بني شليل، قال تأبّط شرّا:
شنئت العقر عقر بني شليل، ... إذا هبّت لقارئها الرياح
وشليل من بجيلة وهو جدّ جرير بن عبد الله البجلي.
والعقر: عدة مواضع، منها: عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة، وقد روي أن الحسين، رضي الله عنه، لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد قال: ما اسم تلك القرية؟ وأشار إلى العقر، فقيل له:
اسمها العقر، فقال: نعوذ بالله من العقر، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، قال: أرض كرب وبلاء، وأراد الخروج منها فمنع حتى كان ما كان قتل عنده يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة في سنة 102، وكان خلع طاعة بني مروان ودعا إلى نفسه وأطاعه أهل البصرة والأهواز وفارس وواسط وخرج في مائة وعشرين ألفا فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فواقفه بالعقر من أرض بابل فأجلت الحرب عن قتل يزيد بن المهلّب، وقال الفرزدق يشبّب بعاتكة بنت عمرو بن يزيد الأسدي زوج يزيد بن المهلّب:
إذا ما المزونيّات أصبحن حسّرا ... وبكّين أشلاء على عقر بابل
وكم طالب بنت الملاءة انها ... تذكّر ريعان الشباب المزايل
والعقر أيضا: قرية بين تكريت والموصل تنزلها القوافل، وهي أول حدود أعمال الموصل من جهة العراق. والعقر: قرية على طريق بغداد إلى الدسكرة، ينسب إليها أبو الدّر لؤلؤ بن أبي الكرم بن لؤلؤ بن فارس العقري من هذه القرية. والعقر أيضا: قلعة حصينة في جبال الموصل أهلها أكراد وهي شرقي الموصل تعرف بعقر الحميدية، خرج منها طائفة من أهل العلم، منهم: صديقنا الشهاب محمد بن فضلون ابن أبي بكر بن الحسين بن محمد العدوي العقري النحوي اللغوي الفقيه المتكلم الحكيم جامع أشتات الفضل، سمع الحديث والأدب على جماعة من أهل العلم، وكنت مرة أعارض معه اعراب شيخنا أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري لقصيدة الشّنفرى اللّامية إلى أن بلغنا إلى قوله:
وأستفّ ترب الأرض كي لا يرى له ... عليّ من الطّول امرؤ متطوّل
فأنشدني في معناه لنفسه يقول:
مما يؤجّج كربي أنني رجل ... سبقت فضلا ولم أحصل على السّبق
يموت بي حسدا مما خصصت به ... من لا يموت بداء الجهل والحمق
إذا سغبت استففت التّرب في سغبي ... ولم أقل للئيم: سدّ لي رمقي
وإن صديت وكان الصفو ممتنعا، ... فالموت أنفع لي من مشرب رنق
وكم رغائب مال دونها رمق ... زهدت فيها ولم أقدر على الملق
وقد ألين وأجفو في محلّهما، ... فالسهل والحزن مخلوقان من خلقي
فقلت له: قول الشنفري أبلغ لأنه نزه نفسه عن ذي الطّول وأنت نزهتها عن اللئيم، فقال: صدقت لأن الشنفري كان يرى متطوّلا فينزه نفسه عنه وأنا لا أرى إلا اللئيم فكيف أكذب؟ فخرج من اعتراضي إلى أحسن مخرج. والعقر، ويروى بالضم أيضا: أرض بالعالية في بلاد قيس، قال طفيل الغنوي:
بالعقر دار من جميلة هيّجت ... سوالف حبّ في فؤادك منصب
وعقر السّدن: من قرى الشرطة بين واسط والبصرة، منها كان الضالّ المضل سنان داعية الإسماعيلية ودجالهم ومضلهم الذي فعل الأفاعيل التي لم يقدر عليها أحد قبله ولا بعده وكان يعرف السيميا.

قُرْطُبَةُ

قُرْطُبَةُ:
بضم أوله، وسكون ثانيه، وضم الطاء المهملة أيضا، والباء الموحدة، كلمة فيما أحسب عجمية رومية ولها في العربية مجال يجوز أن يكون من القرطبة وهو العدو الشديد، قال بعضهم:
إذا رآني قد أتيت قرطبا، ... وجال في جحاشه وطرطبا
وقال الأصمعي: طعنه فقرطبه إذا صرعه، وقال ابن الصامت الجشمي:
رقوني وقالوا: لا ترع يا ابن صامت، ... فظلت أناديهم بثدي مجدّد
وما كنت مغترّا بأصحاب عامر ... مع القرطبا بلّت بقائمه يدي
وقال: القرطبا السيف كأنه من قرطبه أي قطعه:
وهي مدينة عظيمة بالأندلس وسط بلادها وكانت سريرا لملكها وقصبتها وبها كانت ملوك بني أمية ومعدن الفضلاء ومنبع النبلاء من ذلك الصقع، وبينها وبين البحر خمسة أيام، قال ابن حوقل التاجر الموصلي وكان طرق تلك البلاد في حدود سنة 350 فقال:
وأعظم مدينة بالأندلس قرطبة وليس لها في المغرب شبيه في كثرة الأهل وسعة الرقعة، ويقال: إنها كأحد جانبي بغداد وإن لم تكن كذلك فهي قريبة منها، وهي حصينة بسور من حجارة ولها بابان مشرعان في نفس السور إلى طريق الوادي من الرصافة والرصافة مساكن أعالي البلد متصلة بأسافله من ربضها، وأبنيتها مشتبكة محيطة من شرقيّها وشماليها، وغربها وجنوبها فهو إلى واديها وعليه الرصيف المعروف بالأسواق والبيوع، ومساكن العامة بربضها، وأهلها متموّلون متخصصون وأكثر ركوبهم البغلات من خورهم وجبنهم أجنادهم وعامتهم، ويبلغ ثمن البغلة عندهم خمسمائة دينار، وأما المائة والمائتان فكثير لحسن شكلها وألوانها وقدودها وعلوها وصحة قوائمها، قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب: كانت صفتها هكذا إلى حدود سنة 440 فإنه انقضت مدة الأمويين وابن أبي عامر وظهر المتغلبون بالأندلس وقويت شوكة بني عبّاد وغيرهم واستولى كلّ أمير على ناحية وخلت قرطبة من سلطان يرجع إلى أمره وصار كل من قويت يده عمرت مدينته، وخربت قرطبة بالجور عليها فعمّرت إشبيلية ببني عباد عمارة صارت بها سرير ملك الأندلس، فهي إلى الآن على ذلك من العمارة، وخربت قرطبة وصارت كإحدى المدن المتوسطة، وقد رثوها فأكثروا فيها، وممن تشوّق إليها القاضي محمد بن أبي عيسى بن يحيى الليثي قاضي الجماعة بقرطبة فقال فيها:
ويل امّ ذكراي من ورق مغرّدة ... على قضيب بذات الجزع ميّاس
رددن شجوا شجا قلبي الخلّي فقل ... في شجو ذي غربة ناء عن الناس
ذكّرنه الزمن الماضي بقرطبة ... بين الأحبّة في لهو وإيناس
هجن الصبابة لولا همّة شرفت ... فصيّرت قلبه كالجندل القاسي
وينسب إليها جماعة وافرة من أهل العلم، منهم: أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي، قرأ عليه كثير من شيوخنا، وكان أديبا فاضلا مقرئا عارفا بالنحو واللغة، سمع كثيرا من كتب الأدب وورد الموصل فأقام بها يفيد أهلها ويقرؤون عليه فنون العلم إلى أن مات بها في سنة 567، وممن ينسب إليها أحمد بن محمد بن عبد البر أبو عبد الملك من
موالي بني أمية، سمع محمد بن أحمد بن الزرّاد وابن لبابة وأسلم بن عبد العزيز وغيرهم، وله كتاب مؤلف في الفقهاء بقرطبة، ومات في السجن لليلتين بقيتا من رمضان سنة 338، قال ابن الفرضي: وأحمد بن محمد بن موسى بن بشير بن حناذ بن لقيط الرازي الكناني من أنفسهم من أهل قرطبة يكنّى أبا بكر، وفد أبوه على الإمام محمد وكان أبوه من أهل اللسانة والخطابة، وولد أحمد بالأندلس، وسمع من أحمد ابن خالد وقاسم بن أصبغ وغيرهما، وكان كثير الرواية حافظا للأخبار وله مؤلفات كثيرة في أخبار الأندلس وتواريخ دول الملوك منها، توفي لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة 344، ومولده في عاشر ذي الحجة سنة 274، قاله ابن الفرضي، وحبّاب ابن عبادة الفرضي أبو غالب القرطبي له تآليف في الفرائض، وحسن بن الوليد بن نصر أبو بكر يعرف بابن الوليد، وكان فقيها عالما بالمسائل نحويّا، خرج إلى الشرق في سنة 362، وخالد بن سعد القرطبي أحد أئمة الأندلس، كان المستنصر يقول: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن مروان أتيناهم بخالد بن سعد، وصنف كتابا في رجال الأندلس، ومات فجأة سنة 352، عن ابن الفرضي، وقد نيف على الستين، وخلف بن القاسم بن سهل بن محمد بن يونس بن الأسود أبو القاسم المعروف بابن الدّبّاغ الأزدي القرطبي، ذكره الحافظ في تاريخ دمشق، وقد سمع بدمشق أبا الميمون بن راشد وأبا القاسم بن أبي العقب، وبمكة أبا بكر أحمد بن محمد بن سهل بن رزق الله المعروف ببكير الحداد وأبا بكر بن أبي الموت، وبمصر عبد الله بن محمد المفسر الدمشقي والحسن بن رشيق، روى عنه أبو عمر يوسف بن محمد بن عبد البر الحافظ وأبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الفرضي وأبو عمرو الداني، كان حافظا للحديث عالما بطرقه، ألّف كتبا حسانا في الــزهد، ومولده سنة 325 ومات سنة 393 في ربيع الآخر.

قُومِسُ

قُومِسُ:
بالضم ثم السكون، وكسر الميم، وسين مهملة، وقومس في الإقليم الرابع، طولها سبع وسبعون درجة وربع، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وهو تعريب كومس:
وهي كورة كبيرة واسعة تشتمل على مدن وقرى ومزارع وهي في ذيل جبال طبرستان وأكبر ما يكون في ولاية ملكها، وقصبتها المشهورة دامغان، وهي بين الري ونيسابور، ومن مدنها المشهورة بسطام وبيار، وبعض يدخل فيها سمنان وبعض
يجعل سمنان من ولاية الري، وقرأت في كتاب نتف الطرف للسلامي: حدثني ابن علويّة الدامغاني قال حدثني ابن عبد الدامغاني قال: كان أبو تمام حبيب بن أوس نزل عند والدي حين اجتاز بقومس إلى نيسابور ممتدحا عبد الله بن طاهر فسألناه عن مقصده فأجابنا بهذين البيتين:
تقول في قومس صحبي وقد أخذت ... منّا السّرى وخطى المهريّة القود:
أمطلع الشمس تبغي أن تؤمّ بنا؟ ... فقلت: كلّا ولكن مطلع الجود
وقدم يحيى بن طالب الحنفي في مسيره إلى خراسان من دين كان عليه، فلما وصل إلى قومس سأل عنها فأخبر باسمها، فبكى وحنّ إلى وطنه وقال:
أقول لأصحابي ونحن بقومس، ... ونحن على أثباج ساهمة جرد:
بعدنا، وبيت الله، عن أرض قرقرى ... وعن قاع موحوش وزدنا على البعد
وكان الجوهري صاحب كتاب الصحاح بلغ قومس فقال:
يا صاحب الدعوة لا تجزعن، ... فكلّنا أزهد من كرز
فالماء كالعنبر في قومس، ... من عزّه يجعل في الحرز
فسقّنا ماء بلا منّة، ... وأنت في حلّ من الخبز
وقومس أيضا إقليم القومس: بالأندلس من نواحي كورة قبرة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.