Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: دنان

دَيرُ الحرِيقِ

دَيرُ الحرِيقِ:
سمي بذلك لأنه أحرق في موضعه قوم ثم دفن فيه قوم من أهل من احرق هناك وعمل ذرى، وهو بالحيرة قديم، ووجدته بخط ابن حمدون بالخاء المعجمة في الشعر والترجمة، فيه يقول الثرواني:
دير الحريق، فبيعة المزعوق، ... بين الغدير، فقبّة السنّيق
أشهى إليّ من الصّراة ودورها، ... عند الصباح، ومن رحى البطريق
فاغدوا نباكر من ذخائر عتبة ال ... خمّار من صافي الــدّنان رحيق
يا صاح واجتنب الملام، أما ترى ... سمجا ملامك لي، وأنت صديقي؟

الأَخابِثُ

الأَخابِثُ:
كأنه جمع أخبث، آخره ثاء مثلثة: كانت بنو عكّ بن عــدنان قد ارتدّت بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، بالأعلاب من أرضهم، بين الطائف
والساحل، فخرج إليهم بأمر أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، الطاهر بن أبي هالة، فواقعهم بالأعلاب، فقتلهم شرّ قتلة. وكتب أبو بكر، رضي الله عنه، إلى الطاهر بن أبي هالة قبل أن يأتيه بالفتح: بلغني كتابك تخبرني فيه مسيرك واستنفارك مسروقا وقومه إلى الأخابث بالأعلاب، فقد أصبت، فعاجلوا هذا الضرب، ولا ترفّهوا عنهم، وأقيموا بالأعلاب حتى تأمن طريق الأخابث، ويأتيكم أمري. فسميت تلك الجموع من عكّ ومن تأشّب إليهم، الأخابث، إلى اليوم، وسميت تلك الطريق إلى اليوم، طريق الأخابث، وقال الطاهر بن أبي هالة:
فو الله لولا الله، لا شيء غيره، ... لما فضّ بالأجراع جمع العثاعث
فلم تر عيني مثل جمع رأيته، ... بجنب مجاز، في جموع الأخابث
قتلناهم ما بين قنّة خامر، ... إلى القيعة البيضاء ذات النبائث
وفينا بأموال الأخابث عنوة، ... جهارا، ولم نحفل بتلك الهثاهث

الأُرْدُنُّ

الأُرْدُنُّ:
بالضم ثم السكون، وضم الدال المهملة، وتشديد النون، قال أبو علي: وحكم الهمزة إذا لحقت بنات الثلاثة من العربي أن تكون زائدة حتى تقوم دلالة تخرجها عن ذلك، وكذلك الهمزة في أسكفّة والأسربّ، والأردن: اسم البلد وإن كنّ معرّبات، قال أبو دهلب أحد بني ربيعة ابن قريع بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم:
حنّت قلوصي أمس بالأردنّ، ... حنّي فما ظلمت ان تحنّي،
حنّت بأعلى صوتها المرنّ، ... في خرعب أجشّ مستجنّ،
فيه كتهزيم نواحي الشّنّ
قال أبو علي: وإن شئت جعلت الأردنّ مثل الأبلم، وجعلت التثقيل فيه من باب سبسبّ، حتى إنك تجري الوصل مجرى الوقف، ويقوّي هذا انه يكثر مجيئه في القافية غير مشدّد، نحو قول عدي بن الرقاع العاملي:
لولا الإله وأهل الأردن اقتسمت ... نار الجماعة، يوم المرج، نيرانا
قالوا: والأردنّ في لغة العرب النّعاس، قال أبّاق الزبيري:
وقد علتني نعسة الأردنّ، ... وموهب مبر بها، مصنّ
هكذا يقول اللغويون: إن الأردن النعاس، ويستشهدون بهذا الرجز، والظاهر ان الأردن الشدّة والغلبة فإنه لا معنى لقوله وقد علتني نعسة الأردن، قال ابن السكّيت: ولم يسمع منه فعل، قال: ومنه سمي الأردن اسم كورة، وأهل السير يقولون: إن الأردن وفلسطين ابنا سام بن ارم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهي أحد أجناد الشام الخمسة، وهي كورة واسعة منها الغور وطبرية وصور وعكّا وما بين ذلك، قال احمد بن الطيّب السرخسي الفيلسوف:
هما أردنّان، أردنّ الكبير وأردن الصغير، فأما الكبير فهو نهر يصب إلى بحيرة طبرية، بينه وبين طبرية، لمن عبر البحيرة في زورق، اثنا عشر ميلا، تجتمع فيه المياه من جبال وعيون فتجري في هذا النهر، فتسقي اكثر ضياع جند الأردن مما يلي ساحل الشام وطريق صور، ثم تنصب تلك المياه إلى البحيرة التي عند طبرية، وطبرية على طرف جبل يشرف على هذه البحيرة، فهذا النهر أعني الأردن الكبير، بينه وبين طبرية البحيرة، وأما الأردن الصغير فهو نهر يأخذ من بحيرة طبرية ويمر نحو الجنوب في وسط الغور، فيسقي ضياع الغور، وأكثر مستغلّتهم السكر، ومنها يحمل إلى سائر بلاد الشرق، وعليه قرى كثيرة، منها: بيسان وقراوا وأريحا والعوجاء، وغير ذلك، وعلى هذا النهر قرب طبرية قنطرة عظيمة ذات طاقات كثيرة تزيد على العشرين، ويجتمع هذا النهر ونهر اليرموك فيصيران نهرا واحدا، فيسقى ضياع الغور وضياع
البثنية، ثم يمرّ حتى يصبّ في البحيرة المنتنة في طرف الغور الغربي. وللأردن عدة كور، منها: كورة طبرية وكورة بيسان وكورة بيت رأس وكورة جدر وكورة صفّورية وكورة صور وكورة عكا وغير ذلك مما ذكر في مواضعه. وللأردن ذكر كثير في كتب الفتوح، ونذكر ههنا ما لا بدّ منه، قالوا: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردنّ عنوة ما خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم، وكان فتحه طبرية بعد أن حاصر أهلها أياما، فآمنهم على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم الا ما جلوا عنه وخلّوه، واستثنى لمسجد المسلمين موضعا، ثم إنهم نقضوا في خلافة عمر، رضي الله عنه، أيضا واجتمع إليهم قوم من سواد الروم وغيرهم، فسيّر إليهم أبو عبيدة عمرو بن العاص في أربعة آلاف ففتحها على مثل صلح شرحبيل، وكذلك جميع مدن الأردن وحصونها على هذا الصلح فتحا يسيرا بغير قتال، ففتح بيسان وأفيق وجرش وبيت رأس وقدس والجولان وعكا وصور وصفورية، وغلب على سواد الأردن وجميع أرضها، إلا أنه لما انتهى إلى سواحل الروم، كثرت الروم فكتب إلى أبي عبيدة يستمده، فوجه اليه أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان، وعلى مقدمته معاوية أخوه، ففتح يزيد وعمرو سواحل الروم، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، رضي الله عنه، بفتحها لهما، وكان لمعاوية في ذلك بلاء حسن وأثر جميل، ولم تزل الصناعة من الأردن بعكا الى أن نقلها هشام بن عبد الملك إلى صور، وبقيت على ذلك إلى صدر مديد من أيام بني العباس، حتى اختلف باختلاف المتغلبين على الثغور الشامية، وقال المتنبي يمدح بدر بن عمّار، وكان قد ولي ثغور الأردن والساحل من قبل أبي بكر محمد بن رائق: تهنّا بصور، أم نهنئها بكا،
وقلّ الذي صور، وأنت له لكا ... وما صغر الأردنّ والساحل الذي
حبيت به، إلا إلى جنب قدركا ... تحاسدت البلدان، حتى لو انها
نفوس، لسار الشرق والغرب نحوكا ... وأصبح مصر، لا تكون أميره،
ولو انه ذو مقلة وفم، بكى
وحدث اليزيدي قال: خرجنا مع المأمون في خرجته إلى بلاد الروم، فرأيت جارية عربية في هودج، فلما رأتني قالت: يا يزيدي أنشدني شعرا قلته حتى أصنع فيه لحنا، فأنشدت:
ماذا بقلبي من دوام الخفق، ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردن أو دمشق، ... لأن من أهوى بذاك الأفق،
ذاك الذي يملك مني رقّي، ... ولست أبغي ما حييت عتقي
قال: فتنفّست تنفسا ظننت أن ضلوعها قد تقصفت منه، فقلت: هذا والله تنفّس عاشق، فقالت: اسكت ويلك أنا أعشق؟ والله لقد نظرت نظرة مريبة، فادّعاها من أهل المجلس عشرون رئيسا ظريفا، وقد نسبت العرب إلى الأردن حسان بن مالك بن بحدل ابن أنيف بن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة بن جناب بن هبل الكلبي، لأنه كان واليا عليها وعلى فلسطين، وبه مهّد لمروان بن الحكم امره وهزم الزبيرية، وقتل الضحاك بن قيس الفهري
في يوم مرج راهط، وكانت ابنته ميسون بنت حسان أمّ يزيد بن معاوية وإياه عنى عدي بن الرقاع بقوله:
لولا الإله وأهل الأردن اقتسمت ... نار الجماعة، يوم المرج، نيرانا
وإياه عنى كثيّر بقوله:
إذا قيل: خيل الله يوما ألا اركبي، ... رضيت، بكفّ الأردنيّ، انسحالها
ونسب إلى الأردن جماعة من العلماء وافرة، منهم:
الوليد بن مسلمة الأردني، حدّث عن يزيد بن حسان ومسلمة بن عدي، حدث عنه العباس بن الفضل الدمشقي، ومحمد بن هرون الرازي، وعبد الله بن نعيم الأردني، روى عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، روى عنه يحيى بن عبد العزيز الأردني، وابو سلمة الحكم بن عبد الله بن خطّاف الأردني، والعباس بن محمد الأردني المرادي، روى عن مالك ابن أنس وخليد بن دعلج ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وعبادة بن نسيّ الأردني، ومحمد بن سعيد المصلوب الأردني مشهور وله عدّة ألقاب يدلّس بها، وعلي بن إسحاق الأردني حدث عن محمد بن يزيد المستملي، حدث أبو عبد الله بن مندة في ترجمة خشب من معرفة الصحابة عن محمد بن يعقوب المقري عنه، ونعيم بن سلامة السبّائي، وقيل الشيباني، وقيل الغساني، وقيل الحميري مولاهم الأردني، سمع ابن عمر وسأله وروى عن رجل من الصحابة من بني سليم، وكان على خاتم سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، وروى عنه ابو عبيد صاحب سليمان بن عبد الملك، ورجاء بن حياة، والأوزاعي، وعطاء الخراساني، ومحمد بن يحيى بن حبّان، وعتبة بن حكيم ابو العباس الهمداني الأردني، ثم الطبراني سمع مكحولا، وسليمان بن موسى، وعطاء الخراساني، وعباس بن نسي، وقتادة بن دعامة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابنه عيسى بن عبد الرحمن، وابن جريج وغيرهم، روى عنه يحيى بن حمزة الدمشقي، ومسلمة بن علي، ومحمد بن شعيب بن شابور، وإسماعيل بن عباس، وبقية بن الوليد، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله ابن لهيعة وغيرهم، وقال ابن معين: هو ثقة، وكذلك أبو زرعة الدمشقي. ومات بصور سنة 147.

إِرْمِينِيَةُ

إِرْمِينِيَةُ:
بكسر أوله ويفتح، وسكون ثانيه، وكسر الميم، وياء ساكنة، وكسر النون، وياء
خفيفة مفتوحة: اسم لصقع عظيم واسع في جهة الشمال، والنسبة إليها أرمنيّ على غير قياس، بفتح الهمزة وكسر الميم، وينشد بعضهم:
ولو شهدت أمّ القديد طعاننا، ... بمرعش، خيل الأرمنيّ أرنّت
وحكى إسماعيل بن حمّاد فتحهما معا، قال أبو عليّ:
أرمينية إذا أجرينا عليها حكم العربي كان القياس في همزتها أن تكون زائدة، وحكمها أن تكسر لتكون مثل إجفيل وإخريط وإطريح ونحو ذلك، ثم ألحقت ياء النسبة، ثم ألحق بعدها تاء التأنيث، وكان القياس في النسبة إليها أرمينيّ، إلا أنها لما وافق ما بعد الراء منها ما بعد الحاء في حنيفة حذفت الياء كما حذفت من حنيفة في النسب وأجريت ياء النسبة مجرى تاء التأنيث في حنيفة كما أجرينا مجراها في روميّ وروم، وسنديّ وسند، أو يكون مثل بدويّ ونحوه مما غيّر في النسب، قال أهل السّير:
سمّيت أرمينية بأرمينا بن لنطا بن أومر بن يافث ابن نوح، عليه السلام، وكان أول من نزلها وسكنها، وقيل: هما أرمينيتان الكبرى والصّغرى، وحدّهما من برذعة إلى باب الأبواب، ومن الجهة الأخرى إلى بلاد الروم وجبل القبق وصاحب السرير، وقيل: إرمينية الكبرى خلاط ونواحيها وإرمينية الصغرى تفليس ونواحيها، وقيل: هي ثلاث أرمينيات، وقيل:
أربع، فالأولى: بيلقان وقبلة وشروان وما انضمّ إليها عدّ منها، والثانية: جرزان وصغدبيل وباب فيروز قباذ واللّكز، والثالثة: البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند والنّشوى، والرابعة وبها قبر صفوان بن المعطّل صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو قرب حصن زياد عليه شجرة نابتة لا يعرف أحد من الناس ما هي، ولها حمل يشبه اللوز يؤكل بقشره وهو طيّب جدّا، فمن الرابعة: شمشاط وقاليقلا وأرجيش وباجنيس، وكانت كور أرّان والسيسجان ودبيل والنّشوى وسراج طير وبغروند وخلاط وباجنيس في مملكة الروم، فافتتحها الفرس وضمّوها إلى ملك شروان التي فيها صخرة موسى، عليه السلام، التي بقرب عين الحيوان، ووجدت في كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: طول أرمينية العظمى ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، داخلة في الإقليم الخامس، طالعها تسع عشرة درجة من السرطان، يقابلها خمس عشرة درجة من الجدي، ووسط سمائها خمس عشرة درجة من الحمل، بيت حياتها خمس عشرة درجة من الميزان، قال: ومدينة أرمينية الصغرى طولها خمس وسبعون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وأربعون درجة، طالعها عشرون درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت عاقبتها مثلها من الميزان، ولها شركة في العوّاء وفي الدّبّ الأكبر ولها شركة في كوكب هوز، وهو كوكب الحكماء، وما يولد مولود قط وكان طالعه كوكب هوز الا وكان حكيما، وبه ولد بطليموس وبقراط وأوقليدس، وهذه المدينة مقابلة لمدينة الحكماء، يدور عليها من كل بنات نعش أربعة أجزاء، وهي صحيحة الهواء، وكل من سكنها طال عمره، بإذن الله تعالى، هذا كله من كتاب الملحمة. وفي كتب الفرس: أن جرزان وأرّان كانتا في أيدي الخزر، وسائر ارمينية في ايدي الروم يتولّاها صاحبها أرميناقس وسمّته العرب أرميناق، فكانت الخزر تخرج فتغير، فربما بلغت الدينور، فوجّه قباذ بن فيروز الملك قائدا من عظماء
قواده في اثني عشر ألفا، فوطئ بلاد أرّان ففتح ما بين النهر الذي يعرف بالرّسّ إلى شروان، ثم ان قباذ لحق به فبنى بأرّان مدينة البيلقان، ومدينة برذعة، وهي مدينة الثغر كله، ومدينة قبلة، ونفى الخزر ثم بنى سدّ اللبن في ما بين شروان واللّان، وبنى على سدّ اللبن ثلاثمائة وستين مدينة، خربت بعد بناء باب الأبواب. ثم ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان فبنى مدينة الشابران ومدينة مسقط ثم بنى باب الأبواب، وإنما سمّيت أبوابا لأنها بنيت على طرق في الجبل، وأسكن ما بنى من هذه المواضع قوما سمّاهم السياسجين، وبنى بأرض أرّان أبواب شكّى والقميران وأبواب الدّودانية، وهم أمة يزعمون أنهم من بني دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن معدّ بن عــدنان، وبنى الدّرزوقية، وهي اثنا عشر بابا، على كل باب منها قصر من حجارة، وبنى بأرض جرزان مدينة يقال لها صغدبيل، وأنزلها قوما من الصّغد وأبناء فارس وجعلها مسلحة، وبنى مما يلي الروم في بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروز قباذ، وقصرا يقال له باب لازقة، وقصرا يقال له باب بارقة، وهو على بحر طرابزندة، وبنى باب اللان وباب سمسخى، وبنى قلعة الجردمان وقلعة سمشلدى، وفتح جميع ما كان بأيدي الروم من أرمينية، وعمّر مدينة دبيل ومدينة النّشوى وهي نقجوان، وهي مدينة كورة البسفرجان، وبنى حصن ويص وقلاعا بأرض السيسجان، منها: قلعة الكلاب والشاهبوش وأسكن هذه القلاع والحصون ذوي البأس والنجدة، ولم تزل أرمينية بأيدي الروم حتى جاء الإسلام، وقد ذكر في فتوح أرمينية في مواضعه من كل بلد، وذكر ابن واضح الأصبهاني أنه كتب لعدة من ملوكها وأطال. المقام بأرمينية ولم ير بلدا أوسع منه ولا أكثر عمارة، وذكر أن عدة ممالكها مائة وثماني عشرة مملكة، منها: صاحب السرير ومملكته من اللان وباب الأبواب وليس إليها إلا مسلكين، مسلك إلى بلاد الخزر ومسلك إلى أرمينية، وهي ثمانية عشر ألف قرية، وأرّان أول مملكته بأرمينية، فيها أربعة آلاف قرية وأكثرها لصاحب السرير، وسائر الممالك فيما بين ذلك تزيد على أربعة آلاف وتنقص عن مملكة صاحب السرير، ومنها: شروان وملكها يقال له شروان شاه. وسئل بعض علماء الفرس عن الأحرار الذين بأرمينية لم سمّوا بذلك؟ فقال:
هم الذين كانوا نبلاء بأرض أرمينية قبل أن تملكها الفرس، ثم إن الفرس أعتقوهم لما ملكوا وأقروهم على ولايتهم، وهم بخلاف الأحرار من الفرس الذين كانوا باليمن وبفارس فإنهم لم يملكوا قط قبل الإسلام فسمّوا أحرارا لشرفهم، وقد نسب بهذه النسبة قوم من أهل العلم، منهم: أبو عبد الله عيسى بن مالك بن شمر الأرمني، سافر إلى مصر والمغرب.

بُصْرَى

بُصْرَى:
في موضعين، بالضم، والقصر: إحداهما بالشام من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران، مشهورة عند العرب قديما وحديثا، ذكرها كثير في أشعارهم، قال أعرابي:
أيا رفقة، من آل بصرى، تحمّلوا ... رسالتنا لقّيت من رفقة رشدا
إذا ما وصلتم سالمين، فبلّغوا ... تحية من قد ظن أن لا يرى نجدا
وقولوا لهم: ليس الضلال أجازنا، ... ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
وإنا تركنا الحارثيّ مكبّلا ... بكبل الهوى، من ذكركم، مضمرا وجدا
وقال الصمّة بن عبد الله القشيري:
نظرت، وطرف العين يتّبع الهوى، ... بشرقيّ بصرى نظرة المتطاول
لأبصر نارا أوقدت، بعد هجعة، ... لريّا بذات الرّمث من بطن حائل
وقال الرّمّاح بن ميّادة:
ألا لا تلطّي السّتر يا أمّ جحدر، ... كفى بذرى الأعلام من دوننا سترا
إذا هبطت بصرى تقطّع وصلها، ... وأغلق بوّابان من دونها قصرا
فلا وصل، إلّا أن تقارب بيننا ... قلائص يحسرن المطيّ بنا حسرا
فيا ليت شعري! هل يحلّنّ أهلها ... وأهلي روضات ببطن اللّوى خضرا
وهل تأتينّي الريح تدرج موهنا ... بريّاك، تعروري بها عقدا عفرا؟
ولما سار خالد بن الوليد من العراق لمدد أهل الشام قدم على المسلمين وهم نزول ببصرى، فضايقوا أهلها حتى صالحوهم على أن يؤدّوا عن كل حالم دينارا وجريب حنطة، وافتتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها وقتئذ، وذلك في سنة 13.
وبصرى أيضا: من قرى بغداد قرب عكبراء، وإياها عنى ابن الحجاج بقوله:
ولعمر الشباب! ما كان عنّي ... أول الراحلين من أحبابي
إن تولّى الصّباء عني، فإني ... قد تعزّيت بعده بالتصابي
أيظنّ الشباب أني مخلّ ... بعده بالسماع، أو بالشراب؟
حاش لي حانتي أوانا وبصرى ... للــدّنان التي أرى والخوابي
إن تلك الظروف أمست خدورا ... لبنات الكروم والأعناب
بشمول، كأنما اعتصروها ... من معاني شمائل الكتّاب
والمعاني إذا تشابهت الأج ... ناس تجري مجاري الأنساب
وإليها ينسب أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن خلف البصروي الشاعر، قرأ الكلام على المرتضى الموسوي، كتب عنه أبو بكر الخطيب من شعره
أقطاعا، منها:
ترى الدنيا وزهرتها، فتصبو، ... ولا يخلو من الشهوات قلب
ولكن في خلائقها نفار، ... ومطلبها بغير الحظّ صعب
كثيرا ما نلوم الدهر مما ... يمرّ بنا، وما للدهر ذنب
ويعتب بعضنا بعضا، ولولا ... تعذّر حاجة ما كان عتب
فضول العيش أكثرها هموم، ... وأكثر ما يضرّك ما تحبّ
فلا يغررك زخرف ما تراه، ... وعيش ليّن الأعطاف رطب
فتحت ثياب قوم، أنت فيهم ... صحيح الرأي، داء لا يطبّ
إذا ما بلغة جاءتك عفوا، ... فخذها فالغنى مرعى وشرب
إذا اتّفق القليل وفيه سلم، ... فلا ترد الكثير وفيه حرب
ومات البصروي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.

بَوَّانُ

بَوَّانُ:
بالفتح، وتشديد الواو، وألف، ونون:
في ثلاثة مواضع، أشهرها وأسيرها ذكرا شعب بوّان بأرض فارس بين أرّجان والنّوبندجان، وهو أحد متنزهات الدنيا، قال المسعودي، وذكر اختلاف الناس في فارس فقال: ويقال إنهم من ولد بوّان بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح، عليه السلام، وبوّان هذا هو الذي ينسب إليه شعب بوّان من أرض فارس، وهو أحد المواضع المتنزهة المشتهرة بالحسن وكثرة الأشجار وتدفق المياه وكثرة أنواع الأطيار، قال الشاعر:
فشعب بوّان فوادي الراهب، ... فثمّ تلقى أرحل النجائب
وقد روي عن غير واحد من أهل العلم أنه من متنزهات الدنيا، وبعض قال: جنان الدنيا أربعة مواضع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان ونهر الأبلة، وقالوا: وأفضلها غوطة دمشق، وقال أحمد بن محمد الهمداني: من أرّجان إلى النوبندجان ستة وعشرون فرسخا، وبينهما شعب بوّان الموصوف بالحسن والنزاهة وكثرة الشجر وتدفّق المياه، وهو موضع من أحسن ما يعرف، فيه شجر الجوز والزيتون وجميع الفواكه النابتة في الصخر، وعن المبرّد أنه قال: قرأت على شجرة بشعب بوّان:
إذا أشرف المحزون، من رأس تلعة، ... على شعب بوّان استراح من الكرب
وألهاه بطن كالحريرة مسّه، ... ومطّرد يجري من البارد العذب
وطيب ثمار في رياض أريضة، ... على قرب أغصان جناها على قرب
فبالله يا ريح الجنوب تحمّلي، ... إلى أهل بغداد، سلام فتى صبّ
وإذا في أسفل ذلك مكتوب:
ليت شعري عن الذين تركنا ... خلفنا بالعراق هل يذكرونا
أم لعلّ الذي تطاول حتى ... قدم العهد بعدنا، فنسونا؟
وذكر بعض أهل الأدب أنه قرأ على شجرة دلب تظلل عينا جارية بشعب بوّان:
متى تبغني في شعب بوّان تلقني ... لدى العين، مشدود الركاب إلى الدّلب
وأعطي، وإخواني، الفتوّة حقّها ... بما شئت من جدّ وما شئت من لعب
يدير علينا الكأس من لو رأيته ... بعينك ما لمت المحبّ على الحبّ
وذكر لي بعض أهل فارس أن شعب بوّان واد عميق، والأشجار والعيون التي فيه إنما هي من جلهتيه، وأسفل الوادي مضايق تجتمع فيها تلك المياه وتجري، وليس في أرض وطيئة البتّة بحيث تبنى فيه مدينة ولا قرية كبيرة، وقد أجاد المتنبي في وصفه فقال:
مغاني الشعب، طيبا، في المغاني، ... بمنزلة الربيع من الزمان
ولكنّ الفتى العربيّ فيها، ... غريب الوجه، واليد، واللسان
ملاعب جنّة، لو سار فيها ... سليمان لسار بترجمان
طبت فرساننا والخيل حتى ... خشيت، وإن كرمن، من الحران
غدونا تنفض الأغصان فيها، ... على أعرافها، مثل الجمان
فسرت وقد حجبن الحرّ عني، ... وجئن من الضياء بما كفاني
وألقى الشرق منها، في ثيابي، ... دنانــيرا تفرّ من البنان
لها ثمر، تشير إليك منه ... بأشربة، وقفن بلا أواني
وأمواه تصلّ بها حصاها ... صليل الحلي، في أيدي الغواني
ولو كانت دمشق ثنى عناني ... لبيق الثّرد صينيّ الجفان
يلنجوجيّ، ما رفعت لضيف ... به النيران، ندّيّ الدّخان
تحلّ به على قلب شجاع، ... وترحل منه عن قلب جبان
منازل، لم يزل منها خيال ... يشيّعني إلى النّوبنذجان
إذا غنّى الحمام الورق فيها، ... أجابته أغانيّ القيان
ومن بالشعب أحوج من حمام، ... إذا غنّى وناح إلى البيان؟
وقد يتقارب الوصفان جدّا، ... وموصوفاهما متباعدان
يقول بشعب بوّان حصاني: ... أعن هذا يسار إلى الطّعان؟
أبوكم آدم سنّ المعاصي، ... وعلمكم مفارقة الجنان
فقلت: إذا رأيت أبا شجاع ... سلوت عن العباد، وذا المكان
وكتب أحمد بن الضحاك الفلكي إلى صديق له يصف شعب بوّان: بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت إليك من شعب بوّان وله عندي يد بيضاء مذكورة، ومنّة غرّاء مشهورة، بما أولانيه من منظر أعدى على الأحزان، وأقال من صروف الزمان، وسرّح طرفي في جداول تطرّد بماء معين منسكب أرقّ من دموع العشّاق، مررتها لوعة الفراق، وأبرد من ثغور الأحباب، عند الالتئام والاكتئاب، كأنها حين جرى آذيّها يترقرق، وتدافع تيارها يتدفّق، وارتجّ حبابها يتكسر في خلال زهر ورياض ترنو بحدق تولّد قصب لجين في صفائح عقيان، وسموط درّ بين زبرجد ومرجان، أثر على حكمة صانعه شهيد، وعلم على لطف خالقه دليل إلى ظلّ سجسج أحوى، وخضل ألمى، قد غنّت عليه أغصان فينانة، وقضب غيدانة، تشوّرت لها القدود المهفهفة خجلا، وتقيّلتها الخصور المرهفة تشبّها، يستقيدها النسيم فتنقاد، ويعدل بها فتنعدل، فمن متورد يروق منظره، ومرتجّ يتهدّل مثمره، مشتركة فيه حمرة نضج الثمار، ينفحه نسيم النّوّار، وقد أقمت به يوما وأنا لخيالك مسامر، ولشوقك منادم، وشربت لك تذكارا، وإذا تفضل الله بإتمام السلامة إلى أن أوافي شيراز كتبت إليك من خبري بما تقف عليه إن شاء الله تعالى. وبوّان، أيضا، شعب بوّان: واد بين فارس وكرمان، يوصف أيضا بالنزاهة والطيب ليس بدون الأول، أخبرني به رجل من أهل فارس. وبوّان أيضا: قرية على باب أصبهان، ينسب إليها جماعة، منهم: القاضي أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سليم البوّاني من أهل هذه القرية، كان شيخا صالحا مكثرا، سمع الحافظ أبا بكر مردويه بأصبهان والبرقاني ببغداد وغيرهما، روى عنه الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني وغيره، وولي القضاء ببعض نواحي أصبهان، وتوفي في ذي القعدة سنة 484، وولد في صفر سنة 401.

جُدّة

جُدّة:
بالضم، والتشديد والجدّة في الأصل الطريقة، والجدّة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف سائر لونه.
وجدّة: بلد على ساحل بحر اليمن، وهي فرضة مكة، بينها وبين مكة ثلاث ليال عن الزمخشري، وقال الحازمي: بينهما يوم وليلة، وهي في الإقليم الثاني، طولها من جهة المغرب أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال أبو المنذر: وبجدّة ولد جدّة بن حزم بن ريّان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة فسمي جدّة باسم الموضع قال:
ولما تفرقت الأمم عند تبلبل الألسن صار لعمرو بن
معدّ بن عــدنان، وهو قضاعة، لمساكنهم ومراعي أغنامهم جدّة من شاطئ البحر وما دونها إلى منتهى ذات عرق إلى حيز البحر من السهل إلى الجبل، فنزلوا وانتشروا فيها وكثروا بها قال أبو زيد البلخي:
وبين جدّة وعدن نحو شهر، وبينها وبين ساحل الجحفة خمس مراحل وينسب إلى جدّة جماعة، منهم: عبد الملك بن إبراهيم الجدّي وعلي بن محمد بن علي بن الأزهر أبو الحسن العليمي المقري القطّان، يعرف بالجدّي، سمع أبا محمد بن أبي نصر وأبا الحسن أحمد بن محمّد العتيقي وأبا بكر محمد بن عبد الرحمن القطّان، روى عنه عبد الله بن السمرقندي، ومولده سنة 390، ومات سنة 468.

الحجَرُ الأَسْوَد

الحجَرُ الأَسْوَد:
قال عبد الله بن العباس: ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فإنهما جوهرتان من جوهر الجنّة، ولولا من مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وقال محمد بن علي:
ثلاثة أحجار من الجنة: الحجر الأسود والمقام وحجر بني إسرائيل، وقال أبو عرارة: الحجر الأسود في الجدار، وذرع ما بين الحجر الأسود إلى الأرض ذراعان وثلثا ذراع، وهو في الركن الشمالي، وقد ذكرت أركان الكعبة في مواضعها، وقال عياض: الحجر الأسود يقال هو الذي أراده النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قال: إني لأعرف حجرا كان يسلّم عليّ، إنه ياقوتة بيضاء أشد بياضا من اللبن فسوّده الله تعالى بخطايا بني آدم ولمس المشركين إياه، ولم يزل هذا الحجر في الجاهلية والإسلام محترما معظّما مكرّما يتبركون به ويقبّلونه إلى أن دخل القرامطة، لعنهم الله، في سنة 317 إلى مكة عنوة، فنهبوها وقتلوا الحجّاج وسلبوا البيت وقلعوا الحجر الأسود وحملوه معهم إلى بلادهم بالأحساء من أرض البحرين، وبذل لهم بجكم التركي الذي استولى على بغداد في أيام الراضي بالله ألوف دنانــير على أن يردوه فلم يفعلوا حتى توسط الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي بين الخليفة المطيع لله في سنة 339 وبينهم حتى أجابوا إلى ردّه وجاءوا به إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثم حملوه وردّوه إلى موضعه واحتجوا وقالوا: أخذناه بأمر ورددناه بأمر، فكانت مدة غيبته اثنتين وعشرين سنة، وقرأت في بعض الكتب أن رجلا من القرامطة قال لرجل من أهل العلم بالكوفة، وقد رآه يتمسّح به وهو معلّق على الأسطوانة السابعة كما ذكرناه: ما يؤمنكم أن نكون غيبنا ذلك الحجر وجئنا بغيره؟ فقال له: إن لنا فيه علامة، وهو أننا إذا طرحناه في الماء لا يرسب، ثم جاء بماء فألقوه فيه فطفا على وجه الماء.
وحجر الشّغرى، الغين والشين معجمتان وراء، بوزن سكرى، ورواه العمراني بالزاي، والأول أكثر، ولم أجد في كتب اللغة كلمة على شغز إلا ما ذكره الأزهري عن ابن الأعرابي أن الشغيزة المخيط، يعني المسلّة، عربية سمعها الأزهري بالبادية، وأما الراء فيقال: شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول، وشغر البلد إذا خلا من الناس، وفيه غير ذلك، وهو حجر بالمعرّف، وقيل مكان، وقال أبو خراش الهذلي:
فكدت، وقد خلّفت أصحاب فائد ... لدى حجر الشغرى، من الشدّ أكلم
كذا رواه السكري، ورواه بعضهم لدى حجر الشّغرى بضمتين. حجر الذّهب: محلّة بدمشق، أخبرني به الحافظ أبو عبد الله بن النجار عن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن عساكر، وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: أحمد ابن يحيى من أهل حجر الذهب، روى عن إسماعيل ابن إبراهيم، أظنّه أبا معمر، وأبي نعيم عبيد بن هشام، روى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن صالح ابن سنان وأثنى عليه. حجر شغلان، بضم الشين المعجمة وسكون الغين المعجمة أيضا، وآخره نون:
حصن في جبل اللّكّام قرب أنطاكية مشرف على بحيرة يغرا، وهو للداوية من الفرنج، وهم قوم حبسوا أنفسهم على قتال المسلمين ومنعوا أنفسهم النكاح، فهم بين الرهبان والفرسان.

الخَرَبَةُ

الخَرَبَةُ:
بالتحريك، هو من الذي قبله، قال أبو عبيدة: لما سار الحارث بن ظالم فلحق بالشام بملوك غسّان وطلبت امرأته منه الشحم فأخذ ناقة الملك، يعني النعمان بن الأسود، فأدخلها بطن واد من الخربة، قال أبو عبيدة: والخربة أرض مما يلي ضرية به معدن يقال له معدن خربة، قال أبو المنذر: سمّي بذلك لأن خربة بنت قنص بن معدّ بن عــدنان أم بكر بنت ربيعة بن نزار نزلته فسمّي بها.

خُصَّا

خُصَّا:
بضم أوله، وتشديد ثانيه، مقصور: قرية كبيرة في طرف دجيل بنواحي بغداد بين حربى وتكريت، وقد ذكرها الشعراء الخلعاء والمحدثون، فمن ذلك:
خصّا بخصّا سلامي كل مخمور، ... بين الــدّنان طريحا والمعاصير
قوم، إذا نفخ الناي الطويل لهم، ... قاموا كما قامت الأجداث للصّور
ينسب إليها الشيخ محمد بن عليّ بن محمد بن المهنّد السّقّاء الحريمي الخصّي، ولد بخصّا ثم انتقل عنها إلى
الحريم فسكنها، حدث عن أبي القاسم بن الحصين، وابنه أبو الحسن عليّ بن محمد المقري، حدث عن أحمد بن الأشقر الدّلّال والمبارك بن أحمد الكندي وغيرهما، توفي سنة 618 بحربى. وخصّا أيضا: قرية شرقي الموصل كبيرة، فيها جمّالون يسافرون إلى خراسان.

الخُصُوصُ

الخُصُوصُ:
بضم أوله، وصادين مهملتين: موضع قريب من الكوفة، تنسب إليه الــدّنان فيقال:
دنّ خصّيّ، وهو مما غيّر في النسب، وكذا رواه الزمخشري والحازمي بضم أوله كأنه جمع الخصيص.
والخصوص، بالضم أيضا: قرية من أعمال صعيد مصر شرقي النيل، كلّ من فيها نصارى، وقال ابن الكلبي: اجتمعت قسر على عرينة فأخرجوهم من ديارهم وذلك في الإسلام، فقال عوف بن مالك بن ذبيان القسري وبلغه أمرهم:
أتاني، ولم أعلم به حين جاءني، ... حديث بصحراء الخصوص عجيب
تصاممته لما أتاني يقينه، ... وأفرع منهم مخطئ ومصيب
وحدّثت قومي أحدث الدهر بينهم، ... وعهدهم بالنائبات قريب
فقيرهم مبدي الغنى، وغنيّهم ... له ورق للسائلين رطيب
وحدّثت قوما يفرحون بهلكهم ... سيأتيهم، م المنديات، نصيب
هكذا رواه ابن الكلبي في أوراق العرب، وفي الحماسة: إنه لجزء بن ضرار أخي الشماخ، وقال:
حديث بأعلى القنّتين عجيب
وقال عدي بن زيد:
أبلغ خليلي عند هند، فلا ... زلت قريبا من سواد الخصوص

خُوزِسْتانُ

خُوزِسْتانُ:
بضم أوله، وبعد الواو الساكنة زاي، وسين مهملة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون:
وهو اسم لجميع بلاد الخوز المذكورة قبل هذا،
واستان كالنسبة في كلام الفرس، قال شاعر يهجوهم:
بخوزستان أقوام ... عطاياهم مواعيد
دنانــيرهم بيض ... وأعراضهم سود
وقال المضرّجي بن كلاب السعدي أحد بني الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم شهدوا وقائع المهلّب بن أبي صفرة للخوارج فقال:
ألا يا من لقلب مستجنّ ... بخوزستان قد ملّ المزونا
لهان على المهلّب ما ألاقي، ... إذا ما راح مسرورا بطينا
ألا ليت الرياح مسخّرات ... لحاجتنا، يرحن ويغتدينا
قال أبو زيد: وليس بخوزستان جبال ولا رمال إلا شيء يسير يتاخم نواحي تستر وجنديسابور وناحية إيذج وأصبهان، وأما أرض خوزستان فأشبه شيء بأرض العراق وهوائها وصحتها، فإن مياهها طيبة جارية ولا أعرف بجميع خوزستان بلدا ماؤهم من الآبار لكثرة المياه الجارية بها، وأما تربتها فإن ما بعد عن دجلة إلى ناحية الشمال أيبس وأصحّ، وما كان قريبا من دجلة فهو من جنس أرض البصرة في السّبخ وكذلك في الصحة، قال: وليس بخوزستان موضع يجمد فيه الماء ويروح فيه الثلج، ولا تخلو ناحية من نواحيها المنسوب إليها من النخل، وهي وخمة والعلل بها كثيرة خصوصا في الغرباء المتردّدين إليها، وأما ثمارهم وزروعهم فإن الغالب على نواحي خوزستان النخل ولهم عامة الحبوب من الحنطة والشعير والأرز فيخبزونه وهو لهم قوت كرستاق كسكر من واسط، وفي جميع نواحيها أيضا قصب السكر إلا أن أكثره بالمسرقان ويرفع جميعه إلى عسكر مكرم، وليس في قصبة عسكر مكرم شيء كثير من قصب السكر وكذلك بتستر والسوس وإنما يحمل إليها القصب من نواح أخر، والذي في هذه الثلاثة بلاد إنما يكون بحسب الأكل لا أن يستعصر منه سكر، وعندهم عامّة الثمار إلّا الجوز وما لا يكون إلا ببلاد الصّرود.
وأما لسانهم فإن عامتهم يتكلمون بالفارسية والعربية، غير أن لهم لسانا آخر خوزيّا ليس بعبراني ولا سرياني ولا عربي ولا فارسي، والغالب على أخلاق أهلها سوء الخلق والبخل المفرط والمنافسة فيما بينهم في النزر الحقير، والغالب على ألوانهم الصّفرة والنّحافة وخفّة اللحى ووفور الشعر، والضخامة فيهم قليل، وهذه صفة لعامّة بلاد الجروم، والغالب عليهم الاعتزال، وفي كورهم جميع الملل، وتتصل زاوية خوزستان هذه بالبحر فيكون له هور، والهور كالنهر يندّ من البحر ضاربا في الأرض تدخله سفن البحر إذا انتهت إليه، فإنه يعرض وتجتمع مياه خوزستان بحصن مهدي وتنفصل منه إلى البحر فتتصل به ويعرض هناك حتى ينتهي في طرفه المدّ والجزر ثم يتسع حتى لا يرى طرفاه، قالوا: وغزا سابور ذو الأكتاف الجزيرة وآمد وغير ذلك من المدن الرومية فنقل خلقا من أهلها فأسكنهم نواحي خوزستان فتناسلوا وقطنوا بتلك الديار، فمن ذلك الوقت صار نقل الديباج التّستري وغيره من أنواع الحرير بتستر والخزّ بالسوس والسّتور والفرش ببلاد بصنا ومتّوث إلى هذه الغاية، والله أعلم.

دَنّ

دَنّ:
بلفظ الدّنّ الذي يعمل فيه الخلّ، نهر دن:
من أعمال بغداد بقرب إيوان كسرى، كان احتفره أنوشروان العادل. والــدّنان: جبلان يقال لكل واحد منهما دن في البادية.

ديارُ بَكْرٍ

ديارُ بَكْرٍ:
هي بلاد كبيرة واسعة تنسب إلى بكر ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عــدنان، وحدّها ما غرّب من دجلة إلى بلاد الجبل المطلّ على نصيبين إلى دجلة، ومنه حصن كيفا وآمد وميّافارقين، وقد يتجاوز دجلة إلى سعرت وحيزان وحيني وما تخلل ذلك من البلاد ولا يتجاوز السهل، وقال أبو الفرج عبد الواحد بن محمد المخزومي الببغاء يمدح سيف الدولة في ضمن رسالة، وكان سيف الدولة قد انصرف من بعض غزواته إليها، فقال:
وكيف يقهر من لله ينصر من ... دون الورى، وبعزّ الله يعتصم
إن سار سار لواء الحمد يقدمه، ... أو حلّ حلّ به الإقبال والكرم
يلقى العدى بجيوش لا يقاومها ... كثر العساكر، إلّا أنها همم
لما سقى البيض ريّا، وهي ظامئة ... من الدماء، وحكم الموت يحتكم
سقت سحائب كفيه بصيّبها ... ديار بكر، فهانت عندها الدّيم
ينسب إليها من المحدثين عمر بن علي بن الحسن الدياربكري، سمع الجبّائي بحلب.

دَيرُ خِندِفَ

دَيرُ خِندِفَ:
في نواحي خوزستان، وخندف:
أمّ ولد إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عــدنان واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، والخندف: ضرب من المشي، وبه سميت، وما هذا موضع بسط ذلك.

دَيْرُ الزَّعْفَرَان

دَيْرُ الزَّعْفَرَان:
ويسمّى عمر الزّعفران: قرب جزيرة ابن عمر تحت قلعة أردمشت، هو في لحف جبل والقلعة مطلّة عليه، وبه نزل المعتضد لما حاصر هذه القلعة حتى فتحها، ولأهله ثروة وفيهم كثرة، ودير الزّعفران أيضا: بقربه على الجبل المحاذي لنصيبين كان يزرع فيه الزعفران، وهو دير نزه فرح لأهل اللهو به مشاهد، ولهم فيه أشعار، وفي جبل نصيبين عدّة أديرة أخر، ولمصعب الكاتب في
دير الزعفران:
عمرت بقاع عمر الزعفران ... بفتيان غطارفة هجان
بكلّ فتًى يحنّ إلى التصابي، ... ويهوى شرب عاتقة الــدّنان
ظللنا نعمل الكاسات فيه ... على روض كنقش الخسروان
وأغصان تميل بها ثمار ... قريبات من الجاني دوان
وغزلان مراتعها فؤادي، ... شجاني منهم ما قد شجاني
وينجوهم ويوحنّا..... ... ذوا الإحسان والصّور الحسان
رضيت بهم من الدنيا نصيبا، ... غنيت بهم عن البيض الغواني
أقبّل ذا وألثم خدّ هذا، ... وهذا مسعد سلس العنان
فهذا العيش لا حوض ونؤي، ... ولا وصف المعالم والمغاني

رُوس

رُوس:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، وسين مهملة، ويقال لهم رسّ، بغير واو، أمّة من الأمم بلادهم متاخمة للصقالبة والترك ولهم لغة برأسها ودين وشريعة لا يشاركهم فيها أحد، قال المقدسي: هم في جزيرة وبئة يحيط بها بحيرة وهي حصن لهم ممّن أرادهم، وجملتهم على التقدير مائة ألف إنسان، وليس لهم زرع ولا ضرع، والصقالبة يغيرون عليهم ويأخذون أموالهم، وإذا ولد لأحدهم مولود ألقى إليه سيفا وقال له: ليس لك إلّا ما تكسبه بسيفك، وإذا حكم ملكهم بين خصمين بشيء ولم يرضيا به قال لهما:
تحاكما بسيفيكما، فأيّ السيفين كان أحدّ كانت الغلبة له، وهم الذين استولوا على برذعة سنة فانتهكوها حتى ردّها الله منهم وأبادهم، وقرأت في رسالة أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر إلى ملك الصقالبة حكى فيها ما عاينه منذ انفصل عن بغداد إلى أن عاد إليها فحكيت ما ذكره على وجهه استعجابا به، قال: ورأيت الروسيّة وقد وافوا بتجاراتهم فنزلوا على نهر إتل فلم أر أتمّ أبدانا منهم كأنّهم النخل شقر حمر لا يلبسون القراطق ولا الخفاتين ولكن يلبس الرجل منهم كساء يشتمل به على أحد شقّيه ويخرج إحدى يديه منه، ومع كلّ واحد منهم سيف وسكّين وفأس لا تفارقه، وسيوفهم صفائح مشطبة أفرنجية، ومن حدّ ظفر الواحد منهم إلى عنقه محضر شجر وصور وغير ذلك، وكلّ امرأة
منهم على ثديها حقة مشدودة إمّا من حديد وإمّا من نحاس وإمّا من فضة وإمّا من ذهب على قدر مال زوجها ومقداره، في كل حقة حلقة فيها سكين مشدودة على الثدي أيضا، وفي أعناقهنّ أطواق ذهب وفضة لأنّ الرجل إذا ملك عشرة آلاف درهم صاغ لامرأته طوقا وإن ملك عشرين ألفا صاغ لها طوقين وكلّما زاد عشرة آلاف درهم يزيد لها طوقا آخر، فربّما كان في عنق الواحدة منهن أطواق كثيرة، وأجلّ الحلي عندهم الخرز الأخضر من الخزف الذي يكون على السفن يبالغون فيه ويشترون الخرزة منه بدرهم وينظمونه عقدا لنسائهم، وهم أقذر خلق الله لا يستنجون من غائط ولا يغتسلون من جنابة كأنّهم الحمير الضالة، يجيئون من بلدهم فيرسون سفنهم بإتل، وهو نهر كبير، ويبنون على شاطئه بيوتا كبارا من الخشب ويجتمع في البيت الواحد العشرة والعشرون والأقل والأكثر، ولكلّ واحد منهم سرير يجلس عليه ومعه جواريه الرّوقة للتجار، فينكح الواحد جاريته ورفيقه ينظر إليه، وربّما اجتمعت الجماعة منهم على هذه الحالة بعضهم بحذاء بعض، وربّما يدخل التاجر عليهم ليشتري من بعضهم جارية فيصادفه ينكحها فلا يزول عنها حتى يقضي أربه، ولا بدّ لهم في كلّ يوم بالغداة أن تأتي الجارية ومعها قصعة كبيرة فيها ماء فتقدمها إلى مولاها فيغسل فيها وجهه ويديه وشعر رأسه، فيغسله ويسرحه بالمشط في القصعة ثمّ يمتخط ويبصق فيها ولا يدع شيئا من القذر إلّا فعله في ذلك الماء فإذا فرغ ممّا يحتاج إليه حملت الجارية القصعة إلى الذي يليه فيفعل مثل ما فعل صاحبه، ولا تزال ترفعها من واحد إلى واحد حتى تديرها على جميع من في البيت، وكل واحد منهم يمتخط ويبصق فيها ويغسل وجهه وشعره فيها، وساعة موافاة سفنهم إلى هذا المرسى يخرج كل واحد منهم ومعه خبز ولحم ولبن وبصل ونبيذ حتى يوافي خشبة طويلة منصوبة لها وجه يشبه وجه الإنسان وحولها صور صغار وخلف تلك الصور خشب طوال قد نصبت في الأرض فيوافي إلى الصورة الكبيرة ويسجد لها ثمّ يقول: يا ربّ قد جئت من بعد ومعي من الجواري كذا وكذا رأسا ومن السمور كذا وكذا جلدا، حتى يذكر جميع ما قدم معه من تجارته ثمّ يقول: وقد جئتك بهذه الهدية، ثمّ يترك ما معه بين يدي الخشبة ويقول: أريد أن ترزقني تاجرا معه دنانــير ودراهم فيشتري مني كلّ ما أريد ولا يخالفني في جميع ما أقول، ثمّ ينصرف، فإن تعسر عليه بيعه وطالت أيّامه عاد بهدية أخرى ثانية وثالثة، فإن تعذّر عليه ما يريد حمل إلى صورة من تلك الصور الصغار هدية وسألها الشفاعة وقال: هؤلاء نساء ربنا وبناته، ولا يزال إلى صورة صورة يسألها ويستشفع بها ويتضرّع بين يديها فربّما تسهّل له البيع فباع فيقول: قد قضى ربي حاجتي وأحتاج أن أكافئه، فيعمد إلى عدّة من البقر والغنم على ذلك ويقتلها ويتصدّق ببعض اللحم ويحمل الباقي فيطرحه بين يدي تلك الخشبة الكبيرة والصغار التي حولها ويعلق رؤوس البقر والغنم على ذلك الخشب المنصوب في الأرض، فإذا كان اللّيل وافت الكلاب فأكلت ذلك فيقول الذي فعله: قد رضي عني ربي وأكل هديتي، وإذا مرض منهم الواحد ضربوا له خيمة ناحية عنهم وطرحوه فيها وجعلوا معه شيئا من الخبز والماء ولا يقربونه ولا يكلّمونه بل لا يتعاهدونه في كل أيّامه لا سيما إن كان ضعيفا أو كان مملوكا، فإن برأ وقام رجع إليهم وإن مات أحرقوه وإن كان مملوكا تركوه على حاله تأكله الكلاب وجوارح
الطير، وإذا أصابوا سارقا أو لصّا جاءوا به إلى شجرة طويلة غليظة وشدوا في عنقه حبلا وثيقا وعلّقوه فيها ويبقى معلّقا حتى يتقطّع من المكث إمّا بالرياح أو الأمطار، وكان يقال لي: إنّهم كانوا يفعلون برؤسائهم عند الموت أمورا أقلّها الحرق، فكنت أحب أن أقف على ذلك حتى بلغني موت رجل منهم جليل فجعلوه في قبره وسقّفوا عليه عشرة أيّام حتى فرغوا من قطع ثيابه وخياطتها، وذلك أن الرجل الفقير منهم يعملون له سفينة صغيرة ويجعلونه فيها ويحرقونها، والغنيّ يجمعون ماله ويجعلونه ثلاثة أثلاث: فثلث لأهله وثلث يقطعون له به ثيابا وثلث يشترون به نبيذا يشربونه يوم تقتل جاريته نفسها وتحرق مع مولاها، وهم مستهترون بالخمر يشربونها ليلا ونهارا، وربّما مات الواحد منهم والقدح في يده، وإذا مات الرئيس منهم قال أهله لجواريه وغلمانه:
من منكم يموت معه؟ فيقول بعضهم: أنا، فإذا قال ذلك فقد وجب عليه لا يستوي له أن يرجع أبدا، ولو أراد ذلك ما ترك، وأكثر ما يفعل هذا الجواري، فلمّا مات ذلك الرجل الذي قدمت ذكره قالوا لجواريه: من يموت معه؟ فقالت إحداهن:
أنا، فوكلوا بها جاريتين تحفظانها وتكونان معها حيث ما سلكت حتى إنّهما ربّما غسلتا رجليها بأيديهما، وأخذوا في شأنه وقطع الثياب له وإصلاح ما يحتاج إليه والجارية في كل يوم تشرب وتغنّي فارحة مستبشرة، فلمّا كان اليوم الذي يحرق فيه هو والجارية حضرت إلى النهر الذي فيه سفينته فإذا هي قد أخرجت وجعل لها أربعة أركان من خشب الخلنج وغيره وجعل حولها أيضا مثل الأناس الكبار من الخشب ثمّ مدت حتى جعلت على ذلك الخشب وأقبلوا يذهبون ويجيئون ويتكلّمون بكلام لا أفهمه وهو بعد في قبره لم يخرجوه ثمّ جاءوا بسرير فجعلوه على السفينة وغشّوه بالمضرّبات الديباج الرومي والمساند الديباج الرومي ثمّ جاءت امرأة عجوز يقولون لها ملك الموت ففرشت على السرير الذي ذكرناه، وهي وليت خياطته وإصلاحه، وهي تقتل الجواري، ورأيتها حوّاء نيّرة ضخمة مكفهرّة، فلمّا وافوا قبره نحّوا التراب عن الخشب ونحّوا الخشب واستخرجوه في الإزار الذي مات فيه فرأيته قد اسودّ لبرد البلد، وقد كانوا جعلوا معه في قبره نبيذا وفاكهة وطنبورا فأخرجوا جميع ذلك وإذا هو لم يتغير منه شيء غير لونه، فألبسوه سراويل ورانا وخفّا وقرطقا وخفتان ديباج له أزرار ذهب وجعلوا على رأسه قلنسوة من ديباج سمور وحملوه حتى أدخلوه القبة التي على السفينة وأجلسوه على المضرّبة وأسندوه بالمساند وجاءوا بالنبيذ والفواكه والريحان فجعلوه معه وجاءوا بخبز ولحم وبصل فطرحوه بين يديه وجاءوا بكلب فقطعوه نصفين وألقوه في السفينة ثمّ جاءوا بجميع سلاحه فجعلوه إلى جانبه ثمّ أخذوا دابّتين فأجروهما حتى عرقتا ثمّ قطعوهما بالسيوف وألقوا لحمهما في السفينة ثمّ جاءوا ببقرتين فقطعوهما أيضا وألقوهما في السفينة ثمّ أحضروا ديكا ودجاجة فقتلوهما وطرحوهما فيها والجارية التي تقتل ذاهبة وجائية تدخل قبّة قبة من قبابهم فيجامعها واحد واحد، وكلّ واحد يقول لها: قولي لمولاك إنّما فعلت هذا من محبتك، فلمّا كان وقت العصر من يوم الجمعة جاءوا بالجارية إلى شيء عملوه مثل ملبن الباب فوضعت رجلها على أكفّ الرجال وأشرفت على ذلك الملبن وتكلّمت بكلام لها، فأنزلوها ثمّ أصعدوها ثانية ففعلت كفعلها في المرّة الأولى ثمّ أنزلوها وأصعدوها ثالثة ففعلت فعلها في المرّتين ثمّ
دفعوا لها دجاجة فقطعت رأسها ورمت به فأخذوا الدجاجة وألقوها في السفينة، فسألت الترجمان عن فعلها فقال: قالت في المرّة الأولى هو ذا أرى أبي وأمّي، وقالت في المرّة الثانية: هو ذا أرى جميع قرابتي الموتى قعودا، وقالت في المرّة الثالثة: هو ذا أرى مولاي قاعدا في الجنة والجنة حسنة خضراء ومعه الرجال والغلمان وهو يدعوني فاذهبوا بي إليه، فمرّوا بها نحو السفينة فنزعت سوارين كانا معها فدفعتهما إلى المرأة العجوز التي تسمى ملك الموت وهي التي تقتلها، ونزعت خلخالين كانا عليها ودفعتهما إلى الجاريتين اللتين كانتا تخدمانها وهما ابنتا المعروفة بملك الموت، ثمّ أصعدوها إلى السفينة ولم يدخلوها إلى القبة وجاء الرجال ومعهم التراس والخشب ودفعوا إليها قدحا من نبيذ فغنّت عليه وشربته، فقال لي الترجمان: إنّها تودّع صواحباتها بذلك، ثمّ دفع إليها قدح آخر فأخذته وطولت الغناء والعجوز تستحثها على شربه والدخول إلى القبة التي فيها مولاها، فرأيتها وقد تبلّدت وأرادت الدخول إلى القبة فأدخلت رأسها بين القبة والسفينة فأخذت العجوز رأسها وأدخلتها القبة ودخلت معها العجوز وأخذ الرجال يضربون بالخشب على التراس لئلا يسمع صوت صياحها فيجزع غيرها من الجواري فلا يطلبن الموت مع مواليهنّ، ثمّ دخل القبّة ستة رجال فجامعوا بأسرهم الجارية ثمّ أضجعوها إلى جنب مولاها الميت وأمسك اثنان رجليها واثنان يديها وجعلت العجوز التي تسمى ملك الموت في عنقها حبلا مخالفا ودفعته إلى اثنين ليجذباه وأقبلت ومعها خنجر عظيم عريض النصل فأقبلت تدخله بين أضلاعها موضعا موضعا وتخرجه والرجلان يخنقانها بالحبل حتى ماتت، ثمّ وافى أقرب الناس إلى ذلك الميت فأخذ خشبة فأشعلها بالنار ثمّ مشى القهقرى نحو قفاه إلى السفينة والخشبة في يده الواحدة ويده الأخرى على استه وهو عريان حتى أحرق ذلك الخشب الذي قد عبوه تحت السفينة من بعد ما وضعوا الجارية التي قتلوها في جنب مولاها، ثمّ وافى الناس بالخشب والحطب ومع كلّ واحد خشبة وقد ألهب رأسها فيلقيها في ذلك الخشب فتأخذ النار في الحطب ثمّ في السفينة ثمّ في القبّة والرجل والجارية وجميع ما فيها، ثمّ هبت ريح عظيمة هائلة فاشتدّ لهب النار واضطرم تسعّرها، وكان إلى جانبي رجل من الروسية فسمعته يكلم الترجمان الذي معه، فسألته عمّا قال له، فقال:
إنّه يقول أنتم معاشر العرب حمقى لأنكم تعمدون إلى أحبّ الناس إليكم وأكرمهم عليكم فتطرحونه في التراب فتأكله الهوام والدود ونحن نحرقه بالنار في لحظة فيدخل الجنة من وقته وساعته، ثمّ ضحك ضحكا مفرطا وقال: من محبة ربّه له قد بعث الريح حتى تأخذه في ساعته، فما مضت على الحقيقة ساعة حتى صارت السفينة والحطب والرجل الميت والجارية رمادا رمددا، ثمّ بنوا على موضع السفينة، وكانوا أخرجوها من النهر، شبيها بالتل المدوّر ونصبوا في وسطه خشبة كبيرة وكتبوا عليها اسم الرجل واسم ملك الروس وانصرفوا، قال:
ومن رسم ملوك الروس أن يكون معه في قصره أربعمائة رجل من صناديد أصحابه وأهل الثقة عنده فهم يموتون بموته ويقتلون دونه، ومع كلّ واحد منهم جارية تخدمه وتغسل رأسه وتصنع له ما يأكل ويشرب وجارية أخرى يطؤها، وهؤلاء الأربعمائة يجلسون تحت سريره، وسريره عظيم مرصّع بنفيس الجواهر، ويجلس معه على السرير أربعون جارية لفراشه، وربّما وطئ الواحدة منهن بحضرة أصحابه
الذين ذكرنا، ولا ينزل عن سريره، فإذا أراد قضاء حاجة قضاها في طشت، وإذا أراد الركوب قدموا دابته إلى السرير فركبها منه، وإذا أراد النزول قدم دابّته حتى يكون نزوله عليه، وله خليفة يسوس الجيوش ويواقع الأعداء ويخلفه في رعيته، هذا ما نقلته من رسالة ابن فضلان حرفا حرفا وعليه عهدة ما حكاه، والله أعلم بصحته، وأمّا الآن فالمشهور من دينهم دين النصرانيّة.

سُوسَةُ

سُوسَةُ:
بضم أوّله، بلفظ واحد السوس الذي في الصوف، قال بطليموس: مدينة سوسة طولها أربع وثلاثون درجة وثماني عشرة دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة تحت عشر درج من السرطان، يقابلها عشر درجات من الجدي، بيت ملكها عشر درجات من الحمل، بيت عاقبتها عشر درجات من الميزان، لها اثنتا عشرة دقيقة في الشولة وأربع درج في سعد الذابح، ولها شركة مع النسر الطائر، قال أبو سعد: سوسة بلد بالمغرب، وهي مدينة عظيمة بها قوم لونهم لون الحنطة يضرب إلى الصفرة، ومن السوسة يخرج إلى السوس الأقصى على ساحل البحر المحيط بالدنيا، فمن السوس الأقصى إلى القيروان ثلاثة آلاف فرسخ يقطعها السالك في ثلاث سنين، ومن القيروان إلى أطرابلس مائة فرسخ، ومن أطرابلس إلى مصر ألف فرسخ، ومن مصر إلى مكّة خمسمائة فرسخ، يخرج الحاجّ من السوس
الأقصى إلى مكّة في ثلاث سنين ونصف ويرجع في مثلها، هذا كلّه عن السمعاني، وفيه تخليط، والصحيح أن سوسة مدينة صغيرة بنواحي إفريقية، بينها وبين سفاقس يومان، أكثر أهلها حاكة ينسجون الثياب السوسية الرفيعة، وما صنع في غيرها فمشبّه بها، يكون ثمن الثوب منها في بلدها عشرة دنانــير، وبين سوسة والمهدية ثلاثة أيّام، قال ابن طاهر: سوسة بلدة بالمغرب، خرج منها محدثون وفقهاء وأدباء منهم: يحيى بن خالد السوسي مغربي، يحدث عن عبد الله بن وهب، كذا ذكره ابن يونس، وصديقنا الأديب أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن الزيات المنشئ مليح الكلام في النظم والنثر، قدم الشرق وأقام بدمشق مدة ثمّ قدم الموصل وأقام بها بالمدرسة ينسخ، وهو كيّس لطيف حافظ للأخبار والأشعار سلس اللسان، أنشدني لنفسه وكتب لي بخطه:
لا تعتبن شيئا ألمّ بلمّتي، ... إنّ المشيب غبار معترك الصّبا
وغير ذلك، وقيل: من القيروان إلى سوسة ستة وثلاثون ميلا، وهي مدينة قد أحاط بها البحر من ثلاث نواح: من الشمال والجنوب والشرق، سورها صخر حصين منيع يضرب فيه البحر، وبها منار يعرف بمنار خلف الفتى، ولها ثمانية أبواب، وبها الملعب، وهو بنيان عظيم بناه الأول له أقباء مرتفعة واسعة معقودة بحجر النشفة الخفيف الذي يطفو على رأس الماء المجلوب من ناحية صقلية وحوله أقباء كثيرة يفضي بعضها إلى بعض، وهي مدينة مرخصة كثيرة الخير، وكان معاوية بن حديج قد بعث إليها بعبد الله بن الزبير في جمع كثيف، وكان بلغه أن ملك الروم أنفذ إليها بطريقا يقال له نقفور في ثلاثين ألف مقاتل فنزل بذلك الساحل، فنزل عبد الله شرفا عاليا ينظر منه إلى البحر بينه وبين سوسة اثنا عشر ميلا، فلمّا بلغ ذلك نقفور رجع في مراكبه وأخلى ذلك الساحل فنزل عبد الله بن الزبير في جيشه حتى بلغ البحر ونزل على باب مدينة سوسة ونزل عن فرسه وصلّى بالناس صلاة العصر والروم يتعجّبون من قلة اكتراثه بهم فزحفوا إليه وهو مقبل على صلاته حتى فرغ منها، فركب وشد عليهم فهزمهم حتى حجزهم في مدينتهم وعاد عنهم، وما زالت مدينة سوسة ممتنعة بأهلها، وحاصرها أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي شهورا ثمّ انهزم عنها وكان عليها في ثمانين ألفا، وفي ذلك يقول سهم بن إبراهيم الورّاق:
إن الخوارج صدّها عن سوسة ... منّا طعان السّمر والإقدام
وجلاد أسياف تطاير دونها ... في النّقع دون المحصنات الهام
وقال أحمد بن صالح السوسي:
ألمّ بسوسة وبغى عليها، ... ولكن الإله لها نصير
مدينة سوسة للغرب ثغر، ... تدين لها المدائن والقصور
لقد لعن الذين بغوا عليها ... كما لعنت قريظة والنّضير
أعزّ الله خالق كلّ شيء ... بسوسة بعد ما التوت الأمور
ولولا سوسة لدهت دواهي ... يشيب لهولها الطّفل الصغير
سيبلغ ذكر سوسة كلّ أرض، ... ويغشى أهلها العدد الكثير
والخروج إلى القيروان من سوسة على الباب القبلي
المعروف بباب القيروان، ومقبرة سوسة عن يمين هذا الطريق، وكان زيادة الله بن الأغلب قد بنى سورها، وكان يقول: لا أبالي ما قدمت عليه يوم القيامة وفي صحيفتي أربع حسنات: بنيان مسجد الجامع والقيروان وبنيان قنطرة الربيع وبنيان حصن مدينة سوسة وتوليتي أحمد بن أبي محرز قضاء إفريقية، وخارج سوسة محارس ومرابط ومجامع للصالحين، وداخلها محرس عظيم كالمدينة مسور بسور متقن يعرف بمحرس الرباط يأوي إليه الصالحون والعبّاد، وقيل: داخلها محرس آخر عظيم يسمى محرس القصب وهو متصل بدار الصناعة، وسوسة في سند عال ترى دورها من البحر ووراء سورها هيكل عظيم سمّاه البحريون الفنطاس وهو أوّل ما يرى من البحر، ولهذا الهيكل أربع درج يصعد من كلّ واحدة منها إلى أعلاه، والحياكة بسوسة كثيرة، ويغزل بها غزل تباع زنة مثقال منه بمثقالين من ذهب، ومن محارس سوسة المذكورة المنستير، وقد ذكر في موضعه.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.