Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: خواص

خَصص

خَصص
. {خَصَّهُ بالشّيْءِ،} يَخُصُّه {خَصّاً} وخُصُوصاً، بالفَتْحِ فيهِمَا، ويُضَمُّ الثّانِي،! وخُصُوصِيَّةً، بالضَّمِّ ويُفْتَحُ، والفَتْحُ أَفْصَحُ، كَمَا نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وبِهِ جَزَم الفَنَارِيّ فِي حاشِيَةِ المُطّوَّلِ، وهُوَ الَّذِي فِي الفَصِيحِ وشُرُوحِه، وكلامُ المُصَنِّف ِ ظاهِرُه أَنَّ الضَّمَّ أَفْصَحُ، والفتْح لُغَةٌ، ولِذا قَالَ بَعْضُهُم: ولوْ قَالَ: ويُضَمُّ، لَوافَقَ كَلامَ الجُمْهُورِ، وسَلِمَ مِنَ المُؤَاخَذَةِ، ثُمَّ قالُوا: الياءُ فِيهَا إِذا فُتِحَتْ للنِّسْبَةِ، فهِيَ ياءُ المَصْدَرِيَّةِ كالفَاعِلِيَّةِ والمَفْعُولِيَّةِ، بِنَاءً على {خُصُوصِ فَعُولٍ للمُبَالغةِ فِي} التَّخْصِيصِ، وإِذا ضُمَّتْ، فَهِي للمُبَالغةِ، كأَلْمعِيّ وأَحْمَرِيّ، قالَ شَيْخُنا: وعِنْدِي فِي ذلِكَ نَظَرٌ، ويَقْدَحُ فِيهِ أَنَّهُم حكوْا فِي الياءِ التّخْفِيفَ، بلْ قِيل: هُو الأَكْثرُ، لِيُوَافِقَ الياءَاتِ الّلاحِقَةَ بالمَصَادِرِ، كالكَرَاهِيَةِ والعَلانِيَةِ، {وخِصِّيصَي، بالكَسْرِ والقَصْرِ، وهُوَ الفَصِيحُ المَشْهُورُ، وعَلَيْهِ اقْتَصَرَ القَالِي فِي المَقْصُورِ والمَمْدُودِ، ويُمدُّ، عَنْ كُرَاع وابنِ الأَعْرَابِيِّ، وَلَا نظِيرَ لَهَا إِلاَّ المِكَّيثَي، وهذِه مَسْأَلَةٌ وَقَعَ فِيهَا النِّزَاعُ بَيْنَ الحَافِظَيْنِ: الأَسْيُوطِيِّ والسَّخَاوِيِّ، حتّى أَلَّفَ الأَوْلُ فِيها رِسَالَةً مُسْتَقِلّة،} وخَصِّيَّةً، بالفَتْحِ، وضَبَطَه الصّاغَانِيُّ بالضَّمِّ، {وتَخِصَّةً، كتَحِلَّةٍ، عَن ابنِ عَبّادٍ: فَضَّلَهُ دُونَ غَيْرِه، ومَيَّزهُ. ويُقَالُ:} الخُصُوصِيَّةُ {والخَصِّيَّةُ} والخاصَةُ أَسْمَاءُ مَصَادِر. وَفِي البَصَائِر: {الخُصُوصُ: التَّفرُدُ ببَعْضِ الشَّيْءِ مِمَّا لَا تُشَارِكُهُ فِيهِ الجُمْلَةُ.} وخَصّهُ بالوُدِّ كَذلِكَ، إِذا فَضَّلَه دُونَ غَيْرِه، فأَمّا قولُ أَبِي زُبَيْدٍ:
(إِنَّ امْرَأً! - خَصَّنِي عَمْداً مَوَدَّتَهُ ... عَلَى التّنَائِي لَعِنْدِي غَيْرُ مَكْفُورِ)
فإِنَّهُ أَرادَ خَصَّنِي بِمَوَدَّتِه، فحَذَفَ الحَرْفَ، وأَوْصَلَ الفِعْلَ، وقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ: خَصَّنِي لِمَوَدَّتِه إِيايَ، قالَ ابنُ سِيدَه: وإِنَّمَا وَجَّهْنَاهُ عَلَى هذَيْنِ الوَجْهَيْنِ، لأَنّا لَمْ نَسْمَعْ فِي الكلامِ {خَصَصْتُه مُتَعَدِّيَةً إِلى مَفْعُولَيْن.} والخَاصُّ، {والخَاصَّةُ: ضِدّ العَامِّ والعَامَّةِ، وهُوَ مَنْ} تَخُصُّهُ لِنَفْسِكَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: والخَاصَّةُ: الَّذِي {اخْتَصَصْتَه لِنَفْسِك. وسُمِعَ ثَعْلَبٌ يَقُول: إِذا ذُكِرَ الصّالِحُونَ} فبِخَاصَّةٍ أَبُو بَكْرٍ، وإِذا ذُكِرَ الأَشْرَافُ فبِخَاصَّةٍ عَلِيٌّ. {والخُصّانُ، بالكَسْرِ والضَّمِّ:} الــخَوَاصُّ، ومِنْهُ قَوْلُهُم: إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا {خِصّانُ النّاسِ، أَيْ} خَوَاصُّ مِنْهُم، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيٍّ لأَبِي قِلاَبَةَ الهُذَلِيّ:
(والقَوْمُ أَعْلَمُ هَلْ أَرْمِي وَرَاءَهُمُ ... إِذْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ غَيْرُ {خُصَّانِ)
وَفِي الحَدِيثِ عَلَيْكَ} بخُوَيْصَّةِ نَفْسِك: {الخُوَيْصَّةُ: تَصْغِيرُ} الخَاصَّة، وأَصْلُه خُوَيْصِصَة قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ياؤُهَا ساكِنَةٌ، لأَنّ ياءَ التّصْغِيرِ لَا تَتَحَرَّكُ. ومِثْلُهَا أُصَيْمُّ ومُدَيْقُّ فِي تَصْغِيرِ أَصَمّ)
ومُدُقّ، والَّذِي جَوّزَ فِيهَا وَفِي نَظَائِرِهَا الْتِقَاءَ الساكِنَيْنِ أَنَّ الأَوَّلَ حَرْفُ اللِّينِ والثّانِي مُدْغَمٌ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ، وَفِي حَدِيثٍ آخَر: بادِرُوا بالأَعْمَالِ سِتّاً: الدَّجّالَ وكَذَا وكَذَا {وخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ يَعْنِي حادِثَةَ المَوْتِ الَّتِي} تَخُصُّ كُلَّ إِنسانٍ. وصُغِّرَتْ لاحْتِقَارِهَا فِي جَنْبِ مَا بَعْدَها مِنَ البَعْثِ والعَرْضِ والحِسَابِ، أَيْ بادِرُوا المَوْتَ واجْتَهِدُوا فِي العَمَلِ. وفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ: {وخُوَيْصَّتُكَ أَنَسٌ أَي الَّذِي} يَخْتَصُّ بخِدْمَتِكَ. وصَغَّرَتْه لِصِغَرِه يَوْمَئذٍ. {والخَصَاصُ،} والخَصَاصَةُ، {والخَصَاصَاءُ، بفَتْحِهِنَّ، الأَخِيرَةُ عَن ابْنِ دُرَيْدٍ: الفَقْرُ وسُوءُ الحالِ، والخَلَّةُ والحَاجَةُ، وهُو مَجَازٌ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرّيّ للكُمَيْتِ:
(إِلَيْهِ مَوَارِدُ أَهْلِ} الخَصَاصِ ... ومِنْ عِنْدِهِ الصَّدَرُ المُبْجِلُ) وَفِي التَّنْزِيلِ العَزِيز: ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم ولَوْ كانَ بِهِمْ {خَصَاصَةٌ. وأَصْلُ ذلِكَ الفُرْجَةُ أَو الخَلَّةُ لأَن الشَّئَ إِذا انْفَرَج وَهَي واخْتَلَّ، وذَوُو} الخَصَاصَةِ: ذَوُو الخَلَّةِ والفَقْرِ، وقَدْ {خَصِصْتَ يَا رَجُلُ، بالكَسْرِ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ عَن الفَرّاءِ. و} الخَصَاصُ {والخَصَاصَةُ: الخَلَلُ فِي الثَّغْرِ، أَوْ كُلُّ خَلَلٍ وخَرْقٍ فِي بابٍ ومُنْخُلٍ وبُرْقُعٍ ونَحْوِه، كسَحَابٍ ومِصفاةٍ وغيْرِهِمِا، والجَمْعُ} خَصَاصَاتٌ، ومِنْه قَوْلُ الشّاعِرِ: مِنْ {خَصَاصاتِ مُنْخُلِ. ويُقَالُ لِلقَمَرِ: بَدَا مِنْ} خَصَاصَةِ الغَيْمِ. أَو {الخَصَاصَةُ: الثَّقْبُ الصَّغِيرُ، وَيُقَال: إِن} الخَصَاصَ شِبْهُ كُوَّةٍ فِي قُبَّةٍ أَو نَحْوِها إِذا كَانَ وَاسِعاً قَدْرَ الوَجْهِ، وبعضُهُمْ يَجْعَلُ الخَصَاصَ للوَاسِعِ والضَّيِّقِ. وَقيل الخَصَاصُ: الفُرَجُ بينَ الأَثافِيِّ والأَصَابِعِ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرّيّ للأَسْعَرِ الجُعْفِيّ:
(إِلاَّ رَوَاكِدَ بَيْنَهُنَّ {خَصَاصَةٌ ... سُفْعَ المَنَاكِبِ كُلّهُنَّ قد اصْطَلَى)
} والخُصَاصَةُ، بالضّمِّ: مَا يَبْقَى فِي الكَرْمِ بَعْدَ قِطَافِه، العُنَيْقِيدُ الصَّغِيرُ هَا هُنَا وآخَر هَا هُنَا، وهُوَ النَّبْذُ اليَسِيرُ، أَي القَلِيلُ، ج {خُصَاصٌ. قَالَ أَبُو مَنْصُورِ: يُقَالُ: لَهُ من عُذُوقِ النَّخْلِ الشَّمْلُ والشَّمَالِيلُ، وقالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ} الخَصَاصَةُ والجَمْعُ {خَصَاصٌ، كِلاهُمَا بالفَتْحِ.} والخُصُّ، بالضّمِّ: البَيْتُ مِنَ القَصَبِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للفَزارِيِّ:
(! الخُصُّ فيهِ تَقَرُّ أَعْيُنُنَا ... خَيْرٌ من الآجُرِّ والكَمَدِ) وزادَ غيرُه: أَو مِنْ شَجَرٍ. وهُوَ البَيْتُ يُسْقَفُ عَلَيْهِ بِخَشَبَة، كالأَزَجِ، ج: {خِصَاصٌ} وخُصُوصٌ {وأَخْصَاصٌ، سُمِّي بذلك لأَنّه يُرَى مَا فِيهِ من} خَصَاصِه، أَي فُرَجِهِ، وفِي التَّهْذِيبِ: سُمِّيَ {خُصّاً لما فِيه من} الخَصَاصِ، وَهِي التَّفَارِيجُ الضَّيِّقَةُ. و {الخُصُّ: حَانُوتُ الخَمّارِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ) قَصَبٍ، وَمِنْه قَوْلُ امرئِ القَيْسِ:
(كأَنَّ التِّجَارَ أَصْعَدُوا بسَبِيئَةٍ ... من} الخُصِّ حَتّى أَنْزَلُوهَا على يُسُرْ)
ويُرْوَى: أُسُرْ، وَقَالَ الأَصْمَعِيّ: الخُصُّ: كُرْبَقٌ مَبنِيٌّ، وهُوَ الحَانُوتُ. وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: {الخُصُّ: بَلَدٌ جَيِّدُ الخَمْرِ، بالشّامِ، وأُسُرٌ: بَلَدٌ من الحَزْنِ، وَكَانَ امرُؤُ القَيْسِ يَكُونُ بالحَزْنِ، والحَزْنُ: مِنْ بِلادِ بَنِي يَرْبُوع. وَفِي عِبارَةِ المُصَنّفِ، رحِمَه اللهُ تَعالَى، مَحَلُّ تَأَمَّل، وكَأَنَّه سَقَط مِنْهَا لَفْظُ بَلَدٍ، فَتَأَمَّلْ. و} الخِصُّ، بالكَسْرِ: النّاقِصُ، يُقَال: شَهْرٌ {خِصٌّ، أَيْ ناقِصٌ.} والإِخْصاصُ: الإِزْراءُ بالشَيْءِ. {وخُصَّى كرُبَّى: ة، كَبِيرَةٌ ببَغْدَادَ فِي طَرَفِ دُجَيْلٍ مِنْهَا مُحَمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ مُحَمّدِ بنِ المُهَنَّدِ} - الخُصِّيُّ الحَرِيمِيُّ السّقّاءُ، عَن أَبِي القاسِمِ ابنِ الحُصَيْنِ. وابنُه عليُّ بنُ محمَّدٍ عَن سَعِيدِ بنِ البَنّاءِ. و {خُصَّي: ة أُخْرَى شَرْقِيَّ المَوْصِلِ أَهْلُهَا جَمّالُونَ، والمَشْهُورُ فِيهَا:} خُصَّةُ.
{والخُصُوصُ، بالضَّمِّ: ع، بالكُوْفَةِ تُنْسَبُ إِلَيْهِ الدِّنَانُ} الخُصِّيَّةُ، عَلَى غَيْرِ قِياسٍ، وقِيلَ: مَوْضِعٌ بالحَيْرَةِ، وبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ العِبَادِيِّ:
(أَبْلِغْ خَلِيلِي عَبْدَ هِنْدٍ فَلا ... زِلْتَ قَرِيباً مِنْ سَوَادِ! الخُصُوصْ) والخُصُوصُ: ة، بمِصْرَ بِعَيْنِ شَمْس، مِنَ الشَّرْقِيَّةِ، ومِنْهَا الشَّرِيفُ الخُصُوصِيُّ المُحَدِّثُ، لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ اسْتِجْلابِ ارْتِقَاءِ الغُرَف، لِلسَّخاوِيّ. والخُصُوصُ: ة، من كُورَةِ أَسْيُوطَ.
والخُصُوصُ: ة، أُخْرَى بالشَّرْقِيَّةِ، وَهِي خُصُوصُ السَّعَادَةِ بمِصْرَ، ولَهَا عِدَّةُ كُفُورٍ، مِنْهَا الرُّومِيَّةُ، وَمن إِحْداها أَثِيرُ الدِّينِ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ بن مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدُ الشّافِعِيُّ الخُصُوصِيُّ، وُلِدَ فِي نَيِّفٍ وسِتِّينَ وسَبْعِمِائَةٍ، وسَمِعَ عَلَى التَنُوخِيِّ وابنِ المُلَقِّنِ والبُلْقَيْنِيِّ والعِرَاقِيِّ والهَيْتَمِيّ وابنِ خلْدُونَ، مَاتَ بالشامِ سنة. والخُصُوصُ: ع بالبَادِيَةِ وهُوَ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُه أَنّه بالحِيرَةِ بالقُرْبِ من الكُوْفَةِ، وفُسِّرَ بِهِ قَوْلُ عَدِيِّ بن زَيْدٍ. {والتَّخْصِيصُ: ضِد التَّعْمِيمِ، وهُوَ التَّفَرُّدُ بالشَّيْءِ مِمّا لَا تُشَارِكُه فِيه الجُمْلةُ، وبِهِ كُنِىَ عَبْدُ الوَهّابِ بنُ يُوسُفَ الوَفائِيّ أَبا التَّخْصِيصِ، مِن المُتَأَخِّرِين، وَهُوَ جَدُّ خاتِمَةِ بَنِي الوَفَاءِ مُحَمَّدِ أَبِي هادِي بنِ عَبْدِ الفَتّاحِ، نَفَعَنا اللهُ بهِم. والتَّخْصِيصُ أَيْضاً: أَخْذُ الغُلامِ قَصَبَةً فِيهَا نارٌ يُلَوِّحُ بِها لاعِباً، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ.} واخْتَصَّهُ بالشَّيْءِ {اخْتِصاصاً:} خَصَّهُ بهِ {فاخْتَّصَ} وتَخَصَّصَ، لازِمٌ مُتَعْدٍّ، ويُقَالُ: {اخْتَصَّ فُلانٌ بالأَمْرِ،} وتَخَصَّصَ لَهُ، إِذا انْفَرَدَ. ومِمّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه: يُقَال: {أَخَصَّهُ فهُوَ} مُخَصُّ بِهِ، أَي {خاصٌّ.} وخَصَّصَهُ {فتَخَصَّصَ.} وخَصَّهُ بِكَذَا: أَعْطَاهُ شَيْئاً كَثِيراً، عَنِ ابنِ الأَعْرَابِيِّ.)
! والخَصَاصَةُ: الغَيْمُ نَفْسُه. {والخَصَاصَةُ أَيْضاً: الفُرَجُ الَّتِي بينَ قُذَذِ السَّهْمِ، عَن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.
والخَصَاصَةُ: العَطَشُ والجُوعُ، ويُقَالُ: صَدَرَت الإِبِلُ وبِهَا} خَصَاصَةٌ، إِذا لَمْ تَرْوَ وصَدَرَتْ بعَطَشِهَا، وكَذلِك الرَّجُلُ إِذا لَمْ يَشْبَعْ من الطَّعَامِ، وكُلُّ ذلِكَ من المَجَازِ. {والخَصَاصَةُ مِن الكَرْمِ: الغصُنُْإِذا لَمْ يَرْوَ وخَرَجَ مِنْهُ الحَبُّ مُتَفَرِّقاً ضَعِيفاً. ويُقَالُ: هُوَ} يَسْتَخِصُّ فُلاناً، ويَسْتَخْلِصُهُ.
وَمن المَجَازِ: اخْتَصَّ الرّجُلُ: اخْتَلَّ، أَي افْتَقَرَ. وسَدَدْتُ {خُصَاصَةَ فُلانٍ، بالضّمِّ، أَيْ جَبَرْتُ فَقْرَه، كَمَا فِي الأَسَاسِ. وبَشِيرُ بنُ مَعْبَدِ بنِ شَرَاحِيلَ، عُرِفَ بابْنِ} الخَصَاصِيَّةِ، وهِيَ أُمُّه، واسْمُهَا مَارِيَةُ، صَحَابِيّ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ. قُلْتُ: وهِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى {خَصَاصٍ، واسْمُه الَّلاتُ بنُ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بن الغِطْرِيفِ الأَصْغَر، بَطْن من الأَزْدِ. وقَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيّ: هِنْدُ بِنْتُ} الخُصِّ، وبنتُ الخُسِّ، يُقَالانِ مَعَاً، وَقد تَقَدَّمَ فِي السِّينِ. وقاسِمٌ {الخَصّاصُ: مُحَدِّثٌ رَوَى عَنْ نَصْرِ بنِ عَليٍّ الجَهْضَمِيِّ، وعَنْهُ ابنُ مُجَاهِدٍ. وهَارُونُ} الخَصّاصُ، عَن مُصْعَبِ ابنِ سَعْدٍ. ومُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الخَصّاص الواسِطِيّ حَدَّثَ فِي حُدُودِ العِشْرِينَ والسِّتّمائَةِ. والخَاص وَادٍ من أَوْدِيَةِ خَيْبَرَ.
ويَزْد خَاص: مدِينَةٌ بالعَجَمِ. وخَاص، مِن قُرَى خُوَارِزْمَ. ومنْها أَبو الفَضْلِ المُؤَيَّدُ بنُ المُوَفَّقِ.
! - والخَاصِّيُّ: شَارِحُ الكَلِمِ النَّوَابِغ للزَّمَخْشَرِيِّ. {والأَخْصاصُ، بالفَتْحِ: قَرْيَةٌ بمِصْرَ، وقَدْ وَرَدْتُهَا.
} والخَاصَّةُ: لَقَبُ الأَمِيرِ أَبِي الحَسَنِ فائِقِ بنِ عبدِ اللهِ الأَنْدَلُسِيِّ، الرُّومِيِّ، لاخْتِصاصِه بالسُّلْطَانِ الأَمِيرِ السَّيِّدِ أَبِي صالِحٍ مَنْصُورِ بنِ نُوحٍ، وَالِي خُرَاسَانَ، سَمِعَ بمَرْوَ، وببُخَارَا، وبالكُوْفَةِ، ورَوَى عَنهُ الحَافِظَانِ: أَبو عَبْدِ اللهِ بنُ البَيِّع، وابنُ غُنْجار، وتُوُفِّيَ ببُخَارَا سنة. وخَاوُص بضّمِّ الواوِ: قَرْيَةٌ فَوْقَ سَمَرْقَنْدَ، مِنْهَا أَبو بَكْرٍ مُحَمّد ابْن أَبِي بكر الخَاوُصِيّ الخَطِيبُ، حَدَّثَ بسَمَرْقَنْدَ عَنْ أَبِي الحَسَن المُطَهَّرِيِّ، وَعنهُ أَبو حَفْصٍ النَّسَفِيُّ.

نيس

نيس
نَيْسان: الشَهْرُ السّابِعُ من الشُّهُورِ بالرُّوْمِيَّة.

نيس



نَيْسَانُ [vulg. نِيسَان] The seventh of the Greek [or Syrian] months; (K;) [corresponding to April, O. S.] It is [said to be] a property of the water of its rain, that dough kneaded with it ferments without other treatment. (TA.)
نيس
{نَيْسانُ، بالفَتْحِ: سابِعُ الأَشْهُرِ الرُّومِيَّة، وَمن خَواصِّ ماءِ مَطَرِه أَنَّه إِذا عَجِنَ مِنْهُ العَجِينُ إخْتَمَرَ من غيرِ عِلاجٍ، كَمَا صَرَّح بِهِ أَهْلُ الإختياراتِ. والمُهَلاَّ بنُ سَعِيدِ بنِ عَلِيٍّ} - النَّيسَائِيُّ الخَزْرَجِيّ، إِلى {} نَيْساءَ، بالفَتْح: مَوْضعٍ باليَمَن. وحَفيدُه عبدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بن المُهَلاَّ، وُلِدَ فِي بَلَدِ الوَعْلِيَّه، من الشَّرَف الأَعْلَى سنة، رَوَى عَن الفَقِيهِ المُحَدِّثِ عبدِ الرَّحْمنِ بنِ الحُسَينِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ إِبراهَيمَ بنِ دَاوؤدَ النَّزِيِليّ الشامِيّ فِي الغَرْبِيِّ

نيلوفر

نيلوفر
نَيْلُوفَر/ نِيلُوفَر [جمع]: (نت) جنس نباتات مائيّة من الفصيلة النيلوفريّة، فيه أنواع تُزرع لورقها وزهرها، ومن أنواعه اللُّوطس، أي عرائس النِّيل وتُسمّى: (البشنين). 
نيلوفر
النَّيْلَوْفَر، أهمله الْجَمَاعَة، وَهُوَ بِفَتْح النُّون واللامِ وَالْفَاء، وَيُقَال: النَّيْنَوْفَر، بقلب اللَّام نوناً، وَهُوَ ضربٌ من الرَّياحين يَنْبُتُ فِي الْمِيَاه الرّاكدة، وَهُوَ المُسمّى عِنْد أهلِ مصر بالبَشْنين، ويقوله العَوامّ النَّوْفَر، كَجَوْهر، باردٌ فِي الثَّالِثَة، رطبٌ فِي الثَّانِيَة، مُلَيِّنٌ للصَّلابات وصالحٌ للسُّعال وأَوْجَاعِ الجَنبِ والرِّئة والصَّدر، وَإِذا عُجِنَ أَصْلُه بالماءِ وطُلي بِهِ البَهَقُ مرّات ٍ أزاله، عَن تجربة، وَإِذا عُجِن بالزِّفْتِ أزالَ داءَ الثَّعلب، ويُتَّخَذُ مِنْهُ شرابٌ فائقٌ، وَله خَواصُّ ذكرهَا الْحَكِيم دَاوُود فِي التَّذكِرة. وقرأتُ فِي كتابِ سُرور النَّفْسِ للإمامِ بدر الدّين مظفّر بن قَاضِي بَعْلَبَكّ مَا نصُّه: نَيْلَوْفَر أقسامٌ كثيرةُ الْوُجُود، مِنْهُ بِالشَّام، وَهُوَ المستعمَل فِي الطِّيب، وَمِنْه نوعٌ فِي مصر أَزْرَق، ومِزاجُه باردٌ رَطْب فِي الثَّانِيَة وشَمُّه نافعٌ من الأمراضِ الحارّة والكُرَب، وماؤُه كَذَلِك، وشرابُه يَنْفَعُ من السُّعال والخُشونةِ ووجعِ الجَنْب والصَّدر، ويُلَيِّنُ البطنَ، وَقد ذكر صاحبُ الْإِرْشَاد وصاحبُ الموجز أنَّ شرابَه دونَ الأشرِبَة الحُلوَة لَا يَسْتَحِيل إِلَى الصَّفْراء، وَهَذَا عَجِيب، ودُهنُه أَبْرَدُ وأَرْطَبُ من دُهنِ البنفسج، وَلَيْسَ فِي الأزهار أبردُ وأرطبُ مِنْهُ.
وذكرَ الرّازيّ أنّ شمَّه ممّا يُضعِف النِّكاح. وشُربَه مِمَّا يَقْطَعه، وَهُوَ مَعَ هَذَا مُفرح للقلبِ نافعٌ للخَفَقان. انْتهى.

نيلوفر



نِيلُوفَرٌ, (Msb,) and نَيْلُوفَرٌ, (Msb, and so in the CK,) or نَيْلَوْفَرٌ, (so in copies of the K, and so accord. to the TA,) or, as some say, نَيْنُوفَرٌ, or نَيْنُوْفَرٌ, (accord. to different copies of the K,) [The nymphæa, or lotus of Egypt and of Syria;] a certain well-known plant; (Msb;) a kind of sweet-smelling plant, which grows in stagnant waters, (K, TA,) called by the people of Egypt بشنين, [i. e. بَشْنِين,] and by the vulgar نَوْفَر; (TA;) [both of which last names are now given in Egypt to the nymphæa lotus, or white lotus, found in the neighbourhoods of Rosetta and Damietta; and the former, also, or perhaps both, to the nymphæa cærulea, or blue lotus, found in the same parts, and, until within a few years, in a lake on the north of Cairo, called Birket erRatlee, whence I have twice procure roots of this plant:] نيلوفر [written in Persian نِيلْپَرْ and نِيلُوپَرْ and نِيلُوبَرْكْ &c.] is a Persian word (أَعْجَمِيَّةٌ), and is said to be composed of نِيل, [or indigo,] with which one dyes, and the name for a wing, [i. e., پَرْ;] as though “ winged with نِيل [or indigo]; ” because the leaf is as though its two wings were dyed [with indigo]: (Msb:) the plant so called is cold in the third degree, moist in the second degree, emollient, good for cough and for pains of the side and lungs and chest; when its root, or lower part, (أَصْل,) is kneaded with water, and used as a liniment, several times, it removes the disease called البَهَق; and when kneaded with زِفْت, it removes the disease called دَآءُ الثَّعْلَبِ: (K, TA:) an excellent beverage is also prepared from it. (TA.) The imám Bedred-Deen Mudhaffar, son of the Kádee of Baalabekk, says, in his book entitled Suroor en-Nefs, that it is of many species; whereof [one or more] in Syria, used in perfume; and a species in Egypt, blue; and that its temperament is cold and moist in the second degree; that the smelling it is useful against hot diseases, and anxiety; and its juice in like manner; and that the beverage prepared from it is useful as a remedy for cough and roughness [of the throat] and pain of the side and chest, and is a laxative. The author of the Irshád and that of the Moojiz also mention, that the beverage prepared from it is an exception from other sweet beverages inasmuch as it does not become converted into yellow bile, which is wonderful; and its oil is more cold and moist than that of violets; and there is no flower more cold and moist than it. Er-Rázee, too, says that the smelling it is one of the causes of weakening the generative faculty, and that the beverage is one of the causes of stopping it; [for which purpose, or as an antiaphrodisiac, it is used in the present day by some of the women of Cairo;] notwithstanding which, it rejoices the heart, and is useful for palpitation of the heart. This art. is omitted by J and Sgh and the author of the L. (TA.)

علم الفلسفيات

علم الفلسفيات
العلوم الفلسفية أربعة أنواع: رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية. فالرياضية على أربعة أقسام.
الأول: علم الأرتماطيقي وهو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس نيقوماخس وتحته علم الوفق وعلم الحساب الهندي وعلم الحساب القبطي والزنجي وعلم عقد الأصابع.
الثاني: علم الجومطريا وهو علم الهندسة بالبراهين المذكورة في إقليدس ومنها علمية وعملية وتحتها علم المساحة وعلم التكسير وعلم رفع الأثقال وعلم الحيل المائية والهوائية والمناظر والحزب.
الثالث: علم الإسطرلاب قوميا وهو: علم النجوم بالبراهين المذكورة في المجسطي وتحت علم الهيئة والميقات والزيج والتحويل.
الرابع: علم الموسيقى وتحته علم الإيقاع والعروض، والثاني العلوم المنطقية وهي خمسة أنواع:
الأول: أنولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر.
الثاني: بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب.
الثالث: بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل.
الرابع: الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان. الخامس: سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة.
والثالث العلوم الطبيعية وهي سبعة أنواع:
الأول: علم المبادئ وهو: معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي: الهيولى والصورة والزمان والمكان والحركة.
الثاني: علم السماء والعالم وما فيه.
الثالث: علم الكون والفساد.
الرابع: علم حوادث الجو.
الخامس: علم المعادن.
السادس: علم النبات.
السابع: علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه.
الرابع: العلوم الإلهية وهي خمسة أنواع:
الأول: علم الواجب وصفته.
الثاني: علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية الفعالة التي هي الملائكة.
الثالث: العلوم النفسانية وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض.
الرابع: علم السياسات وهي خمسة أنواع:
الأول: علم سياسة النبوة.
الثاني: علم سياسة الملك وتحته الفلاحة والرعايا وهو الأول المحتاج إليه في أول الأمر لتأسيس المدن.
الثالث: علم قود الجيش ومكائد الحرب والبيطرة والبيزرة وآداب الملوك.
الرابع: العلم المدني كعلم سياسة العامة وعلم سياسة الخاصة وهي سياسة المنزل.
الخامس: علم سياسة الذات وهو علم الأخلاق.
فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
من كلام ابن خلدون رحمه الله وهذا الفصل مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعلل بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وإن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق.
ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صورا منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل؛ ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معاني أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معاني أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا أن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية.
وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني.
فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية لطلب الإدراك وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو.
ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين.
وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس.
ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس والحيوانات ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان.
ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل واحد أول مفرد وهو العاشر ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالقضاء وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة وإن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم.
وأمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر1 ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق ويعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات.
ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها.
وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة. أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما.
واعلم: إن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفائهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك ويخلق ما لا تعلمون وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء.
وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضوا على مغيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض.
أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينية لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة والموجودات الخارجية متشخصة بموادها ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا ما يشهدوا له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها.
وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لها ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية.
وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق الأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسن من الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزئين.
أحدهما: جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزئين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الاتبهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس حصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة أمانة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم.
فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر ونحن أول شيء نعني به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له فادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة وتلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك الموانع عنها ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده.
وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس.
وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنا إنما تبين لنا بما قرروه إن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة وإنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.
وأما قولهم أن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفي إدراكه بجمله روحانيا أو جسمانيا والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشرة ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا به الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون.
وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية والروحانية فهذا التهذيب الذي توصولنا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين.
وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا به الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأملا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعميهم أبو علي بن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه أن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة قلنا في البراهين عليه سعة.
وأما المعاد الجسماني أحواله فلا يمكننا إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيرا ما يستعلمونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكه الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم هم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار.
هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطيها فليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو عن علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطيها والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
قال الغزالي في الإحياء: الفلسفة ليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء.
أحدها: الهندسة والحساب وهما مباحان ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما خوفا عليه من أن القوي يندب إلى مخالطتهم.
قال الثاني: المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام.
الثالث: الإلهيات وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفرد بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة.
الرابع: الطبيعيات بعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصــها وكيفية استحالتها وتغييرها وهو شبيه بنظر الأطباء ولا حاجة إليها وإنما حدث ذلك بحدوث البدع إلى آخر ما قال والله أعلم.

القرآن

القرآن:
[في الانكليزية] The Koran
[ في الفرنسية] Le Coran
بالضم اختلف فيه. فقيل هو اسم علم غير مشتقّ خاصّ بكلام الله فهو غير مهموز وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي. وقيل هو مشتقّ من قرنت الشيء بالشيء سمّي به لقران السور والآيات والحروف فيه. وقال الفرّاء هو مشتقّ من القرائن وعلى كلّ تقدير فهو بلا همزة ونونه أصلية. وقال الزجاج هذا سهو والصحيح أنّ ترك الهمزة فيه من باب التخفيف، ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها. واختلف القائلون بأنّه مهموز، فقيل هو مصدر لقرأت سمّي به الكتاب المقروء من باب تسميته بالمصدر. وقيل هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع كذا في الاتقان. قال أهل السّنّة والجماعة: القرآن ويسمّى بالكتاب أيضا كلام الله تعالى غير مخلوق وهو مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتنا مسموع بآذاننا غير حالّ فيها أي مع ذلك ليس حالّا في المصاحف ولا في القلوب والألسنة والآذان، لأنّ كلام الله ليس من جنس الحروف والأصوات لأنّها حادثة، وكلام الله صفة أزلية قديمة منافية للسكوت الذي هو ترك التكلّم مع القدرة عليه والآفة التي هي عدم مطاوعة الآلات بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى يلفظ ويسمع بالنّظم الدّال عليه ويحفظ بالنظم المخيل ويكتب بنقوش وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه، كما يقال النار جوهر محرق يذكر باللفظ ويكتب بالقلم ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتا وحرفا. وتحقيقه أنّ للشيء وجودا في الأذهان ووجودا في الكتابة. فالكتابة تدلّ على العبارة وهي على ما في الأذهان وهو على ما في الأعيان، فحيث يوصف القرآن بما هو من لوازم القديم كقولنا القرآن غير مخلوق فالمراد حقيقته الموجودة في الخارج، وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات يراد به الألفاظ المنطوقة المسموعة كقولك قرأت نصف القرآن أو المخيلة كقولك حفظت القرآن أو الأشكال كقولك يحرم للمحدث مسّ القرآن. ثم الكلام القديم الذي هو صفة لله تعالى يجوز أن يسمع وهو مذهب الأشعري ومنعه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني، وهو اختيار الشيخ أبي منصور رحمه الله تعالى. فمعنى قوله: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ يسمع ما يدلّ عليه كما يقال سمعت علم فلان. فموسى صلوات الله عليه سمع صوتا دالّا على كلام الله، لكن لمّا كان بلا واسطة الكتاب والملك خصّ باسم الكليم. وقيل خصّ به لما سمعه من جميع الجهات على خلاف المعتاد. وأمّا من يجوّز سماعه فهو يقول خصّ به لأنّه سمع كلامه الأزلي بلا حرف وصوت كما يرى ذاته تعالى في الآخرة بلا كمّ ولا كيف.
فإن قيل لو كان كلام الله حقيقة في المعنى القديم مجازا في النّظم المؤلّف يصحّ نفيه عنه بأن يقال ليس النّظم كلام الله والإجماع على خلافه، وأيضا المعجز هو كلام الله حقيقة مع القطع بأنّ الإعجاز إنّما يتصوّر في النظم.
قلنا التحقيق أنّ كلام الله تعالى مشترك بين الكلام النفسي القديم ومعنى الإضافة كونه صفة له تعالى وبين اللفظي الحادث، ومعنى الإضافة حينئذ أنّه مخلوق له تعالى ليس من تأليفات المخلوقين، فلا يصحّ النفي أصلا ولا يكون الإعجاز إلّا في كلام الله تعالى. وما وقع في عبارة بعض المشايخ من أنّه مجاز فليس معناه أنّه غير موضوع للنظم بل إنّ الكلام في التحقيق وبالذات اسم للمعنى القائم بالنفس وتسمية اللفظ به وضعه لذاك إنّما هو باعتبار دلالته على المعنى، فلا نزاع لهم في الوضع والتسمية باعتبار معنى مجازي يكون حقيقة أيضا، كما يكون باعتبار معنى حقيقي. ويؤيّد هذا ما وقع في شرح التجريد من أنّه لا نزاع في إطلاق اسم القرآن وكلام الله بطريق الاشتراك على المعنى القائم بالنفس القديم وعلى المؤلّف الحادث وهو المتعارف عند العامة والقراء والأصوليين والفقهاء وإليه يرجع الــخواص التي هي من صفات الحادث. وإطلاق هذين اللفظين عليه ليس بمجرد أنّه دالّ على كلامه القديم حتى لو كان مخترع هذه الألفاظ غير الله تعالى لكان الإطلاق بحاله، بل لأنّ له اختصاصا به تعالى وهو أنّه اخترعه بأن أوجد أولا الأشكال في اللوح المحفوظ لقوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ والأصوات في لسان الملك لقوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ثم اختلفوا، فقيل القرآن وكلام الله اسمان لهذا المؤلّف المخصوص القائم بأوّل لسان اخترعه الله تعالى فيه، حتى إنّ ما يقرأه كلّ أحد سواه بلسان يكون مثله لا عينه. والأصحّ أنّه اسم له لا من حيث تعيّن المحلّ فيكون واحدا بالنوع ويكون ما يقرأه القارئ أيّ قارئ كان نفسه لا مثله، وهكذا الحكم في كلّ متغيّر وكتاب ينسب إلى مؤلّفه. وعلى التقديرين فقد يجعل اسما للمجموع بحيث لا يصدق على البعض وقد يجعل اسما بمعنى كلّ صادق على المجموع وعلى كلّ بعض من أبعاضه.
وبالجملة فما يقال إنّ المكتوب في كلّ مصحف والمقروء بكل لسان كلام الله، فباعتبار الوحدة النوعية. وما يقال إنّه حكاية عن كلام الله ومماثل له وإنّما الكلام هو المخترع في لسان الملك فباعتبار الوحدة الشخصية. وما يقال إنّ كلام الله ليس قائما بلسان أو قلب ولا حالّا في مصحف فيراد به الكلام الحقيقي النفسي. ومنعوا من القول بحلول اللفظي أيضا رعاية للتأدّب واحترازا عن ذهاب الوهم إلى الحقيقي النفسي، على أنّ إطلاق اسم المدلول على الدّال وكذا إجراء صفات الدّال على المدلول شائع ذائع مثل: سمعت هذا المعنى من فلان انتهى كلامه. وقال صاحب المواقف إنّ المعنى من قول مشايخنا كلام الله تعالى معنى قديم ليس المراد به مدلول اللفظ بل الأمر القائم بالغير فيكون الكلام النفسي عندهم أمرا شاملا للفظ والمعنى جميعا قائما بذاته تعالى وهو مكتوب في المصاحف مقروء بالألسنة محفوظ في الصدور، وهو غير القراءة والكتابة والحفظ الحادثة. وما يقال من أنّ الحروف والألفاظ مترتّبة متعاقبة فجوابه أنّ ذلك الترتّب إنما هو في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الآلة، فالتلفّظ حادث والأدلة الدالة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلة انتهى. قيل عليه القول بأنّ ترتّب الحروف إنّما هو في التلفّظ دون الملفوظ، فالتلفّظ حادث دون الملفوظ أمر خارج عن العقل وما ذلك إلّا مثل أن يتصوّر حركة تكون أجزاؤها مجتمعة في الوجود لا يكون لبعضها تقدّم على بعض، ويندفع بما قيل إنّ المراد بالملفوظ هو اللفظ القائم به تعالى وبالتلفّظ اللفظ القائم بنا عبّر عنه بالتلفّظ، فرقا بينهما وإشعارا بأنّ اللفظ الحادث كالنسبة المصدرية لكونه غير قارّ، ولولا هذا الاعتبار لكان القول بقدم الملفوظ دون التلفّظ تناقضا، وبه يندفع من أنّ حمل المعنى على الأمر القائم بالغير بعيد جدا لأنّ الأدلة إنّما تدلّ على حدوث ماهية القرآن لا حدوث التلفّظ لأنّه ليس بقرآن، وذلك لأنّ اللفظ يعدّ واحدا في المحال كلها وتباينه إنّما هو بتباين الهيئات. فاللفظ القائم بنا وبه تعالى واحد حقيقة، والأول حادث والثاني قديم.
فإن قيل يفهم من هذا التوجيه أنّه لا ترتّب في اللفظ القائم بذاته تعالى فيلزم عدم الفرق بين لمع وعلم. قيل ترتّب الكلمات وتقدّم بعضها على بعض لا يقتضي الحدوث لأنّ التقدّم ربما لا يكون زمانيا كالحروف المنطبعة في شمعة دفعة من الطابع عليه، وقد يمثل أيضا بوجود الألفاظ في نفس الحافظ فإنّ جميعها مع الترتيب المخصوص مجتمعة الوجود فيها وليس وجود بعضها مشروطا بانقضاء البعض وانعدامه عن نفسه. والفرق بأنّ وجود الحرف على هذا الوجه في ذاته تعالى بالوجود العيني وفي نفس الحافظ بالظلّي لا يضرّ إذ الغرض منه مجرّد التصوير والتفهيم لا إثباته بطريق التمثيل، فحينئذ يكون الحاصل أنّ الترتيب المقتضي للحدوث إنّما هو في التلفّظ أي اللفظ القائم بنا، هذا غاية توجيه المقام فافهم.
فائدة:
في بيان كيفية الإنزال قال في الاتقان وفيه مسائل. الأولى قال الله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وقال إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال. الأول وهو الأصح الأشهر أنّه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجّما في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة.
الثاني أنّه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة القدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، في كلّ ليلة ما يقدر الله إنزاله في كلّ سنة، ثم نزل بعد ذلك منجّما في جميع السنة، وهذا القول ذكره الرازي بطريق الاحتمال ثم توقّف. هل هذا أولى أو الأول؟ قال ابن كثير وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبى عن مقاتل بن حيان، وحكى الإجماع على أنّه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا. الثالث أنّه ابتدأ انزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجّما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات، وبه قال الشعبي. قال ابن حجر والأول هو الصحيح المعتمد. قال وحكى الماوردي قولا رابعا أنّه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأنّ الحفظة نجّمته على جبرئيل في عشرين ليلة وأنّ جبرئيل نجّمه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عشرين سنة، والمعتمد أنّ جبرئيل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة. قال أبو شامة:
نزوله جملة إلى سماء الدنيا قبل ظهور نبوّته ويحتمل أن يكون بعدها، قيل الظاهر هو الثاني. قيل السرّ في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أنّ هذا آخر الكتب المنزّلة على خاتم الرسل أشرف الأمم قد قرّبناه إليهم لننزّله عليهم، ولولا أنّ الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجّما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزّلة قبله، ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرّقا تشريفا للمنزّل عليه. وقيل إنزاله منجّما لأنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلّ حادثة كان أقوى للقلب وأشدّ عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه فيحدث له من السرور ما يقصر عنه العبارة. والثانية في كيفية الإنزال والوحي.
قال الأصفهاني اتفق أهل السّنة والجماعة على أنّ كلام الله منزّل واختلفوا في معنى الإنزال.
فمنهم من قال إظهار القراءة، ومنهم من قال إنّ الله تعالى ألهم كلامه جبرئيل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلّمه قراءته ثم جبرئيل أدّاه إلى الأرض وهو يهبط في المكان. وفي التنزيل طريقان أحدهما أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم انخلع من الصورة البشرية إلى الصورة الملكية وأخذه من جبرئيل، ثانيهما أنّ الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه، والأوّل أصعب الحالين. وقال القطب الرازي إنزال الكلام ليس مستعملا في المعنى اللغوي الحقيقي وهو تحريك الشيء من العلو إلى السفل بل هو مجاز. فمن قال بقدمه فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدّالّة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ، ومن قال بحدوثه وأنّه هو الألفاظ فإنزاله مجرّد إثباته في اللوح المحفوظ. ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في سماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقّفها الملك من الله تلقّفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم.

وقال غيره فيه ثلاثة أقوال: الأول أنّ المنزّل هو اللفظ والمعنى وأنّ جبرئيل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به، وذكر بعضهم أنّ أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كلّ حرف منها بقدر جبل قاف، وأنّ تحت كلّ حرف منها معان لا يحيط بها إلّا الله. الثاني أنّ جبرئيل عليه السلام إنّما نزل بالمعاني خاصة وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم علم تلك المعاني وعبّر عنها بلغة العرب لقوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ، الثالث أنّ جبرئيل ألقى عليه المعنى وأنّه عبّر بهذه الألفاظ بلغة العرب، وأنّ أهل السماء يقرءونه بالعربية ثم أنّه نزل به كذلك بعد ذلك. وقال الجويني كلام الله المنزّل قسمان. قسم قال الله تعالى لجبرئيل قل للنبي الذي أنت مرسل إليه إنّ الله يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا وكذا، ففهم جبرئيل ما قاله ربّه ثم نزل على ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له ما قاله ربّه، ولم تكن العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع الجند للقتال، فإن قال الرسول يقول لك الملك لا تتهاون في خدمتي واجمع الجند وحثّهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة. وقسم آخر قال الله تعالى لجبرئيل اقرأه على النبي هذا الكتاب فنزل جبرئيل بكلمة الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلّمه إلى أمين ويقول اقرأه على فلان فهو لا يغيّر منه كلمة ولا حرفا. قيل القرآن هو القسم الثاني والقسم الأول هو السّنّة. كما ورد أنّ جبرئيل كان ينزل بالسّنّة كما ينزل بالقرآن. ومن هاهنا جاز رواية السّنّة بالمعنى لأنّ جبرئيل أدّاه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأنّ جبرئيل أدّاه باللفظ. والسّرّ في ذلك أنّ المقصود منه التعبّد بلفظه والإعجاز به وأنّ تحت كلّ حرف منه معان لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه، والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزّل إليهم على قسمين: قسم يروونه بلفظ الموحى به وقسم يروونه بالمعنى، ولو جعل كلّه مما يروى باللفظ لشقّ أو بالمعنى لم يؤمن من التبديل والتحريف. الثالثة للوحي كيفيات. الأولى أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح وفي مسند احمد (عن عبد الله بن عمر سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل تحسّ بالوحي؟ فقال أسمع صلاصل ثم اسكت عند ذلك. فما من مرّة يوحى إليّ إلّا ظننت أنّ نفسي تقبض). قال الخطابي المراد أنّه صوت متداول يسمعه ولا يتبينه أوّل ما يسمعه حتى يفهمه بعد. وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك، والحكمة في تقدّمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقي فيه مكانا لغيره. وفي الصحيح أنّ هذه الحالة أشدّ حالات الوحي عليه. وقيل إنّه إنّما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد. الثانية أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال صلى الله عليه وآله وسلم (إنّ روح القدس نفث في روعي) أخرجه الحاكم، وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه. الثالثة أن يأتيه في صورة رجل فيكلّمه كما في الصحيح (وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول) زاد أبو عوانة في صحيحة وهو أهونه عليّ. الرابعة أن يأتيه في النوم وعدّ من هذا قوم سورة الكوثر. الخامسة أن يكلّمه الله تعالى إمّا في اليقظة كما في ليلة الإسراء أو في النوم كما في حديث معاذ (أتاني ربّي فقال فيم يختصم الملأ الأعلى) الحديث انتهى ما في الإتقان.
وقال الصوفية القرآن عبارة عن الذات التي يضمحلّ فيها جميع الصفات فهي المجلى المسمّى بالأحدية أنزلها الحقّ تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليكون مشهد الأحدية من الأكوان. ومعنى هذا الإنزال أنّ الحقيقة الأحدية المتعالية في ذراها ظهرت بكمالها في جسده، فنزلت عن أوجها مع استحالة العروج والنزول عليها، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم لما تحقّق بجسده جميع الحقائق الإلهية وكان مجلى الاسم الواحد بجسده، كما أنّه بهويته مجلى الأحدية وبذاته عين الذات، فلذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنزل عليّ القرآن جملة واحدة) يعبّر عن تحقّقه بجميع ذلك تحقّقا ذاتيا كليا جسميا، وهذا هو المشار إليه بالقرآن الكريم لأنه أعطاه الجملة، وهذا هو الكرم التّام لأنّه ما ادّخر عنه شيئا بل أفاض عليه الكلّ كرما إلهيا ذاتيا. وأمّا القرآن الحكيم فهو تنزّل الحقائق الإلهية بعروج العبد إلى التحقّق بها في الذات شيئا فشيئا على مقتضى الحكمة الإلهية التي يترتّب الذات عليها فلا سبيل إلى غير ذلك، لأنّه لا يجوز من حيث الإمكان أن يتحقّق أحد بجميع الحقائق الإلهية بجهده من أوّل إيجاده، لكن من كانت فطرته مجبولة على الألوهة فإنّه يترقّى فيها ويتحقّق منها بما ينكشف له من ذلك شيئا بعد شيء مرتبا ترتيبا إلهيا. وقد أشار الحقّ إلى ذلك بقوله:
وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا، وهذا الحكم لا ينقطع ولا ينقضي، بل لا يزال العبد في ترقّ، وهكذا لا يزال الحقّ في تجلّ، إذ لا سبيل إلى استيفاء ما لا يتناهى لأنّ الحقّ في نفسه لا يتناهى. فإن قلت ما فائدة قوله: أنزل عليّ القرآن جملة واحدة؟ قلنا ذلك من وجهين: الوجه الواحد من حيث الحكم لأنّ العبد الكامل إذا تجلّى الحقّ له بذاته حكم بما شهده أنّه جملة الذات التي لا تتناهى وقد تنزّلت فيه من غير مفارقة لمحلها الذي هو المكانة. والوجه الثاني من حيث استيفاء بقيات البشرية واضمحلال الرسوم الخلقية بكمالها لظهور الحقائق الإلهية بآثارها في كلّ عضو من أعضاء الجسد. فالجملة متعلّقة بقوله على هذا الوجه الثاني، ومعناها ذهاب جملة النقائص الخلقية بالتحقّق بالحقائق الإلهية.
وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنزل القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا) ثم أنزله الحقّ عليه آيات مقطّعة بعد ذلك، هذا معنى الحديث. فإنزال القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا إشارة إلى التحقّق الذاتي، ونزول الآيات مقطّعة إشارة إلى ظهور آثار الأسماء والصفات مع ترقّي العبد في التحقّق بالذات شيئا فشيئا. وقوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فالقرآن العظيم هاهنا عبارة عن الجملة الذاتية لا باعتبار النزول ولا باعتبار المكانة بل مطلق الأحدية الذاتية التي هي مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات والشئون والاعتبارات المعبّر عنها بساذج الذات مع جملة الكمالات.
ولذا قورن بلفظ العظيم لهذه العظمة، والسبع المثاني عبارة عمّا ظهر عليه في وجوده الجسدي من التحقّق بالسبع الصفات. وقوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ إشارة إلى أنّ العبد إذا تجلّى عليه الرحمن يجد في نفسه لذة رحمانية تكسبه تلك اللذة معرفة الذات فتتحقّق بحقائق الصفات، فما علّمه القرآن إلّا الرحمن وإلّا فلا سبيل إلى الوصول إلى الذات بدون تجلّي الرحمن الذي هو عبارة عن جملة الأسماء والصفات، إذ الحقّ تعالى لا يعلم إلّا من طريق أسمائه وصفاته فافهم، ولا يعقله إلّا العالمون، كذا في الانسان الكامل.
القرآن: عند أهل الفقه: اللفظ المنزل على محمد للإعجاز بسورة منه، المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا.القرآن عند أهل الحق: العلم اللدني الإجمالي الجامع للحقائق كلها.
القرآن
هو العلم الخاص بهذا الكتاب الذى نزل على محمد، لم يشركه غيره من كتب الله في هذا الاسم، وقد اختار الكتاب العزيز له من الصفات ما يوضّح رسالته، والهدف الذى نزل من أجله، فهو هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة 97). هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (البقرة 185). هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران 138).
هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ (فصلت 44). يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (الأحقاف 30). أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (الكهف 1، 2). فرسالة القرآن الأساسية هداية الناس إلى الحق وطريق الصواب، وتبشير المهتدى وإنذار الضال، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (الإسراء 9، 10).
وإذا كان الكتاب قد أنزل للهداية صحّ وصفه بأنه شفاء، أليس هو بلسما يبرئ أدواء القلوب، ودواء لعلل النفوس، وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الإسراء 82). وصح وصفه بأنه كالمصباح، يخرج الناس من الظلمات إلى النور، كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم 1). وبأنه لم يدع سبيلا للإرشاد إلا بيّنه، وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (النمل 89). ولما كان كتاب هداية كان واضحا في دلالته، بيّنا في إرشاده، هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (العنكبوت 49). وكان خير ذكرى، يلجأ إليه المسترشد فيرشد، والضال فيجد عنده التوفيق والهداية، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (الأنعام 90). وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (الزخرف 44). وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا (الإسراء 41). وهو ذكر مبارك، ناضج الثمر، جليل الأثر، وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (الأنعام 92). وهو حق لا مرية فيه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت 42). وهو قول فصل وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (الطارق 14). وكتاب حكيم، وذكر مبين، قد أحكمت آياته، ثم فصلت.
أليس كتاب هذا شأنه وتلك صفاته جديرا بالاتّباع، خليقا بالاسترشاد والاقتداء، أو ليس في تلك الصفات ما يحرك النفس إلى الاستماع إليه، وتدبر آياته، والإنصات إلى عظاته، ولا سيما أنه كثيرا ما يقترن بذكر الحكمة، وفي الحكمة ما يغرى بحبها واتباعها، إذ يقول: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة 151).
وردد القرآن كثيرا أنه نزل من الله بالحق، وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (الإسراء 105). ويؤكد ذلك في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (الإنسان 23). وينفى أن يكون وحى شيطان، أو أن يستطيع الشياطين الإيحاء بمثله، وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (الشعراء 192 - 194).
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (الشعراء 210، 211). ويؤكد في صراحة أن الإنس والجن مجتمعين لا يستطيعون الإتيان بمثل القرآن، ولو ظاهر بعضهم بعضا، وإذا كان المجيء به مما ليس في طوق مخلوق فمن غير المعقول أن يفترى من دون الله، وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس 37). ولما ادعى المعارضون أن محمدا تقوّله أو افتراه تحداهم القرآن أن يأتوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (الطور 34). ثم تحداهم أن ائتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (هود 13). ثم نزل إلى سورة مثله، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (القصص 50). ويتحدث القرآن في صراحة عما كان يمكن أن ينتظر محمدا من الجزاء الصارم لو أنه افترى أو تقوّل، فقال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (الحاقة 44 - 47). أرأيت كيف يصوّر القرآن، كيف يلتزم محمد ما أوحى إليه، من غير أن يستطيع تعدى الحدود التى رسمت له، فى جلاء ووضوح، لأنه ليس سوى رسول عليه بلاغ ما عهد إليه أن يبلغه فى أمانة وصدق.
كما ردد كثيرا أنه بلسان عربىّ مبين، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف 2).
وفي ترديد هذه الفكرة ودفع العجمة عن القرآن، ما يدفع العرب إلى التفكير في أمره وأن كونه بلسانهم ثمّ عجزهم عن المجيء بمثله، مع تحديهم صباح مساء، دليل على أنه ليس من عند محمد، ولا قدرة لمحمد على الإتيان بقرآن مثله، وهو بهذا الوصف يقرر عجزهم الدائم، وأنه لا وجه لهم في الانحراف عن جادة الطريق، وما يدعو إليه العقل السليم، والتفكير المستقيم.
وقرّر أنه كتاب متشابه مثان، ومعنى تشابهه أن بعضه يشبه بعضا في قوة نسجه، وعمق تأثيره، وإحكام بلاغته، فكل جزء مؤثر بألفاظه وأفكاره وأخيلته وتصويره، ومعنى أنه مثان أن ما فيه من معان يثنى في مواضع مختلفة، ومناسبات عديدة، فيكون لهذا التكرير أثره في الهداية والإرشاد، وهو بهذا التكرير يؤدى رسالته التى جاء من أجلها، ولذا كان بتشابهه وتكرير ما جاء به من عظات، مؤثرا أكبر الأثر في القلوب، حتى لتقشعرّ منه جلود أولئك الذين يتدبرونه، وتنفعل له قلوبهم، ثم لا يلبثون أن تطمئن أفئدتهم إلى هداه، وتهدأ نفوسهم إلى ذكر الله، اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (الزمر 23). ويعرف القرآن ما له من تأثير قوى بالغ حتى لتتأثر به صم الحجارة إذا أدركت معناه، لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (الحشر 21).
ومع طول القرآن وتعدد مناحيه لا عوج فيه، ولا اضطراب في أفكاره ولا أخيلته، أو لا ترى أن أمّيا لا يستطيع تأليف كتاب على هذا القدر من الطول من غير أن يقع فيه الخلل والاختلاف والاضطراب، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (النساء 82).
ومما أكده القرآن أنه مصدّق لما نزل قبله من التوراة والإنجيل، وإلى جانب ذلك، سجل القرآن ما قابله به أهل الكتاب والمشركون، من كفر به وإنكار له، أما بعض أهل الكتاب فقد مضوا يكابرون، منكرين أن يكون الله قد أنزل كتابا على إنسان، وما كان أسهل دحض هذه الفرية بما بين أيديهم من كتاب موسى، يبدون بعضه ويخفون الكثير منه، قال سبحانه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (الأنعام 91). ولم يزد الكثير من أهل الكتاب نزول القرآن إلا تماديا فى الكفر وشدة في الطغيان، قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
(المائدة 68). وقالوا إن محمّدا يتعلم القرآن من إنسان عليم بأخبار الماضين، وكان من السهل أيضا إبطال تلك الدعوى، فإن هذا الذى زعموه يعلمه ذو لسان أعجمى، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل 103). ثم زعموا أنه إفك اختلقه، وأعانه على إتمامه سواه ممن يعرفون أساطير الأولين ويتقنونها، وهنا يرد القرآن في هدوء بأن هذه الأسرار التى في القرآن، والتى ما كان يعلمها محمد ولا قومه، إنما أنزلها الذى يعلم أسرار السموات والأرض، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان 4 - 6). ونزلوا في المكابرة إلى أعمق درك، فزعموا مرة أن ليس ما في القرآن من أخبار سوى أضغاث أحلام، وحينا زعموا أنه قول شاعر، وأن القرآن لا يصلح أن يكون آية قاطعة كآيات الرسل السابقين، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (الأنبياء 5). ولم يتحمل القرآن الرد على دعوى أضغاث الأحلام لتفاهتها، ووضوح بطلانها، ولكنه نفى أن يكون القرآن شعرا بوضوح الفرق بين القرآن والشعر، الذى لا يليق أن يصدر من محمد، وجعلوا القرآن سحرا من محمد، لا صلة لله به، وهنا يبين القرآن مدى مكابرتهم، فيقول: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (الأنعام 7).
ومضى بعض الناس يذيع الأحاديث الباطلة ليضل عن سبيل الله، ويصم أذنيه عن سماع القرآن مستكبرا مستهزئا به، والقرآن يغضب لموقف هؤلاء شديد الغضب، وينذرهم كما استهزءوا، بعذاب يهينهم ويؤلمهم، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (لقمان 6، 7).
ومن عجب أن كثيرا من الكافرين كان لا يرضى عما في القرآن من أفكار التوحيد والعبادة، فكان يطلب من الرسول أن يأتى بقرآن غير هذا القرآن، فكان رد الرسول صريحا في أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا من تلقاء نفسه، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (يونس 15).
ومما اعترضوا به على القرآن أنه نزل منجّما، واقترحوا أن ينزل دفعة واحدة، ولكن القرآن ردّ على هذا الاقتراح، بأن نزوله على تلك الطريقة، فيه تثبيت لفؤاد الرسول، ليكون دائم الاتصال بربه، أو ليس في نزوله كذلك تثبيت لأفئدة المؤمنين أيضا إذ ينقلهم القرآن بتعاليمه مرحلة مرحلة إلى الدين الجديد، ويروى القرآن هذا الاعتراض، ويرد عليه في قوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (الفرقان 32، 33).
ولقد تعبوا في صدّ تيار القرآن الجارف، ووقف أثره في النفوس فما استطاعوا ثم هداهم خيالهم الضّيق إلى طريقة يحولون بها بين القرآن وسامعيه تلك هى الصّخب عند سماع القرآن واللغو فيه، ولما كان في ذلك استقبال لا يليق بالقرآن قابله الله بتهديد عنيف، وإيعاد شديد، إذ يقول: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت 26 - 28). وذلك أقوى دليل على الإخفاق، وأنه لا حجة عندهم يستطيعون أن يهدموا بها حجة القرآن.
وحرّك القرآن فيهم غريزة الخوف إن كذبوا به، فسألهم ماذا تكون النتيجة إذا ثبت حقّا أنه من عند الله، وظلوا كافرين به، أيكون ثمّ من هو أضل منهم أو أظلم، يثير تلك الغريزة في قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (فصلت 52). ويقف منهم موقف من بين الخير والشر، ثم تركهم لأنفسهم يفكرون، ألا يثير فيهم ذلك كثيرا من الخوف من أن ينالهم سوء إعراضهم بأوخم العواقب، إذ يقول: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الزمر 41). أما سورة الفرقان فيراد به هنا القرآن، كما أنه في مواضع أخرى يطلق على كتب الله، لأنها تفرق بين الحق والباطل، والصواب والخطأ.
ولعل بدء هذه السورة بقوله سبحانه: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (الفرقان 1). فيه دلالة على أنها تحوى إنذارا ووعيدا وتهديدا، وحقا لقد اتسمت هذه السورة بالرد المنذر على كثير من دعاوى المنكرين لأحقية القرآن ورسالة محمد ووحدانية الله، وقد بدأها بالحديث عن منزل القرآن، وتفرده بالملك وتعجبه من أن اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (الفرقان 3). وبدأ بعد ذلك يعدد مفترياتهم على القرآن وتشكيكهم في رسالة محمد، ثم يتعمّق في السبب الذى دفعهم إلى إنكار القرآن ونبوة محمد، فيراه التكذيب باليوم الآخر، وكأنما غضبت جهنم لهذا التكذيب، حتى إنها إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان 12).
ويمضى في تصوير ما ينتظرهم في ذلك اليوم من مصير مؤلم موازنا بين ذلك، وبين جنة الخلد التى وعد المتقون، ثم يعود إلى أكاذيبهم، فيردّ على بعضها، ويبسط
بعضها الآخر، واضعا إلى جانب هذه الأكاذيب ما ينتظرها من عقوبة يوم الدين، وهنا يلجأ إلى التصوير المؤثر، يرسم به موقفهم في ذلك اليوم، علّه يردهم بذلك إلى الصواب، إذا ذكروا سوء المغبة؛ وتأمل قوة تصوير من ظلم نفسه بهجر القرآن وتكذيبه، فى قوله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان 27 - 30). ويعود مرة إلى شبهة من شبهاتهم في القرآن فيدحضها وينذرهم بشر مكان في جهنم، ويعدد لهم عواقب من كذب الرسل من قبلهم. ثم يأتى إلى إثم آخر من آثامهم باستهزائهم بالرسول الذى كاد يصرفهم عن آلهتهم، لولا أن صبروا عليها، وهنا يناقشهم في اتخاذ هذه الآلهة التى لا يصلح اتخاذها إلها إذا وزنت بالله الذى يعدد من صفاته ما يبين بوضوح وجلاء أنهم يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ (الفرقان 55). ويطيل القرآن في تعداد صفات الله وبيان مظاهر قدرته. وإذا كانت السورة قد مضت تنذر المنكرين وتعدّد آثامهم، فإنها قد أخذت تذكر كذلك صفات المؤمنين الصادقين، ليكونوا إلى جانبهم مثالا واضحا للفرق بين الصالح والطّالح، ولتكون الموازنة بينهما مدعاة إلى تثبيت النموذجين في النفس، وختمت السورة بالإنذار بأن العذاب نازل بهم لا محالة، ما داموا قد كذبوا، فكانت السورة كلّها من المبدأ إلى المنتهى تتجه إلى الوعيد، ما دامت تناقش المنكرين في مفتريات تتعلق بالقرآن ومن نزل عليه القرآن، وقد رأينا كيف كان يقرن كل افتراء بما أعدّ له من العذاب.

علم الفلاحة

علم الفلاحة
قال صاحب مفتاح السعادة: هو علم يتعرف منه كيفية تدبير النبات من أول نشؤه إلى منتهى كماله وبدء كونه إلى تمام نشؤه بإصلاح الأرض إما بالماء أو بما يخلخلها ويحميها من المعفنات كالسماد والرماد ونحوهما أو يحميها في أوقات البرد مع مراعات الأهوية فيختلف باختلاف الأماكن ولذلك تختلف قوانين الفلاحة باختلاف الأقاليم ومنفعته زكاة الحبوب والثمار ونحوها وهو ضروري للإنسان في معاشه ولذلك اشتق اسمه من الفلاح وهو البقاء انتهى.
وقال ابن خلدون: هذه الصناعة من فروع الطبيعيات وهي النظر في النبات من حيث تنمسته ونشؤه بالسقي والعلاج وتعهده بمثل ذلك وكان للمتقدمين بها عناية كثيرة وكان النظر فيها عندهم عاما في النبات من جهة غرسه وتنميته ومن جهة خواصــه وروحانيته ومشاكلتها لروحاينات الكواكب والهياكل المستعمل ذلك كله في باب السحر فعظمت عنايتهم به لأجل ذلك وترجم من كتب اليونانيين كتاب الفلاحة النبطية منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبير ولما نظر أهل الملة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب وكان باب السحر مسدودا والنظر فيه محظورا فاقتصروا منه على الكلام في النبات من جهة غرسه وعلاجه وما يعرض له في ذلك وحذفوا الكلام في الفن الآخر منه مغفلا تقل منه مسلمة في كتبه السحرية أمهات من مسائله وكتب المتأخرين في الفلاحة كثيرة ولا يعدون فيها الكلام في الغراس والعلاج وحفظ النبات من حوائجه وعوائقه وما يعرض في ذلك كله وهي موجودة انتهى كلامه.
قال في مدينة العلوم: ومن لطائف علم الفلاحة اتخاذ بعض نتائجه في غير أوقاته واستخراج بعض مباديه من غير أصله وتركيب الأشجار بعضها ببعض إلى غير ذلك ذكر أبو بكر بن وحشة في كتابه المسمى: بالفلاحة عن النبط أن من دار حول شجرة الخطمي وتطلع بالنظر إلى وردها وأدام ذلك فإنها تحدث فرحا في النفس وتزيل عنه الهم والحزن والغم. انتهى.

علم الطبقات

علم الطبقات
أي طبقات كل صنف من أهل العلم كالأدباء والأصوليين والأطباء والأولياء والبيانيين والتابعين والحفاظ والحكماء والحنفية والحنابلة والمالكية والشافعية والمفسرين والمحدثين والخطاطين والرواة والــخواص والشعراء والصحابة والمجتهدين والصوفية والطالبين والأمم والعلوم والفرسان والعلماء والقرضيين والفقهاء ورؤساء الزمن والقراء والنحاة واللغويين والمتكلمين والمعبرين والمعتزلين والممالك والنسابين والنساك إلى غير ذلك وفي كل من هذا كتب مستقلة تكفلت لبيان طبقة من تلك الطبقات قال في مدينة العلوم.

علم السيميا

علم السيميا
اعلم أنه قد يطلق هذا الاسم على ما هو غير الحقيقي من السحر وهو المشهور.
وحاصله إحداث مثالات خيالية في الجو لا وجود لها في الحس وقد يطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس فحينئذ يظهر بعض الصور في جوهر الهواء فتمول سريعة لسرعة تغير جوهر الهواء ولا مجال لحفظ ما يقبل من الصورة في زمان طويل لرطوبته فيكون سريع القبول وسريع الزوال. وأما كيفية إحداث تلك الصور وعللها فأمر خفي لا اطلاع عليه إلا لأهله وليس المراد وصفه وتحقيق ههنا بل المقصود هنا الكشف وإزالة الالتباس عن أمثاله.
وحاصله ومجمله أن يركب الساحر أشياء من الــخواص والأدهان أو المانعات أو كلمات خاصة توجب بعض تخيلات خاصة كدارك الحواس بعض المأكول والمشروع وأمثاله ولا حقيقة له.
وفي هذا الباب حكايات كثيرة عن ابن سينا والسهروردي المقتول انتهى ما في كشف المظنون
وأطال ابن خلدون في بيان هذا العلم إلى أوراق لسنا بصدد نقله في هذا الموضع.
قال: في المدينة ومن جملة ما حكى الأوزاعي عن يهودي لحقه في السفر وأنه أخذ ضفدعا فسحرها بطريقة علم السيميا حتى صارت خنزيرا فباعها من قوم من النصارى فلما صاروا إلى بيوتهم عاد ضفدعا فلحقوا اليهودي وهو مع الأوزاعي فلما قربوا منه رأوا رأسه قد سقط ففزعوا وولوا هاربين وبقي الرأس يقول للأوزاعي: يا أبا عمرو هل غابوا إلى أن بعدوا عنه فصار الرأس في الجسد. هذا ما حكاه ابن السبكي في رسالته معيد النعم ومبيد النقم.
ومنفعة هذا العلم وغرضه ظاهران جدا ولفظ سيميا عبراني معرب أصله سيم يه ومعناه: اسم الله وأما المقالات السبع عشرة للحلاج فإنما هي على سبيل الرمز وللشيخ ابن سينا أمور غريبة تنقل عنه في هذا العلم وكذا للشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول انتهى.
وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مؤلفاته أن الحلاج كان من الساحرين المشعبذين ولم يكن من أولياء الله تعالى كما زعم جماعة من الصوفية والله أعلم وعلمه أتم. 

علم الخط

علم الخط
هو: معرفة كيفية تصوير اللفظ بحروف هجائه إلى أسماء الحروف إذا قصد بها المسمى هو في بإحداكم رحيم معين فإنما يكتب هذه الصورة جعفر لأنه سماها خطا ولفظا ولذلك قال الخليل لما سألهم: كيف تنطقون بالجيم جعفر؟ فقالوا: جيم إنما نطقتم بالاسم ولم تنطقوا بالمسؤول عنه والجواب: جه لأنه المسمى فإن سمي به مسمى آخر كتب كغيرها نحو ياسين وحاميم يس وحم هذا ما ذكروه في تعريفه والغرض والغاية ظاهران لكنهم أطنبوا في بيان أحوال الخط وأنواعه ونحن نذكر خلاصة ما ذكروا في فصول.
فصل في فضل الخط
اعلم أن الله - سبحانه وتعالى - أضاف تعليم الخط إلى نفسه وامتن به على عباده في قوله: علم بالقلم وناهيك بذلك شرفاً.
وقال عبد الله بن عباس: الخط لسان اليد قيل: ما من أمر إلا والكتابة موكل به مدبر له ومعبر عنه وبه ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل وامتاز به عن سائر الحيوانات.
وقيل: الخط أفضل من اللفظ لأن اللفظ يفهم الحاضر فقط والخط يفهم الحاضر والغائب وفضائله كثيرة معروفة.
فصل في وجه الحاجة إليه
اعلم أن فائدة التخاطب لما لم تتبين إلا بالألفاظ وأحوالها وكان ضبط أحوالها مما اعتنى العلماء كان ضبط أحوال ما يدل على الألفاظ أيضا ما يعتني بشأنه وهو الخطوط والنقوش الدالة على الألفاظ فبحثوا عن أحوال الكتابة الثابتة نقوشها على وجه كل زمان وحركاتها وسكناتها ونقطها وشكلها وضوابطها من شداتها ومداتها وعن تركيبها وتسطيرها لينتقل منها الناظرون إلى الألفاظ والحروف ومنها إلى المعاني الحاصلة في الأذهان.
فصل في كيفية وضعه وأنواعه
قيل: أول من وضع الخط آدم عليه السلام كتبه في طين وطبخه ليبقى بعد الطوفان وقيل: إدريس وعن ابن عباس أن أول من وضع الخط العربي ثلاثة رجال من بولان قبيلة من طي نزلوا مدينة الأنبار فأولهم: مراز وضع الصور وثانيهم: أسلم وصل وفصل وثالثهم: عامر وضع الأعجام ثم انتشر.
وقيل: أول من اخترعه ستة أشخاص من طلسم أسماؤهم: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت فوضعوا الكتابة والخط وما شذ من أسمائهم من الحروف وألحقوها ويروى: أنها أسماء ملوك مدين.
وفي السيرة لابن هاشم: أن أول من كتب الخط العربي حمير بن سبأ.
قال السهيلي في التعريف والأعلام والأصح ما رويناه من طريق ابن عبد البر يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أول من كتب بالعربية إسماعيل عليه السلام".
قال أبو الخير: واعلم أن جميع كتابات الأمم اثنتا عشرة كتابة: بالعربية والحميرية واليونانية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية والقبطية والبرية والأندلسية والهندية والصينية.
فخمس منها اضمحلت وذهب من يعرفها وهي: الحميرية واليونانية والقبطية والأندلسية والبريرية.
وثلاثة بقي استعمالها في بلادها وعدم من يعرفها في بلاد الإسلام وهي: الرومية والهندية والصينية.
وبقيت أربع هي المستعملات في بلاد الإسلام هي: العربية والفارسية والسريانية والعبرانية.
أقول: في كلامه بحث من وجوه: أما أولاً: فلأن الحصر في العدد المذكور غير صحيح إذ الأقلام المتداولة بين الأمم الآن أكثر من ذلك سوى المنقرضة فإن من نظر في كتب القدماء المدونة باللغة اليونانية والقبطية وكتب أصحاب الحرف الذين بينوا فيها أنواع الأقلام والخطوط علم صحة ما قلنا وهذا الحصر يبنى عن قلة الإطلاع.
وأما ثانيا: فلأن قوله خمس منها اضمحلت ليس بصحيح أيضا لأن اليونانية مستعملة في خواص الملة النصرانية أعني: أهل أقاديميا المشهورة الواقعة في بلاد إسبانيا وفرنسا ونمسه وهي مماليك كثيرة واليونانية أصل علومهم وكتبهم.
وأما ثالثا: فلأن قوله وعدم من يعرفها في بلاد الإسلام وهي الرومية كلام سقيم أيضا إذ من يعرف الرومية في بلاد الإسلام أكثر من أن يحصى وينبغي أن يعلم أن الرومية المستعملة في زماننا منحرفة من اليونانية بتحريف قليل وأما القلم المستعمل بين كفرة الروم فغير القلم اليوناني.
وأما رابعا: فلأن جعله السريانية والعبرانية من المستعملات في بلاد الإسلام ليس كما ينبغي لأن السرياني خط قديم بل هو أقدم الخطوط منسوب إلى سوريا وهي البلاد الشامية وأهلها منقرضون فلم يبق منهم أثر ثبت في التواريخ والعمرانية المستعملة فيما بين اليهود وهي مأخذ اللغة العربية وخطها. والعبراني يشبه العربي في اللفظ والخط مشابهة قليلة.
فصل
واعلم: أن جميع الأقلام مرتب على ترتيب أبجد إلا القلم العربي وجميعها منفصل إلا العربي والسرياني والمغولي واليوناني والرومية والقبطية من اليسار إلى اليمين والعبرانية والسريانية والعربية من اليمين إلى اليسار وكذا التركية والفارسية.
الخط السرياني:
ثلاثة أنواع: المفتوح المحقق ويسمى: أسطريحالا وهو أجلها والشكل المدور ويقال له: الخط الثقيل ويسمى أسكولينا وهو أحسنها والخط الشرطاوي يكتبون به الترسل والسرياني أصل النبطي.
الخط العبراني:
أول من كتب به عامر بن شالح وهو مشتق من السرياني وإنما لقب بذلك حيث عبر إبراهيم الفرات يريد الشام وزعمت اليهود والنصارى لا خلاف بينهم أن الكتابة العبرانية في لوحين من حجارة و: أن الله - سبحانه وتعالى - دفع ذلك إليه.
الخط الرومي:
وهو أربعة وعشرون حرفا كما ذكرنا في المقدمة ولهم قلم يعرف ب المسميا ولا نظير له عندنا فإن الحرف الواحد منه يدل على معان وقد ذكره جالينوس في ثابت كتبه.
الخط الصيني:
خط لا يمكن تعلمه في زمان قليل لأنه يتعب كاتبه الماهر فيه ولا يمكن للخفيف اليد أن يكتب به في اليوم أكثر من ورقتين أو ثلاثة وبه يكتبون كتب ديانتهم وعلومهم ولهم كتابة يقال لها كتابة المجموع وهو أن كل كلمة تكتب بثلاثة أحرف أو أكثر في صورة واحدة ولكل كلام طويل شكل من الحروف يأتي علم المعاني الكثيرة فإذا أرادوا أن يكتبوا ما يكتب في مائة ورقة كتبوه في صفحة واحدة بهذا القلم.
الخط المانوي:
مستخرج من الفارسي والسرياني استخرجه ماني كما أن مذهبه مركب من المجوسية والنصرانية وحروفه زائدة على حروف العربي وهذا القلم يكتب به قدماء أهل ما رواء النهر كتب شرائعهم وللمرقنونية قلم يختصون به.
الخط الهندي والسندي:
هو أقلام عدة يقال أن لهم نحو مائتي قلم بعضهم يكتب بالأرقام التسعة على معنى أبجد وينقطون تحته نقطتين أو ثلاثا.
الخط الزنجي والحبشي:
على ندرة لهم قلم حروفه متصلة كحروف الحميري يبتدئ من الشمال إلى اليمين يفرقون بين كل اسم منها بثلاث نقط.
الخط العربي:
في غاية تعويج إلى يمنة اليد وقال ابن إسحاق أول خطوط العربية: الخط المكي وبعده المدني ثم البصري ثم الكوفي وأما المكي والمدني ففي شكله انضجاع يسير قال الكندي: لا أعلم كتابة يحتمل منها تحليل حروفها وتدقيقها ما تحتمل الكتابة العربية ويمكن فيها سرعة ما لا يمكن في غيرها من الكتابات.
فصل في أهل الخط العربي:
قال ابن اسحق: أول من كتب المصاحف في الصدر الأول ويوصف بحسن الخط خالد بن أبي الهياج وكان سعد نصبه لكتب المصاحف والشعر والأخبار للوليد بن عبد الملك وكان الخط العربي حينئذ هو المعروف الآن بالكوفي ومنه استنبطت الأقلام كما في شرح العقيلة.
ومن كتاب المصاحف: خشنام البصري والمهدي الكوفي وكانا في أيام الرشيد
ومنهم أبو حدى وكان يكتب المصاحف في أيام المعتصم من كبار الكوفيين وحذاقهم.
وأول من كتب في أيام بني أمية: قطبة وقد استخرج الأقلام الأربعة واشتق بعضها من بعض وكان أكتب الناس.
ثم كان بعده الضحاك بن عجلان الكاتب في أول خلافة بني العباس فزاد على قطبة.
ثم كان إسحاق بن حماد في خلافة المنصور والمهدي وله عدة تلامذة كتبوا الخطوط الأصلية الموزونة وهي اثنا عشر قلما: قلم الجليل قلم السجلات قلم الديباج قلم أسطورمار الكبير قلم الثلاثين قلم الزنبور قلم المفتح قلم الحرم قلم المدامرات قلم العهود قلم القصص قلم الحرفاج فحين ظهر الهاشميون حدث خط يسمى العراقي وهو المحقق ولم يزل يزيد حتى انتهى الأمر إلى المأمون فأخذ كتابه بتجويد خطوطهم وظهر رجل يعرف بالأحوال المحرر فتكلم على رسومه وقوانينه وجعله أنواعاً.
ثم ظهر قلم المرضع وقلم النساخ وقلم الرياسي اختراع ذي الرياستين: الفضل بن سهل وقلم الرقاع وقلم غبار الحلية.
ثم كان إسحاق بن إبراهيم التميمي المكنى بأبي الحسن معلم المقتدر وأولاده أكتب أهل زمانه وله رسالة في الخط اسماها تحفة الوامق.
ومن الوزراء الكتاب: أبو علي محمد بن علي بن مقلة المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وهو أول من كتب الخط البديع ثم ظهر صاحب الخط البديع علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ولم يوجد في المتقدمين من كتب مثله ولا قاربه وإن كان ابن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة وله بذلك فضيلة السبق وخطه أيضا في نهاية الحسن لكن ابن البواب هذب طريقته ونقحها وكساها حلاوة وبهجة وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد الكاتب.
ثم ظهر أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي المتوفى سنة ست وعشرين وستمائة.
ثم ظهر أبو المجد ياقوت بن عبد الله الرومي المستعصمي المتوفى سنة ثمان وتسعين وستمائة وهو الذي سار ذكره في الآفاق واعترفوا بالعجز عن مداناة رتبته.
ثم اشتهرت الأقلام الستة بين المتأخرين وهي: الثلث والنسخ والتعليق والريحان والمحقق والرقاع.
ومن الماهرين في هذه الأنواع: ابن مقلة وابن البواب وياقوت وعبد الله أرغون وعبد الله الصيرفي ويحيى الصوفي والشيخ أحمد السهروردي ومبارك شاه السيوفي ومبارك شاه القطب وأسد الله الكرماني.
ومن المشهورين في البلاد الرومية: حمد الله بن الشيخ الأماسي وابنه دده جلبي والجلال والجمال وأحمد القرة الحصاري وتلميذه حسن وعبد الله القريمي وغيرهم من النساخين
ثم ظهر قلم التعليق والديواني والدشتي وكان ممن اشتهر بالتعليق سلطان علي المشهدي ومير علي ومير عماد وفي الديواني تاج وغيرهم مدون في غير هذا المحل مفصلا ولسنا نخوض بذكرهم لأن غرضنا بيان علم الخط.
وأما أبو الخير فأورد في الشعبة الأولى من مفتاح السعادة علوم متعلقة بكيفية الصناعة الخطية فنذكرها إجمالا في فصل
فمما ذكره:
أولا: علم أدوات الخط من القلم وطريق بريها وأحوال الشق والقط ومن الدواة والمداد والكاغد. فأقول هذه الأمور من أحوال علم الخط فلا وجه لإفراده ولو كان مثل ذلك علما لكان الأمر عسيراً.
وذكر ابن البواب نظم فيه قصيدة رائية بليغة استقصى فيها أدوات الكتابة ولياقوت رسالة فيه أيضا ومنها علم قوانين الكتابة: أي معرفة كيفية نقص صور الحروف البسائط وكيف يوضع القلم ومن أي جانب يبتدئ في الكتابة وكيف يسهل تصوير تلك الحروف.
ومن المصنفات فيه: الباب الواحد من كتاب صبح الأعشى وما ذلك إلا علم الخط.
ومنها علم تحسين الحروف وتقدم في باب التاء وهو أيضا من قبيل تكثير السواد قال: ومبنى هذا الفن الاستحسانات الناشئة من مقتضى الطباع السليمة بحسب الألف والعادة والمزاج بل بحسب كل شخص وغير ذلك مما يؤثر في استحسان الصور واستقباحها ولهذا يتنوع هذا العلم بحسب قوم وقوم ولهذا لا يكاد يوجد خطان متماثلان من كل الوجوه.
أقول ما ذكره في الاستحسان مسلم لكن تنوعه ليس بمتفرع عليه وعدم وجدان الخطين المتماثلين لا يترتب على الاستحسان بل هو أمر عادي قريب إلى الجبلي كسائر أخلاق الكاتب وشمائله وفيه سر إلهي لا يطلع عليه إلا الأفراد.
ومنها علم كيفية تولد الخطوط عن أصولها بالاختصار والزيادة وغير ذلك من أنواع التغيرات بحسب قوم وقوم وبحسب أغراض معلومة في فنه وحداق الخطاطين صنفوا فيها رسائل كثيرة سيما كتاب صبح الأعشى فإن فيه كفاية في هذا الباب لكن هو أيضا من هذا القبيل.
ومنها علم ترتيب حروف التهجي بهذا الترتيب المعهود فيما بيننا واشتراك بعضها ببعض في صورة الخط وإزالة التباسها بالنقط واختلاف تلك النقط وتقدم ذكره في باء التاء
ولابن جني والجزي1 رسالة في هذا الباب أما ترتيب الحروف فهو من أحوال علم الحروف وإعجامها من أحوال علم الخط.
ذكر النقط والإعجام في الإسلام
اعلم أن الصدر الأول أخذ القرآن والحديث من أفواه الرجال بالتلقين ثم لما كثر أهل الإسلام اضطروا إلى وضع النقط والإعجام فقيل: أول من وضع النقط مراد والإعجام عامر وقيل: الحجاج وقيل: أبو الأسود الدؤلي بتلقين علي كرم الله وجهه إلا أن الظاهر أنهما موضوعان مع الحروف إذ يبعدان الحروف مع تشابه صورها كانت عرية عن النقط إلى حين نقط المصحف وقد روي أن الصحابة جردوا المصحف من كل شيء حتى النقط ولو لم توجد في زمانهم لما يصح التجريد منها.
وذكر ابن خلكان في ترجمة الحجاج أنه حكم أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف أن الناس مكثوا يقرؤون في مصحف عثمان - رضي الله عنه - نيفا وأربعين سنة إلى أيام عبد الملك بن مروان ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق ففزع الحجاج إلى كتابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات. فيقال: أن نصر بن عاصم وقيل: يحيى بن يعمر قام بذلك فوضع النقط وكان معه ذلك أيضا يقع التصحيف فأحدثوا الإعجام انتهى.
واعلم أن النقط والإعجام في زماننا واجبات في المصحف وأما في غير المصحف فعند خوف اللبس واجبان البتة لأنهما ما وضعا إلا لإزالته وأما مع أمن اللبس فتركه أولى سيما إذا كان المكتوب إليه أهلا.
وقد حكي أنه عرض على عبد الله بن طاهر خط بعض الكتاب فقال: ما أحسنه لولا أكثر شونيزة.
ويقال: كثرة النقط في الكتاب سوء الظن بالمكتوب إليه.
وقد يقع بالنقط ضرر كما حكي أن جعفر المتوكل كتب إلى بعض عماله: أن أخص من قبلك من الذميين وعرفنا بمبلغ عددهم فوقع على الحاء نقطة فجمع العامل من كان في عمله منهم وخصاهم فماتوا غير رجلين إلا في حروف لا يحتمل غيرها كصورة الياء والنون والقاف والفاء المفردات وفيها أيضا مخير.
ثم أورد في الشعبة الثانية علوما متعلقة بإملاء الحروف المفردة وهي أيضا كالأولى.
فمنها: علم تركيب أشكال بسائط الحروف من حيث حسنها فكما أن للحروف حسنا حال بساطتها فكذلك لها حسن مخصوص حال تركيبها من تناسب الشكل ومباديها أمور استحسانية ترجع إلى رعاية النسبة الطبيعية في الأشكال وله استمداد من الهندسيات
وذلك الحسن نوعان: حسن التشكيل في الحروف يكون بخمسة:
أولها: التوفية: وهي أن يوفى كل حرف قسمته من الأقدار في الطول والقصر والرقة والغلظة.
والثاني: الإتمام: وهو أن يعطى كل حرف قسمته من الأقدار في الطول والقصر والغلظة.
والثالث: الانكباب والاستلقاء.
والرابع: الإشباع.
والخامس: الإرسال: وهو أن يرسل يده بسرعة.
وحسن الوضع في الكلمات وهي ستة:
الترصيف: وهو وصل حرف إلى حرف.
والتأليف: وهو جمع حرف غير متصل.
والتسطير: وهو إضافة كلمة إلى كلمة.
والتفصيل: وهو مواقع المدات المستحسنة ومراعات فواصل الكلام وحسن التدبير في قطع كلمة واحدة بوقوعها إلى آخر السطر وفصل الكلمة التامة ووصلها بأن يكتب بعضها في آخر السطر وبعضها في أوله
ومنها علم إملاء الخط العربي: أي الأحوال العارضة لنقوش الخطوط العربية لا من حيث حسنها بل من حيث دلالتها على الألفاظ وهو أيضا من قبيل تكثير السواد.
ومنها علم خط المصحف: على ما اصطلح عليه الصحابة عند جمع القرآن الكريم على ما اختاره زيد بن ثابت ويسمى الاصطلاح السلفي أيضا
وهذا العلم وإن كان من فروع علم الخط من حيث كونه باحثا عن نوع من الخط لكن بحث عنه صاحب مدينة العلوم في علوم تتعلق بالقرآن الكريم وإنما تعرضنا له هنا تتميما للأقسام.
وفيه العقيلة الرائية للشاطبي.
ومنها علم خط العروض: وهو ما اصطلح عليه أهل العروض في تقطيع الشعر واعتمادهم في ذلك على ما يقع في السمع دون المعنى المعبثة به في صنعة العروض إنما هو اللفظ لأنهم يريدون به عدد الحروف التي يقوم بها الوزن متحركا وساكنا فيكتبون التنوين نونا ساكنة ولا يراعون حذفها في الوقف ويكتبون الحرف المدغم بحرفين ويحذفون اللام مما يدغم فيه في الحرف الذي بعده كالرحمان والذاهب والضارب ويعتمدون في الحروف على أجزاء التفاعيل ويقطعون حروف الكلم بحسب قطعها كما في قول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود فيكتبون على هذه الصورة:
ستبدي لكلايا مما كن تجاهلا ... ويأتي كبلا خبار منلم تزودي
قال في الكشاف: وقد اتفقت في خط المصحف أشياء خارجة عن القياس ثم ما دعا ذلك بضير ولا نقصان لاستقامة اللفظ وبقاء الخط وكان اتباع خط المصحف سنة لا تخالف.
وقال ابن درستوري في كتاب الكتاب: خطان لا يقاسان خط المصحف لأنه سنة وخط العروض لأنه يثبت فيه ما أثبته اللفظ ويسقط عنه ما أسقطه هذا خلاصة ما ذكروه في علم الخط1 ومتفرعاته.
وأما الكتب المصنفة فيه فقد سبق ذكر بعض الرسائل وما عداها نادر جدا سوى أوراق ومختصرات كأرجوزة عون الدين.

علم الحروف والأسماء

علم الحروف والأسماء
قال الشيخ داود الأنطاكي وهو علم باحث عن خواص الحروف أفرادا وتركيبا وموضوعه الحروف الهجائية ومادته الأوفاق والتراكيب.
وصورته تقسيمها كما وكيفا وتأليف الأقسام والعزائم وما ينتج منها وفاعله المتصرف وغايته التصرف على وجه يحصل به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ومرتبته بعد الروحانيات والفلك والنجامة. قال ابن خلدون في المقدمة: علم أسرار الحروف وهو المسمى لهذا العهد السيميا نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة فاستعمل استعمال العام في الخاص وحدث هذا العلم في الملة بعد الصدر الأول عند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر وزعموا أن الكمال الاسمائي مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان وهو من تفاريع علوم السيميا لا يوقف على موضوعه ولا تحاط بالعدد مسائله تعددت فيه تأليف البوني وابن العربي وغيرهما.
وحاصله عندهم وثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان.
ثم اختلفوا في سر التصرف الذي في الحروف بم هو. فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه وقسم الحروف بقسمة الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر واختصت كل طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتها فعلا وانفعالا بذلك الصنف فتنوعت الحروف بقانون صناعي يسمونه التكسير.
ومنهم من جعل هذا السر للنسبة العددية فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعا وطبعا وللأسماء أوفاق كما للأعداد.
ويختص كل صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الذي يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الحروف وامتزج التصرف من السر الحرفي والسر العددي لأجل التناسب الذي بينهما
فأما سر هذا التناسب الذي بينهما يعني بين الحروف وأمزجة الطبائع أو بين الحروف والأعداد فأمر عسر على الفهم وليس من قبيل العلوم والقياسات وإنما مستندهم فيه الذوق والكشف.
قال البوني: ولا تظن أن سر الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلي وإنما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهي.
وأما التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركبة فيها وتأثر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا وقد يظن أن تصرف هؤلاء وتصرف أصحاب أسماء الطلسمات واحد وليس كذلك.
ثم ذكر الفرق بينهما وأطال وقد ذكرنا طرفا من التفصيل في كتابنا المسمى بروح الحروف والكتب المصنفة في هذا العلم كثيرة جدا انتهى ما في كشف الظنون.
وقد أطال ابن خلدون في بيان هذا العلم إلى ثلاثة عشر ورقا وعقد له فصولا لسنا بصدد ذكره لقلة الفائدة منه في هذا العصر وعدم الحاجة إليه في ذلك الدهر.

علم الجواهر

علم الجواهر
هو: علم يبحث فيه عن كيفية الجواهر المعدنية البرية: كالألماس واللعل والياقوت والفيروز والبحرية: كالدر والمرجان وغير ذلك ومعرفة جيدها من رديها بعلامات تختص بكل نوع منها ومعرفة خواص كل منها.
وغايته وغرضه: ظاهرة لا تخفى على الإنسان والتصانيف فيه كثيرة شهيرة بالعربية والفارسية أيضاً.

علم التصرف بالحروف والأسماء

علم التصرف بالحروف والأسماء
قال أبو الخير وهذا علم شريف يتوصل بالمداومة عليه على شرائط معينة ورياضة خاصة إلى ما يناسب تلك الحروف أو الأسماء من الــخواص قال في: مدينة العلوم: هذا علم لا يتوصل إليه إلا برياضة ومجاهدة مراعيا لقواعد الشريعة حتى ينفتح له باب الملكوت فيتصرف في روحانيات تلك الحروف ويتوصل بها إلى مقاصدهم الدنيوية والأخروية. انتهى. وموضوعه وغايته ظاهرة وقيل: تحت هذا العلم مائة وثمانية وأربعون علما وكتب الشيخ أحمد البوني والبسطامي مشهورة في هذا العلم. انتهى وقد جعله أبو الخير من فروع علم التفسير وسيأتي تفصيله في علم الحروف مع كتبها.

الضنين

(الضنين) الشَّديد الْبُخْل أَو الْبَخِيل بالشَّيْء النفيس وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} (ج) أضناء وَهن ضنائن وضنائن الله خَواص خلقه

علم التصرف بالاسم الأعظم

علم التصرف بالاسم الأعظم
ذكره أبو الخير من فروع علم التفسير قال: وهذا العلم قلما وصل إليه أحد من الناس خلا الأنبياء والأولياء ولهذا لم يصنفوا في شأنه تصنيفا يعين هذا الاسم لأن كشفه على آحاد الناس لا يحل أصلا إذ فيه فساد العالم وارتفاع نظام بني آدم. انتهى.
ومن التصانيف المفردة فيه: جواب من استفهم قال في: مدينة العلوم: وتفصيل هذا العلم في كتاب: الدر للنظيم في خواص القرآن العظيم للإمام اليافعي وغير ذلك من كتب المشائخ. انتهى
قلت: ولكن لا يعتمد عليها لما اختص به الأنبياء - عليهم السلام.

علم ترتيب العساكر

علم ترتيب العساكر
وهو: علم باحث عن: قواعد الجيوش، وترتيبهم، ونصب الرؤساء، لضبط أحوالهم، وتهيئة أرزاقهم، وتمييز الشجاع عن الجبان، واستمالة قلوبهم بالإحسان، إليهم، ويهيئ لهم ألبسة الحروب، والسلاح، ثم يأمر لكل منهم الزهد، والصلاح، ليفوزوا بالخير، والفلاح، ويأمرهم أن لا يظلموا أحدا، ولا ينقضوا عهدا، ولا يهملوا ركنا من أركان الشريعة، فإنه إلى استئصال الدولة ذريعة، هذا تلخيص ما ذكره: أبو الخير.
وجعله من فروع: الحكمة العملية، لكنه على الوجه الذي ذكره، مندرج في: علم سياسة الملوك، بل الأمور المذكورة، من مسائل ذلك، العلم فأقول:
ينبغي أن يكون موضوع هذا العلم ما ذكره الحكماء في كتب التعابي الحربية، فهو: علم يبحث فيه عن ترتيب الصفوف يوم الزحف، وخواص أشكال التعابي، وأحوال ترتيب الرجال.
والغرض منه، والغاية: لا يخفى على كل أحد.
وقالوا: إن الرجال كالأشباح، والتعابي كالأرواح.
فإذا حلت الأرواح الأشباح، حصلت الحياة، وقد أجرى الله سنته أن كل عسكر مرتب التعابي منصور.
وقد صنف فيه:
بعض الكبار.
(رسائل العساكر).
كما عرفه به ذلك: الفاضل.
علم ترتيب العساكر
هو: علم باحث عن قود الجيوش وترتيبهم ونصب الرؤساء لضبط أحوالهم وتهيئة أرزاقهم وتمييز الشجاع عن الجبان واستمالة قلوبهم بالإحسان إليهم فوق الإحسان إلى الضعفاء من الأقران وتهيئة آلات القتال وألبسة الحروب والسلاح.
ومن آداب قود العساكر أن يأمر كلا منهم بالزهد والصلاح ليفوز بالخير والفلاح يأمرهم أن لا يظلموا أحدا ولا ينقضوا عهدا ولا يهملوا ركنا من أركان الشريعة فإن إهمالها إلى استئصال الدولة ذريعة أي ذريعة هذا تلخيص ما ذكره أبو الخير وجعله من فروع الحكمة العملية لكنه على الوجه الذي ذكره مندرج في علم سياسة الملوك بل الأمور المذكورة من مسائل ذلك العلم.
فأقول: ينبغي أن يكون موضوع هذا العلم ما ذكره الحكماء في كتب الثعلبي الحربية فهو علم يبحث فيه عن ترتيب الصفوف يوم الزحف وخواص أشكال التعابي وأحوال ترتيب الرجال والغرض منه والغاية لا يخفى على كل أحد.
وقالوا: إن الرجال كالأشباح والتعابي كالأرواح فإذا حلت الأرواح الأشباح حصلت الحياة.
وقد أجرى الله سنته أن كل عسكر مرتب التعابي منصور.
وقد صنف فيه بعض الكبار رسائل ظفرت ببعضها - ولله الحمد - وسيأتي في علم التعابي وأنه: هو ترتيب العساكر كما عرفه به ذلك الفاضل وفي: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي ما يكفي في هذا الباب.

علم آفات الغرور

علم آفات الغرور
وهو: سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان.
والمغرورون أصناف:
منهم: العلماء الذين أحكموا العلوم الشرعية والعقلية وتعمقوا فيها وأهملوا محافظة الجوارح عن المعاصي وإلزامها الأعمال الصالحة وهم مغرورون: لأن العلم إذا لم يقارنه العمل لا يكون له مكان عند الله تعالى وعند الــخواص من عباده.
ومنهم: الذين أحكموا العلم والعمل وأهملوا تزكية نفوسهم عن الأخلاق الذميمة وهم مغرورون أيضا إذ لا ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومنهم: الذين اعترفوا بأن النجاة في الآخرة إنما هي بتزكية النفس عن الأخلاق الذميمة إلا أنهم يزعمون أنهم منفكون عنها وهؤلاء مغرورون أيضا لأن هذا من العجب والعجب من أشد الصفات المهلكات.
ومنهم: الذين اتصفوا بالعلم وتزكية الأخلاق لكن بقي منها خبايا في زوايا القلب ولم يشعروا بها وهؤلاء أيضا مغرورون بظاهر أحوالهم وغفلوا عن تحصيل القلب السليم.
ومنهم: الذين اقتصروا على علم الفتاوى وإجراء الأحكام وهم مغرورون لأنهم اقتصروا على فرض الكفاية وأخلوا بفرض العين وهو: إصلاح أنفسهم وتزكية أخلاقهم وتصفية قلوبهم من الحقد والحسد وأمثال ذلك.
ومنهم: الوعاظ وأعلاهم رتبة من يتكلم في أخلاق النفس وصفات القلب من الخوف والرجاء والإخلاص ونحو ذلك وأكثرهم مغرورون لأنهم يتكلمون فيما ذكر وليس لهم من ذلك شيء. ومنهم: من اشتغل باللغة ودقائق العلوم العربية وأفنوا عمرهم فيها ظنا منهم أنهم من علماء الأمة لأنهم في صدد أحكام مباني الكتاب والسنة وهم مغرورون لأنهم: اتخذوا القشر مقصودا فاغتروا به وأصناف المغرورين من الناس لا يمكن تعدادهم1 وفي هذا القدر كفاية لمن اعتبر - اللهم ألهمنا طريق دفع الغرور - ولا يمكن ذلك إلا بالعقل الذي هو مبنى الخيرات وأساسها ثم بالمعرفة وهي لا تعم إلا بمعرفة نفسه بالذل والعبودية ومعرفة ربه بالجلال والهيبة وصفا بقلبه بلذة المناجات واستوت عنده من الدنيا ذهبها ومدرها ولا يبقى للشيطان عليه من سلطان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

علم الأسماء الحسنى

علم الأسماء الحسنى
وأسرارها وخواص تأثيراتها قال البوني: ينال بها كل مطلوب ويتوصل بها إلى كل مرغوب
وبملازمتها تظهر الثمرات وصرائح الكشف والاطلاع على أسرار المغيبات.
وأما إفادة الدنيا فالقبول عند أهلها والهيبة والتعظيم والبركات في الأرزاق والرجوع إلى كلمته وامتثال الأمر منه وخرس الألسنة عن جوابه إلا بخير إلى غير ذلك من الآثار الظاهرة بإذن الله تعالى في المعنى والصور وهذا سر عظيم من العلوم لا ينكر شرعا ولا عقلاً1 انتهى وسيأتي في علم الحروف.

علم الأدعية والأوراد

علم الأدعية والأوراد
وهو علم يبحث عن الأدعية المأثورة، والأوراد المشهورة، بتصحيحهما، وضبطهما، وتصحيح روايتهما، وبيان خواصــهما، وعدد تكرراهما، وأوقات قراءتهما، وشرائطهما.
ومباديه: مبينة في العلوم الشرعية.
والغرض منه: معرفة تلك الأدعية والأوراد، على الوجه المذكور، لينال باستعمالهما إلى الفوائد الدينية والدنيوية، كذا في (مفتاح السعادة).
وجعله: من فروع علم الحديث، بعلة استمداده من كتب الأحاديث.
والكتب المؤلفة فيه: كثيرة جدا.
وها أنا مورد لك ما وصل إلي خبره، على ترتيب هذا الكتاب إجمالا.
علم الأدعية والأوراد
هو علم يبحث فيه عن الأدعية المأثورة والأوراد المشهورة بتصحيحهما وضبطهما وتصحيح روايتهما وبيان خواصــهما وعدد تكرارهما وأوقات قراءتهما وشرائطهما.
ومباديه: مبينة في العلوم الشرعية.
والغرض منه: معرفة تلك الأدعية والأوراد على الوجه المذكور لينال باستعمالهما الفوائد الدينية والدنيوية كذا في مفتاح السعادة، وجعله من فروع علم الحديث بعلة استمداده من كتب الأحاديث.
والكتب المؤلفة فيه كثيرة جدا منها: حصن الحصين والأذكار للنووي الذي يقال فيه: بع الدار واشتر الأذكار ومنها الحزب الأعظم لعلي القاري.
قال في: مدينة العلوم: وكتب الشيخ عبد الرحمن الإنطاكي نافعة في هذا الباب انتهى.
ولم أقف على هذه الكتب ومن كتبه سلاح المؤمن وفرنده والحزب المقبول للشيخ عبد الجبار الناكبوري المهاجر المتوفى بمكة المكرمة في سنة 1294 الهجرية.
وأحسن هذه الكتب ما كان فيه الروايات الصحيحة الثابتة من السنة المطهرة بلا نزاع.
ومنها: شرح عدة الحصن الحصين لشيخنا الإمام العلامة محمد بن علي الشوكاني رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.