Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: رومي

ميبخوشة

ميبخوشة: ميبخوشة: في المعجم الفارسي (لفرز) وردت كلمة منتجوشة وقد ذكر المعجم أن معناها سنبل اقليطي وأنها من أصل يوناني وأن هذه الكلمة موجودة، بالمعنى نفسه، في (المستعيني) في مادة سنبل رومي وكذلك الأمر في مخطوطتي لابن البيطار (2: 60) إلا أن هذه المعلومات ليست صحيحة تماما إذ ليست يونانية لأن كتابة الكلمة صحيحة قد ورد في مخطوطة B فقط من ابن البيطار وليس التي ذكرها (فولرز) فهي ميبخوشة (بحركاتها التي ذكرها (ابن البيطار) وهي فارسية مكونة من (مى) نبيذ وناردين (سنبل الطيب) لأن كلمة خوشة تعادل الكلمة العربية سنبل فميبخوشة إذن هي التي سماها (ديسقوريدوس في 5، 67، 69).

بَتيلَة

بَتيلَة:
مثل الذي قبله، وزيادة هاء: ماء لبني عمرو ابن ربيعة بن عبد الله رواء ببطن السّرّ وهو إلى جنب بتيل المذكور قبله، وفي كتاب نصر: بتيلة قليب عند بتيل في ديار بني كلاب، وقال ابن دريد:
البتيلة ماء لهم رواء ببطن السرّ إلى جنب بتيل، وبتيل جبل أحمر يناوح دمخا من ورائه، وقال أبو زياد: خاصم عبيد الله بن ربيع قوم من بني أبي بكر في ماء لهم يقال له بتيل فأطالوا لهم الخصومة، وعلى المدينة رجل من قريش يقال له خالد، واستعمل خالد رجلا يقال له عثمان على ضرية فكان عبيد الله وأصحابه يختصمون إلى عثمان فجعل البكريون لعثمان
مالا على أن يقضي لهم على عبيد الله، فلما تخوّف عبيد الله ذلك ارتحل حتى وقع بين يدي خالد بالمدينة، فقال:
إلى الله أشكو أنّ عثمان جائر ... عليّ، ولم يعلم بذلك خالد
أبيت، كأني من حذار قضائه ... بحرّة عبّاد، سليم الأساود
تكلّفت أجواز الفيافي وبعدها ... إليك، وعظمي خشية الظلم بارد
وبيضاء إمليس، إذا بتّ ليلة ... بها، زارني عاري الذراعين مارد
عوى، عند نضوي، يستغيث أليفه ... بمنزلة لا تعتفيها العوائد
فلما رآني قد حنست لقتله ... مبارزة، واشتدّ بالسيف ساعدي
فولّى فتى شاكي السلاح، لو انه ... أخي لم أبعه من معدّ بواحد
فتى يكسب المعدوم، حتى رقيقه ... مدلّ بشدّات الكميّ المناجد
إلى خالد، إمّا أموت فهيّن، ... وإما طريد مستجير بخالد
فهل أنت من أهل البتيلة منقذي؟ ... فقد كدت عن لحمي بسيفي أجالد
أرادوا جلائي عن بلاد ورثتها ... أبي، وإمام الناس والدين واحد
أما بعد أن يرموا بدلوي عن التي ... ضربت بــروميّ حديد الحدائد
فأمكنتها من منحر غير قاطع، ... له نفيان طيّب الطعم بارد
فإنكما يا ابني عليّة كنتما ... يدا، وأخي يرجى قليل الفوائد [1]
وقال ذروة بن جحفة الكلابي:
شهد البتيل على البتيلة أنها ... زوراء فانية على الأوراد
منع البتيلة، لا يجوز بمائها ... قمر تثور جحاشها بشراد
قبح الإله وخصّهم بملامة ... نفرا، يقال لهم بنو روّاد
نفرا يقيم اللؤم وسط بيوتهم ... والمخزيات كما يقيم نضاد

حَلَبُ

حَلَبُ:
بالتحريك: مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة الأديم والماء، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه، والحلب في اللغة: مصدر قولك حلبت أحلب حلبا وهربت هربا وطربت طربا، والحلب أيضا: اللبن الحليب، يقال: حلبنا وشربنا لبنا حليبا وحلبا، والحلب من الجباية مثل الصدقة ونحوها، قال الزّجّاجي: سمّيت حلب لأن إبراهيم، عليه السلام، كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدّق به فيقول الفقراء حلب حلب، فسمي به، قلت أنا: وهذا فيه نظر لأن إبراهيم، عليه السلام، وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل، عليه السلام، وقحطان، على أن إبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران إلى الآن، فإن كان لهذه اللفظة، أعني حلب، أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك لأن كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارقه إلا بعجمة يسيرة كقولهم كهنّم في جهنم، وقال قوم: إن حلب وحمص وبرذعة كانوا إخوة من بني عمليق فبنى كلّ واحد منهم مدينة فسمّيت به، وهم بنو مهر بن حيص بن جان بن مكنّف، وقال الشرقي: عمليق بن يلمع بن عائذ ابن اسليخ بن لوذ بن سام، وقال غيره: عمليق بن لوذ بن سام، وكانت العرب تسميه غريبا وتقول في مثل: من يطع غريبا يمس غريبا، يعنون عمليق ابن لوذ، ويقال: إن لهم بقية في العرب لأنهم كانوا قد اختلطوا بهم، ومنهم الزّبّاء، فعلى هذا يصحّ أن يكون أهل هذه المدينة كانوا يتكلمون بالعربية فيقولون حلب إذا حلب إبراهيم، عليه السلام.
قال بطليموس: طول مدينة حلب تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، طالعها العقرب، وبيت حياتها إحدى وعشرون درجة من القوس، لها شركة في النسر الطائر تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، وخمس وثلاثون دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، قال أبو عون في زيجه: طول حلب ثلاث وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الرابع، وذكر أبو نصر يحيى بن جرير الطبيب التكريتي النصراني في كتاب ألّفه أن سلوقوس الموصلي ملك خمسا وأربعين سنة، وأول ملكه كان في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وخمسين لآدم، عليه السلام، قال:
وفي سنة تسع وخمسين من مملكته، وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة لآدم، ملك طوسا المسمّاة سميرم مع أبيها وهو الذي بنى حلب بعد دولة الإسكندر وموته باثنتي عشرة سنة، وقال في موضع آخر:
كان الملك على سوريا وبابل والبلاد العليا سلوقوس نيقطور، وهو سريانيّ، وملك في السنة الثالثة عشرة لبطليموس بن لاغوس بعد ممات الإسكندر، وفي السنة الثالثة عشرة من مملكته بنى سلوقوس اللاذقية وسلوقية وأفامية وباروّا وهي حلب واداسا وهي الرّها وكمل بناء أنطاكية، وكان بناها قبله، يعني أنطاكية، انطيقوس في السنة السادسة من موت الإسكندر، وذكر آخرون في سبب عمارة حلب أن العماليق لما استولوا على البلاد الشامية وتقاسموها بينهم استوطن ملوكهم مدينة عمّان ومدينة أريحا الغور ودعاهم الناس الجبارين، وكانت قنّسرين مدينة عامرة ولم يكن يومئذ اسمها قنّسرين وإنما كان اسمها صوبا، وكان هذا الجبل المعروف الآن بسمعان
يعرف بجبل بني صنم، وبنو صنم كانوا يعبدونه في موضع يعرف اليوم بكفرنبو، والعمائر الموجودة في هذا الجبل إلى اليوم هي آثار المقيمين في جوار هذا الصنم، وقيل: إن بلعام بن باعور البالسي إنما بعثه الله إلى عبّاد هذا الصنم لينهاهم عن عبادته، وقد جاء ذكر هذا الصنم في بعض كتب بني إسرائيل، وأمر الله بعض أنبيائهم بكسره، ولما ملك بلقورس الأثوري الموصل وقصبتها يومئذ نينوى كان المستولي على خطّة قنسرين حلب بن المهر أحد بني الجان بن مكنّف من العماليق، فاختط مدينة سمّيت به، وكان ذلك على مضي ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسعين سنة لآدم، وكانت مدة ملك بلقورس هذا ثلاثين عاما، وكان بناها بعد ورود إبراهيم، عليه السلام، إلى الديار الشامية بخمسمائة وتسع وأربعين سنة لأن إبراهيم ابتلي بما ابتلي به من نمرود زمانه، واسمه راميس، وهو الرابع من ملوك أثورا، ومدة ملكه تسع وثلاثون سنة، ومدة ما بينه وبين آدم، عليه السلام، ثلاثة آلاف وأربعمائة وثلاث عشرة سنة، وفي السنة الرابعة والعشرين من ملكه ابتلي به إبراهيم فهرب منه مع عشيرته إلى ناحية حرّان ثم انتقل إلى جبل البيت المقدس، وكانت عمارتها بعد خروج موسى، عليه السلام، من مصر ببني إسرائيل إلى التيه وغرق فرعون بمائة وعشرة أعوام، وكان أكبر الأسباب في عمارتها ما حل بالعماليق في البلاد الشامية من خلفاء موسى، وذلك أن يوشع بن نون، عليه السلام، لما خلف موسى قاتل أريحا الغور وافتتحها وسبى وأحرق وأخرب ثم افتتح بعد ذلك مدينة عمّان، وارتفع العماليق عن تلك الديار إلى أرض صوبا، وهي قنّسرين، وبنوا حلب وجعلوها حصنا لأنفسهم وأموالهم ثم اختطوا بعد ذلك العواصم، ولم يزل الجبارون مستولين عليها متحصّنين بعواصمها إلى أن بعث الله داود، عليه السلام، فانتزعهم عنها.
وقرأت في رسالة كتبها ابن بطلان المتطبّب إلى هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي في نحو سنة 440 في دولة بني مرداس فقال: دخلنا من الرّصافة إلى حلب في أربع مراحل، وحلب بلد مسوّر بحجر أبيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان وفي إحداهما كان المذبح الذي قرّب عليه إبراهيم، عليه السلام، وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ بها غنمه، وكان إذا حلبها أضاف الناس بلبنها، فكانوا يقولون حلب أم لا؟
ويسأل بعضهم بعضا عن ذلك، فسميت لذلك حلبا، وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير، والفقهاء يفتون على مذهب الإمامية، وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر، وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف، وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري، وهو بلد قليل الفواكه والبقول والنبيذ إلا ما يأتيه من بلاد الروم، وفيها من الشعراء جماعة، منهم: شاعر يعرف بأبي الفتح بن أبي حصينة، ومن جملة شعره قوله:
ولما التقينا للوداع، ودمعها ... ودمعي يفيضان الصبابة والوجدا
بكت لؤلؤا رطبا، ففاضت مدامعي ... عقيقا، فصار الكل في نحرها عقدا
وفيها كاتب نصراني له في قطعة في الخمر أظنه صاعد بن شمّامة:
خافت صوارم أيدي المازجين لها، ... فألبست جسمها درعا من الحبب
وفيها حدث يعرف بأبي محمد بن سنان قد ناهز العشرين وعلا في الشعر طبقة المحنّكين، فمن قوله:
إذا هجوتكم لم أخش صولتكم، ... وإن مدحت فكيف الريّ باللهب
فحين لم ألق لا خوفا ولا طمعا ... رغبت في الهجو، إشفاقا من الكذب
وفيها شاعر يعرف بأبي العباس يكنى بأبي المشكور، مليح الشعر سريع الجواب حلو الشمائل، له في المجون بضاعة قوية وفي الخلاعة يد باسطة، وله أبيات إلى والده:
يا أبا العباس والفضل! ... أبا العباس تكنى
أنت مع أمّي، بلا شكّ، ... تحاكي الكركدنّا
أنبتت، في كل مجرى ... شعرة في الرأس، قرنا
فأجابه أبوه:
أنت أولى بأبي المذمو ... م بين الناس تكنى
ليت لي بنتا، ولا أنت، ... ولو بنت يحنّا
بنت يحنّا: مغنية بأنطاكية تحنّ إلى القرباء وتضيف الغرباء مشهورة بالعهر، قال: ومن عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين. دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمرّ ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن، وما في حلب موضع خراب أصلا، وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبينها وبين حلب يوم وليلة، آخر ما ذكر ابن بطلان.
وقلعة حلب مقام إبراهيم الخليل، وفيه صندوق به قطعة من رأس يحيى بن زكرياء، عليه السلام، ظهرت سنة 435، وعند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، رؤي فيه في النوم، وداخل باب العراق مسجد غوث فيه حجر عليه كتابة زعموا أنه خطّ علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسّبي من العراق ليحمل إلى دمشق أو طفل كان معهم بحلب فدفن هنالك، وبالقرب منه مشهد مليح العمارة تعصّب الحلبيّون وبنوه أحكم بناء وأنفقوا عليه أموالا، يزعمون أنهم رأوا عليّا، رضي الله عنه، في المنام في ذلك المكان، وفي قبلي الجبل جبّانة واحدة يسمونها المقام، بها مقام لإبراهيم، عليه السلام، وبظاهر باب اليهود حجر على الطريق ينذر له ويصبّ عليه ماء الورد والطيب ويشترك المسلمون واليهود والنصارى في زيارته، يقال إن تحته قبر بعض الأنبياء.
وأما المسافات فمنها إلى قنّسرين يوم وإلى المعرّة يومان وإلى أنطاكية ثلاثة أيام وإلى الرّقّة أربعة أيام وإلى الأثارب يوم وإلى توزين يوم وإلى منبج يومان وإلى بالس يومان وإلى خناصرة يومان وإلى حماة ثلاثة أيام وإلى حمص أربعة أيام وإلى حرّان خمسة أيام وإلى اللاذقية ثلاثة أيام وإلى جبلة ثلاثة أيام وإلى طرابلس أربعة أيام وإلى دمشق تسعة أيام، قال المؤلف، رحمة الله عليه: وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا لا يسقى إلا بماء المطر ويجيء مع ذلك رخصا
غضّا رويّا يفوق ما يسقى بالمياه والسيح في جميع البلاد، وهذا لم أره فيما طوّفت من البلاد في غير أرضها، ومن ذلك أن مسافة ما بيد مالكها في أيامنا هذه، وهو الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ومدبّر دولته والقائم بجميع أموره شهاب الدين طغرل، وهو خادم روميّ زاهد متعبّد، حسن العدل والرأفة برعيته، لا نظير له في أيامه في جميع أقطار الأرض، حاشا الإمام المستنصر بالله أبي جعفر المنصور بن الظاهر ابن الناصر لدين الله، فإن كرمه وعدله ورأفته قد تجاوزت الحدّ فالله بكرمه يرحم رعيتهما بطول بقائمها، من المشرق إلى المغرب مسيرة خمسة أيام، ومن الجنوب إلى الشمال مثل ذلك، وفيها ثمانمائة ونيف وعشرون قرية ملك لأهلها ليس للسلطان فيها إلا مقاطعات يسيرة، ونحو مائتين ونيف قرية مشتركة بين الرعية والسلطان، وقفني الوزير الصاحب القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي، أدام الله تعالى أيامه وختم بالصالحات أعماله، وهو يومئذ وزير صاحبها ومدبر دواوينها، على الجريدة بذلك وأسماء القرى وأسماء ملّاكها، وهي بعد ذلك تقوم برزق خمسة آلاف فارس مراخي الغلة موسع عليهم، قال لي الوزير الأكرم، أدام الله تعالى علوّه: لو لم يقع إسراف في خواصّ الأمراء وجماعة من أعيان المفاريد لقامت بأرزاق سبعة آلاف فارس لأن فيها من الطواشية المفاريد ما يزيد على ألف فارس يحصل للواحد منهم في العام من عشرة آلاف درهم إلى خمسة عشر ألف درهم، ويمكن أن يستخدم من فضلات خواصّ الأمراء ألف فارس، وفي أعمالها إحدى وعشرون قلعة، يقام بذخائرها وأرزاق مستحفظيها خارجا عن جميع ما ذكرناه، وهو جملة أخرى كثيرة، ثم يرتفع بعد ذلك كله من فضلات الإقطاعات الخاصة بالسلطان من سائر الجبايات إلى قلعتها عنبا وحبوبا ما يقارب في كل يوم عشرة آلاف درهم، وقد ارتفع إليها في العام الماضي، وهو سنة 625، من جهة واحدة، وهي دار الزكاة التي يجبى فيها العشور من الأفرنج والزكاة من المسلمين وحق البيع، سبعمائة ألف درهم، وهذا مع العدل الكامل والرفق الشامل بحيث لا يرى فيها متظلّم ولا متهضّم ولا مهتضم، وهذا من بركة العدل وحسن النية.
وأما فتحها فذكر البلاذري أن أبا عبيدة رحل إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري، وكان أبوه يسمّى عبد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال له ابن عبد غنم فقال: أنا عياض بن غنم، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل عليها فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد، وكان الذي صالحهم عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه، وقيل: بل صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم، وقيل: إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا لأن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية وأنهم إنما صالحوا على مدينتهم بها ثم رجعوا إليها.
وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض وفي وسط ذلك الوطإ جبل عال مدوّر صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره، والقلعة مبنيّة في رأسه، ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة، وكان الملك الظاهر غازي بن
صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمّته العالية فعمّرها بعمارة عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجبا للناظرين إليها، لكن المنية حالت بينه وبين تتمّتها، ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب: باب الأربعين، وباب اليهود، وكان الملك الظاهر قد جدّد عمارته وسمّاه باب النصر، وباب الجنان، وباب أنطاكية، وباب قنّسرين، وباب العراق، وباب السرّ، وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء، ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال، فقلّ ما ترى من نشئها من لم يتقيل أخلاق آبائه في مثل ذلك، فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثّروة ويتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها، وأنا أقتنع من ذلك بقصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن مرّار الصّنوبري وقد أجاد فيها ووصف متنزهاتها وقراها القريبة منها فقال:
احبسا العيس احبساها، ... وسلا الدار سلاها
واسألا أين ظباء ال ... دّار أم أين مهاها
أين قطّان محاهم ... ريب دهر ومحاها
صمّت الدار عن السا ... ئل، لا صمّ صداها
بليت بعدهم الدا ... ر، وأبلاني بلاها
آية شطّت نوى الإظ ... عان، لا شطّت نواها
من بدور من دجاها، ... وشموس من ضحاها
ليس ينهى النفس ناه ... ما أطاعت من عصاها
بأبي من عرسها وسخ ... طي، ومن عرسي رضاها
دمية إن جلّيت كا ... نت حلى الحسن حلاها
دمية ألقت إليها ... راية الحسن دماها
دمية تسقيك عينا ... ها، كما تسقي مداها
أعطيت لونا من الور ... د، وزيدت وجنتاها
حبّذا الباءات باءت، ... وقويق ورباها
بانقوساها بها با ... هي المباهي، حين باهى
وبباصفرا وبابل ... لا ربا مثلي وتاها
لا قلى صحراء نافر ... قلّ شوقي، لا قلاها [1]
لا سلا أجبال باسل ... لين قلبي، لا سلاها
وبباسلّين فليب ... غ ركابي من بغاها
وإلى باشقلّيشا ... ذو التناهي يتناهى [1] قوله: نافر، بسكون الراء، هكذا في الأصل.
وبعاذين، فواها ... لبعاذين، وواها
بين نهر وقناة ... قد تلته وتلاها
ومجاري برك، يجلو ... همومي مجتلاها
ورياض تلتقي آ ... مالنا في ملتقاها
زاد أعلاها علوّا ... جوشنا لمّا علاها
وازدهت برج أبي الحا ... رث حسنا وازدهاها
واطّبت مستشرف الحص ... ن، اشتياقا، واطّباها
وأرى المنية فازت ... كلّ نفس بمناها
إذ هواي العوجان السا ... لب النفس هواها
ومقيلي بركة التّل ... ل وسيبات رحاها
بركة تربتها الكا ... فوز، والدّرّ حصاها
كم غراني طربي حي ... تانها لما غراها
إذ تلى مطبّخ الحي ... تان منها مشتواها
بمروج اللهو ألقت ... عير لذّاتي عصاها
وبمغنى الكامليّ اس ... تكملت نفسي مناها
وغرت ذا الجوهريّ ال ... مزن غيثا، وغراها
كلأ الراموسة الحس ... ناء ربي، وكلاها
وجزى الجنّات بالسّع ... دى بنعمى، وجزاها
وفدى البستان من فا ... رس صبّ وفداها
وغرت ذا الجوهريّ ال ... مزن، محلولا عراها
واذكرا دار السّليما ... نيّة اليوم، اذكراها
حيث عجنا نحوها العي ... س تبارى في براها
وصفا العافية المو ... سومة الوصف صفاها
فهي في معنى اسمها حذ ... وبحذو، وكفاها
وصلا سطحي وأحوا ... ضي، خليليّ، صلاها
وردا ساحة صهري ... جي على سوق رداها
وامزجا الراح بماء ... منه، أو لا تمزجاها
حلب بدر دجّى، أن ... جمها الزّهر قراها
حبّذا جامعها الجا ... مع للنفس تقاها
موطن مرسي دور ألب ... رّ بمرساة حباها [1]
شهوات الطرف فيه، ... فوق ما كان اشتهاها
قبلة كرّمها الل ... هـ بنور، وحباها
ورآها ذهبا في ... لازورد من رآها
ومراقي منبر، أع ... ظم شيء مرتقاها
وذرى مئذنة، طا ... لت ذرى النجم ذراها
والنّواريّة ما لا ... ترياه لسواها
قصعة ما عدت الكع ... ب، ولا الكعب عداها
أبدا، يستقبل السّح ... ب بسحب من حشاها
فهي تسقي الغيث إن لم ... يسقها، أو إن سقاها
كنفتها قبّة يض ... حك عنها كنفاها
قبّة أبدع بانى ... ها بناء، إذ بناها
ضاهت الوشي نقوشا، ... فحكته وحكاها
لو رآها مبتني قب ... بة كسرى ما ابتناها
فبذا الجامع سرو ... يتباهى من تباهي
جنّبا السارية الخض ... راء منه، جنّباها
قبلة المستشرف الأع ... لى، إذا قابلتماها
حيث يأتي خلفه الآ ... داب منها من أتاها
من رجالات حبّى لم ... يحلل الجهل حباها
من رآهم من سفيه ... باع بالعلم السفاها
وعلى ذاك سرور ال ... نفس منّي وأساها
شجو نفسي باب قنّس ... رين، وهنا، وشجاها
حدث أبكي التي في ... هـ، ومثلي من بكاها
أنا أحمي حلبا دا ... را، وأحمي من حماها
أيّ حسن ما حوته ... حلب، أو ما حواها
سروها الداني، كما تد ... نو فتاة من فتاها
آسها الثاني القدود ال ... هيف، لمّا أن ثناها [1] هذا البيت مختل الوزن ولعل فيه تصحيفا.
نخلها زيتونها، أو ... لا فأرطاها عصاها
قبجها درّاجها، أو ... فحباراها قطاها
ضحكت دبسيّتاها، ... وبكت قمريّتاها
بين أفنان، تناجي ... طائريها طائراها
تدرجاها حبرجاها ... صلصلاها بلبلاها
ربّ ملقي الرّحل منها، ... حيث تلقى بيعتاها
طيّرت عنه الكرى طا ... ئرة، طار كراها
ودّ، إذ فاه بشجو، ... أنه قبّل فاها
صبّة تندب صبّا، ... قد شجته وشجاها
زيّنت، حتى انتهت ... في زينة في منتهاها
فهي مرجان شواها، ... لازورد دفّتاها
وهي تبر منتهاها، ... فضّة قرطمتاها
قلّدت بالجزع، لمّا ... قلّدت، سالفتاها
حلب أكرم مأوى، ... وكريم من أواها
بسط الغيث عليها ... بسط نور، ما طواها
وكساها حللا، أب ... دع فيها إذ كساها
حللا لحمتها السّو ... سن، والورد سداها
إجن خيرياتها بال ... لحظ، لا تحرم جناها
وعيون النرجس المن ... هلّ، كالدمع نداها
وخدودا من شقيق، ... كاللظى الحمر لظاها
وثنايا أقحوانا ... ت، سنا الدّرّ سناها
ضاع آذريونها، إذ ... ضاء، من تبر، ثراها
وطلى الطّلّ خزاما ... ها بمسك، إذ طلاها
وانتشى النّيلوفر الشّو ... ق قلوبا، واقتضاها
بحواش قد حشاها ... كلّ طيب، إذ حشاها
وبأوساط على حذ ... والزنابير حذاها
فاخري، يا حلب، المد ... ن يزد جاهك جاها
إنه إن لم تك المد ... ن رخاخا، كنت شاها
وقال كشاجم:
أرتك ندى الغيث آثارها، ... وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد يجمع ما تشتهي، ... فزرها، فطوبى لمن زارها!
وكفر حلب: من قرى حلب. وحلب الساجور:
في نواحي حلب، ذكرها في نواحي الفتوح، قال:
وأتى أبو عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، حلب الساجور بعد فتح حلب وقدم عياض بن غنم إلى منبج.
وحلب أيضا: محلّة كبيرة في شارع القاهرة بينها وبين الفسطاط، رأيتها غير مرّة.

جَيْحَانُ

جَيْحَانُ:
بالفتح ثم السكون، والحاء مهملة، وألف، ونون: نهر بالمصيصة بالثغر الشامي ومخرجه من بلاد الروم ويمرّ حتى يصبّ بمدينة تعرف بكفربيّا بإزاء المصيصة، وعليه عند المصيصة قنطرة من حجارة روميّــة عجيبة قديمة عريضة، فيدخل منها إلى المصيصة وينفذ منها فيمتدّ أربعة أميال ثم يصب في بحر الشام، قال أبو الطيب:
سريت إلى جيحان، من أرض آمد، ... ثلاثا، لقد أدناك ركض، وأبعدا
وقال عدي بن الرقاع العاملي:
فبتّ ألهّى في المنام بما أرى، ... وفي الشيب عن بعض البطالة زاجر
بساجية العينين خود يلذّها، ... إذا طرق الليل، الضّجيع المباشر
كأنّ ثناياها بنات سحابة، ... سقاهنّ شؤبوب من الليل باكر
فهنّ معا أو أقحوان بروضة ... تعاوره صوبان: طلّ وماطر
فقلت لها: كيف اهتديت ودوننا ... دلوك وأشراف الجبال القواهر
وجيحان جيحان الملوك وآلس ... وحزن خزازى والشعوب القواسر

جَهْرَمُ

جَهْرَمُ:
بالفتح ثم السكون، وفتح الراء، وميم:
اسم مدينة بفارس يعمل فيها بسط فاخرة، قال الزيادي: ويقال للبساط نفسه جهرم، وأنشد لرؤبة:
بل بلد ملء الفجاج قتمه، ... لا يشترى كتّانه وجهرمه
ويجوز أن يراد بجهرمه في البيت الجنس كــروميّ وروم، والبيت على حذف مضاف، أي ومنتهى جهرمه، وبين شيراز وجهرم ثلاثون فرسخا، ينسب إليها أبو عبيدة عبد الله بن محمد بن زياد الجهرمي، حدث عن حفص بن عمرو الرّمّاني، ذكره أبو العباس أحمد بن محمد الطيراني وذكر أنه سمع منه بجهرم.

جَنْدَةُ

جَنْدَةُ:
ناحية في سواد العراق بين فم النيل والنّعمانية.
جُنْدِيوْخُسْرَه:
ويقال وه جنديوخسره: اسم إحدى مدائن كسرى السبع، وهي المسماة روميــة المدائن بنيت على مثال أنطاكية، وبها قتل المنصور أبا مسلم الخراساني.

الجُزيرَة

الجُزيرَة:
هذا الاسم إذا أطلقه أهل الأندلس أرادوا بلاد مجاهد بن عبد الله العامري: وهي جزيرة منورقة وجزيرة ميورقة، أطلقوا ذلك لجلالة صاحبها وكثرة استعمالهم ذكرها، فإنه كان محسنا إلى العلماء مفضلا عليهم وخصوصا على القرّاء، وهو صاحب دانية مدينة في شرقي الأندلس تجاه هاتين الجزيرتين، ويكنى مجاهد بأبي الجيش ويلقب بالموفّق، وكان مملوكا روميّــا لمحمد بن أبي عامر، وكان أديبا فاضلا، وله كتاب في العروض صنّفه، ومات سنة 406، فقام مقامه ابنه إقبال الدولة.

جَبَلَةُ

جَبَلَةُ:
بالتحريك، مرتجل، اسم لعدة مواضع:
منها جبلة ويقال: شعب جبلة الموضع الذي كانت فيه الوقعة المشهورة بين بني عامر وتميم وعبس وذبيان وفزارة، وجبلة هذه: هضبة حمراء بنجد بين الشّريف والشرف والشريف: ماء لبني نمير، والشرف: ماء لبني كلاب. وجبلة: جبل طويل له شعب عظيم واسع، لا يرقى الجبل إلا من قبل الشعب، والشعب متقارب وداخله متسع، وبه عرينة بطن من بجيلة وقال أبو زياد: جبلة هضبة طولها مسيرة يوم، وعرضها مسيرة نصف يوم، وليس فيها طريق إلا طريقان، فطريق من قبل مطلع الشمس، وهو أسفل الوادي الذي يجيء من جبلة وبه ماءة لعرينة يقال لها سلعة، وعرينة: حيّ من بجيلة حلفاء في بني كلاب، وطريق آخر من قبل مغرب الشمس يسمّى الخليف، وليس إلى جبلة طريق غير هذين وقال أبو أحمد: يوم شعب جبلة وهو يوم بين بني تميم وبين بني عامر بن صعصعة، فانهزمت تميم ومن ضامّها، وهذا اليوم الذي قتل فيه لقيط بن زرارة، وهو المشهور بيوم تعطيش النوق برأي قيس بن زهير العبسي، وكان قد قتل لقيطا جعدة بن مرداس، وجعدة هو فارس خيبر وفيه يقول معقّر البارقي:
تقدّم خبيرا بأقل عضب، ... له ظبة، لما لاقى، قطوف
وزعم بعضهم أن شريح بن الأحوص قتله واستشهد بقول دختنوس بنت لقيط وجعل بنو عبس يضربونه وهو ميت:
ألا يا لها الويلات، ويلة من هوى ... بضرب بني عبس لقيطا، وقد قضى
له عفروا وجها عليه مهابة، ... ولا تحفل الصمّ الجنادل من ثوى
وما ثأره فيكم، ولكنّ ثأره ... شريح أرادته الأسنّة والقنا
وكان يوم جبلة من أعظم أيام العرب وأذكرها وأشدها، وكان قبل الإسلام بسبع وخمسين سنة، وقبل مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، بسبع عشرة سنة وقال رجل من بني عامر:
لم أر يوما مثل يوم جبله، ... لمّا أتتنا أسد وحنظله
وغطفان والملوك أزفله، ... نضربهم بقضب منتحلة
وجبلة أيضا: موضع بالحجاز قال أبو بكر في الفيصل: منها أبو القاسم سليمان بن علي الجبلي الحجازي المقيم بمكة، حدث عن ابن عبد المؤمن وغيره
قال: والحسن بن علي بن أحمد أبو علي الجبلي أظنه من جبلة الحجاز، كان بالبصرة، روى عن أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ومحمد بن عزرة والجوهري وبكر بن أحمد بن مقبل ومحمد بن يوسف العصفري ومحمد بن علي الناقد البصريين، روى عنه القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي وغيره.
وجبلة أيضا: قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية قال أحمد بن يحيى بن جابر: لما فرغ عبادة بن الصامت من اللاذقية في سنة 17 وكان قد سيّره إليها أبو عبيدة ابن الجراح، ورد فيمن معه على مدينة تعرف ببلدة على فرسخين من جبلة، ففتحها عنوة ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها، فأنشأ معاوية جبلة وكانت حصنا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص، وشحنها بالرجال، وبنى معاوية بجبلة حصنا خارجا من الحصن الــرومي القديم، وكان سكان الحصن القديم قوما من الرهبان يتعبدون فيه على دينهم، فلم تزل جبلة بأيدي المسلمين على أحسن حال حتى قوي الروم وافتتحوا ثغور المسلمين، فكان فيما أخذوا جبلة في سنة 357 بعد وفاة سيف الدولة بسنة، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 473، فإن القاضي أبا محمد عبد الله بن منصور ابن الحسين التنوخي المعروف بابن ضليعة قاضي جبلة وثب عليها واستعان بالقاضي جلال الدين بن عمّار صاحب طرابلس فتقوّى به على من بها من الروم فأخرجهم منها ونادى بشعار المسلمين، وانتقل من كان بها من الروم إلى طرابلس فأحسن ابن عمار إليهم، وصار إلى ابن ضليعة منها مال عظيم القدر، وبقيت بأيدي المسلمين ثم ملكها الفرنج في سنة 52 في الثاني والعشرين من ذي القعدة من يد فخر الملك إلى أن استردّها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 584، تسلمها بالأمان في تاسع عشر جمادى الآخرة، وهي الآن بأيدي المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
قال أبو الفضل محمد بن طاهر: من جبلة هذه أبو القاسم سليمان بن علي الجبلي المقيم بمكة، وهو من أهل جبلة الشام، حدّث عن ابن عبد المؤمن وغيره، كذا ذكره عبد الغني الحافظ، فهذا كما ترى نسبه الحازمي إلى جبلة الحجاز، ولم أر غيره ذكر بالحجاز موضعا ينسب إليه يقال له جبلة، والله أعلم، ونسبه ابن طاهر عن عبد الغني إلى جبلة الشام، وهو الصحيح إن شاء الله عز وجل ومن جبلة الشام يوسف بن بحر الجبلي، سمع سليم بن ميمون الخوّاص وغيره، روى عنه أبو المعافى أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الجبلي شيخ أبي حاتم بن حبّان وعثمان بن أيوب الجبلي، حدث عن إبراهيم بن مخلد الذهبي، روى عنه أبو الفتح الأزدي وعبد الواحد بن شعيب الجبلي، حدث عن أحمد بن المؤمل ومحمد بن الحسين الأزدي الجبلي، يروي عن محمد الأزرق وأبي إسماعيل الترمذي وعلي بن عبد العزيز البغوي ومحمد ابن المغيرة السكري الهمداني ومحمد بن عبد الرحمن ابن يحيى المصري ومحمد بن عبدة المروزي ومحمد بن عبد الله الحضرمي الكوفي المعروف بمطمئن، روى عنه القاضي أبو القاسم عليّ بن محمد بن أبي الفهم التنوخي وغيره هذا كله من الفيصل، وقال في كتاب دمشق: عبد الواحد بن شعيب الجبلي قاضيها، سمع بدمشق سليمان بن عبد الرحمن ويحيى بن يزيد الخوّاص وأبا الحباب خالد بن الحباب وأبا اليمان الحكم ابن رافع، روى عنه أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الحكيم الأصبهاني وأبو الحسن بن جوصا
الدمشقي وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسن بن مثوبة الأصبهاني وعليّ بن سرّاج الحافظ المصري، وأبو محمد عبد الوهاب بن نجدة الحوطي الجبلي، سمع الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز ومحمد ابن شعيب بن سابور، روى عنه ابنه أبو عبد الله أحمد وأبو داود السجستاني وأبو بكر بن خيثمة، ومات سنة 232 وأبو سهل يزيد بن قيس السليخ الجبلي، سمع بدمشق وغيرها والوليد بن مسلم بن شعيب ابن سابور وجماعة وافرة، روى عنه أبو داود في سننه وجماعة أخرى.
وجبلة أيضا، قال أبو زيد: جبلة حصن في آخر وادي الستارة بتهامة من ناحية ذرة، ووادي الستارة بين وادي بطن مرّ وعسفان عن يسار الذاهب إلى مكة، وطول هذا الوادي نحو من يومين، وبالقرب من هذا الوادي واد مثله يعرف بساية وقال عرّام بن الأصبغ: جبلة قرية بذرة، قالوا: هي أول قرية بنيت بتهامة، وبها حصون منكرة لا يرومها أحد، وقد وصفت في ذرة، ولعلّ الحازمي أراد جبلة هذه، والله أعلم وجبلة أيضا:
قرية لبني عامر بن عبد القيس بالبحرين.

بُلْغَارُ

بُلْغَارُ:
بالضم، والغين معجمة: مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال، شديدة البرد لا يكاد الثلج يقلع عن أرضها صيفا ولا شتاء وقلّ ما يرى أهلها أرضا ناشفة، وبناؤهم بالخشب وحده، وهو أن يركبوا عودا فوق عود ويسمّروها بأوتاد من خشب أيضا محكمة، والفواكه والخيرات بأرضهم لا تنجب، وبين إتل مدينة الخزر وبلغار على طريق المفاوز نحو شهر، ويصعد إليها في نهر إتل نحو شهرين وفي الحدور نحو عشرين يوما، ومن بلغار إلى أول حدّ الروم نحو عشر مراحل، ومنها إلى كويابة مدينة الروس عشرون يوما، ومن بلغار
إلى بشجرد خمس وعشرون مرحلة، وكان ملك بلغار وأهلها قد أسلموا في أيام المقتدر بالله وأرسلوا إلى بغداد رسولا يعرّفون المقتدر ذلك ويسألونه إنفاذ من يعلّمهم الصلوات والشرائع، لكن لم أقف على السبب في إسلامهم. وقرأت رسالة عملها أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ انفصل من بغداد إلى أن عاد إليها، قال فيها: لما وصل كتاب ألمس بن شلكى بلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر بالله يسأله فيه أن يبعث إليه من يفقّهه في الدين ويعرّفه شرائع الإسلام ويبني له مسجدا وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة في جميع بلده وأقطار مملكته ويسأله بناء حصن يتحصّن فيه من الملوك المخالفين له، فأجيب إلى ذلك، وكان السفير له نذير الحزمي، فبدأت أنا بقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أهدي إليه والأشراف من الفقهاء والمعلّمين، وكان الرسول من جهة السلطان سوسن الرّسّي مولى نذير الحزمي، قال:
فرحلنا من مدينة السلام لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة 309، ثم ذكر ما مرّ له في الطريق إلى خوارزم ثم منها إلى بلاد الصقالبة ما يطول شرحه، ثم قال:
فلما كنّا من ملك الصقالبة وهو الذي قصدنا له على مسيرة يوم وليلة وجّه لاستقبالنا الملوك الأربعة الذين تحت يديه وإخوته وأولاده، فاستقبلونا ومعهم الخبز واللحم والجاورس، وساروا معنا، فلما صرنا منه على فرسخين تلقّانا هو بنفسه فلما رآنا نزل فخرّ ساجدا شكرا لله، وكان في كمّه دراهم فنثرها علينا ونصب لنا قبابا فنزلناها، وكان وصولنا إليه يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة 310، وكانت المسافة من الجرجانية، وهي مدينة خوارزم، سبعين يوما، فأقمنا إلى يوم الأربعاء في القباب التي ضربت لنا حتى اجتمع ملوك أرضه وخواصه ليسمعوا قراءة الكتاب، فلما كان يوم الخميس نشرنا المطرّدين الذين كانوا معنا وأسرجنا الدّابّة بالسرج الموجّه إليه وألبسناه السواد وعممناه وأخرجت كتاب الخليفة فقرأته وهو قائم على قدميه ثم قرأت كتاب الوزير حامد بن العباس وهو قائم أيضا، وكان بدينا، فنثر أصحابه علينا الدّراهم، وأخرجنا الهدايا وعرضناها عليه ثم خلعنا على امرأته وكانت جالسة إلى جانبه، وهذه سنتهم ودأبهم، ثم وجّه إلينا فحضرنا قبته وعنده الملوك عن يمينه وأمرنا أن نجلس عن يساره وأولاده جلوس بين يديه وهو وحده على سرير مغشّى بالديباج الــرومي، فدعا بالمائدة فقدّمت إليه وعليها لحم مشوي، فابتدأ الملك وأخذ سكينا وقطع لقمة فأكلها وثانية وثالثة ثم قطع قطعة فدفعها إلى سوسن الرسول فلما تناولها جاءته مائدة صغيرة فجعلت بين يديه، وكذلك رسمهم لا يمدّ أحد يده إلى أكل حتى يناوله الملك فإذا تناولها جاءته مائدة ثم قطع قطعة وناولها الملك الذي عن يمينه فجاءته مائدة، ثم ناول الملك الثاني فجاءته مائدة وكذلك حتى قدّم إلى كل واحد من الذين بين يديه مائدة، وأكل كل واحد منا من مائدة لا يشاركه فيها أحد ولا يتناول من مائدة غيره شيئا، فإذا فرغ من الأكل حمل كلّ واحد منا ما بقي على مائدته إلى منزله، فلما فرغنا دعا بشراب العسل وهم يسمونه السجو فشرب وشربنا. وقد كان يخطب له قبل قدومنا: اللهم أصلح الملك بلطوار ملك بلغار، فقلت له: إن الله هو الملك ولا يجوز أن يخطب بهذا لأحد سيما على المنابر، وهذا مولاك أمير المؤمنين قد وصى لنفسه أن يقال على منابره في الشرق والغرب: اللهم أصلح عبدك وخليفتك جعفرا الإمام
المقتدر بالله أمير المؤمنين، فقال: كيف يجوز أن يقال؟ فقلت: يذكر اسمك واسم أبيك، فقال: إنّ أبي كان كافرا وأنا أيضا ما أحبّ أن يذكر اسمي إذ كان الذي سمّاني به كافرا، ولكن ما اسم مولاي أمير المؤمنين؟ فقلت: جعفر، قال: فيجوز أن أتسمّى باسمه؟ قلت: نعم، فقال: قد جعلت اسمي جعفرا واسم أبي عبد الله، وتقدم إلى الخطيب بذلك، فكان يخطب: اللهم أصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير بلغار مولى أمير المؤمنين، قال: ورأيت في بلده من العجائب ما لا أحصيها كثرة، من ذلك أن أول ليلة بتناها في بلده رأيت قبل مغيب الشمس بساعة أفق السماء وقد احمرّ احمرارا شديدا وسمعت في الجوّ أصواتا عالية وهمهمة، فرفعت رأسي فإذا غيم أحمر مثل النار قريب منّي، فإذا تلك الهمهمة والأصوات منه وإذا فيه أمثال الناس والدوابّ وإذا في أيدي الأشباح التي فيه قسيّ ورماح وسيوف، وأتبيّنها وأتخيّلها وإذا قطعة أخرى مثلها أرى فيها رجالا أيضا وسلاحا ودوابّ، فأقبلت هذه القطعة على هذه كما تحمل الكتيبة على الكتيبة، ففزعنا من هذه وأقبلنا على التضرّع والدعاء وأهل البلد يضحكون منا ويتعجبون من فعلنا، قال: وكنا ننظر إلى القطعة تحمل على القطعة فتختلطان جميعا ساعة ثم تفترقان، فما زال الأمر كذلك إلى قطعة من الليل ثم غابتا، فسألنا الملك عن ذلك فزعم أن أجداده كانوا يقولون هؤلاء من مؤمني الجنّ وكفّارهم يقتتلون كل عشية، وأنهم ما عدموا هذا منذ كانوا في كل ليلة. قال: ودخلت أنا وخيّاط كان للملك من أهل بغداد قبّتي لنتحدّث، فتحدّثنا بمقدار ما يقر الإنسان نصف ساعة ونحن ننتظر أذان العشاء، فإذا بالأذان فخرجنا من القبّة وقد طلع الفجر، فقلت للمؤذّن: أي شيء أذّنت؟ قال: الفجر، قلت: فعشاء الأخيرة؟ قال: نصلّيها مع المغرب، قلت: فالليل؟
قال: كما ترى وقد كان أقصر من هذا وقد أخذ الآن في الطول، وذكر أنه منذ شهر ما نام الليل خوفا من أن تفوته صلاة الصبح، وذلك أن الإنسان يجعل القدر على النار وقت المغرب ثم يصلّي الغداة وما آن لها أن تنضج، قال: ورأيت النهار عندهم طويلا جدّا، وإذا أنه يطول عندهم مدّة من السنة ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، فلما كانت الليلة الثانية جلست فلم أر فيها من الكواكب إلّا عددا يسيرا ظننت أنها فوق الخمسة عشر كوكبا متفرّقة، وإذا الشّفق الأحمر الذي قبل المغرب لا يغيب بتّة، وإذا الليل قليل الظلمة يعرف الرجل الرجل فيه من أكثر من غلوة سهم، قال: والقمر إنما يطلع في أرجاء السماء ساعة ثم يطلع الفجر فيغيب القمر، قال: وحدّثني الملك أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوما يقال لهم ويسو، الليل عندهم أقلّ من ساعة، قال: ورأيت البلد عند طلوع الشمس يحمر كلّ شيء فيه من الأرض والجبال، وكل شيء ينظر الإنسان إليه حين تطلع الشمس كأنها غمامة كبرى فلا تزال الحمرة كذلك حتى تتكبّد السماء. وعرّفني أهل البلد أنه إذا كان الشتاء عاد الليل في طول النهار وعاد النهار في قصر الليل، حتى إنّ الرجل منا ليخرج إلى نهر يقال له إتل بيننا وبينه أقل من مسافة فرسخ وقت الفجر فلا يبلغه إلى العتمة إلى وقت طلوع الكواكب كلّها حتى تطبق السماء، ورأيتهم يتبرّكون بعواء الكلب جدّا ويقولون: تأتي عليهم سنة خصب وبركة وسلامة.
ورأيت الحيّات عندهم كثيرة حتى إنّ الغصن من الشجر ليلتفّ عليه عشر منها وأكثر، ولا يقتلونها ولا
تؤذيهم، ولهم تفاح أخضر شديد الحموضة جدّا، تأكله الجواري فيسمّن، وليس في بلدهم اكثر من شجر البندق، ورأيت منه غياضا تكون أربعين فرسخا في مثلها، قال: ورأيت لهم شجرا لا أدري ما هو، مفرط الطول وساقه أجرد من الورق ورؤوسه كرءوس النخل، له خوص دقاق إلّا أنه مجتمع، يعمدون إلى موضع من ساق هذه الشجرة يعرفونه فيثقبونه ويجعلون تحته إناء يجري إليه من ذلك الثّقب ماء أطيب من العسل، وإن أكثر الإنسان من شربه أسكره كما تسكر الخمر، وأكثر أكلهم الجاورس ولحم الخيل على أن الحنطة والشعير كثير في بلادهم، وكل من زرع شيئا أخذه لنفسه ليس للملك فيه حق غير أنهم يؤدّون إليه من كل بيت جلد ثور، وإذا أمر سريّة على بعض البلدان بالغارة كان له معهم حصّة. وليس عندهم شيء من الأدهان غير دهن السمك، فإنهم يقيمونه مقام الزيت والشيرج، فهم كانوا لذلك زفرين، وكلّهم يلبسون القلانس، وإذا ركب الملك ركب وحده بغير غلام ولا أحد معه، فإذا اجتاز في السوق لم يبق أحد إلّا قام وأخذ قلنسوته عن رأسه وجعلها تحت إبطه، فإذا جاوزهم ردوا قلانسهم فوق رؤوسهم، وكذلك كل من يدخل على الملك من صغير وكبير حتى أولاده وإخوته ساعة يقع نظرهم عليه يأخذون قلانسهم فيجعلونها تحت آباطهم ثم يومئون إليه برؤوسهم ويجلسون ثم يقومون حتى يأمرهم بالجلوس. وكلّ من جلس بين يديه فإنما يجلس باركا ولا يخرج قلنسوته ولا يظهرها حتى يخرج من بين يديه فيلبسها عند ذلك. والصواعق في بلادهم كثيرة جدا، وإذا وقعت الصاعقة في دار أحدهم لم يقربوه ويتركونه حتى يتلفه الزمان ويقولون: هذا موضع مغضوب عليه، وإذا رأوا رجلا له حركة ومعرفة بالأشياء قالوا: هذا حقه أن يخدم ربنا، فأخذوه وجعلوا في عنقه حبلا وعلّقوه في شجرة حتى يتقطع. وإذا كانوا يسيرون في طريق وأراد أحدهم البول فبال وعليه سلاحه انتهبوه وأخذوا سلاحه وجميع ما معه، ومن حطّ عنه سلاحه وجعله ناحية لم يتعرضوا له، وهذه سنتهم، وينزل الرجال والنساء النهر فيغتسلون جميعا عراة لا يستتر بعضهم من بعض ولا يزنون بوجه ولا سبب، ومن زنى منهم كائنا من كان ضربوا له أربع سكك وشدّوا يديه ورجليه إليها وقطّعوا بالفأس من رقبته إلى فخذه، وكذلك يفعلون بالمرأة، ثم يعلّق كلّ قطعة منه ومنها على شجرة، قال: ولقد اجتهدت أن تستتر النساء من الرجال في السباحة فما استوى لي ذلك، ويقتلون السارق كما يقتلون الزاني، ولهم أخبار اقتصرنا منها على هذا.

بُرْغَر

بُرْغَر:
بالغين المعجمة المفتوحة، والراء، قال عليّ ابن الحسين المسعودي: مدينة البرغر على ساحل بحر مانطس، وهو بحر متصل بخليج القسطنطينية، وأرى أنهم في الإقليم السابع، وهم نوع من الترك والقوافل متصلة منهم الى بلاد خوارزم وأرض خراسان ومن بلاد خوارزم إليهم إلا أن ذلك بين بوادي غيرهم من الترك، قال: وملك البرغر في وقتنا هذا، وهو سنة 332، مسلم أسلم أيام المقتدر بعد العشر والثلاثمائة لرؤيا رآها، وقد كان حجّ ولد له فورد بغداد وحمل معه المقتدر لواء وسوادا ومالا، ولهم جامع، وهذا الملك يغزو بلاد القسطنطينية في نحو خمسين ألف فارس فصاعدا ويشنّ الغارات حولها إلى بلاد روميــة والأندلس وأرض برجان والجلالقة وأفرنجة، ومنه إلى القسطنطينية نحو شهرين بين عمائر وغمائر. والبرغر:
أمة عظيمة شديدة البأس ينقاد إليها من جاورها من الأمم ولا تمتنع القسطنطينية منهم إلا بأسوار، وكذلك ما جاورها من البلدان، والليل في بلادهم في غاية القصر في الصيف حتى إن أحدهم لا يفرغ من طبخه حتى يأتيه الصبح. قلت أنا: هذه الصفة جميعها صفة بلغار وما أظنهما إلا واحدا وأنهما لغتان فيه للسانين، وليس فيه ما أنكرته إلا قوله إن البرغر على ساحل بحر مانطس وما أظن بينه وبين ساحل بحر مانطس إلا مسافة بعيدة، والله أعلم.

بَاشْغِرْد

بَاشْغِرْد:
بسكون الشين، والغين معجمة، وبعضهم يقول: باشجرد، بالجيم، وبعضهم يقول: باشقرد، بالقاف: بلاد بين القسطنطينية وبلغار، وكان المقتدر بالله قد أرسل أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد ابن حمّاد مولى أمير المؤمنين ثم مولى محمد بن سليمان إلى ملك الصقالبة، وكان قد أسلم وأهل بلاده ليفيض عليهم الخلع ويعلمهم الشرائع الإسلامية فحكى جميع ما شاهد منذ خرج من بغداد إلى أن عاد، وكان انفصاله في صفر سنة 309، فقال عند ذكر الباشغرد: ووقعنا في بلاد قوم من الأتراك يقال لهم الباشقرد، فحذرناهم أشدّ الحذر، وذاك لأنهم شرّ الأتراك وأقذرهم وأشدهم إقداما على القتل، يلقى الرجل الرجل فيفرز هامته فيأخذها ويتركه، وهم يحلقون لحاهم ويأكلون القمل، يتتبع الواحد منهم دروز قرطقه فيقرص القمل بأسنانه، ولقد كان معنا رجل منهم قد أسلم، وكان يخدمنا فرأيته يوما وقد أخذ قملة من ثوبه فقصعها بظفره ثم لحسها، وقال لما رآني: جيّد، وكل واحد منهم قد نحت خشبة
على قدر الإكليل ويعلقها عليه فإذا أراد سفرا أو لقاء عدوّ قبّلها وسجد لها وقال: يا رب افعل بي كذا وكذا، فقلت للترجمان: سل بعضهم ما حجتهم في هذا ولم جعله ربّه؟ فقال: لأني خرجت من مثله فلست أعرف لنفسي موجدا غيره، ومنهم من يزعم أن له ثلاثة عشر ربّا: للشتاء رب وللصيف رب وللمطر رب وللريح رب وللشجر رب وللناس رب وللدواب رب وللماء رب ولليل رب وللنهار رب وللموت رب وللحياة رب وللأرض رب، والرب الذي في السماء هو أكبرهم إلا أنه يجتمع مع هؤلاء باتفاق ويرضى كل واحد منهم ما يعمل شريكه، جلّ ربّنا عما يقول الظالمون والجاحدون علوّا كبيرا، قال:
ورأينا طائفة منهم تعبد الحيات وطائفة تعبد السمك وطائفة تعبد الكراكي فعرفوني أنهم كانوا يحاربون قوما من أعدائهم فهزموهم، وأن الكراكي صاحت وراءهم فانهزموا بعد ما هزموا، فعبدوا الكراكي لذلك، وقالوا: هذه ربنا لأنها هزمت أعداءنا فعبدوها لذلك، هذا ما حكاه عن هؤلاء، وأما أنا فإني وجدت بمدينة حلب طائفة كثيرة يقال لهم الباشغردية، شقر الشعور والوجوه جدا يتفقهون على مذهب أبي حنيفة، رضي الله عنه، فسألت رجلا منهم استعقلته عن بلادهم وحالهم، فقال: أما بلادنا فمن وراء القسطنطينية في مملكة أمة من الأفرنج يقال لهم الهنكر، ونحن مسلمون رعية لملكهم في طرف بلاده نحو ثلاثين قرية، كل واحدة تكاد أن تكون بليدة، إلا أن ملك الهنكر لا يمكّننا أن نعمل على شيء منها سورا خوفا من أن نعصى عليه، ونحن في وسط بلاد النصرانية، فشماليّنا بلاد الصقالبة وقبليّنا بلاد البابا يعني روميــة، والبابا رئيس الأفرنج، هو عندهم نائب المسيح، كما هو أمير المؤمنين عند المسلمين، ينفذ أمره في جميع ما يتعلق بالدين في جميعهم، قال: وفي غربيّنا الأندلس وفي شرقينا بلاد الروم قسطنطينية وأعمالها، قال: ولساننا لسان الأفرنج وزيّنا زيهم ونخدم معهم في الجندية ونغزو معهم كل طائفة لأنهم لا يقاتلون إلا مخالفي الإسلام، فسألته عن سبب إسلامهم مع كونهم في وسط بلاد الكفر؟ فقال: سمعت جماعة من أسلافنا يتحدّثون أنه قدم إلى بلادنا منذ دهر طويل سبعة نفر من المسلمين من بلاد بلغار، وسكنوا بيننا وتلطّفوا في تعريفنا ما نحن عليه من الضلال، وأرشدونا إلى الصواب من دين الإسلام، فهدانا الله، والحمد لله، فأسلمنا جميعا وشرح الله صدورنا للإيمان، ونحن نقدم إلى هذه البلاد ونتفقّه، فإذا رجعنا إلى بلادنا أكرمنا أهلها وولونا أمور دينهم، فسألته: لم تحلقون لحاكم كما تفعل الأفرنج؟ فقال: يحلقها منا المتجندون ويلبسون لبسة السلاح مثل الأفرنج، أما غيرهم فلا، قلت: فكم مسافة ما بيننا وبين بلادكم؟ فقال: من هاهنا إلى القسطنطينية نحو شهرين ونصف ومن القسطنطينية إلى بلادنا نحو ذلك، وأما الإصطخري فقد ذكر في كتابه: من باشجرد إلى بلغار خمس وعشرون مرحلة، ومن باشجرد إلى البجناك، وهم صنف من الأتراك، عشرة أيام.

رُوحِين

رُوحِين:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، وكسر الحاء المهملة، وياء مثناة من تحت، وآخره نون: قرية من جبل لبنان قريبة من حلب وفي لحف الجبل مشهد مليح يزار، يقال إن فيه قسّ بن ساعدة الإيادي، وهو مشهد مقصود للزيارة وينذرون له نذورا وعليه وقف، وقيل في روحين قبر شمعون الصفا وليس بثبت، فإن قبر شمعون اتفقوا على أنّه في روميــة الكبرى في كنيستها العظمى في تابوت من فضة معلق بسلاسل في سقف الهيكل، قال البحتري:
قل للأرند إذا أتى روحين لا ... تقر السّلام على أبي ملبوس
دار بها جهل السّماح فأنكر ال ... معروف بين شمامس وقسوس
آذانهم وقر عن الدّاعي إلى ال ... هيجاء مصغية إلى النّاقوس

البَابَةُ

البَابَةُ:
مثل الذي قبله، قال الأزهري: البابة ثغر من ثغور الروم، وما أظنّه أراد إلا البابة الذي هو عند النصارى بمنزلة الخليفة الإمام، يجب عليهم طاعته، ومقامه بمدينة روميــة، وحكمه سار في جميع بلاد الفرنج ومن يقاربهم.

الأَنْدُلُس

الأَنْدُلُس:
يقال بضم الدال وفتحها، وضم الدال ليس إلّا: وهي كلمة عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام، وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام، وقد استعمل حذفهما في شعر ينسب الى بعض العرب، فقال عند ذلك:
سألت القوم عن أنس؟ فقالوا: ... بأندلس، وأندلس بعيد
وأندلس بناء مستنكر فتحت الدال أو ضمّت، وإذا حملت على قياس التصريف وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها فعلُلُل أو فعلَلُل، وهما بناءان مستنكران ليس في كلامهم مثل سفرجل ولا مثل سفرجل، فإن ادّعى مدّع انها فنعلل فليس في أبنيتهم أيضا ويخرج عن حكم التصريف لأن الهمزة إذا كانت بعدها ثلاثة أحرف من الأصل لم تكن إلا زائدة، وعند سيبويه أنها إذا كان بعدها أربعة أحرف فهي من الأصل كهمزة إصطبل وإصطخر، ولو كانت عربية لجاز أن يدّعى لها أنها أنفعل، وإن لم يكن له نظير في كلامهم فيكون من الدّلس والتدليس، وإن الهمزة والنون زائدتان، كما زيدتا في إنقحل وهو الشيخ المسنّ، ذكره سيبويه وزعم أن الهمزة والنون فيه زائدتان، وأنه لا يعرف ما في أوله زائدتان مما ليس جاريا على الفعل غيره، قال ابن حوقل التاجر الموصلي، وكان قد طوّف البلاد وكتب ما شاهده: أما الأندلس فجزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر في نيف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر والرخص والسعة في الأحوال، وعرض فم الخليج الخارج من البحر المحيط قدر اثني عشر ميلا بحيث يرى أهل الجانبين بعضهم بعضا ويتبينون زروعهم وبيادرهم، قال: وأرض الأندلس من على البحر تواجه من أرض المغرب تونس، والى طبرقة الى جزائر بني مزغنّاي ثم إلى نكور ثم إلى سبتة ثم إلى أزيلي ثم إلى البحر المحيط، وتتصل الأندلس في البر الأصغر من جهة جلّيقية وهي جهة الشمال ويحيط بها الخليج المذكور من بعض مغربها وجنوبها، والبحر المحيط من بعض شمالها وشرقها من حدّ الجلالقة إلى كورة شنترين ثم إلى أشبونة ثم إلى جبل الغور ثم إلى ما لديه من المدن إلى جزيرة جبل طارق المحاذي لسبتة ثم الى مالقة ثم إلى المرية فرضة بجاية ثم إلى بلاد مرسية ثم إلى طرطوشة ثم تتصل ببلاد الكفر مما يلي البحر الشرقي في ناحية أفرنجة، ومما يلي المغرب ببلاد علجسكس، وهم جيل من الأنكبردة، ثم إلى بلاد بسكونس وروميــة الكبرى في وسطها ثم ببلاد الجلالقة حتى تنتهي إلى البحر المحيط، ووصفها بعض الأندلسيّين بأتمّ من هذا وأحسن، وأنا أذكر كلامه على وجهه، قال: هي جزيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلّث قد أحاط بها البحران، المحيط والمتوسط، وهو خليج خارج من البحر المحيط قرب سلا من برّ البربر، فالركن الأول هو في هذا الموضع الذي فيه صنم قادس، وعنده مخرج البحر المتوسط الذي يمتدّ إلى الشام وذلك من قبلي الأندلس، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة أربونة ومدينة برديل، وهي اليوم بأيدي الأفرنج بإزاء جزيرتي ميورقة ومنورقة المجاورة من البحرين المحيط والمتوسط، ومدينة أربونة تقابل البحر المتوسط، ومدينة برديل تقابل البحر المحيط، والركن الثالث هو ما بين الجوف والغرب من حيّز جلّيقية حيث الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو البلد الطالع على برباط، فالضّلع الأول منها أوله حيث مخرج البحر المتوسط الشامي من البحر المحيط، وهو أول الزّقاق في موضع يعرف بجزيرة طريف من برّ الأندلس يقابل قصر مصمودة بإزاء سلا في الغرب الأقصى من البرّ المتصل بإفريقية وديار مصر، وعرض الزّقاق ههنا اثنا عشر ميلا ثم تمرّ في القبلة إلى الجزيرة الخضراء من برّ الأندلس المقابلة لمدينة سبتة، وعرض الزقاق ههنا ثمانية عشر ميلا وطوله في هذه المسافة التي ما بين جزيرة طريف وقصر مصمودة إلى المسافة التي ما بين الجزيرة الخضراء وسبتة نحو العشرين ميلا، ومن ههنا يتسع البحر الشامي إلى جهة المشرق ثم يمرّ من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة إلى حصن المنكب إلى مدينة المريّة إلى قرطاجنّة الخلفاء حتى تنتهي إلى جبل قاعون الموفي على مدينة دانية ثم ينعطف من دانية إلى شرقي الأندلس إلى حصن قليرة إلى بلنسية، ويمتدّ كذلك شرقا إلى طركونة إلى برشلونة إلى أربونة إلى البحر الــرومي، وهو الشامي وهو المتوسط، والضلع الثاني مبدؤه كما تقدم من جزيرة طريف آخذا إلى الغرب في الحوز المتّسع الداخل في البحر المحيط فيمرّ من جزيرة طريف إلى طرف الأغرّ إلى جزيرة قادس، وههنا أحد أركانها، ثم يمرّ من قادس إلى برّ المائدة حيث يقع نهر إشبيلية في البحر ثم إلى جزيرة شلطيش إلى وادي يانه إلى طبيرة ثم إلى شنترة إلى شلب، وهنا عطف إلى أشبونة وشنترين، وترجع إلى طرف العرف مقابل شلب، وقد يقطع البحر من شلب إلى طرف العرف مسيرة خمسين ميلا، وتكون أشبونة وشنترة وشنترين على اليمين من حوز وطرف العرف، وهو جبل منيف داخل في البحر نحو أربعين ميلا وعليه كنيسة الغراب المشهورة، ثم يدور من طرف العرف مع البحر المحيط فيمرّ على حوز الريحانة وحوز المدرة وسائر تلك البلاد مائلا إلى الجوف، وفي هذا الحيز هو الركن الثاني، والضلع الثالث ينعطف في هذه الجهات من الجنوب إلى الشرق فيمرّ على بلاد جليقية وغيرها حتى ينتهي إلى مدينة برديل على البحر المحيط المقابلة لأربونة على البحر المتوسط، وهنا هو الركن الثالث، وبين أربونة وبرديل الجبل الذي فيه هيكل الزّهرة الحاجز بين الأندلس وبين بلاد أفرنجة العظمى، ومسافته من البحر نحو يومين للقاصد، ولولا هذا الجبل لالتقى البحران ولكانت الأندلس جزيرة منقطعة عن البرّ فاعرف ذلك، فإنّ بعض من لا علم له يعتقد أن الأندلس يحيط بها البحر في جميع أقطارها لكونها تسمّى جزيرة، وليس الأمر كذلك وإنما سميت جزيرة بالغلبة كما سميت جزيرة العرب وجزيرة أقور وغير ذلك، وتكون مسيرة دورها أكثر من ثلاثة أشهر ليس فيه ما يتصل بالبر إلا مقدار يومين كما ذكرنا، وفي هذا الجبل المدخل المعروف بالأبواب الذي يدخل منه من بلاد الأفرنج إلى الأندلس وكان لا يرام، ولا يمكن أحدا أن يدخل منه لصعوبة مسلكه، فذكر بطليموس أن قلوبطرة، وهي امرأة كانت آخر ملوك اليونان، أول من فتح هذه الطريق وسهّلها بالحديد والخلّ، قلت: ولولا خوف الإضجار والإملال لبسطت القول في هذه الجزيرة، فوصفها كثير وفضائلها جمّة وفي أهلها أئمة وعلماء وزهّاد، ولهم خصائص كثيرة ومحاسن لا تحصى وإتقان لجميع ما يصنعونه مع غلبة سوء الخلق على أهلها وصعوبة الانقياد، وفيها مدن كثيرة وقرى كبار، يجيء ذكرها في أماكنها من هذا الكتاب، حسب ما يقتضيه الترتيب، إن شاء الله تعالى، وبه العون والعصمة.

والأَنْدُلُس أَيضاً:
محلّة كبيرة كانت بالفسطاط في خطّة المعافر، وقال محمد بن أسعد الجوّاني، رحمه الله، في كتاب النّقط من تصنيفه: ومسجد الأندلس هو مصلّى المعافر على الجنائز، وهو ما بين النّقعة والرباط، وكان دكّة وعليه محاريب، وقد ذكره القضاعي في كتابه، قال: وبنته مكنون علم الآمرية أمّ بنيه ستّ القصور مسجدا في سنة 526 على يد المعروف بابن أبي تراب الصّوّاف وكيلها، والرباط إلى جانب الأندلس في غربيه، بنته مكنون أيضا سنة 526 رباطا للعجائز المنقطعات الصالحات والأرامل العابدات، وأجرت لهن رزقا، وفي سنة 594 بنى الحاجب لؤلؤ العادليّ، رحمه الله تعالى، في رحبة الأندلس بستانا وحوضا ومقعدا، وجمع بين مصلّى الأندلس والرباط بحائط بينهما جعل موضعه دار بقر للساقية التي تستقي الماء الذي يجري إلى البستان.

أَفْرَنْجَةُ

أَفْرَنْجَةُ:
أمّة عظيمة لها بلاد واسعة وممالك كثيرة، وهم نصارى، ينسبون إلى جدّ لهم واسمه أفرنجش، وهم يقولون فرنك، وهي مجاورة لــروميــة، والروم وهم في شمالي الأندلس نحو الشرق إلى روميــة، ودار ملكهم نو كبردة، وهي مدينة عظيمة، ولهم نحو مائة وخمسين مدينة، وقد كان قبل ظهور الإسلام أول بلادهم من جهة المسلمين جزيرة رودس، قبالة الإسكندرية في وسط بحر الشام.

إِرْمِينِيَةُ

إِرْمِينِيَةُ:
بكسر أوله ويفتح، وسكون ثانيه، وكسر الميم، وياء ساكنة، وكسر النون، وياء
خفيفة مفتوحة: اسم لصقع عظيم واسع في جهة الشمال، والنسبة إليها أرمنيّ على غير قياس، بفتح الهمزة وكسر الميم، وينشد بعضهم:
ولو شهدت أمّ القديد طعاننا، ... بمرعش، خيل الأرمنيّ أرنّت
وحكى إسماعيل بن حمّاد فتحهما معا، قال أبو عليّ:
أرمينية إذا أجرينا عليها حكم العربي كان القياس في همزتها أن تكون زائدة، وحكمها أن تكسر لتكون مثل إجفيل وإخريط وإطريح ونحو ذلك، ثم ألحقت ياء النسبة، ثم ألحق بعدها تاء التأنيث، وكان القياس في النسبة إليها أرمينيّ، إلا أنها لما وافق ما بعد الراء منها ما بعد الحاء في حنيفة حذفت الياء كما حذفت من حنيفة في النسب وأجريت ياء النسبة مجرى تاء التأنيث في حنيفة كما أجرينا مجراها في روميّ وروم، وسنديّ وسند، أو يكون مثل بدويّ ونحوه مما غيّر في النسب، قال أهل السّير:
سمّيت أرمينية بأرمينا بن لنطا بن أومر بن يافث ابن نوح، عليه السلام، وكان أول من نزلها وسكنها، وقيل: هما أرمينيتان الكبرى والصّغرى، وحدّهما من برذعة إلى باب الأبواب، ومن الجهة الأخرى إلى بلاد الروم وجبل القبق وصاحب السرير، وقيل: إرمينية الكبرى خلاط ونواحيها وإرمينية الصغرى تفليس ونواحيها، وقيل: هي ثلاث أرمينيات، وقيل:
أربع، فالأولى: بيلقان وقبلة وشروان وما انضمّ إليها عدّ منها، والثانية: جرزان وصغدبيل وباب فيروز قباذ واللّكز، والثالثة: البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند والنّشوى، والرابعة وبها قبر صفوان بن المعطّل صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قرب حصن زياد عليه شجرة نابتة لا يعرف أحد من الناس ما هي، ولها حمل يشبه اللوز يؤكل بقشره وهو طيّب جدّا، فمن الرابعة: شمشاط وقاليقلا وأرجيش وباجنيس، وكانت كور أرّان والسيسجان ودبيل والنّشوى وسراج طير وبغروند وخلاط وباجنيس في مملكة الروم، فافتتحها الفرس وضمّوها إلى ملك شروان التي فيها صخرة موسى، عليه السلام، التي بقرب عين الحيوان، ووجدت في كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: طول أرمينية العظمى ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، داخلة في الإقليم الخامس، طالعها تسع عشرة درجة من السرطان، يقابلها خمس عشرة درجة من الجدي، ووسط سمائها خمس عشرة درجة من الحمل، بيت حياتها خمس عشرة درجة من الميزان، قال: ومدينة أرمينية الصغرى طولها خمس وسبعون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وأربعون درجة، طالعها عشرون درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان، ولها شركة في العوّاء وفي الدّبّ الأكبر ولها شركة في كوكب هوز، وهو كوكب الحكماء، وما يولد مولود قط وكان طالعه كوكب هوز الا وكان حكيما، وبه ولد بطليموس وبقراط وأوقليدس، وهذه المدينة مقابلة لمدينة الحكماء، يدور عليها من كل بنات نعش أربعة أجزاء، وهي صحيحة الهواء، وكل من سكنها طال عمره، بإذن الله تعالى، هذا كله من كتاب الملحمة. وفي كتب الفرس: أن جرزان وأرّان كانتا في أيدي الخزر، وسائر ارمينية في ايدي الروم يتولّاها صاحبها أرميناقس وسمّته العرب أرميناق، فكانت الخزر تخرج فتغير، فربما بلغت الدينور، فوجّه قباذ بن فيروز الملك قائدا من عظماء
قواده في اثني عشر ألفا، فوطئ بلاد أرّان ففتح ما بين النهر الذي يعرف بالرّسّ إلى شروان، ثم ان قباذ لحق به فبنى بأرّان مدينة البيلقان، ومدينة برذعة، وهي مدينة الثغر كله، ومدينة قبلة، ونفى الخزر ثم بنى سدّ اللبن في ما بين شروان واللّان، وبنى على سدّ اللبن ثلاثمائة وستين مدينة، خربت بعد بناء باب الأبواب. ثم ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان فبنى مدينة الشابران ومدينة مسقط ثم بنى باب الأبواب، وإنما سمّيت أبوابا لأنها بنيت على طرق في الجبل، وأسكن ما بنى من هذه المواضع قوما سمّاهم السياسجين، وبنى بأرض أرّان أبواب شكّى والقميران وأبواب الدّودانية، وهم أمة يزعمون أنهم من بني دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن معدّ بن عدنان، وبنى الدّرزوقية، وهي اثنا عشر بابا، على كل باب منها قصر من حجارة، وبنى بأرض جرزان مدينة يقال لها صغدبيل، وأنزلها قوما من الصّغد وأبناء فارس وجعلها مسلحة، وبنى مما يلي الروم في بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروز قباذ، وقصرا يقال له باب لازقة، وقصرا يقال له باب بارقة، وهو على بحر طرابزندة، وبنى باب اللان وباب سمسخى، وبنى قلعة الجردمان وقلعة سمشلدى، وفتح جميع ما كان بأيدي الروم من أرمينية، وعمّر مدينة دبيل ومدينة النّشوى وهي نقجوان، وهي مدينة كورة البسفرجان، وبنى حصن ويص وقلاعا بأرض السيسجان، منها: قلعة الكلاب والشاهبوش وأسكن هذه القلاع والحصون ذوي البأس والنجدة، ولم تزل أرمينية بأيدي الروم حتى جاء الإسلام، وقد ذكر في فتوح أرمينية في مواضعه من كل بلد، وذكر ابن واضح الأصبهاني أنه كتب لعدة من ملوكها وأطال. المقام بأرمينية ولم ير بلدا أوسع منه ولا أكثر عمارة، وذكر أن عدة ممالكها مائة وثماني عشرة مملكة، منها: صاحب السرير ومملكته من اللان وباب الأبواب وليس إليها إلا مسلكين، مسلك إلى بلاد الخزر ومسلك إلى أرمينية، وهي ثمانية عشر ألف قرية، وأرّان أول مملكته بأرمينية، فيها أربعة آلاف قرية وأكثرها لصاحب السرير، وسائر الممالك فيما بين ذلك تزيد على أربعة آلاف وتنقص عن مملكة صاحب السرير، ومنها: شروان وملكها يقال له شروان شاه. وسئل بعض علماء الفرس عن الأحرار الذين بأرمينية لم سمّوا بذلك؟ فقال:
هم الذين كانوا نبلاء بأرض أرمينية قبل أن تملكها الفرس، ثم إن الفرس أعتقوهم لما ملكوا وأقروهم على ولايتهم، وهم بخلاف الأحرار من الفرس الذين كانوا باليمن وبفارس فإنهم لم يملكوا قط قبل الإسلام فسمّوا أحرارا لشرفهم، وقد نسب بهذه النسبة قوم من أهل العلم، منهم: أبو عبد الله عيسى بن مالك بن شمر الأرمني، سافر إلى مصر والمغرب.

آمِدُ

آمِدُ:
بكسر الميم: وما أظنّها إلا لفظة روميــة، ولها في العربية أصل حسن لأن الأمد الغاية، ويقال: أمد الرجل يأمد أمدا، إذا غضب فهو آمد، نحو أخذ يأخذ فهو آخذ، والجامع بينهما أن حصانتها مع نضارتها تغضب من أرادها، وتذكيرها يشار به إلى البلد أو المكان، ولو قصد بها البلدة أو المدينة لقيل آمدة، كما يقال آخذة، والله أعلم. وهي أعظم مدن ديار بكر وأجلّها قدرا وأشهرها ذكرا. قال المنجمون: مدينة آمد في الإقليم الخامس، طولها خمس وسبعون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة، وطالعها البطين وبيت حياتها عشرون درجة من القوس تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، عاشرها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، وقيل إن طالعها الدّلو وزحل والمتولّي القمر.
وهو بلد قديم حصين ركين مبنيّ بالحجارة السّود على نشز دجلة محيطة بأكثره مستديرة به كالهلال، وفي وسطه عيون وآبار قريبة نحو الذراعين، يتناول ماؤها باليد، وفيها بساتين ونهر يحيط بها السور.
وذكر ابن الفقيه أن في بعض شعاب بلد آمد جبلا فيه صدع، وفي ذلك الصدع سيف، من أدخل يده في ذلك الصدع وقبض على قائم السيف بكلتا يديه، اضطرب السيف في يده، وأرعد هو لو كان من أشدّ الناس، وهذا السيف يجذب الحديد أكثر من جذب المغناطيس، وكذا إذا حكّ به سيف أو سكّين، جذبا الحديد، والحجارة التي في ذلك الصدع لا تجذب الحديد، ولو بقي السيف الذي يحكّ به مائة سنة، ما نقصت القوّة التي فيه من الجذب.
وفتحت آمد في سنة عشرين من الهجرة، وسار إليها عياض بن غنم بعد ما افتتح الجزيرة فنزل عليها وقاتله أهلها، ثم صالحوه عليها على أن لهم هيكلهم وما حوله
وعلى أن لا يحدثوا كنيسة، وأن يعاونوا المسلمين، ويرشدوهم، ويصلحوا الجسور، فإن تركوا شيئا من ذلك فلا ذمّة لهم. وكانت طوائف من العرب في الجاهلية، قد نزلت الجزيرة، وكانت منهم جماعة من قضاعة، ثم من بني تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. قال عمرو بن مالك الزهري:
ألا لله ليل لم ننمه ... على ذات الخضاب مجنّبينا
وليلتنا بآمد لم ننمها، ... كليلتنا بميّافارقينا
وينسب إلى آمد خلق من أهل العلم في كل فنّ، منهم أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الأديب، كان بالبصرة يكتب بين يدي القضاة بها، وله تصانيف في الأدب مشهورة، منها كتاب المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، وكتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري، وغير ذلك، ومات في سنة 370، وينسب إليها من المتأخرين أبو المكارم محمد بن الحسين الآمدي، شاعر بغدادي مكثر مجيد مدح جمال الدين الأصبهاني وزير الموصل، ومن شعره:
ورثّ قميص الليل، حتى كأنه ... سليب بأنفاس الصّبا متوشّح
ورفّع منه الذّيل صبح كأنه، ... وقد لاح، مسح أسود اللون أجلح
ولاحت بطيّات النجوم كأنها، ... على كبد الخضراء، نور مفتّح
ومات أبو المكارم هذا سنة 552 وقد جاوز ثمانين سنة عمرا. وهي في أيامنا هذه مملكة الملك مسعود بن محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن أرتق بن أكسب.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.