Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: حكمة

علم الحكمة

علم الــحكمة
هو علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية وموضوعه الأشياء الموجودة في الأعيان والأذهان.
وعرفه بعض المحققين بأحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية عني بذل جهده الإنساني بتمامه في أن يكون بحثه مطابقا لنفس الأمر فدخلت في التعريف المسائل المخالفة لنفس الأمر المبذولة الجهد بتمامه في تطبيقها على نفس الأمر
فيكون موضوعه الأعيان الموجودة وفوائد قيود هذه الحدود مذكورة في كشاف اصطلاحات الفنون بما لها وعليها.
وغايته هي التشريف بالكمالات في العاجل والفوز بالسعادة الأخروية في الآجل.
وتلك الأعيان إما الأفعال والأعمال التي وجودها بقدرتنا اختيارنا أولا فالعلم بأحوال الأول من حيث يؤدي إلى إصلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية لأن غايتها ابتداء الأعمال التي لقدرتنا مدخل فيها فنسبت إلى الغاية الابتدائية.
والعلم بأحوال الثاني يسمى حكمة نظرية لأن المقصود منها حصل بالنظر وهو الإدراكات التصورية والتصديقية المتعلقة بالأمور التي لا مدخل لقدرتنا واختيارنا فيها ولا يرد أن الــحكمة العملية أيضا منسوبة إلى النظر لأن النظر ليس غايتها ولأن وجه التسمية لا يلزم اطراده وذكر الحركة والسكون والمكان في الــحكمة الطبيعية بناء على كونها من أحوال الجسم الطبيعي الذي ليس وجوده بقدرتنا وإن كانت تلك مقدورة لنا.
وكل منهما ثلاثة أقسام:
أما العلمية فلأنها أمام علم بمصالح شخص بانفراده ويسمى تهذيب الأخلاق وقد ذكر في علم الأخلاق ويسمى الــحكمة الخلقية وفائدتها تنقيح الطبائع بأن تعلم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكي بها النفس وإن تعلم الرذائل وكيفية توقيها لتطهر عنها النفس.
وأما علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والولد والمالك والمملولك ونحو ذلك ويسمى تدبير المنزل والــحكمة المنزلية وقد سبق في التاء. وأما علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة ويسمى: السياسة المدنية وسيأتي في السين.
وفائدتها: أن تعلم كيفية المشاركة التي بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ومصالح بقاء نوع الإنسان كما أن فائدة تدبير المنزل أن تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التي تهم بين زوج وزوجة ومالك ومملوك ووالد ومولود وفائدة هذه الــحكمة عامة شاملة لجميع أقسام الــحكمة العملية ثم مبادئ هذه الثلاثة من جهة الشريعة وبها تتبين كمالات حدودها أي بعض هذه الأمور معلومة من صاحب الشرع على ما يدل عليه تقسيمهم الــحكمة المدنية إلى ما يتعلق بالسلك والسلطنة إذ ليس العلم بهما من عند صاحب الشرع كذا ذكر السيد السند في حواشي شرح حكمة العين.
وأما النظرية فلأنها إما علم بأحوال مالا يفتقر في الوجود الخارجي والتعقل إلى المادة كالإله وهو العلم الإلهي وقد سبق في الألف.
وأما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي دون التعقل كالكرة وهو العلم الأوسط يسمى بالرياضي والتعليمي وسيأتي في الراء.
وأما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي والعقل كالإنسان وهو العلم الأدنى ويسمى بالطبيعي وسيأتي في الطاء.
وجعل بعضهم ما لا يفتقر إلى المادة أصلا قسمين ما لا يقارنها مطلقا كالإله والعقول وما يقارنها لكن لا على وجه الافتقار كالوحدة والكثرة وسائر الأمور العامة فيسمى العلم بأحوال الأول: علما إلهيا والعلم بأحوال الثاني: علما كليا وفلسفة أولى.
واختلفوا في أن المنطق من الــحكمة أم لا؟ فمن فسرها بما يخرج النفس إلى كمالها الممكن في جانبي العلم والعمل جعله منها بل جعل العمل أيضا منها وكذا من ترك الأعيان من تعريفها جعله من أقسام الــحكمة النظرية إذ لا يبحث فيه إلا عن المعقولات الثانية التي ليس وجودها بقدرتنا واختيارنا.
وأما من فسرها بأحوال الأعيان الموجودة وهو المشهور بينهم فلم يعده منها لأن موضوعه ليس من أعيان الموجودات والأمور العامة ليست بموضوعات بل محمولات تثبت بالأعيان فتدخل في التعريف.
ومن الناس من جعل الــحكمة اسما لاستكمال النفس الإنسانية في قوتها النظرية أي: خروجها من القوة إلى الفعل في الإدراكات التصورية والتصديقية بحسب الطاقة البشرية.
ومنهم من جعلها اسما لاستكمال القوة النظرية بالإدراكات المذكورة واستكمال القوة العملية باكتساب الملكة التامة على الأقوال الفاضلة المتوسطة بين طرفي الإفراط والتفريط وكلام الشيخ في عيون الــحكمة يشعر بالقول الأول وهو جعل الــحكمة اسما للكمالات المعتبرة في القوة النظيرة فقط وذلك لأنه فسر الــحكمة باستكمال النفس الإنسانية بالتصورات والتصديقات سواء كانت في الأشياء النظرية أو في الأشياء العملية فهي مفسرة عنده باكتساب هذه الإدراكات.
وأما اكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة فما جعلها جزء منها بل جعلها غاية للــحكمة العملية.
وأما حكمة الإشراق فهي من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية كما إن الــحكمة الطبيعية والإلهية منها بمنزلة الكلام منها وبيان ذلك أن السعادة العظمى والمرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع بما له من صفات الكمال والتنزه عن النقصان بما صدر عنه من الآثار والأفعال في النشأة الأولى والآخرة.
والجملة معرفة المبدأ والمعاد والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين:
أحدهما: طريقة أهل النظر والاستدلال.
وثانيهما: طريقة أهل الرياضة والمجاهدات. والسالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم المتكلمون إلا فهم الحكماء المشاؤون والسالكون إلى الطريقة الثانية إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية وإلا فهم الحكماء الإشراقيون فلكل طريقة طائفتان.
وحاصل الطريقة الأولى: الاستكمال بالقوة النظرية والترقي في مراتبها الأربعة - أعني مرتبة العقل الهيولاني والعقل بالفعل والعقل بالملكة والعقل المستفاد - والأخيرة هي الغاية القصوى لكونها عبارة عن مشاهدة النظريات التي أدركتها النفس بحيث لا يغيب عنها شيء ولهذا قيل لا يوجد المستفاد لأحد في هذه الدار بل في دار القرار اللهم إلا لبعض المتجردين عن علائق البدن والمنخرطين في سلك المجردات.
وحاصل الطريقة الثانية: الاستكمال بالقوة العملية والترقي في درجاتها التي أولها: تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع والنواميس الإلهية.
وثانيها: تهذيب الباطن عن الأخلاق الذميمة
وثالثها: تحلي النفس بالصور القدسية الخالصة عن شوائب الشكوك والأوهام.
ورابعها: ملاحظة جمال الله - سبحانه وتعالى - وجلاله وقصر النظر على كماله والدرجة الثالثة من هذه القوة وإن شاركتها المرتبة الرابعة من القوة النظرية فإنها تفيض على النفس منها صور المعلومات على سبيل المشاهدة كما في العقل المستفاد إلا أنها تفارقها من وجهين:
أحدهما: إن الحاصل المستفاد لا يخلو عن الشبهات الوهمية لأن الوهم له استيلاء في طريق المباحثة بخلاف تلك الصور القدسية فإن القوى الحسية قد تسخرت هناك للقوة العقلية فلا تنازعها فيما تحكم به
وثانيهما: إن الفائض على النفس في الدرجة الثالثة قد تكون صورا كثيرة استعدت النفس بصفائها عن الكدورات وصقالتها عن أوساخ التعلقات لأن تفيض تلك الصور عليها كرات صقلت وحوذي بها ما فيه صور كثيرة فإنه يتراءى فيها ما تسع هي من تلك الصور والفائض عليها في العقل المستفاد هو العلوم التي تناسب تلك المبادئ التي رتبت معا للتأدي إلى مجهول كمرآة صقل شيء يسير منها فلا يرتسم فيها إلا شيء قليل من الأشياء المحاذية لها. ذكره ابن خلدون في المقدمة.
وأما العلوم العقلية التي هي طبيعة للإنسان من حيث أنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم ويستوون في مداركها ومباحثها وهي موجودة في النوع الإنساني مذ كان عمران الخليقة وتسمى هذه العلوم: علوم الفلسفة والــحكمة.
وهي سبعة: المنطق وهو المقدم.
وبعده التعاليم فالأرثماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه. واعلم أن أكثر من عني بها في الأجيال الأمتان العظيمتان فارس والروم فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم لما كان العمران موفورا فيهم والدولة والسلطان قبل الإسلام لهم وكان للكلدانيين ومن قبلهم من السريانيين والقبط عناية بالسحر والنجامة وما يتبعهما من التأثيرات والطلسمات. وأخذ عنهم الأمم من فارس ويونان ثم تتابعت الملل بحظر ذلك وتحريمه فدرست علومه إلا بقايا تناقلها المنتحلون.
وأما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ولقد يقال: إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم حين قتل إسكندر دارا وغلب على مملكته واستولى على كتبهم وعلومهم إلا أن المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذن في شأنها وتنقيلها للمسلمين.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أن اطرحوها في الماء فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله تعالى فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها.
وأما الروم: فكانت الدولة فيهم ليونان أولا وكان لهذه العلوم شأن عظيم وحملها مشاهير من رجالهم مثل أساطين الــحكمة واختص فيها المشاؤون منهم أصحاب الذوق واتصل سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه إلى سقراط ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أرسطو ثم إلى تلميذه إسكندر الأفرودوسي وكان أرسطو أرسخهم في هذه العلوم ولذلك يسمى: المعلم الأول
ولما انقرض أمر اليونانيين وصار الأمر للقياصرة وتنصروا هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشرائع وبقيت من صحفها ودواوينها مجلدات في خزائنهم.
ثم جاء الإسلام وظهر أهله عليهم وكان ابتداء أمرهم بالغفلة عن الصنائع حتى إذا اتضح السلطان والدولة وأخذوا من الحضارة تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية بما سمعوا من الأساقفة وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم: أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة فبعث إليه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعيات وقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها
وجاء المأمون من بعد ذلك وكانت له في العلم رغبة فأوفد الرسل إلى ملك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالخط العربي وبعث المترجمين لذلك فأخذ منها واستوعب وعكف عليها النظار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول واختصوه بالرد والقبول ودونوا في ذلك الدواوين.
وكان من أكابرهم في الملة: أبو نصر الفارابي وأبو علي بن سينا في المشرق والقاضي أبو الوليد بن رشد والوزير أبو بكر بن الصانع بالأندلس بلغوا الغاية في هذه العلوم.
واقتصر كثير على انتحال التعاليم وما يضاف إليها من علوم النجامة والسحر والطلسمات ووقفت الشهرة على مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس ثم إن المغرب والأندلس لما ركدت ريح العمران بهما وتناقصت العلوم بتناقصه اضمحل ذلك منه إلا قليلا من رسومه وبلغنا عن أهل المشرق: أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة وخصوصا في عراق العجم وما وراء النهر لتوفر عمرانهم واستحكام الحضارة فيهم وكذلك يبلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الفرنجة وما يليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق وإن رسومها هناك متجددة ومجالس تعليمها متعددة انتهى خلاصة ما ذكره ابن خلدون.
أقول: وكانت سوق الفلسفة والــحكمة نافقة في الروم أيضا بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط الدولة العثمانية وكان شرف الرجل في تلك الأعصار بمقدار تحصيله وإحاطته من العلوم العقلية والنقلية وكان في عصرهم فحول ممن جمع بين الــحكمة والشريعة كالعلامة شمس الدين الفناري والفاضل قاضي زاده الرومي والعلامة خواجه زاده والعلامة علي القوشجي والفاضل ابن المؤيد وميرجلبي والعلامة ابن الكمال والفاضل ابن الحنائي وهو آخرهم.
ولما حل أوان الانحطاط ركدت ريح العلوم وتناقصت بسبب منع بعض المفتين عن تدريس الفلسفة وسوقه إلى درس الهداية والأكمل فاندرست العلوم بأسرها إلا قليلا من رسومه فكان المولى المذكور سببا لانقراض العلوم من الروم وذلك من جملة أمارة انحطاط الدولة كما ذكره ابن خلدون والحكم لله العلي العظيم.
ونقل في الفهرس: أنه كانت الــحكمة في القديم ممنوعا منها إلا من كان من أهلها ومن علم أنه يتقبلها طبعا.
وكانت الفلاسفة تنظر في مواليد من يريد الــحكمة والفلسفة فإن علمت منها أن صاحب المولد في مولده حصول ذلك استخدموه وناولوه الــحكمة وإلا فلا.
وكانت الفلسفة ظاهرة في اليونانيين والروم قبل شريعة المسيح عليه السلام فلما تنصرت الروم منعوا منها وأحرقوا بعضها وخزنوا البعض إذ كانت بضد الشرائع.
ثم إن الروم عادت إلى مذهب الفلاسفة وكان السبب في ذلك أن جوليانوس بن قسطنطين وزر له تامسطيوس مفسر كتب أرسطاطاليس.
ثم قتل جوليانوس في حرب الفرس ثم عادت النصرانية إلى حالها وعاد المنع أيضا وكانت الفرس نقلت في القديم شيئا من كتب المنطق والطب إلى اللغة الفارسية فنقل ذلك إلى العربي عبد الله بن المقفع وغيره وكان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى: حكيم آل مروان فاضلا في نفسه له همة ومحبة للعلوم خطر بباله الصنعة فأحضر جماعة من الفلاسفة فأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اليوناني إلى العربي وهذا أول نقل كان في الإسلام.
ثم إن المأمون رأى في منامه رجلا حسن الشمائل فقال: من أنت؟ فقال: أرسطاطاليس فسأل عن الحسن فقال: ما حسن في العقل ثم ماذا؟ فقال: فما حسن في الشرع فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب وكان بينه وبين ملك الروم مراسلات وقد استظهر عليه المأمون فكتب إليه يسأله إنفاد ما يختار من الكتب القديمة المخزونة بالروم فأجاب إلى ذلك بعد امتناع فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم: الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلما صاحب بيت الــحكمة فأخذوا ما اختاروا وحملوا إليه فأمرهم بنقله فنقل.
وكان يوحنا بن مأسويه ممن ينفد إلى الروم وكان محمد وأحمد والحسن بنو شاكر المنجم ممن عني بإخراج الكتب وكان قسطا بن لوقا البعلبكي قد حمل معه شيئا فنقل له.
وأول من تكلم في الفلسفة على زعم فرفوريوس الصوري في تاريخه السرياني سبعة أولهم: ثاليس. قال آخرون: قوتاغورس وهو أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم وله رسائل تعرف بالذهبيات لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب.
ثم تكلم على الفلسفة سقراط من مدينة أيتنه بلد الــحكمة.
ومن أصحاب سقراط أفلاطون كان من أشراف يونان وكان في قديم أمره يميل إلى الشعر فأخذ منه بحظ عظيم ثم حضر مجلس سقراط فرآه يسب الشعراء فتركه ثم انتقل إلى قول فيثاغورس في الأشياء المعقولة وعنه أخذ أرسطاطاليس وألف كتبا وترتيب كتبه هكذا: المنطقيات الطبيعيات الإلهيات الخلقيات.
أما المنطقية فهي ثمان كتب قاطيغورياس معناه: المقالات نقله حنين وفسره فرفوريوس والفارابي.
ياريمنياس: معناه العبارة نقله حنين إلى السريانية وإسحاق إلى العربي وفسره الكندي.
أنالوطيقا معناه: تحليل القياس نقله تيودورس إلى العربي وفسره الكندي.
أنورطيقا ومعناه: البرهان نقله إسحاق إلى السرياني ونقل متى نقل إسحاق إلى العربي وشرحه الفارابي.
طوبيقا ومعناه: الجدل نقله إسحاق إلى السرياني ونقل يحيى هذا النقل إلى العربي وفسره الفارابي.
سوفسطيقا ومعناه: المغالطة والــحكمة المموهة نقله ابن ناعمة إلى السرياني ونقله يحيى بن عدي إلى العربي من السرياني وفسره الكندي.
ريطوريقا معناه: الخطابة قيل: إن إسحاق نقله إلى العربية وفسره الفارابي.
أنوطيقا معناه: الشعر نقله متى من السرياني إلى العربي.
وأما الطبيعيات والإلهيات ففيهما كتاب السماع الطبيعي بتفسير الإسكندر وهو ثمان مقالات فوجد تفسير مقالة بجماعة.
وكتاب السماء والعالم وهو أربع مقالات نقله متى وشرح الأفرودات.
وكتاب الكون والفساد نقله حنين إلى السرياني وإسحاق إلى العربي.
وكتاب الأخلاق فسره فرفوريوس.
أسماء النقلة اصطفن القديم نقل لخالد بن يزيد كتب الصنعة وغيرها.
والبطريق كان في أيام المنصور ونقل أشياء بأمره.
وابن يحيى الحجاج بن مطر وهو الذي نقل المجسطي وإقليدس للمأمون.
وابن ناعمة عبد المسيح الحمصي وسلام الأبرش من النقلة القدماء في أيام البرامكة.
وحسين بن بهريق فسر المأمون عدة كتب وهلال بن أبي هلال الحمصي وابن آوى وأبو نوح بن الصلت وابن رابطة وعيسى بن نوح وقسطا بن لوقا البعلبكي جيد النقل وحنين وإسحاق وثابت وإبراهيم بن الصلت ويحيى بن عدي وابن المقفع نقل من الفارسية إلى العربية وكذا موسى ويوسف ابنا خالد والحسن ابن سهل والبلاذري وكنكه الهندي نقل من الهندية إلى العربية وابن وحشية نقل من النبطية إلى العربية.
وذكر الشهرستاني في الملل والنحل: إن فلاسفة الإسلام الذين فسروا ونقلوا كتبها من اليونانية إلى العربية وأكثرهم على رأي أرسطو منهم: حنين وأبو الفرج وأبو سليمان السنجري ويحيى النحوي ويعقوب بن إسحاق الكندي وأبو سليمان محمد ابن بكير المقدسي وثابت بن قرة الحراني وأبوتمام يوسف بن محمد النيسابوري وأبو زيد أحمد بن سهل البلخي وأبو الحارث حسن بن سهل القمي وأبو حامد بن محمد الإسفرائني وأبو زكريا يحيى الصيمري وأبو نصر الفارابي وطلحة النسفي وأبو الحسن العامري وابن سينا.
وفي حاشية المطالع لمولانا لطفي أن المأمون جمع مترجمي مملكته كحنين بن إسحاق وثابت بن قرة وترجموها بتراجم متخالفة مخلوطة غير ملخصة ومحررة لا توافق ترجمة أحدهم للآخر فبقيت تلك التراجم هكذا غير محررة بل أشرف إن عفت رسومها إلى زمن الحكيم الفارابي.
ثم إنه التمس منه ملك زمانه مصور بن نوح الساماني أن يجمع تلك التراجم ويجعل من بينها ترجمة ملخصة محررة مهذبة مطابقة لما عليه الــحكمة فأجاب الفارابي وفعل كما أراد وسمى كتابه بالتعليم الثاني فلذلك لقب: بالمعلم الثاني.
وكان هذا في خزانة المنصور إلى زمان السلطان مسعود من أحفاد منصور كما هو مسودا بخط الفارابي غير مخرج إلى البياض إذ الفارابي غير ملتفت إلى جمع تصانيفه وكان الغالب عليه السياحة على زي القلندرية وكانت تلك الخزانة بأصفهان وتسمى: صوان الــحكمة.
وكان الشيخ أبو علي بن سينا وزير المسعود وتقرب إليه بسبب الطب حتى استورده وسلم إليه خزانة الكتب فأخذ الشيخ الــحكمة من هذه الكتب ووجد فيما بينها التعليم الثاني ولخص منه كتاب الشفاء.
ثم إن الخزانة أصابها آفة فاحترقت تلك الكتب فاتهم أبو علي بأنه أخذ من تلك الخزانة الــحكمة ومصنفاته ثم أحرقها لئلا ينتشر بين الناس ولا يطلع عليه فإنه بهتان وإفك لأن الشيخ مقر لأخذه الــحكمة من تلك الخزانة كما صرح في بعض رسائله.
وأيضا يفهم في كثير من مواضع الشفاء أنه تلخيص التعليم الثاني انتهى إلى هنا خلاصة ما ذكروه في أحوال العلوم العقلية وكتبها ونقلها إلى العربية والتفصيل في تاريخ الحكماء.
ثم إن الإسلاميين لما رأوا في العلوم الحكمية ما يخالف الشرع الشريف صنفوا فنا للعقائد واشتهر بعلم الكلام
لكن المتأخرين من المحققين أخذوا من الفلسفة ما لا يخالف الشرع وخلطوا به الكلام لشدة الاحتياج إليه كما قال العلامة سعد الدين في شرح المقاصد فصار كلامهم حكمة إسلامية ولم يبالوا برد المتعصبين وإنكارهم على خلطهم لأن المرء مجبول على عداوة ما جهله
لكنهم لما لم يكن أخذهم وخلطهم على طريق النقل والاستفادة بل على سبيل الرد والاعتراض والنقص والإبرام في كثير من الأمور الطبيعية والفلكية والعنصرية. قام أشخاص من الإسلاميين كالنصير وابن رشد ومن غير الإسلاميين وانتصبوا في ردهم وتزييفهم فصار فن الكلام كالــحكمة في النقض وتزييف الدلائل كما قال الفاضل القاضي مير حسين الميبذي في آخر رسالته المعرفة بجام كيتي نما: فاللائق بحال الطالب أن ينظر في كلام الفريقيين وكلام أهل المتصوف ويستفيد من كل منهما ولا ينكر إذ الإنكار سبب البعد عن الشيء كما قال الشيخ في آخر الإشارات.
وأما الكتب المصنفة في الــحكمة الطبيعية والإلهية والرياضية فأكثرها ليس بإسلامي بل يوناني ولاتيني، لأن معظم الكتب بقي في بلادهم ولم ينقل إلى العربي إلا الشاذ النادر وما نقل لم يبق على أصل معناه لكثرة التحريفات في خلال التراجم كما هو أمر مقرر في نقل الكتب من لسان إلى لسان.
وقد اختبرنا وحققنا ذلك حين الاشتغال بنقل كتاب أطلس وغيره من لغة لاتن إلى اللغة التركية فوجدناه كذلك ولم نر أعظم كتابا من الشفا في هذا الفن مع أنه شيء يسير بالنسبة إلى ما صنف أهل أقاديميا التي في بلاد أورفا ثم إن بعض المحققين أخذ طرفا من كتب الشيخ كالشفا والنجاة والإشارات وعيون الــحكمة وغيرها وجعل مقدمة ومدخلا للعلوم العقلية كالهداية لأثير الدين الأبهري وعين القواعد للكابر القزويني فصار قصارى همم أهل زماننا الاكتفاء بشيء من قراءة الهداية ولو تجرد بعض المشتغلين وسعى إلى مذاكرة حكمة العين لكان ذلك أقصى الغاية فيما بينهم وقليل ما هم. انتهى ما في كشف الظنون.

الحُكْم وَالحِكْمَة 

الحُكْم وَالــحِكْمَة
"الحكم": فعل للقضاء المطلق حقاً أو باطلاً. قال تعالى: {ما لكم كيف تحكمون}
أيضاً:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} .
ويطلق على القوة التي هي منشأ القضاء، وحينئذٍ يراد به الفهم. وسيأتيك شواهده .
وأما "الــحِكْمَة" فهي اسم للقوة التي منها ينشأ القضاء بالحق. قال تعالى في نعت داود عليه السلام:
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْــحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} .
فذكَر الأثر بعد القوة التي هي مصدر ذلك الأثر.
وكما أن القول الفصل من آثار الــحكمة، فكذلك طهارة الخلق وحسن الأدب من آثارها. ولذلك كانت العربُ تطلِق اسمَ الــحكمة على قوة جامعة لرَزانةِ العقل والرأي، وشَرافةِ الخلق الناشئة منها. فسَمَّوا الرجلَ العاقلَ المهذبَ "حكيما".
وكذلك يطلقون اسم الــحكمة على فصل الخطاب، وهو: القول الحق الواضح (*) عند العقل والقلب .
................................
(*) والآن انظر في نظم قوله تعالى: = وكل هذه الوجوه من معاني الــحكمة جاء فى كلام العرب. فاستعملها القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن مِنَ الشَعْرِ لَــحِكْمَة"
....................................
= { ... ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْــحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
فاعلم أن المخاطب على ثلاث مدارج: خالي الذهن، ومعترف، ومنكر. وبعبارة أخرى: تخاطب أولاً، أو بعد اعتراف، أو بعد إنكار. فأولاً تخاطبه بما يتقبل عقله من الحق الواضح والخير المعروف. فهذا هو الدعوة بالــحكمة. فإذا رأيت أنه مقِرّ بحسن ما تدعو إليه، ولكنه لا يوافق عمله علمه، فتحثّه على العمل بالموعظة الحسنة. وإذا رأيت أنه يخالف دعوتك فتجادله بالطريق التي هي أحسن. فالأول: إلقاء العلم، وهذا يكفي للسابقين. والثاني: جذب إلى العمل. وهذا ينفع الصالحين الذين جاء فيهم:
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].
والثالث: إزالة العوائق، وبهذا هُدِي خلقٌ، وتمت الحجة على الآخرين. كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36].
وبعبارة أخرى: الدعوة بالــحكمة عامة للناس، ثم هم يفترقون: فمنهم من يستمع ويميل، ومنهم من يجادل. فللأول "الموعظة"، وللثاني "حسن المجادلة" [حاشية المؤلف]. أي ليس كل شعر غواية، بل منه ما يتضمن على الحق والحث على الخير.
هذا. ثم استعملها الله تعالى في أكمل أفرادها، فسمى الوحي "حكمةً" كما سماه "نوراً"، و "برهاناً"، و "ذِكراً" و "رحمةً". ومن هذه الجهة سَمَّى القرآنَ "حكيماً" أي ذا حكمة، كما سمَّى نفسه حكيماً وعليماً. فهذه وجوه.
فإذا سمّى القرآن "كتاباً" و "حكمة" معاً، فذلك من جهتين: سمى "كتاباً" من [جهة] كونه مشتملاً على الأحكام المكتوبة، و "حكمة" من جهة اشتماله على حكمة الشرائع من العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة. واستدللنا على هذا الفرق من تتبع استعمال الكلمتين معاً، ومما علمنا من استعمال "الكتاب" للأحكام و "الــحكمة" لأصولها.
وتسامح بعض أهل العلم في هذا المقام، وتبعه الإمام الشافعي رحمه الله، وتبعه أكثر المحدثين، فظنوا أن "الــحكمة" أريد بها الحديث ، فإنّ ............................ الكتاب كتاب الله. ومثار الخطأ أنهم أخطأوا معنى "الكتاب" حيث جاء مع الــحكمة. والدليل على ما قلنا آيات: فمنها قوله تعالى:
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْــحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} .
وهكذا قوله تعالى:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْــحِكْمَةِ} .
وكلمة (يتلى) و (أنزل) لم يستعملها القرآن للحديث.
نعم إن الحديث ربما يتضمن الــحكمةَ، ولا شك أن الحديث ربما يبيّن ما في القرآن من الــحكمة. ولعل مراد الذين تبعهم الإمام رحمه الله كان هذا. ولكن الحديث يشتمل على الأحكام، كما أنه يشتمل على الــحكمة، فلا وجه لتخصيصه باسم (الــحكمة). وجاء أوضح من ذلك حيث قال تعالى بعد ذكر ما قضى من أصول الدين:
{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْــحِكْمَةِ} .
وقال تعالى في صفة عيسى عليه السلام:
{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْــحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} .
فسمى التوراة "كتاباً"، لأن معظمها الأحكام، والإنجيلَ "حكمة" لما كثر فيه الدلائل والمواعظ، كما قال تعالى:
{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} .
فكان الإنجيل مشتملاً على هدى ونور، وهدى وموعظة، وعلى قليل من الأحكام وتصديق التوراة. ولغلبة الأمر الأول سمي "حكمة". ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى:
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْــحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} .
فاتضح أن تأويل "الــحكمة" إلى الأَحاديث غير صحيح، وأن اسمَ "الكتاب" إذا يُتبَع بالــحكمةِ فالمراد منه الأحكام. فلا تنسَ هذا الفرق.
رجعنا إلى بيان معنى "الحكم"، فاعلم أنه أيضاً مثل "الــحكمة" يُطلق على القولِ المشتملِ على القضاء الحقِ الواضحِ الذىِ قُضي بالعلم. وهذا من استعمال الكلمة العامّة في أحسن أفرادها . قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} .
وهكذا استعمال "الحكم" في معنى القوة، إذا أريد به الفهم الصائب. قال تعالى:
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} .
أي آتيناه صفاتٍ ثلاثاً: الفهمَ، والمحبةَ، وطهارةَ الأخلاق. فاتَّصَفَ حسبَ ذلك، فصار تقياً: فاجتنب ما يَضر، وأحبَّ والدَيه، وحسن خلقه: فلم يَظلم مَن دونه، ولم يُسخِط مَن فوقه.
وقال تعالى:
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ} الآية.
فذكر "العلم" بعد "الحكم" ليعلم أن "الحكم" هاهنا هو الحكم المطلق، فإنه لا يكون إلا بالعلم. وهكذا قوله تعالى في موسى عليه السلام:
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} .
وأيضاً:
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ {شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} .
وأما "الحكم" بمعنى الأمر فكثير. ومنه قوله تعالى:
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} .

الحكمة

الــحكمة:
[في الانكليزية] Wisdom ،philosophy
[ في الفرنسية] Sagesse ،philosophie
بالكسر في الأصل هي إتقان الفعل والقول وأحكامهما. وفي اصطلاح العلماء تطلق على معان. منها علم الــحكمة وقد سبق في المقدمة مع بيان الــحكمة العملية من الــحكمة الخلقية والــحكمة المنزلية والــحكمة السياسية والمدنية وبيان الــحكمة النظرية. ومنها معرفة الحقّ لذاته والخير لأجل العمل به وهو التكاليف الشرعية، هكذا في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى:
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْــحِكْمَةِ في سورة بني إسرائيل. ويقرب منه ما ذكر أهل السلوك من أنّ الــحكمة معرفة آفات النفس والشيطان والرياضات كما مرّ في المقدّمة في تعريف علم السلوك. والــحكمة بهذا المعنى أخصّ من علم الــحكمة لأنها من أنواعه كما لا يخفى. ومنها هيئة للقوة العقلية العملية متوسطة بين الجربزة وهي هيئة تصدر بها الأفعال بالمكر والحيلة من غير اتّصاف، وبين البلاهة وهي الحمق. والــحكمة بهذا المعنى أحد أجزاء العدالة المقابلة للجور كما يجيء في لفظ الخلق. وظن البعض أنّها هي الــحكمة العملية وهذا باطل، إذ هي ملكة تصدر عنها أفعال متوسطة بين الجربزة والغباوة. والــحكمة العملية هي العلم بالأمور المخصوصة. والفرق بين الملكة والعلم ظاهر. وكذا هي مغايرة لعلم الــحكمة إذ هي العلم بالأشياء مطلقا سواء كانت مستندة إلى قدرتنا أو لا، كذا في شرح المواقف في خاتمة مبحث القدرة. ومنها الحجة القطعية المفيدة للاعتقاد دون الظن والإقناع الكامل. قال الله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْــحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً. وقال ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْــحِكْمَةِ الآية. كذا في التفسير الكبير في تفسير هذه الآية في آخر سورة النحل.
وحاصل هذا أنّ الــحكمة تطلق على البرهان أيضا، ويؤيّده ما وقع في شرح المطالع أنّ صاحب البرهان يسمّى حكيما. ومنها فائدة ومصلحة تترتّب على الفعل من غير أن تكون باعثة للفاعل على الفعل وتسمّى بالغاية أيضا كما سيجيء. والــحكمة المسكوت عنها عند الصوفية هي أسرار لا يمكن التحدّث بها مع أيّ كان. والــحكمة المجهولة عندهم تلك التي هي مستورة بغير الــحكمة كما في ألم بعض الناس وحياة بعضهم وموت الأطفال وبقاء الهرمين والخلود في الجنة أو النار كذا نقل عن الشيخ عبد الرزاق الكاشي.
الــحكمة: إصابة الحق بالعلم والعمل، فالــحكمة من الله معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات بها، والحكم أعم من الــحكمة، فكل حكمة حكم ولا عكس، فإن الحكم له أن يقضي على شيء بشيء فيقول: هو كذا أو ليس بكذا، ومنه حديث "إن من الشعر لحكما" أي قضية صادقة، كذا قرره الراغب. وقال ابن الكمال: الــحكمة علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية فهي علم نظري غير آلي ويقال الــحكمة أيضًا هيئة القوة العقلية العلمية.

الْحِكْمَة

(الْــحِكْمَة) معرفَة أفضل الْأَشْيَاء بِأَفْضَل الْعُلُوم وَالْعلم والتفقه وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْــحِكْمَة} وَالْعدْل وَالْعلَّة يُقَال حِكْمَة التشريع وَمَا الْــحِكْمَة فِي ذَلِك وَالْكَلَام الَّذِي يقل لَفظه ويجل مَعْنَاهُ (ج) حكم
و (علم الْــحِكْمَة) الكيمياء والطب

(الْــحِكْمَة) حِكْمَة اللجام حديدته الَّتِي تكون فِي فَم الْفرس ويتصل بهَا العذاران وَمن الشَّاة وَنَحْوهَا ذقنها وَمن الْإِنْسَان أَسْفَل وَجهه أَو مقدمه وَيُقَال رفع الله حكمته رفع شَأْنه وَقدره (ج) حكم
الْــحِكْمَة: يَقُول شمس الدّين الشهرزوري فِي (تَارِيخ الْحُكَمَاء) أَنه ظهر وباء فِي زمن أفلاطون وَكَانَ هُنَاكَ مذبح على شكل مكعب، فجَاء الْوَحْي على أحد أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل أَن يُضَاعف هَذَا المذبح حَتَّى ينْتَفع بِهِ، فعمدوا إِلَى بِنَاء مذبح مشابه إِلَى جَانب المذبح السَّابِق وَزَادُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا ذَلِك للنَّبِي فجَاء الْوَحْي أَنهم يبنوا إِلَى جَانب المذبح مذبحا ويجعلوه تِسْعَة أَضْعَاف المكعب. فاستعانوا عِنْدهَا بأفلاطون فَقَالَ لَهُم إِنَّكُم نفرتم من الهندسة وَالْحق تَعَالَى قد نبهكم بِهَذِهِ الطَّرِيقَة كلما اسْتَطَعْتُم اسْتِخْرَاج خطين وسط خطين على نِسْبَة وَاحِدَة فَإِنَّكُم ستحصلون على الْمَطْلُوب. وتحقيقه فِي كتب الهندسة وَعَلَيْك أَن لَا تكون تَابعا للحكماء فِي الآلهيات فَإِنَّهُم فِيهَا على الْبطلَان والخذلان.
الْــحِكْمَة: فِي اللُّغَة دانائي. وَعند أَرْبَاب الْمَعْقُول فِي تَعْرِيفهَا اخْتِلَاف. وَالْمَشْهُور أَن الْــحِكْمَة علم بأحوال أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِقدر الطَّاقَة البشرية. وَالْمرَاد (بأعيان الموجودات) الموجودات العينية إِلَى الخارجية (بالبشر) الْبشر الَّذِي يكون من أوساط النَّاس لَا فِي غَايَة الْعُلُوّ وَلَا فِي غَايَة السّفل و (بعلى مَا هِيَ عَلَيْهِ) على وَجه يكون أَحْوَال الْأَعْيَان على ذَلِك الْوَجْه من الْوُجُوب والإمكان والامتناع والتحيز والجسمية وَغَيرهَا من الْقدَم والحدوث. قيل إِن بعض الْحُكَمَاء قَائِلُونَ بِأَن الْعَالم قديم وَبَعْضهمْ بِأَنَّهُ حَادث وَكِلَاهُمَا حَكِيم وَلَيْسَ كلا مِنْهُمَا مطابقا لما فِي نفس الْأَمر بل وَاحِد مِنْهُمَا مُطَابق لَهُ فَيلْزم أَن لَا يكون أَحدهمَا حكيما وَكِلَاهُمَا حَكِيم. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد علم بأحوال أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِزَعْمِهِ بِقدر الطَّاقَة البشرية وموضوعها على هَذَا التَّعْرِيف الموجودات الخارجية فَيخرج الْمنطق حِينَئِذٍ عَن الْــحِكْمَة لِأَنَّهُ باحث عَن أَحْوَال الموجودات الذهنية لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن المنقولات الثَّانِيَة وَهِي الَّتِي لَا يحاذيها شَيْء فِي الْخَارِج.
وَمن عرف الْــحِكْمَة بِمَا بِهِ خُرُوج النَّفس إِلَى كمالها الْمُمكن فِي جَانِبي الْعلم وَالْعَمَل. أما فِي جَانب الْعلم فبأن يكون متصورا للموجودات كَمَا هِيَ ومصدقا للقضايا كَمَا هِيَ. وَأما فِي جَانب الْعَمَل فَإِن يحصل لَهُ الملكة التَّامَّة على الْأَفْعَال المتوسطة بَين الإفراط والتفريط جعل الْمنطق من الْــحِكْمَة بل جعل الْعَمَل أَيْضا مِنْهَا. وَكَذَا من ترك الْأَعْيَان فِي تَعْرِيفهَا جعله من أَقسَام الْــحِكْمَة النظرية إِذْ لَا يبْحَث فِيهِ إِلَّا من المعقولات الثَّانِيَة الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَأَيْضًا الْــحِكْمَة هِيَ هَيْئَة الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة العملية المتوسطة بَين الجزيرة الَّتِي هِيَ إفراط هَذِه الْقُوَّة والبلادة الَّتِي هِيَ تفريطها وتفصيلها فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَاعْلَم: أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْمنطق من الْــحِكْمَة أم لَا فَمن قَالَ إِنَّه لَيْسَ بِعلم فَعنده لَيْسَ بــحكمة إِذْ الْــحِكْمَة علم بأحوال أَعْيَان الموجودات كَمَا مر. والقائلون بِأَنَّهُ علم يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه مِنْهَا أم لَا. والقائلون بِأَنَّهُ مِنْهَا يُمكن الِاخْتِلَاف بَينهم بِأَنَّهُ من الْــحِكْمَة النظرية جَمِيعًا أم لَا بل بعضه مِنْهَا وَبَعض من العملية إِذا الْمَوْجُود الذهْنِي قد يكون بقدرتنا واختيارنا وَقد لَا يكون كَذَلِك والقائلون بِأَنَّهُ من الْــحِكْمَة النظرية يُمكن الِاخْتِلَاف بَينهم بِأَنَّهُ من أقسامها الثَّلَاثَة أم قسم آخر.

وَقَالَ: صَاحب المحاكمات من جعل الْمنطق من أَقسَام الْــحِكْمَة النظرية جعل أقسامها أَرْبَعَة. وَقَالَ الْــحِكْمَة النظرية إِمَّا أَن تكون مَطْلُوبَة لتَحْصِيل سَائِر الْعُلُوم وَهُوَ الْمنطق - أَو مَطْلُوبَة لذاتها وَهِي إِمَّا أَن تكون علما بأحوال مَا لَا يفْتَقر فِي الوجودين إِلَى الْمَادَّة إِلَى آخر الْأَقْسَام وَاسْتدلَّ على أَنه لَيْسَ من الْعُلُوم بِأَنَّهُ آلَة لَهَا فَلَا يكون مِنْهَا لِاسْتِحَالَة كَون الشَّيْء آلَة لنَفسِهِ. ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ آلَة لكلها بل لما عداهُ من أقسامها إِذْ الْعقل يخصص لفظ الْعُلُوم بِمَا عدا عُلُوم الْمنطق كَمَا يخصص لفظ كل شَيْء بِغَيْر الله سُبْحَانَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {الله خَالق كل شَيْء} .
وَأَيْضًا يُمكن رده بِمَنْع لُزُوم كَون الشَّيْء آلَة لنَفسِهِ لَا مَكَان كَون بعضه آلَة بعض آخر وَيمْنَع الاستحالة إِذْ يَكْفِي الِاخْتِلَاف الاعتباري. قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره النزاع لَفْظِي فِي اندراج الْمنطق تَحت الْــحِكْمَة كالنزاع فِي اندراجه تَحت الْعلم. وَبَيَانه أَنه أرخص لفظ الْعلم بِمَا يبْحَث فِيهِ عَن المعقولات الأولى لم يكن متناولا لَهُ إِذْ يبْحَث فِيهِ عَن المعقولات الثَّانِيَة وَإِن لم يخص بالمعقولات الأولى كَانَ متناولا لَهُ وَإِن لم يخص بالأعيان كَانَت شَامِلَة.
وَاعْلَم أَن بعض أَصْحَابنَا أَعرضُوا عَن الْــحِكْمَة أعراضا تَاما وَبَعْضهمْ جعلوها مقصدا أقْصَى وَالْحق أَن تكون جَامعا لأقسام الْــحِكْمَة العملية أَعنِي تَهْذِيب الْأَخْلَاق - وتدبير الْمنزل - والسياسة المدنية. ولأقسام الْــحِكْمَة الرياضية أَعنِي الْهَيْئَة - والهندسة - والحساب - والموسيقى -. ولأكثر مسَائِل الْــحِكْمَة الطبيعية وموافق للحكماء وَفِي الألهيات وَبَعض من الطبيعيات مُوَافق للطائفة الْعلية الصُّوفِيَّة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَهَذَا الطّور مشابه بطور أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فِي حَرْب صفّين الصَّلَاة خلف عَليّ أتم وَطَعَام مُعَاوِيَة أدسم والتل أسلم.
ف (34) :
وَعَلَيْك أَن لَا تكون تَابعا للحكماء فِي الألهيات فَإِنَّهُم فِيهَا على الْبطلَان والخذلان. ثمَّ إِن الْــحِكْمَة على قسمَيْنِ - الْــحِكْمَة العملية - وَالْــحكمَة النظرية. لِأَن تِلْكَ الْأَعْيَان الْمَأْخُوذَة فِي تَعْرِيف الْــحِكْمَة. أما الْأَفْعَال والأعمال الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَسَائِر الْأَفْعَال الْحَسَنَة والسيئة. أَولا كالسماء وَالْأَرْض. فالعلم بأحوال الأول من حَيْثُ إِنَّه يُؤَدِّي إِلَى صَلَاح المعاش والمعاد يُسمى حِكْمَة عملية. وَالْعلم بأحوال الثَّانِي يُسمى حِكْمَة نظرية.

الــحكمة العملية: علم بأحوال الْأَشْيَاء الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة آنِفا. وَقَالَ بَعضهم هِيَ الْعلم بالموجودات الَّتِي يتَوَقَّف وجودهَا على الحركات الاختيارية أَي الإرادية كالأعمال الْوَاجِبَة والأعمال المرضية وَلَا يخفى على الرِّجَال أَن هَذَا التَّعْرِيف يصدق على الْعلم بأحوال الابْن مثلا فَإِن وجوده مَوْقُوف على الحركات الاختيارية وَقت الْجِمَاع. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن المُرَاد هِيَ الْعلم بالموجودات الَّتِي يتَوَقَّف وجود نوعها أَولا على الحركات الاختيارية. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم لهَذَا الِاسْم لِأَن غَايَة ابْتِدَاء الْأَعْمَال الَّتِي بقدرتنا دخل فِيهَا فنسب إِلَى الْغَايَة الابتدائية وَسمي بالــحكمة العملية. وَإِنَّمَا قيدنَا الْغَايَة بالابتدائية لِأَن غَايَة الْحَقِيقَة السَّعَادَة وَهِي غَايَة الْغَايَة.

الْــحكمَة النظرية: علم بأحوال الْأَشْيَاء الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا كَالْعلمِ بأحوال الْإِنْسَان وَسَائِر الموجودات العينية الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم بالــحكمة النظرية لِأَن الْمَقْصُود فِيهِ تَكْمِيل الْقُوَّة النظرية. أَو لِأَن النظريات فِيهِ أَكثر وَأقوى من العميلة. وَالْأولَى أَن يُقَال إِن غَايَة الابتدائية مَا حصل بِالنّظرِ وَهُوَ الإدراكات التصورية والتصديقية الْمُتَعَلّقَة بالأمور الَّتِي لَا مدْخل لقدرتنا واختيارنا فِيهِ فنسب إِلَى الْغَايَة الابتدائية وَيُسمى بالــحكمة النظرية. وكل من الْــحِكْمَة العملية وَالْــحكمَة النظرية على ثَلَاثَة أَقسَام: (تَهْذِيب الْأَخْلَاق) و (تَدْبِير الْمنزل) و (السياسة المدنية) وَهَذِه الثَّلَاثَة أَقسَام الْــحِكْمَة العملية. وَأما أَقسَام الْــحِكْمَة النظرية. فأحدها: الْعلم الْأَعْلَى وَيُسمى بالإلهي والفلسفة الأولى وَالْعلم الْكُلِّي وَمَا بعد الطبيعية وَمَا قبل الطبيعية أَيْضا. وَالثَّانِي: الْعلم الْأَوْسَط وَيُسمى بالرياضي والتعليمي أَيْضا. وَالثَّالِث: الْعلم الْأَدْنَى وَيُسمى بالطبيعي أَيْضا واطلب تَعْرِيف كل من هَذِه الْأَقْسَام فِي مَوْضِعه من الْأَبْوَاب.
وَاعْلَم أَن أَقسَام الْــحِكْمَة أصولا وفروعا مَعَ أَقسَام الْمنطق على مَا يفهم من رِسَالَة تَقْسِيم الْــحِكْمَة للشَّيْخ الرئيس أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ. وَبِدُون أَقسَام الْمنطق خَمْسَة وَثَلَاثُونَ.

أصول الإلهي: خَمْسَة. الأول: الْأُمُور الْعَامَّة. الثَّانِي: إِثْبَات الْوَاجِب وَمَا يَلِيق بِهِ. الثَّالِث: إِثْبَات الْجَوَاهِر الروحانية. الرَّابِع: بَيَان ارتباطات الْأُمُور الأرضية بِالْقُوَّةِ السمائية. الْخَامِس: بَيَان نظام الممكنات وفروعه قِسْمَانِ. الْقسم الأول: مِنْهُمَا الْبَحْث عَن كَيْفيَّة الْوَحْي - وَمِنْه صيرورة الْمَعْقُول محسوسا وَمِنْه تَعْرِيف الإلهيات وَمِنْه: الرّوح الْأمين. الْقسم الثَّانِي: الْعلم بالمعاد الروحاني.

أصول الرياضي: أَرْبَعَة: الأول: علم الْعدَد. وَالثَّانِي: علم الهندسة. وَالثَّالِث: علم الْهَيْئَة. الرَّابِع: علم التَّأْلِيف الباحث عَن أَحْوَال النغمات وَيُسمى بالموسيقى أَيْضا وفروعه سِتَّة: الأول: علم الْجمع والتفريق. وَالثَّانِي: علم الْجَبْر والمقابلة. وَالثَّالِث: علم المساحة. الرَّابِع: علم جر الأثقال. وَالْخَامِس: علم الزيجات والتقاويم. وَالسَّادِس: علم الأغنون وَهُوَ اتِّحَاد الْآلَات.

أصول الطبيعي: ثَمَانِيَة: الاول: الْعلم بأحوال الْأُمُور الْعَامَّة للأجسام. الثَّانِي: الْعلم بتكون الْأَركان وفسادها. الرَّابِع: الْعلم بالمركبات الْغَيْر التَّامَّة ككائنات الجو. الْخَامِس: الْعلم بأحوال الْمَعَادِن. السَّادِس: الْعلم بِالنَّفسِ الإنسانية. السَّابِع: الْعلم بِالنَّفسِ الحيوانية. الثَّامِن: الْعلم بِالنَّفسِ الناطقة. وفروعه سَبْعَة: الأول: الطِّبّ. الثَّانِي: النُّجُوم. الثَّالِث: علم الفراسة. الرَّابِع: علم التَّعْبِير. الْخَامِس: علم الطلسمات وَهُوَ مزج القوى السماوية بالقوى الأرضية. السَّادِس: علم النيرنجات وَهُوَ مزج قوى الْجَوَاهِر الأرضية. السَّابِع: علم الكيمياء وَهُوَ علم تَبْدِيل قوى الأجرام المعدنية بَعْضهَا بِبَعْض.

حكمة

الــحكمة: علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية، فهي علم نظري غير آلي، والــحكمة أيضًا: هي هيئة القوة العقلية العلمية المتوسطة بين الغريزة التي هي إفراط هذه القوة، والبلادة التي هي تفريطها.

الــحكمة: تجيء على ثلاثة معانٍ: الأول: الإيجاد. والثاني: العلم. والثالث: الأفعال المثلثة، كالشمس والقمر وغيرهما، وقد فسر ابن عباس، رضي الله عنهما، الــحكمة في القرآن، بتعلم الحلال والحرام، وقيل: الــحكمة في اللغة: العلم مع العمل، وقيل: الــحكمة يستفاد منها ما هو الحق في نفس الأمر بحسب طاقة الإنسان، وقيل: كل كلام وافق الحق فهو حكمة، وقيل: الــحكمة هي الكلام المقول المصون عن الحشو.

الــحكمة الإلهية: علم يبحث فيه عن أحوال الموجودات الخارجية المجردة عن المادة التي لا بقدرتنا واختيارنا، وقيل: هي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاه، ولذا انقسمت إلى العلمية والعملية.

الــحكمة المنطوق بها: هي علوم الشريعة والطريقة.

الــحكمة المسكوت عنها: هي أسرار الحقيقة التي لا يطلع عليها علماء الرسوم والعوام على ما ينبغي، فيضرهم أو يهلكهم، كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتاز في بعض سكك المدينة مع أصحابه، فأقسمت عليه امرأة أن يدخلوا منزلها، فدخلوا فرأوا نارًا مضرمة، وأولاد المرأة يلعبون حولها، فقالت: يا نبي الله، الله أرحم بعباده، أم أنا بأولادي، فقال: "بل الله أرحم؛ فإنه أرحم الراحمين"، فقالت: يا رسول الله: أتراني أحب أن ألقي ولدي في النار؟ قال: "لا". قالت: فكيف يلقي الله عباده فيها وهو أرحم بهم؟ قال الراوي: فبكى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "هكذا أوحي إلي".

الحُكم والحِكمة والصالح 

الحُكم والــحِكمة والصالح
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
التصوير الصحيح البيّن للمفردات من أوائل التأويل، وذلك يُستنْبَطُ من مواقع الكلمات. "الحُكم": مبدأ الــحكمة، وهو: الفهم الصحيح، ثم القضاء والحكم به. فإذا كمل ذلك، وصار ملكة راسخة سمي "الــحكمة".
وأما "الصلاح" فهو عبارة عن أثر الــحكمة والعلم، فيشير إلى العمل الصالح. كما جاء كثيراً: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وأشباهه.
والأحسن في الدعاء الاقتصار والقنوع، فيطلب المبادئ الجوامع. فمن طلب الحُكم طمح إلى الــحكمة، والــحكمة خير كثير.
وكما أن الحكم هو بدء الــحكمة، فكذلك الصلاح هو الأصل الكلّي للكمال. فطلبُ الصلاح أيضاً طموحٌ إلى كمال النفس والتقرب والرضوان.
وهكذا الدعاء للهداية :
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
فهذه كلُّها طلبُ المبادئ الجوامع، ووقوفٌ على حاشية البساط حتى يكون الربّ تعالى هو الحاكم بما يرضى من تقريب عبده إلى حيث يشاء، ففيه التفويض وإحسان الرجاء.
ومنه قوله تعالى:
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
تفويضاً إلى الكريم الرحيم. وهكذا فسّره النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومنه قوله تعالى حكاية عن قِيل المسيح عليه السلام:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
فخلَّى العبدَ وربَّه، وأخرَج نفسه من البين. وفيه تفويض واسترحام. وفي الجزء الثاني باب آخر من حسن الطلب في الدعاء مع التفويض. وذلك بأن العزيز لا يستطيع أحد أن يمنعه عما يشاء، وكذلك الحكيم لا يُعجِزه إيجادُ سبب وحيلة لما يريد. فكان فحوى الكلام أنّ الشيطان ومكره وكيده بعبادك كيف يُقاوم قوّتك وحكمتك حتى يُعجزك عن إنقاذ رحمتك. فأشار إلى حسن الظنّ بالربّ تعالى وصفته الجمالية، والتفويض إليه، وأشار إلى أن الكريم إذا قدر سمح، لقول العرب: "إذا مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ" . وكذلك من لوازم الــحكمة: الحلم والعفو. ثم توجّه إلى غيرة الرب لعباده، وبذلك صرف النقمة إلى العدو، فقرع باب الرحمة من وجه آخر.

سُوقُ حَكَمَةَ

سُوقُ حَكَمَةَ:
بالتحريك: موضع بنواحي الكوفة، قال أحمد بن يحيى بن جابر: نسب إلى حكمة بن حذيفة بن بدر وكان قد نزل عنده، قال: وأمّ حكمة هي أمّ قرفة التي كانت تؤلّب على رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، فقتلها زيد بن حارثة في بيتها، وقال أبو اليقظان: نسبت إلى رجل من ولد حكمة يقال له حكم، والله أعلم، كان فيه يوم لشبيب الخارجي قتل فيه عتّاب بن ورقاء الرياحي.

مُحَكَّمَة

مُــحَكَّمَة
الجذر: ح ك م

مثال: أَعْمَاله مُــحَكَّمَة
الرأي: مرفوضة
السبب: لأن الكلمة بهذا الضبط لا تؤدي المعنى المراد هنا. فـ «مُــحكَّمة» اسم مفعول من «حَكَّم» بمعنى: جعله حكمًا.

الصواب والرتبة: -أَعْمَاله مُــحَكَّمَة [فصيحة]-أَعْمَاله مُــحْكَمَة [فصيحة]
التعليق: إذا أُريد وصف الأعمال بالإتقان فالصواب أن يقال: أعمال مُــحْكَمة، أما إذا أُريد وصفها بأنها عُرِضت على محكَّم لتقييمها، فالصواب أن يقال: أعمال مُــحَكَّمة، ومعنى هذا أن كلا التعبيرين فصيح في المقام الخاص به.

علمُ الْحِكْمَة

علمُ الْــحِكْمَة: مَا يبْحَث فِيهِ عَن حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ من الْوُجُود بِقدر الطَّاقَة لتصير النَّفس الإنسانية بتحصيلها كَامِلَة مضاهية للْعَالم الْعقلِيّ وتستعد بذلك للسعادة القصوى الأخروية. وَقيل: استكمال النَّفس الإنسانية بالتصورات والتصديقات النظرية بِقدر الطَّاقَة البشرية، وَقيل: استكمال النَّفس الإنسانية فِي قوتها النظرية بِمَعْرِِفَة الْحق، وَفِي قوتها العملية بِفعل الْخَيْر، وَقيل: استكمالها بتصور الْأُمُور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية.

الــحكمةُ النظريةُ: الْعلم بِمَا لَا يكون وجوده باختيارنا.

الــحِكْمَة العَمَلِيَّةُ: الْعلم بِمَا يكون وجوده باختيارنا.

حَاجِب المحكمة

حَاجِب المــحكمة
الجذر: ح ج ب

مثال: حَاجِب المــحكمة
الرأي: مرفوضة
السبب: لشيوعها على ألسنة العامَّة.

الصواب والرتبة: -حَاجِب المــحكمة [فصيحة]
التعليق: جاء في المعاجم: الحاجب: البوّاب أو هو خاص بالأمير وقد شاعت هذه الكلمة في العصر الحديث مصاحبة لكلمة «المــحكمة»؛ ومن ثم فهي من الفصيح الذي لحق معناه التطوير.

الإشارات والتنبيهات، في المنطق والحكمة

الإشارات والتنبيهات، في المنطق والــحكمة
للشيخ، الرئيس، أبي علي: الحسن بن عبد الله، الشهير: بابن سينا.
المتوفى: سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
وهو: كتاب صغير الحجم، كثير العلم، مستصعب على الفهم، منطو على كلام أولي الألباب، مبين للنكت العجيبة، والفوائد الغريبة التي خلا عنها أكثر المبسوطات.
أورد: المنطق في عشرة مناهج، والــحكمة: في عشرة أنماط:
الأول: في الأجسام.
والثاني: في الجهات.
والثالث: في النفوس.
والرابع: في الوجود.
والخامس: في الإبداع.
والسادس: في الغايات، والمبادي.
والسابع: في التجريد.
والثامن: في السعادة.
والتاسع: في مقامات العارفين.
والعاشر: في أسرار الآيات.
قال في أوله: (الحمد لله على حسن توفيقه... الخ، أيها الحريص على تحقيق الحق، إني مهدت إليك فيه أصولا من الــحكمة، إن أخذت الفطانة بيدك، سهل عليك تفريعها وتفصيلها..). انتهى.
ولها شروح، منها:
شرح: الإمام، فخر الدين: محمد بن عمر الرازي.
المتوفى: سنة ست وستمائة.
أوله: (أما بعد الحمد لمن يستحق الحمد لذاته... الخ).
وهو شرح: بقال، أقول.
طعن فيه: بنقض، أو معارضة، وبالغ في الرد على صاحبه، ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه: جرحا.
وله: (لباب الإشارات).
لخصه منها، بالتماس بعض السادات، في جمادى الأولى، سنة: سبع وتسعين وخمسمائة.
ورتب على: ترتيبه في: المنطقيات، والطبيعيات، والإلهيات.
ومنها: شرح، العلامة، المحقق، نصير الدين: محمد بن الحسن الطوسي.
المتوفى: سنة تسع وسبعين وستمائة.
أوله: (الحمد لله الذي وفقنا لافتتاح المقال بتحميده... الخ).
ذكر فيه: أن الرئيس كان مؤيدا بالنظر الثاقب، وأن كتابه هذا من تصانيفه كاسمه، وقد سأله بعض الأجلاء: أن يقرر ما عنده من معانيه المستفادة من المعلمين، ومن شرح الإمام الرازي، وغيره؟ فأجاب، وأشار إلى أجوبة بعض ما اعترض به الفاضل المذكور.
وسماه: (بحل مشكلات الإشارات).
وفرغ من تأليفه: في صفر، سنة أربع وأربعين وستمائة.
و (المحاكمة بين الشارحين الفاضلين المذكورين).
للمحقق، قطب الدين: محمد بن محمد الرازي، المعروف: بالتحتاني.
المتوفى: سنة ست وستين وسبعمائة.
كتبها: بإشارة من: العلامة، قطب الدين الشيرازي، لما عرض عليه ماله من الأبحاث، والاعتراضات على كلام الإمام، فقال له العلامة، قطب الدين: التعقب على صاحب الكلام الكثير يسير، وإنما اللائق بك أن تكون حكما بينه وبين النصير.
فصنف الكتاب المشهور: (بالمحاكمات).
وفرغ في: أواخر جمادى الآخرة، سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
وللشيخ، بدر الدين: محمد أسعد اليماني، ثم التستري.
كتاب أيضا في: المحاكمة بينهما.
وعلى أوائل شرح النصير: (حاشية).
للمولى، شمس الدين: أحمد بن سليمان، الشهير بابن كمال باشا.
المتوفى: سنة أربعين وتسعمائة.
وله: (حاشية)، على (محاكمات القطب) أيضا.
وللفاضل: حبيب الله، الشهير: بميرزاجان الشيرازي.
المتوفى: سنة أربع وتسعين وتسعمائة.
(حاشية على شرح النصير) أيضا.
ومن شروحها:
شرح: الفاضل، سراج الدين: محمود بن أبي بكر الأرموي.
المتوفى: سنة اثنتين وثمانين وستمائة.
وشرح: الإمام، برهان الدين: محمد بن محمد النسفي، الحنفي.
المتوفى: سنة ثمان وثمانين وستمائة.
وشرح: عز الدولة: سعد بن منصور، المعروف: بابن كمونة.
المتوفى: سنة (676).
أوله: (أحمد الله على حسن توفيقه... الخ).
ألفه: لولد: شمس الدين، صاحب ديوان الممالك.
ممزوجا.
أتى فيه: بجميع ألفاظ الرئيس، من غير إخلال، إلا بما هو لضرورة اندراج الكلام، ومزج ما التقطه من كتب الحكماء، ومن شرح: العلامة نصير الدين، وما استنبطه بفكره، مزجا غير مميز، فصار كتابا كالشرح للإشارات.
وسماه: (شرح الأصول والجمل، من مهمات العلم والعمل).
ومنها: شرح: رفيع الدين... الجيلي.
المتوفى: سنة (641).
ونظم: (الإشارات).
لأبي نصر: فتح بن موسى الخضراوي.
المتوفى: سنة ثلاث وستين وستمائة.
ومختصرها.
لنجم الدين... بن اللبودي، (محمد بن عبدان الدمشقي، الحكيم.
المتوفى: سنة 621).

لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة

لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْــحِكْمَة: لِأَن الْــحِكْمَة هِيَ معرفَة أَحْوَال الموجودات الْحَقِيقِيَّة وَهَذِه الْمعرفَة محتاجة إِلَى معرفَة المفهومات الاعتبارية وَبَيَان أحوالها لِأَن معرفَة الْحَقَائِق العينية وَتَعْلِيمهَا وتعلمها مَوْقُوفَة على معرفَة الْأَلْفَاظ والدلالات فَلَا بُد من معرفَة مَفْهُوم الِاسْم والكلمة والأداة وَمَفْهُوم الدّلَالَة وَمَفْهُوم أقسامها مثلا ومقومات هَذِه الْأُمُور اعتبارية وَلَا شكّ أَن بطلَان الْمُحْتَاج إِلَيْهِ يُوجب بطلَان الْمُحْتَاج وخرابه.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.