Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: حديث

حَمُمَ

(حَمُمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الرَّجْم «أَنَّهُ مَرَّ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُود» أَيْ مُسْوَدّ الوَجْه، مِنَ الحُمَمَة: الفَحْمَة، وجَمْعُها حُمَمٌ.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «إِذَا مُتُّ فأحْرِقوني بِالنَّارِ حَتَّى إِذَا صِرْتُ حُمَمًا فاسْحَقُوني» .
(هـ) وَــحَدِيثُ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ «خُذِي مِنِّي أَخِي ذَا الحُمَمَةِ» أَرَادَ سَوادَ لَوْنِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ إِذَا حَمَّمَ رأسُه بِمَكَّةَ خَرج واعْتَمر» أَيِ اسْوَدّ بَعْد الحَلْق بِنَبات شَعره. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤخر العُمْرة إِلَى المُحرّم، وإنَّما كَانَ يَخْرُج إِلَى الْمِيقَاتِ ويَعْتَمِر فِي ذِي الْحِجَّةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ زِمْل «كأنَّما حَمَّمَ شعرُه بالماءِ» أَيْ سُوِّدَ؛ لِأَنَّ الشَّعر إِذَا شَعِثَ اغْبَرَّ، فَإِذَا غُسِل بِالْمَاءِ ظَهَر سَوادُه. ويُروى بِالْجِيمِ: أَيْ جُعِل جُمَّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسّ «الوَافدُ فِي اللَّيْلِ الأَحَمِّ» أَيِ الأسْوَد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّهُ طَلَّق امْرَأَتَهُ ومَتَّعَها بِخَادِمٍ سَوْدَاءَ حَمَّمَها إيَّاها» أَيْ مَتَّعَها بِهَا بَعْد الطَّلاق وَكَانَتِ العَرب تُسَمّى المُتْعَة التَّحْمِيم.
وَمِنْهُ خُطْبة مَسْلَمة «إِنَّ أقلَّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا هَمًّا أقَلُّهم حَمًّا» أَيْ مَالاً ومَتَاعا، وَهُوَ مِنَ التَّحْمِيم: المُتْعَة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «إِنَّ أَبَا الأعْوَر السُّلَميَّ قَالَ لَهُ: إنَّا جِئْنَاكَ فِي غَيْر مُحِمَّةٍ، يُقَالُ أَحَمَّتِ الْحاجَة إِذَا أهَمَّت ولَزِمتْ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: المُحِمَّةُ: الحاضِرَة، مِنْ أَحَمَّ الشّىءُ إِذَا قَرُب ودَنا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ: إِذَا الْتَقَى الزَّحْفان وعنْد حُمَّةِ النَّهضَات» أَيْ شِدَّتِهَا ومُعْظَمها وحُمَّةُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْظَمه. وأصلُها مِنَ الحَمّ: الحَرارة، أَوْ مِنْ حُمَّة السِّنان وَهِيَ حِدَّتُه.
(هـ) وَفِيهِ «مَثَل العالِم مَثَل الحَمَّة» الحَمَّة: عَيْنُ مَاءٍ حَارٍّ يَسْتَشْفِي بِهَا المَرْضَى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ: أخْبِرُوني عَنْ حَمَّة زُغَرَ» أَيْ عَيْنِها. وزُغَرُ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِل بالحَمِيم» هُوَ الْمَاءُ الحارُّ.
وَفِيهِ «لَا يبُولَنّ أحدُكم فِي مُسْتَحَمِّهِ» المُسْتَحَمّ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسل فِيهِ بالحَمِيم، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ: الْمَاءُ الحارُّ، ثُمَّ قِيلَ للاغتِسال بأيِّ مَاءٍ كَانَ اسْتِحْمَامٌ. وَإِنَّمَا نُهي عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَك يَذْهَب فِيهِ البَوْل، أَوْ كَانَ الْمَكَانُ صُلْبا فيُوهِم المُغْتَسِلَ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فيَحْصُل مِنْهُ الوَسْواس.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «إنَّ بَعْضَ نِسَائِهِ اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنابة فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِمُّ مِنْ فضلِها» أَيْ يَغْتسِل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مُغَفَّل «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ البَوْل في المُسْتَحَمِّ» . (س) وَفِي حَدِيثِ طَلْق «كُنَّا بأرضٍ وبيئةٍ مَحَمَّةٍ» أَيْ ذَاتِ حُمَّى، كالمأسَدة والمَذْأَبَةِ لَموْضع الأسُود والذِّئاب. يُقَالُ: أَحَمَّتِ الْأَرْضُ: أَيْ صَارَتْ ذَاتَ حُمَّى.
وَفِي الْــحَدِيثِ ذُكِرَ «الحِمَام» كَثِيرًا وَهُوَ المَوْت. وَقِيلَ هُوَ قَدَرُ الْمَوْتِ وقَضاؤه، مِنْ قَوْلِهِمْ حُمَّ كَذَا: أَيْ قُدِّرَ.
وَمِنْهُ شِعْر ابْنِ رَوَاحَةَ فِي غَزوة مُؤتة:
هَذَا حِمَامُ المَوْت قَدْ صَلِيتِ
أَيْ قَضاؤه.
(س) وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «أَنَّهُ كَانَ يُعْجبه النَّظَر إِلَى الأُتْرُجّ والحَمَامِ الْأَحْمَرِ» قَالَ أَبُو مُوسَى:
قَالَ هِلال بْنُ العَلاء: هُوَ التُّفَّاح. قَالَ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَمْ أرَهُ لِغَيْرِهِ.
وَفِيهِ «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهلُ بَيْتي وحَامَّتِي، أذْهب عَنْهُمُ الرِّجْس وطَهّرْهم تَطْهِيرًا» حَامَّةُ الْإِنْسَانِ:
خاصَّتُه وَمَنْ يَقْرُب مِنْهُ. وَهُوَ الحَمِيم أَيْضًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «انْصَرَفَ كُلُّ رَجُلٌ مِنْ وَفْدِ ثَقيف إِلى حَامَّتِهِ» .
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ الْجِهَادِ «إِذَا بُيِّتُّم فَقُولُوا حم
... لَا يُنْصَرُونَ» قِيلَ مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ لَا يُنْصرون، ويُريد بِهِ الخَبر لَا الدُّعاء؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دُعاء لَقَالَ لَا يُنْصَرُوا مَجْزوماً، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يُنْصَرُون.
وَقِيلَ إِنَّ السُّوَر الَّتِي فِي أَوَّلِهَا حم سُوَرٌ لَها شَأن، فَنَبَّه أَنَّ ذِكْرها لِشَرف مَنْزِلتها مِمَّا يُسْتَظْهَر بِهِ عَلَى اسْتِنْزال النَّصْر مِنَ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ لَا يُنْصَرُونَ: كَلَامٌ مُسْتَأْنَف، كأَنه حِين قَالَ قُولُوا حم
، قِيلَ: مَاذَا يَكُونُ إِذَا قُلنا؟ فَقَالَ: لَا يُنْصَرُونَ.

كَنَف

أنْتَ في كَنَفِ اللهِ تعالى، مُحرَّكةً: في حِرْزِه وسِتْرِهِ، وهو الجانِبُ والظِلُّ والناحيةُ،
كالكَنَفَةِ، محرَّكةً،
وـ من الطائرِ: جنَاحُهُ.
وكجَمَزَى: ع كان به وَقْعَةٌ، أُسِرَ فيها حاجِبُ بنُ زُرارةَ.
وكَنَفَ الكَيَّالُ: جَعَلَ يَدَيْهِ على رأسِ القَفيزِ، يُمْسِكُ بهما الطعامَ،
وـ الإِبِلَ والغَنَمَ، يَكْنُفُها ويَكْنِفُها: عَمِلَ لها حَظيرَةً يُؤْويها إليها،
وـ عنه: عَدَلَ.
وناقةٌ كَنوفٌ: تَسيرُ في كَنَفَةِ الإِبِلِ، أو تَعْتَزِلُها. وتَبْرُكُ في كَنَفِها،
وـ من الغَنَمِ: القاصِيَةُ لا تَمْشي مع الغَنَمِ، والتي ضَرَبَهَا الفَحْلُ وهي حامِلٌ.
وانْهزَموا فما كانت لهم كانِفَةٌ، أي: حاجِزٌ يَحْجُزُ العَدُوَّ عنهم.
والكِنْفُ، بالكسرِ: وِعاءُ أداةِ الراعي، أو وِعاءُ أسقاطِ التاجِرِ، وبالضم: جَمْعُ الكَنوفِ من النوقِ،
وجَمْعُ الكنيف، كأميرٍ، وهو: السُّتْرَةُ، والساتِرُ، والتُّرْسُ، والمِرْحاضُ، وحَظيرَةٌ من شَجَرٍ للإِبِلِ، والنَّخْلُ يُقْطَعُ فَيَنْبُتُ نحوَ الذِراعِ، وتُشَبَّهُ به اللِّحْيَةُ السَّوْداءُ. وكزُبَيْرٍ: عَلَمٌ،
ككانِفٍ، ولَقَبُ ابنِ مَسْعودٍ، لَقَّبَه عُمَرُ تَشْبيهاً بِوِعاءِ الراعي.
وكَنَفَهُ: صانَهُ وحَفِظَه، وحاطَهُ وأعانَهُ،
كأَكْنَفَه،
وـ كَنيفاً: اتَّخَذَهُ،
وـ الدارَ: جَعَلَ لها كَنيفاً. وأبو مُكْنِفٍ، كمُحْسِنٍ: زَيْدُ الخَيْلِ، صَحابِيٌّ.
والتَّكْنيفُ: الإِحاطَةُ.
وصِلاءٌ مُكَنَّفٌ، كمُعَظَّمٍ: أُحيطَ به من جَوانِبِهِ.
ورَجُلٌ مُكَنَّفُ اللِحْيَةِ: عَظيمُها.
ولِحْيَةٌ مُكَنَّفَةٌ، أيضاً: عَظيمَةُ الأَكْنافِ، وإنه لَمُكَنَّفُها.
واكْتَنَفوا: اتَّخَذوا كَنيفاً لإِبِلِهِم،
وـ فلاناً: أحاطوا به،
كتَكَنَّفوهُ.
وكانَفَه: عاوَنَهُ.
(كَنَف)
(هـ) فِيهِ «إِنَّهُ تَوَضَّأ فأدْخَل يَدَه فِي الْإِنَاءِ فكَنَفَها وضَرَب بِالْمَاءِ وجْهَه» أَيْ جَمَعَها وَجَعَلَهَا كالكِنْف، وَهُوَ الْوِعاء.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ أعْطَى عِياضاً كِنْف الرَّاعِي» أَيْ وِعاءه الَّذِي يَجْعَل فِيهِ آلَتَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرو وزَوْجَته «لَمْ يُفَتِّش لَنا كِنفا» أَيْ لَمْ يُدْخِل يَده مَعَهَا، كَمَا يُدْخِل الرجُلُ يَده مَعَ زَوْجته فِي دَواخِل أمْرِها. وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ، مِنَ الكَنَف، وَهُوَ الْجَانِبُ، تَعْني أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً» هُوَ تَصْغير تَعْظيم للكِنْف، كَقَوْلِ الحُبَاب بْنِ المُنْذِر: أَنَا جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب.
(س) وَفِيهِ «يُدْنَى المؤمنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضع عَلَيْهِ كَنَفه» أَيْ يَسْتُره. وَقِيلَ: يَرْحَمه ويَلْطُف بِهِ.
والكَنَف بِالتَّحْرِيكِ: الجانِب والناحِية. وَهَذَا تَمْثِيلٌ لجَعْله تَحْتَ ظِلّ رَحْمَتِهِ يومَ الْقِيَامَةِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ «نَشَر اللهُ كَنَفَه عَلَى المُسْلم يومَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا، وتَعَطَّف بِيَدِهِ وكُمِّه» وجَمْعُ الكَنَفِ: أَكْناف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَرِيرٍ «قَالَ لَهُ: أيْنَ مَنْزِلُك؟ قَالَ [لَهُ] : بأَكْنَاف بِيشَة» أَيْ نَواحيها.
وَفِي حَدِيثِ الإفْك «مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَف أنْثَى» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بالكَسْرِ مِنَ الْأَوَّلِ؛ وَبِالْفَتْحِ مِنَ الثَّانِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَا تَكُن لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةً» أَيْ سَاتِرَةً. والْهَاء للمُبالَغَة.
وَــحَدِيثُ الدُّعَاءِ «مَضَوْا عَلَى شاكِلَتِهم مُكَانِفِين» أَيْ يَكْنُف بعضُهم بَعْضاً.
وَــحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر «فاكْتَنَفْتُه أَنَا وَصاحبي» أَيْ أحَطْنا بِهِ مِنْ جانِبَيه.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «والنَّاس كَنَفَيْه» وَفِي رِواية «كَنَفَتَيْه» .
وَــحَدِيثُ عُمَرَ «فَتَكَنَّفَه الناسُ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَف عُمَر «أَنَّهُ أشْرَف مِنْ كَنِيفٍ فكَلَّمَهم» أَيْ مِنْ سُتْره. وكُلُّ مَا سَتَر مِنْ بِنَاء أَوْ حَظِيرة، فَهُوَ كَنِيف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ الْأَكْوَعِ:
تَبيتُ بَيْن الزَّرْب والكَنِيفِ أَيِ المَوْضع الذَّي يَكْنِفُهَا ويَسْتُرها.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «شَقَقْن أَكْنَفَ مُروطِهنّ فاخْتَمرنَ بِهِ» أَيْ أسْتَرها وأصْفَقَها.
ويُروَى بالثَّاء المثلَّثة. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «قَالَ لَهُ رجُل: ألاَ أكُونُ لَكَ صاحِباً أَكْنِف راعِيَك وأقْتَبِس مِنْكَ» أَيْ أُعِينُه وأكُونُ إِلَى جَانِبِهِ، أَوْ أجْعَله فِي كَنَف. وكَنَفْت الرجُل، إِذَا قمتَ بأمْرِه وجَعَلته فِي كَنَفِكَ.
وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ «لَا يُؤخذ فِي الصَّدقة كَنُوف» هِيَ الشَّاةُ القَاصِية الَّتِي لَا تَمْشِي مَعَ الغَنم. ولَعَلَّه أَرَادَ لإِتْعابها المُصَدِّقَ باعْتِزالها عَنِ الغَنَم، فَهِيَ كالمُشَيَّعة المَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْأَضَاحِي.
وَقِيلَ: ناقةٌ كَنُوف: إِذَا أَصَابَهَا البَرْدُ، فَهِيَ تَسْتَتِر بِالْإِبِلِ.

خَلَقَ

(خَلَقَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْخالِقُ» وَهُوَ الَّذِي أوْجد الْأَشْيَاءَ جميعَها بَعْدَ أَنْ لَمْ تكنْ مَوْجُودة. وَأَصْلُ الخَلْقِ التَّقْدير، فَهُوَ باعتِبار تَقْدِيرِ مَا مِنْهُ وُجُودُها، وَبِاعْتِبَارِ الْإِيجَادِ عَلَى وَفْق التَّقْدِيرِ خَالِقٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ والْخَلِيقَة» الْخَلْقُ: النَّاسُ. والْخَلِيقَةُ: الْبَهَائِمُ. وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ويُريد بِهِمَا جميعَ الْخَلَائِقِ.
وَفِيهِ «لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْمِيزَانِ أثْقَل مِنْ حُسْنِ الْخُلُق» الخُلُقُ- بِضَمِّ اللَّامِ وسُكونها-: الدِّين والطَّبْع والسَّجِيَّة، وحقيقتُه أَنَّهُ لِصُورة الإنسانِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نفْسُه وأوْصافُها ومَعانِيها المُخْتصَّة بِهَا بِمَنْزِلَةِ الخَلْق لِصُورته الظَّاهِرَةِ وأوْصافِها ومَعانيها، وَلَهُمَا أَوْصَافٌ حَسَنة وقَبيحة، والثَّواب والعِقاب ممَّا يَتَعَلَّقان بِأَوْصَافِ الصُّورة الْبَاطِنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّقان بِأَوْصَافِ الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلِهَذَا تَكَرَّرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي مَدْح حُسْن الخُلُق فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
(س) كَقَوْلِهِ «أكثرُ مَا يُدْخِلُ الناسَ الجنةَ تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الخُلُقِ» .
(س) وَقَوْلِهِ «أكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أحْسنُهم خُلُقا» .
(س) وَقَوْلِهِ «إِنَّ العَبْد ليُدْرِك بحُسْن خُلُقِهِ درجةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» .
وَقَوْلِهِ «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» وَأَحَادِيثَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي ذَمّ سُوء الْخُلُق أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ خُلُقُه القرآنَ» أَيْ كَانَ مُتُمسّكاً بِآدَابِهِ وَأَوَامِرِهِ ونَواهيه وَمَا يَشْتَمل عَلَيْهِ مِنَ المَكارم والمَحاسن والألْطاف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَنْ تَخَلَّقَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَم اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نفسِه شانَه اللَّهُ» أَيْ تكلّفَ أَنْ يُظْهِر مِنْ خُلُقِهِ خِلاف مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ، مِثْل تَصَنَّع وتَجَمَّل إِذَا أظْهَر الصَّنِيع وَالْجَمِيلَ.
وَفِيهِ «لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ» الخَلَاق بِالْفَتْحِ: الحظُّ والنَّصِيب. وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبَيّ «وَأَمَّا طَعامٌ لَمْ يُصْنَع إِلَّا لَكَ فَإِنَّكَ إِنْ أكَلْتَه إِنَّمَا تَأْكُلُ مِنْهُ بِخَلَاقِك» أَيْ بحَظِّك ونَصِيبك مِنَ الدِّين. قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي طَعام مَن أقْرأه القُرآن، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْــحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ «إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ»
أَيْ كَذِبٌ، وَهُوَ اْفتِعال مِنَ الخَلْقِ والإبْداع، كَأَنَّ الْكَاذِبَ يَخْلُقُ قَوْلَهُ. وَأَصْلُ الخَلْقِ: التَّقْدِيرُ قبْل القَطْع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أخْتِ أمَيَّة بْنِ أَبِي الصَّلْت «قَالَتْ: فدَخَل عليَّ وَأَنَا أَخْلُقُ أدِيماً» أَيْ أُقَدِّرُه لأقْطَعَه.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ خَالِدٍ «قَالَ لَهَا أبْلِي وأَخْلِقِي» يُرْوَى بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، فَبِالْقَافِ مِنْ إِخْلَاقِ الثَّوب تَقْطِيعه، وَقَدْ خَلُقَ الثوبُ وأَخْلَقَ. وَأَمَّا الْفَاءُ فَبمعْنى العِوَض والبَدَل، وَهُوَ الأشْبَه. وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِخْلَاق بِالْقَافِ فِي الْــحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ أَخْلَقُ مِنَ الْمَالِ» أَيْ خِلْوٌ عَارٍ.
يُقَالُ حَجَرٌ أَخْلَقُ: أَيْ أمْلَسُ مُصْمَتٌ لَا يُؤثِّر فِيهِ شَيْءٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَيْسَ الفَقير الَّذِي لَا مالَ لَهُ، إنَّما الفَقير الْأَخْلَقُ الكَسْب» .
أرادَ أَنَّ الفَقْر الأكْبر إِنَّمَا هُوَ فَقْر الْآخِرَةِ، وَأَنَّ فَقْرَ الدنيَا أهوَن الفَقْرَيْنِ. ومَعْنى وصْفِ الكَسْب بِذَلِكَ أنَّهُ وافِر مُنْتَظم لَا يقَع فِيهِ وَكْسٌ وَلَا يَتَحَيَّفه نَقْص، وَهُوَ مَثَل للرَّجُل الَّذِي لَا يُصاب فِي مالِه وَلَا يُنْكَبُ، فَيُثَاب عَلَى صَبْره، فَإِذَا لَمْ يُصَبْ فِيهِ وَلَمْ يُنْكَبْ كانَ فَقِيراً مِنَ الثَّواب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «كُتِب لَهُ فِي امْرأة خَلْقَاءَ تَزوّجَها رجُل، فكَتب إليْه:
إنْ كَانُوا عَلِمُوا بِذَلِكَ- يَعْني أوْلِيَاءها- فأغْرمْهُم صَدَاقها لِزَوْجهَا» الْخَلْقَاءُ: هِيَ الرَّتْقَاء، مِنَ الصَّخْرة المَلْساء المُصْمَتة.
وَفِيهِ ذِكْرُ «الْخَلُوق» قَدْ تَكَرَّرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ طيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكب يُتَّخذ مِنَ الزَّعْفَرَان وَغَيْرِهِ مِنْ أنْواع الطِّيبِ، وتَغْلب عَلَيْهِ الْحُمرة والصُّفْرة. وَقَدْ وَرَدَ تَارَةً بإباحَتِه وَتَارَةً بالنَّهْي عَنْهُ، والنَّهْيُ أكْثر وأثْبَتُ. وإنَّما نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طِيب النِّساء، وكُنَّ أكْثَر اسْتعمالاً لَهُ مِنْهُمْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْي نَاسِخة. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وقَتْلِه أَبَا جَهْل «وَهُوَ كالجَمل الْمُخَلَّق» أَيِ التَّامّ الخَلْق.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحَابِ «واخْلَوْلَقَ بَعْدَ تَفَرُّق» أَيِ اجْتَمع وتَهيَّأ للمَطر وصاَر خَلِيقاً بِهِ. يُقَالُ خَلُقَ بالضَّم، وَهُوَ أَخْلَق بِهِ، وَهَذَا مَخْلَقَة لِذَلِكَ: أَيْ هُوَ أجدَر، وجديرٌ بِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ خُطْبة ابْنِ الزُّبَيْرِ «إِنَّ المَوْت قَدْ تَغَشَّاكُم سَحَابُه، وأحْدَق بِكُمْ رَبَابُه، واخْلَوْلَقَ بَعْد تَفَرُّق» وَهَذَا البنَاء للمبَالغة، وَهُوَ افْعَوْعَلَ، كاغْدَوْدَن، واعْشَوْشب.

جَرَرَ

(جَرَرَ)
- فِيهِ «قَالَ يَا محمدُ بِمَ أخَذْتَني؟ قَالَ: بجَرِيرَة حُلَفَائك» الجَرِيرَة: الجِنَاية والذَّنْب، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بَيْن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ ثَقِيف مُوَادعَة، فَلَمَّا نَقَضُوها وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهِمْ بَنو عَقِيلٍ، وَكَانُوا مَعَهُمْ فِي الْعَهْدِ، صَارُوا مِثْلَهُمْ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، فَأَخَذَهُ بجَرِيرَتِهم. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أُخِذْت لتُدْفع بِكَ جَرِيرة حُلَفائك مِنْ ثَقِيف، ويَدُل عَلَيْهِ أَنَّهُ فُدِي بَعْدُ بالرجُلَين اللَّذين أسَرَتْهُما ثَقِيف مِنَ المسْلمين.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ لَقيط «ثُمَّ بايَعه عَلَى أَنْ لَا يَجُرَّ عَلَيْهِ إِلَّا نفْسَه» أَيْ لَا يُؤخَذ بجَرِيرَة غَيْرِهِ مِنْ وَلد أوْ وَالد أَوْ عَشِيرة.
(هـ) وَالْــحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا تُجَارِّ أَخَاكَ وَلَا تشارِّه» أَيْ لَا تجنِ عَلَيْهِ وتُلْحِق بِهِ جَرِيرَة، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تُماطلْه، مِنَ الجَرِّ وَهُوَ أَنْ تَلْوِيَه بحقّهِ وتَجُرَّهُ مِنْ مَحلّه إِلَى وَقت آخَرَ. ويُروى بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ، مِنَ الجَرْي والمُسابَقة: أَيْ لَا تُطاوِلْه وَلَا تُغَالِبْه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ «قَالَ طعَنْتُ مُسَيلمة ومَشَى فِي الرُّمْحِ، فَنَادَانِي رَجُلٌ: أَنِ أَجْرِرْهُ الرُّمْح، فَلَمْ أَفْهَمْ. فنادَاني: ألْقِ الرُّمْحَ مِنْ يَديْك» أَيِ اتْرُك الرُّمْحَ فِيهِ. يُقَالُ أَجْرَرْتُهُ الرمحَ إِذَا طَعَنْتَه بِهِ فَمشى وَهُوَ يَجُرُّه، كَأَنَّكَ أَنْتَ جعلْته يَجُرُّهُ.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَجِرَّ لِي سَرَاوِيلِي» قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هُو مِنْ أَجْرَرْتُهُ رسَنَه: أَيْ دَع السَّراويل عَلَيَّ أَجُرُّهُ. وَالْــحَدِيثُ الأوَّل أظهرَ فِيهِ الْإِدْغَامَ عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهَذَا أدْغَم عَلَى لُغَةِ غَيْرِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا سَلبه ثيابَه وَأَرَادَ أَنْ يأخُذ سَرَاوِيله قَالَ: أَجِر لِي سَرَاوِيلِي، مِنَ الإجَارة، أَيْ أبْقِه عليَّ، فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «لَا صَدقةَ فِي الإِبل الجَارَّة» أَيِ الَّتِي تَجُرُّ بأزِمَّتها وتُقَاد، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ، كأرضٍ غامِرة: أَيْ مَغْمورة بِالْمَاءِ، أَرَادَ ليْس فِي الْإِبِلِ العَوامل صَدَقة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّهُ شَهِدَ الْفَتْحَ وَمَعَهُ فَرس حَرُون وَجَمَلٌ جَرُور» هُوَ الَّذِي لَا يَنْقاد، فعُول بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَفِيهِ «لَوْلا أَنْ يَغْلبكم النَّاسُ عَلَيْهَا- يَعْنِي زَمْزَم- لنزَعْتُ مَعَكُمْ حتَّى يُؤثِّر الجَرِير بِظهْرِي» الجَرِير: حَبْل مِنْ أدَمٍ نَحْوِ الزِّمَامِ، ويُطْلَق عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الحِبال المَضْفورة.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «مَا مِنْ عَبْد ينَام بِاللَّيْلِ إلاَّ عَلى رَأْسِهِ جَرِير مَعْقُود» .
(س) وَالْــحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ نُقَادة الْأَسَدِيُّ: إِنِّي رَجُل مُغْفِل فأيْن أَسِمُ؟ قَالَ: فِي مَوْضع الجَرِير مِنَ السَّالِفَةِ» أَيْ فِي مُقَدَّم صَفحة العُنُق. والمُغْفِل الَّذِي لَا وَسْم عَلَى إِبِلِهِ.
(س) وَالْــحَدِيثُ الْآخَرُ «أنَّ الصَّحَابَةَ نازعُوا جَرِير بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زِمَامه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَلُّوا بَيْن جَرِير والجَرِير» أَيْ دَعُوا لَه زِمَامه.
(هـ) وَــحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «مَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ وِتر أَصْبَحَ وَعَلَى رَأْسِهِ جَرِير سَبْعون ذِرَاعًا» .
(س) وَالْــحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّ رجُلا كَانَ يَجُرُّ الجَرِير فأصَاب صاعَيْن مِنْ تَمْر، فتَصدَّق بِأَحَدِهِمَا» يُريد أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقي الْمَاءَ بالحَبْل.
وَفِيهِ «هَلُمَّ جَرّاً» قَدْ جاءتْ فِي غَيْرِ موْضع، وَمَعْنَاهَا اسْتدامة الأمْر واتّصَاله. يُقَالُ كَانَ ذَلِكَ عَامَ كَذَا وهَلُمَّ جَرّاً إِلَى اليَوْم، وَأَصْلُهُ مِنَ الجَرِّ: السَّحْب. وانْتَصَب جَرّاً عَلَى المَصْدر أَوِ الحَال.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «قَالَتْ: نَصبْت عَلَى بَابِ حُجْرَتي عَبَاءة، وعَلَى مَجَرِّ بَيْتي سِتْرا» المَجَرُّ هُو الموْضع المُعْترِض فِي البَيْت الَّذِي تُوضَع عَلَيْهِ أَطْرَافُ العَوارِض، ويسَمَّى الْجَائِزَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «المَجَرَّةُ بابُ السَّمَاءِ» المَجَرَّةُ: هِيَ البيَاض المعْتَرِض فِي السَّمَاءِ، والنَّسْرَان مِنْ جَانِبيْها.
وَفِيهِ «أَنَّهُ خَطب عَلَى نَاقته وَهِيَ تَقْصَع بجَرَّتِهَا» الجِرَّة: مَا يُخْرِجه الْبَعِيرُ مِنْ بطْنِهِ ليَمضُغَه ثُمَّ يَبْلَعه. يُقَالُ: اجْتَرَّ الْبَعِيرُ يَجْتَرُّ. والقَصْع: شدَّة المضْغ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٌ «فضَرب ظَهْر الشَّاة فاجْتَرَّتْ ودَرَّت» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَا يصْلح هذا الأمرُ إلا لمن لا يحنق على جِرَّتِهِ» أَيْ لَا يَحْقد عَلَى رعيَّتِه. فضَرب الجِرَّة لِذَلِكَ مَثَلا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الشُّبْرُم «أَنَّهُ حارٌّ جَارٌّ» : جَارٌّ إتْباع لِحَارٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه بَارّ، وَهُوَ إتْبَاع أَيْضًا. وَفِي حَدِيثِ الْأَشْرِبَةِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ، وَفِي رِوَايَةٍ، نَبِيذِ الجِرَار» الجَرُّ والجِرَار:
جَمْعُ جَرَّةٌ، وَهُوَ الْإِنَاءُ الْمَعْرُوفُ مِنَ الفَخَّار، وَأَرَادَ بالنَّهي عَنِ الجِرَار المدْهونة؛ لِأَنَّهَا أسْرَع فِي الشّدَّة والتَّخْمِير.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «رَأَيْتُهُ يَوْم أحُدٍ عنْد جَرِّ الْجَبَلِ» أَيْ أسْفَله.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّهُ سُئل عَنْ أَكْلِ الجِرِّيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تُحَرّمه الْيَهُودُ» الجِرِّيُّ: بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: نَوع مِنَ السَّمك يُشْبه الحيَّة، ويُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ: مَارْمَاهِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ أكلِ الجِرِّيِّ والجِرِّيث» .
وَفِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ مِنْ جَرَّا هِرَّة» أَيْ مِنْ أجْلها.

عَلَقَ

(عَلَقَ)
(هـ) فِيهِ «جَاءَتْهُ امْرأةٌ بابْن لَهَا قَالَتْ: وقَدْ أَعْلَقْتُ عَنْهُ مِنَ العُذْرَة، فَقَالَ: عَلَامَ تَدْغَرْن أوْلاَدَكُنَّ بِهَذِهِ العُلُق؟» وَفِي رِوَايَةٍ «بِهَذَا العِلَاق» وَفِي أُخْرَى «أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ» .
الإِعْلَاق: مُعالجة عُذْرة الصَّبيِّ، وَهُوَ وَجَع فِي حَلْقه وَوَرَم تَدْفَعُه أمُّه بأصْبعها أَوْ غَيْرِهَا.
وَحَقِيقَةُ أَعْلَقْتُ عَنْهُ: أزلْتُ العَلُوق عَنْهُ، وَهِيَ الدَّاهيَة. وَقَدْ تقَدَّم مَبْسُوطاً فِي العُذْرة.
قَالَ الخطَّابي: المحدِّثون يَقُولُونَ: «أَعْلَقْتُ علَيه» وَإِنَّمَا هُوَ «أَعْلَقْتُ عَنْهُ » : أَيْ دَفَعْت عَنْهُ. وَمَعْنَى أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ: أورَدْتُ عَلَيْهِ العَلُوق، أي ما عَذَّبَتْه به من دَغْرِها.
ومنه قَوْلُهُمْ «أَعْلَقْتُ عليَّ» إِذَا أدْخَلْتُ يَدي فِي حَلْقي أتَقَيَّأ.
وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوايات «العِلَاق» وَإِنَّمَا المعْروف «الإِعْلَاق» وَهُوَ مَصْدَرُ أَعْلَقْتُ، فإنْ كَانَ العِلَاق الِاسْمَ فَيَجُوزُ، وأمَّا العُلُق فَجَمْعُ عَلُوق.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «إِنْ أنْطِقْ أُطَلَّقْ، وإنْ أسْكُتْ أُعَلَّقْ» أَيْ يَتْركُني كالمُعَلَّقَة، لَا مُمْسَكة وَلَا مُطَلَّقة.
(س) وَفِيهِ «فعَلِقَتِ الأعرابُ بِهِ» أَيْ نَشِبوا وتَعَلَّقُوا. وَقِيلَ: طَفِقُوا.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «فعَلِقُوا وجْهَه ضَرباً» أَيْ طَفِقُوا وجَعَلوا يَضْرِبونه.
(س) وَفِي حَدِيثِ حَليمة «رَكِبْتُ أتَاناً لِي فخرجتُ أمامَ الرَّكْب حَتَّى مَا يَعْلَقُ بِهَا أحَدٌ مِنْهُمْ» أَيْ مَا يتَّصل بِهَا ويَلْحَقُها.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ أمِيراً بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّم تَسْليمَتين، فَقَالَ: أَنَّى عَلِقَها؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهَا» أَيْ مِنْ أَيْنَ تَعلَّمها، وممن أخذها؟ (هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ: أَدُّوا العَلَائِق، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا العَلَائِق؟» وَفِي رِوَايَةٍ في قوله تعالى: «وانْكحوا الأيَامى مِنْكم، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَمَا العَلَائِق بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ أهْلُوهم» العَلَائِق: المُهور، الواحِدة: عَلَاقَة ، وعَلَاقَة المَهر: مَا يَتَعَلَّقُون بِهِ عَلَى المُتَزَوِّج.
(س) وَفِيهِ «فعَلِقت مِنْهُ كلَّ مَعْلَق» أَيْ أحَبَّها وشُغِف بِهَا. يُقَالُ: عَلِقَ بقَلْبِه عَلَاقَة، بِالْفَتْحِ، وَكُلُّ شَيْءٍ وقَع مَوْقِعَه فَقَدْ عَلِقَ مَعَالِقَه.
وَفِيهِ «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ» أَيْ مَنْ عَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ شيئاً من التعاويد والتَّمائم وأشْباهِها مُعْتقدا أَنَّهَا تَجْلِب إِلَيْهِ نَفْعاً، أَوْ تَدْفع عَنْهُ ضَرًّا.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
عَيْنُ فابْكي سَامَةَ بنَ لُؤَيٍّ فَقَالَ رجَل:
عَلِقَتْ بِسَامَةَ العَلَاقَهْ
هِيَ بِالتَّشْدِيدِ: المَنِيَّة، وَهِيَ العَلُوق أَيْضًا.
وَفِي حَدِيثِ المِقْدام «أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ الرجُل مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَمَا يَعْلَقُ عَلَى يَدَيْهَا الخَيْط، وَمَا يَرْغَب واحدٌ عَنْ صَاحِبِهِ حتَّى يَمُوتَا هَرَماً» قَالَ الحَرْبيّ:
يَقُولُ مِنْ صِغَرِها وقِلَّة رِفْقِها، فيَصْبر عَلَيْهَا حَتَّى يَمُوتا هَرَماً. والمُراد حَثُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الوصيَّة بالنِّساء والصَّبر عليهنَّ: أَيْ أنَّ أهلَ الْكِتَابِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنِسائهم.
(هـ) وَفِيهِ «إنَّ أَرْوَاحَ الشُّهداء فِي حَواصِل طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ» أَيْ تأكُل. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِبِلِ إِذَا أكَلَت العِضَاه. يُقَالُ عَلَقَتْ تَعْلُقُ عُلُوقاً، فنُقلَ إِلَى الطَّيْر.
(هـ) وَفِيهِ «ويجتزئُ بالعُلْقَة» أَيْ يَكْتَفِي بالبُلْغة من الطَّعام. وَمِنْهُ حَدِيثُ الإفْك «وإنَّما يأكُلْنَ العُلْقَة مِنَ الطَّعام» .
وَفِي حَدِيثِ سَرِيَّة بَنِي سُلَيم «فَإِذَا الطَّيْر تَرْمِيهِم بالعَلَق» أَيْ بِقِطَع الدَّمِ، الواحِدة: عَلَقَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أوْفَى «أَنَّهُ بَزَق عَلَقَةً ثُمَّ مَضَى فِي صِلَاتِهِ» أَيْ قِطْعَة دَمٍ مُنْعَقِد.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَامِرٍ «خَيْرُ الدَّوَاءٍ العَلَق والحِجَامة» العَلَق: دُوَيْبَّة حَمْراءُ تَكُونُ فِي الْمَاءِ تَعْلَق بالبَدن وتَمُصُّ الدَّم، وَهِيَ مِنْ أَدْوِيَةِ الحَلْق وَالْأَوْرَامِ الدَّمَويَّة، لامْتِصَاصِها الدَّمَ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة «فَمَا بالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْرِقُون أَعْلَاقَنا» أَيْ نَفائسَ أموالِنا، الْوَاحِدُ:
عِلْق، بِالْكَسْرِ. قِيلَ: سُمِّي بِهِ لتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إنَّ الرجُل لَيُغالي بِصَداق امْرأته حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ لَهَا فِي قَلْبه عَدَاوةً، يَقُولُ: جَشِمْت إلَيكِ عَلَق القِرْبة» أَيْ تَحَمَّلْتُ لأجْلِكِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى عَلَق القِرْبة.
وَهُوَ حَبْلُها الَّذِي تُعَلَّق بِهِ. وَيُرْوَى بِالرَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرة «رُئِيَ وَعَلَيْهِ إزارٌ فِيهِ عَلْق، وَقَدْ خَيَّطه بالأُصْطَبَّة» العَلْق:
الخَرْق، وَهُوَ أَنْ يَمُرّ بشَجَرة أَوْ شَوْكَةٍ فتَعْلَق بِثَوْبِهِ فتَخْرِقَه.

بُسْت

بُسْت:
بالضم: مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، وأظنّها من أعمال كابل، فإن قياس ما نجده من أخبارها في الأخبار والفتوح كذا يقتضي، وهي من البلاد الحارة المزاج، وهي كبيرة، ويقال لناحيتها
اليوم: كرم سير، معناه النواحي الحارة المزاج، وهي كثيرة الأنهار والبساتين إلّا أن الخراب فيها ظاهر، وسئل عنها بعض الفضلاء فقال: هي كتثنيتها يعني بستان، وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء، منهم: الخطابي أبو سليمان أحمد بن محمد البستي صاحب معالم السنن وغريب الــحديث وغير ذلك، وكان من الأئمة الأعيان، ذكرت أخباره وأشعاره في كتاب الأدباء من جمعي فأغنى، وإسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل أبو محمد القاضي البستي، سمع هشام بن عمّار وهشام بن خالد الأزرق وقتيبة بن سعيد وغيرهم، روى عنه أبو جعفر محمد بن حيّان وأبو حاتم احمد ابن عبد الله بن سهل بن هشام البستيّان وغيرهما، مات سنة 307، وأبو الفتح علي بن محمد ويقال ابن أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد العزيز البستي الشاعر الكاتب صاحب التجنيس، سمع أبا حاتم بن حبّان، روى عنه الحاكم أبو عبد الله، مات ببخارى في سنة 400، وقال عمران بن موسى بن محمد بن عمران الطّولقي في أبي الفتح البستي:
إذا قيل: أيّ الأرض في الناس زينة؟ ... أجبنا وقلنا: أبهج الأرض بستها
فلو أنني أدركت يوما عميدها ... لزمت يد البستيّ دهرا، وبستها
وقال كافور بن عبد الله الإخشيدي الخصيّ اللّيثي الصّوري:
ضيّعت أيامي ببست، وهمّتي ... تأبى المقام بها على الخسران
وإذا الفتى في البؤس أنفق عمره، ... فمن الكفيل له بعمر ثان؟
وأبو حاتم محمد بن حبّان بن معاذ بن معبد بن سعيد ابن شهيد التميمي، كذا نسبه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري المعروف بغنجار، ووافقه غيره إلى معبد، ثم قال: ابن هدبة بن مرة بن سعد ابن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ ابن طابخة بن الياس بن مضر الامام العلامة الفاضل المتقن، كان مكثرا من الــحديث والرحلة والشيوخ، عالما بالمتون والأسانيد، أخرج من علوم الــحديث ما عجز عنه غيره، ومن تأمّل تصانيفه تأمّل منصف علم أن الرجل كان بحرا في العلوم، سافر ما بين الشاش والإسكندرية، وأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية، وأخذ فقه الــحديث والفرض على معانيه عن إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة، ولازمه وتلمذ له، وصارت تصانيفه عدّة لأصحاب الــحديث غير أنها عزيزة الوجود، سمع ببلده بست أبا أحمد إسحاق بن ابراهيم القاضي وأبا الحسن محمد بن عبد الله ابن الجنيد البستي، وبهراة أبا بكر محمد بن عثمان بن سعد الدارمي، وبمرو أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن سليمان السعدي وأبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد المديني، وبقرية سنج أبا علي الحسين بن محمد بن مصعب السنجي وأبا عبد الله محمد بن نصر بن ترقل الهورقاني، وبالصغد بما وراء النهر أبا حفص عمر بن محمد بن يحيى الهمداني، وبنسإ أبا العباس الحسن بن سفيان الشيباني ومحمد بن عمر بن يوسف ومحمد بن محمود بن عدي النسويّين، وبنيسابور أبا العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السرّاج الثّقفي وأبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه الأزدي، وبأرغيان أبا عبد الله محمد بن المسيب بن إسحاق الأرغياني، وبجرجان عمران بن موسى بن
مجاشع وأحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزّان الجرجانيين، وبالرّيّ أبا القاسم العبّاس بن الفضل بن عاذان المقري وعلي بن الحسن بن مسلم الرّازي، وبالكرج أبا عمارة أحمد بن عمارة بن الحجاج الحافظ والحسين بن إسحاق الأصبهاني، وبعسكر مكرم أبا محمد عبد الله بن أحمد بن موسى الجواليقي المعروف بعبدان الأهوازي، وبتستر أبا جعفر أحمد بن محمد بن يحيى بن زهير الحافظ، وبالأهواز أبا العباس محمد بن يعقوب الخطيب، وبالأبلّة أبا يعلى محمد بن زهير والحسين بن محمد بن بسطام الأبليّيّن، وبالبصرة أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي وأبا يحيى زكرياء ابن يحيى الساجي وأبا سعيد عبد الكريم بن عمر الخطّابي، وبواسط أبا محمد جعفر بن أحمد بن سنان القطّان والخليل بن محمد الواسطي ابن بنت تميم بن المنتصر، وبقم الصّلح عبد الله بن قحطبة بن مرزوق الصّلحي، وبنهر سابس قرية من قرى واسط خلّاد ابن محمد بن خالد الواسطي، وببغداد أبا العباس حامد ابن محمد بن شعيب البلخي وأبا أحمد الهيثم بن خلف الدّوري وأبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، وبالكوفة أبا محمد عبد الله بن زيدان البجلي، وبمكة أبا بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه صاحب كتاب الأشراف في اختلاف الفقهاء، وأبا سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي، وبسامرّا علي بن سعيد العسكري عسكر سامرّا، وبالموصل أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنّى الموصلي وهارون بن المسكين البلدي وأبا جابر زيد بن علي ابن عبد العزيز بن حيّان الموصلي وروح بن عبد المجيب الموصلي، وببلد سنجار علي بن إبراهيم بن الهيثم الموصلي، وبنصيبين أبا السّري هاشم بن يحيى النصيبيني ومسدد بن يعقوب بن إسحاق الفلوسي، وبكفرتوثا من ديار ربيعة محمد بن الحسين بن أبي معشر السّلمي، وبسرغامرطا من ديار مضر أبا بدر أحمد بن خالد بن عبد الملك بن عبد الله بن مسرّح الحرّاني، وبالرافقة محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن فروخ البغدادي، وبالرّقة الحسين بن عبد الله بن يزيد القطّان، وبمنبج عمر بن سعيد بن سنان الحافظ وصالح بن الأصبغ بن عامر التنوخي، وبحلب علي بن أحمد بن عمران الجرجاني، وبالمصيصة أبا طالب أحمد بن داود بن محسن بن هلال المصيصي، وبأنطاكية أبا علي وصيف بن عبد الله الحافظ، وبطرسوس محمد بن يزيد الدّرقي وإبراهيم بن أبي أمية الطرسوسي، وبأذنة محمد بن علان الأذني، وبصيداء محمد بن أبي المعافى بن سليمان الصّيداوي، وببيروت محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي المعروف بمكحول، وبحمص محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي الراهب، وبدمشق أبا الحسن أحمد ابن عمير بن جوصاء الحافظ وجعفر بن أحمد بن عاصم الأنصاري وأبا العباس حاجب بن أركين الفرغاني الحافظ، وبالبيت المقدس عبد الله بن محمد بن مسلم المقدسي الخطيب، وبالرّملة أبا بكر محمد بن الحسن ابن قتيبة العسقلاني، وبمصر أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي وسعيد بن داود بن وردان المصري وعلي بن الحسين بن سليمان المعدّل وجماعة كثيرة من أهل هذه الطبقة سوى من ذكرناهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الله ابن مندة الأصبهاني وأبو عبد الله محمد بن أحمد الغنجار الحافظ البخاري وأبو علي منصور بن عبد الله بن خالد الذّهلي الهروي وأبو مسلمة محمد بن محمد ابن داود الشافعي وجعفر بن شعيب بن محمد السمرقندي والحسن بن منصور الأسفيجابي والحسن بن محمد بن سهل الفارسي وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن
هارون الزّوزني وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خشنام الشّروطي وجماعة كثيرة لا تحصى.
أخبرنا القاضي الإمام أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني اذنا عن أبي القاسم زاهر بن طاره الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد البحتري قال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: أبو حاتم البستي القاضي كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والــحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، صنف فخرج له من التصنيف في الــحديث ما لم يسبق إليه، وولي القضاء بسمرقند وغيرها من المدن ثم ورد نيسابور سنة 334، وحضرناه يوم جمعة بعد الصلاة فلما سألناه الــحديث نظر إلى الناس وأنا أصغرهم سنّا فقال:
استمل، فقلت: نعم، فاستمليت عليه، ثم أقام عندنا وخرج إلى القضاء بنيسابور وغيرها وانصرف إلى وطنه، وكانت الرحلة بخراسان إلى مصنّفاته.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شفاها قال:
أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي اذنا عن أبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت كتابة قال: ومن الكتب التي تكثر منافعها إن كانت على قدر ما ترجمها به واضعها مصنّفات أبي حاتم محمد بن حبّان البستي التي ذكرها لي مسعود بن ناصر السّجزي ووقفني على تذكرة بأسمائها، ولم يقدّر لي الوصول إلى النظر فيها لأنها غير موجودة بيننا ولا معروفة عندنا، وأنا أذكر منها ما استحسنته سوى ما عدلت عنه واطرحته: فمن ذلك كتاب الصحابة خمسة أجزاء وكتاب التابعين اثنا عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب تبع الاتباع سبعة عشر جزءا وكتاب تبّاع التبع عشرون جزءا وكتاب الفصل بين النقلة عشرة أجزاء وكتاب علل أوهام أصحاب التواريخ عشرة أجزاء وكتاب علل حديث الزّهري عشرون جزءا وكتاب علل حديث مالك عشرة أجزاء وكتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه عشرة أجزاء وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة عشرة أجزاء وكتاب ما خالف الثّوريّ شعبة ثلاثة أجزاء وكتاب ما انفرد فيه أهل المدينة من السّنن عشرة أجزاء وكتاب ما انفرد به أهل مكة من السنن عشرة أجزاء وكتاب ما عند شعبة عن قتادة وليس عند سعيد عن قتادة جزآن وكتاب غرائب الأخبار عشرون جزءا وكتاب ما أغرب الكوفيون عن البصريين عشرة أجزاء وكتاب ما أغرب البصريون عن الكوفيين ثمانية أجزاء وكتاب أسامي من يعرف بالكنى ثلاثة أجزاء وكتاب كنى من يعرف بالاسامي ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل والوصل عشرة أجزاء وكتاب التمييز بين حديث النضر الحدّاني والنضر الحزّاز جزآن وكتاب الفصل بين حديث أشعث بن مالك وأشعث بن سوار جزآن وكتاب الفصل بين حديث منصور بن المعتمر ومنصور ابن راذان ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل بين مكحول الشامي ومكحول الأزدي جزء وكتاب موقوف ما رفع عشرة أجزاء وكتاب آداب الرجالة جزآن وكتاب ما أسند جنادة عن عبادة جزء وكتاب الفصل بين حديث نور بن يزيد ونور بن زيد جزء وكتاب ما جعل عبد الله بن عمر عبيد الله بن عمر جزآن وكتاب ما جعل شيبان سفيان أو سفيان شيبان ثلاثة أجزاء وكتاب مناقب مالك بن أنس جزآن وكتاب مناقب الشافعي جزآن وكتاب المعجم على المدن عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من الحجازيين عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من العراقيين عشرون جزءا وكتاب الأبواب المتفرّقة ثلاثون جزءا وكتاب الجمع بين الأخبار المتضادّة جزآن وكتاب وصف
المعدل والمعدّل جزآن وكتاب الفصل بين حدثنا وأخبرنا جزء وكتاب وصف العلوم وأنواعها ثلاثون جزءا وكتاب الهداية إلى علم السنن، قصد فيه إظهار الصناعتين اللتين هما صناعة الــحديث والفقه، يذكر حديثــا ويترجم له ثم يذكر من يتفرّد بذلك الــحديث ومن مفاريد أيّ بلد هو ثم يذكر كل اسم في إسناده من الصحابة إلى شيخه بما يعرف من نسبته ومولده وموته وكنيته وقبيلته وفضله وتيقّظه ثم يذكر ما في ذلك الــحديث من الفقه والحكمة، فإن عارضه خبر ذكره وجمع بينهما، وإن تضادّ لفظه في خبر آخر تلطّف للجمع بينهما حتى يعلم ما في كل خبر من صناعة الفقه والــحديث معا، وهذا من أنبل كتبه وأعزّها، قال أبو بكر الخطيب: سألت مسعود بن ناصر يعني السّجزي فقلت له: أكلّ هذه الكتب موجودة عندكم ومقدور عليها ببلادكم؟ فقال: إنما يوجد منها الشيء اليسير والنزر الحقير، قال: وقد كان أبو حاتم ابن حبان سبّل كتبه ووقفها وجمعها في دار رسمها لها، فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان ضعف السلطان واستيلاء ذوي العيث والفساد على أهل تلك البلاد، قال الخطيب: ومثل هذه الكتب الجليلة كان يجب أن يكثر بها النسخ فيتنافس فيها أهل العلم ويكتبوها ويجلّدوها إحرازا لها، ولا أحسب المانع من ذلك كان إلا قلّة معرفة أهل تلك البلاد بمحلّ العلم وفضله وزهدهم فيه ورغبتهم عنه وعدم بصيرتهم به، والله أعلم، قال الإمام تاج الإسلام: وحصل عندي من كتبه بالإسناد المتصل سماعا كتاب التقاسيم والأنواع خمسة مجلدات، قرأتها على أبي القاسم الشّحّامي عن أبي الحسن النّخاني عن أبي هارون الزّوزني عنه، وكتاب روضة العقلاء، قرأته على حنبل السّجزي عن أبي محمد النّوني عن أبي عبد الله الشروطي عنه، وحصل عندي من تصانيفه غير مسندة عدّة كتب: مثل كتاب الهداية إلى علم السنن من أوله قدر مجلدين، وله، وهو أشهر من هذه كلّها، كتاب الثقات وكتاب الجرح والتعديل وكتاب شعب الإيمان وكتاب صفة الصلاة، أدرك عليه في كتاب التقاسيم فقال: في أربع ركعات يصلّيها الإنسان ستمائة سنّة عن النبيّ، صلى الله عليه وسلم، أخرجناها بفصولها في كتاب صفة الصلاة فأغنى ذلك عن نظمها في هذا النوع من هذا الكتاب، قال أبو سعد: سمعت أبا بكر وجيه بن طاهر الخطيب بقصر الريح سمعت با محمد الحسن بن أحمد السمرقندي سمعت أبا بشر عبد الله بن محمد بن هارون سمعت عبد الله بن محمد الاستراباذي يقول: أبو حاتم بن حبان البستي كان على قضاء سمرقند مدّة طويلة، وكان من فقهاء الدين وحفّاظ الآثار والمشهورين في الأمصار والأقطار، عالما بالطبّ والنجوم وفنون العلم، ألّف كتاب المسند الصحيح والتاريخ والضعفاء والكتب الكثيرة من كلّ فنّ، أخبرتني الحرّة زينب الشعرية اذنا عن زاهر بن طاهر عن أحمد بن الحسين الإمام، سمعت الحافظ أبا عبد الله الحاكم يقول: أبو حاتم بن حبان داره التي هي اليوم مدرسة لأصحابه ومسكن للغرباء الذين يقيمون بها من أهل الــحديث والمتفقّهة، ولهم جرايات يستنفقونها داره، وفيها خزانة كتبه في يدي وصيّ سلّمها إليه ليبذلها لمن يريد نسخ شيء منها في الصفة من غير أن يخرجه منها، شكر الله له عنايته في تصنيفها وأحسن مثوبته على جميل نيته في أمرها بفضله ورأفته.
وأخبرني القاضي أبو القاسم الحرستاني في كتابه قال:
أخبرني وجيه بن طاهر الخطيب بقصر الريح اذنا سمعت الحسن بن أحمد الحافظ سمعت أبا بشر
النيسابوري يقول سمعت أبا سعيد الإدريسي يقول سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابوري الرجل الصالح بسمرقند يقول: كنّا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور وكان معنا أبو حاتم البستي، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة: يا بارد تنحّ عنّي لا تؤذني، أو كلمة نحوها، فكتب أبو حاتم مقالته، فقيل له: تكتب هذا؟ فقال: نعم أكتب كلّ شيء يقوله، أخبرني الخطيب أبو الحسن السديدي مشافهة بمرو قال: أخبرني أبو سعد اذنا أخبرنا أبو عليّ إسماعيل بن أحمد بن الحسين البيهقي إجازة سمعت والدي سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول:
سمعت أبا عليّ الحسين بن عليّ الحافظ وذكر كتاب المجروحين لأبي حاتم البستي فقال: كان لعمر بن سعيد بن سنان المنبجي ابن رحل في طلب الــحديث وأدرك هؤلاء الشيوخ وهذا تصنيفه، وأساء القول في أبي حاتم، قال: الحاكم أبو حاتم كبير في العلوم وكان يحسد لفضله وتقدّمه، ونقلت من خطّ صديقنا الإمام الحافظ أبي نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان السّلمي الــحديثــي، وذكر أنه نقله من خطّ أبي الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي الحافظ من كتاب شيوخه، وكان قد ذكر فيه ألف شيخ في باب الكذّابين، قال: وأبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي قدم علينا من سمرقند سنة 330 أو 329، فقال لي: أبو حاتم سهل ابن السري الحافظ لا تكتب عنه فإنه كذّاب، وقد صنف لأبي الطيب المصعبي كتابا في القرامطة حتى قلّده قضاء سمرقند، فلما أخبر أهل سمرقند بذلك أرادوا أن يقتلوه فهرب ودخل بخارى وأقام دلّالا في البزّازين حتى اشترى له ثيابا بخمسة آلاف درهم إلى شهرين، وهرب في الليل وذهب بأموال الناس، قال: وسمعت السليماني الحافظ بنيسابور قال لي:
كتبت عن أبي حاتم البستي؟ فقلت: نعم، فقال.
إياك أن تروي عنه فإنه جاءني فكتب مصنّفاتي وروى عن مشايخي ثم إنه خرج إلى سجستان بكتابه في القرامطة إلى ابن بابو حتى قبله وقلّده أعمال سجستان فمات به، قال السليماني: فرأيت وجهه وجه الكذّابين وكلامه كلام الكذابين، وكان يقول:
يا بني اكتب: أبو حاتم محمد بن حبان البستي إمام الائمة، حتى كتبت بين يديه ثم محوته، قال أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق القرّاب: سمعت أحمد ابن محمد بن صالح السجستاني يقول: توفي أبو حاتم محمد بن أحمد بن حبان سنة 354، وعن شيخنا أبي القاسم الحرستاني عن أبي القاسم الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد بن محمد البحتري، سمعت محمد بن عبد الله الضّبّيّ يقول: توفي أبو حاتم البستي ليلة الجمعة لثماني ليال بقين من شوّال سنة 354، ودفن بعد صلاة الجمعة في الصّفّة التي ابتناها بمدينة بست بقرب داره، وذكر أبو عبد الله الغنجار الحافظ في تاريخ بخارى أنه مات بسجستان سنة 354، وقبره ببست معروف يزار إلى الآن، فإن لم يكن نقل من سجستان إليها بعد الموت وإلّا فالصواب أنه مات ببست.

عَنَقَ

(عَنَقَ)
(هـ) فِيهِ «المؤذِّنون أطْولُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يومَ الْقِيَامَةِ» أَيْ أكْثَر أعْمَالاً.
يُقَالُ: لفُلان عُنُقٌ مِنَ الخَير: أَيْ قِطْعَة.
وَقِيلَ: أَرَادَ طُول الأَعْنَاق أَيِ الرِّقاب، لِأَنَّ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ فِي الكَرْب، وَهُمْ فِي الرَّوْح مُتَطَلِّعون لِأَنْ يُؤذَن لَهُمْ فِي دُخول الْجَنَّةِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ يَوْمَئِذٍ رُؤسَاء سَادَة، والعَرَب تَصِف السَّادة بطُول الأَعْنَاق.
ورُوي «أطْوَل إِعْنَاقاً» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: أَيْ أَكْثَرُ إسْراعا وأعْجَل إِلَى الْجَنَّةِ. يُقَالُ: أَعْنَقَ يُعْنِقُ إِعْنَاقاً فَهُوَ مُعْنِق، وَالِاسْمُ: العَنَق بالتَّحريك.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «لَا يَزَالُ المؤمنُ مُعْنِقاً صَالِحًا مَا لَمْ يُصِب دَمًا حَراماً» أَيْ مُسْرِعا فِي طَاعَتِهِ مُنْبَسِطا فِي عَمله. وَقِيلَ: أَرَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وجَد فَجْوةً نَصَّ» .
(س [هـ] ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّة، فبَعَثُوا حَرامَ بْنَ مِلْحان بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي سُليم فانْتَحى لَهُ عامرُ بْنُ الطُّفَيْل فقَتله، فلمَّا بَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُه قَالَ: أُعْنِقَ لِيَموتَ» أَيْ إِنَّ المنِية أسْرَعَت بِهِ وساقَتْه إِلَى مَصْرَعه. واللَّام لَامُ الْعَاقِبَةِ، مِثْلُها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «فانْطَلَقْنا إِلَى النَّاسِ مَعَانِيق» أَيْ مُسْرِعين، جَمْعُ مِعْنَاق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَصْحَابِ الغَارِ «فانْفَرَجَت الصَّخْرةُ فانطلَقُوا مُعَانِقِين» أَيْ مُسْرِعِين، مِنْ عَانَقَ مِثْل أَعْنَقَ إِذَا سَارَع وأسْرَع، ويُرْوَى «فانْطَلَقُوا مَعَانِيقَ» .
(هـ) وَفِيهِ «يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ» أَيْ طائفةٌ مِنْهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الحدَيْبية «وَإِنْ نَجَوا تَكُنْ عُنُقٌ قطَعَها اللَّهُ» أَيْ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ فَزارة «فانْظُروا إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ» . وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «لَا يزَال الناسُ مُخْتِلفَةً أَعْنَاقُهم فِي طَلَب الدُّنْيَا» أَيْ جَماعات مِنْهُمْ. وَقِيلَ:
أَرَادَ بالأَعْنَاق الرُّؤساءَ والكُبَراءَ، كَمَا تقدَّم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمة «قَالَتْ: دَخَلتْ شَاةٌ فأخَذَت قُرْصاً تحتَ دَنٍ لَنَا، فقُمْت فأخذْتُه مِنْ بَيْنِ لَحْيَيْها، فَقَالَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تُعَنِّقِيها» أَيْ تَأخُذي بعُنُقِها وتَعْصُريها. وَقِيلَ: التَّعْنِيق: التَّخييب، مِنَ العَنَاق، وَهِيَ الخَيْبَة.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لنِساءِ عُثْمانَ بْنِ مَظْعون لمَّا مَات: ابْكِينَ، وإيَّاكُنّ وتَعَنُّقَ الشَّيْطَانِ» هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْنَد أَحْمَدَ. وَجَاءَ فِي غَيْرِهِ «ونَعِيق الشَّيْطَانِ» فَإِنْ صَحَّت الْأَوْلَى فَيَكُونُ مِنْ عَنَّقَه إِذَا أَخَذَ بعُنُقِه وعَصَر فِي حَلْقه ليَصِيح، فَجَعَلَ صِيَاحَ النِّساء عِند المُصيبة مُسَبَّبا عَنِ الشَّيْطَانِ، لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لهُنّ عَلَيْهِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الضَّحيَّة «عِنْدِي عَنَاق جَذَعة» هِيَ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ سَنَة.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «لَوْ مَنَعُوني عَنَاقاً ممَّا كَانُوا يُؤدُّونه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقَاتَلْتُهم عَلَيْهِ» فِيهِ دَليل عَلَى وُجُوبِ الصَّدقة فِي السخِّال، وأنَّ واحِدَة مِنْهَا تُجْزِئ عَنِ الْوَاجِبِ فِي الأرْبَعين مِنْهَا إِذَا كَانَتْ كُلُّها سِخَالا، وَلَا يُكَلَّف صاحُبها مُسِنَّةً، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا شَيْءَ فِي السِّخال.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ حَوْلَ النِّتاج حَوْلُ الأمَّهات، وَلَوْ كَانَ يُسْتَأنَف لَهَا الحوْلُ لَمْ يُوجَد السَّبيل إِلَى أخْذِ العَنَاق.
(س) وَفِي حَدِيثِ قَتادة «عَنَاق الْأَرْضِ مِنَ الْجَوَارِحِ» هِيَ دَابّة وْحشِيَّة أكْبَر مِنَ السِّنَّوْر وأصْغَرُ مِنَ الْكَلْبِ. وَالْجَمْعُ: عُنُوق. يُقَالُ فِي المَثل: لَقي عَنَاقَ الْأَرْضِ، وأُذُنَيْ عَنَاق: أَيْ دَاهِيَةً. ُيريد أنَّها مِنَ الحيوان الذي يُصْطَادُ به إذا عُلِّم. (س) وَفِي حَدِيثِ الشعْبيِّ «نَحْنُ فِي العُنُوق، وَلَمْ نَبْلُغِ النُّوق» . وَفِي المَثل: العُنُوق بَعْدَ النُّوق: أَيِ القَليل بَعْدَ الْكَثِيرِ، والذُّل بَعْدَ العِزّ. والعُنُوق: جَمْعُ عَنَاق.
وَفِي حَدِيثِ الزِّبْرِقان «والأسْود الأَعْنَق، الَّذِي إِذَا بَدا يُحَمَّق» الأَعْنَق: الطَّوِيلُ العُنُق، رَجُلٌ أَعْنَق وامْرأة عَنْقَاء.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ تَدْرُس «كَانَتْ أُمُّ جَميل- يَعْنِي امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ- عَوْرَاءَ عَنْقَاء» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عِكْرِمَة فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى طَيْراً أَبابِيلَ قَالَ: العَنْقَاء المُغْرِب» يُقَالُ:
طَارَتْ بِهِ عَنْقَاء مُغْرِبٌ، والعَنْقَاء المُغْرِبُ. وَهُوَ طَائِرٌ عَظِيمٌ مَعْرُوفُ الاسْم مَجهول الجِسْم لَمْ يَره أحَدٌ. والعَنْقَاء: الدَّاهِية.

فَرِقَ

(فَرِقَ)
(س هـ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِل مِنْ إِنَاءٍ يُقَالُ لَهُ الفَرَق» الفَرَق بِالتَّحْرِيكِ: مِكْيَال يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلا، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ مُدّاً، أَوْ ثَلَاثَةُ آصُع عِنْدَ أهْل الْحِجَازِ.
وَقِيلَ: الفَرَق خَمْسَةُ أقْسَاط، والقِسْط: نِصْفُ صَاعٍ، فَأَمَّا الفَرْق بِالسُّكُونِ فمائةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلا.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «مَا أسْكَر الفَرْقُ مِنْهُ فالحُسْوة مِنْهُ حَرام» .
(هـ) وَالْــحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنِ اسْتَطاع أَنْ يكون كصاحِب فَرْق الأَرُزِّ فليكن مثله» . (س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «فِي كُلِّ عَشرة أَفْرُق عَسَل فَرَقٌ» الأَفْرُق: جَمْع قِلَّة لفَرَق، مِثْلَ جَبَل وأجْبُل.
(س) وَفِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ «فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقا» الفَرَق بِالتَّحْرِيكِ: الخَوْف والفَزَع.
يُقَالُ: فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أبِاللهِ تُفَرِّقُنِي؟» أَيْ: تُخَوِّفُني.
(هـ) وَفِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَق» أَيْ إِنْ صَارَ شَعره فِرْقَيْن بِنْفسِه فِي مَفْرَقِه تَركه، وَإِنْ لَمْ يَنْفَرِقْ لَمْ يَفْرِقْه.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِع وَلَا يُجمع بَيْنَ مُتَفَرِّق خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» قَدْ تَقَدَّمَ شَرْح هَذَا فِي حَرْفِ الْجِيمِ وَالْخَاءِ مَبْسوطا.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ لرجُل بالْكُوفة أَرْبَعُونَ شَاةً وبالبَصْرة أَرْبَعُونَ كَانَ عَلَيْهِ شَاتَان لِقَوْلِهِ «لَا يُجْمع بَيْنَ مُتَفَرِّق» ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِبَغْداد عشْرُون وَبِالْكُوفَةِ عِشْرُونَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
ولو كانت له إبل في بلد شَتَّى، إِنْ جُمِعت وجَبَت فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ تُجْمع لَمْ تَجِب فِي كُلِّ بَلَدٍ لَا يَجِب عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ.
(س) وَفِيهِ «البَيِّعان بالخِيار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» اخْتَلف النَّاسُ فِي التَّفَرُّق الَّذِي يَصِحُّ وَيَلْزَمُ البيعُ بِوُجُوبِهِ، فَقِيلَ: هُوَ التَّفَرُّق بِالْأَبْدَانِ، وَإِلَيْهِ ذهَب مُعظَم الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وغيرُهما: إِذَا تَعاقدا صحَّ البَيعُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا.
وَظَاهِرُ الْــحَدِيثِ يَشْهَدُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فإنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَمَامِهِ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَايَعَ رجُلا فأراد أَنْ يُتِمَّ الْبَيْعَ مَشَى خُطُوَاتٍ حَتَّى يُفَارِقَه» وَإِذَا لَمْ يُجْعَلِ التَّفَرُّق شَرْطًا فِي الِانْعِقَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبُولُ الْبَيْعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ خِيَارُهُ ثَابِتٌ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ.
والتَّفَرُّق والافْتِرَاق سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ التَّفَرُّق بِالْأَبْدَانِ، والافْتِرَاق فِي الْكَلَامِ. يُقَالُ:
فَرَقْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فافْتَرَقَا، وفَرَّقْتُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فتَفَرَّقَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «صَلَّيْتُ مَعَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ثُمَّ تَفَرَّقت بِكُمُ الطُّرُقُ» أَيْ ذَهَبَ كُلٌّ مِنْكُمْ إِلَى مَذْهَبٍ وَمَالَ إِلَى قَوْلٍ وَتَرَكْتُمُ السُّنَّةَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فَرِّقُوا عَنِ الْمَنِيَّةِ وَاجْعَلُوا الرَّأْسَ رَأْسَيْنِ» يَقُولُ: إِذَا اشْتَرَيْتُمُ الرَّقِيقَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا تُغَالُوا فِي الثَّمَنِ وَاشْتَرُوا بِثَمَنِ الرَّأْسِ الْوَاحِدِ رَأْسَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاحِدُ بَقِيَ الْآخَرُ، فَكَأَنَّكُمْ قَدْ فَرَّقْتم مَالَكُمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يُفَرِّقُ بِالشَّكِّ وَيَجْمَعُ بِالْيَقِينِ» يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى أَمْرٍ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يُعْلَمُ مَنِ الْمُصِيبُ مِنْهُمْ، فَكَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ مِنْ صُوَرِ الشَّكِّ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الشَّكِّ الْيَقِينُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَفِيهِ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» مَعْنَاهُ كُلُّ جَمَاعَةٍ عَقَدَتْ عَقْدًا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَارِقَهم فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ اسْتَحَقَّ الْوَعِيدَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ «فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» : أَيْ يَمُوتُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ.
وَفِي حَدِيثُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ «مَا أُنْزِلُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا الْإِنْجِيلِ وَلَا الزَّبُورِ وَلَا فِي الفُرْقَان مِثْلُهَا» الفُرْقَان مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ: أَيْ أَنَّهُ فَارَقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحَلَّالِ وَالْحَرَامِ. يُقَالُ:
فَرَقْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَفْرُق فَرْقا وفُرْقَاناً.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «مُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ» أَيْ يَفْرُق بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بِتَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَّ اسْمَهُ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ فَارِق لِيَطَا» أَيْ يَفْرُق بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَقَ لِي رَأيٌ» أَيْ بَدَا وظَهر. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرِّوَايَةُ «فُرِقَ» عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلَه.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «قَالَ لخَيْفان: كَيْفَ تركْت أَفَارِيق الْعَرَبِ؟» الأَفَارِيق: جَمْعُ أَفْرَاق، وأَفْرَاق: جَمْعُ فِرْق، والفِرْق والفَرِيق والفِرْقَة بمَعْنى.
(هـ) وَفِيهِ «مَا ذِئْبان عادِيان أَصَابَا فَرِيقَة غَنَمٍ؟» الفَرِيقَة: الْقِطْعَةُ مِنَ الغَنَم تشذُّ عَنْ مُعْظَمِهَا. وَقِيلَ: هِيَ الغَنم الضَّالَّةُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «سُئِل عَنْ مالِه فَقَالَ: فِرْقٌ لَنَا وذَودٌ» الفِرْق: القِطْعة مِنَ الغَنم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ طَهْفة «بارِكْ لَهُمْ فِي مَذْقِها وفِرْقِها» وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ مِكْيال يُكَال بِهِ اللَّبَن.
(س) وَفِيهِ «تَأْتِي الْبَقَرَةُ وآلُ عِمْران كَأَنَّهُمَا فِرْقَان مِن طَيْرٍ صَوَافَّ» أَيْ قِطعتان.
وَفِيهِ «عُدُّوا مَن أَفْرَقَ مِن الحَيِّ» أَيْ بَرَأ مِنَ الطَّاعون. يُقَالُ: أَفْرَقَ المريضُ مِنْ مَرضه إِذَا أَفَاقَ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا فِي عِلَّة تُصيب الْإِنْسَانَ مرَّة، كالجُدَرِيّ والحَصْبَة.
وَفِيهِ «أَنَّهُ وصَف لسَعْد فِي مَرَضِه الفَرِيقة» هِيَ تَمْرٌ يُطْبَخ بحُلْبَة، وَهُوَ طَعام يُعْمَل للُّنَفساء.

سَلَمَ

(سَلَمَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «السَّلامُ»
قِيلَ مَعْناه سلامتُه مِمَّا يلْحق الخَلق مِنَ العَيب والفَناء.
والسَّلَامُ فِي الأصْل السَّلَامَةُ. يُقَالُ سَلِمَ يَسْلَمُ سَلَامَةً وسَلَاماً. وَمِنْهُ قِيلَ للجنَّة دارُ السَّلامِ
، لِأَنَّهَا دارُ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ عَلَى اللَّهِ، أحدُهم مَنْ يَدْخل بَيْتَهُ بِسَلَامً» أرادَ أَنْ يَلزَم بَيْتَهُ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنَ الفِتَن ورَغبة فِي العُزلة. وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهُ إذا دَخَل بيته سَلَّمَ.
والأول الوجه. (س) وَفِي حَدِيثِ التَّسْلِيمِ «قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَام تَحيَّة الموْتَى» هَذَا إشارَةٌ إِلَى مَا جَرت بِهِ عادَتُهم فِي المَراثي، كَانُوا يُقَدّمون ضَمِيرَ الْمَيِّتِ عَلَى الدُّعاء لَهُ كَقَوْلِهِ:
عَليكَ سَلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وباَرَكَت ... يَدُ اللهِ فِي ذَاك الأدِيمِ المُمَزَّقِ
وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ قَيْسَ بنَ عاصمٍ ... ورحمتهُ مَا شاءَ أَنْ يترَّحما
وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ المُسّلم عَلَى القَوم يتوقَّعُ الْجَوَابَ، وَأَنْ يُقال لَهُ عليكَ السلامُ، فَلَمَّا كَانَ الميتُ لَا يُتَوقع مِنْهُ جَوَابٌ جَعَلوا السلامَ عَلَيْهِ كَالْجَوَابِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمَوْتَى كُفَّار الْجَاهِلِيَّةِ.
وَهَذَا فِي الدُّعاء بالخَير والمَدْح، فَأَمَّا فِي الشَرِّ والذَّم فيُقدَّم الضميرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى «وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي» وقوله: «عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ» *.
وَالسُّنَّةُ لَا تَخْتلفُ فِي تَحِية الأمواتِ وَالْأَحْيَاءِ. ويشهَدُ لَهُ الْــحَدِيثُ الصحيحُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخل الْقُبُورَ قَالَ: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَار قَومٍ مُؤْمِنِينَ» .
والتَّسْلِيمُ مشتَقّ مِنَ السَّلَامِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لسلامَتِه مِنَ العَيب والنَّقْص. وَقِيلَ معناهُ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلع عَلَيْكُمْ فَلَا تَغْفُلوا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ: أَيِ اسْمُ اللَّهِ عليك، إذ كَانَ اسمُ اللَّهِ يُذْكر عَلَى الأعْمال تَوقُّعا لاجْتماع مَعَانِي الْخَيْرَاتِ فِيهِ وانْتِفاء عَوارِض الْفَسَادِ عَنْهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ سَلِمْتَ مِنِّي فاجْعَلْني أَسْلَمُ مِنْكَ، مِنَ السَّلَامَةِ بِمَعْنَى السَّلَامِ.
وَيُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وسَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وسَلَامٌ، بِحَذْفِ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يَرِد فِي القُرآن غَالِبًا إِلَّا مُنَكَّراً كَقَوْلِهِ تعالى سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ
فأمَّا فِي تشهُّد الصلاةِ فيقالُ فِيهِ مُعرَّفا ومُنَكَّرا، والظاهرُ الأكثرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ اخْتاَر التَّنْكِيرَ، وَأَمَّا فِي السَّلَامِ الَّذِي يَخْرج بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَروى الرَّبيعُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يكْفيه إِلَّا مُعرَّفا، فَإِنَّهُ قَالَ: أقلُّ مَا يَكْفِيهِ أَنْ يقولَ السلامُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ نَقَص مِنْ هَذَا حَرْفا عَادَ فسلَّم. ووجْهُه أَنْ يَكُونَ أرَاد بِالسَّلَامِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ حذفُ الألِف واللاَّم مِنْهُ، وكانُوا يَسْتَحسنون أَنْ يَقُولوا فِي الأوَّل سلامٌ عَلَيْكُمْ، وَفِي الآخِر السلامُ عَلَيْكُمْ، وتكونُ الألفُ واللامُ للعَهْد. يَعْنِي السَّلَامَ الْأَوَّلَ. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَان بْنِ حُصَين «كَانَ يُسَلَّمُ عليَّ حَتَّى اكْتويْتُ» يَعْنِي أنَّ الملائكةَ كَانَتْ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا اكْتَوى بِسَبَبِ مَرَضه تَرَكُوا السلامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الكَىَّ يَقدَح فِي التَّوكل والتَّسْلِيمِ إِلَى اللَّهِ والصَبرِ عَلَى مَا يُبْتَلى بِهِ العبدُ وَطَلَبِ الشِّفَاءِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي جَوَازِ الكَىِّ ولكنَّه قادحٌ فِي التَّوكّل، وَهِيَ دَرَجَةٌ عاليةٌ وَرَاءَ مُبَاشرة الْأَسْبَابِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ أخَذَ ثَمانين مِنْ أهْل مَكَّةَ سَلْماً» يُرْوى بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتان فِي الصُّلْحِ، وَهُوَ المرادُ فِي الْــحَدِيثِ عَلَى مَا فسَّره الحُمَيْدي في غَرِيبه. وقال الخطَّابي: أَنَّهُ السَّلَمُ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ، يُرِيدُ الِاسْتِسْلَامَ والإذعان، كقوله تعالى وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ
أَيْ الِانْقِيَادَ، وَهُوَ مصدرٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ. وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بالقَضِية؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْخّذوا عَنْ صُلْح. وَإِنَّمَا أُخِذوا قَهْرا وأَسْلَمُوا أنْفُسهم عَجْزا، وللأوَّل وجْه، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ تَجْرِ مَعَهُمْ حَرْب، وَإِنَّمَا لمَّا عجَزوا عَنْ دفْعهم أَوِ النَّجاة مِنْهُمْ رَضُوا أَنْ يُؤْخذوا أَسْرى وَلَا يُقتلوا، فَكَأَنَّهُمْ قَدْ صُولحوا عَلَى ذَلِكَ فسُّمى الانقيادُ صُلحا وَهُوَ السَّلَمُ.
وَمِنْهُ كِتَابُهُ بَيْنَ قُرَيش وَالْأَنْصَارِ «وَإِنَّ سِلْمَ المُؤمنين واحدٌ لَا يُسَالَمُ مؤمِن دُونَ مُؤمن» أَيْ لَا يُصَالح واحدٌ دُونَ أَصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الصُّلح بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهم باجْتماع مَلَئهم عَلَى ذَلِكَ.
(هـ) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ «لآتينَّك برجُل سَلَمٍ» أَيْ أَسِيرٍ لِأَنَّهُ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ.
وَفِيهِ «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ» هُوَ مِنَ المُسَالَمَةِ وتَرْك الْحَرْبِ. ويحتَمِل أَنْ يَكُونَ دُعاءً وإخْباراً:
إِمَّا دُعَاءً لَهَا أَنْ يُسَالِمَهَا اللَّهُ وَلَا يأمرُ بحَربْها، أَوْ أخْبَر أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَالَمَهَا ومنَع مِنْ حربْها.
وَفِيهِ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يظلِمُه وَلَا يُسْلِمُهُ» يُقَالُ: أَسْلَمَ فُلَانٌ فُلاناً إِذَا ألْقاه إِلَى الهلَكة وَلَمْ يَحْمه مِنْ عدُوِّه، وَهُوَ عامٌّ فِي كُلِّ مَنْ أسْلمته إِلَى شَيْءٍ، لَكِنْ دَخَله التَّخْصِيص، وغَلَب عَلَيْهِ الالْقاء فِي الهلَكة.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «إِنِّي وهبْت لخالَتي غُلاما، فقلْت لَهَا لَا تُسْلِمِيهِ حَجَّاماً وَلَا صَائِغًا وَلَا قصَّاباً» أَيْ لَا تُعْطيه لِمَنْ يُعَلمه إِحْدَى هَذِهِ الصَّنَائِعِ، إِنَّمَا كِره الْحَجَّامَ والقصَّاب لِأَجْلِ النَّجاسة الَّتِي يباشِرَانها مَعَ تعذُّر الاحترازِ، وَأَمَّا الصائغُ فلِمَا يدخُل صَنْعَتَهُ مِنَ الْغِشِّ، وَلِأَنَّهُ يَصُوغ الذهب وَالْفِضَّةَ، وربَّما كَانَ مِنْ آنِيَةٍ أَوْ حَلْى لِلرِّجَالِ وَهُوَ حَرَام، ولكَثْرة الوعْد والكَذِب فِي إِنْجَازِ مَا يُسْتَعْمل عِنْدَهُ.
(س) وَفِيهِ «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلاَّ وَمَعَهُ شيطانٌ، قِيلَ: ومَعَك؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى أَسْلَمَ» أَيِ انْقَاد وكفَّ عَنْ وَسْوَستي. وَقِيلَ دَخل فِي الْإِسْلَامِ فسَلمت مِنْ شَرِّهِ. وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ فَأَسْلَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ، عَلَى أَنَّهُ فعلٌ مسْتَقبل: أَيْ أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ وَمِنْ شرِّه.
وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ:
(س) الْــحَدِيثُ الْآخَرُ «كَانَ شيطانُ آدَمَ كَافِرًا وَشَيْطَانِي مُسْلِماً» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَم» يَعْنِي مِنْ قَوْمِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» يَعْنِي مُؤْمِنِي زَمانه، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّابقين الْأَوَّلِينَ.
(هـ) وَفِيهِ «كَانَ يقولُ إِذَا دَخَلَ شهرُ رمضانَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رمضانَ وسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي وسَلِّمْهُ مِنِّي» قَوْلُهُ سَلّمِني مِنْهُ أَيْ لَا يُصيبني فِيهِ مَا يَحُول بَيْنِي وبَينَ صَوْمه مِنْ مَرَض أَوْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ سَلِّمْهُ لِي: هُوَ أَنْ لَا يُغَمَّ عَلَيْهِ الهلالُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَيْلتَبِس عَلَيْهِ الصومُ والفِطْر. وَقَوْلُهُ وسلِّمه مِنِّي: أَيْ يَعْصِمه مِنَ المَعَاصي فِيهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ «وَكَانَ عليٌّ مُسَلَّماً فِي شأنِها» أَيْ سَالِماً لَمْ يُبْد بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا.
ويُروى بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ مُسَلِّماً للأمْرِ، والفتحُ أشبهُ: أَيْ أَنَّهُ لَمْ يقُل فِيهَا سُوءا.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ الطَّوَافِ «أَنَّهُ أتَى الحجرَ فَاسْتَلَمَهُ» هُوَ افْتَعل مِنَ السَّلام: التَّحِيَّةُ.
وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسمُّون الركنَ الأسودَ المُحَيّا: أَيْ أنَّ النَّاسَ يُحَيُّونه بالسَّلام. وَقِيلَ هُوَ افْتَعل مِنَ السَّلَامِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ، واحدِتُها سَلِمَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ. يُقَالُ اسْتَلَمَ الحجرَ إِذَا لِمسه وتَناوله.
(س) وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «بَيْنَ سَلَمٍ وأرَاك» السَّلَمُ شَجَرٌ مِنَ العِضَاهِ واحدتُها سَلَمَةٌ بِفَتْحِ اللَّامِ، وورَقها القَرَظ الَّذِي يُدبغ بِهِ. وَبِهَا سُمِّى الرَّجُلُ سَلَمَة، وتُجمعُ عَلَى سَلَمَاتٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ سَلَمَاتٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ» . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ اللَّامِ جَمْعَ سَلِمَةٍ وَهِيَ الْحَجَرُ. (هـ) وَفِيهِ «عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ» السُّلَامَى: جَمْعُ سُلَامِيَة وَهِيَ الأُنْمُلَة مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ. وَقِيلَ واحدهُ وجمعهُ سَوَاءٌ. ويُجمَع عَلَى سُلَامِيَاتٍ وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ كُلِّ مَفْصِلَين مِنْ أصابِع الإنْسانِ. وَقِيلَ السُّلَامَى: كُلُّ عَظْم مُجَوَّف مِنْ صِغَار العِظاَم: الْمَعْنَى عَلَى كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظاَم ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ آخِرَ مَا يَبْقى فِيهِ المُخ مِنَ الْبَعِيرِ إِذَا عَجِف السُّلامي والعَين. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
هُوَ عَظْمٌ يَكُونُ فِي فِرْسِنِ البَعير.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ فِي ذِكْرِ السَّنَة «حَتَّى آلَ السُّلَامَى» أَيْ رَجَع إِلَيْهِ المُخُّ.
وَفِيهِ «مَنْ تَسَلَّمَ فِي شيءٍ فَلَا يَصْرفْه إِلَى غَيْرِهِ» يُقَالُ أَسْلَمَ وسَلَّمَ إِذَا أسْلف. والأسمُ السَّلَمُ، وَهُوَ أَنْ تُعطِىَ ذَهَبًا أَوْ فضَّة فِي سِلْعَة مَعْلُومَةٍ إِلَى أمدٍ مَعْلُومٍ، فَكَأَنَّكَ قَدْ أَسْلَمْتَ الثَّمَنَ إِلَى صَاحِبِ السِّلعة وسَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ. وَمَعْنَى الْــحَدِيثِ أَنْ يُسْلف مَثَلًا فِي بُرٍّ فيُعْطِيه المسْتَسْلف غَيْرَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يأخُذَه. قَالَ القُتيبي: لَمْ أَسْمَعْ تفعَّل مِنَ السَّلم إِذَا دَفَعَ إلاَّ فِي هَذَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يَكْره أَنْ يُقَالَ: السَّلَمُ بِمَعْنَى السَّلف، وَيَقُولُ الْإِسْلَامُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» كَأَنَّهُ ضنَّ بِالِاسْمِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعٌ للطَّاعة والانْقِياد لِلَّهِ عَنْ أَنْ يُسَمىَّ بِهِ غَيره، وَأَنْ يستَعْمله فِي غَير طاعةِ اللَّهِ، وَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى مَعْنى السَّلف. وَهَذَا مِنَ الإخْلاصِ بابٌ لَطِيفُ المَسْلك. وَقَدْ تكرَّر ذِكْرُ السَّلم فِي الْــحَدِيثِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُمْ مرُّوا بماءٍ فِيهِ سَلِيمٌ، فَقَالُوا: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ» السَّلِيمُ اللَّديغ. يُقَالُ سَلَمَتْهُ الحيَّة أَيْ لَدغَته. وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّى سَلِيماً تفاؤُلا بالسَّلامة، كَمَا قِيلَ للفَلاة المُهْلكة مَفَازَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ ذِكْرُ «السُّلَالِم» هِيَ بِضَمِّ السِّينِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا: حِصنٌ مِنْ حُصُون خَيْبَرَ. وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا السُّلَالِيمُ.

عقق

ع ق ق: (الْعَقِيقُ) وَ (الْعَقِيقَةُ) وَ (الْعِقَّةُ) بِالْكَسْرِ الشَّعْرُ الَّذِي يُولَدُ عَلَيْهِ كُلُّ مَوْلُودٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ أُسْبُوعِهِ (عَقِيقَةً) . وَ (الْعَقِيقُ) ضَرْبٌ مِنَ الْفُصُوصِ. وَهُوَ أَيْضًا وَادٍ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ. وَ (عَقَّ) عَنْ وَلَدِهِ مِنْ بَابِ رَدَّ إِذَا ذَبَحَ عَنْهُ يَوْمَ أُسْبُوعِهِ. وَكَذَا إِذَا حَلَقَ عَقِيقَتَهُ. وَ (عَقَّ) وَالِدَهُ يَعُقُّ بِالضَّمِّ (عُقُوقًا) وَ (مَعَقَّةً) بِوَزْنِ مَشَقَّةٍ فَهُوَ (عَاقٌّ) وَ (عُقَقٌ) كَعُمَرَ. وَجَمْعُ عَاقٍّ (عَقَقَةٌ) مِثْلُ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَفِي الْــحَدِيثِ: «ذُقْ (عُقَقُ) » أَيْ ذُقْ جَزَاءَ فِعْلِكَ يَا عَاقُّ. قُلْتُ: وَنَقَلَ الْأَزْهَرِيُّ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ: (عَقَّ) وَالِدَهُ مِنْ بَابِ رَدَّ. وَ (الْعَقْعَقُ) طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَصَوْتُهُ (الْعَقْعَقَةُ) . 

عقق


عَقَّ(n. ac. عَقّ)
a. Split, cleft, rent, ripped.
b.(n. ac. مَعْقَقَة
عُقُوْق), Was disobedient, refractory, wilful, undutiful to
resisted.
c.(n. ac. عَقَق
عَقَاْق
عِقَاْق), Was pregnant, big with young.
d.(n. ac. عَقَق)
see VII (a)
أَعْقَقَa. Made bitter.
b. Put forth shoots (palm-tree).
c. see I (c)
إِنْعَقَقَa. Was split, rent; burst, broke.
b. Was tight, firm, fast.

عَقّa. see 21
عِقّa. Furrow, cleft, rent.

عِقَّة
(pl.
عِقَق)
a. see 2
عُقّa. Bitter.

عُقَقa. see 21
أَعْقَقُa. see 21
عَاْقِق
(pl.
عَقَقَة
أَعْقِقَة
15t)
a. Disobedient, wilful, undutiful.

عَاْقِقَة
(pl.
عَوَاْقِقُ)
a. fem. of
عَاْقِق
عَقِيْق
(pl.
أَعْقِقَة)
a. Ravine, gully.
b. Carnelian; coral.

عَقِيْقَة
(pl.
عَقَاْئِقُ)
a. Flash of lightning.
b. see 25 (b)
عَقُوْقa. see 21
عِقَّاْنa. Shoots.
ع ق ق

ما أعقّه لأبيه. وتقول: فلان هيّن المبرة شديد المعقّة. قال:

أحلام عاد وأجساد مطهرة ... من المعقّة والآفات والأثم

" وذق عقق ". مثلك في وادي العقوق، " أعز من الأبلق العقوق "؛ وهي الحامل التي نبتت العقيقة وهي الشعر على ولدها، وقد أعقت فهي معق وعقوق. ويقال: أهش من نوى العقوق وهو نوىً هشّ ليّن الممضغة تعلفه العقوق إلطافاً بها. وتقول: ما أدري شمت عقيقه، أم شمت عقيقه؛ أي سللت سيفاً أم نظرت إلى برقٍ وهي البرقة التي تستطيل في عرض السحاب، ولقد أكثروا استعارتها للسيف حتى جعلوها من أسمائه، فقالوا: سلّوا عقائق، كالعقائق؛ ونحوه قول بشر بن أبي خازم:

رأى درّةً بيضاء يحفل لونها ... سخام كغربان البرير المقصّب

وهي عناقيده. وانعقّ البرق: تسرّب في السحاب. وفي كلام أعرابيّة: سحماء عقّاقه، كأنها حولاء ناقه.
عقق
عَقَّ عَقَقْتُ، يَعُقّ، اعْقُقْ/ عُقّ، عُقوقًا وعَقًّا، فهو عاقّ، والمفعول معقوق
• عقَّ والديه: عصاهما، وترك الشَّفقة والإحسان إليهما "ما عَقَقْنا والدينا قطّ- نهى الإسلامُ عن عُقوق الوالدين- ولدٌ عاقٌّ". 

عَقَّ عن عَقَقْتُ، يَعُقّ، اعْقُقْ/ عُقّ، عقًّا، فهو عاقّ، والمفعول معقوق عنه
• عَقّ عن ولدِه: ذبَح ذبيحةً يوم السابع "عقَّ عن ابنته بشاة". 

عاقّ [مفرد]: ج عاقّون وعققة، مؤ عاقَّة، ج مؤ عاقَّات وعواقُّ: اسم فاعل من عَقَّ وعَقَّ عن. 

عَقّ [مفرد]: مصدر عَقَّ وعَقَّ عن. 

عُقوق [مفرد]: مصدر عَقَّ. 

عقيق [جمع]: جج أعِقَّة، مف عقيقة: حجرٌ كريمٌ أحمر تُعمل منه الفصوصُ، يُوجد باليمن وسواحل البحر المتوسط، يدخل في تكوينه عناصر الألومنيوم والماغنسيوم والكالسيوم "تُحفةٌ من عقيق". 

عقيقة [مفرد]: ج عقائِقُ:
1 - شعر كلّ مولود من الناس والبهائم ينبت وهو في بطن أمِّه.
2 - (فق) ذبيحة تُذبَحُ عن المولود يوم السابع عند حلق شعره "أهدى أقاربَه من العقيقة". 
[عقق] فيه: إنه "عق" عن الحسنين، هي ما تذبح عن الولد، من العق: الشق والقطع. ومنه ح: الغلام مرتهن "بعقيقته"، أي يحرم أبوه شفاعته إذا لم يعق عنه- ومر في ر. وح: لا أحب "العقوق"، ليس فيه توهين لأمر العقيقة وإنما كره الاسم وأحب اسم النسيكة والذبيحة كما اعتاده في تغيير الاسم القبيح، ويقال للشعر الذي يخرج من بطن أمه: عقيقة، لأنها تحلق؛ وجعله الزمخشري أصلًا والذبيحة مشتقة منه. ط: ويحتمل أنه استعار العقوق للوالد جعل إباءه عن العقيقة مع قدرته عقوقًا- ومر في يدمي، وإماطة الأذى حلق شعره أو تطهيره من أوساخ وأوضار تلطخ به عند الولادة. نه: منه: إن انفرقت "عقيقته"، أي شعره تشبيهًا بشعر المولود. ومنه ح: نهى عن "عقوق" الأمهات، من عق والده إذا أذاه وعصاه، من العق: الشق، وخصت لأن لهن مزية وإن كان عقوق الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيمًا. ك: لتقدمهن برًا وإن تقدم الأب طاعة. ش: أو لأن أكثر العقوق يقع لهن. نه: ومنه: مر أبو سفيان بحمزة قتيلًا فقال: ذق "عقق"، هو معدول عن عاق كفسق من فاسق، أي ذق القتل يا عاق قومه بالقتل منهم يوم بدر. وفيه: مثلكم ومثل عائشة مثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن "يعقها" إلا بما هو خير لها، هو مستعار من عقوق الوالدين وفيه: إن من أطرق مسلمًا "فعقت" له فرسه كان كأجر كذا، عقت: حملت، والأجود: أعقت، فهي عقوق. ومنه المثل: أعز من الأبلق "العقوق"، لأن العقوق الحامل والأبلق من صفات الذكر. ومنه: أتاه رجل معه فرس "عقوق"، أي حامل، وقيل: حائل، وقيل: هو من التفاؤل كأنهم أرادوا أنها ستحمل إن شاء الله. وفيه: يغدو إلى بطحان "والعقيق"، هو واد من أودية المدينة، وورد أنه واد مبارك. ك: ومنه: أتاني آت "بالعقيق"، والآتي جبرئيل، ولعل المراد بصل سنة الإحرام، وقل: عمرة في حجة، أي مدرجة في حجة- يعني القرآن، أو في بمعنى مع. نه: وفيه: إن "العقيق" ميقات أهل العراق، وهو موضع قريب من ذات عرق، وهو اسم مواضع أخر كثيرة، وكل موضع شققته من الأرض فهو عقيق، والجمع أعقة وعقائق.
ع ق ق : الْعُقَّافَة وِزَانُ تُفَّاحَةٍ وَرُمَّانَةٍ هِيَ الْمِحْجَنُ وَعَقَفَهُ عَقْفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَانْعَقَفَ عَطَفَهُ فَانْعَطَفَ وَعَقَفْتُ الشَّيْءَ تَعْقِيفًا عَوَّجْتُهُ.

(ع ق ق) : عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ عَقَّا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَالِاسْمُ الْعَقِيقَةُ وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ يَوْمَ الْأُسْبُوع.
وَفِي الْــحَدِيثِ «قُولُوا نَسِيكَةٌ وَلَا تَقُولُوا عَقِيقَةٌ» وَكَأَنَّهُ رَآهُمْ تَطَيَّرُوا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فَقَالَ قُولُوا نَسِيكَةٌ وَيُقَالُ لِلشَّعْرِ الَّذِي يُولَدُ عَلَيْهِ الْمَوْلُودُ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ عَقِيقَةٌ وَعَقِيقٌ وَعِقَّةٌ بِالْكَسْرِ وَيُقَالُ أَصْلُ الْعَقِّ الشَّقُّ يُقَالُ عَقَّ ثَوْبَهُ كَمَا يُقَالُ شَقَّهُ بِمَعْنَاهُ وَمِنْهُ يُقَالُ عَقَّ الْوَلَدُ أَبَاهُ عُقُوقًا مِنْ بَابِ قَعَدَ إذَا عَصَاهُ وَتَرَكَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ فَهُوَ عَاقٌّ وَالْجَمْعُ عَقَقَةٌ.

وَالْعَقِيقُ الْوَادِي الَّذِي شَقَّهُ السَّيْلُ قَدِيمًا وَهُوَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ عِدَّةُ مَوَاضِعَ مِنْهَا الْعَقِيقُ الْأَعْلَى عِنْدَ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَلِي الْحُرَّةَ إلَى مُنْتَهَى الْبَقِيعِ وَهُوَ مَقَابِرُ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهَا الْعَقِيقُ الْأَسْفَلُ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهَا الْعَقِيقُ الَّذِي يَجْرِي مَاؤُهُ مِنْ غَوْرَيْ تِهَامَةَ وَأَوْسَطُهُ بِحِذَاءِ ذَاتِ عِرْقٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَتَّصِلُ بِعَقِيقَيْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَجَمْعُ الْعَقِيقِ أَعِقَّةٌ وَالْعَقِيقُ حَجَرٌ يُعْمَلُ مِنْهُ الْفُصُوصُ.

وَالْعَقْعَقُ وِزَانُ جَعْفَرٍ طَائِرٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهِ. 
(عقق) - في حديث أبي إدْريسَ: "مَثَلُكُم وَمَثلُ عائِشَةَ - رَضي الله عنها - مَثَلُ العَيْنِ فيِ الرَّأسِ تُؤذِي صَاحِبَها، ولا يَسْتَطِيعُ أن يَعُقَّها إلاّ بالَّذِي هو خيْرٌ لها". أصل العَقّ: القَطْعُ والشَّقُّ: يقال: عقَّ ثَوبَه: أي شَقَّه؛ ومنه الوَلَدُ العَاقُّ، والرَّحِم العَقُوِق.
- في الــحديث: "أتاه رَجلٌ معه فرسٌ عَقُوق"
: أي حَامِلٌ. وقيل: حَائِل، وهو من الأَضْداد.
قال أَبو حَاتِم: أَظنُّ أنّ هذا من التَّفَاؤل، كأنهم أَرادُوا أنها سَتَحْمِل إن شَاءَ الله.
- في الــحديث : "الغُلامُ مُرْتَهَن بِعَقِيقتِه"
ذُكِر عن أحمدَ بنِ حَنْبل - رحمه الله - أَنَّ مَعْنَاه أَنَّ أباه يُحَرمُ شَفاعةَ وَلَدِه إذا لم يَعُقَّ عنه.
- في الــحديث: "أَيُّكم يُحبُّ أن يَغْدُوَ إلى بُطْحَانَ أو العَقِيقَ"
والعَقِيق هذا عَقِيقُ المَدِينة وادٍ من أَودِيَتِها - مسِيلٌ للماء الذي ورد ذِكرُه في الأَحادِيثِ، وأَنَّه وادٍ مُبارَك.
- وفي حديث آخر: "إنَّ العَقِيقَ مِيقاتُ أهلِ العِراقِ"
وهذا غَيرُ ذَلك، كما أَنَّ بَطْحانَ الذي ذُكِر مع العَقِيقِ ليس بِبَطْحاءِ مكَّةَ وأَبْطَحِها الذي ضُرِبَتْ بها قُبَّتُه حين حجَّ.
قال الجَبَّان: قِيلَ للوَادِي المعَروفِ بالمدينة: العَقِيقُ؛ لأنه كان عُقَّ: أي شُقَّ، فهو عَقِيقٌ بمعنى مَعْقُوق. وكُلُّ شيءٍ شقَقْتَه من الأرضِ فهو عَقِيقٌ. والجمع أعِقَّة وعَقائِقُ.
وفي بِلادِ العَرَب عَقائِقُ كَثيرَة. كُلُّ واحد منها يُسَمَّى العَقِيقَ.
- في حديث عمر - رضي الله عنه -: كُتِبَ إليه بأَبْيَاتٍ في صحيفة منها:
فَمَا قُلُصٌ وُجِدْن مُعَقَّلات ... قَفَا سَلْعٍ بمُخْتَلَف التِّجَارِ 
يعني نساءً مُعقَلاتٍ لأزواجهنّ، كما تُعَقَّل النُوقُ عند الضِّراب.
ومن الأَبْياتِ أيضا:
* يُعَقَّلهُنّ جَعْدَةُ من سُلَيْم *
أرادَ أنه يَتَعرَّض لهُنَّ، فَكنَى بالعَقْلِ عن الجماع: أي أَنَّ أزواجَهنّ يُعَقِّلُونَهُنّ، وهو يُعَقِّلُهُنَّ أيضا، كأنَّ البَدْءَ للأَزْواجِ والإعادةَ له
[عقق] العَقيقَةُ: صوت الجَذَعِ. وشَعَرُ كلِّ مولودٍ من الناس والبهائم الذى يولد عليه عقيقة، وعقيقة، وعِقَّةٌ أيضاً بالكسر. قال ابن الرقاع يصف حماراً: تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عنه فأنْسَلَها واجْتابَ أخرى جديداً بعد ما ابْتَقَلا ومنه سمِّيت الشاة التي تُذبحُ عن المولود يوم أسبوعه عَقيقَةً. وقال أبو عبيد: العِقَّةُ في الناس والحُمُرِ، ولم نسمعه في غيرهما. وعَقيقَةُ البرقِ: ما انْعَقَّ منه، أي تَضَرَّبَ في السحاب، وبه شبِّه السيف. قال عنترة وسيفي كالعَقيقةِ فهو كِمْعي سلاحي لا أفل ولافطارا وكل انشقاق فهو انْعقاقٌ، وكل شقٍّ وخرقٍ في الرمل وغيره فهو عَقٌّ. ويقال: انعَقَّتِ السحابة، إذا تَبَعَّجت بالماء. والعقيق: ضرب من الفصوص. والعقيق: واد بظاهر المدينة. وكل مسيلٍ شَقَّه ماء السيل فوسَّعه فهو عَقيقٌ، والجمع أعِقّةٌ. وعَقَّ بالسهم، إذا رمى به نحو السماء. وينشد للهذليّ : عَقُّوا بسهمٍ ثم قالوا صالِحوا يا ليتني في القوم إذا مسحوا اللحى وذلك السهم يسمَّى عَقيقةً، وهو سهم الاعتذار، وكانوا يفعلونه في الجاهلية. فإن رجع السهم ملطخا بالدم لم يرضوا إلا بالقود، وإن رجع نقيا مسحوا لحاهم وصالحوا على الدية، وكان مسح اللحى علامة للصلح. قال ابن الاعرابي: لم يرجع ذلك السهم إلا نقيا. ويروى: " عقوا بسهم " بفتح القاف، وهو من باب المعتل. وينشد  عقوا بسهم فلم يشعُر به أحدٌ ثمَّ استفاءوا وقالوا حبذا الوضح وعق عن ولده يعق عَقًّا، إذا ذَبَح عنه يوم أسبوعه، وكذلك إذا حلق عَقيقَتَهُ. وعَقَّ والدَه يَعُقُّ عُقوقاً ومَعَقَّةً، فهو عاق وعقق مثل عامر وعمر، والجمع عققة مثل كفرة. وفي الــحديث: " ذُقْ عُقَقُ " أي ذُقْ جزاءَ فعلك يا عاقُّ. قاله بعضهم لحمزة رضى الله عنه وهو مقتول. تقول منه: أعَقَّ فلانٌ، إذا جاء بالعُقوقِ. وأعَقَّتِ الفرسُ، أي حملتْ فهي عَقوقٌ، ولا يقال مُعِقٌّ إلا في لغة رديئة وهو من النوادر، والجمع عُقَقٌ، مثل رسول ورسل. ونَوى العَقوقِ: نوًى رِخْوٌ تعلفُهُ الإبلُ العُقَقُ. وربَّما سمُّوا تلك النواة عَقيقَةً. والعِقاقُ: الحوامل من كل حافرٍ، وهو جمع عُقُقٍ، مثل قلص وقلاص، وسلب وسلاب. والعَقاقُ بالفتح: الحَمْلُ. يقال: أظهرت الاتان عقاقا، وكذلك العقق. قال عدى ابن زيد: وتركت العير يدمى نحره ونحوصا سمحجا فيها عقق وقولهم: " طلب الأبلَقَ العَقوقَ " مثلٌ لما لا يكون، وذلك إن الأبلق ذَكَرٌ ولا يكون الذكر حاملاً. وأمَّا قول الشاعر، أنشده ابن السكيت: ولو طَلَبوني بالعَقوقِ أتيتُهُمْ بألفٍ أؤدِّيهِ إلى القوم أقْرَعا فيقال الابلق، ويقال موضع. والعقعق: طائر معروف، وصوته العقعقة. وعقه: بطن من النمر بن قاسط، ومنه قول الاخطل: ومُوَقِّع أَثَرُ السِفارِ بِخَطْمِهِ من سُودِ عَقة أو بني الجَوَّال وماء عُقٌّ مثل قُعٍّ. وأعَقَّه الله، أي أمَرَّهُ، مثل أقَعَّهُ. وعِقَّانُ النخيل والكروم: ما يخرج من أصولها. وإذا لم تقطع العِقَّانُ فسدت الأصول. وقد أعَقَّتِ النخلة والكرمة. 
عقق
! العَقيقُ، كأمِير: خَرَزٌ أحْمَر تُتّخذُ مِنْهُ الفُصوصُ، يكون باليَمَن بالقُرْبِ من الشِّحْر. يتكوّن ليَكُون مَرْجاناً، فيمنَعُه اليُبْس والبَرْد. قَالَ التّيفاشِيّ: يُؤْتَى بِهِ من اليَمَن من مَعادِن لَهُ بصَنْعاءَ، ثمَّ يؤتَى بِهِ الى عَدَن، وَمِنْهَا يُجْلَب الى سائِرِ البلادِ. قلتُ: وَقد تقدّم للمصنِّفِ فِي ق ر أأن معدِن العَقيق فِي موضِع قُرب صَنعاءَ يُقال لَهُ: مُقرأ. وبسَواحِل بحْرِ روميّة مِنْهُ جنْسٌ كدِرٌ، كماءٍ يجْري من اللّحْمِ المُمَلَّح، وَفِيه خُطوطٌ بيضٌ خفيّةٌ. قلت: وَهُوَ المَعْروف بالرُّطَبيّ، قالَه التّيفاشيُّ. وأجودُ أنواعِه الْأَحْمَر، فالأصْفر، فالأبيضُ، وغيرُها رَديء. وَقيل: المُشَطَّبُ مِنْهُ أجْوَد، وَهِي أصْليّةٌ لَا مُنقَلِبَة بالطّبْخ، كَمَا ظُنّ. حقّقه داودُ فِي التّذْكِرة. وَمن خَواصّ الْأَحْمَر مِنْهُ أنّ: مَنْ تخَتّم بِهِ سكَنَت روعتُه عِنْد الخِصام وَزَالَ عَنهُ الهمُّ والخَفَقان، وانْقَطَع عَنهُ الدّم من أَي موضِع كَانَ ولاسيّما النِّساء اللّواتي يَدُوم طمْثُهن، وشُربُه يُذهِب الطِّحال ويفْتَحُ السُّدَد. ونُحاتَةُ جَمِيع أصنافِه تُذهِب حفَر الأسْنان. ومحْروقُه يثبِّت متحَرِّكَها ويشُدُّ اللِّثَة. وَقد وردَ فِي بعْض الْأَخْبَار: تختّموا {بالعَقيقِ فإنّه برَكَة. وَقَالَ صاحبُ اللِّسان: ورأيتُ فِي حاشيةِ بعْضِ نُسَخ التّْذيب الموْثوق بهَا.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: سُئل إبْراهيمُ الحَرْبيُّ عَن الــحَدِيث: لَا تخَتّموا بالعَقيق فَقَالَ: هَذَا تصْحيفٌ، إِنَّمَا هُوَ لَا تُخَيِّموا بالعَقيق أَي: لَا تُقيموا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ خَراباً الواحِدةُ بهاءٍ، ج: عَقائِق. والعَقيقُ: الْوَادي، ج: أعِقّة وعَقائِقُ. (و) } العَقيقُ: كُلُّ مَسيلٍ شَقّه ماءُ السّيْل فأنْهَرَه ووسّعه، والجَمْع كالجَمْع.
والعَقيقُ: ع بالمَدينة على ساكنِها أفضَلُ الصّلاةِ والسّلام، فِيهِ عُيونٌ ونَخيلٌ، وَهُوَ الَّذِي وردَ ذِكرُه فِي الــحَدِيث: أَنه وادٍ مُباركٌ كأنّه عُقَّ، أَي: شُقَّ، غلَبت الصِّفةُ عَلَيْهِ غلَبةَ الاسْم، ولزِمَتْه الألِف واللاّم لِأَنَّهُ جُعِلَ الشّيء بعَيْنه، على مَا ذهَب إِلَيْهِ الخَليلُ فِي أسْماءِ الأعْلامِ الَّتِي أصلُها الصّفة كالحارِث والعبّاس. وَأَيْضًا: موضِع باليَمامَة وَهُوَ وادٍ واسعٌ ممّا يَلي العرَمة، تتدفّق فِيهِ شِعابُ العارِض، وَفِيه عُيون عذْبة الماءِ. وَأَيْضًا: مَوضِع بتِهامَة وَمِنْه الــحَدِيث: وقّتَ لأهْل العِراقِ بطْنَ العَقيق. قَالَ الأزهريُّ: أرادَ العَقيقَ الَّذِي بالقُرْبِ من ذاتِ عِرْق قبلَها بمَرْحَلة أَو مرْحلَتَيْن. وَهُوَ الَّذِي ذكَره الشافِعيُّ رحِمه الله فِي المَناسِك، وَهُوَ قَوْله: وَلَو أهَلّوا من العَقيق كَانَ أحبَّ إليّ. وَأَيْضًا: موضِع بنَجْد يُقال لَهُ: عَقيقُ القَنان، تجْرِي إِلَيْهِ مياهُ قُلَل نجْدٍ وجِبالِه.
والعَقيق: ستّة مواضِع أُخَر وَهِي أودِيَة شقّتْها السَّيْلُ عاديّةٌ، مِنْهَا العَقيقان: بلدان فِي بِلَاد بني عامِر من ناحيةِ الْيمن، فَإِذا رأيتَ هَذِه اللفظَة مُثنّاةً فإنّما يفعْنى بهَا ذانِكَ البَلَدان، وَإِذا رأيتَها)
مُفْردَة فقد يجوزُ أَن يُعْنَى بهَا العَقيق الَّذِي هُوَ وادٍ بالحجاز، وَأَن يُعْنى بهَا أحد هذَيْن البلَدين لأنّ مثْل هَذَا قد يُفْرد، كأبانَيْن. والعَقيقُ: شعَر كُلِّ موْلود يخرجُ على رأسِه فِي بطْنِ أمّه من النّاس. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَكَذَلِكَ من البَهائِم، {كالعِقّة بِالْكَسْرِ، والعَقيقَة كسَفينة. وَأنْشد الأزهريُّ للشَّمّاخ:
(أطار} عَقيقَه عَنهُ نُسالاً ... وأُدمِج دَمْجَ ذِي شَطَنٍ بَديعِ)
أَرَادَ شَعْره الَّذِي يولَد عَلَيْهِ أنّه أنْسَله عَنهُ. وَأنْشد أَبُو عُبَيد لِابْنِ الرِّقاع يصف العَيْر:
(تحسّرَتْ {عِقّةٌ عَنهُ فأنْسَلَها ... واجْتابَ أخْرى جَديداً بَعْدَمَا ابْتَقَلا)
يَقُول: لمّا تربّع وأكَلَ بُقولَ الرّبيع أنْسَلَ الشّعرَ المولودَ مَعَه، وأنْبَتَ الآخر، فاجْتابَه، أَي: اكْتَساه. وَفِي الــحَدِيث: كُلّ موْلودٍ مُرْتَهَنٌ} بعَقيقَتِه أَي: العَقيقةُ لازِمةٌ لَهُ، لابُدّ لَهُ مِنْهَا. قَالَ الليثُ: وَإِذا سقَطَ عَنهُ الشّعْر مرّةً ذهبَ ذَلِك الاسْم مِنْهُ. قَالَ امْرُؤ القَيس:
(يَا هِنْدُ لَا تنْكِحي بوهَةً ... عليهِ {عَقيقَته أحْسَبا)
وَقد مرّ تمامُ الأبيات فِي ر س ع يصِفُه باللّؤْم والشُحِّ، أَي: لم يحْلِق عَقيقَتَه فِي صغَرِه حتّى شاخ. وَقَالَ زُهير:
(أذلِك أمْ أقَبُّ البَطْنِ جأْبٌ ... عَلَيْهِ من} عَقيقَتِه عِفاءُ)
وَفِي الــحَدِيث: إِن انفَرَقَتْ عَقيقتُه فرَق أَي شعره، سُمّي! عَقيقةً تشْبيهاً بشَعْر الْمَوْلُود. أَو {العِقّة بالكَسْر فِي الحُمُر والنّاس خاصّة وَلم تُقَلْ فِي غيْرهما، قَالَ أَبُو عُبَيد. قَالَ عديُّ بنُ زيْد العِباديّ يصِف حِماراً:
(صَيِّتُ التّعْشير رَزّامُ الضُحى ... ناسِلٌ} عِقّته مثلُ المَسَدْ)
ج: {عِقَق كعِنب. قَالَ رؤبةُ: كالهَرَويّ انْجابَ عَن لَيْلِ البَرَقْ طيّر عَنْهَا النّسْرُ حوْلِيَّ} العِقَقْ النَّسْر: السِّمَن. {والعَقيقةُ أَيْضا: صوفُ الجذَع كَمَا أنّ الجَنيبة: صوف الثّنِيّ. وسُمّيَت الشّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عِنْد حلْقِ شعَر الموْلودِ} عَقيقة لأنّه يُحْلَقَ عَنهُ ذلِك عندَ الذّبْح، وَلذَا جَاءَ فِي الــحَدِيث: فأهرِيقوا عَنهُ دَمًا، وأميطُوا عَنهُ الأذَى يَعْنِي بالأذَى ذلِك الشَّعَر الَّذِي يُحْلَق عَنهُ، وَهَذَا من الأشياءِ الَّتِي ربّما سُمّيتْ باسْم غيْرِها إِذا كَانَت معَها، أَو من سَبَبِها. وَفِي الــحَدِيث: أَنه سُئلَ عَن)
العَقيقَة فَقَالَ: لَا أحِب {العُقوقَ لَيْسَ فِيهِ توْهينٌ لأمر} العَقيقة، وَلَا إسْقاطٌ لَهَا، وَإِنَّمَا كرِه الاسمَ، وأحَبَّ أَن تُسَمّى بأحْسَن مِنْهُ، كالنّسيكَةِ، والذّبيحَة، جرْياً على عادَتِه فِي تغْيير الاسْم القَبيح.
وجعَل الزّمَخْشَريُّ الشَّعر أصْلاً، والشّاة المذبوحةَ مُشتَقّة مِنْهُ. والعَقيقَةُ من البَرْقِ: مَا يبْقَى فِي السَّحابِ من شُعاعِ، قَالَه اللّيثُ. وَقَالَ غيرُه: عَقيقةُ البَرْق: مَا انْعقّ مِنْهُ، أَي: تسرّب فِي السَّحاب كالعُقَقِ، كصُرَد. وَقيل: {العَقيقة} والعُقَق: البَرْق إِذا رأيتَه وسط السّحاب كأنّه سيْف مسْلول قَالَ اللّيث: وَبِه تُشَبَّه السّيوفُ فتُسمّى عَقائِقَ. قَالَ عنْتَرَةُ:
(وسَيْفي! كالعَقيقَةِ فَهُوَ كِمْعِي ... سِلاحي لَا أفَلَّ وَلَا فُطارا) وَأنْشد اللّيثُ لعَمْرو بنِ كُلْثوم:
(بسُمْرٍ من قَنا الخَطّيِّ لُدْنٍ ... وبيضٍ {كالعَقائِقِ يجْتَلينا)
وَفِي الأساس: مَا أدْري شِمْتَ عَقيقَة أم شِمتُ} عقيقة أَي: سَللتَ سَيفاً أم نظَرتُ الى برْقٍ. وَهِي البَرقَة الَّتِي تستَطيل فِي عُرْضِ السّحابِ، وَقد أكثَروا استِعارَتَها للسّيف، حَتَّى جعَلوها من أسمائِه، فَقَالُوا: سَلّوا {عَقائِقَ} كالعَقائِق. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: العَقيقَة: المَزادَة. والعَقيقَة: النّهْر.
والعَقيقَة: العِصابةُ سَاعَة تُشَقُّ من الثّوْب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة، وابنُ الأعرابيّ أَيْضا: العَقيقَة: غُرْلَة الصّبيّ إِذا خُتِن. وَالْأَصْل فِي كلِّ ذَلِك {عَقّ} يعُقّ {عقّاً: إِذا شقّ وقطَع، فَهُوَ} معْقوقٌ {وعَقيقٌ. وَمِنْه تسمِيَةُ شَعَر الموْلودِ عَقيقَة، لِأَنَّهُ إِن كَانَ على رأسِ الإنسيّ حُلِقَ وقُطِع، وَإِن كَانَ على البَهيمة فإنّها تُنْسِلُه. والذّبيحَة تُسمّى عَقيقة لِأَنَّهَا تُذبَح، فيُشَقّ حُلْقومها ومَريئُها وودَجاها قطْعاً، كَمَا سُمّيَت ذَبيحةً بالذّبْح، وَهُوَ الشّقُّ. (و) } عقّ عَن الْمَوْلُود {يعِقُّ} ويَعُقّ: حلَق {عَقيقَتَه، أَو ذبَح عَنهُ شَاة.
وَفِي التّهذيب والصِّحاح: يومَ أسبوعِه، فقيّدَه بالسّابع. قَالَ اللّيثُ: تُفصَل أعضاؤُها، وتُطْبَخُ بماءٍ ومِلْح، فيَطْعَمُها الْمَسَاكِين. وَفِي الــحَدِيث: أنّ النّبي صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم عقّ عَن الْحسن والحُسين رَضِي الله عَنْهُمَا. وعقّ بالسّهْم: إِذا رمَى بِهِ نحْوَ السّماءِ، وذلِك السّهمُ يُسَمّى} عَقيقةً وَهُوَ سهم الاعْتِذار، وَكَانُوا يفعَلونه فِي الجاهليّة، فَإِن رجَع السّهم مُلطَّخاً بالدّم لم يرْضوا إِلَّا بالقَوْد، وَإِن رجعَ نقيّاً مسَحوا لِحاهُم، وصالَحوا على الدِّيّة. وَكَانَ مسْحُ اللِّحَى عَلامَة للصُّلْح، كَمَا فِي العُباب. وَفِي اللّسان: أصلُه أَن يُقتَل رجلٌ من القَبيلة، فيُطالَب القاتِلُ بدَمِه، فتجْتَمع جَماعة من الرّؤساءِ الى أولياءِ القَتيل، ويعْرِضون عَلَيْهِم الدِّيَة، ويسألون العَفْوَ عَن الدّم، فإنْ كَانَ وليُّه قَوِيا حَميّاً أَبى أخعذَ الدِّيَة، وَإِن كانَ ضَعيفاً شاورَ أهلَ قبيلَتِه، فَيَقُول للطّالِبين: إنّ)
بينَنا وَبَين خالِقنا عَلامَة للأمْر والنّهْي، فيقولُ لَهُم الآخَرون: مَا عَلامَتُكم فَيَقُولُونَ: نأخذُ سهْماً فنُركِّبُه على قوْس، ثمَّ نرْمي بِهِ نَحْو السّماء، فَإِن رجعَ إِلَيْنَا مُلَطَّخاً بالدّم فقد نُهينا عَن أخذِ الدِّية، وَلم يرْضَوا إِلَّا بالقَوَد، وَإِن رجَعَ نقِياً كَمَا صعَد فقد أُمِرْنا بأخذِ الدِّية، وصالَحوا، فَمَا رجَع هَذَا السّهمُ قطُّ إِلَّا نقِيّاً، وَلَكِن لَهُم بِهَذَا عُذْر عِنْد جُهّالِهم. وَقَالَ شاعِرٌ من أهل الْقَتِيل وَقيل: من هُذَيْل. وَقَالَ ابنُ بَرّي: هُوَ للأشْعَر الجُعْفِيّ وَكَانَ غائِباً عَن هَذَا الصُلْح:
( {عَقّوا بسَهْمٍ ثمّ قَالُوا صالِحوا ... يَا ليتَني فِي القَوْم إذْ مسَحوا اللِّحَى)
قَالَ الأزهَريُّ: وَأنْشد الشافِعي للمُتَنَخِّل الهُذَلي:
(عقّوا بسَهْمٍ وَلم يشْعُر بِهِ أحدٌ ... ثمَّ استفاءُوا وَقَالُوا حبّذا الوضَحُ)
أخْبَرَ أنّهم آثَروا إبِلَ الدِّيَة وألبانَها على دمِ قاتِل صاحِبهم. والوَضَح هَاهُنَا: اللّبَن. ويُروى عقّوا بسَهم بِفَتْح الْقَاف، وَهُوَ من بابِ المُعْتَلّ.} وعقَّ والِدَه {يعُق} عقًّا، و {عُقوقاً بالضّمِّ} ومَعَقّة: شَقّ عَصا طاعَتِه، وَهُوَ ضِدُّ بَرَّه وَقد يُعَمّ بلَفْظ العُقوق جميعُ الرّحِم. وَفِي الــحَدِيث: أكبَرُ الكَبائِر الإشراكُ بِاللَّه، وعُقوق الوالِدَين، وقَتْلُ النّفْس، واليَمين الغَموس. وَأنْشد لسَلَمة المخْزوميّ:
(إنّ الْبَنِينَ شِرارُهم أمثالُه ... مَنْ عقّ والدَه وبَرَّ الأبعدا)
وَقَالَ زُهَير: (فأصْبحْتُما فِيهَا على خيْرِ موْطِن ... بعيدَيْنِ فِيهَا من عُقوق ومأثَمِ)
وَقَالَ آخر، وَهُوَ النَّابِغَة:
(أحْلامُ عادٍ وأجْسامٌ مطهَّرَةٌ ... من {المَعَقّةِ والآفاتِ والأثَمِ)
فَهُوَ} عاقٌّ {وعَقٌّ. وَمِنْه قولُ الزَّفَيان واسمُه عَطاءُ بنُ أُسَيد: أَنا أَبُو المِرْقاِ} عَقّاً فَظّا لمَن أُعادِي مِدْسَرا دَلَنْظَى هَكَذَا أنشدَه الصَّاغَانِي، وروايةُ ابْن الأعرابيّ هَكَذَا: أَنا أَبُو المِقْدام {عَقّاً فَظّا بِمن أُعادي مِلْطَساً مِلَظّا أكُظُّه حَتَّى يموتَ كَظّا ثُمَّتَ أُعْلي رأسَه المِلْوَظّا)
صاعِقَةً من لَهَبٍ تلظّى قيل: أَرَادَ} بالعَقّ هُنا {العاقّ، وقيلَ: المُرُّ من الماءِ} العُقاق، كَمَا سَيَأْتِي، {وعَقَقٌ، مُحرَّكة هَكَذَا فِي سائِر النُسَخ، وَالصَّوَاب:} عُقَق، كعامِرٍ وعُمَر، معْدولٌ من عاقّ للمُبالغة، كغُدَرٍ من غادِرٍ، وفُسَق من فاسِق. وَمِنْه قَول أبي سُفْيان يومَ أُحُد لحَمْزَة رَضِي الله عَنهُ حِين رَآهُ مقْتولاً: ذُقْ عُقَقُ أَي: ذُق جَزاءَ فِعلِك يَا {عاَقّ، كَمَا فِي الصِّحاح. ويُروى أَيْضا: رجُلٌ عُقُق بضمّتين أَي: عاقٌّ، كَمَا فِي اللّسان جمْع الأولى:} عقَقَة، مُحرَّكَة ككافر وكفَرة، كَمَا فِي الصّحاح، زَاد الصاغانيّ: {وعُقَّق، مِثَال سُكَّر. وَأنْشد لرؤْبَة: من العِدا والأقربينَ} العُقَّقا {وعَقاقِ، كقطام: اسْم من} العُقوقِ كَمَا فِي العُباب. ونقلَه ابْن بَرّي أَيْضا، وَأنْشد لعَمْرة بنتِ دُريد ترْثيه: (لعَمْرُك مَا خشيتُ على دُرَيْدٍ ... ببَطْنث سُمَيْرةٍ جيْش العَناقِ)

(جَزَى عنّا الإلهُ بَني سُلَيْمٍ ... {وعقّتْهُم بِمَا فَعَلوا} عَقاقِ)
وماءٌ {عُقٌّ} وعُقاقٌ، بضمِّهما أَي: مُرٌّ شَديدُ المَرارة، أَو مُرٌ غليظ، الواحِدُ والجَمْعُ سَواءٌ مثل قُعّ وقُعاع. وفَرَسٌ {عَقوق، كصَبور: حائِلٌ، أَو حامِل، وَذَلِكَ إِذا انفتَق بطْنُها واتّسَع للولَد ضِدٌّ. قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الأضداد: زعَم بعضُ شيوخِنا أنّ الفرَس الحامِل يُقال لَهَا: عَقوق، وَيُقَال أَيْضا للحائِل: عَقوقٌ. وَفِي الــحَدِيث: أَتَاهُ رجُلٌ مَعَه فرَسٌ عَقوقٌ، أَي: حائِل أَو هُوَ على التّفاؤل كَمَا ظنّه أَبُو حَاتِم قَالَ: كأنّهم أَرَادوا أنّها ستحْمِل إِن شاءَ الله تَعَالَى. قَالَ الأزهريّ: وَهَذَا يفرْوى عَن أبي زيْد ج:} عُقُقٌ، بضمّتين كقَلوصٍ وقُلُصٍ، كَمَا فِي العُباب. ونظّره الجوْهَريُّ برَسولٍ ورسُل. قَالَ رؤبَة يصِف صائِداً: وسَوْسَ يدْعو مُخْلِصاً ربَّ الفَلَقْ سِرّاً وَقد أوّن تأْوينَ العُقُقْ يُروى أوّن على وزن فعّل، يُريد الواحدَ من الحَمير، والأوْنُ: العِدْلُ، أَي: شرِبَ حَتَّى صَار كأنّه فرَسٌ حامِل، ويُروى: أوّنَّ على وزن فعّلْن يُريد بذلِك الجماعةَ مِنْهُم، أَي شربْن حَتَّى كأنّ كُلَّ واحدَة منهنّ {عَقوقٌ، أَي: حَامِل، فشبّه بطونَها بالأعْدالِ. جج أَي جمْع الجَمْع: عِقاقٌ ككِتاب مثل قُلُص وقِلاص. وَقد} عقّت {تعِقُّ من حدّ ضرَبَ، وَمِنْه الــحَدِيث: من أطْرَقَ مُسلِماً،} فعقّت لَهُ)
فرسُه، كَانَ لَهُ كأجرِ كَذَا {عقّتْ أَي: حملَت} عَقاقاً كسَحاب {وعَققاً مُحرَّكة} وأعَقّت، وَسَيَأْتِي قَرِيبا فِي كَلامِ المُصنِّف أَو {العَقاق، كسَحابٍ، وكِتاب: الحَمْلُ بعَيْنِه. قَالَ أَبُو عمْرو: أظْهَرت الأتانُ} عَقاقاً، بِفَتْح الْعين: إِذا تبيّن حمْلُها. ويُقال للجَنين: عَقاقٌ. قَالَ:
(جَوانِحُ يمْزَعْنَ مزْعَ الظِبا ... ءِ لم يتّرِكْنَ لبَطْنٍ عَقاقا)
أَي: جَنيناً. هَكَذَا قَالَ الشّافِعيّ: {العَقاقُ بِهَذَا المعْنى فِي آخِر كِتاب الصّرفِ. وَأما الأصمعيُّ فإنّه يَقُول العَقاق مصْدر العَقوق. قَوْله:} والعَقَقُ، مُحرَّكة: الانْشِقاقُ هَكَذَا فِي سَائِر النُسَخ، والصّوابُ {كالعَقَق محرّكةً، أَي: بِمَعْنى الحَمْلِ، كَمَا فِي اللّسان والصِّحاح والعُباب. يُقال: أظْهَرت الأتانُ} عقَقاً، أَي: حمْلاً. وأنشَدوا لعَديّ بنِ زَيْدٍ العِباديّ:
(وترَكْتُ العَيْر يدْمَى نحْرُه ... ونَحوصاً سَمْحَجاً فِيهَا {عَقَقْ)
وَأما} العَقَق، محركةً، بمعْنى الانشِقاق فخطأٌ ينْبَغي التّنَبُّه لذَلِك، وَالله أعلم. وَفِي الْمثل: أعزّ من الأبلَق {العَقوق:
(طلَب الأبْلَقَ} العَقوقَ فلمّا ... لم ينَلْه أرادَ بيْضَ الأنوقِ)
وَمن أمثالِهم أَيْضا فِي الرّجُل يسألُ مَا لَا يكون، وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ: كلّفتَني الأبْلَق العَقوقَ.
ومثلُه: كلّفْتَني بَيْضَ الأنوقِ. وَقيل: الأبْلَقُ العَقوق: الصُّبح لِأَنَّهُ ينْشَقّ. وَقد مرّ مَا يتعلّق بِهِ فِي: ب ل ق وأ ن ق فراجعْه. ويُقال: أهشُّ من نَوَى العَقوق وَهُوَ نَوًى هشٌّ أيّ رِخْو لَيِّنُ المَمْضَغَةِ تأكُله العَجوز أَو تَلوكُه، تُعْلَفُه النّاقةُ العَقوق إلْطافاً لَهَا، فلِذلك أُضيف إِلَيْهَا. قَالَ اللّيثُ: وَهُوَ من كَلَام أهْل البَصْرة، وَلَا تعرِفُه الأعرابُ فِي بادِيَتها.! وعَقّةُ: بطْنٌ من النَّمِر بنِ قاسِط بنِ هِنْب بنِ أفْصَى بن بُعْمِيّ بن جَديلَة قَالَ الأخْطَل:
(ومُوَقَّع أثَرُ السِّفارِ بخَطْمِه ... من سودِ عَقّةَ أَو بَني الجوّالِ)
الموقَّع: الَّذِي أثّر القَتَبُ على ظهْرِه. وَبَنُو الجوّال فِي بَني تغْلِب. وَقَالَ ابنُ الكَلبيّ فِي الجَمْهَرة: فمِنْ بَني هِلال {عقّةُ بنُ البِشْرِ بنِ هِلالِ بنِ البِشْر بن قيْس بنِ زُهَيْر بنِ عقّة بن جُشَم بن هِلال بنِ رَبيعةَ بنِ زَيد مَناةَ الَّذِي كَانَ على بني النَّمِر يومَ عيْنِ التّمر، لَقيَهُم خالِدُ بنُ الوَليد، فقتَله خالدُ بنُ الوَليد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وصلَبه. قلت: وَالَّذِي فِي أنْسابِ أبي عُبَيد القاسِم بنِ سَلاّم مَا نصُّه: وَكَانَت أوسُ مَناة من النّمِر بن قاسِط أُبيدُوا يَوْم لَقِيَهم خالدُ بنُ الوَليد فِي زَمَن أبي بكْر رَضِي الله عَنْهُمَا، ورَئِيسهم يَوْمئِذٍ لَبيدُ بنُ عُتْبة، يُقَال: هُوَ رَئيسُ أوْس خاصّة، ثمَّ قَالَ:)
وَمن بَني تَيْم الله من النَّمِر الضّحْيان، واسمُه عامرُ بن سَعْد بنِ الخَزْرج بنِ تيْم الله، وَأَخُوهُ عَوفُ بنُ سعْد، من ولَده عَقّةُ بنُ قيْس بنِ بِشر: كَانَ على بَني النَّمِر يَوْم لَقيَهم خالدُ بن الوَليد بعَيْن التّمر، فقتلَه وصلَبَه. وَقَالَ ابنُ دُريد: العَقّةُ: البَرْقَةُ المُستَطيلة فِي السّماءِ. وَفِي الأساس: فِي عُرْضِ السّحاب. زَاد غيرُه: كأنّه سيفٌ مسْلول. والعَقّة: حُفْرةٌ عَميقةٌ فِي الأرضِ والجمعُ} عَقّات {كالعِقّ، بالكَسْر. هَكَذَا فِي النُّسَخ، وَالصَّوَاب بالفَتْح، وَهُوَ حفْر فِي الأَرْض مُستطَيلٌ، سُمِّيَ بالمَصْدر، كَمَا فِي اللّسان.} والعُقّة، بالضّمِّ: الَّتِي يلعَبُ بهَا الصِّبْيان كَمَا فِي اللِّسَان. وَفِي الصِّحاح: {عِقّانُ النّخيل والكُرومِ، بِالْكَسْرِ: مَا يخرُج من أصولِهما. وَفِي الصِّحاح والعُباب: من أصولِها، وَإِذا لم تُقْطَع} العِقّانُ فسدَت الْأُصُول. وَقد {أعقّت} إعقاقاً: أخرَجَتا {عِقّانَهما.} وعَواقُّ النّخْل: رَوادِفُه، وَهِي فُسْلانٌ تنبُت مَعَه كَمَا فِي العُباب. {والعَقْعَقُ كجَعْفَر: طائِرٌ معْروف فِي حجْم الحَمامِ أبْلَقُ بسَواد وبَياض أذْنَب، وَهُوَ نوْع من الغِرْبان، والعَرَبُ تتشاءَمُ بِهِ، كَمَا فِي المِصْباح،} يُعَقْعِق بصَوْتِه {عقْعَقَةً: يُشْبِه صوتُه العيْنَ والقافَ إِذا صات، وَبِه سُمّي، وَقد} عقْعَق الطائِرُ بصوْتِه: إِذا جاءَ وذهَب، قَالَ رؤبة: ومَنْ بَغَى فِي الدّين أَو تعمّقا وفرّ مخْذولاً فَكَانَ {عَقْعَقا قَالَ ابنُ بَرّيّ: ورَوى ثعْلَبٌ عَن إسحاقَ المَوْصليّ أَن} العَقْعَق يُقال لَهُ الشّجَجَى. وَفِي حَدِيث النّخَعيّ: يقتُلُ المُحرِمُ العَقْعَقَ. قَالَ ابنُ الْأَثِير: وَإِنَّمَا أجازَ قتْلَه لأنّه نوعٌ من الغِرْبان. وَهَذَا ماءٌ {أعقّه الله، أَي: أمرّه وَكَذَلِكَ: أقعّه الله.} وأعقّت الأرضُ الماءَ: أمرّتْه. وَقَالَ الجعدِيُّ: بحرُك بحرُ الجودِ مَا {أعقّهُ ربّكَ والمَحْرومُ مَنْ لم يُسْقَهُ أَي: مَا أمرّه. (و) } أعقّت الفرَسُ والأتانُ: إِذا حملَت وانْفَتَق بطنُها. {والإعْقاقُ فِي الخَيْل والحُمُر بعدَ الإقْصاص. وَقيل:} عقّت: إِذا حمَلت، {وأعقّت إِذا نبتَت} العَقيقةُ فِي بطنِها على الولَد الَّذِي حملَتْه.
وَهِي {عَقوقٌ على غيْر القِياس، وَلَا يُقال:} مُعِقٌّ، وَهَذَا نادِر، أَو يُقال ذلِك فِي لُغَيّة رَديئَة وَمِنْه قولُ رُؤبَة: قد عتَق الأجْدَعُ بعد رِقِّ بقارحٍ أَو زَوْلَة! مُعِقِّ) وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: {عقّت، فَهِيَ} عَقوق، {وأعَقّتْ فهيَ} مُعِقّ. واللُغَة الفَصيحةُ {أعقّت فَهِيَ} عَقوق. وَفِي نَوادِر الْأَعْرَاب: {اعتَقّ السّيْفَ من غِمدِه، واهْتَلَبه، وامْتَرقَه، واختلَطَه: إِذا استلّه.
قَالَ الجُرْجانيّ: الأصلُ اخترَطه، وكأنّ اللاّم مُبدَلة مِنْهُ، وَفِيه نظَر. (و) } اعتقّ السّحابُ: انْشَقّ واندَفَع مَاؤُهُ. قَالَ أَبُو وَجْزَة:
(حتّى إِذا أنْجَدَتْ أرواقُه انهزَمَتْ ... {واعتَقّ مُنْبعِجٌ بالوَبْلِ مبْقورُ)
} وانعَقّ الغُبارُ: انشقّ وسَطَع عَن ابنِ فارِس، قَالَ رؤبةُ: إِذا العَجاجُ المُستَطارُ {انْعَقّا (و) } انعقّت العُقْدَة: انْشَدّت واستَحْكَمَت. وانعقّت السّحابَة: تبعّجَتْ بالماءِ وانشَقّت. وكُلُّ انشِقاقٍ فَهُوَ {انعِقاقٌ. يُقال:} انعَقّ الثّوبُ، أَي: انشَقّ، عَن ثَعْلب. {وانعَقّ البَرْقُ: تشقّق. والتّركيبُ يدلُّ على الشَّقِّ، وَإِلَيْهِ ترجع فُروعُ البابِ بلُطْفِ نظَر. وَمِمَّا يُستَدرك عَلَيْهِ:} العَقيقُ، كأمير: البَرقُ، وَبِه فَسّر بعضُهم قولَ الفَرزْدَق:
(قِفي ودِّعينا يَا هُنَيْدُ فإنّني ... أرى الحَيَّ قد شامُوا العَقيقَ اليَمانِيا)
أَي: شامُوا البَرْقَ من ناحِيَة اليَمَن. {وعَقّ البرقُ: انشقّ. ويُقال:} الانعِقاقُ: تشقُّقه. والتّبوّجُ: تكَشُّفه، {وعَقيقَتُه: شُعاعُه.} وانعَقّ الوادِي: عَمُق. {والعَقائِقُ: النِّهاءُ والغُدْران فِي الأخاديدِ} المُنْعَقّة، حَكَاهُ أَبُو حَنيفة. وأنْشَدَ لكُثيِّر بنِ عبدِ الرّحمنِ الخُزاعي يصفُ امْرَأَة:
(إِذا خرَجَت من بيْتِها راقَ عينَها ... مُعوَّذُه وأعجَبَتْها {العَقائِقُ)
أَرَادَ معوَّذَ النّبت حوْل بيتِها. وقيلَ: العَقائِق: الرِّمال الحُمْر. وعقّت الريحُ المُزْنَ} تعُقُّه {عَقّاً: إِذا استدرّتْه كأنّها تشُقُّه شقّاً. قَالَ الهُذَليُّ يصِف غيْثاً:
(حارَ} وعقّتْ مُزْنَهُ الرّيحُ وانْ ... قارَ بهِ العَرْضُ وَلم يُشْمَلِ)
حَار: تحيّر وتردّد، واستدَرّته ريحُ الجَنوب، وَلم تهُبّ بِهِ الشّمالُ فتَقْشَعَه. وانْقارَ بِهِ العرْضُ، أَي: عرْض السّحابِ وقَعَت مِنْهُ قِطْعة. وسَحابة {مَعْقوقَة: إِذا} عُقَّت {فانْعَقّتْ. وسَحابة} عَقّاقة: إِذا دَفَعت ماءَها وَقد {عقَّت. قَالَ عبدُ بَني الحَسْحاس يصِف غيْثاً:
(فمرّ على الأنْهاءِ فانْثَجَّ مُزنُه ... } فعَقّ طَويلاً يسكُبُ الماءَ ساجِيا)
ومنهُ قولُ ابنةِ المُعَقِّر البارِقيّة: أرى سَحابةً سَحماءَ {عَقّاقَة، كأنّها حُوَلاءُ نَاقَة، ذَات هَيْدب دانٍ، وسَيْرٍ وانٍ. رَوَاهُ شَمِر. وَمَا} أعقّه لوالِدِه. {وأعقّ فلانٌ: إِذا جاءَ} بالعُقوقِ. كَمَا يُقال: أحْوَب: إِذا)
جاءَ بالحُوبِ. وَمِنْه قولُ الْأَعْشَى أنشَده ابنُ السِّكيت:
(فإنّي وَمَا كلّفتُموني بجَهْلِكمْ ... ويعْلَمُ رَبّي مَنْ {أعقَّ وأحْوَبا)
وَفِي المثَل:} أعقُّ من ضَبٍّ. قَالَ ابنُ الأعرابيّ: إِنَّمَا يُريدُ بِهِ الأُنثَى. {وعُقوقُها: أنّها تأكُلُ أولادَها.} والعُقُق، بضمّتين: البُعَداء من الأعْداءِ. وَأَيْضًا: قاطِعو الأرْحام. ويُقال: {عاقَقْتُ فُلاناً} أُعاقُّه {عِقاقاً: إِذا خالَفْتَه. وَفِي الــحَدِيث: مثَلكم ومثَلُ عائِشَة مثَلُ العَيْن فِي الرّأسِ تؤذي صاحِبَها وَلَا يَسْتَطيع أَن} يعُقَّها إِلَّا بالّذي هُوَ خيْر لَهَا. هُوَ مُسْتَعار من عُقوق الوالِدَين. ويُقال للصّبيّ إِذا نشأَ مَعَ حيٍّ حَتَّى شَبّ وقَوِيَ فيهم: {عقّت تَميمَتُه فِي بني فُلان. وَمِنْه قولُ الشّاعر:
(بلادٌ بهَا عَقَّ الشّبابُ تَميمَتي ... وأوّلُ أرضٍ مسَّ جِلدِي تُرابُها)
والأصلُ فِي ذَلِك أنّ الصّبيَّ مادام طِفلاً تُعَلِّق أمُّه عَلَيْهِ التّمائم تُعَوِّذُه من العَيْن، فَإِذا كبِر قُطِعَت عَنهُ. قلت: ووقَع فِي خُطْبةِ المُطَوَّل للسّعد: بِلادٌ بهَا نِيطَتْ عليَّ تَمائِمي وَمَا ذَكَرنا هُوَ الأصحُّ. وكُلّ شقّ وخَرْق فِي الرّمل وغيْره فَهُوَ} عَقٌّ. {والعَقوق، كصَبور: موضِع، وَبِه فُسِّر قولُ الشّاعر، أنشدَه ابنُ السِّكّيت:
(وَلَو طلبُوني} بالعَقوقِ أتيتُهم ... بألفٍ أؤدِّيه الى القومِ أقْرَعا)
ويُقال: المُرادُ بِهِ الأبْلق، والوَجْهان ذكَرَهما الجوهَريُّ. ويُقال للمُعْتَذِر إِذا أفرطَ فِي اعتِذاره: قد {اعْتَقّ} اعْتِقاقاً. ويُقال للدّلو إِذا طلَعت من البِئْر مَلأى: قد {عقّت} عَقّاً. وَمن العَرِب مَن يَقُول: {عَقّت} تعْقِيَة. وأصلُها عقّقَت فَلَمَّا اجتَمَعت ثُلاثُ قافات قلَبوا إحْداها يَاء، كَمَا قَالُوا: تظَنّيْت من الظَّنِّ، وَأنْشد ابنُ الْأَعرَابِي: عقّتْ كَمَا عقّتْ دَلوفُ العِقْبان شبّه الدّلْوَ وَهِي تَشُقُّ هَواءَ البِئْر طالِعةً بسرعَةٍ بالعُقاب تدْلِف فِي طيَرانِها نحوَ الصَّيد. {والعَقْعَقَة: حركةُ القِرْطاسِ والثّوبِ الجَديد، كالقَعْقَعَة.} والعَقيقِيّون: جماعةٌ من الأشرافِ. مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد الحسَن بنُ محمدِ بنِ يَحْيى العدَويّ، صَاحب كتاب النَّسَب. روى عَن جدّه يَحْيى بنِ الحسَن. وَأَبُو الْقَاسِم أحمدُ بنُ الحُسَيْن بنِ أحمدَ بنِ عليّ بنِ محمدِ بنِ جعْفرٍ العَقيقيُّ، من كبار الدِّمَشْقِيّين فِي أثناءِ المائةِ الرابعةِ، وَهُوَ صَاحب الدّار الَّتِي صَارَت المدرسةَ الظاهريّةَ بِدِمَشْق، مَاتَ سنة. ومُنية {عَقيق: قَرْيَة بِمصْر.} والأعِقّة: رمل. وَبِه فسّر السّكريُّ قولَ أبي) خِراشٍ: وَمن دونِهم أرضُ! الأعِقّة والرّملُ
(ع ق ق) : (الْعَقُّ) الشَّقُّ وَالْقَطْعُ (وَمِنْهُ) عَقِيقَةُ الْمَوْلُودِ وَهِيَ شَعْرُهُ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ عَنْهُ يَوْمَ أُسْبُوعِهِ (وَبِهَا سُمِّيَتْ) الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا «قُولُوا نَسِيكَةً وَلَا تَقُولُوا عَقِيقَةً» كَرَاهِيَة الطِّيَرَةِ وَقَدْ قَرَّرْتُ هَذَا فِي رِسَالَةٍ لِي (وَالْعَقِيقُ) مَوْضِعٌ بِحِذَاءِ ذَاتِ عِرْقٍ وَهُوَ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ بَطْنَ الْعَقِيقِ» وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَهَلَّ (بِالْعَقِيقِ) كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَصْلُهُ كُلُّ مَسِيلٍ شَقَّهُ السَّيْلُ فَوَسَّعَهُ.

عقق: عَقَّه يَعُقُّه عَقاًّ، فهو مَعْقوقٌ وعَقِيقٌ: شقَّه.

والعَقِيقُ: وادٍ بالحجاز كأَنه عُقَّ أَي شُقّ، غلبت الصفة عليه غلبة الاسم ولزمته

الأَلف واللام، لأَنه جعل الشيء بعينه على ما ذهب إِليه الخليل في

الأَسماء الأَعلام التي أَصلها الصفة كالحرث والعباس. والعَقَيقَان: بلدان في

بلاد بني عامر من ناحية اليمن، فإِذا رأَيت هذه اللفظة مثناة فإِنما

يُعْنى بها ذَانِكَ البلدان، وإِذا رأَيتها مفردة فقد يجوز أَن يُعْنى بها

العَقُِيقُ الذي هو واد بالحجاز، وأَن يُعْنى بها أَحد هذين البلدين لأَن

مثل هذا قد يفرد كأَبَانَيْن؛ قال امرؤ القيس فأفرد اللفظ به:

كأَنّ أَبَاناً، في أَفَانِينِ وَدْقِهِ،

كبيرُ أُناسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّلِ

قال ابن سيده: وإِن كانت التثنية في مثل هذا أَكثر من الإِفراد، أَعني

فيما تقع عليه التثنية من أَسماء المواضع لتساويهما في الثبات والخِصْب

والقَحْط، وأَنه لا يشار إِلى أَحدهما دون الآخر، ولهذا ثبت فيه التعريف في

حال تثنيته ولم يجعل كزيدَيْن، فقالوا هذان أَبانَان بَيِّنَيْن

(* قوله

«فقالوا هذان إلخ» فلفظ بينين منصوب على الحال من أَبانان لأنه نكرة وصف

به معرفة، لأن أَبانان وضع ابتداء علماً على الجبلين المشار إليهما، ولم

يوضع أَولاً مفرداً ثم ثني كما وضع لفظ عرفات جمعاً على الموضع المعروف

بخلاف زيدين فإنه لم يجعل علماً على معينين بل لإنسانين يزولان، ويشار

إلى أحدهما دون الآخرفكأنه نكرة فإذا قلت هذان زيدان حسنان رفعت النعت لأنه

نكرة وصفت به نكرة ، أفاده ياقوت)، ونظير هذا إفرادهم لفظ عرفات، فأَما

ثبات الأَلف واللام في العَقِيقَيْن فعلى حدِّ ثباتهما في العَقِيق، وفي

بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العَقِيقَ؛ قال أَبو منصور: ويقال لكل ما

شَقَّه ماء السيل في الأَرض فأَنهره ووسَّعه عَقِيق، والجمع أَعِقَّةٌ

وعَقَائِق، وفي بلاد العرب أَربعةُ أَعِقَّةَ، وهي أَودية شقَّتها السيول،

عادِيَّة: فمنها عَقيقُ عارضِ اليمامةِ وهو وادٍ واسع مما يلي العَرَمة

تتدفق فيه شِعابُ العارِض وفيه عيون عذبة الماء، ومنها عَقِيقٌ بناحية

المدينة فيه عيون ونخيل. وفي الــحديث: أَيكم يجب أَن يَغْدُوَ إِلى بُطْحانِ

العَقِيقِ؟ قال ابن الأَثير: هو وادٍ من أَودية المدينة مسيل للماء وهو

الذي ورد ذكره في الــحديث أَنه وادٍ مبارك، ومنها عَقِيقٌ آخر يَدْفُق ماؤُه

في غَوْرَي تِهَامةَ، وهو الذي ذكره الشافعي فقال: ولو أَهَلُّوا من

العَقِيقِ كان أَحَبَّ إِليّ؛ وفي الــحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه

وسلم، وقَّتَ لأَهل العِراق بطن العَقِيقِ؛ قال أَبو منصور: أَراد العَقِيقَ

الذي بالقرب من ذات عِرْقٍ قبلها بمَرْحلة أَو مرحلتين وهو الذي ذكره

الشافعي في المناسك، ومنها عَقِيق القَنَانِ تجري إِليه مياه قُلَلِ نجد

وجباله؛ وأَما قول الفرزدق:

قِفِي ودِّعِينَا، يا هُنَيْدُ، فإِنَّني

أَرى الحيَّ قد شامُوا العَقِيقَ اليمانيا

فإِن بعضهم قال: أَراد شاموا البرق من ناحية اليمن.

والعَقّ: حفر في الأَرض مستطيل سمي بالمصدر. والعَقَّةُ: حفرة عميقة في

الأَرض، وجمعها عَقَّات. وانْعَقَّ الوادي: عَمُقَ. والعقائق: النِّهَاء

والغدرانُ في الأَخاديد المُنْعَقَّةِ؛ حكاه أَبو حنيفة؛ وأَنشد لكثير بن

عبد الرحمن الخزاعي يصف امرأَة:

إِذا خرجَتْ من بيتها راق عَيْنَها

مُعَِوِّذه، وأَعْجَبَتْها العَقَائِقُ

يعني أَن هذه المرأَة إِذا خرجت من بيتها راقَها مُعَوَّذ النبت حول

بيتها، والمُعَوَّذ من النبت: ما ينبت في أَصل شجر يستره، وقيل: العقائق هي

الرمال الحمر. ويقال: عَقَّت الريحُ المُزْنَ

تَعُقُّه عَقاًّ إِذا استدَرَّتْه كأَنها تشقه شقّاً؛ قال الهذلي يصف

غيثاً:

حارَ وعَقَّتْ مُزْنَهُ الريحُ، وانْـ

ـقَارَ بِهِ العَرْضُ، ولم يُشْمَلِ

حارَ: تحيَّر وتردد واستَدَرَّته ريح الجَنوب ولم تهب به الشَّمال

فتَقْشَعَه، وانْقَارَ به العَرْضُ أَي كأَن عرضَ السحاب انْقارَ

بهِ أَي وقعت منه قطعة وأَصله من قُرْتُ جَيْب القميص فانْقار، وقُرْتُ

عينه إِذا قلعتها. وسحبة مَعْقُوقة إِذا عُقَّت فانْعَقَّت أَي تَبَعَّجت

بالماء. وسحابة عَقَّاقة إِذا دفعت ماءها وقد عَقَّت؛ قال عبدُ

بني الحَسْحاص يصف غيثاً:

فمرَّ على الأَنهاء فانْثَجَّ مُزْنُه،

فَعَقَّ طويلاً يَسْكُبُ الماءَ ساجِيَا

واعْتَقَّت السحابة بمعنى؛ قال أَبو وَجْزة:

واعْتَقَّ مُنْبَعِجٌ بالوَبْل مَبْقُور

ويقال للمُعْتذر إِذا أَفرط في اعتذاره: قد اعْتَقَّ اعْتِقاقاً. ويقال:

سحابة عَقَّاقة منشقة بالماء. وروى شمر أَن المُعَقِّرَ بن حمار

البارِقِيّ قال لبنته وهي تَقُوده وقد كُفَّ بصرُه وسمع صوت رعد: أَيْ بُنَيّةُ

ما تَرَيْنَ؟ قالت: أَرى سحابة سَحْماء عَقَّاقَة، كأَنها حوِلاءُ ناقة،

ذات هَيْدب دَانٍ، وسَيرٍ وان قال: أَيْ

بُنَيّة وائلي إِلى قَفْلةٍ فإِنها لا تَنْبُت إِلا بمنْجَاةٍ من السيل؛

شَبَّه السحابة بِحِوَلاءِ الناقة في تشققها بالماء كتشقق الحِوَلاءِ،

وهو الذي يخرج منه الولد، والقَفَلة الشجرة اليابسة؛ كذلك حكاه ابن

الأَعرابي بفتح الفاء، وأَسكنها سائر أَهل اللغة. وفي نوادر الأعراب: اهْتَلَبَ

السيفَ من غِمْدِه وامْتَرَقه واعْتَقَّه واخْتَلَطَه إِذا اسْتَلَّه؛

قال الجرجاني: الأَصل اخْتَرَطَه، وكأَنّ اللام مبدل منه وفيه نظر.

وعَقَّ والدَه يَعُقُّه عَقّاً وعُقُوقاً ومَعَقَّةً: شقَّ عصا طاعته.

وعَقَّ والديه: قطعهما ولم يَصِلْ

رَحِمَه منهما، وقد يُعَمُّ بلفظ العُقُوقِ جميع الرَّحِمِ، فالفعل

كالفعل والمصدر كالمصدر. ورجل عُقَقٌ وعُقُق وعَقُّ: عاقٌّ؛ أَنشد ابن

الأَعرابي للزَّفَيان:

أَنا أَبو المِقْدَامِ عَقّاًّ فَظّا

بمن أُعادي، مِلْطَساً مِلَظّا،

أَكُظُّهُ حتى يموتَ كَظّا،

ثُمَّتَ أُعْلِي رأْسَه المِلْوَظَّا،

صاعقةً من لَهَبٍ تَلَظَّى

والجمع عَقَقَة مثل كَفَرةٍ، وقيل: أَراد بالعقّ المُرَّ من الماء

العُقَاقِ، وهو القُعَاع، المِلْوَظّ: سوطٌ أَو عصا يُلْزِمُها رأْسَه؛ كذا

حكاه ابن الأَعرابي، والصحيح المِلْوَظُ، وإِنما شدد ضرورة. والمَعَقَّةُ:

العُقُوق؛ قال النابغة:

أَحْلامُ عادٍ وأَجْسادٌ مُطَهَّرَة

من المَعَقَّةِ والآفاتِ والأَثَمِ

وأَعَقَّ

فلانٌ إِذا جاءَ بالعُقوق. وفي المثل: أَعَقِّ من ضَبٍّ؛ قال ابن

الأَعرابي: إِنما يريد به الأُنثى، وعُقُوقُها أَنها تأْكل أَولادها؛ عن غير

ابن الأَعرابي؛ وقال ابن السكيت في قول الأَعشى:

فإِني، وما كَلَّفْتُموني بِجَهْلِكم،

ويَعْلم ربَي من أَعَقَّ وأَحْوَبا

قال: أَعَقَّ جاء بالعُقُوقِ، وأَحْوَبَ جاء بالحُوبِ. وفي الــحديث: قال

أَبو سفيان بن حرب لحمزة سيد الشهداء، رضي الله عنه، يوم أُحد حين مرَّ

به وهو مقتول: ذُقْ عُقَقُ

أَي ذق جزاء فعلك يا عاقّ، وذق القتل كما قتلت مَن قتلتَ يوم بدر من

قومك،يعني كفار قريش، وعُقَق: معدول عن عاق للمبالغة كغُدَر من غادرٍ وفُسَق

من فاسقٍ. والعُقُق: البعداء من الأَعداء. والعُقُق أَيضاً: قاطعو

الأَرحام. ويقال: عاقَقْتُ فلاناً أُعَاقُّه عِقاقاً إِذا خالفته. قال ابن بري

عَقَّ والدَه يَعُقُّ عقوقاً ومَعَقَّةً؛ قال هنا: وعَقَاقِ مبنية على

الكسر مثل حَذَامِ ورَقَاشِ؛ قالت عمرة بنت دريد ترثيه:

لَعَمْرُك ما خشيتُ على دُرَيْد،

ببطن سُمَيْرةٍ، جَيْشَ العَنَاقِ

جَزَى عنّا الإِلهُ بني سُلَيْم،

وعَقَّتْهم بما فعلوا عَقَاقِ

وفي الــحديث: أَنه، صلى الله عليه وسلم، نهى عن عُقُوقِ الأُمّهات، وهو

ضد البِرّ، وأَصله من العَقّ الشَّقّ والقطع، وإنما خص الأُمهات وإن كان

عُقوقُ الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيماً لأَن لِعُقوقِ الأُمهات مزيّة

في القبح. وفي حديث الكبائر: وعدَّ منها عقوقَ الوالدين. وفي الــحديث:

مَثَلُكم ومَثَلُ عائشةَ مَثَلُ العينِ في الرأْس تؤذي صاحبها ولا يستطيع

أن يَعُقَّها إِلا بالذي هو خير لها؛ هو مستعار من عُقُوقِ

الوالدين. وعَقَّ البرقُ وانْعَقَّ: انشق. والانْعِقاق: تشقق البرق،

والتَّبَوُّجُ: تَكَشُّفُ البرقِ، وعَقِيقَتُهُ: شعاعه؛ ومنه قيل للسيف

كالعَقِيقَة، وقيل: العَقِيقَةُ والعُقَقُ البرق إِذا رأَيته في وسط السحاب

كأَنه سيف مسلول. وعَقِيقةُ البرق: ما انْعَقَّ منه أَي تَسَرَّبَ

في السحاب، يقال منه: انْعَقَّ البرقُ، وبه سمي السيف؛ قال عنترة:

وسَيْفي كالعَقِيقةِ، فهو كِمْعِي

سِلاحِي، لا أَفَلَّ ولا فُطَارَا

وانْعَقَّ الغبار: انشق وسطع؛ قال رؤبة:

إِذا العَجاجُ المُسْتَطارُ انْعَقَّا

وانْعَقَّ الثوبُ: انشق؛ عن ثعلب.

والعَقِيقةُ: الشعر الذي يولد به الطفل لأَنه يشق الجلد؛ قال امرؤ

القيس:يا هندُ، لا تَنْكِحي بُوهَةً

عليه عَقِىقَتُه، أَحْسَبَا

وكذلك الوَبَرُ لِذي الوَبَرِ. والعِقَّة: كالعَقِيقةِ، وقيل: العِقَّةُ

في الناس والحمر خاصة ولم تسمع في غيرهما كما قال أَبو عبيدة؛ قال رؤبة:

طَيَّرَ عنها النَّسْرُ حْولِيَّ العِقَق

ويقال للشعر الذي يخرج على رأْس المولود في بطن أُمه عَقِيقةٌ لأَنها

تُحْلق، وجعل الزمخشري الشعرَ أصلاً والشاةَ المذبوحة مشتقة منه. وفي

الــحديث: إِن انفرقت عَقِيقَتُه فَرَقَ أَي شعره، سمي عَقيقةً تشبيهاً بشعر

المولود. وأَعَقَّت الحامل: نبتت عَقيقَةُ ولدها في بطنها. وأَعَقَّت الفرس

والأَتان، فهي مُعِقّ وعَقُوق: وذلك إِذا نبتت العَقيقةُ في بطنها على

الولد الذي حملته؛ وأَنشد لرؤبة:

قد عَتَق الأَجْدعُ بعد رِقِّ،

بقارحٍ أَو زَوْلَةٍ مُعِقِّ

وأَنشد أَيضاً في لغة من يقول أَعَقَّتْ فهي عَقُوق وجمعها عُقُق:

سِراًّ وقد أَوَّنَّ تَأْوِينَ العُقُقْ

(* قوله «سراً إلخ» صدره كما في الصحاح:

وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق

أَوَّنَّ: شربن حتى انتفخت بطونهن فصار كل حمار منهن كالأَتان العَقُوق،

وهي التي تكامل حملها وقرب ولادها، ويروى أَوَّنَّ على وزن فَعَّلْنَ

يريد بذلك الجماعة من الحمير، ويروى أَوَّنَّ على وزن فَعَّل، يريد الواحد

منها.

والعَقاقُ، بالفتح: الحَمْل، وكذلك العَقَقُ؛ قال عديّ بن زيد:

وتَرَكْن العَيْر يَدْمَى نَحْرُه،

ونَحُوصاً سَمْحجاً فيها عَقَقْ

وقال أَبو عمرو: أَظهرت الأَتانُ عَقاقاً، بفتح العين، إِذا تبين حملها،

ويقال للجنين عَقاق؛ وقال:

جَوانِحُ يَمْزَعْنَ مَزْعَ الظِّبا

ء، لم يَتَّرِ كْنَ لبطن عَقَاقا

أَي جَنِيناً؛ هكذا قال الشافعي: العَقاق، بهذا المعنى في آخر كتاب

الصرف، وأَما الأَصمعي فإِنه يقول: العقاق مصدر العَقُوقِ، وكان أَبو عمرو

يقول: عَقَّتْ فهي عَقُوق. وأَعَقّعتْ فهي مُعِقّ، واللغة الفصيحة

أَعَقَّتْ فهي عَقُوق.

وعَقَّ عن ابنه يَعِقُّ ويَعُقُّ: حلق عَقِيقَتهُ أَو ذبح عنه شاة، وفي

التهذيب: يوم أُسبوعه، فقيَّده بالسابع، واسم تلك الشاة العَقيقة. وفي

الــحديث: أَن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: في العَقِيقَةِ عن الغلام

شاتان مثلان، وعن الجارية شاة؛ وفيه: إِنه عَقَّ عن الحسن والحسين،

رضوان الله عليهما، وروي عنه أَنه قال: مع الغلام عَقِيقَتُه فأَهَر يقُوا

عنه دماً وأَميطوا عنه الأَذى. وفي الــحديث: الغلام مُرْتَهِنٌ بعَقِيقته؛

قيل: معناه أَن أَباه يُحْرَم شفاعةَ ولده إِذا لم يعُقَّ عنه، وأَصل

العَقِيقةِ الشعر الذي يكون على رأْس الصبي حين يولد، وإِنما سميت تلك الشاةُ

التي تذبح في تلك الحال عَقِيقةً لأَنه يُحْلق عنه ذلك الشعر عند الذبح،

ولهذا قال في الــحديث: أَميطوا عنه الأَذى، يعني بالأَذى ذلك الشعر الذي

يحلق عن، وهذا من الأَشياء التي ربما سميت باسم غيرها إِذا كانت معها أَو

من سببها، فسميت الشاة عَقِيقَةٍ لَعَقِيقَةِ الشعر. وفي الــحديث: أَنه

سئل عن العَقِيقةِ فقال: لا أُحب العُقُوق، ليس فيه توهين لأَمر

العَقِيقَةِ ولا إِسقاط لها، وإِنما كره الاسم وأَحب أَن تسمى بأَحسن منه كالنسيكة

والذبيحة، جرياً على عادته في تغيير الاسم القبيح. والعَقِيقَةُ: صوف

الجَذَع، والجَنيبَة: صوف الثَّنِيِّ؛ قال أَبو عبيد: وكذلك كل مولود من

البهائم فإِن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عَقِيقَة وعَقِيقٌ وعِقَّةٌ،

بالكسر؛ وأَنشد لابن الرِّقاع يصف العير:

تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عنه فأَنْسَلَها،

واجْتابَ أُخْرَى جديداً بعدما ابْتَقَلا

مُوَلَّع بسوادٍ في أَسافِلِهِ،

منه احْتَذَى، وبِلَوْنٍ مِثلِهِ اكتحلا

فجعل العَقِيقةَ الشعر لا الشاة، يقول: لما تَرَبَّع وأَكل بُقول الربيع

أَنْسَلَ

الشعر المولود معه وأَنبت الآخر، فاجتابه أَي اكتساه، قال أَبو منصور:

ويقال لذلك الشعر عَقِيقٌ، بغير هاء؛ ومنه قول الشماخ:

أَطارَ عَقِيقَةُ عنه نُسَالاً،

وأُدْمِجَ دَمْج ذي شَطَنٍ بدِيعِ

أَراد شعره الذي يولد عليه أَنه أَنْسَله عنه. قال: والعَقُّ في الأَصل

الشق والقطع، وسميت الشعرة التي يخرج المولود من بطن أُمه وهي عليه

عَقِيقةً، لأَِِنها إِن كانت على رأْس الإِنسي حلقت فقطعت، وإِن كانت على

البهيمة فإِنها تُنْسِلُها، وقيل للذبيحة عَقِيقةٌ لأَنَّها تُذبَح فيُشقّ

حلقومُها ومَريثُها وودَجاها قطعاً كما سميت ذبيحة بالذبح، وهو الشق. ويقال

للصبي إِذا نشأَ مع حيّ حتى شَبَّ وقوي فيهم: عُقَّتْ تميمتُه في بني

فلان، والأصل في ذلك أَن الصبي ما دام طفلاً تعلق أُمه عليه التمائم، وهي

الخرز، تُعَوِّذه من العين، فإِذا كَبِرَ قُطعت عنه؛ ومنه قول الشاعر:

بلادٌ بها عَقَّ الشّعبابُ تَمِيمَتي،

وأَوّعلُ أَرضٍ مَسَّ جِلْدي تُرابُها

وقال أَبو عبيدة: عَقِيقةُ الصبيّ عُرْلَتُه إِذا خُتِن. والعَقُوق من

البهائم: الحامل، وقيل: هي من الحافر خاصةً والجمع عُقُقٌ وعِقاق، وقد

أَعَقَّتْ، وهي مُعِقّ وعَقُوق، فمُعِقّ على القياس وعَقوق على غير القياس،

ولا يقال مُعِقّ إِلا في لغة رديئة، وهو من النوادِر. وفرس عَقُوق إِذا

انْعَقّ بطنُها واتسع للولد؛ وكل انشقاق هو انْعِقاقٌ؛ وكلُّ شق وخرق في

الرمل وغيره فهو عَقّ، ومنه قيل للبَرْقِ إِذا انشق عَقِيقةٌ. وقال أَبو

حاتم في الأَضداد: زعم بعض شيوخنا أَن الفرس الحامل يقال لها عَقوق ويقال

أَيضاً للحائل عَقوق؛ وفي الــحديث: أَتاه رجل معه فرس عَقوق أَي حائل،

قال: وأَظن هذا على التفاؤل كأَنهم أَرادوا أَنها ستَحْمِلُ إِن شاء الله.

وفي الــحديث: من أَطْرَقَ مسلماً فعَقَّتْ

له فرسُه كان كأَجر كذا؛ عَقَّتْ أَي حَمَلت. والإِعْقاقُ بعد

الإِقْصاصِ، فالإِقْصاص في الخيل والحمر أَوَّل ثم الإِعْقاقُ بعد ذلك.

والعَقِيقةُ: المَزادة. والعَقِيقةُ: النهر. والعَقِيقةُ:العِصابةُ

ساعةَ تشق من الثوب. والعَقِيقةُ: نَواقٌ رِخْوَةٌ كالعَجْوة تؤكل.

ونَوى العَقوقِ: نَوىً هَشّ لَيِّنٌ رِخْو المَمْضغة تأْكله العجوز أَو

تَلوكه تُعْلَفُه الناقة العَقوق إلْطافاً لها، فلذلك أُضيف إِليها، وهو

من كلام أَهل البصرة ولا تعرفه الأَعراب في باديتها. وفي المثل: أَعَزُّ

من الأَبْلِق العَقوقِ؛ يضرب لما لا يكون، وذلك أَن الأَبْلق من صفات

الذكور، والعَقُوق الحامل، والذور لا يكون حاملاً، وإِذا طلب الإِنسان فوق

ما يستحق قالوا: طَلَب الأَبْلَق العَقوق، فكأَنه طلب أَمراً لا يكون

أَبداً؛ ويقال: إِن رجلاً سأَل معاوية أَن يزوجّه أمَّه هنداً فقال: أَمْرُها

إِليها وقد قَعَدَتْ عن الولد وأَبَتْ أَن تتزوج، فقال: فولني مكان كذا،

فقال معاوية متمثلاً:

طَلَبَ الأَبْلَقَ العَقوقَ، فلمَّا

لم يَنَلْهُ أَراد بَيْضَ الأَنُوقِ

والأَنوق: طائر يبيض في قُنَنِ

الجبال فبيضه في حِرْزٍ إِلا أَنه مما لا يُطْمَع فيه، فمعناه أَنه طَلب

ما لا يكون، فلما لم يجد ذلك طلب ما يطمع في الوصول إِليه، وهو مع ذلك

بعيد. ومن أَمثال العرب السائرة في الرجل يسأَل ما لا يكون وما لا يُقْدر

عليه: كَلَّفْتَني الأَبْلَقَ العَقوق، ومثله: كَلَّفْتَني بَيْضَ

الأَنوق؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي:

فلو قَبِلوني بالعَقُوقِ، أَتَيْتُهُمْ

بأَلْفٍ أُؤَدِّيه من المالِ أَقْرَعا

يقول: لو أَتيتهم بالأَبْلَق العَقوقِ

ما قبلوني، وقال ثعلب: لو قبلوني بالأَبيض العَقوق لأَتيتهم بأَلف،

وقيل: العَقوق موضع، وأَنشد ابن السكيت هذا البيت الذي أَنشده ابن الأَعرابي

وقال: يريد أَلف بعير. والعَقِيقةُ: سهم الاعتذار؛ قالت الأَعراب: إِن

أَصل هذا أَن يُقْتَلَ رجلٌ من القبيلة فيُطالَب القاتلُ بدمه، فتجتمع

جماعة من الرؤساء إِلى أَولياء القَتِيل ويَعْرضون عليهم الدِّيةَ ويسأَلون

العفو عن الدم، فإِن كان وَلِيّهُ

قويّاً حَمِياًّ أَبي أَخذ الدية، وإِن كان ضعيفاً شاوَرَ أَهل قبيلته

فيقول للطالبين: إِن بيننا وبين خالقنا علامة للأَمر والنهي، فيقول لهم

الآخرون:ما علامتكم؟ فيقولون: نأْخذ سهماً فنركبه على قَوْس ثم نرمي به

نحْوَ السماء، فإِن رجع إلينا ملطخاً بالدم فقد نُهِينا عن أَخذ الدية، ولم

يرضوا إِلا بالقَوَدِ، وإِن رجع نِقياًّ كما صعد فقد أُمِرْنا بأَخذ

الدية، وصالحوا، قال: فما رجع هذا السهمُ

قطّ إِلا نَقِياًّ ولكن لهم بهذا غُذْرٌ عند جُهَّالهم؛ وقال شاعر من

أَهل القَتِيل وقيل من هُذَيْلٍ، وقال ابن بري: هو للأَشْعَر الجُعْفي وكان

غائباً من هذا الصلح:

عَقُّوا بِسَهْمٍ ثم قالوا: صالِحُوا

يا ليتَني في القَوْمِ، إِذ مَسَحوا اللِّحى

قال: وعلامة الصلح مسح اللِّحى؛ قال أَبو منصور: وأَنشد الشافعي للمتنخل

الهذلي:

عَقُّوا بسَهْم، ولم يَشْعُرْ بِه أَحَدٌ،

ثم اسْتَفاؤوا وقالوا: حَبَّذا الوَضَحُ

أَخبر أَنهم آثروا إِبل الدية وأَلبانها على دم قاتل صاحبهم، والوَضَحُ

ههنا اللبن، ويروى: عَقَّوْا بسهم، بفتح القاف، وهو من باب المعتل.

وعَقَّ بالسهم: رَمى به نحو السماء.

وماء عُقّ مثل قُعٍّ وعُقاقٌ: شديد المرارة، الواحد والجمع فيه سواء.

وأَعَقَّتِ الأَرضُ الماء: أَمَرَّتْه؛ وقول الجعدي:

بَحْرُكَ بَحْرُ الجودِ، ما أَعَقَّهُ

ربُّكَ، والمَحْرومُ مَنْ لم يُسْقَهُ

معناه ما أَمَرَّه، وأَما ابن الأَعرابي فقال: أَراد ما أَقَعَّهُ من

الماء القُعِّ وهو المُرُّ أَو الملح فقلب، وأَراه لم يعرف ماءً عُقاًّ

لأَنه لو عرفه لحَمَلَ الفعلَ عليه ولم يحتج إِلى القلب. ويقال: ماءٌ قُعاعٌ

وعُقاق إِذا كان مراًّ غليظاً، وقد أَقَعَّهُ اللهُ وأَعَقَّه.

والعَقِيقُ: خرز أَحمر يتخذ منه الفُصوص، الواحدة عَقِيقةٌ؛ ورأَيت في

حاشية بعض نسخ التهذيب الموثوق بها: قال أَبو القاسم سئل إِبراهيم الحربي

عن الــحديث لا تَخَتَّمُوا بالعَقِيقِ فقال: هذا تصحيف إِما هو لا

تُخَيِّمُوا بالعَقِيق أَي لا تقيموا به لأَنه كان خراباً والعُقَّةُ: التي يلعب

بها الصبيان.

وعَقْعَقَ الطائر بصوته: جاء وذهب. والعَقْعَقُ: طائر معروف من ذلك

وصوته العَقْعَقةُ. قال ابن بري: وروى ثعلب عن إِسحق الموصلي أَن العَقْعَقَ

يقال له الشِّجَجَى. وفي حديث النخعي: يقتل المُحْرِمُ العَقْعَقَ؛ قال

ابن الأَثير: هو طائر معروف ذو لونين أَبيض وأَسود طويل الذَّنَب، قال:

وإِنما أَجاز قتله لأَنه نوع من الغربان.

وعَقَّهُ: بطن من النِّمِر بن قاسِطٍ؛ قال الأَخطل:

ومُوَقَّع أَثَرُ السِّفارِ بِخَطْمِهِ،

من سُود عَقَّةَ أَو بني الجَوَّالِ

المُوقَّع: الذي أَثَّر القَتَبُ في ظهره، وبنو الجَوَّال: في بني

تَغْلِب. ويقال للدَّلو إِذا طلعت من البئر ملأَى: قد عَقَّتْ عَقّاً، ومن

العرب من يقول: عَقَّتْ تَعْقِيةً، وأَصلها عَقَّقَتْ، فلما اجتمعت ثلاث

قافات قلبوا إِحداها ياء كما قالوا تَظَنَّيْتُ

من الظن؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:

عَقَّتْ كما عَقَّتْ دَلُوفُ العِقْبانْ

شبه الدلو وهي تشق هواءَ البئر طالعةً بسرعة بالعُقاب تَدْلِفُ في

طَيَرانها نحوَ الصيد.

وعِقَّانُ النخيل والكُروم: ما يخرج من أُصولها، وإِذا لم تُقطع

العِقَّانُ فَسَدت الأُصول. وقد أَعَقَّتِ النخلة والكَرْمة: أَخرجت

عِقَّانها.وفي ترجمة قعع: القَعْقَعةُ والعَقْعَقَةُ حركة القرطاس والثوب

الجديد.

حَجَرَ

(حَجَرَ)
- فِيهِ ذِكْرُ «الحِجْر» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، الحِجْر بِالْكَسْرِ: اسْمُ الْحَائِطِ المسْتَدير إِلَى جَانِبِ الكَعْبة الغَرْبيّ، وَهُوَ أَيْضًا اسْمٌ لِأَرْضِ ثَمُودَ قَوْمِ صالح النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
«كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ»
وَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْــحَدِيثِ كَثِيرًا.
(س) وَفِيهِ «كَانَ لَهُ حَصير يَبْسُطه بِالنَّهَارِ ويَحْجُرُه بِاللَّيْلِ» وفي رواية «يَحْتَجِرُه» أى بجعله لنَفْسِه دُونَ غَيْرِهِ. يُقال حَجَرْتُ الْأَرْضَ واحْتَجَرْتُها إِذَا ضَرَبْتَ عَلَيْهَا مَناراً تَمْنَعُها بِهِ عَنْ غيرك. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ احْتَجَرَ حُجَيْرَة بخَصَفة أَوْ حَصير» الحُجَيْرَة تَصْغِير الحُجْرَة، وَهُوَ الْمَوْضِعُ المنفرِد.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «لَقَدْ تَحَجَّرت وَاسِعا» أَيْ ضَيَّقْتَ مَا وَسَّعَه اللَّهُ وخَصَّصت بِهِ نَفْسك دُونَ غَيْرِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لمَّا تَحَجَّر جُرْحُه للبُرْء انْفَجَر» أَيِ اجْتَمع والْتَأم وقَرُبَ بَعْضُه مِنْ بَعْضٍ.
وَفِيهِ «مَن نَامَ عَلَى ظَهر بيْت لَيْسَ عَلَيْهِ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّة» الحِجَار جَمْعُ حِجْر بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحَائِطُ، أَوْ مِنَ الحُجْرَة وَهِيَ حَظِيرة الْإِبِلِ، أَوْ حُجْرَة الدَّارِ: أَيْ إِنَّهُ يَحْجُر الْإِنْسَانَ النَّائم ويَمْنَعُه عَنِ الْوُقُوعِ والسُّقوط. ويُروى حِجَاب بِالْبَاءِ، وَهُوَ كُلُّ مَانِعٍ عَنِ السُّقوط. وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ «حِجىً» بِالْيَاءِ وَسَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ. وَمَعْنَى برَاءة الذِّمَة مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عرَّض نَفْسه لِلْهَلَاكِ وَلَمْ يَحْتَرِزْ لَهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَحْجُرَ عَلَيْهَا» الحَجْر:
المَنْع مِنَ التصَرُّف. وَمِنْهُ حَجَر الْقَاضِي عَلَى الصَّغير والسَّفِيه إِذَا مَنَعُهما مِنَ التَّصرُّف فِي مالِهما.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «هِيَ اليَتيمة تَكُونُ فِي حِجْر وَلِيّها» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حِجْر الثَّوب وَهُوَ طَرَفه المُقدَّم؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُرَبّي وَلَدَه فِي حِجْرِه، والوَلِيُّ: الْقَائِمُ بأمْر اليَتيم.
والحِجْر بالفَتح وَالْكَسْرِ: الثَّوب والحِضْن، والمصْدر بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ.
[هـ] وَفِيهِ «للنِّساء حَجْرَتا الطَّريق» أَيْ ناحِيَتاه وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «إِذَا رَأَيْتَ رَجُلا يَسِير مِنَ الْقَوْمِ حَجْرَةً» أَيْ نَاحِيَةً مُنْفَرِدا، وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَجَمْعُهَا حَجَرَات.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحُكْمُ لِلَّهِ
ودَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَراتِه هَذَا مَثل لِلْعَرَبِ يُضْرب لِمَنْ ذَهب مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ ذَهَبَ بعدَه مَا هُوَ أجلّ منه، وهو صدر بيت لامرىء القَيْس:
فدَع عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَراته ... وَلَكِنْ حَديثــاً مَا حدِيثُ الرَّوَاحِل
أَيْ دَعِ النَّهْب الَّذِي نُهِبَ مِنْ نواحِيك وحدِّثني حَدِيثَ الرَّواحل، وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي ذَهبتَ بِهَا مَا فَعَلت.
(هـ) وَفِيهِ «إِذَا نَشأتْ حَجْريَّة ثُمَّ تَشَاءمَتْ فَتِلْك عَيْنٌ غُدَيْقَة» حَجْرِيَّة- بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ- يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوبَةً إِلَى الحِجْرِ وَهُوَ قَصَبة الْيَمَامَةِ، أَوْ إِلَى حَجْرَة الْقَوْمِ، وَهِيَ ناحِيَتُهم، وَالْجَمْعُ حَجْرٌ مِثْل جَمْرَة وجَمْر، وَإِنْ كَانَتْ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى [الحِجْرِ ] أرضِ ثَمُودَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الجَسَّاسة والدَّجّال «تَبِعه أهلُ الحَجَر والْمدَرِ» يُرِيد أهلَ البَوادِي الَّذِينَ يَسْكنون مواضِع الأَحْجَار والجِبال، وَأَهْلَ المَدَر أهلُ البِلاد.
(س) وَفِيهِ «الوَلَدُ للفِراش وللعاهِر الحَجَر» أَيِ الخَيْبة، يَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ لِصاحب الْفِرَاشِ مِنَ الزّوْج أَوِ السَّيد، وَلِلزَّانِي الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ، كَقَوْلِكَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ غَيْرَ التُّرَابِ، وَمَا بِيَدِك غَيْرَ الحَجَر. وَقَدْ سَبق هَذَا فِي حَرْفِ التَّاءِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ كَنى بالحَجَر عَنِ الرّجْم، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ زانٍ يُرْجَم.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ تَلَقَّى جِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بأَحْجَار المِرَاء» قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ قُباء.
وَفِي حَدِيثِ الفِتَن «عِنْدَ أَحْجَار الزَّيت» هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الأحْنف «قَالَ لعليٍّ حِينَ نَدَب مُعَاوِيَةُ عَمْراً للحُكُومة: لَقَدْ رُمِيتَ بحَجَرِ الْأَرْضِ» أَيْ بدَاهية عَظِيمَةٍ تَثْبُت ثُبُوت الحَجَر فِي الْأَرْضِ.
[هـ] وَفِي صِفَة الدَّجال «مَطْمُوس الْعَيْنِ لَيْسَتْ بناتِئةٍ وَلَا حَجْرَاء» قَالَ الهَروي: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً فَمَعْنَاهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بصُلْبَة مُتَحَجِّرة، وَقَدْ رُوِيَتْ جَحْراء بتقديم الجيم وقد تقدّمت. وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْر «مَزَاهِرُ وعُرْمانُ ومِحْجَر وعُرْضان» مِحْجَر بِكَسْرِ الْمِيمِ: قَرْية مَعْرُوفَةٌ. وَقِيلَ هُوَ بِالنُّونِ، وَهِيَ حَظائِر حَوْل النَّخْل. وَقِيلَ حَدائِق.

الرؤيا

الرؤيا:
[في الانكليزية] Vision ،reverie ،fantasm ،dream
[ في الفرنسية] Vision ،reverie ،fantasm ،reve
بالضم وسكون الهمزة الرؤيا المنامية أو ما يرى في النّوم كما في المنتخب. وأمّا في مجمع السّلوك فيقول: ثمّة فرق بين الرؤيا وبين ما يرى من وقائع من وجهين: الاوّل: من طريق الصّورة والثاني: من طريق المعنى. فالموافقة من طريق الصّورة تكون بين النوم واليقظة. وإمّا تكون صرفا في اليقظة وأمّا من طريق المعنى: فذلك بأنّ حجاب الخيال يخرج وهو غيبي صرف.
مثلما الروح في مقام التجرّد عن الأوصاف البشرية تدرك ذلك. وهذه واقعة روحانية مطلقة وحينا تكون بتأييد من نظر الروح بنور إلهي.
وهذا النوع واقعة ربّانية صرفة لأنّ المؤمن ينظر بنور الله تعالى.
وأمّا المنام فهو عند زوال الإحساس بالكليّة، وصار الشأن للخيال وعندئذ تبدأ المخيّلة برؤية أشياء بعد غلبة الحواس. وهذا النوع من التخيّلات على قسمين:

أحدها: أضغاث أحلام وهي رؤى تدركها النفس بواسطة الخيال، وهي وساوس شيطانية وهواجس نفسانية من إلقاء النفس أو الشيطان.
وله خيال مصوّر مناسب ولا تعبير له.

والثاني: الرؤيا الجيّدة وهي التي يقال لها الرؤيا الصالحة وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوّة، كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام. وتوجيه هذا الــحديث بأنّ مدة أيام نبوته صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة ومن بينها ستّة أشهر في الابتداء، كان الوحي يتنزّل على النبي صلى الله عليه وسلم في عالم الرؤيا. فبناء على هذا تعدّ الرؤيا الصالحة جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة.

والرؤيا الصالحة ثلاثة أنواع: أحدها: ما لا يحتاج إلى تأويل أو تعبير مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام التي تنصّ بصراحة: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الصافات 102.

ثانيها: ما يحتاج فيها إلى التأويل في بعضها وبعضها الآخر واضح لا حاجة إلى تأويله، كما في رؤيا يوسف عليه السلام: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ سورة يوسف: 4. فالأحد عشر كوكبا والشمس والقمر محتاجة إلى تأويل، أمّا السجود فظاهر خَرُّوا لَهُ سُجَّداً.

ثالثها: ما كان في حاجة إلى تأويل بالجملة كرؤيا ملك مصر: إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ ... سورة يوسف 43.

وفي الحقيقة: إنّ الرؤيا الصالحة بشكل عام ليست هي التي يكون تأويلها صحيحا وأثرها ظاهرا لأنّ ذلك يقع للمؤمن والكافر. بل إنّ الرؤيا الصالحة هي تلك المؤيّدة بالنور الإلهي. وهذه لا تكون إلّا لنبي أو ولي أو مؤمن، وهي جزء من أجزاء النبوة.

إذن: إذا كانت النفس مؤيّدة بتأييد نور الروح لا بتأييد النور الإلهي فليست تلك برؤيا صالحة.

ويقول صاحب مرصاد العباد: الرؤيا نوعان:
رؤيا صالحة، ورؤيا صادقة. أمّا الرؤيا الصالحة فهي التي يراها المؤمن أو الوليّ أو النبي ويصدق تعبيرها، أو يكون تأويلها صحيحا. وهكذا يتحقّق ما كان رآه كما هو. وهذا من ظهور الحقّ.
والرؤيا الصادقة هي التي بدون تأويل تقع بعينها أو يصحّ تأويلها وهي من ظهور الروح. ويمكن أن تقع للمؤمن أو الكافر على السواء.
اعلم بأنّ بعض الأمور قد تحصل للمؤمن السّالك، فكذلك يمكن حصول بعض الأمور لبعض الفلاسفة والرهبان والبراهمة، وعلّة ذلك قوة الرياضة الروحية وصفاء القلب حتى تصبح الروح قوية وتنكشف لها بعض الأنوار الروحانية. وأحيانا يخبرون عن أمور دنيوية مستقبلة، وقد يطلعون على أحوال بعض الناس.
وهذا لن يكون سببا لقربهم وقبولهم عند الله.
لا، لن يكون سببا لنجاتهم بل ربّما كان سببا في ضلالاتهم وكفرهم، بل وزيادة ذلك واستدراجا لهم. أمّا السّالك الموحّد فتحصل له بعض (الكشوفات) بسبب ظهور الحقّ. اعلم أنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك جميع الأنبياء والشمس والقمر والنجوم اللامعة في النوم هي رؤيا حقّ.
ولا يستطيع الشيطان أن يتمثّل بواحد منها.

وكذلك قالوا: إنّ الغيوم التي تهطل منها الأمطار هي في المنام حقّ أيضا. لأنّ الشيطان لا يتمثّل بذلك. وكذلك رؤية أحد الشيوخ الأفاضل الموصوف بكونه من أهل العلم بالشّريعة والحقيقة والطّريقة. أمّا من ليس كذلك فيمكن للشيطان أن يتمثّل به. أمّا البحث حول كيفية رؤية النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فثمّة اختلاف. قال عليه السلام «من رآني في المنام فقد رآني» قال القاضي الباقلاني: معناه رؤيا عليه السلام صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيهات الشيطان، فإنّه قد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة كمن يراه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمان واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه. وقال آخرون بل الــحديث على ظاهره وليس لمانع أن يمنعه، فإنّ الفعل لا يستحيله حتى يضطر إلى التأويل. وأمّا قوله فإنّه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين فإنّه تغيّر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته مرئية، والرؤية أمر يخلقها الله تعالى في الحيّ لا بشرط لا بمواجهة ولا تحديق الأبصار ولا كون المرئي ظاهرا، بل الشرط كونه موجودا فقط حتى جاز رؤية أعمى الصين بقّة أندلس، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل جاء في الــحديث ما يقتضي بقاؤه. وقال أبو حامد الغزالي ليس معناه أنه رأى جسمي وبدني بل رأى مثالا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلّا آلة النفس. فالحق أنّ ما يراه مثال حقيقة روحه المقدّسة التي هي محل النبوة. فما رآه من الشكل ليس روح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق. أقول فله ثلاث توجيهات وخير الأمور أوساطها، قوله عليه السلام: «فإنّ الشيطان لا يستطيع أن يتمثّل بي» أي لا يتمثّل ولا يتصوّر بصورتي. قال القاضي عياض: قال بعضهم خصّ الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّ رؤية الناس إيّاه صحيحة وكلّها صدق، ومنع الشيطان أن يتمثّل في خلقه لئلّا يكذب على لسانه في النوم، كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء بالمعجزة. وكما استحال أن يتصوّر الشيطان في صورته في اليقظة. قال محي السنة: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقّ لا يتمثّل الشيطان به وكذلك جميع الأنبياء والملائكة عليهم السلام انتهى. فإن قلت إذا قلنا إنّه رآه حقيقة فمن رآه في المنام هل يطلق عليه الصحابي أم لا؟ قلت لا إذ لا يصدق عليه حدّ الصحابي وهو مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذ المراد منه الرؤية المعهودة الجارية على العادة أو الرؤية في حياته في الدنيا، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو المخبر عن الله تعالى وهو ما كان مخبرا للناس عنه إلّا في الدنيا لا في القبر. ولذا يقال مدة نبوته ثلاث وعشرون سنة. على أنّا لو التزمنا إطلاق لفظ الصحابي عليه لجاز وهذا أحسن وأولى.
فإن قلت الــحديث المسموع عنه في المنام هل هو حجة يستدل بها أم لا؟ قلت لا إذ يشترط في الاستدلال به أن يكون الراوي ضابطا عند السماع والنوم ليس حال الضبط كما في كرماني شرح صحيح بخاري. وقال عبد الله: قوله من رآني في المنام أي رآني على نعتي التي أنا عليه، فلو رآه على غير نعته لم يكن رآه لأنّه قال رآني، وهو إنّما يقع على نعته. وفي مفتاح الفتوح وسراج المصابيح أيضا قيل المعنى والله أعلم أنّه إذا رأى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصورة التي كان عليها فقد رأى الحق أي رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حقيقة، وليس المراد أنّه إذا رأى شخصا يوهم أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي أي في صورتي. وقيل: على أي صفة رآه فهو صحيح. وذكر في المطالب واختلف في رؤيته صلى الله عليه وسلم في خلاف صورته. قيل لا يكون رؤية له والصحيح أنّه حقيقة سواء رآه على صفته المعروفة أو لم يكن، ورؤيته عليه السلام حال كون الرائي جنبا صحيحة.
اعلم أنّ رؤية الله تعالى في المنام أمر محقّق وتحقيقه أنّه تعالى مع كونه مقدّسا منزّها عن الشكل والصورة ينتهي تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال مخصوص من نور وغيره من الصور الجميلة يكون مثالا للنور الحقيقي المعنوي لا صورة فيه، ولا لون، هكذا في العثور على دار السرور.
اعلم أنّ السّالك قد يكون في عالم النفس والهوى فيرى في المنام أو الحال أنّه الرّب فيكون الرؤيا صحيحا محتاجا إلى التعبير، وتعبيره أنّ ذلك الشخص بعد عبد نفسه يحبه ويعمل له ما يحب فيكون بعد ممن اتخذ إلهه هواه فيرى في الواقعة أنّه الرّب المعبود له فيجب عليه أن يجتنب من طاعة النفس والهوى والقيام بما يشتهي ويهوى، ويكسرها بالمجاهدة والرياضة، ولا يظن أنّ ما رآه هو عينه تعالى، إذ ليس له تعالى حلول فهذه الرؤية، مثل ما يرى سائر العوام في منامهم حيث يرى أنّه آدم أو نوح أو موسى أو عيسى أو جبرئيل أو ميكائيل من ملائكة الله تعالى، وأنه طير أو سبع أو ما أشبه ذلك، ويكون لذلك الرؤيا تعبير صحيح وإن لم يكن كما رأى، يعني عامة الناس إذا رأى أحدهم في منامه النبي صلى الله عليه وسلم أو ملاكا أو طائرا أو حيوانا أو حيوانا مفترسا فليس ذاك هو عين ما رأوه، بل إنّ لهذه الرؤيا تعبير صحيح، وكذلك حال السّالك المذكور الذي يرى الرّبّ في النوم. انتهى ما ذكر في مجمع السلوك في مواضع، ويجيء هذا أيضا في لفظ الوصال.
اعلم أنّه قال في شرح المواقف في المقصد العاشر من مرصد القدرة: وأما الرؤيا فخيال باطل عند جمهور المتكلّمين. قيل هذا بناء على الأغلب والأكثر إذ الغالب منه أضغاث الأحلام، أو المراد أنّ رؤيا من لا يعتاد الصدق في الــحديث «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثــا» أو لمن كثر معاصيه لأنّ من كان كذلك أظلم قلبه. أما عند المعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حال النوم من المقابلة وغيرها. وأما عند الأصحاب فلأنّ النوم ضدّ للإدراك فلا يجامعه فلا يكون الرؤيا إدراكا حقيقة بل من قبيل الخيال الباطل. وقال الأستاذ أبو إسحاق إنّه أي المنام إدراك حقّ بلا شبهة انتهى. وهذا هو المذهب المنصور الموافق للقرآن والــحديث ويؤيده ما وقع في العيني شرح صحيح البخاري في شرح قوله «أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة» الــحديث. إن قيل ما حقيقة الرؤيا الصالحة أجيب بأنّ الله تعالى يخلق في قلب النائم أو في حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء ولا يمنعه نوم ولا غيره عنه. فربّما يقع ذلك في اليقظة كما رآه في المنام وربّما جعل ما رآه علما على أمور يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى انتهى.

ثم قال في شرح المواقف: وقال الحكماء المدرك في النوم يوجد ويرتسم في الحسّ المشترك وذلك الارتسام على وجهين. الأول أن يرد ذلك المدرك على الحسّ المشترك من النفس الناطقة التي تأخذه من العقل الفعّال، فإنّ جميع صور الكائنات مرتسم فيه. ثم إنّ ذلك الأمر الكلي المنتقش في النفس يلبسه ويكسوه الخيال صورا جزئية إمّا قريبة من ذلك الأمر الكلي أو بعيدة منه فيحتاج إلى التعبير، وهو أن يرجع المعبّر رجوعا قهقريا مجرّدا له، أي للمدرك في النوم عن تلك الصور التي صوّرها الخيال حتى يحصل المعبّر بهذا التجريد إمّا بمرتبة أو بمراتب على حسب تصرّف المتخيّلة في التصوير، والكسوة ما أخذته النفس من العقل الفعّال فيكون هو الواقع. وقد لا يتصرّف فيه الخيال فيؤديه كما هو بعينه أي لا يكون هناك تفاوت إلّا بالكلية والجزئية فيقع من غير حاجة إلى التعبير. والثاني أن يرد على الحسّ المشترك لا من النفس بل إمّا من الخيال مما ارتسم فيه في اليقظة، ولذلك من دام فكره في شيء يراه في منامه. وقد تركّب المتخيّلة صورة واحدة من الصور الخيالية المتعددة وتنقشها في الحسّ المشترك فتصير مشاهدة، مع أنّ تلك الصورة لم تكن مرتسمة في الخيال من الأمور الخارجة، وقد تفصل أيضا بعض الصور المتأدّية إليه من الخارج وترسمها هناك. ولذلك قلّما يخلو النوم عن المنام من هذا القبيل. وإمّا مما يوجبه مرض كثوران خلط أو بخار. ولذلك [فإن] الدموي يرى في المنام الحمر، والصفراوي النيران والأشعّة، والسوداوي يرى الجبال والأدخنة، والبلغمي المياه والألوان البيض.
وبالجملة فالمتخيّلة تحاكي كل خلط أو بخار بما يناسبه وهذا المدرك بقسميه من قبيل أضغاث أحلام لا يقع هو ولا تعبيره، بل لا تعبير له انتهى. لقد قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة: اعلم أنّ ثمّة خلافا حول تحقيق معنى الرؤيا لدى العقلاء بسبب الإشكال الوارد هنا، وهو أنّ النوم عكس الإدراك. إذن فما يرى (في المنام) ما هو؟ وأكثر المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة على أنّ ذلك خيال باطل وليس بإدراك حقيقي.
أمّا عند المعتزلة فلأنّ للإدراك شرائط مثل المقابلة وخروج الشّعاع من العين المبصرة وتوسّط الهواء الشّفّاف وأمثال ذلك، وهذا كله مفقود في المنام. إذن ما هو إلّا خيالات فاسدة وأوهام باطلة.

وأمّا عند الأشاعرة: فمن حيث إنّ النوم نقيض الإدراك. ولم تجر العادة الإلهية بخلق الإدراك في النائم. إذن ما يوجد ليس إدراكا حقيقة بل هو خيال باطل. وأمّا مرادهم من ذلك فهو بطلان كونه إدراكا حقيقيا وليس عدم اعتباره بالتعبير أو بعدمه. وذلك لأنّ الإجماع على صحّة الرؤيا الصالحة وأنّها حقيقة وحقّة عند أهل الحقّ.

ثم إنّ الأشاعرة يقولون: ليس في الرؤيا إدراكا حقيقيا ولكنه مع ذلك فهو ثابت وله تعبير.

وقال «الطيبي»: إنّ حقيقة الرؤيا إظهار الحقّ سبحانه وتعالى في قلب النائم علوما ومشاهد كما في اليقظان. والله سبحانه قادر على ذلك، وليس سببه اليقظة. وكذلك ليس النوم بمانع منه، كما هو مذهب أهل السّنة في باب الحواس الخمس الظاهرة، فعادة الحقّ سبحانه جارية بأنّه حين استعمال الحواس يظهر الإدراك، وذلك ليس بمعنى أنّ الحواس موجبة لذلك، بل إنّ ذلك كائن بخلق الله لذلك الإدراك، وليس بفضل الحواس وحدها. وإن في خلق الإدراكات في النائم علامة وإشارة إلى أمور أخرى تعرض في حال أخرى (اليقظة) كما هو تعبيرها، كما أن الغيم دليل على وجود المطر. وبناء على هذا القول تكون الرؤيا إدراكا حقيقة، وليس بين النوم واليقظة فرق من باب تحقّق الإدراك الباطني. نعم في باب إدراك الحواس الظاهرة ثمّة فرق وذلك لأنّه في حالة النوم تكون الحواس الظاهرة معطّلة. أمّا الحواس الظاهرة فلا دخل لها أصلا في الإدراكات التي ترى في النوم، مثلما في حالة اليقظة لا دخل لها في الإدراكات الباطنية كإدراك الجوع والعطش والحرارة الباطنية والبرودة وحاجات الإنسان الأخرى كالتّبوّل وغيرها.
ثم إنّ تحقيق الحكماء في باب الرؤيا متوقّف على تحقّق الحواس الباطنة، وثبوتها مبنيّ على قواعدهم، أما حسب الأصول الإسلامية فغير كاملة كما هو مبين ومفصّل في كتب الكلام، وسنوردها هنا بطريق الإجمال:
إنّ في الإنسان قوّة متصرّفة ومن شأنها تركيب الصور والمعاني. وعليه فإذا تصرّف الإنسان في الصور وركبها بحيث ضمّ بعضها إلى بعض مثل إنسان ذي رأسين أو أربعة أيادي وأمثال ذلك، أو أن يشطر بعض الصور كإنسان بلا رأس أو بدون يد، وأمثال ذلك. فهذا ما يقال له: المتخيّلة. وأمّا إذا تصرّف في تركيب المعاني كما هو الحال في الصور فتلك هي المتفكرة. وهذه القوة دائما سواء في حال اليقظة والمنام مشغولة وخاصة في حال النوم فإنها أكثر شغلا. وللنفس الناطقة الإنسانية اتصال معنوي روحاني بعالم الملكوت، كما إنّ صور جميع الكائنات من الأزل حتى الأبد مرسومة وثابتة في الجواهر المجرّدة لذلك العالم. وبما أنّ النفس في حالة النوم تفرغ من الاشتغال بإدراك المحسوسات ومن تدبير شئون الجسم والعالم الجسماني لذلك وللاتصال الذي لها بتلك الجواهر المجرّدة العالية، فإنّ بعض الصور تظهر في النفس الناطقة وتنطبع فيها كما تنعكس الصّور على المرآة، ثم تقع من النفس الناطقة إلى الحسّ المشترك، ثم تقوم القوة المتصرّفة الناشئة من الحسّ المشترك بالتفصيل والتركيب، وعليه فحينا تعطي لتلك الصور كسوة ولباسا مختلفا، وبسبب علاقة التّماثل والتّشابه من النظير لنظيره تنتقل مثلما صورة حبة اللؤلؤ تبدو كحبّ الرّمان، وحينا تكون العلاقة مغايرة وتضاد مثل الضحك يأخذ صورة البكاء وبالعكس.
وهذا القسم يحتاج فيه إلى التعبير. وحينا تخرج الرؤيا بجنسها بدون تغيير أو تلبيس، وهذا النوع لا يحتاج إلى تعبير. فكما يرى يقع بعينه.
وحينا تأخذ القوة المتخيّلة جميع هذه الصّور من الصّور الخيالية المخزونة والمحفوظة فيها في حالة اليقظة، ولهذا في كثير من الأحوال يرى في النوم ما يفكّر فيه حالة اليقظة.
وحينا بسبب الأمراض يمكن أن ترى الصّور المناسبة لحاله التي هو فيها مثلما يرى الدموي المزاج ألوانا حمراء، والصفراوي يرى النار والجمر، وفي حال غلبة الرياح يرى نفسه طائرا. وأمّا السوداوي المزاج فيرى الجبال والدخان، وكذلك البلغمي يرى المياه والأمطار والألوان البيضاء، ورؤية هذين القسمين في النوم لا اعتبار لها. ولا تستحقّ التعبير وتسمّى أضغاث أحلام.
وأمّا طائفة الصوفية القائلين بعالم المثال فلهم في هذا المقام تحقيق آخر وهو مذكور في كتبهم.
وأكثر ما تطلق الرؤيا على الرؤيا الصالحة. وأمّا الرؤيا السّيّئة فيقال لها حلم، بضم الحاء؛ وهذا التخصيص شرعي. ولكنه في اللغة يراد به أي نوع من الرؤى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة»، متّفق عليه. وفي هذا الــحديث يمكن ورود عدد من الإشكالات: أولها: أنّه جزء من النبوة فإذن من ليس بنبي لا يرى رؤيا صالحة. بينما الواقع أنّ الرؤيا الصالحة قد تكون لغير الأنبياء أيضا.

والثاني: هو أنّ النبوة نسبة وصفة، فإذن ما معنى كون الرؤيا الصالحة جزء منها؟.

والثالث: هو أنّ الرؤيا الصالحة كالمعجزات والكشف وبقية أوصاف وأحوال الأنبياء التي هي من نتائج وآثار النبوّة وليس من أجزائها. إذن ما معنى أو ما تأويل وجه الجزئية المذكورة؟

والرابع: أنّ مقام النبوّة قد ختم، بينما الرؤيا الصالحة باقية. إذن كيف يفهم معنى الجزئية من النبوّة، وذلك لأنّ وجود الجزء بدون الكلّ أمر محال مثلما هو الكلّ محال بدون الجزء؟

وأخيرا: ما هو التوجيه لتجزئة النبوة إلى 46 جزءا واعتبار الرؤيا جزءا واحدا منها؟

والجواب على الإشكال الأول: هو أنّ المراد جزء من النبوة بالنسبة للأنبياء لأنّهم يوحى إليهم في المنام. وهذا الجواب يردّ عليه حديث آخر ونصّه: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا. الــحديث.
وأمّا الجواب على الإشكالات 2، 3، 4، هو أنّ الرؤيا جزء من أجزاء علوم النبوّة، بل أجزاء طرق علوم النبوّة، وعلوم النبوّة باقية لما ورد في الــحديث: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وهي الرؤيا الصالحة».

وقال بعضهم: المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة أثر من آثار النبوّة، وهي من الفيض الإلهي والإلهام الرّباني، وهذا الأثر باق من آثار النبوّة وجزء من أصل النبوّة لا يوصف بالجزئية إلّا باعتبار ما كان.

وقال قوم غيرهم: النبوّة هنا بمعناها (اللغوي) الإنباء، أي أنّ الرؤيا الصالحة هي أخبار صادقة لا كذب فيها. وثمّة تصريح بذلك في بعض الأحاديث. وقال غيرهم: المراد بالجزء ليس المعنى المتعارف عليه عند أهل المعقول (الفلسفة)؛ بل المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة صفة من صفات النبوّة وفضيلة من الفضائل العائدة إليها، وقد توجد بعض صفات الأنبياء لدى غير الأنبياء، كما ورد في حديث آخر معناه: الطريق الواضح والفضيلة والحكم والاعتدال من النبوة. والحاصل: هو أنّ جميع صفات الكمال أصلها عائد للنبوّة ومأخوذ من هناك، وأمّا تخصيص الرؤيا بذلك فلمزيد الاختصاص في باب الكشف وصفاء القلب. ولا شكّ أنّ جميع كرامات (الأولياء) ومكاشفاتهم من ظلال النبوّة وشعاع من أشعتها.
أمّا وجه التخصيص بالعدد ستة وأربعين فهو أنّ زمان نبوة (سيدنا محمد) كان 23 سنة، وقد ابتدأ الوحي بالرؤيا الصالحة لمدة ستة أشهر، والنسبة بينهما هي 1/ 46. ولكن «التوريشي» يعترض قائلا: إنّ تعيين مدة النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) بثلاث وعشرين سنة مسلّم لأنّه ورد في روايات يعتدّ بها، أمّا كون الرؤيا وتعيينها في هذه المدة بستة أشهر فشيء من عند قائله ولا توجد أي رواية أو نصّ مؤيّد لذلك. انتهى.

والحاصل: هو أنّه من أجل تعيين المدّة المذكورة لا يوجد أصل أو سند صحيح. نعم ولكن مذهب أكثر أهل الــحديث أنّه صلى الله عليه وسلم خلال الأشهر الستة الأولى كان في رتبة النبوة الخاصة، وكان مكلّفا بتهذيب نفسه خاصّة ثم بعد ذلك أمر بالدعوة والبلاغ أي بالرسالة.
وليس في مذهبهم لزوم كون النبي داعيا ومبلّغا إذا كان ما يوحى إليه خاصّ به وحده لتهذيب نفسه فهو كاف لتحقّق مرتبة النبوة. وعليه فإن ثبت أنّ الوحي خلال الأشهر الستة الأولى كان في المنام فقط، ثبت وصح حينئذ كلام القائل بذلك.
ولكن محلّ هذا الكلام وفقا لمذهبهم (أهل الــحديث). فإذن فالأحوط في باب تخصيص العدد المذكور 1/ 46 هو التفويض لعلم النبوّة، لأنّ أمثال هذه العلوم من خواص الأنبياء، ولا يوصل بالقياس العقلي، إلى كنهها.
وهكذا أيضا حكم الأعداد في جميع المواضع مثل أعداد الركعات في الصلاة والتسبيحات وأعداد أنصبة الزكاة ومقادير الزكاة وعدد الطواف في الحجّ ورمي الجمار والسّعي وأمثال ذلك.

ويقول صاحب «المواهب اللدنية»: ذكر العلماء مراتب الوحي وطرائقها فعدّوا 46 نوعا، والرؤيا الصادقة واحدة منها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثّل في صورتي) متفق عليه.

وقال بعض أرباب التحقيق: إنّ الشيطان يستطيع التمثّل بصورة الرّبّ، ويكذب ويوقع الرائي في الوسوسة بأنّ ما يراه هو الحقّ، ولكن إبليس لا يستطيع أبدا أن يتمثّل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يستطيع الكذب عليه، وذلك لأنّ النبي مظهر للهداية والشيطان مظهر للضلال، وبين الهداية والضلال تباين. أما الحقّ جلّ وعلا فهو مطلق أي أنّه جامع لصفات الهداية والإضلال وجميع الصفات المتعارضة. ثم إنّ دعوى الألوهية من الكائنات البشرية المخلوقة صريحة البطلان وليست محلّ شبهة بخلاف دعوى النبوة.
ولهذا إذا ادّعى أحدهم بدعوى الألوهية فيتصوّر حينئذ صدور خوارق العادات منه كما هو حال فرعون وأمثاله، وكما سيكون من المسيح الدجال فيما بعد. وأمّا ادعاء النبوة كذبا فلا تصاحبها معجزة ظاهرة. وإذا صاحبها خرق للعادة فإنما يكون على خلاف دعوى المدّعي وعلى عكس توقّع المعتقدين. ولذا يقال لخرق العادة للكذاب إهانة، كما حصل لمسيلمة الكذّاب، فقد قال له من حوله: إنّ محمدا تفل على عين رمداء فشفيت، فافعل أنت مثله، ففعل، فعميت عين ذلك الرجل التي تفل فيها.

ثم قالوا له ثانية: إنّ محمدا تفل في بئر غائر ماؤها، ففاضت مياه البئر حتى بلغت أعلى البئر، فافعل مثله. ففعل فجفّت البئر تماما.
ثم اعلم بأنّ ثمة أحاديث كثيرة تدلّ على أنّ كلّ من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقد رآه حقا، ولا يوجد في الأمر أيّ كذب أو شكّ أو بطلان. وابليس الذي يقدر على التصوّر بعدّة صور سواء في النوم أو في اليقظة فذلك من عمله وخصائصه. ولكنه لا يستطيع أن يتشكّل بصورة النبي أبدا ولا أن يكذب عن لسانه، ويلقى بذلك في خيال الرائي. وقد عدّ جمهور العلماء هذا الأمر من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
والآن ذهب قوم إلى أنّ هذه الأحاديث تحمل على من رأى النبي صلى الله عليه وسلم بصورته وحليته المخصوصة التي كانت له فقط.

وتوسّع قوم فقالوا: سواء رآه بشكله وصورته في خلال حياته كلّها، أي سواء كان شابا أو كهلا أو في أواخر عمره.

وضيق بعضهم فقالوا: لا بدّ من أن يراه بالصورة النهائية التي غادر بها الدنيا. وقال جماعة آخرون: إنّ رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم بحليته المعروفة وصفاته الموصوفة (في كتب الشمائل) هو رؤية كاملة وحقيقية وإدراك لذاته الكريمة.
وأمّا رؤيته على غير تلك الحالة فهي إدراك للمثال. وكلا النوعين رؤيا حقّ وليست من أضغاث الأحلام، ولا يتمثّل الشيطان بواحدة منهما. لكن النوع الأول حقّ وحقيقة والثاني حقّ وتمثيل. ولا حاجة بالأول إلى التعبير لعدم وجود شبهة أو لبس. والنوع الثاني بحاجة إلى تعبير وعليه: فإنّ معنى الــحديث المذكور: بأيّ صورة أرى فهو حقّ وليس من الباطل ولا من الشيطان.

وقال الإمام (النووي) محي السنة: إنّ هذا القول هو أيضا ضعيف، والصحيح هو أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان بصفاته المعروفة أو غير ذلك. والاختلاف في الصفات لا يعني اختلاف الذات، فإذن: إنّ المرئي بأي لباس أو أيّ صفة كانت فهو عينه.
وللإمام الغزالي في هذا المقام تحقيق آخر: ومبناه أنّ الإنسان مركّب من جزءين، أحدهما: الروح وهي مجرّدة، والبدن وهو آلة لإيصال الإدراك إليه. وإنّما مراد الرسول من قوله: «فقد رآني» ليس معناه رأى جسمه بل مثالا وهو آلة لتوصيل ذلك المعنى الذي في نفسي بواسطة تلك الآلة، وبدن الإنسان في اليقظة أيضا ليس إلا آلة للنفس لا أكثر.
والآلة حينا تكون حقيقية، وتارة تكون خيالية. إذن فما يراه النائم من شكل ومثال الروح المقدّسة الذي هو محلّ النبوة وليس جسمه أو شخصه.
ومثل هذا رؤية الحقّ سبحانه في المنام فهو منزّه عن الشكل والصورة ولكن الغاية تصبح بواسطة التعريفات الإلهية لدى العباد بواسطة الأمثلة النورانية المحسوسة أو الصور الجميلة، وهذا يشبه الآلة.
وهكذا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الذي تعتبر ذاته الطاهرة روحا مجرّدة عن الشّكل والصورة واللون، ولكنه لمّا كان في حال الحياة فإنّ روحه المقدّسة كانت متعلّقة بذلك البدن الذي هو آلة لإدراك الروح ورؤيتها.
وأمّا بعد ما توارى بدنه الشريف في الروضة النبوية المطهّرة فإنّ الرائين (للنبي صلى الله عليه وسلم) إنما يرون طبقا لمصلحة الوقت ووفقا لتناسب حال الرائي مع الآلات والوسائط لإدراك روح النبي صلى الله عليه وسلم.
فليس المرئي روحه المجرّدة ولا جسمه وبدنه الشريف المخصوص، لأنّ حضور شخص متمكّن في مكان مخصوص وزمان ما بصفات متغايرة وصور مختلفة في أمكنة متعددة لا يتصوّر إلا بطريق التمثّل كما رئيت صورة شخص ما في عدد من المرايا المختلفة وعليه فالمرئي في رؤى الرائين إنّما هو مثالات للروح المقدّسة وهي حقّ. ولا طريق للقول ببطلان ذلك.
أمّا اختلاف الأمثلة فلاختلاف أحوال مرايا القلوب لدى الرائين مثلما تفاوت الأحوال للصّور بحسب تفاوت أحوال المرايا، وإذن:
فكلّ من رآه بصورة حسنة فذلك من حسن دينه، وكلّ من رآه على عكس ذلك فذلك نقصان دينه.
وهكذا إن رآه أحدهم شيخا والآخر شابا وبعضهم طفلا، وأحدهم راضيا وآخر غضبان، وبعضهم ضاحكا وآخرون باكيا. فهذا كله مبني على اختلاف أحوال الرائين.
وعليه فإنّ رؤية الذات النبوية الشريفة هي معيار لمعرفة أحوال الرّائي الباطنية. وهنا ضابطة مفيدة للسّالكين وبها يعرفون أحوالهم الداخلية إلى أين وصلوا؟ وفي أي مقام هم؟ فيعالجون النّقص. وفي الحقيقة إنّ رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة مرآة صقيلة تنعكس عليها أحوال الرّائين. وعلى هذا القياس قال بعض أرباب التحقيق: إنّ ما يسمعه الرائي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: يلزم عرضه على السّنّة القولية والفعلية، فإن كانت موافقة لها فهي حقّ، وإذا عارضتها فلعلّة عارضة في سمع الرائي، وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة (بعد وفاته صلى الله عليه وسلم)، فقد قال بعض المحدّثين: لم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة أو التابعين. نعم، وردت حكايات بذلك عن بعض الصالحين في هذا الباب، ويمكن اعتبارها صحيحة وهي كثيرة جدا عن المشايخ تقرب من حدّ التواتر، وإنكار هذا الأمر من باب إنكار الكرامات للأولياء؛ ويقول الإمام الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال»: إنّ أرباب القلوب يشاهدون في اليقظة الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم كلاما، ويقتبسون منهم فوائد.

وقالوا: في الحقيقة إنّ ذلك (المرئي) هو أيضا مثال ولو كان يقظة. انتهى من ترجمةالمشكاة المسمّى بأشعة اللمعات.

سَفَرَ

(سَفَرَ)
فِيهِ «مَثَلُ الماهِر بِالْقُرْآنِ مَثَلُ السَّفَرَةِ» هُمُ الْمَلَائِكَةُ، جمعُ سَافِرٍ، والسَّافِرُ فِي الْأَصْلِ الْكَاتِبُ، سُمِّىَ بِهِ لِأَنَّهُ يبَين الشَّيْءَ ويُوَضِّحه.
وَمِنْهُ قوله تعالى بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرامٍ بَرَرَةٍ.
وَفِي حَدِيثِ الْمَسْحِ عَلَى الُخْفَّين «أُمِرْنَا إِذَا كُنَّا سَفْراً أَوْ مُسَافِرِينَ» ، الشكُّ مِنَ الرَّاوِي فِي السَّفْر وَالْمُسَافِرِينَ. السَّفْرُ: جمعُ سَافِرٍ، كَصَاحِبٍ وصَحْب. والْمُسَافِرُونَ جمعُ مُسَافِرٍ. والسَّفْرُ والْمُسَافِرُونَ بِمَعْنًى وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لأهلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ: يَا أهلَ البلَد صلُّوا أَرْبَعًا فإنَّا سَفْرٌ» ويُجْمَعُ السَّفْرُ عَلَى أَسْفَارٍ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ، وَذِكْرُ قَوْم لُوط قَالَ «وتُتُبِّعت أَسْفَارُهُمْ بالحجَارَة» أَيِ القَوم الَّذِينَ سَافَرُوا مِنْهُمْ.
(س) وَفِيهِ «أَسْفِرُوا بالفَجْر فَإِنَّهُ أعْظَم للأجْر» أَسْفَرَ الصبح إذ انكَشَف وأضاءَ.
قَالُوا: يَحتَمل أَنَّهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بتَغْلِيس صلاةِ الفجْر فِي أَوَّلِ وقتِها كَانُوا يُصَلُّونها عِنْدَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ حِرصاً وَرَغْبَةً، فَقَالَ أَسْفِرُوا بِهَا: أَيْ أخّرُوها إِلَى أَنْ يَطلُع الفجْر الثَّاني وتتحقَّقُوه، ويُقَوّى ذَلِكَ أنَّه قَالَ لِبِلَالٍ: نّوِّر بِالْفَجْرِ قدْرَ مَا يُبْصِر القومُ مواقعَ نَبْلهم.
وَقِيلَ إنِّ الأمرَ بالإسْفار خاصٌّ فِي اللَّيالي المُقمرة؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الصبُّح لَا يَتَبين فِيهَا، فأُمِرُوا بِالْإِسْفَارِ احْتِيَاطًا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «صَلُّوا المَغْرب والفِجَاجُ مُسْفِرَةٌ» أَيْ بَيِّنَةٌ مضيئةٌ لَا تخْفَى.
وَــحَدِيثُ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيِّ «كَانَ يَأتِينا بِلاَلٌ بِفطْرِنا ونحنُ مُسْفِرُونَ جِدّاً» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أمَرْت بِهَذَا البَيت فَسُفِرَ» أَيْ كُنِس. والْمِسْفَرَةُ: المِكْنَسة، وأصلُه الكشْف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّخَعِيِّ «أَنَّهُ سَفَرَ شَعْره» أَيِ استأصَله وَكَشَفَهُ عَنْ رَأْسِهِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «قَالَ: قرأتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفْراً سَفْراً، فَقَالَ:
هَكَذَا فاقْرأ» جَاءَ تفْسيره فِي الْــحَدِيثِ «هَذّاً هَذَاً» قَالَ الحرْبي: إِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنَ السُّرْعة وَالذَّهَابِ. يُقَالُ أَسْفَرَتِ الإبلُ إِذَا ذهَبت فِي الْأَرْضِ، وإلاَّ فَلَا أعْرف وجْهه .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. إِنَّ النَّاس قَدِ اسْتَسْفَرُونِي بينَك وَبَيْنَهُمْ» أَيْ جَعَلُوني سَفِيراً بينَك وبينَهم، وَهُوَ الرَّسُول المُصْلح بَيْنَ القَوم، يُقَالُ سَفَرْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ أَسْفِرُ سِفَارَةً إذا سعيت بينهم فى الإصلاح. (هـ) وَفِيهِ «فَوَضَعَ يدَه عَلَى رَأسِ البَعير ثُمَّ قَالَ: هَاتِ السِّفَارَ، فأخَذَه فوضَعه فِي رَأسه» السِّفَارُ: الزمامُ، والحديدةُ الَّتِي يُخْطمُ بِهَا البَعير ليّذِلّ ويَنْقَاد. يُقَالُ سَفَرْتُ البَعير وأَسْفَرْتُهُ:
إِذَا خَطَمته وذلَّلته بالسِّفار.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «ابْغِني ثَلَاثَ رَوَاحِل مُسْفَرَات» أَيْ عَلَيْهِنَّ السِّفار، وَإِنْ رُوِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ فَمَعْنَاهُ القَوِية عَلَى السَّفَرِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَسْفَرَ الْبَعِيرُ واسْتَسْفَرَ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْبَاقِرِ «تصدَّقْ بجِلال بُدْنك وسُفْرِهَا» هُوَ جمعُ السِّفَارِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ لَهُ ابنُ السَّعْدي: خَرجْت فِي السَّحر أَسْفِرُ فَرَسًا لِي، فمرْرت بمسْجِد بَني حَنِيفَةَ» أرادَ أَنَّهُ خَرَجَ يُدَمِّنُه عَلَى السَّير ويُرَوِّضه ليَقْوي عَلَى السَّفَر.
وَقِيلَ هُوَ مِنْ سَفَرْتُ البَعير إِذَا رَعَيته السَّفِير، وَهُوَ أسافلُ الزَّرع. ويُروى بِالْقَافِ وَالدَّالِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ «قَالَ: ذَبَحْنا شَاةً فجعلناَهَا سُفْرَتَنَا أَوْ فِي سُفْرَتِنا» السُّفْرَةُ طعامٌ يتَّخذه المُسَافر، وأكثُر مَا يُحمل فِي جِلْدٍ مُسْتدِير، فنُقِل اسمُ الطَّعام إِلَى الجِلْدِ وَسُمِّيَ بِهِ كَمَا سُمِّيت المَزَادة رَاوِيَةً، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ المَنقُولة. فالسُّفرة فِي طَعام السَّفَر كاللُّهنة للطَّعام الَّذِي يُؤْكَلُ بُكْرة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «صَنَعنا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْر سُفْرَةً فِي جِرَابٍ» أَيْ طَعَامًا لمَّا هَاجَرَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «لَوْلَا أصواتُ السَّافِرَةِ لَسَمِعْتُمْ وجْبَةَ الشَّمْسِ [وَ] السَّافِرَةُ أُمَّة مِنَ الرُّوم» ، هَكَذَا جَاءَ مُتَّصلا بِالْــحَدِيثِ.

قَتَلَ

(قَتَلَ)
(هـ) فِيهِ «قاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ» أَيْ قَتَلَهم اللَّهُ. وَقِيلَ: لَعنهم، وَقِيلَ: عَادَاهُمْ.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْــحَدِيثِ، وَلَا تَخْرج عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى التَّعَجُّب مِنَ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِمْ: تَرِبَتْ يَداه! وَقَدْ تَرِدُ وَلَا يُراد بها وقُوع الأمر. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قاتَل اللهُ سَمُرة» .
وَسَبِيلُ «فاعَل» هَذَا أَنْ يَكُونَ مِنَ اثْنَين فِي الغالِب، وَقَدْ يَرِدُ مِنَ الْوَاحِدِ، كسافَرْتُ، وطارَقْتُ النَّعْلَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي «قاتِلْه فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» أَيْ دافِعْه عَنْ قِبْلَتِك، وَلَيْسَ كُلُّ قِتال بِمَعْنَى القَتْل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ السِّقيفة «قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا فَإِنَّهُ صَاحِبُ فِتْنة وشَرّ» أَيْ دَفَع اللَّهُ شَرَّه، كَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «إِنَّ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفة: اقْتلوا سَعْدًا قَتَلَه اللَّهُ» أَيِ اجْعلوه كَمَنْ قُتِل واحْسُبُوه فِي عِداد مَن مَاتَ وَهَلَكَ، وَلَا تَعْتَدّوا بمَشْهَدِه وَلَا تُعَرِّجُوا عَلَى قَوْلِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ أَيْضًا «مَن دَعا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فاقْتُلوه» أَيِ اجْعَلَوه كَمَنْ قُتِلَ وَمَاتَ، بِأَنْ لَا تَقْبلوا لَهُ قَوْلاً وَلَا تُقِيموا لَهُ دَعوة.
وَكَذَلِكَ الْــحَدِيثُ الْآخَرُ «إِذَا بُويِع لخَلِيفَتين فاقْتُلوا الآخِرَ مِنْهُمَا» أَيْ أبْطِلوا دَعْوَته واجْعَلوه كَمَنْ مَاتَ.
وَفِيهِ «أشدُّ النَّاسِ عَذَابًا يومَ الْقِيَامَةِ مَن قَتَلَ نَبِيَّا أَوْ قَتَلَه نبيٌّ» أَرَادَ مَنْ قَتَلَه وَهُوَ كَافِرٌ، كقَتْله أُبَيَّ بْنَ خَلفٍ يَوْمَ بدرٍ، لَا كَمَنْ قَتَلَه تَطْهِيرًا لَهُ فِي الْحَدِّ، كماعِزٍ.
(س) وَفِيهِ «لَا يُقْتَل قُرَشِيٌّ بَعْدَ الْيَوْمِ صَبْراً» إِنْ كَانَتِ اللَّامُ مَرْفُوعَةً عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ مَحْمول عَلَى مَا أَبَاحَ مِنْ قَتْل القُرَشيَّين الْأَرْبَعَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وهُم ابْنُ خَطل ومَن مَعَهُ: أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَعُودون كُفَّاراً يَغْزَون ويُقْتَلون عَلَى الْكُفْرِ، كَمَا قُتِل هَؤُلَاءِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ الْآخَرِ «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ الْيَوْمِ» أَيْ لَا تَعُودُ دَارَ كُفر تُغْزى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتِ اللَّامُ مَجْزُومَةً فَيَكُونُ نَهْياً عَنْ قَتْلِهم فِي غَيْرِ حدٍّ وَلَا قِصاص.
وَفِيهِ «أعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أهلُ الإِيمان» القِتْلة بِالْكَسْرِ: الْحَالَةُ مِنَ القَتْل، وَبِفَتْحِهَا الْمَرَّةُ مِنْهُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْــحَدِيثِ. ويُفْهَم الْمُرَادُ بِهِمَا مِنْ سِياق اللَّفْظِ.
وَفِي حَدِيثِ سَمُرة «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْناه، وَمَنْ جَدع عبدَه جَدَعْناه» ذُكِر فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ نَسِي هَذَا الْــحَدِيثَ، فَكَانَ يَقُولُ: «لَا يُقْتَل حُرٌّ بعَبْد» ويَحتمِل أَنْ يَكُونَ الحسَن لَمْ يَنْسَ الْــحَدِيثَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَأوّلُه عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الْإِيجَابِ، ويَراه نَوْعًا مِنَ الزجْر ليَرْتَدِعوا وَلَا يُقْدِموا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ فِي شَارِبِ الخمْر: «إنْ عادَ فِي الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ فاقْتُلوه» ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِيهَا فَلَمْ يَقْتُله.
وتأوّلَه بعضُهم أَنَّهُ جَاءَ فِي عبدٍ كَانَ يَمْلِكه مرَّةً، ثُمَّ زَالَ مِلْكُه عَنْهُ فَصَارَ كُفؤاً لَهُ بالحُرِّيَّة.
وَلَمْ يَقلُ بِهَذَا الْــحَدِيثِ أحدٌ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شاذَّة عَنْ سُفيان، والمَرْوِيُّ عَنْهُ خلافهُ.
وَقَدْ ذَهب جَمَاعَةٌ إِلَى القِصاص بَيْنَ الحُرِّ وَعَبْدِ الغَير. وأجْمعوا عَلَى أَنَّ القِصاص بَيْنَهُمْ فِي الْأَطْرَافِ ساقِط، فَلَمَّا سَقَط الجَدْع بِالْإِجْمَاعِ سَقَطَ القِصاص، لِأَنَّهُمَا ثَبَتا مَعًا، فَلَمَّا نُسِخا نُسِخا مَعًا، فَيَكُونُ حَدِيثُ سَمُرة مَنْسُوخًا. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ.
وَقَدْ يَرِدُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ رَدْعاً وزجْراً وَتَحْذِيرًا، وَلَا يُراد بِهِ وُقوع الْفِعْلِ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي السَّارِقِ «أَنَّهُ قُطِع فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، إِلَى أنْ جِيء بِهِ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ: اقْتُلوه، قَالَ جَابِرٌ: فقَتَلْناه» وَفِي إِسْنَادِهِ مقَال. وَلَمْ يَذْهب أحدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى قَتْل السَّارِقِ وَإِنْ تكرَّرت مِنْهُ السَّرِقة.
(س) وَفِيهِ «عَلَى المُقْتَتِلِين أَنْ يَتَحَجُّزُوا، الأوْلى فالأوْلى، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكفُّوا عَنِ القَتْلِ، مثْل أَنْ يُقْتَل رَجُلٌ لَهُ ورَثة، فأيُّهم عَفا سَقط القَودَ.
والأوْلَى: هُوَ الأقْرَب والأدْنَى مِن وَرَثة القَتيل.
وَمَعْنَى «المُقْتَتِلِين» : أَنْ يَطْلب أَوْلِيَاءُ القَتِيل القَوَد فيَمتنِع القَتَلَةُ فيَنْشأ بَيْنَهُمُ القِتال مِنْ أجْلِه، فَهُوَ جَمْع مُقْتَتِل، اسْمِ فاعِل مِنَ اقْتَتَلَ.
ويَحْتَمل أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ بنَصْب التاءَيْن عَلَى المفْعول. يُقَالُ: اقْتُتِلَ فَهُوَ مُقْتَتَل، غَيْرَ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يكثُر استعمالُه فِيمَنْ قَتَلَه الحُبُّ.
وَهَذَا حَدِيثٌ مُشْكِل، اخْتَلَفت فِيهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي المُقْتَتِلِين مِنْ أَهْلِ القِبْلَة، عَلَى التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ البَصائر رُبما أدْرَكَت بعضَهم، فاحْتاج إِلَى الِانْصَرَافِ مِنْ مَقامه الْمَذْمُومِ إِلَى الْمَحْمُودِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا يَمُرُّ فِيهِ إِلَيْهِ بَقَيَ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، فعَسَى أَنْ يُقْتَل فِيهِ، فأمِروا بِمَا فِي هَذَا الْــحَدِيثِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ يَدخل فِيهِ أَيْضًا المُقْتَتِلون مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالهم أَهْلَ الحَرْب، إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَطْرَأ عَلَيْهِمْ مَن مَعَهُ العُذر الَّذِي أبِيح لَهُمُ الانْصِراف عَنْ قِتالِه إِلَى فِئَة الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَتَقَوَّون بِهَا عَلَى عَدُوّهم، أَوْ يَصِيرُوا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَون بِهِمْ عَلَى قِتَالِ عَدُوهم فيُقَاتِلونَهم مَعَهُمْ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أرْسَل إليَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهلِ اليَمامة» المَقْتَل: مَفْعل، مِنَ القَتْل، وَهُوَ ظَرْفُ زَمَانٍ هَاهُنَا، أَيْ عِنْدَ قَتْلِهم فِي الوقْعة الَّتِي كَانَتْ باليَمامة مَعَ أَهْلِ الرِدّة فِي زمَن أَبِي بَكْرٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ «أَنَّ مالِكَ بْنَ نُوَيْرة قَالَ لامْرأتْه يومَ قَتَلَه خَالِدٌ: أَقْتَلْتِني» أَيْ عَرَّضْتِنيِ للقَتْل بُوجوب الدِفاع عنْكِ والمُحاماة عليكِ، وَكَانَتْ جَميلةً وتَزَوّجَها خَالِدٌ بَعْدَ قَتْلِه. ومثْلُه:
أبَعْتُ الثَّوبَ إِذَا عَرّضْتَه للبَيع.

بَعَلَ

(بَعَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ التَّشْرِيقِ «إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وشُرْب وبِعَال» البِعَال: النِّكَاحُ ومُلاعَبة الرجُل أهلَه. والمُبَاعَلَة: المباشَرة. وَيُقَالُ لِــحَدِيثِ العَرُوسَين بِعَال. والبَعْل والتَّبَعُّل:
حسْن العِشْرة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ الأشْهَلِيَّةِ «إِذَا أحْسَنْتُنَّ تَبَعُّلَ أزْوَاجِكُنّ» أَيْ مُصاحَبَتَهم فِي الزوْجيَّة وَالْعِشْرَةِ. والبَعْل الزَّوْجُ، وَيُجْمَعُ عَلَى بُعُولَة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إلاَّ امْرَأة يَئِسَت منَ البُعُولَة» وَالْهَاءُ فِيهَا لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ البُعُولَة مَصْدر بَعَلَتِ الْمَرْأَةُ، أَيْ صَارَتْ ذَاتَ بَعْل.
وَفِي حَدِيثِ الإيمانِ «وَأَنْ تلِد الْأَمَةُ بَعْلَهَا» الْمُرَادُ بالبَعْل هَاهُنَا المالِكُ. يَعْني كَثْرَةَ السَّبْي والتَّسَرِّي، فَإِذَا اسْتَولد المسْلم جَارِيَةً كَانَ وَلدُها بِمَنْزِلَةِ رَبِّها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ مرَّ بِرجُلَيْن يَخْتَصِمَانِ فِي ناقةٍ وأحدُهما يَقُولُ أَنَا وَاللَّهِ بَعْلُهَا» أَيْ مالِكُها ورَبُّها.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّ رجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبايعُك عَلَى الجهادِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ بَعْل» البَعْل: الكَلّ. يُقَالُ صَارَ فُلَانٌ بَعْلًا عَلَى قَوْمِهِ، أَيْ ثِقَلاً وعِيَالاً. وَقِيلَ أَرَادَ هَلْ بَقِي لَكَ مَنْ تَجب عَلَيْكَ طاعتُه كالوَالِدَين.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «مَا سُقِيَ بَعْلًا فَفِيهِ العُشْر» هُوَ مَا شرِب مِنَ النَّخِيل بعُرُوقه مِنَ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ سَقْي سَماء وَلَا غَيْرِهَا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هُوَ مَا يَنْبُت مِنَ النَّخْل فِي أرضٍ يَقْرُب مَاؤُهَا، فرسَخَت عُرُوقها فِي الْمَاءِ واسْتَغْنَت عَنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا. وَمِنْهُ حَدِيثُ اُكَيْدر «وَإِنَّ لَنَا الضَّاحِيَةَ مِنَ البَعْل» أَيِ الَّتِي ظَهَرت وخرجَت عَنِ العِمَارة مِنْ هَذَا النَّخْلِ.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «العَجْوةُ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ وَنَزَلَ بَعْلُها مِنَ الجَنَّة» أَيْ أصْلُها. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ:
أَرَادَ بِبعْلها قَسْبَها الراسخَ عروقُه فِي الْمَاءِ، لَا يُسْقَى بِنَضْح وَلَا غَيْرِهِ، وَيَجِيءُ ثَمَرُهُ يابِساً لَهُ صَوْت، وَقَدِ اسْتَبْعَل النَّخْلُ إِذَا صَارَ بَعْلا.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُروة «فَمَا زَالَ وَارِثُه بَعْلِيّاً حَتَّى مَاتَ» أَيْ غَنِيًّا ذَا نَخْلٍ وَمالٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أدْرِي مَا هَذَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَى بَعْل النَّخْل. يُرِيدُ أَنَّهُ اقْتَنى نَخْلا كَثِيرًا فنُسِب إِلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ مِنَ البَعْل: المالكِ وَالرَّئِيسُ، أَيْ مَا زَالَ رَئِيسًا مُتَملِّكا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الشُّورَى «قَالَ عُمَرُ: قُومُوا فَتَشَاوَرُوا فَمَنْ بَعَلَ عَلَيْكُمْ أمْرَكُم فَاقْتُلُوهُ» أَيْ مَن أبَى وَخَالَفَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ تأمَّر عَلَيْكُمْ مَنْ غَير مَشُورة، أوْ بَعَلَ عَلَيْكُمْ أَمْرًا» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَإِنْ بَعَلَ أحدٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ تَشَتُّتَ أمْرِهم، فَقَدِّمُوهُ فَاضْرِبُوا عُنُقه» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ «لَمَّا نَزَلَ بِهِ الهيَاطِلَة- وَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الهِنْد- بَعَلَ بِالْأَمْرِ» أَيْ دَهِش، وَهُوَ بكَسْر العَيْن.

جَدَدَ

(جَدَدَ)
- فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «تباركَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّكَ» أَيْ عَلاَ جَلاَلُك وعظَمَتُك.
والجَدّ: الحظُّ والسَّعادة والغنَى.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «وَلَا يَنْفَع ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ» أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الغِنَى مِنْكَ غِنَاه، وإنَّما ينفعُه الإيمانُ وَالطَّاعَةُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الْقِيَامَةِ «وَإِذَا أَصْحَابُ الجَدّ مَحْبُوسون» أَيْ ذوُو الْحَظِّ والغِنى.
(هـ) وَــحَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فينَا» أَيْ عَظُم قدرُه وَصَارَ ذَا جَدّ.
وَفِي الْــحَدِيثِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَدَّ فِي السَّير جَمع بَيْنَ الصَّلاتَين» أَيْ إِذَا اهْتَّم بِهِ وَأَسْرَعَ فِيهِ. يُقَالُ جَدَّ يَجُدُّ ويَجِدُّ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ. وجَدَّ بِهِ الأمرُ وأَجَدّ. وجَدَّ فِيهِ وأَجَدَّ: إِذَا اجْتَهَدَ.
ومنه حديث أحُد «لئن أشهدنى الله معى النبي صلى الله عليه وسلم قتالَ المشركين ليَريَنَّ الله ما أُجِدُّ» أي مَا أجْتَهِد.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ جَدَادِ اللَّيْلِ» الجَدَاد بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: صِرَام النَّخْلِ، وَهُوَ قَطْعُ ثَمَرَتِهَا. يُقَالُ جَدَّ الثَّمرةَ يَجُدُّهَا جَدّاً. وإنَّما نَهى عَنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَسَاكِينِ حَتَّى يحضُروا فِي النَّهَارِ فيُتَصَدّق عَلَيْهِمْ مِنْهُ .
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أَنَّهُ أوصَى بِجَادّ مائةِ وسْق للأشْعَرَيّين، وبِجَادِّ مِائَةِ وسْق للشّيْبيّين» الجَادّ:
بِمَعْنَى المَجْدُود: أَيْ نخْل يُجَدّ مِنْهُ مَا يَبلغ مائةَ وسْق. (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُك جَادّ عشْرين وسْقاً» .
وَالْــحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنْ رَبَطَ فَرَسًا فَلَهُ جَادّ مائةٍ وَخَمْسِينَ وسْقاً» كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لعِزَّة الْخَيْلِ وَقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ.
(س) وَفِيهِ «لَا يَأخُذَنّ أحدُكم مَتَاعَ أَخِيهِ لاعِباً جَادّاً» أَيْ لَا يَأْخُذْهُ عَلَى سَبِيلِ الهزْل، ثُمَّ يَحْبِسُه فيَصير ذَلِكَ جِدًّا. والجِدّ بِكَسْرِ الْجِيمِ: ضِدَّ الْهَزْلِ. يُقَالُ: جَدَّ يَجِدُّ جِدّاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُس.
أَجِدَّكُمَا لَا تَقْضيان كِرَاكُما
أَيْ أبِجِدٍّ مِنْكُمَا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَضَاحِيِّ «لَا يُضَحّي بِجَدَّاء» الجَدَّاء: مَا لَا لَبَنَ لَهَا مِنْ كُلِّ حَلُوبة، لآفَة أيْبَسَتْ ضَرْعها. وتَجَدَّدَ الضَّرعُ: ذَهَبَ لَبَنُهُ. والجَدَّاء مِنَ النِّسَاءِ: الصَّغِيرَةُ الثَّدْيِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَةِ امْرَأَةٍ «قَالَ: إِنَّهَا جَدَّاء» أَيْ صَغِيرَةُ الثَّديين.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «جُدَّ ثدْيا أُمِّكَ» أَيْ قُطِعا، مِنَ الجَدّ: الْقَطْعُ، وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «كَانَ لَا يُبَالِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَكَانِ الجَدَد» أَيِ المسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أسْرِ عُقبة بْنِ أَبِي مُعَيط «فوَحِل بِهِ فَرسُه فِي جَدَد مِنَ الْأَرْضِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ «كَانَ يَخْتَارُ الصَّلَاةَ عَلَى الجُدّ إِنَّ قدَر عَلَيْهِ» الجُدّ بِالضَّمِّ:
شاطىء النَّهر. والجُدَّة أَيْضًا. وَبِهِ سُمِّيَتِ الْمَدِينَةُ الَّتِي عِنْدَ مَكَّةَ: جُدَّة.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «وَإِذَا جَوَادّ مَنْهج عَنْ يَمِيني» الجَوَادّ:
الطُّرُق، وَاحِدُهَا جَادَّة، وَهِيَ سَواء الطَّرِيقِ ووسَطه. وَقِيلَ هِيَ الطَّريق الْأَعْظَمُ الَّتِي تجْمع الطُّرُق وَلَا بُدّ مِنَ الْمُرُورِ عَلَيْهَا. (س) وَفِيهِ «مَا عَلَى جَدِيد الْأَرْضِ» أَيْ وجْهها.
(س) وَفِي قصَّة حُنين «كإمْرار الحدِيد عَلَى الطّسْت الجَدِيد» وَصَفَ الطّسْت وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، بالجدِيد وَهُوَ مُذكر، إِمَّا لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فأوّلَه عَلَى الْإِنَاءِ وَالظَّرْفِ، أَوْ لأنَ فَعِيلًا يُوصَف بِهِ الْمُؤَنَّثُ بِلَا عَلامة تَأْنِيثٍ، كَمَا يُوصف بِهِ المُذَكَّر، نَحْوَ امْرَأَةِ قَتِيل، وكف خضيب. وكقوله تعالى إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

طَيِرَ

(طَيِرَ)
(هـ س) فِيهِ «الرُّؤيا لأوّلِ عَابر، وَهِيَ عَلَى رِجْل طَائِرٍ» كلُّ حَركةٍ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ جارٍ يَجْري فَهُوَ طَائِر مَجَازًا، أَرَادَ: عَلَى رِجل قَدَر جارٍ، وقضَاء ماضٍ، مِنْ خيرٍ أَوْ شرٍ، وَهِيَ لِأَوَّلِ عابرٍ يَعْبُرها: أَيْ أَنَّهَا إِذَا احتَمَلت تأوِيلَين أَوْ أَكْثَرَ فَعَبَرها مَنْ يعْرف عِبارتها وقَعَت عَلَى مَا أوَّلَها، وانْتفى عَنْهَا غَيرُه مِنَ التأْويل.
وَفِي حَدِيثٍ آخر «الرّؤيا على رِجل طَائِرٍ مالم تُعبر» أَيْ لَا يَسْتقِرّ تأْويلُها حَتَّى تُعْبَر.
يريدُ أَنَّهَا سَرِيعَةُ السُّقُوط إِذَا عُبِرَت. كَمَا أنَّ الطَّيْر لَا يَسْتَقِرّ فِي أكْثَر أَحْوَالِهِ، فكيفَ يكونُ مَا عَلَى رِجله؟
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «تركَنا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا طَائِر يَطِير بجَنَاحيه إلاَّ عِنْدنا مِنْهُ عِلم» يعْني أَنَّهُ اسْتَوفى بيانَ الشَّرِيعة وَمَا يُحْتاج إِلَيْهِ فِي الدِّينِ، حَتَّى لَمْ يبْق مُشْكِل.
فضرَب ذَلِكَ مَثَلا. وَقِيلَ: أرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرك شَيْئًا إلاَّ بَيَّنه حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ أحْكام الطَّيْر وَمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُم، وكيفَ يُذْبَح، وَمَا الذَّي يُفْدِي مِنْهُ المُحْرِم إِذَا أصَابَه، وأشْباه ذَلِكَ، وَلَمْ يُرِد أنَّ فِي الطَّيْر علْمَا سِوَى ذَلِكَ علَّمهم إيَّاه، أَوْ رَخَّص لَهُمْ أَنْ يَتَعَاطَوْا زَجْرَ الطَّيْر كَمَا كَانَ يَفْعَله أهُل الْجَاهِلِيَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ والنَّسَّابة «فمِنْكم شَيَبةُ الحْمد مُطْعِمُ طَيْر السَّمَاءِ؟ قَالَ: لَا» شَيبةُ الْحَمْدِ: هُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، سُمِّي مُطْعِمَ طَيْر السَّمَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا نَحَرَ فِدَاء ابْنِه عبدِ اللَه أبِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائَة بَعِيرٍ، فَرّقها عَلَى رُؤُوسِ الجِبالِ فأكلتْها الطَّيْر.
(هـ) وَفِي صِفَةِ الصَّحَابَةِ «كأنَّما على رُؤُوسهم الطَّيْر» وصَفَهم بالسُّكون والوَقَار، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ طَيْشٌ وَلَا خِفَّةٌ، لِأَنَّ الطَّيْر لَا تَكَادُ تَقَعُ إِلَّا عَلَى شيءٍ سَاكِن. وَفِيهِ «رجُلٌ مُمْسِكٌ بعِنَانِ فَرَسِه فِي سَبيل اللَّه يَطِيرُ عَلَى مَتْنِه» أَيْ يُجْرِيه فِي الجهَاد.
فاستَعار لَهُ الطَّيَرَان.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وابِصَة «فَلَمَّا قُتِل عُثْمانُ طَارَ قَلْبي مَطَارَه» أَيْ مالَ إِلَى جِهَةٍ يَهْواها وتعلَّق بِهَا. والمَطَار: موضعُ الطَّيَرَان.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّهَا سَمعت مَنْ يَقُول: إنَّ الشُّؤْمَ فِي الدَّارِ والمرْأَة، فطَارَت شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّماء وشِقَّةٌ فِي الْأَرْضِ» أَيْ كَأَنَّهَا تفَرّقت وتقَطَّعت قَطَعاً، مِنْ شدَّة الغَضَب.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُرْوة «حَتَّى تَطَايَرَت شُؤون رَأْسِه» أَيْ تَفْرّقت فصَارَت قِطعاً.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «خُذْ مَا تَطَايَرَ مَنْ شَعَر رَأْسِك» أَيْ طَالَ وتَفَرّق.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةِ «اقْتَسَمْنا المُهَاجرين فطَارَ لَنَا عُثْماُن بنُ مَظْعُون» أَيْ حصَل نصِيبُنا مِنْهُمْ عُثْمان.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُوَيْفِع «إنْ كانَ أحدُنا فِي زَمَان رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وللآخَر القِدْحُ» معناهُ أنَّ الرَّجُلين كانَا يَقْتَسِمَان السَّهْم فَيَقَعُ لِأَحَدِهِمَا نَصْلُه وَلِلْآخَرِ قِدْحُه. وطَائِر الْإِنْسَانِ: مَا حَصَل لَهُ فِي عِلْم اللَّهِ مِمَّا قُدِّر لَه.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «بالمَيْمون طَائِرُه» أَيْ بالمُبارَك حَظُّه. ويَجُوز أَنْ يَكُون أصلُه مِنَ الطَّيْر السَّانِح والبارِحِ.
وَفِي حَدِيثِ السَّحور والصَّلاة ذكْر «الفجْر المُسْتَطِير» هُوَ الَّذِي انتَشَر ضَوءُه واعْتَرض فِي الأُفُق، بِخِلَافِ المُسْتَطِيل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ بَنِي قُرَيظة:
وهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِير
أَيْ مُنْتَشِر متفرِّق، كَأَنَّهُ طَارَ فِي نَوَاحِيهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَقَدنا رَسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة، فَقُلْنا: اغتِيل أَوِ اسْتُطِيرَ» أَيْ ذُهِبَ بِهِ بِسُرْعَةٍ كَأَنَّ الطَّيْر حَمَلته، أَوِ اغْتَالَه أحدٌ. والاسْتِطَارَة والتَّطَايُر:
التَّفَرُّقُ والذَّهابُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «فأَطَرْتُ الحُلَّةَ بينَ نِسَائِي» أَيْ فَرّقتُها بينَهُنّ وقسَّمْتها فيهنَّ.
وَقِيلَ الهمزةُ أصْلِيَّةٌ. وَقَدْ تقدَّم.
(س) وَفِيهِ «لَا عَدْوى وَلَا طِيَرَةَ» الطِّيَرَة بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ، وَقَدْ تُسَكّن: هِيَ التَّشَاؤُمُ بِالشَّيْءِ. وَهُوَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ. يُقَالُ: تَطَيَّرَ طِيَرَةً، وتَخَير خِيَرَةً، ولم يجيء مِنَ الْمَصَادِرِ هَكَذَا غَيْرُهُمَا. وأصلُه فِيمَا يُقال: التَّطَيُّر بالسَّوَانِح والبَوارِح مِنَ الطَّيْر وَالظِّبَاءِ وغَيرهما. وَكَانَ ذَلِكَ يَصُدّهم عَنْ مَقَاصِدِهِمْ، فَنَفَاهُ الشَّرْعُ، وأبطله ونهى عنه، وأخبره أنَّه لَيْسَ لَهُ تأثِيرٌ فِي جَلْب نفْعٍ أَوْ دَفعٍ ضَرٍّ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْــحَدِيثِ اسْماً وفِعْلاً.
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «ثَلاثٌ لَا يَسْلَم أحدٌ منهنَّ: الطِّيَرَة والحَسَدُ والظَّنُّ. قِيلَ: فَمَا نَصْنَع؟ قَالَ:
إِذَا تَطَيَّرْتَ فامْضِ، وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّق» .
وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ الْآخَرُ «الطِّيَرَة شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إلاَّ، ولكَنَّ اللَّهَ يُذهِبُه بالتَّوكُّل» هَكَذَا جَاءَ فِي الْــحَدِيثِ مَقْطُوعاً. وَلَمْ يَذْكُرِ المُسْتَثْني: أَيْ إلاَّ وقَد يَعْتَرِيه التَّطَيُّر وتَسْبق إِلَى قَلْبه الكَراهَةُ.
فحُذف اخْتِصاراً واعْتِماداً عَلَى فَهْم السَّامع.
وَهَذَا كــحديِثــه الْآخَرِ «مَا فِينَا إِلَّا َّمنْ هَمَّ أوْ لَمَّ، إلاَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا» فأظْهرَ المُسْتَثْنى.
وَقِيلَ إنَّ قَوله: «وَمَا مِنَّا إلاَّ» مِن قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أدْرَجَه فِي الْــحَدِيثِ، وَإِنَّمَا جَعَل الطِّيَرَة مِنَ الشِّرْك، لأنَّهُم كَانُوا يَعْتَقِدُون أَنَّ التَّطَيُّر يَجْلب لَهُمْ نفْعاً أَوْ يَدْفَع عَنْهُمْ ضرٍّا إِذَا عَمِلوا بمُوجبه، فكأنَّهم أشْرَكُوه مَعَ اللهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: «وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهُبه بالتَّوكُّل» مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا خَطر لَهُ عارِضُ التَّطَيُّر فتَوكَّل عَلَى اللَّهِ وسلَّم إِلَيْهِ وَلَمْ يَعْمَل بِذَلِكَ الخَاطر غَفره اللَّهُ لَهُ وَلَمْ يُؤاخِذْه بِهِ.
(هـ) وَفِيهِ «إِيَّاكَ وطِيَرَاتِ الشَّبَابِ» أَيْ زَلَّاتِهِمْ وَغِرَّاتِهِمْ ، جَمْعُ طِيَرَة. 

ظَنُنَ

(ظَنُنَ)
(هـ) فِيهِ «إيَّاكم والظَّنّ، فإنَّ الظَّنّ أكذبُ الْــحَدِيثِ» أَرَادَ الشكَّ يعْرِضُ لَكَ فِي الشَّيء فتُحَقّقه وتَحْكم بِهِ، وَقِيلَ أرادَ إِيَّاكُمْ وسُوءَ الظَّنّ وتحقيقَه، دُون مَبادي الظُّنُون الَّتِي لَا تُمْلَك وخواطِر القُلُوب الَّتِي لَا تُدْفَع.
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقّق» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «احْتَجِزوا مِنَ النَّاس بِسُوءِ الظَّنِّ» أَيْ لَا تَثِقُوا بكلِّ أحَدٍ فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكُم.
وَمِنْهُ المثَل: الحَزْمُ سُوءُ الظَّنّ.
(هـ) وَفِيهِ «لَا تَجُوز شهادَةُ ظَنِين» أَيْ مُتَّهم فِي دِيِنه، فَعِيل بِمَعْنَى مفْعُول، مِنَ الظِّنَّة: التُّهَمَة.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ الْآخَرُ «وَلَا ظَنِين فِي وَلاءٍ» هُوَ الذَّي يَنْتَمي إِلَى غَير مَوَاليه، لَا تُقْبل شَهادتُه للتُّهمة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ سِيرِين «لَمْ يَكُنْ عليٌّ يُظَّنُّ فِي قّتْل عُثْمان» أَيْ يُتَّهم. وأصلُه يُظْتَنُّ، ثُمَّ قُلبت التَّاءُ طَاءً مُهْمَلَةً، ثُمَّ قُلبت ظَاءً مُعْجَمَةً، ثُمَّ أُدْغِمَتْ. ويُرْوى بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ المُدْغَمة.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الطَّاءِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكر الظَّنّ والظِّنَّة، بِمَعْنَى الشَّك وَالتُّهَمَةِ. وَقَدْ يَجِيء الظَّنّ بِمَعْنَى العِلْم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُسَيد بْنِ حُضَير «فَظَنَنَّا أَنْ لَمْ يجد عليهما» أي علمنا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُسَيد بْنِ حُضَير «فظَنَنَّا أَنْ لَمْ يَجُد عَلَيْهِمَا» أَيْ عَلِمنا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبَيدة «قَالَ أَنَسُ بْنُ سِيرين: سأَلْته عَنْ قوله تعالى: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» * فأشارَ بيَده، فظَنَنْت مَا قَالَ» أَيْ عَلِمْت.
(هـ) وَفِيهِ «فَنَزَلَ عَلَى ثَمَدٍ بوادِي الحُدَيبِيَة ظَنُونِ الْمَاءِ يَتَبرَّضه تَبرُّضاً» الماءُ الظَّنُون: الَّذِي تَتَوهمه وَلَسْتَ مِنْهُ عَلَى ثِقَة، فَعُول بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقِيلَ: هِيَ الْبِئْرُ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّ فِيهَا مَاءً وليسَ فِيهَا ماءٌ. وَقِيلَ: البئرُ القليلةُ الْمَاءِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ شَهْرٍ «حجَّ رجُلٌ فمرَّ بماءٍ ظَنُون» وَهُوَ رَاجعٌ إِلَى الظَّنِّ: الشَّكِّ والتُّهْمَة. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «إنَّ المُؤْمن لَا يُمْسي وَلَا يُصْبح إلاَّ ونَفسُه ظَنُون عِنْدَهُ» أَيْ مُتَهَمَة لدَيه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ «السَّوْآءُ بِنْتُ السَّيِّدِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الحَسْنَاء بنْتِ الظَّنُون» أَيِ المُتَّهَمَة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَا زكاةَ فِي الدَّيْن الظَّنُون» هُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي صَاحِبُهُ أيَصِل إِلَيْهِ أَمْ لَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ، وَقِيلَ عُثْمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «فِي الدَّيْن الظَّنُون يُزَكِّيه إِذَا قبَضَه لِمَا مَضَى» .
(س) وَفِي حَدِيثِ صِلَة بْنِ أَشْيَم «طلَبْتُ الدُّنيا منْ مَظَانّ حَلالَها» المَظَانّ: جَمْعُ مَظِنَّة بِكَسْرِ الظَّاءِ، وَهِيَ موضعُ الشَّيْءِ ومَعْدِنُه، مَفْعِلة، مِنَ الظَّنِّ بِمَعْنَى العِلم. وَكَانَ القياسُ فَتْحَ الظَّاءِ، وإنَّما كُسِرت لِأَجْلِ الهاءِ. الْمَعْنَى: طلَبتُها فِي المواضِع الَّتِي يُعلم فِيهَا الْحَلَالُ.

قَرَّا

(قَرَّا)
(س) فِيهِ «الناسُ قَوارِي اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» أَيْ شُهودهُ، لِأَنَّهُمْ يَتَتَبَّع بعضُهم أحوالَ بَعْضٍ، فَإِذَا شَهِدُوا لإنْسانٍ بِخَيْرٍ أَوْ شرٍّ فَقَدْ وَجَب، واحدُهم: قارٍ، وَهُوَ جَمْعٌ شَاذٌّ حَيْثُ هُوَ وَصْف لآدَمي ذَكَر، كَفَوارِس، ونَواكِسَ.
يُقَالُ: قَرَوْتُ النَّاسَ، وتَقَرَّيْتُهم، واقْتَرَيْتُهم، واسْتَقْرَيْتُهم بِمَعْنًى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «فتَقَرَّى حُجَر نِسَائِهِ كلِّهن» .
(س) وَــحَدِيثُ ابْنِ سَلَامٍ «فَمَا زَالَ عثمانُ يَتَقرّاهم وَيَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «بَلَغني عَنْ أمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ شيءٌ فاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ: لتَكْفُفْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ لَيُبدِّلَنَّه اللَّهُ خَيْرًا منكنَّ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «فجَعل يَسْتَقْرِي الرِّفاق» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَا وَلى أحَدٌ إلاَّ حامَى عَلَى قَرَابِته وقَرَى فِي عَيْبَته » أَيْ جَمَع يُقَالُ: قَرَى الشيءَ يَقْريه قَرْياً إِذَا جَمَعه، يُرِيدُ أَنَّهُ خانَ فِي عَمَلِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ هَاجَرَ حِينَ فَجَّر اللَّهُ لَهَا زَمْزَم «فقَرَت فِي سِقاءٍ أَوْ شَنَّة كَانَتْ مَعَهَا» .
(هـ) وَــحَدِيثُ مُرَّة بْنِ شَرَاحِيلَ «أَنَّهُ عُوتِب فِي تَرْك الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إنَّ بِي جُرْحاً يَقْرِي، وَرُبَّمَا ارْفَضَّ فِي إزارِي» أَيْ يَجْمع المِدَّة ويَنْفَجِر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «قَامَ إِلَى مَقْرَى بُسْتانٍ فَقعد يَتَوَضْأ» المَقْرَى والمَقْراة: الحَوْض الَّذِي يَجْتمع فِيهِ الْمَاءُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ظَبْيان «رَعَوْا قَرْيانَه» أَيْ مَجاري الْمَاءِ. واحدُها: قَرِيٌّ، بوزْن طَرِيٍّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسٍّ «ورَوْضة ذَاتِ قَرْيانٍ» .
وَفِيهِ «إِنَّ نَبياً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَمَرَ بقَرْية النَّمْلِ فأُحْرِقت» هِيَ مَسْكَنُها وبَيْتُها، وَالْجَمْعُ:
قُرًى. والقرْية مِنَ الْمَسَاكِنِ والأبنِية: الضِياع، وَقَدْ تُطلَق عَلَى المُدُن. [هـ] وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «أُمِرت بقرْية تَأْكُلُ القُرَى» هِيَ مَدِينَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَمَعْنَى أكْلها القُرَى مَا يُفْتَح عَلَى أيْدِي أَهْلِهَا مِنَ المُدُن، ويُصِيبون مِنْ غَنائِمها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ أُتِي بضَبٍّ فَلَمْ يأكُلْه وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَوِيّ» أَيْ مِن أَهْلِ القُرَى، يَعْنِي إِنَّمَا يأكُلُه أهلُ القُرى والبَوادي والضِياع دُونَ أَهْلِ المُدن.
والقَرَوِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلَى القَرْية عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ يُونُسَ، وَالْقِيَاسُ: قَرَئِيٌّ وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ «وضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْراء الشِعْر فَلَيْسَ هُوَ بِشْعر» أَقْراء الشِعر:
طَرائقُه وأنواعُه، واحدُها: قَرْوٌ، وقَرْيٌ، وقَرِيٌّ.
وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْهَمْزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ «حِينَ مَدح القُرْآن لَما تَلاه رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيش: هُوَ شِعر. قَالَ: لَا، لأنِّي عَرَضْتُه عَلَى أَقْراء الشَّعر فَلَيْسَ هُوَ بِشعْر» .
(س) وَفِيهِ «لَا تَرْجِع هَذِهِ الأمَّةُ عَلَى قَرْواها» أَيْ عَلَى أَوَّلِ أمْرِها وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
ويُرْوَى «عَلَى قَرْوائِها» بالمدِّ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بشاةٍ وشَفْرة، فَقَالَ: ارْدُدِ الشّفْرة وهاتِ لِي قَرْواً» يَعْنِي قَدَحاً مِنْ خَشَبٍ.
والقَرْو: أسْفَل النَّخْلة يُنْقَرُ ويُنْبَذُ فِيهِ. وَقِيلَ: القَرْوُ: إناءٌ صَغِيرٌ يُرَدَّدُ فِي الْحَوَائِجِ.

نَدَا

نَدَا
صيغة كتابية من ندى.
نَدَا:
بلفظ النّدا، وهو على وجوه: ندا الماء وندا الخير وندا الشر وندا الصّوت وندا الحضر وندا الدّجنّة، فندا الماء معروف، وندا الخير: هو المعروف وضده في الشر، وندا الحضر: لقاؤه، وفلان أندى صوتا من فلان أي أبعد، وندا:
موضع في بلاد خزاعة.
نَدَا القَوْمُ نَدْواً: اجْتَمَعُوا،
كانْتَدَوْا وتَنَادَوْا،
وـ الشيءُ: تَفَرَّقَ،
وـ القَوْمُ: حَضَرُوا النَّدِيِّ،
وـ الإِبِلُ: خَرَجَتْ من الحَمْضِ إلى الخُلَّةِ،
ونَدَّيْتُها أنا.
والتَّندِيَةُ: أن تُوْرِدَها فَتَشْرَبَ قليلاً، ثم تَرْعاها قليلاً، ثم تَرُدَّها إلى الماءِ.
وهذا مُنَدَّى خَيْلِنا.
وإبِلٌ نَوادٍ: شارِدَةٌ.
ونَوادِي النُّوَى: ما تَطَايَرَ منها عندَ رَضْخِها.
والنَّدْوَةُ: الجَمَاعَةُ.
ودارُ النَّدْوَة بمكةَ: م، وبالضم: مَوْضِعُ شُرْبِ الخَيْلِ.
وناداهُ: جالَسَهُ، أو فاخَرَهُ،
وـ بِسِرِّهِ: أظْهَرَه،
وـ له الطريقُ: ظَهَرَ،
وـ الشيءَ: رَآه، وعَلمَهُ.
والنَّديُّ، كغَنِيٍّ،
والنادِي والنَّدْوَةُ والمُنْتَدَى: مَجْلِسُ القَوْمِ نَهاراً، أو المَجْلِسُ ما دامُوا مُجْتَمِعِينَ فيه.
وما يَنْدُوهُم النادِي: ما يَسْمَعُهُمْ.
وتَنَدَّى: تَسَخَّى، وأفْضَلَ،
كَأَنْدَى، فهو نَدِيُّ الكَفِّ.
والنَّدَى: الثَّرَى، والشَّحْمُ، والمَطَرُ، والبَلَلُ، والكَلأُ، وشيءٌ يُتَطَيَّبُ به كالبَخورِ والمَدَى
ج: أنْدِيَةٌ وأْنْداءٌ.
والمُنْدِيَةُ، كمُحْسِنَةٍ: الكَلِمَةُ يَنْدَى لها الجَبينُ.
والنُّداءُ، بالضم والكسر: الصَّوْتُ.
ونادَيْتُه، وـ به.
والنَّدَى: بُعْدُه.
وهو نَدِيُّ الصَّوتِ، كَغَنِيٍّ: بَعيدُهُ.
ونَخْلٌ نادِيَةٌ: بَعيدَةٌ عن الماءِ.
والنَّداتانِ من الفَرَسِ: ما يَلي باطِنَ الفائِلِ، الواحِدَةُ: نَداةٌ.
وتَنَادَوْا: نادَى بعضُهم بعضاً، وتَجَالَسُوا في النادِي.
وناقةٌ تَنْدُو إلَى نُوقٍ كِرامٍ: تَنْزِعُ في النَّسَبِ.
والمُنْدِياتُ: المُخْزِياتُ.
ونَدِيَ، كَرَضِيَ، فهو نَدٍ: ابْتَلَّ،
وأنْدَيْتُه، ونَدَّيْتُه.
وأنْدَى: كثُرَ عَطَاياهُ، أو حَسُنَ صَوْتُه.
والنَّوادِي: الحَوادِثُ.
ونادِياتُ الشيءِ: أوائِلُه.
(نَدَا)
[هـ] فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «قَرِيبُ البيتِ مِنَ النَّادِى» النَّادِى: مُجْتَمَع القومِ وَأَهْلِ المجلِس، فَيَقَعُ عَلَى المجلِس وأهلِه. تَقُولُ: إِنَّ بيتَه وسَطَ الحِلَّة، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ؛ لِيَغْشَاهُ الأضيافُ والطُّرّاق.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «فإنَّ جارَ النَّادِى يَتَحوَّل » أي جارَ المجلس. وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الموحَّدة، مِنَ البَدْو، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَمِنْهُ الْــحَدِيثُ «وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيّ الأعلَى» النَّدِىُّ، بِالتَّشْدِيدِ: النادِي. أَيِ اجْعَلْنِي مَعَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى مِنَ الملائكةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «وَاجْعَلْنِي فِي النِّدَاءِ الأعلَى» . أَرَادَ نِداءَ أهلِ الْجَنَّةِ أهلَ النَّارِ «أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَريَّة بَنِي سُلَيم «مَا كَانُوا ليَقْتُلوا عَامِرًا وَبَنِي سُلَيم وَهُمُ النَّدِىُّ» أَيِ القومُ الْمُجْتَمِعُونَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «كُنّا أَنْدَاءً فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْأَنْدَاءُ:
جَمْعُ النَّادِي: وَهُمُ الْقَوْمُ المجتمِعون.
وَقِيلَ: أَرَادَ كُنّا أهلَ أَنْدَاءٍ. فَحَذَفَ الْمُضَافَ.
(س) وَفِيهِ «لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَدَا الناسَ إِلَى مَرْماتيْن أَوْ عَرْقٍ أَجَابُوهُ» أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى النَّادِي. يُقَالُ: نَدَوْتُ القومَ أَنْدُوهُمْ، إِذَا جمعتَهم فِي النَّادِي. وَبِهِ سمِّيت دَارُ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا وَيَتَشَاوَرُونَ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «ثِنْتان لَا تُرَدّان، عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ» أَيْ عِنْدَ الْأَذَانِ بِالصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْقِتَالِ.
وَفِي حَدِيثِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نُودُوا نَادِيَةً: أَتى أَمْرُ اللَّهِ» يُرِيدُ بِالنَّادِيَةِ دَعْوَةً وَاحِدَةً ونِداءً وَاحِدًا، فَقَلَبَ نِداءةً إِلَى نَادِيَةٍ، وَجَعَلَ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَوْفٍ «وأوْدَى سمعُه إِلَّا نِدَايَا» أَرَادَ: إِلَّا نِداءً، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ يَاءً، تَخْفِيفًا، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْأَذَانِ «فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا» أَيْ أرفعُ وَأَعْلَى. وَقِيلَ: أحسنُ وَأَعْذَبُ.
وَقِيلَ: أَبْعَدُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ «خرجتُ بفَرسٍ لِي أُنَدِّيهِ » التَّنْدِيَةُ: أَنْ يُورِدَ الرجُل الإبِلَ والخيلَ فتشربَ قَلِيلًا، ثُمَّ يرُدّها إِلَى المرعَى سَاعَةً، ثُمَّ تُعاد إِلَى الْمَاءِ.
والتَّنْدِيَةُ أَيْضًا: تَضْمِيرُ الْفَرَسِ، وَإِجْرَاؤُهُ حَتَّى يسيلَ عَرَقُه. وَيُقَالُ لِذَلِكَ العَرَق: النَّدَى.
وَيُقَالُ: نَدَّيْتُ الفَرَسَ وَالْبَعِيرَ تَنْدِيَةً. ونَدِىَ هُوَ نَدْواً.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الصَّوَابُ: «أُبَدِّيهِ»
» بِالْبَاءِ، أَيْ أُخْرِجَهُ إِلَى الْبَدْوِ، وَلَا تَكُونُ التَّنْدِيَةُ إِلَّا لِلْإِبِلِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَخْطَأَ الْقُتَيْبِيُّ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَحَدِ الحَيَّيْن اللَّذين تَنَازَعَا فِي مَوْضِعٍ «فَقَالَ أحدُهما: مَسْرَح بَهْمِنا، ومَخْرَج نِسائنا، ومُنَدَّى خيلِنا» أَيْ مَوْضِعُ تَنْدِيَتها.
(هـ) وَفِيهِ: «مَنْ لَقَى اللَّه وَلَمْ يَتَنَدَّ مِنَ الدَّمِ الْحَرَامِ بشيءٍ دَخَلَ الجنَّةَ» أَيْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَمْ يَنَلْه مِنْهُ شيءٌ. كَأَنَّهُ نالَتْه نَدَاوَةُ الدَّم وَبَلَلُهُ. يُقَالُ: مَا نَدِيَنِي مِنْ فُلَانٍ شيءٌ أَكْرَهَهُ، وَلَا نَدِيَتْ كفِّي لَهُ بِشَيْءٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَذَابِ الْقَبْرِ وجريَدَتَي النَّخْلِ «لَنْ يَزَالَ يُخَفَّف عَنْهُمَا مَا كَانَ فِيهِمَا نُدُوٌّ» يُرِيدُ نَداوة. كَذَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَهُوَ غَرِيبٌ . إِنَّمَا يُقَالُ: نَدِيَ الشيءُ فَهُوَ نَدٍ، وأرضٌ نَدَيَةٌ، وَفِيهَا نَداوةٌ.
(س) وَفِيهِ «بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ نَدٍ» أَيْ سَخِيٌّ. يُقَالُ: هُوَ يَتَنَدَّى عَلَى أَصْحَابِهِ:
أَيْ يَتَسَخَّى.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.