Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: جلى

دَقَرَى

دَقَرَى:
بفتح أوله وثانيه والراء المهملة، والقصر:
اسم روضة بعينها، قال أبو منصور: قال ابن الأعرابي الدّقر الروضة الحسناء وهي الدّقرى:
وكأنها دقرى تخيّل نبتها ... أنف يغمّ الضال نبت بحارها
وقيل: هي روضة بعينها، وقوله تخيّل أي تلوّن أي تربّل ألوانا، وقال أبو عمرو: هي الدّقرى والدّقرة والدقيرة الروضة، وفعلى بناء يختص بالمؤنث، وقد ذكر في أجلى.

خَيبرُ

خَيبرُ:
الموضع المذكور في غزاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير، وأسماء حصونها: حصن ناعم وعنده قتل مسعود بن مسلمة ألقيت عليه رحى، والقموص حصن أبي الحقيق، وحصن الشّقّ، وحصن النّطاة، وحصن السّلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة، وأما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود الحصن، ولكون هذه البقعة تشتمل على هذه الحصون سمّيت خيابر، وقد فتحها النبي، صلى الله عليه وسلم، كلها في سنة سبع للهجرة وقيل سنة ثمان، وقال محمد بن موسى الخوارزمي: غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، حين
مضى ست سنين وثلاثة أشهر وأحد وعشرون يوما للهجرة، وقال أحمد بن جابر: فتحت خيبر في سنة سبع عنوة، نازلهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قريبا من شهر ثم صالحوه على حقن دمائهم وترك الذرّية على أن يخلّوا بين المسلمين وبين الأرض والصفراء والبيضاء والبزّة إلا ما كان منها على الأجساد وأن لا يكتموه شيئا ثم قالوا: يا رسول الله إن لنا بالعمارة والقيام على النخل علما فأقرّنا، فأقرّهم وعاملهم على الشطر من التمر والحب، وقال:
أقرّكم ما أقرّكم الله، فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ظهر فيهم الزنا وتعبّثوا بالمسلمين فأجلاهم إلى الشام وقسم خيبر بين من كان له فيها سهم من المسلمين وجعل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فيها نصيبا وقال: أيّتكنّ شاءت أخذت الثمرة وأيتكن شاءت أخذت الضيعة فكانت لها ولعقبها، وإنما فعل عمر، رضي الله عنه، ذلك لأنه سمع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فأجلاهم، وقسم النبي، صلى الله عليه وسلم، خيبر لما فتحها على ستة وثلاثين سهما وجعل كل سهم مائة سهم فعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم الباقي بين المسلمين، فكان سهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مما قسم الشق والنطاة وما حيز معهما، وكان فيما وقف على المسلمين الكتيبة وسلالم، وهي حصون خيبر، ودفعها إلى اليهود على النصف مما أخرجت فلم تزل على ذلك حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، رضي الله عنه، فلما كان عمر، رضي الله عنه، وكثر المال في أيدي المسلمين وقووا على عمارة الأرض وسمع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال في مرض موته: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فأجلى اليهود إلى الشام وقسم الأموال بين المسلمين، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر ليخرص عليهم فقال: إن شئتم خرصت وخيّرتكم وإن شئتم خرصتم وخيرتموني، فأعجبهم ذلك وقالوا: هذا هو العدل، هذا هو القسط وبه قامت السموات والأرض، وذكر أبو القاسم الزجاجي أنها سمّيت بخيبر بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبل، وعبيل أخو عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهو عم الرّبذة وزرود والشّقرة بنات يثرب وكان أول من نزل هذا الموضع، وخيبر موصوفة بالحمّى، قال شاعر:
كأنّ به، إذ جئته، خيبريّة ... يعود عليه وردها وملالها
وقدم أعرابيّ خيبر بعياله فقال:
قلت لحمّى خيبر: استعدّي! ... هاك عيالي فاجهدي وجدّي
وباكري بصالب وورد، ... أعانك الله على ذا الجند
فحمّ ومات وبقي عياله، واشتهر بالنسبة إليها جماعة، منهم: ابن القاهر الخيبري اللخمي الدمشقي، ولا أدري أهو اسم جده أم نسبه إلى هذا الموضع، روى عنه أبو القاسم الطبراني، ومات بعد سنة 559، وقال الأخنس بن شهاب:
فلابنة حطّان بن قيس منازل ... كما نمّق العنوان في الرّقّ كاتب
ظللت بها أعرى وأشعر سخنة ... كما اعتاد محموما بخيبر صالب
وهي أيضا موصوفة بكثرة النخل والتمر، قال حسان ابن ثابت:
أتفخر بالكتّان لمّا لبسته، ... وقد تلبس الأنباط ريطا مقصّرا
فلا تك كالعاوي، فأقبل نحره، ... ولم تخشه سهما من النّبل مضمرا
فإنّا، ومن يهدي القصائد نحونا، ... كمستبضع تمرا إلى أرض خيبرا

خَنْثَلُ

خَنْثَلُ:
بفتح أوله، وتسكين ثانيه، وثاء مثلثة مفتوحة: برث من الأرض في ديار بني كلاب أبيض مستو بإزاء حزيز الحوأب، قال الأسود الأعرابي:
كان سعد بن صبيح النهشلي نزل بمربع بن وعوعة بن ثمامة بن الحارث بن سعد بن قرط بن عبد بن أبي بكر ابن كلاب، فمرض سعد وخرج مربع يأتي أهله بماء، فوثب سعد على امرأة مربع فاستغاثت، فجاء مربع فضربه بالسيف حتى قتله، فقال عند ذلك:
فزعت إلى سيفي، فنازعت غمده، ... حساما به أثر قديم مسلسل
فغادرت سعدا، والسباع تنوبه، ... كما ابتدر الورّاد جمّة منهل
دعا نهشلا، إذ حازه الموت، دعوة، ... وأجلين عنه كالحوار المجدّل
فإنك قد أوعدتني غضب الحصى، ... وأنت بذات الرّمث من بطن خنثل
ولكنّما أوعدتني ببسيطة ال ... عراق الذي بين المضلّ وحومل
وقلت لأصحابي: النجاء فإنما ... مع الصبح، إن لم تسبقوا جمع نهشل
فأصبحن يركضن المحاجن، بعد ما ... تــجلّى من الظّلماء ما هو منجلي
فاستعدت بنو تميم على مربع عند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأحلفه خمسين يمينا أنه ما قتله فحلف، فخلّى سبيله، فقال الفرزدق:
بني نهشل! هلّا أصابت رماحكم، ... على خنثل فيما يصادفن، مربعا
وجدتم زمانا كان أضعف ناصرا، ... وأقرب من دار الهوان وأضرعا
قتلتم به ثول الضباع، فغادرت ... مناصلكم منه خصيلا مرصّعا
فكيف ينام ابنا صبيح، ومربع ... على خنثل يسقى الحليب المقنّعا؟
وقال جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا، ... أبشر بطول سلامة يا مربع!

الإنسان المثالى

الإنسان المثالى
أجمل الله الإنسانية المثالية وما ينتظرها من الجزاء المادى والروحى في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (البينة 7، 8). فالإنسان المثالى هو ذلك الذى يؤمن ويعمل صالحا، وقد فصل القرآن في مواضع كثيرة هذا العمل الصالح فمنه ما يرتبط بالله، ومنه ما يرتبط بالناس، ومنه ما يعود إلى الشخص نفسه.
أما ما يرتبط بالله فأن يؤدّى فرائضه في محبة وخشوع، ويصلى ذاكرا جلاله، وعظمته، وإذا أصغى إلى آيات الله سجد لما فيها من عظمة وحكمة قائلا: سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (الإسراء 108)، لا يغيب ذكر الله عنه، مفكرا في خلق السموات والأرض، رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (آل عمران 191 - 194). وفي ذكر الله ورقابته دائما إحياء للضمير الإنسانى، وإقامة هذا الضمير رقيبا على أعمال المرء، فلا يفعل منفردا ما يخجل من فعله مع الجماعة، وإذا حيى الضمير، وقويت شوكته، كان للإنسان منه رقيب على نفسه، فى كل ما يأتى من الأمور وما يدع، وتربية الضمير هو الهدف الرئيسى للتربية، والغرض الأول الذى يرمى إليه المربون.
أما صلته بالناس فصلة رفق وحب وعطف، يفى بالعهد إن عاهد، ويؤدى الأمانة إن اؤتمن، ويربأ بنفسه عن اللغو، فلا يضيع وقته سدى فيه، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (المؤمنون 1 - 8). وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (المعارج 24، 25). ويؤتون: الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ (البقرة 177). يأمرون بالصدقة والمعروف، ويصلحون بين الناس، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء 114). وهو هنا لا يكتفى بأن يكون المرء صالحا في نفسه، بل لا بدّ أن يكون عضوا نافعا في جماعته، وقوة عاملة فيها، فهو يتصدق، ويأمر غيره بالصدقة، ويصلح بين الناس ويأمر غيره بالإصلاح بينهم، ولا يكتفى القرآن بأن يقف المرء موقف الواعظ المرشد فحسب، بل من الواجب أن يأخذ بحظه من الخير الذى يدعو إليه ولهذا وبخ القرآن أولئك الذين يدعون إلى الخير، وينسون أنفسهم فى قوله: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (البقرة 44).
والإنسان الكامل هو ذلك الذى يبذل جهده في خدمة جماعته، ويعمل على النهوض بها، فلا يعيش كلّا، ولا يقبل أن يرضى غروره، بأن يسمع ثناء على ما لم يفعل، أما هؤلاء الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران 188).
ومن أكبر سماته أنه يدفع السيئة بالحسنى، فيؤلف القلوب النافرة، ويستل الخصومة من صدر أعدائه، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (فصلت 34، 35). وأنت ترى القرآن يعترف بأن هذا الخلق لا يتصف به إلا من كان ذا قدم عظيمة في التفوق في مراتب الكمال، وذا حظ عظيم منه. ويتصل بهذه الصفة كظم الغيظ والعفو عن الناس، وهما مما مجد القرآن إذ قال: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران 133، 134). وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى 37).
وهو عادل، يقول الحق ولا يحيد عنه، ولا يصرفه عن قوله ذو قرابة أو عداوة، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (الأنعام 152). كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (المائدة 8).
قد طهر قلبه، فلا يحمل لأحد غلا ولا موجدة، ويسأل الله السلامة من شر ذلك قائلا: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الحشر 10). ولا يسعد إنسان في حياته، إذا كان يحمل في قلبه ضغنا على أحد، أو حسدا أو غلا، فإن ذلك يقلب الحياة شقاء، وينغص على المرء أيامه ولياليه فضلا عن ضياع الوقت، وما أجمل الحياة إذا طهر قلب المرء، وبعد عنه ما يئوده من هموم الحقد والحسد، حينئذ يعمل في طمأنينة، ويجاهد في سكينة.
وحسنت صلته بجاره ذى القربى والجار الجنب، ولذلك أثره في سعادة الحياة، والطمأنينة فيها، ويعامل الناس برفق، فلا يغره منصب يظفر به، ولا مال يحويه، ولا
يدفعه ذلك إلى تعاظم أو كبر، ولا يخرجه ما يظفر به إلى البطر والمرح، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان 18، 19).
يرد التحية بأحسن منها، وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (النساء 86). ولا يدخل بيتا غير بيته حتى يستأذن، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (النور 27، 28). ويجلس مع الناس في رفق. فلا يجد غضاضة في أن يفسح لغيره من مجلسه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (المجادلة 11).
وإذا كانت السخرية بالغير، بأى لون من ألوان السخرية، مدعاة إلى تأصل العداء، وتقطع الصلات، كان الإنسان النبيل هو من يجتنب السخرية من الناس، وعيبهم، ولمزهم بألقاب يكرهونها، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات 11).
ومن أهم أخلاق الإنسان المثالى الصبر، وقد أثنى به الله كثيرا، وحث عليه كثيرا، وجعله خلة لا يظفر بها إلا الممتازون من الناس، ذوو الحظ الكبير من الرقى الخلقى، قال سبحانه: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة 155 - 157). وقال: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ (الحج 34، 35). وقال: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (الزمر 10). ومما يرتبط بالصبر شديد الارتباط مقابلة الأحداث ونوازل الحياة، بل ما تأتى به من سعادة وخير، فى هدوء وطمأنينة، فلا يستفزه فرح، ولا يثيره حزن ولا ألم، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (الحديد 23).
ويسير في إنفاقه سيرا مقتصدا لا تقتير فيه ولا تبذير، وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (الفرقان 67)، وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (الإسراء 26 - 29). وهو لذلك يأكل ويشرب، ويستمتع، فى غير إسراف ولا خيلاء، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف 31)، ويأخذ بحظه من الحياة الدنيا في غير تكالب عليها، ولا جعل الاستمتاع بها الهدف الأساسى في الحياة.
ويكره القرآن للمرء أن يتبجّح بالقول، فيدعى أنه سيفعل ويفعل، ثم تنــجلى كثرة القول عن تقصير معيب في العمل، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (الصف 2، 3).
ويحسن أن أوجه النظر هنا إلى أن القرآن لا يبرئ الإنسان من فعل السوء، ولا ينزهه عن الإثم، ولكن الذى يأخذه عليه هو أن يتمادى في العصيان، ويصرّ على ما يفعل، فلا يندم، ولا يتوب، أما أبواب الجنة فمفتحة لأولئك وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (آل عمران 135، 136).
وهذه بعض آيات من القرآن يصف بها أولئك المثاليين، إذ يقول: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (الفرقان 63 - 67).

المعارك الحربية

المعارك الحربية
سجل القرآن كثيرا من المعارك الحربية التى دارت بين المسلمين وخصومهم بطريقته المصورة المؤثرة المتغلغلة إلى أعماق النفوس، وأخفى أغوار القلوب، وها هو ذا يسجل معركة بدر، أولى المعارك الكبرى التى انتصر فيها المؤمنون، على قلتهم، انتصارا مبينا على عدوهم، فيقول: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
(الأنفال 5 - 19).
تسجل الآيات الكريمة نقاشا حادّا جرى بين النبى وطائفة من المؤمنين، هو يريد أن يقنعها بأن الخير في الخروج لملاقاة العدو، وهى تريد أن تقنعه بأن الأفضل البقاء وتجنب ملاقاته، يشفع لها في اتخاذ هذا الرأى قلة عددها، ويسجل القرآن على هذه الطائفة شدة فرقها من لقاء العدو، حتى لقد دفعها ذلك إلى جدال الرسول في رأيه جدالا شديدا، وكأنما تمثلت مصارعهم أمامهم، وكأنهم يرون أنفسهم مسوقين إلى الموت سوقا، وتسجل الآيات أن الله وعد المؤمنين الظفربالعير أو بقريش، وأنهم كانوا يؤثرون أخذ العير لسهولة ذلك عليهم، ولكن الله قد دفعهم إلى الخروج لا للظفر بالغنيمة، بل ليكون ذلك تمهيدا للتمكين للدين، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
ها هو ذا جيش المسلمين يسير بقلب واجف، وفؤاد مضطرب، يستمد المعونة من الله، ويستغيث به، ويطلب منه النصر، والله يستجيب له، ويعده بأن يمده بالملائكة، ليطمئن قلبه، وتسكن نفسه، وتثبت قدمه، وها هو ذا الأمن يملأ أفئدة الجند، فيجد النوم سبيله إلى عيونهم، وتجود السماء بالماء، فلا يتسرب الخوف من العطش إلى نفوسهم، والله يلقى الأمن والسكينة في قلوبهم، فيقبلون على القتال، فى جرأة وبسالة وإقدام، يتزعزع لها قلب العدو، ويمتلئ قلبه بالرعب والذهول، والمسلمون ماضون في عنف، يضربون الأعناق، ويبترون الأكف، فلا تستطيع حمل السلاح، وذلك جزاء عناد المشركين لله ورسوله.
ويتخذ القرآن من تلك المعركة درسا، ويرى أن النصر إنما كفل بهذا الإقدام المستميت، فيحذرهم إذا لاقوا العدو أن يفروا من ميدان القتال، وينذرهم إذا هم فعلوا، بأقسى ألوان العقوبات، وشر أنواع المصير، يذكرهم بأن الله هو الذى أمدهم بهذه القوة التى استطاعوا بها هزيمة عدوهم، وكأنه ينبئهم بأنهم ليس لهم عذر بعد اليوم، إذا هم أحجموا عن الجهاد، وخافوا لقاء العدو.
ويمضى القرآن بعدئذ منذرا الكافرين، مهددا إياهم، بشر مصير إن هم فكروا فى إعادة الكرة، أو غرتهم كثرتهم، ومتجها إلى المؤمنين يأمرهم بطاعة الرسول، بعد أن تبينوا أن الخير فيما اختار، والنجح فيما أشار به وأمر.
والقرآن في حديثه عن هذه الغزوة قد اتجه أكثر ما اتجه إلى رسم نفسية المقاتلين، والتغلغل في أعماقها، لأن هذه النفسية هى التى تقود خطا المجاهدين، وتمهد الطريق إلى النصر أو الهزيمة، كما اتجه إلى ما يؤخذ منها من تجربة وعظة.
وإذا كانت غزوة بدر قد انتهت بالنصر فإن غزوة أحد قد انتهت بإخفاق بعد نصر كان محققا، وقد سجل القرآن تلك الغزوة في قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ  لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 121 - 171).
هذا الحديث المطول مؤذن بأن المحدث عنه ذو أهمية خاصة تحتاج إلى هذا الطول، ولم لا؟ وهو حديث عن هزيمة، يريد أن يقتلع آثارها من نفوسهم، وأن يبدلهم من اليأس أملا، وأن يبين لهم الحكمة فيما حدث، ولنتتبع الآيات الكريمة نرى ما رسمته، وما توحى به، وما عالجته في نفوس القوم، وكيف مستها برفق حتى اندمل جرحها واطمأنت. صورت الآيات الكريمة الرسول في ميدان القتال، يرتب الجند، ويخص كل طائفة بمكان، ويعيّن موضع كل فريق من المعركة، وقد همّ فريقان أن يتركا ميدان القتال ويفشلا، ولعلهما كانا يريان أن يعودا وينتظرا العدو في المدينة، وربما ذكر الرسول المؤمنين بنعمة الله إذ نصرهم، وهم ضعاف أذلة يوم بدر، كما أخذ الرسول يقوى روحهم المعنوية، فيحدثهم عن تأييد الله لهم بالملائكة ليطمئن قلوبهم، ويثبت أقدامهم، وليكون ذلك وسيلة لدحر الكفار، أو لتذكيرهم فيتوبون.
ذلك رسم لما كان في بدء المعركة، وما قام به الرسول من دور هام في تنظيم قوى المؤمنين، وملء أفئدتهم بالأمل وروح الإقدام.
ويمضى القرآن بعدئذ يمس جرحهم في رفق، فينهاهم عن الوهن والحزن، ويعدهم بالفوز إذا كان الإيمان الحق يملأ قلوبهم، ويحدثهم بأنهم إن كانوا قد أصيبوا فقد أصيب عدوهم بمثل ما أصيبوا به، وكأنه يقول لهم: إن القوم برغم ما أصيبوا به، لم يهنوا ولم ييأسوا، بل جاءوا إليكم مقاتلين.
ويحدثهم عن السر في انتهاء المعركة بما انتهت به، وأن ذلك وسيلة لتبين المؤمن الحق، وتمحيصه عن طريق اختباره، فليس دخول الجنة من اليسر بحيث لا يحتاج إلى اختبار قاس، كهذا الاختبار الذى عانوه في معركة القتال، ثم ينتقل بعدئذ يقرّ في نفوسهم أن الأجل أمر مقدور لا سبيل إلى تقديمه أو تأخيره، وأن كثيرا من الأنبياء حدث لأتباعهم هزائم لم تضعف من عزيمتهم ولم تؤد بهم إلى الوهن والضعف والاستكانة، وهو بذلك يضرب لهم المثل الواجب الاقتداء، وبالصبر سيظفرون كما ظفر من سبقهم.
ويعود بعد ذلك متحدثا عن سبب الهزيمة، فيبين أنهم كانوا خلقاء بالنصر، وأن الله قد صدقهم وعده، وأراهم ما يحبون، ولكنهم فشلوا وتنازعوا في الأمر فمنهم من أراد
الظفر بالغنيمة، ومنهم من كان يريد الآخرة، فكانت النتيجة هزيمة، فرّوا على إثرها مولين، لا يلوون على شىء، والرسول يدعوهم إلى الثبات، ويصف القرآن طائفة منهم قد تغلغل الشك في نفوسهم، فمضوا يظنون بالله غير الحق، ويقولون: لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا هاهنا، فيرد عليهم القرآن في رفق بأن الأجل مقدر، وأن من كتب عليه القتل لا بدّ ملاقيه، ثم يسبغ الله عفوه على من فر في ميدان القتال، غافرا له زلة دفعه إليها الشيطان.
ويكرر القرآن مرة أخرى فكرة إصابتهم، وأن أعداءهم قد أصيبوا من قبلهم، وأن سبب هذه الهزيمة راجع إلى أنفسهم، كما سبق أن حدثهم عن فشلهم وتنازعهم، وأن هذا الاختبار ليتبين من آمن، ومن نافق، هؤلاء الذين ثبطوا عن القتال حينا، والذين زعموا أن الجهاد في سبيل الله هو الذى دنا بآجال من قتلوا، والقرآن يرد عليهم في إفحام قائلا: فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (آل عمران 168).
ويختم حديثه مسهّلا عليهم قتل من قتل في سبيل الله بأنه شهيد حى عند ربه يرزق، فرح بما أوتى من فضل الله، مستبشر بمن سيلحق به من المجاهدين، مبتهج بحياة لا خوف فيها ولا حزن.
كانت سمة هذا الحديث الطويل الرفق في الخطاب واللين في العتاب، يريد بذلك تأليف القلوب، وجمع الأفئدة، وربما جر العنف إلى أن تجمع النفوس، وتتشتت الأهواء، فى وقت كان الإسلام فيه أحوج ما يكون إلى الألفة وجمع الشمل، حتى إن الفارين أنفسهم وجدوا من عفو الله ما وسعهم بعد أن استزلهم الشيطان.
وسمة أخرى واضحة في تلك الآيات الكريمة وهى خلق الأمل في القلوب وإبعاد شبح اليأس ومرارة الهزيمة من النفوس، وقد رأينا كيف ضرب لهم الأمثلة بمن مضوا ممن قاتلوا مع النبيين، وأثار فيهم نخوة ألا يكونوا أقل قوة من أعدائهم الذين أصيبوا أشد من إصابتهم، ومع ذلك لم يهنوا ولم يضعفوا، وملأ قلبهم طمأنينة على من قتل من أحبابهم، فقد أكد لهم حياتهم حياة سعيدة، وبذلك كله مسح على قلوبهم، ومحا بعفوه آلام المنهزمين منهم، وأعد الجميع لتحمل أعباء الجهاد من جديد بنفوس مشرقة، وقلوب خالصة، يملؤها الأمل ويحدوها الرجاء في ألا تقصر في قتال، أو يدفعها زخرف الحياة الدنيا فتنصرف إليه، ناسية الهدف الرئيسى الذى تركت من أجله الوطن والأهل والولد.
وتحدث القرآن حديثا طويلا عن غزوة الأحزاب، إذ قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (الأحزاب 9 - 27).
أجملت الآيات في وصف نتيجة المعركة بانهزام الأحزاب ومن ظاهروهم، إجمالا يغنى عن كل تفصيل، ويحمل إلى النفس معنى النعمة التى أنعم الله بها على المؤمنين، فقد كفاهم القتال بقوته وعزته، ولا سيما إذا قرنت تلك النعمة بما أصاب المؤمنين من الخوف والرهبة من إحاطة الأعداء بهم، فقد جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزلوا زلزالا شديدا، ألا ترى أن هذا الوصف الدقيق لنفسية المؤمنين وقد أحيط بهم، وهذا الوصف الموحى المصور، المؤذن بأن اليأس من النجاة، كاد يستولى على النفوس، ثم رأى المحاصرون أنه قد انــجلى الغم عنهم، ومضى الخوف إلى غير رجعة، وأن ذلك قد تم بقدرة الله وحده، وأنهم قد كفوا القتال، وصاروا آمنين في ديارهم- ألا ترى ذلك جديرا بشكر المنعم على تلك النعمة، التى تضؤل النعم بجوارها.
وأطالت الآيات في الحديث عن هذه العوامل التى تفت في عضد الجيش الإسلامى، والتى كانت خليقة أن تنزل به أقسى الهزائم، وتلك هى المعوقون والمنافقون، وكأنه بذلك يريد أن يتدبر هؤلاء موقفهم، وأن يروا قدرة الله التى جلبت النصر وحدها، من غير أن يشترك المسلمون في قتال، فلعل في ذلك تطهيرا لقلوبهم، وسببا لعودتهم إلى الطريق السوى، وخير السبل، وقد تحدث القرآن طويلا عما يعتلج في نفوسهم، وما يبثونه من أسباب الهزيمة في صفوف المسلمين، وحكى معتقداتهم ورد عليها في حزم. فكان حديث القرآن عن هذه الغزوة حديث المصلح الذى يضع هدف إصلاح نفوس الأفراد وتطهير الجماعة من أسباب ضعفها وخذلانها. وإلى هذا يهدف القرآن حين يتحدث عن الغزوات، يعنى بالنهوض بالفرد، فتطهر نفسه، ويؤمن بالله أعمق الإيمان وأصدقه، وبالجماعة فتتلافى وسائل نقصها، وتخلص مما يقعد بها دون الوصول إلى غايتها من النصر المؤزر والاستقرار والأمن، يرفق في سبيل ذلك حينا، ويقسو حينا آخر.

الشّيخ

الشّيخ:
[في الانكليزية] Sheik ،chief ،guide ،master
[ في الفرنسية] Cheikh ،chef ،guide ،maitre
بالفتح وسكون المثناة التحتانية وبالفارسية: پير وخواجه شيوخ اشياخ جمع شيخه بالكسر وفتح الياء شيخان مشيخة شيوخاء كذلك كذا في الصراح. وفي جامع الرموز في كتاب الصلاة في فصل وسنّ للمحتضر المشايخ بالياء جمع المشيخة بفتح الميم.

والشين إمّا مكسورة مع سكون الياء أو ساكنة مع فتحها هي اسم جمع فإنّ الأشياخ والشيوخ جمع للشّيخ، وهو من خمسين أو إحدى وخمسين أو أحد وستين إلى آخر العمر. وقد يعبّر به عمّا يكثر علمه لكثرة تجاربه ومعارفه.
وفيه في كتاب الصوم والشيخ الفاني من جاوز عمره خمسين سمّي به لفناء قواه أو للقرب منه انتهى. وفي البرجندي ناقلا من النهاية الشيخ الفاني هو الذي يزداد كلّ يوم ضعفه إلى موته وإلّا لا يكون شيخا فانيا. والشيخان عند الفقهاء الحنفية يراد بهما أبو حنيفة وأبو يوسف سمّيا بذلك لأنّهما استاذان لمحمّد رحمهم الله.
والمحدّثون يطلقون الشيخ على من يروى عنه الحديث كما يستفاد من كتب علم الحديث، وقد سبق في المقدمة أنّ المحدّث هو الأستاذ الكامل وكذا الشيخ والإمام. والشيخ عند السّالكين هو الذي سلك طريق الحقّ وعرف المخاوف والمهالك، فيرشد المريد ويشير إليه بما ينفعه وما يضرّه. وقيل الشيخ هو الذي يقرّر الدين والشّريعة في قلوب المريدين والطالبين. وقيل الشيخ الذي يحبّ عباد الله إلى الله ويحبّ الله إلى عباده وهو أحبّ عباد الله إلى الله. وقيل: الشيخ هو الذي يكون قدسى الذات فاني الصفات. وقد قال الشيخ قطب الدين بختيار أوشي: الشيخ هو الذي يزيل صدأ حبّ الدنيا وغير ذلك من قلب المريد، وذلك بقوّة فراسته الباطنية حتى لا يبقى في صدره شيء من الكدر والغلّ والغش والفحش وزخارف الدنيا. وقال السّيد محمد الحسيني گيسودراز: ليس بشيخ من يسير على الماء أو يطير في الهواء، وما يأمر به يتحقّق، ويلاقي رجال الغيب، ولا يأكل الطعام ولا يتناول الشراب، بل الشيخ هو من تنكشف له الأرواح في القبور ويلاقي أرواح الأنبياء وتتــجلّى عليه الأفعال والصفات الإلهية، وقد طوى من سيره العقبات. وهذا المعنى هو نقد الوقت، ومن يتّخذه خليفة له يجب أن يتّصف بهذه الأوصاف، ويقول صاحب مجمع السلوك:
الشيخ عندنا هو المستقيم على أمر الشرع سواء كان موافقا لما قاله كلّ من الشيخ قطب الدين والسيّد محمد أو لا. والمشيخة هي الدلالة والخفارة في الطريق وشرطه أن يكون عالما بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، وليس كلّ عالم بأهل للمشيخة، بل ينبغي أن يكون موصوفا بصفات الكمال ومعرضا عن حبّ الدنيا والجاه وما أشبه ذلك، ويكون قد أخذ هذا الطريق النقيّ عن شيخ محقّق تسلسلت متابعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتاض بأمره رياضة بالغة من قلة الطعام والكلام والمنام وقلّة الاختلاط مع الأنام وكثرة الصوم والصلاة والصدقة ونحو ذلك. وبالجملة يكون متخلّقا بخلق النبي عليه السلام. ولا يصلح للتربية والمشيخة المجذوب فإنّه وإن ذاق المقصود لكنه لم يذق الطريق إلى الله، وكذا لا يصلح للمشيخة السّالك فقط فالصّالح لها إمّا المجذوب السّالك وهو أعلى وأليق وإمّا السالك المجذوب. وفي الاصطلاحات الصوفية الشيخ هو الإنسان الكامل في العلوم الشريعة والطريقة والحقيقة، البالغ إلى حدّ التكميل فيها لعلمه بآفات النفوس وأمراضها وأدوائها ومعرفته بدوائها وقدرته على شفائها والقيام بهداها إن استعدت ووقفت لاهتدائها انتهى.
فائدة:
إذا وصل المريد إلى الشيخ ينبغي أن يحتاط ويجتهد في معرفة الشيخ أنّه هل يصلح للشيخية أم لا فإنّ أكثر الطالبين هلكوا في هذا المنزل بل هلاك عموم الناس كان بالاقتداء بالأئمة المضلّة؛ وطريقه أن يتفحّص أنّه مستقيم على الشرع وعلى الطريقة والحقيقة. فإن كان مبتدئا يعرف ذلك من أفواه الناس ومن أحوال الجماعة الذين يقتدون به ويحبّونه ولا ينكرون عليه، فإن علم أنّه لا ينكرون عليه علماء زمانه وبعض العلماء يقتدون به وأكياس الناس من الشيوخ والشبان يبايعونه ويرجعون إليه في طلب الطريقة والحقيقة يعلم أنّه ماهر في ذلك فيقتدي به ويعتقد في قلبه أنّ لا شيخ له غيره ولا يوصله إلى الله إلّا هذا، وهذا يسمّى توحيد المطلب وأنّه ركن عظيم. اعلم أنّ وجود الشيخ في حال كان الشيخ قريبا وعلى قيد الحياة وموصوفا بما ذكر، وأمّا إذا كان بعيدا ولا يمكن الوصول إليه فيجوز أن يتّخذ (المريد) لنفسه شيخا آخر لتربيته ومصاحبته حتى لا يقع في الهلاك، ويجب أن لا يكون هذا الشيخ أي شيخ التربية والمصاحبة مخالفا للشيخ الكبير حتى لا يقع المريد في تناقض وخلل مع شيخه الأصلي البعيد. وكذلك جائز للمريد بعد وفاة شيخه أن يتوجّه إلى شيخ آخر من أجل الإرشاد والتربية. وأمّا إذا كان هذا الشيخ غير موصوف بما ذكر فيجوز للمريد مع وجود ذلك الشيخ أن يتجه بإرادته نحو شيخ آخر. فقد ذكر في فتاوى الصوفية يجوز للمريد أن يكون له المشايخ في الصحبة والإرادة والإرشاد.
ولا يجب عليه أن يتخذ شيخا واحدا البتة ولا يتجاوز عنه. قال وقد باحثت في هذه المسألة مع أهلها فاستقرّ الأمر على ذلك فصارت مسئلة المريد مسئلة التلميذ، وللاقتداء يختار الأفضل منهم، وهو كالأب الحقيقي وغيره كالرضاعي. وفي فصوص الآداب: إذا تابع شخص جاهل شخصا آخر جاهلا أو مبتدعا، أو كان متصفا بأدنى صفة من صفات البدع، وأظهر ميلا إليه، أو لبس الخرقة المزردة من يده، فيجب عليه أن يعود لخدمة الشيخ الحقيقي ويجدّد الإرادة له، وأن يتناول الخرفة منه حتى لا يضلّ. وقال الشيخ قوام الحق: بناء على فتوى العلماء العارفين بالله: على الأتباع الذين ظنوا ببعض الشيوخ كمال المتابعة والاقتداء بالطريقة، فمتى رأوهم حائدين عن السنن المرضية للعلماء من أهل الاقتداء فواجب عليهم من باب التزام الطريقة أن يعودوا عن الاقتداء بهؤلاء، وأن يتوجّهوا نحو الشيخ الحقّاني حتى يرزقهم الله درجة الكمال، كذا في مجمع السلوك.
فائدة:
اعلم أنّ الشيوخ الأربعة عند الصوفية هم عبارة عن أربعة أشخاص استلموا خرقة الخلافة في مقام الفقر من سيدنا على بن أبي طالب، وهو قد استلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم منحها لهم وهم على الترتيب: أولهم: سيدنا الحسن ثم أخوه سيدنا الحسين ثم الكميل بن زياد ثم الحسن البصري.

وقيل: إنّ خرقة الفقر إنّما أعطاها سيدنا علي للحسن البصري ومنه ظهرت أربع عشرة عائلة (طريقة). وقيل: إنّ الخرقة وصلت من الإمام علي إلى شخصين فقط هما: الحسن البصري وكميل بن زياد. كذا في مرآة الأسرار.

صَمد

(صَمد)
صمدا وصمودا ثَبت وَاسْتمرّ وَمِنْه قَول الإِمَام عَليّ (صمدا صمدا حَتَّى يتــجلى لكم عَمُود الْحق) ثباتا ثباتا وَالشَّيْء وَله وَإِلَيْهِ صمدا قَصده وَالشَّمْس وَجهه وَنَحْوه لوحته حَرَارَتهَا والقارورة وَنَحْوهَا سدها بالسداد
صَمد
: (الصَّمْدُ) ، بِفَتْح فَسُكُون: (القَصْدُ) صَمَدَه يَصْمِدُه صَمْداً، وصَمَدَ إِليه، كِلَاهُمَا: قَصَدَه. وصَمَدَ صَمْدَ الأَمْرِ، أَي قَصَد قَصْدَهُ واعتَمَدَه. وَفِي حَدِيث مُعاذِ بنِ عمرِو بن الجَمُوحِ فِي قَتْلِ أَبي جهل: (فَصَمَدْتُ لَهُ حَتَّى أَمْكَنَتْنِي مِنْهُ غِرَّةٌ) أَي وَثَبْتُ لَهُ وقَصَدْته، وانتظرْت غَفْلَتُه.
(و) الصَّمْد (الضَّرْبُ) يُقَال: صَمَدَه بالعَصا صَمْداً وَصَمَلَه، إِذا ضَرَبه بهَا، عَن أَبي زَيْدٍ.
(و) الصَّمْد: (النَّصَبُ) .
(و) الصَّمْد: (ماءٌ للضِّبابِ) ، كَمَا فِي التكملة، وَفِي اللّسَان: للرِّباب، وَهُوَ فِي شاكِلَةٍ فِي شِقِّ ضَرِيَّةَ الجَنُوبِيِّ وَقيل: هُوَ قريبٌ من وادٍ بِحَزْن بنِي يَرْبُوع.
وَيُقَال لِمَا أَشرفَ من الأَرض: الصَّمْدُ، بإِسكان الْمِيم.
(و) الصَّمْد: (المكانُ المرتفعُ الغَلِيظُ) من الأَرضِ، لَا يَبلُغُ أَن يكون جبَلاً، وجمْعه: أَصْمادٌ، وصِمَادٌ قَالَ أَبو النَّجْم:
يُغادِرُ الصَّمْدَ كَظَهْرِ الأَجْزَلِ
وَمثله فِي (الرَّوْض الأُنُف) والغَرِيبَين للهَرَوِيّ.
وَقَالَ أَبو خَيْرة: الصَّمْدُ والصِّمادُ: مَا دَقَّ من غ 2 لَظِ الجَبَلِ، وتَواضَعَ واطْمَأَنَّ، ونَبَتَ فِيهِ الشَّجَرُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍ و: الصَّمْدُ: الشَّدِيدُ من الأَرْضِ.
(و) الصَّمْدُ: (تَأْثِير لَفْح الشَّمْسِ فِي الوَجْهِ) ، يُقَال: صَمَدَته الشَّمْسُ، أَي صَقَرَته بِلَفْحِها.
(و) الصَّمَد (بِالتَّحْرِيكِ: السَّيِّد) المُطَاعُ الَّذِي لَا يُقْضَى دُونَه أَمْرٌ. وَهُوَ من صِفاتِهِ تعالَى وتَقدَّس، (لأَنَّه) أُصْمِدَتْ إِليه الأُمورُ فَلم يَقْضِ فِيهَا غَيْرُه. وَقيل: الَّذِي يُصْمَد إِليه فِي الحَوائِجِ، أَي (يُقْصَدُ) ، وأَنشد الجوهريُّ:
عَلَوْتُهُ بِحُسَامٍ ثُمَّ قُلتُ لَهُ
خُذْها حُذَيْفُ فأَنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ
وَقيل: الصَّمَدُ: الَّذِي لَا يَطْعَمُ. وَقيل: الصَّمَدُ: السَّيِّدُ الَّذِي قد انْتهى سُودَدُه. قَالَ الأَزهريُّ: أَمَّا اللهُ تَعَالَى فَلَا نِهايَة لِسُودَدِه، لأَن سُودَدَه غيرُ مَحْدُودٍ (و) قيل: الصَّمَدُ: (الدائمُ) الْبَاقِي بعد فَنَاءٍ خَلْقِهِ. وَهُوَ من الرّجال: الَّذِي لَيْسَ فَوقَه أَحَدٌ. وَقيل: الصَّمَد: الَّذِي صَمَدَ إِليه كُلُّ شيْءٍ، أَي الَّذِي خَلَق الأَشْيَاءَ كُلَّها، لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ شيءٌ، وكُلُّها دَالٌّ على وَحْدَانِيَّتِهِ. ورُوِيَ عَن عُمَرَ أَنَّه قَالَ: (أَيُّهَا الناسُ، إِيَّاكم وتَعَلُّمَ الأَنسابِ والطَّعْنَ فِيهَا، فوالذي نَفْسُ محمّدٍ بيَدِه لَو قُلْتُ لَا يَخْرُجُ من هاذا البابِ إِلَّا صَمَدٌ مَا خَرَجَ إِلَّا أَقَلُّكُمْ.
(و) الصَّمَدُ: (الرَّفِيعُ) من كلِّ شيْءٍ.
(و) قيل: الصَّمَدُ (مُصْمَتٌ) ، وَهُوَ الَّذِي (لَا جَوْفَ لَهُ) وَهُوَ المُصْمَدُ أَيضاً، عَن مَيْسَرة، وهاذا لَا يجوز على الله تَعَالَى.
(و) قَالَ أَبو عَمْرٍ و: الصَّمَدُ: (الرَّجُلُ) الَّذِي (لَا يَعْطَشُ وَلَا يَجُوعُ فِي الحَرْبِ) ، وأَنشد المُؤرِّجُ:
وسارِيَةٍ فوقَها أَسوَدٌ
بِكَفِّ سَبَنْتًى ذَفِيفٍ صَمَدْ
السَّارِيةُ: الجَبلُ المرتفعُ الذَّاهِبُ فِي السماءِ كأَنه عَمود، والأَسْود: العَلَم.
(و) الصَّمَدُ: (القَوْمُ لَا حِرْفَةَ لَهُمْم وَلَا شَيْءٍ يَعِيشُون بِهِ.
(و) صِمَادٌ، (ككِتَاب: سِدَادُ القارُورَةِ) ، قَالَه ابنُ الأَعرابِيّ قَالَ: والسِّدَادُ غَيرُ العِفَاصِ، وَقد صَمَدْتُها أَصْمَدُهَا، (أَو عِفاصُهَا) ، قَالَه اللَّيْث (وَقد صَمَدَهَا) يَصْمَدُهَا (كمَنَعَ) قَالَ شيخُنا: وهاذا من الغرائبِ الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا، لأَنَّ الفِعْلَ لَيْسَ بحلْقِيِّ العَيْنِ، وَلَا اللَّامِ، فَلَا مُوجِبَ لِفَتْحِه فِي المُضَارِعِ، كَمَا هُوَ ظَاهر.
قلت. وَقد رأَيتُ فِي التكملة. مُجَوَّداً، بخطِّ الصاغانِيِّ: وَقد صَمَدَهَا يَصْمُدها بضمّ الْمِيم. فالحقُّ فِي هاذا التوقُّف مَعَ شيخِنا، رَحمَه الله تَعَالَى.
(و) الصِّمَادُ: (الجلَادُ والضِّرَابُ) من صامَده فَهُوَ مُصامِدٌ.
(و) الصِّمَاد: (مَا يَلُفُّهُ الإِنسانُ على رأْسِهِ من خِرْقةٍ أَو مِنْدِيلٍ) أَو ثَوبٍ (دُونَ العِمَامةِ) ، وَقد صَمَّد رأَسَه تَصْمِيداً، إِذا لَفَّ، مِن ذالك.
(والصَّمْدَةُ: صَخْرةٌ راسِيَةٌ فِي الأَرضِ مُسْتَوِيَةٌ بهَا) أَي بمَتْنِ الأَرضِ، (أَو مُرْتَفِعَةٌ) . وَفِي التَّهْذِيب: ورُبمَا ارْتَفَعَتْ شَيْئاً، قَالَ:
مُخَالِفُ صَمْدَةٍ وقَرِينُ أُخْرَى
تَجُرُّ عَلَيْهِ حاصِبَها الشَّمَالُ
وَيُقَال: الصُّمْدة، بالضّمّ.
(و) الصَّمْدَةُ، بِالْفَتْح، وبالتحريك: (النَّاقَةُ المُتَعَيِّطَةُ الَّتِي) حُمِل عَليها (لم تَلْقَحْ) ، الفتْح عَن كُرَاع.
(والمُصَوْمِدُ: الغَلِيظُ) المُشْرِف.
(والمُصَمَّد، كمُعَظَّمٍ: المقصودُ) ، يُقَال: بَيتٌ مُصَمَّدٌ.
(و) المُصَمَّد: (الشيْءُ الصُّلْبُ مَا) ، أَي الَّذِي لَيْسَ (فِيهِ خَوَرٌ) ، بِالتَّحْرِيكِ نَقله الصاغانيّ.
(و) يُقَال: (ناقَة مِصْمادٌ) ، أَي (باقِيةٌ على القُرِّ والجَدْبِ، دائِمَةُ الرِّسْلِ) ، بِكَسْر الراءِ، وَسُكُون السِّين (ج: مَصامِدُ ومَصامِيدُ) ، قل الأَغلب:
بَيْنَ طَرِيِّ سَمَكٍ ومالِحَ
ولِقَحٍ مَصامِدٍ مَجالِحِ
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
تَصَمَّدَ لَهُ بالعَصَا: قَصَد. وَقيل: تَصَمَّد رأْسَهُ بالعَصَا: عَمَدَ لِمُعْظَمِهِ.
وأَصْمَدَ إِليه الأَمْرَ: أَسْنَده.
وبِنَاءٌ مُصَمَّدٌ: مُعَلًّى.
والصِّمَادُ، بِالْكَسْرِ: رَوْضَاتُ بَنِي عُقَيْلً، والرَّبابُ.
وصُمَادٌ، كَغُرَابً: جَبَلٌ.
وصَمُودٌ، كزَبُورٍ: اسمُ صَنَمٍ كَانَ لعادٍ يَعْبدونه، قالَ يَزِيد بن سَعْدٍ، وَكَانَ آمَن بِهُودٍ عَلَيْهِ السَّلَام:
عَصَتْ عادٌ رَسُولَهُمُ فأَمْسَوْا
عِطَاشاً لَا تَمَسُّهُمُ السَّمَاءُ
لَهُم صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صَمُودٌ
يُقَابِلُه صَدَاءٌ والبَغَاءُ
فِي أَبيات، إِلى أَن قَالَ:
وإِنَّ إِلاهَ هُودٍ هُو إِلاهى
على الله التوكُّلُ والرَّجَاءُ
وَهُوَ مَذْكُور فِي كُتُب السِّيَر.
وَبَنُو صُمَادَةَ بالضمّ: حَيٌّ من الْعَرَب بِالشَّام.
ومَصْمُودةُ: قَبيلَةٌ من البَرْبَر، بالمَغْرب، وهم المَصَامدةُ، أَهلُ شَوْكَةٍ وعَدَد. والصِّمادةُ هِيَ الصِّماد، لما يُلَفُّ على الرأْس.
ويَومُ الصَّمْد، من أَيّامهم.
وَيُقَال: أَنا على صِمَادَةٍ من أَمْري، أَي على شَرَفٍ مِنْهُ.
وَبَات على صِمَاد الماءِ، أَي (على) أَمِّهُ.

أَيْن

(أَيْن) ظرف مَكَان تكون استفهاما نَحْو من أَيْن لَك هَذَا وَتَكون شرطا نَحْو
(أَيْن تصرف بِنَا العداة تجدنا نصرف العيس نَحْوهَا للتلاقي)
وتزاد بعْدهَا مَا نَحْو {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت}
أَيْن
الجذر: أ ي ن

مثال: منزلك أَيْن؟
الرأي: مرفوضة
السبب: لتأخير أداة الاستفهام.

الصواب والرتبة: -أَيْن منزلك؟ [فصيحة]-منزلك أَيْن؟ [صحيحة]
التعليق: يشيع الأسلوب المرفوض بين المعاصرين وهو ما ظاهره خروج أداة الاستفهام عن صدارتها. وقد أجاز مجمع اللغة المصري -في دورته الحادية والخمسين- هذا الاستعمال على أن اسم الاستفهام وقع صدرًا في جملته التي حذف ركنها أو حذفت برمتها، وقد ورد لهذا الاستعمال نظائر منها قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً} التوبة/8، وقول الشاعر:
ومن أنتمُ إنا نسينا مَنَ انْتُمُ
وقول الأعرابي للمؤذن -حين قال: أشهد أنَّ محمدًا رسولَ الله- ويحك! يفعل ماذا؟
أَيْن
: ( {الأَيْنُ: الإِعْياءُ) والتَّعَبُ؛ قالَ كعْبٌ، رضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ:
فِيهَا على الأَيْنِ إِرْقالٌ وتَبْغيلُ قالَ أَبو زيْدٍ: لَا يُبْنى مِنْهُ فِعْلٌ، وَقد خُولِفَ فِيهِ؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ.
وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لَا فِعْل لَهُ.
وقالَ الليْثُ: لَا يشتَقُّ مِنْهُ فِعْل إِلاَّ فِي الشِّعْر.
وقالَ ابنُ الأعْرابيِّ:} آنَ {يَئِينُ} أَيْناً مِن الإِعْياءِ؛ وأَنْشَدَ:
{إِنَّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِرِ قالَ: إِنَّا أَي أَعْيَينا.
قُلْتُ: ووَجَدْتُ فِي هامِشِ الصِّحاحِ مَا نَصّه: قالَ الأَصْمعيُّ: يصرَّفُ الأَيْنِ، وأَبو زيْدٍ لَا يصرِّفُه قالَ أَبو محمدٍ: لم يصرَّفِ الأَيْن إلاَّ فِي بيتٍ واحِدٍ وَهُوَ:
قد قلت للصَّباحِ والهَواجِرِإنَّا ورَبِّ القُلُص الضِّوامِرِ الصّباحُ: الَّتِي يقالُ لَهَا ارْتَحل فقد أَصْبَحْنا، والهَواجِرُ الَّتِي يقالُ لَهُ سِرْ فقدِ اشْتَدَّتِ الهاجِرَةُ} وإنَّا مِنَ الأَيْنِ.
(و) الأَيْنُ: (الحيَّةُ) ، مثْلُ الأَيْمِ، نونُه بَدَلٌ من اللامِ.
وقالَ ابنُ السِّكِّيت: الأَيْنُ والأَيْمُ الذَّكرُ مِن الحيَّاتِ.
وقالَ أَبو خَيْرَةَ:! الأُيونُ والأُيومُ: جماعَةٌ.
(و) الأَيْنُ: (الرَّجلُ والحِمْلُ) ؛) عَن اللحْيانيِّ.
(و) الأَيْنُ: (الحِينُ.
(و) الأَيْنُ: (مَصْدَرُ {آنَ} يَئِينُ، أَي حانَ) .) يقالُ: آنَ لكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا يَئِينُ {أَيْناً؛ عَن أَبي زيْدٍ؛ أَي حانَ، مثْلُ أَنَّى لكَ وَهُوَ مَقْلوبٌ مِنْهُ؛ وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت:
أَلَمَّا} يَئِنْ لي أَنْ تُــجَلَّى عِمايَتيوأُقْصِرَ عَن لَيْلى؟ بَلَى قد أَنى لِيافجمَعَ بينَ اللُّغَتَيْن؛ كَذَا فِي الصِّحاحِ.
(و) {آنَ (} أَيْنُكَ، ويُكْسَرُ) ، وعَلى الفتْحِ اقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ؛ ونَقَلَه ابنُ سِيْدَه.
(و) آنَ ( {آنُكَ) ، أَي (حانَ حِينُكَ) .
(وَفِي المُحْكَم: أَنَّ آنَ أَيْناً لُغَةٌ فِي أَنى، وليسَ بمقْلُوب عَنهُ لوُجودِ المَصْدرِ.
قُلْتُ: وَقد عَقَدَ لَهُ ابنُ جنِّي، رحِمَه اللَّهُ تعالَى، بَابا فِي الخَصائِصِ قالَ: بابٌ فِي الأَصْلَيْن يَتَقارَبَانِ فِي التَّرْكيبِ بالتَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، وَإِن قصرَ أَحَدُهما عَن تصرّف صاحِبِه كانَ أَوْسَعهما تصرُّفاً أَصْلاً لصاحِبِه، وذلِكَ كقوْلِهم: أَنى الشيءُ يأْنَى،} وآنَ {يَئِينُ،} فآنَ مَقْلوبٌ عَن أَنى لوُجودِ مَصْدَر أَتَى يأَنَى وَهُوَ الإِناءُ، وَلَا تَجِد لآنَ مَصْدراً، كَذَا قالَهُ الأَصْمعيُّ فأمَّا {الأَيْنُ فليسَ مِن هَذَا فِي شيءٍ إنَّما الأَيْنُ الإِعْياءُ والتَّعَبُ، فلمَّا تقدَّمَ آنَ المَصْدَر الَّذِي هُوَ أَصْلٌ للفِعْل عُلِمَ أَنَّه مَقْلوبٌ عَن أَنى يأْنَى إِنَاء؛ غَيْر أنَّ أَبا زيْدٍ، رحِمَه اللَّهُ حَكَى} لآنَ مَصْدراً وَهُوَ! الأَيْنُ، فَإِن كانَ الأَمْرُ كذلِكَ فهُما إِذا مُتَساوِيان وليسَ أَحَدهما أَصْلاً لصاحِبِه، اه.
وجَزَمَ السّهيليّ فِي الرَّوْض بأَنَّ آنَ مَقْلوبٌ مِن أَنَى مُسْتدلاًّ بقَوْلِهم: آنَاء اللّيْلِ واحِدُه أَنى وأنى وانى. فالنُّون قيل فِي كلِّ هَذَا وفيمَا صرف مِنْهُ.
وقالَ البَكْرِيُّ، رحِمَه اللَّهُ تعالَى فِي شرْحِ أَمالِي القالِي: آنَ أَنى: حانَ، وآنَ أَصْلُه الواوُ، ولكنَّه مِن بابِ يَفْعل كوَلِيَ يَلِي، وجاءَ المَصْدرُ بالياءِ ليطردَ على فِعْلِه.
قالَ شيْخُنا، رحِمَه اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُه كوَلِيَ يَلِي ودَعْوى كَوْنه واويًّا فِيهِ نَظَرٌ ظاهِرٌ ومُخالفَةٌ للقِياسِ.
( {وأَيْنَ: سؤالٌ عَن مكانٍ) إِذا قلْتَ:} أَيْنَ زَيْدٌ فإنَّما تَسْأَلُ عَن مكانِهِ؛ كَمَا فِي الصِّحاحِ. وَهِي مُغْنيةٌ عَن الكَلامِ الكَثيرِ والتَّطْويلِ، وذلِكَ أَنَّك إِذا قلْتَ أَيْنَ بَيْتُك؟ أَغْناكَ ذلِكَ عَن ذِكْرِ الأَماكِنِ كلِّها، وَهُوَ اسمٌ لأنَّك تقولُ مِن أَيْنَ.
قالَ اللّحْيانيُّ: هِيَ مُؤَنَّثَة وإنْ شِئْتَ ذكَّرْتَ.
وقالَ اللّيْثُ: {الأيْنُ: وَقْتٌ مِن الأمْكِنَةِ، تقولُ: أَيْنَ فلانٌ فيكونُ مُنْتَصباً فِي الحالاتِ كلِّها مَا لم تَدْخُلْه الألِفُ واللامُ.
وقالَ الزجَّاجُ: أَيْنَ وكيفَ حَرْفانِ يُسْتَفْهَمُ بهما، وكانَ حقُّهما أَنْ يكونَا مَوْقوفَيْن، فحُرِّكا لاجْتِماعِ السَّاكِنَيْن، ونُصِبا وَلم يُخْفَضا من أَجْلِ الياءِ، لأنَّ الكسْرَةَ على الياءِ تَثْقُل والفتْحةُ أَخَفُّ.
وقالَ الأَخْفَش فِي قوْلِه تَعَالَى: {وَلَا يُفْلِحُ الساحِرُ حَيْثُ أَتَى} ، فِي حَرْف ابنِ مَسْعودٍ أَينَ أَتَى.
(} وأَيَّانَ، ويُكْسَرُ، مَعْناهُ: أَيُّ حِينٍ) ، وَهُوَ سُؤالٌ عَن زَمانٍ مِثْل مَتى. قالَ اللَّهُ تَعَالَى: { {أَيَّانَ مُرْسَاها} .
والكَسْرُ: لُغَةٌ لبَني سُلَيْم، حَكَاها الفرَّاءُ، وَبِه قَرَأَ السُّلَميُّ: {} إيَّانَ يُبْعَثونَ} ؛ كَذَا فِي الصِّحاحِ؛ وَقد حَكَاها الزجَّاجُ أَيْضاً.
وَفِي المحتسبِ لابنِ جنِّي: يَنْبَغي أنْ يكونَ أَيَّانَ من لَفْظِ أَيّ لَا مِن لَفْظِ أَي، لأَمْرَيْن: أَحَدُهما: أنَّ أَيْنَ مَكانٌ، {وأَيَّانَ زَمانٌ، وَالْآخر قلَّة فعال فِي الأَسْماءِ مَعَ كثر فعلان، فَلَو سمّيت رَجُلاً} بأَيَّان لم تَصْرفْه لأَنَّه كحمدان، ولسْنَا نَدَّعِي أَنَّ أَيا يحسنُ اشْتِقاقها، أَو الاشْتِقاقُ مِنْهَا، لأنَّها مَبْنيَّةٌ كالحَرْفِ، أَو أنَّها مَعَ هَذَا اسمِ، وَهِي اخْتُ أَيَّان وَقد جازَتْ فِيهَا الإِمالَةُ الَّتِي لَا حَظّ للحُرُوفِ فِيهَا، وإنَّما الإمالَةُ للأَفْعالِ وَفِي الأسْماءِ إِذا كانتْ ضَرْباً من التَّصَرّفِ، فالحَرْف لَا تصرف فِيهِ أَصْلاً، ومَعْنى أَي أنَّها بعضٌ من كلَ، فَهِيَ تَصْلُحُ للأَزْمِنَةِ صَلاحها لغيرِها إِذا كانَ التَّبْعِيضُ شامِلاً لذلِكَ كُلّه؛ قالَ أُميَّةُ:
والناسُ راثَ عَلَيْهِم أمرُ يَوَمَهُمفكُلّهُمْ قائلٌ للدّينِ {أَيّانا فَإِن سميت} بأَيَّانَ سَقَطَ الكَلامُ فِي حسن تَصْرِيفِها للحاقِها بالتّسْمِيةِ ببَقِيَّة الأَسْماءِ المُتَصرِّفَة.
(وأَبو بكْرٍ أَحمدُ بنُ محمدِ بنِ) أَبي القاسِمِ بنِ (أَيَّانَ الدُّشْتِيُّ: مُحَدِّثٌ مُتَأَخِّرٌ) ، حدَّثَ عَن أَبي القاسِمِ بنِ رَواحَةَ، وسَمِعَ الكثيرَ بإفادَةٍ خالِهِ محْمود الدُّشْتِي، قالَهُ الحافِظُ.
( {والآنُ) :) اسمُ (الوَقْتِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ) ، فهُما عنْدَه مُتَرادِفان.
وقالَ الأَنْدَلسِيُّ فِي شرْحِ المُفصَّل: الزَّمانُ مَا لَهُ مقْدارٌ، ويَقْبَل التَّجْزِئةَ.
والآنَ: لَا مقْدَار لَهُ، وَهُوَ اسمُ الوَقْتِ الحاضِرِ المُتَوَسّط بينَ الماضِي والمُسْتَقْبلِ؛ قالَهُ الجوْهرِيُّ؛ وَهُوَ (ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَقَعَ مَعْرِفَةً وَلم تدْخُلْ عَلَيْهِ أَلْ للتَّعْرِيفِ، لأنَّه ليسَ لَهُ مَا يَشْرَكُهُ) .
(قالَ ابنُ جنِّي فِي قوْلِه تعالَى: {قَالُوا} الآنَ جئْتَ بالحقِّ} ؛ الَّذِي يدلُّ على أنَّ اللامَ فِي الآنَ زائِدَةٌ أَنَّها لَا تَخْلو إِمَّا أَنْ تكونَ للتَّعْرِيفِ كَمَا يظنُّ مُخالفُنا، أَو أَنْ تكونَ لغَيْرِ التّعْريفِ كَمَا نقولُ، فَالَّذِي يدلُّ على أنَّها لغَيْرِ التَّعْريفِ أَنَّا اعْتَبَرْنا جَمِيعَ مَا لامُه للتَّعْريفِ، فَإِذا إسقاطُ لامِه جَائِز فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْو رَجُل والرَّجُل وغُلاَم والغُلام، وَلم يقُولُوا افْعَلْه آنَ كَمَا قَالُوا افْعَلْه الآنَ، فدلَّ هَذَا على أنَّ اللامَ ليْسَتْ فِيهِ للتَّعْريفِ بل هِيَ زائِدَة كَمَا يُزادُ غيْرُها مِنَ الحُرُوفِ.
وَقد أَطالَ الاحْتِجاج على زِيادَةِ اللَّام وأَنَّها ليْسَتْ للتَّعْريفِ بِمَا هُوَ مَذكُورٌ فِي الخَصائِصِ والمُحتسبِ.
وقالَ فِي آخِرِه: وَهَذَا رأَيُ أَبي عليَ، رحِمَه اللَّهُ تَعَالَى، وَعنهُ أَخَذْتَه، وَهُوَ الصَّوابُ.
قالَ الجَوْهرِيُّ: (ورُبَّما فَتَحُوا اللاَّمَ وحَذَفُوا الهَمْزَتَيْنِ) .
(قالَ ابنُ بَرِّي: يعْنِي الهَمْزَة الَّتِي بَعْدَ اللامِ لنقْلِ حَرَكَتِها على اللامِ وحَذْفِها، ولمَّا تَحرَّكَتِ اللامُ سَقَطَتْ هَمْزَةُ الوَصْلِ الدَّاخِلَة على اللامِ (كقوْلِهِ) أَنْشَدَه الأَخْفَش:
وَقد كُنْتَ تُحْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً (فَبُحْ! لاَنَ منْها بالذِي أَنْتَ بائِحُ) قالَ ابنُ بَرِّي: ومثْلُه قَوْل الآخر:
أَلاَ يَا هِنْدُ هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ أَرَثَّ لاَنَ وَصْلُكِ أَم جَديدُ؟ وقالَ أَبو المِنْهالِ:
حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ لانْإِنَّ بَنِي فَزارَةَ بنِ ذُبْيانْقد طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإِنْسانْمُشَنَّإِ سُبْحان رَبِّي الرحمانْأَنَا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْليس عليَّ حَسَبي بضُؤْلانْوفي التَّهذِيبِ: قالَ الفرَّاءُ: الْآن حرفٌ بُنِيَ على الألِفِ واللامِ وَلم يُخْلَعا مِنْهُ، وتُرِك على مَذْهَب الصفةِ لأنَّه صفَةٌ فِي المعْنَى واللَّفْظِ، قالَ: وأَصْلُ الآنَ أَوَان حُذِفَ مِنْهَا الأَلِفُ وغُيِّرتْ واوُها إِلَى الألفِ كَمَا قَالُوا فِي الرَّاحِ الرّياح؛ فجعلَ الرَّاحَ والآنَ مَرَّةً على جهَةِ فَعَلٍ، ومَرَّةً على جهَةِ فَعالٍ، كَمَا قَالُوا زَمَن وزَمَان، قَالُوا: وَإِن شِئْتَ جَعَلْتَ الآنَ أَصْلها مِن قوْلِكَ آنَ لكَ أَنْ تَفْعَل، أَدْخَلْتَ عَلَيْهَا الألفَ واللامَ ثمَّ تركْتَها على مَذْهَب فَعَلَ، فأَتاها النَّصبُ مِنْ نَصْبِ فَعَل؛ قالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّد.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
قالَ أَبو عَمْرو: أَتَيْتُه {آنِئةً بعْدَ آنِئةٍ بمعْنَى آوِنةٍ، ذكَرَه المصنِّفُ فِي أَوَنَ.
وقالَ ابنُ شُمَيْل: وَهَذَا أَوانُ الآنَ تَعْلم، وَمَا جئتا إلاَّ أَوانَ الآنَ، بنَصْبِ الآنَ فيهمَا.
وَفِي حدِيثِ ابنِ عُمَرَ، رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ} تَلآنَ مَعَك) .
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: قالَ الأُمويُّ: يريدُ الآنَ وَهِي لُغَةٌ مَعْروفةٌ تُزادُ التاءُ فِي الآنَ وَفِي حِينٍ ويحذِفُونَ الهَمْزَةَ الأُولى، يقالُ: {تَلانَ وتَحينَ، وسَيَأْتي للمصنِّفِ، رحِمَه اللَّهُ فِي ت ل ن؛ وأَمَّا قوْلُ حُمَيْد بن ثَوْر:
وأَسْماء مَا أَسْماءُ لَيْلَة أَدْلَجَتْ إلَيَّ وأَصْحابي} بأَيْنَ {وأَيْنَما فإنَّه جَعَلَ أَيْنَ علما للبُقْعة مجرَّداً عَن معْنَى الاسْتِفامِ، فمَنَعها الصَّرْف للتّأْنِيثِ والتَّعْريفِ.
} والأَيْنُ: شَجَرٌ حِجازِيٌّ؛ قالتِ الخَنْساءُ:
تَذَكَّرْتُ صَخْراً أَنْ تَغَنَّتْ حَمامةٌ هَتُوفٌ على غُصنٍ من {الأيْنِ تسْجَعُ} وأَيُّونٌ، كتَنُّورٍ: قَرْيةٌ بالرَّيِّ، مِنْهَا: سهلُ بنُ الحَسَنِ بنِ محمدٍ الأَيونيُّ.
! والأَيْنُ: ناحِيَةٌ مِن نواحِي المَدينَةِ متنزهة؛ عَن نَصْر.
(فصل الْبَاء) مَعَ النُّون

خَشع

خَشع
الخُشُوعُ: الخُضُوعُ: كالاخِتْشاعِ، والفِعْلُ كمَنَعَ، يُقَالُ: خَشَعَ يَخْشَعُ خُشُوعاً، واخْتَشَعَ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ: اخْتَشَع فُلانٌ وَلَا يُقَالُ. اخْتَشَعَ ببَصَرِهِ. أَوْ الخُشُوعُ: قَرِيب المَعْنَى مِن الخُضُوعِ، قالَهُ اللَّيْثُ. أَوْ هُوَ ونَصُّ العَيْنِ: إِلاَّ أَنَّ الخُضُوعَ فِي البَدَنِ، وَهُوَ الإِقْرَارُ بالاسْتِخْذاءِ، والخُشُوع فِي الصَّوْتِ والبَصَرِ. قالَ اللهُ تَعَالَى: خاشِعَةً أَبْصَارُهُم وقُرِئِ: خَاشِعاً أَبْصَارُهُمْ. قالَ الزّجّاجُ: هُوَ مَنْصُوبٌ على الحالِ. وخَشَعَ ببَصَرِه، أَيْ غَضَّهُ، وَهُوَ مَجَازٌ. وَفِي النِّهَايَة: الخُشُوعُ فِي الصَّوْتِ والبَصَرِ كالخُضُوعِ فِي البَدَنِ. ومِنْهُ حَدِيثُ جابِرٍ: أَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فقالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهَ قَالَ: فخَشَعْنَا، أَي خَشِينَا وخَضَعْنا. قالَ: وهكَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ أَبِي مُوسَى، والَّذِي جاءَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ: فجَشِعْنَا بالجِيمِ، وشَرَحَه الحُمَيْدِيّ فِي غَريبِه فقالَ: الجَشَعُ: الفَزَعُ والخَوْفُ. والخُشُوعُ: السُّكُونُ والتَّذَلُّلُ. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَاَلَى: وخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ أَي انْخَفَضَتْ. وقِيلَ: سَكَنَتْ. وكُلُّ سَاكِنٍ خَاضِعٌ وخَاشِعٌ.
والخُشُوعُ فِي الكَوْكَبِ: دُنُوُّهِ مِن الغُرُوبِ، كَمَا فِي العُبَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَدْنَان وأَبِي صالِحٍ الكِلابيّ. أَمّا نَصُّ أَبِي عَدْنَانَ: خَشَعَتِ الكَوَاكَبُ، إِذا دَنتْ من المَغِيْب، وخضَعَت أَيْدِي الكَواكب: أَي مالَتْ لتَغِيبَ. ونَصُّ أَبِي صالِحٍ: خُشُوعُ الكَوَاكِبِ، إِذا غارَتْ وكَادَتْ أَن تَغِيبَ فِي مَغِيبِهَا، وأَنْشَدَ: بَدْرٌ تَكَادُ لَهُ الكَوَاكِبُ تَخْشَعُ وَهُوَ مَجَازٌ. ومِنَ المَجَازِ أَيْضاً: الخَاشِعُ: المَكَانُ المُغْبَرُّ لَا مَنْزِلَ بِهِ. وَفِي الصّحاح: بَلْدَةٌ خَاشِعَةٌ: مُغْبَرَّةٌ لَا مَنْزِلَ بهَا، ومَكَانٌ خَاشِعٌ. وأَنْشَدَ الصّاغَانِيّ لِجَرِيرٍ:
(لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سُورُ المَدِينَةِ، والجِبَالُ الخُشَّعُ)
وقالَ النابِغَةُ الذُّبْيَانِيّ يَصِفُ آثَارَ الدِّيَارِ: (رَمَادٌ ككُحْلِ العَيْنِ مَا إِنْ تَبِينُه ... ونُؤْىٌ كجِذْمِ الحَوضِ أَثْلَمُ خاشِعُ)
وَفِي اللِّسَان: الخاشِعُ من الأَرْضِ: الَّذِي تُثِيرُه الرِّيَاحُ لِسُهُولَتِه، فَتَمْحُو آثَارَهُ. وقَالَ الزَّجّاج فِي) قَوْلِه تَعَالَى: ومِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خاشِعَةَ. أَيْ مُتَغَيَّرَةً مُتهشِّمَة، أَرادَ مُتهشِّمَة النَّبَاتِ.
وقَالَ غَيْرُه: أَيْ مُطْمَئِنَّةً سَاكِنَةً. وقَالُوا: إِذا يَبِسَتِ الأَرْضُ ولَمْ تُمْطَرْ قِيلَ: قد خَشَعَتْ. وذَكَرَ الآيَة. قَالَ: والعَرَبُ تَقُولُ: رَأَيْنا أرْض بَنِي فُلانٍ خَاشعَةً هَامِدَة، مَا فِيهَا خَضْرَاءُ. والمَكَانُ الخاشِعُ أَيْضاً: الَّذِي لَا يُهْتَدَى لَهُ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: لِلْخُشُوعِ مَوَاضِعُ: الخَاشِعُ: المُسْتَكِينُ. والخاشِعُ: الرَّاكِعُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. ومِنَ المَجَازِ: خَشَعَ السَّنَامُ. أَيْ سَنَامُ البَعِيرِ، إِذا ذَهَبَ إِلاّ أَقَلَّهُ، كَمَا فِي العُبَابِ. وَفِي اللِّسَانِ: إِذا أُنْضِيَ، فذَهَبَ شَحْمُهُ، وتَطَأَطَأَ شَرفُهُ.
وخَشَعَ فُلانٌ خَرَاشِيَّ صَدْرِهِ فخَشَعَتْ هِيَ: إِذا أَلْقَى بُزَاقاً لَزِجاً، لازِمٌ مُتَعَدٍّ، كَمَا فِي العُبَابِ.
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أَيْ رَمَى بِهَا. قَالَ: والخِشْعَةُ، بالكَسْرِ: الصَّبِيُّ يُلْزَقُ، هكَذَا فِي النُّسَخِ، والصَّوابُ: يُبْقَرُ عَنْهُ بَطْنُ أَمِّه إِذا ماتَتْ وَهُوَ حَيٌّ، قالَ ابنُ بَرّيّ. قالَ ابنُ خالَوَيْه: والخِشْعَةُ: وَلَدُ البَقِيرِ، والبَقِيرُ: المَرْأَةُ تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ حَيٌّ، فُيبْقَرُ بَطْنُهَا ويُخْرَج، وكانَ بَكِيرُ بن عَبْدِ العَزيزِ خِشْعَةً. قالَ صاحِبُ اللِّسَانِ: ورَأَيْتُ فِي حاشِيَةِ نُسْخَةٍ من أَمالِي الشَّيْخِ ابْنِ بَرِّيّ مُوْثُوقٍ بِهَا، قالَ الحُطَيْئَةُ يَمْدَحُ خارِجَةَ بنَ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ ابنِ بَدْر: (وقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُ ابنِ خِشْعَةَ أَنَّهَا ... مَتَى تَلْقَ يَوْماً ذَا جِلاَدٍ تُجَالِدِ)
خِشْعَةُ: أُمُّ خَارِجَةَ، وَهِي البَقِيرَةُ. كانَتْ ماتَت وَهُوَ فِي بَطْنِهَا يَرْتَكِم، فبُقِرَ بَطْنُهَا فسُمِّيَت البَقيرَة، وسُمِّيَ خارجَة، لأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ من بَطْنِهَا. والخُشَعَةُ، بالضَّمِّ: القِطْعَةُ من الأَرْضِ الغَلِيظَة، عَنِ ابْنِ دُرَيْدِ. وقالَ اللَّيْثُ: الخُشَعَة من الأَرْض: قُفٌّ قد غَلَبَتْ عَليه السُّهُولَةُ، أَيْ لَيْسَ بحَجَرٍ وَلَا طِينٍ. وقالَ الجَوْهَرِيّ: هِيَ الأَكَمَةُ المُتَوَاضِعَةُ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: العَرَبُ تَقُولُ للْجَثَمَةِ اللاطِئَةِ المُلْتَزْقَةِ بالأَرْضِ هِيَ الخُشْعَةُ والسَّرْوعةُ والقَائدَةُ. وَج: خُشَعٌ، كصُرَدٍ. قَالَ أَبو زُبَيْدٍ يَصِفُ صُرُوفَ الدَّهْرِ:
(جَازِعَاتٍ إِلَيْهِمُ خَشَعَ الأَوْ ... داةِ قُوتاً تُسْقَى ضَيَاحَ المَدَيدِ)
الأَوْدَاةُ: الأَوْدِيَةُ عَلَى القَلْبِ. ويُرْوَى خُشَّع: جَمْع خَاشِع.
قالَ الجْوَهَرِيّ: وَفِي الحَدِيثِ: كَانِتِ الأَرْضُ خَاشِعَةً عَلَى الماءِ، ثُمَّ دُحِيَتْ. قُلْتُ: والَّذِي فِي الغَرِيبَيْنِ للهَرْوِيّ: كَانَتِ الكَعْبَةُ خَاشِعَةً على الماءِ فدُحِيَتْ مِنْهَا الأَرْضُ. وَفِي العُبَابِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: خَلَقَ اللهُ البَيت قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الأَرْضَ بأَلْفِ عامٍ، وكانَ البَيْتُ زُبْدَةً بَيْضَاءً حِينَ كَانَ العَرْشُ عَلَى الماءِ، وكانَتِ الأَرْضُ تَحْتَهُ كَأَنَّهَا خَاشِعَةُ علَى الماءِ.)
ويُرْوَى: خَشَفَة، فدُحِيَت الأَرْضُ مِن تَحْتِهِ، والخَشَفَةُ: صَخْرَةٌ تَنْبُتُ فِي البَحْرِ، وسَيَأْتِي.
وتَخَشَّعَ: تَضَرَّعَ، قَالَهُ اللَّيْثُ، وأَنْشَدَ:
(ومُدَجَّجٍ يَحْمِي الكَتِيبَةَ لَا يُرَى ... عِنْدَ البَدِيعَةِ ضَارِعاً يَتَخَشَّعُ) وقالَ الجَوْهَرِيّ: التَخَشَّعُ: تَكَلَّفُ الخُشُوعِ. وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه: تَخَشَّعَ واخْتَشَعَ: رَمَى ببَصَرِهِ نَحْوَ الأَرْضِ، وغَضَّهُ، وخَفَضَ صَوْتَهُ. وقَوْمٌ خَشَّعٌ، كرُكَّعٍ: مُتَخَشِّعُونَ. وخَشَعَ بَصَرُهُ: انْكَسَرَ، قالَ ذُو الرُّمَّة:
(تَــجَلَّى السُّرَى عَنْ كُلِّ خِرْقٍ كأَنَّهُ ... صَفِيحَةُ سَيْفٍ طَرْفُه غَيْرُ خَاشِع)
والخُشُوعُ: الخَوْفُ: وَبِه فُسِّرَ قَوْلُه تَعَالَى: الَّذِين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون، أَي خائِفُون.
واخْتَشَعَ: إِذا طَأْطَأَ صَدْرَه وتَوَاضَع. وقُفٌّ خَاشِعٌ: لاطِيءٌ بالأَرْضِ، وَهُوَ مجَاز. وجِدَارٌ خاشِعٌ: إِذا تَدَاعَى واسّتَوَى مَعَ الأَرْضِ، وَهُوَ مَجَازٌ. ويقَال: خَشَعَت الشمسُ، وخَسَفَت، وكَسفَت: بمَعنىً واحدِ، وَهُوَ مجَازٌ. ويُقَال: خَشَعَتْ دُونَهُ الأَبْصَارُ، وَهُوَ مَجاز. وخُشْعانُ، بالضَّمِّ: قَرْيَةٌ باليَمَنِ.
وحَشِيشَةٌ خاشعة: يابِسَةٌ سَاقِطَةٌ عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ مَجَازٌ. وكَذَا خَشَعَ الوَرَقُ، إِذا ذَبُلَ.
وأَبو طَاهِرٍ بَرَكَاتُ بْنُ إِبْراهِيمَ الخُشُوعِيّ المُسْنِدُ، لأَنَّ جَدَّهُ الأَعْلَى كانَ يَؤُمُّ النّاسَ فتُوُفِّي فِي المِحْرَابِ فسُمِّيَ الخُشُوعِيّ، ذَكَرَهُ الحَافِظُ لمُنْذِرِيّ.

غرنط

غرنط
غرناطةُ: بلدة كبيرة من أعمال الأندلس، معنى غرناطة: الرمانة بلغةَ عجم الأندلس، وقال بعضهم: الصحيحَ أغرناطة والعامة تقول: غرناطة.
غرنط
غَرْناطَةُ، كصَمْصامَةٍ، أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيّ وَصَاحب اللِّسان، وَقَالَ ياقوت والصَّاغانيُّ: هُوَ: د، بالأنْدَلُس، وَعَلِيهِ اقتَصَر فِي التَّكمِلَة، وَقَالَ فِي العُباب: أَو هُوَ لَحْنٌ والصَّوابُ كَمَا قَالَه بعضُهُم أَغَرْناطَةُ بِزِيَادَة الألِف، وحَذْفُها لغةٌ عامِّيَّةٌ. قَالَ شيخُنا: وَلَا لَحْنَ، فقد سُمِّيت البلدَةُ بهما، وَمَعْنَاهَا: الرُّمَّانَةُ بالأندلُسِيَّةِ، وَفِي العُباب: بلغةِ عَجَمِ الأَنْدَلُسِ. قَالَ شيخُنا: قَالَ الشقنديّ: أَمَّا غَرْناطَةُ فإِنَّها دِمَشْقُ بلادِ الأَندَلُسِ، ومَسْرَحُ الأَبْصارِ، ومَطْمَحُ الأَنْفُس. وَقَالَ غيرُهُ: لَو لم يكنْ لَهَا إلاَّ مَا خَصَّها الله بِهِ من المَرْجِ الطَّويلِ العَريض، ونهر شنيل لكَفاها، وَلَهُم فِيهَا تَصانيفٌ وأَشْعارٌ كثيرٌ، كقولِ القائِلِ:
(غَرْناطَةُ مَا لَهَا نَظيرٌ ... مَا مِصْرُ مَا الشَّامُ مَا العِراقْ)

(مَا هيَ إلاَّ العَروسُ تُــجْلَى ... وتِلْكَ من جُمْلَةِ الصَّداقْ)
وقُراها فِيمَا ذَكَرَ بعضُ مُؤَرِّخيها مائَتانِ وسبْعونَ قَرْيَة، نَقَلَ ذَلِك ابْن خيريّ مُرَتِّبُ ابْن بَطُّوطَة وغيرُه ممَّن أَرَّخَها. وآثارُها جَليلةٌ كَثيرةٌ لَا يَسَعُها هَذَا المُخْتُصَرُ، وَالله يَرُدُّها دارَ إِسلامٍ، بمحمَّدٍ وآلِهِ عليهمُ السَّلام.

خَنس

خَنس
خَنَسَ عَنهُ يَخْنِسُ، بالكَسْر ويَخْنُسُ، بالضَّمّ، خَنْساً، بالفَتْح، وخُنُوساً، كقُعُود، وخُنَاساً، كغُرَابٍ: تأَخَّرَ وانْقَبَضَ، كانْخَنَسَ واخْتَنَسَ، وبكِلَيْهما رُوِيَ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عَنهُ. وخَنَسَ زَيْداً: أَخَّرَه. لازِمٌ مُتَعَدٍّ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ عَن الفَرَّاءِ والأُمَوِيِّ. وَفِي التَّهْذِيبِ: خَنَسَ، فِي كَلَام العَرَبِ، يكون لازِماً ويكونُ مُتَعَدِّياً. يُقَال: خَنَسْتُ فُلاناً فَخَنَس، أَي أَخَّرْتُه فتأَخَّرَ، كأَخْنَسَهُ، وَهُوَ الأَكثَرُ، وَالَّذِي رَوَاهُ أَبو عُبَيْد عَن الفَرّاءِ والأُمَوِيّ خِلاف مَا نَقَلَه الصّاغَانِيُّ عَنْهُمَا. ونَصُّهما: خَنَسَ الرجُلُ يَخْنِسُ، وأَخْنَسْتُه، بالأَلف. قَالَ الأَزْهَرِيّ: وأَنشَدَ أَبو بَكْرٍ الإِيَادِيّ لشاعرٍ قَدِمَ على النَّبِي ِّ صلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم، فأَنْشَدَه من أَبْيَاتٍ. قالَ الصّاغَانِيُّ: هُوَ العَلاَءُ بن الحَضْرِمِيِّ:
(وإِنْ دَحَسُوا بالشَّرِّ فَاعْفُ تَكَرُّماً ... وإِنْ خَنَسُوا عَنْكَ الحَدِيثَ فَلَا تَسَلْ)
قَالَ: وَهَذَا حُجَّةٌ لمَنْ جَعَلَ خَنَسَ وَاقِعاً. وممَّا يدُلّ على صِحَّة هَذِه اللُّغَة أَيضاً قولهُم: خَنَسَ الإِبْهَامَ، أَي قَبَضَهَا. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِيِّ، صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم، أَنَّه قالَ: الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وخَنَسَ إِصْبَعَه فِي الثّالِثَة أَي قَبَضَهَا، يُعْلِمُهم أَنَّ الشَّهْرَ يكونُ تِسْعاً وعِشْرِين.
وخَنَسَ بفُلانٍ: غَابَ بِهِ قَالَه ابنُ شُمَيْلٍ فِي تَفْسِير حديثٍ رَوَاهُ: يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فتَخْنِسُ بالجَبَّارِينَ فِي النَّارِ أَي تُغَيِّبُهم وتُدْخِلُهُم فِيهَا. كتَخَنَّسَ بِهِ. والخَنَّاسُ، كشَدَّادٍ: الشَّيْطَانُ، قَالَ الفَرَّاءُ: هُوَ إِبْلِيسُ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْله تَعَالَى: فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الكُنَّسِ، أَكثرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الخُنَّس هِيَ: الكَوَاكِبُ كُلُّهَا، أَو السَّيّارَةُ مِنْهَا دُونَ الثَّابِتَةِ: أَو النُّجُومُ الخَمْسَةُ تَخْنِسُ فِي مَجْرَاهَا وتَرْجِعُ وتَكْنِسُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّباءُ، وَهِي زُحَلُ والمُشْتَرِي والمِرِّيخُ والزُّهَرَةُ وعُطَارِدُ، لأَنَّهَا تَخْنِسُ أَحياناً فِي مُجْرَاهَا حَتَّى تَخْفَى تحتَ ضوء الشَّمْسِ، وتَكْنِسُ، أَي تَسْتَتِر كَمَا تُكْنِسُ الظِّبَاءُ فِي المَغَارِ، وَهِي الكِنَاسُ، وخُنُوسُها أَنَّهَا تَغِيبُ كَمَا تَغَيِيبُ الظِّبَاءُ فِي كِنَاسِها، وَقيل: خُنُوسُهَا: اسْتِخْفَاؤُهَا النَّهارِ، بَيْنا نَراهَا فِي آخِرِ البُرْجِ كَرَّتْ رَاجِعةً إِلَى أَوَّلهِ. وَقيل: سُمِّيّتْ خُنَّساً لتأَخُّرِها لأَنَّهَا الكَوَاكِبُ المُتَحَيِّرَةُ الَّتِي تَرْجِعُ وتَسْتَقِيمُ. وَقيل: سُمِّيَتْ لأَنَّهَا تَخْنِسُ وتَغِيبَ كَمَا يَخْنِسُ الشَّيْطَانُ. قيل: إِنَّ لَهُ رَأْساً كرَأْسِ الحَيَّةِ يَجْثِمُ على القَلْب، إِذا ذكرَ العَبْدُ الله عَزَّ وجَلَّ تَنَحَّى وخَنَسَ، وإِذا تَنَحَّى عَن الذِّكْرِ رَجَعَ إِلَى القَلْبِ يُوَسْوِسُ. نَعُوذُ باللهِ مِنْهُ.
والخَنَسُ، مُحَرَّكةً: قَرِيبٌ من الفَطَسِ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الأَنْفِ عَن الوَجْهِ مَعَ ارْتِفَاعٍ قليلٍ فِي الأَرْنَبَةِ.)
وَقيل: لُصُوقُ القَصَبَةِ بالوَجْنَةِ وضِخَمُ الأَرْنَبَةِ. وَقيل: انْقِباضُ قَصَبَةِ الأَنْف وعِرَضُ الأَرْنَبَةِ: وَقيل: هُوَ تَأَخُّرُ الأَنْفِ إِلَى الرَّأْسِ وارْتِفَاعُه عَن الشَّفَةِ، وليسَ بطَوِيلٍ وَلَا مُشْرِفٍ. وَهُوَ أَخْنَسُ، وَهِي خَنْسَاءُ والجَمْعُ خُنْسٌ. وَقيل: الأَخْنَسُ: الَّذِي قَصْرَتْ قَصَبَتُه وارْتَدَّتْ أَرْنَبَتُه إِلَى قَصَبَتِه.
وَفِي الحَدِيث: تُقَاتِلُون قَوْماً خُنْسَ الآنُفِ والمُرَادُ بهِم التُّرْكُ لأَنَّه الغالِبُ على آنافِهِم. والأَخْنَسُ: القَرَادُ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ. والأَخْنَسُ: الأَسَدُ، كالْخِنَّوْسِ، كسِنَّوْرٍ، قَالَ الفَرَّاءُ: الخِنَّوْسُ، بِالسِّين، من صِفَاتِ الأَسَد فِي وَجْهِه وأَنْفهِ، وبالصّادِ: وَلَدُ الخِنْزِيرِ.
والأَخْنَسُ بنُ غِيَاثِ بنِ عِصْمَةَ: أَحَدُ بَنِي صَعْبِ بن وهب بن جلى بن أخمس بنِ ضُبَيْعَةَ بن رَبِيعَةَ بنِ نِزار. والأَخْنَسُ بنُ العَبّاسِ بنِ خُنَيْس بنِ عَبْدِ العُزِّي بنِ عائِذِ ابْن عُمَيْسِ بن بِلالِ بنِ تَيْمِ الله ابْن ثَعْلَبَةَ. والأَخْنَسُ بن نَعْجَة ابنِ عَدِيّ بنِ كَعْبِ بن عُلَيْمِ ابْن جَنَاب الكلْبِيّ، شُعَرَاءُ.
والأَخْنَسُ بنُ شِهابِ بنِ شَرِيقِ بنِ ثُمامَةَ بنِ أَرْقَمَ بنِ عَدِيِّ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرِو بنِ غَنْمِ بنِ تَغْلِبَ. الصوابُ فِيهِ أَنّه شاعرٌ لَيْسَ لَهُ صُحْبَة، وَالَّذِي لَهُ صُحْبَةٌ هُوَ الأَخْنَسُ بنُ شَرِيقٍ الثَّفَفِيُّ، حَلِيفُ بني زُهْرَةَ، وَهُوَ لَقبٌ لَهُ لأَنَّه خَنَسَ ببَنِي زُهْرَةَ يومَ بَدْرٍ، وكانَ مُطَاعاً فيهم، فَلم يَشْهَدْها مِنْهُم أَحَدٌ، كَمَا فِي العُبَابِ. والأَخْنَسُ بنُ جَنَّابٍ السُّلَمِيُّ: صَحَابِيَّان. وأَبو عامِرِ بنُ أَبِي الأَخْنَسِ الفَهْمِيُّ: شاعِرٌ. وفاتَه أَخْنَسُ بن خَلِيفَة تابِعِيٌّ، عَن ابنِ مَسْعُودٍ. وخَنْسَاءُ بنْتُ خِذَام بنِ خالِدٍ الأَنْصَارِيَّةُ لَهَا ذِكرٌ فِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ وَفِي المُوَطَّإِ: زَوَّجَها أَبُوها وَهِي ثِيِّبٌ. وخَنْسَاءُ بنتُ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ السُّلَمِيَّةُ الشاعِرةُ، اسمُها تُمَاضِرُ، وَفَدَتْ، وأَسْلَمْتْ، صحابِيَّتَانِ. وخَنْسَاءُ بنتُ عَمْرِو، أَخْتُ صَخْرٍ، شاعِرَةٌ وَهِي بِنْتُ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ السُّلَمِيَّة الَّتِي ذَكرها. وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: خُنَاسٌ، كغُرابٍ، أَيضاً، جاءَ ذلِكَ فِي شِعْرِ دُرَيْدِ بنِ الصَّمَّةِ:
(أَخُنَاسُ قَدْ هَامَ الفُؤادُ بِكُمْ ... وأَصَابَهُ تَبْلٌ مِنَ الحُبِّ)
يَعْنِي بِهِ خَنْسَاءَ بنتَ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، فغَيَّره لِيسْتَقِيمَ لَهُ وزنُ الشِّعِر، وَلها مَراثٍ وأشْعَارٌ فِي أَخِيهَا صَخْرٍ، مشهورةٌ، وأَجْمَعُوا على أَنّهُ لم تَكُن امرأَةٌ أشْعَرَ مِنْهَا. ورُوِيَ أَنها شَهِدَت القادِسِيَّةَ ومَعَهَا أَربعةُ بَنِينَ لَهَا، فَلم تَزَلْ تَحُضُّهُم على القِتَال وتَذْكُر لَهُم الجَنَّةَ، بكلامٍ فَصِيحٍ، فأَبْلَوْا يومَئذٍ بلَاء حسنا واستُشْهِدَوا، فكانُ عُمَرُ، رَضِي الله عَنهُ، يُعْطِيهَا أَرزاقَهُم. فَفِي كَلَام المصنِّف نَظَرٌ وقَصُورٌ من وَجْهَيْنِ. وفَاتَه ذِكْرُ خَنْسَاءَ بنتِ رِئَابِ ابنِ النُّعْمانِ، من المُبايِعاتِ.)
والخَنْسَاءُ: البَقرةُ الوَحْشِيَّةُ، صِفَة لَهَا. وأَصْل الخَنَسِ فِي الظِّبَاءِ والبَقَرِ، وَهِي كلُّهَا خُنْسٌ، وأَنْفُ البَقَرِ أَخْنَسُ، لَا يكونُ إِلاّ هَكَذَا. قيل: وَبِه سُمِّيَت المَرْأَةُ. قَالَ لَبِيد:
(أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ ... خَذَلَتْ وهَادِيَةُ الصِّوُارِ قِوَامُهَا)

(خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فَلم يَرِمُ ... عُرْضَ الشَّقائقِ طَوْفُهَا وبُغَامُهَا)
والخَنْسَاءُ: فَرَسُ عُمَيْرةَ بنِ طارِقٍ اليَرْبُوعِيّ وَهُوَ أَخو حَزِيمَةَ بنِ طارِقٍ الَّذِي أَسَرَه أَسِيدُ ابنِ حِنّاءَة أَخو بَنِي سَلِيطِ ابنِ يَرْبُوعٍ. وَهَذَا الفَرَسُ من أَولاد أَعْوَجَ الَّذِي تَقَدَّم ذِكْرُه، وَهُوَ القائِلُ فِيهَا:
(كَرَرْتُ لَهُ الخَنْساءَ آثَرْتهُ بِهَا ... أَوَائِلهُ مِمَّا عَلِمْت ويَعْلَمُ)
وخُنَاسٌ، كغُرابٍ: ع باليَمَنِ، بل أُحَدُ مَخَالِيفِها. وخُنَاسُ بنُ سِنَانِ بنِ عُبَيْدٍ الخزرجيّ السُّلَمِيُّ، جدُّ الْمُنْذر بن سَرْحٍ، وابْنَاهُ يَزِيدُ بَدْرِيُّ، ومَعْقِلٌ عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ، وعبدُ اللهِ بن النُّعْمَانِ بنِ بَلْذَمَةَ بنِ خُنَاس بنِ سِنَانٍ المَذْكُورِ. وبَلْذَمَةَ، بالذَّال الْمُعْجَمَة، ويُقَالُ بالمُهْمَلَةِ، ويُقَال بضمَّتين، كَمَا سيأْتي ذِكْرُه فِي مَوضعه. بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ، وكذلِك أَبُو قَتَادَةَ الحارِثُ بنُ رِبْعِيِّ بنِ بَلْذَمَة َ النُّعْمَانِ بنِ خُنَاسٍ، واختُلِف فِي اسْمه. بَدْرِيٌّ فِي قولِ بعضِهِم، وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ على المصنِّفِ.
وأُمُّ خُنَاسٍ: امرأَةُ مَسْعُودٍ. هَكَذَا ضَبَطَه ابنُ مَاكُولاَ. لَهُم صُحْبَةٌ وهَمّامُ بنُ خُنَاسٍ المَرْوَزِيُّ، تَابِعِيٌّ، عَن ابنِ عُمَرَ. وفَاتَه: خُنَاسُ بنُ سُحَيْم، عَن زِياد بن حُدَيْرٍ، وخُنَاسٌ الَّذِي حَدَّث عَنهُ كُلَيْبُ بنُ وَائِل. خُنَيْسٌ، كزُبَيْرٍ، ابنُ خالِدٍ أَبُو صَخْرٍ الخُزاعِيُّ الكَعْبيُّ، قُتِل فِيمَا قِيل يومَ الفَتْحِ. خُنَيْسُ بنُ أَبي السَّائِبِ بن عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ، فَارِسٌ بَطَلٌ بَدْرِيٌّ. خُنَيْسُ ابنُ حُذَافَةَ بنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ، أَخُو عبدِ الله، لَهُ هِجْرَتانِ. وأَبو خُنَيْسٍ الغِفَارِيّ وَيُقَال: خُنَيْسٌ، والأَوّل أَثْبَتُ، لَهُ حديثٌ، صحابِيُّون. وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الخُنُسُ، بضَّمَتَيْن، وضَبْطَه الصّاغانِيُّ بالضَّمّ: الظِّبَاءُ أَنْفُسُها. ومَوْضِعُهَا أَيضاً: خُنُسٌ. كَذَا هُوَ نَصُّ التَّكْمِلَة، وَفِي اللِّسان مَأْوَاها. والخُنْسُ: البَقَرُ، وَقد تقدَّم أَنَّ أَصلَ الخَنَسِ فِي الظِّبَاءِ، والبَقَر، كُلُّها خُنُسٌ، وَاحِدُهَا خَنْسَاءُ. وانْخَنَسَ الرَّجلُ: تأَخَّر، مُطاوِع خَنَسَهُ، وَقد تقدَّم فِي أَوَّل المادّة، فَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِه: اخْتَنَسَ، وَهُوَ مِثْلُه، كَمَا صرَّح بِهِ غيرُ وَاحد.
ومِن المَجَازِ: انْخَنَسَ الرَّجُلُ، إِذا تَخَلَّف عَن القَوْمِ، وكذلِك خَنَسَ، كَمَا نَقله الأَصْمَعِيُّ عَن أَعرابِيٍّ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ. وتَخَنَّس بهم، أَي تَغَيَّبَ بهم، وَهَذَا أَيضاً قد تقدَّم فِي أَوَّلِ الْمَادَّة، فَهُوَ) تَكْرَار. وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: الخُنُوسُ: الانْقِباضُ. وخَنَسَ مِن بَيْنِ أَصحابِه: اسْتَخْفَى، والخِنَاسُ كالخُنُوسِ. وخَنَستِ النَّخْلُ: تَأَخَّرتْ عَن قَبُول التَّلْقِيحِ فَلم يُؤَثِّرْ فِيهَا وَلم تَحْمِلْ فِي تِلْك السَّنَةِ.
والخَانِسُ: المُتَأَخِّرُ، والجَمْع: الخُنَّسُ، وَقد تُوصَفُ بِهِ الإِبلُ. ضُمَّزٌ خُنَّسٌ، مَا جُشِّمَتْ جَشِمَتْ أَي صَوَابِرُ على العَطَشِ وَمَا حَمَّلْتَهَا حَمَلَتْه. وضَبَطَه الزَّمَخْشِريُّ بالحاءِ المُهْمَلَةِ والمَوَحَّدة بغيرِ تَشْدِيد، وَقد تقدَّمَ فِي مَوْضعه. وخَنَسَ بِهِ: وَارَاه. وخَنَسَ إِذا تَوَارَى وغابَ. وأَخْنَسْتُه أَنا: خَلَّفْتُه. قَالَه الأَصْمَعيّ. وأَخْنَسُوا الطَّرِيقَ: جَاوَزُوه، عَن أبي عَمْرو، أَو خَلَّفُوه وَراءَهم، وَهُوَ مَجَازٌ، كَمَا للزَّمَخْشَرِيِّ. وقالَ الفَرَّاءُ: أَخْنَسْتُ عَنهُ بَعْضَ حَقِّهِ، فَهُوَ مُخْنَسٌ، أَي أَخَّرْتُه. وَقَالَ أُبو عُبَيدة: فَرَسٌ خَنُوسٌ، كصَبُورٍ: هُوَ الَّذِي يَعْدِلُ وهُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي حُضْرِه ذاتَ اليَمِيْنِ وذاتَ الشِّمَالِ، وكذلِك الأُنْثَى بغيرِ هاءٍ. نَقَلَهُ الصّاغانِيُّ، والجَمْعُ خُنُسٌ، والمَصْدَر: الخَنْسُ، بسكونِ النُّونِ. وَقَالَ ابْن سِيدَه: فَرَسٌ خَنُوسٌ: يَسْتَقِيمُ فِي حُضْرِه ثمّ يَخْنِسُ، كأَنَّه يَرْجِعُ القَهْقرَى.
والخُنْسُ: نوعٌ من التَّمْرِ بالمَدِينَةِ، صِغَارُ الحَبِّ لاطِئَةُ الأُقْمَاعِ، على التَّشْبِيهِ بالأَنْفِ، واسْتَعَاره بعضُهُم للنَّبْل، فَقَالَ يَصِف دِرْعاً:
(لَهَا عُكَنٌ تَرُدُّ النَّبْلَ خُنْساً ... وَتَهْزَأُ بالمَعَابِلِ والقِطَاعِ)
وخَنَسَ من مالِه: أَخَذَ. وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: وَلَدُ الخِنْزِيرِ يُقَال لَهُ: الخِنَّوْسُ، بالسينِ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنهُ. والخَنَسُ فِي القَدَمِ: انبِسَاطُ الأَخْمَصِ وكَثْرةُ اللَّحْمِ. قَدَمٌ خَنْسَاءُ. والخُنَاسُ، كغُرَابٍ: دَاءٌ يُصِيبُ الزَّرْعَ فيتَجَعْثَنُ مِنْهُ الحَرْثُ فَلَا يَطُولُ: وخَنْسَاءُ وخُنَاسُ وخُنَاسَى، كُلُّه: اسمُ امرأَةٍ.
وبَنُو أَخْنَسَ: حَيٌّ. والثَّلاثُ الخُنَّسُ: من لَيَالِي الشَّهْرِ، قيل لَهَا ذَلِك لأَنَّ القَمَرَ يَخْنِسُ فِيهَا، أَي يَتأَخَّر. ورَحْبُةُ خُنَيْسٍ، كزُبَيْرٍ: مَحَلَّةٌ بالكوفَةِ. والخِنِّيسُ كسِكِّيت: المُرَاوِغُ المُحْتَالُ. والخَنْسُ: الرُّجُوع، وَهُوَ مَجَاز.

أَذذ

أَذذ
: ( {الأَذُّ: القَطْعُ) ، وَزعم ابنُ دُريدٍ أَن همزَة} أَذَّ بدلٌ من هاءٍ هَذَّ، قَالَ:
{يَؤُذُّ بِالشَّفْرَةِ أَيَّ} أَذِّ
مِنْ قَمَعٍ ومَأْنَةٍ وفِلْذِ
( {والأَذُوذُ) ، كصَبُور (: القَطَّاعُ) ، يُقَال: سِكِّين} أَذُوذٌ (وشَفْرَةٌ أَذُوذٌ، بِلَا هاءٍ) كَهَذُوذٍ: قاطِعَةٌ.
(! إِذْ) ، بِالْكَسْرِ، كلمة (تَدُلُّ عَلَى الْمَاضِي) من الزَّمانِ، وَهُوَ اسمٌ (مَبْنِيٌّ عَلى السُّكُونِ، وحَقُّه إِضَافَتُه إِلى جُمْلَةٍ) ، تَقول: جِئْتُكَ إِذْ قَامَ زيدٌ، وإِذ زيدٌ قائمٌ، وإِذ زيدٌ يَقُومُ، فإِذا لم تُضَفْ نُوِّنَتْ، قَالَ أَبو ذُؤَيب:
نَهَيْتُكَ عَنْ طِلاَبِكَ أُمَّ عَمْرٍ
وبِعَافِيَةٍ وأَنْتَ إِذٍ صَحِيحُ
أَراد: حينئذٍ، كَمَا تَقول: يَوْمئذٍ. (وتَكُونُ اسْماً للزَّمنِ الْمَاضِي، وحينئِذٍ تكون ظَرْفاً غالِباً) ، كَقَوْلِه تَعَالَى: ( {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ} (سُورَة التَّوْبَة، الْآيَة: 40)) ، كَقَوْلِه: (تَعَالَى {9. 033 واذْكُرُوا ءذ كُنْتُم قَلِيلا} (سُورَة الْأَعْرَاف، الْآيَة: 86) ، و) تكون (بَدَلاً من الْمَفْعُول) ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} (سُورَة مَرْيَم، الْآيَة: 16) قَالُوا (إِذْ بَدَلُ اشتمالٍ مِن مَريمَ) مُفول اذْكُر. (و) تكون (مُضَافاً إِليها اسمُ زمانٍ صالِحٌ للاستْتِغناءِ عَنهُ) مثل قَوْلهم (يَوْمَئذٍ) ولَيْلَتَذٍ (أَو) اسْم زمَان (غيرُ صالحٍ) للاستغناءِ عَنهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: ( {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 8) وَتَكون اسْماً للزَّمنِ المُسْتَقْبَلِ) كَقَوْلِه تَعَالَى: ( {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا} (سُورَة الزلزلة، الْآيَة: 4)) .
وَفِي التَّهْذِيب: العربُ تَضَع إِذْ للمستقبل، وإِذَا للماضي، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ} (سُورَة سبأ، الْآيَة: 51) مَعْنَاهُ إِذ يَفْزَعونَ يومَ القيامةِ، قَالَ الفَرَّاءُ: إِنما جازَ ذالك لأَمّه كالوَاجِب، إِذ كَانَ لَا يُشَكُّ فِي مَجِيئه، وَالْوَجْه فِيهِ (إِذا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِذَا السَّمَآء انشَقَّتْ} (سُورَة الانشقاق، الْآيَة: 1) .
(و) تكون (للتَّعْلِيلِ) كَقَوْلِه تَعَالَى: ( {وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (سُورَة الزخرف، الْآيَة: 39)) وَقَالَ ابنُ جِنِّي: طاوَلْتُ أَبا عَلِيَ رَحمَه الله فِي هاذا وراجَعْتُهُ عَوْداً على بَدْءٍ، فكانَ أَكْثَرَ مَا بَرَدَ مِنْه فِي اليَدِ أَنَّه لما كَانَت الدارُ الآخِرَةُ تَلِي الدارَ الدُّنْيَا لَا فَاصلَ بَيْنَهُمَا، إِنما هِيَ هاذه فهاذه، صَار مَا يَقَعُ فِي الآخِرة كأَنَّه واقِعٌ فِي الدُّنْيَا، فلذالك أُجْرِيَ اليَوْمُ وَهُوَ لِاخِرَةِ مُجْرَى وَقْتِ الظُّلْمِ، وَهُوَ قَوْله: {إِذ ظَّلَمْتُمْ} ووَقْتُ الظُّلْمِ إِنما كانَ فِي الدُّنيا، فإِن لم تَفْعَل هاذا وتَرْتَكِبْه بَقِيَ {إِذ ظَّلَمْتُمْ} غَيْرَ مُتَعَلِّق بشيْءٍ، فيَصير مَا قَالَهُ أَبو عَلِيَ إِلى أَنَّه كأَنَّه أَبْدَل (إِذْ ظَلَمْتُم) من (الْيَوْم) أَو كَرَّرَه عَلَيْهِ، كَذَا فِي اللِّسَان.
(و) قد تكون (للمُفَاجَأَةِ، وَهِي الوَاقِعَةُ بَيْنَا وَبَيْنَمَا) كَقَوْل، الشَّاعِر:
اسْتَقْدِرِ الله خَيْراً وَارْضَيَنَّ بِهِ
فَبَيْنَمَا العُسْرُ إِذْ دَارَتُ مَيَاسِيرُ
وَهُوَ من قصيدة أَوَّلُهَا:
يَا قَلْبُ إِنَّكَ مِنْ أَسْمَاءَ مَغْرُورُ
فَاذْكُرْ وهَلْ يَنْفَعَنْكَ اليَوْمَ تَذْكِيرُ
وتفصيل مبَاحث (إِذ) مَبسوطٌ فِي مُغْنى اللبيبِ وشُرُوحه، فراجِعْها.
(وهَلْ هُوَ) ، أَي لفظ إِذ (ظَرْفُ زَمَانٍ) ، كَمَا ذهبَ إِليه الْمبرد، (أَو) ظرف (مَكَانٍ) ، كَمَا ذهبَ إِليه الزَّجَّاجُ وَاخْتَارَهُ أَبو حَيَّان، (أَو حَرْفٌ بِمَعْنى المُفَاجَأَةِ) ، كَمَا ذهب إِليه ابنُ بَرّيّ وَاخْتَارَهُ ابنُ مَالك، (أَو حَرْفٌ مُؤَكِّدٌ، أَي زائِدٌ) ، كَمَا ذهب إِليه ابنُ يَعيش ومالَ إِليه الرَّضِيّ، (أَقْوَالٌ) أَربعةٌ مَبْسُوطة بأَدِلَّتِهَا فِي المُطَوَّلاتِ، فراجِعْهَا. وَفِي البصائرِ واللسانِ: وَهُوَ من حُروفِ الجَزَاءِ إِلاّ أَنه لَا يُجَازَى بِهِ إِلاَّ مَعَ (مَا) تَقول:! إِذْمَا تَأْتِني آتِكَ، كَمَا تَقول: إِنْ تَأْتِنِي وَقْتاً آتِكَ. قَالَ العبَّاسُ بنُ مِرْدَاسٍ يَمدَح النّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطِيَّ وَمنْ مَشَى
فَوْقَ التُّرَابِ إِذَا تُعَدُّ الأَنْفُسُ
بِكَ أَسْلَمَ الطَّاغُوتُ وَاتَّبِعَ الهُدَى
وَبِكَ انْــجَلَى عَنَّا الظَّلاَمُ الحِنْدِسُ
إِذْ مَا أَتَيْتَ عَلَى الرَّسُولِ فَقُلْ لَهُ
حَقًّا عَلَيْكَ إِذَا اطْمَأَنَّ المَجْلِسُ
وَفِي الْمُحكم: إِذ ظرْفٌ لِما مَضَى مِن الزمانِ، تَقول إِذْ كَانَ كَذَا، وَقَوله عزَّ وجلّ: { {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةً} (سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 30) قَالَ أَبو عُبَيْدَة: إِذْ هُنَا زائدةٌ، قَالَ أَبو إِسْحَاق: هاذا إِقْدَامٌ من أَبي عُبَيْدَةَ، لأَن القُرْآنَ العَزيزَ يَنبَغِي أَن لَا يُتَكَلَّمَ فِيهِ إِلاَّ بِغَايَةِ تَحَرِّي الحَقِّ، وإِذ مَعناها الوقْتُ، وَهِي اسْم، فَكيف تكون لَغْواً ومَعناه الوَقْتُ، والحُجَّة فِي إِذ أَنَّ الله تَعَالَى خَلَق الناسَ وغَيْرَهم، فكأَنَّه قَالَ. ابتِدَاءُ خَلْقِكم إِذْ قَالَ رَبُّك للْمَلَائكَة إِني جاعِلٌ فِي الأَرض خَلِيفَةً، أَي فِي ذالك الوقْتِ. كَمَا فِي اللِّسَان.

نَجْدَانِ

نَجْدَانِ:
تثنية نجد، واشتقاقه ذكر في نجد: موضع يقال له نجدا مريع، قال الشماخ:
أقول وأهلي بالجناب وأهلها ... بنجدين: لا تبرح نوى أمّ حشرج
ونجدان: جبلان بأجإ فيهما نخل وتين، ونجدان في شعر حميد بن ثور وغيره قال:
دعوت بعــجلى واعترتني صبابة، ... وقد جاوزت نجدين أظعان مريما
قال أبو زياد: نجدان مربع في بلاد خثعم.

سنبذج

سنبذج
: (السُّنْباذَجُ، بالضّمّ) فَسُكُون النُّون، وَفتح الذّال الْمُعْجَمَة: (حَجَرٌ يَجْلُو بِهِ الصَّيْقَلُ السُّيوفَ وتُــجْلَى بِهِ الأَسنانُ) والجَوَاهِرُ.

السورة

السورة: هي الطائفة من القرآن المسمَّاة باسم خاص توقيفاً وأقله ثلاث آيات.
السورة
- 1 - قسم القرآن الكريم سورا، سمّيت كل منها باسم خاص، أخذ من بعض ما عالجته السورة من المعانى، أو مما تحدث عنه من إنسان وحيوان أو غيرهما، أو من بعض كلماتها.
والسورة القرآنية قد تكون ذات موضوع واحد تتحدث عنه، ولا تتجاوزه إلى سواه، مثل كثير من قصار السور، كسورة النبأ والنازعات والانشقاق، وكلها تتحدث عن اليوم الآخر، والهمزة والفيل وقريش، وهى تتحدث عن عقاب من يعيب الناس، وما حدث لأصحاب الفيل، وما أنعم الله به على قريش من نعمة الألفة.
وقد تتناول السورة أغراضا شتى، مثل معظم سور القرآن، وهنا نقف لنتبين أىّ الخطتين أقوم وأهدى: أن يرتب القرآن موضوعاته ويجعل كل سورة تتناول موضوعا واحدا معينا، فتكون سورة للأحكام وأخرى للتاريخ وثالثة للقصص ورابعة للابتهال، حتى إذا فرغت منه تناولت سورة أخرى غرضا آخر وهكذا، أو أن تتناثر أحكامه وقصصه ووعده ووعيده على النحو الذى انتهجه، والذى يبدو بادئ ذى بدء أن السلك الذى يربط بين آياته ضعيف الربط أو واهى التماسك؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف الهدف الذى إليه يرمى القرآن الكريم؛ لنرى أقوم الخطتين لتحقيق هذا الهدف والوصول به إلى جانب التوفيق والنجاح.
أما هدف القرآن الكريم فغرس عقيدة التوحيد في النفس، وانتزاع ما يخالف هذه العقيدة من الضمير، والدعوة إلى العمل الصالح المكوّن للإنسان المهذب الكامل، بسن القوانين المهذّبة للفرد، الناهضة بالجماعة.
وإذا كان ذلك هو هدف القرآن، فإن المنهج القرآنى هو الذى يحقق هذا الهدف فى أكمل صوره، وأقوى مظاهره، ذلك أنه لكى يحمل على اتّباع ما يدعو إليه يمزج دعوته بالحث على اتباعها، ويضرب المثل بمن اتبع فنجح، أو ضل فخاب، ويتبع الحديث عن المؤمنين بذكر بعض الأحكام التى يجب أن يتبعها هؤلاء المؤمنون، ويعقب ذلك بالترغيب والترهيب، ثم يولى ذلك بوصف اليوم الآخر وما فيه من جنة أو نار، وهو في كل ذلك يتكئ على الغريزة الإنسانية التى تجعل المرء خاضعا بالترغيب حينا، والترهيب حينا آخر، والقرآن حين يستمد شواهده من حوادث التاريخ لا يستدعيه ذلك أن ينهج منهج المؤرخين، فيتتبع الحادث من مبدئه إلى منتهاه، وينعم النظر في الأسباب والنتائج، ويقف عند كل خطوة من خطواته، ولكنه يقف من هذا الحادث عند الفكرة التى تؤيد غرض الآية، والجزء الذى يؤيد الهدف الذى ورد في الآيات، وقل مثل ذلك في القصة عند ما يوردها، فإنها تساق للهدف الذى تحدّثنا عنه، وهو من أجل ذلك ينظر إليها من زاوية بعينها، ولا يرمى غالبا إلى قص القصّة برمتها، وسوف نشبع الحديث في ذلك فيما يلى:
يتنقل القرآن إذا بين الأغراض المختلفة، لا اعتباطا وبلا هدف، ولكن لصلات وثيقة تربط بين هذه الأغراض، بحيث تتضافر جميعها في الوصول إلى الغاية القصوى وتحقيقها.
ولنبدأ في تفصيل ما أجملناه مبينين الصلات الوثيقة التى تربط آية بآية، ثم موضحين وجوه الترابط القوى بين الأغراض المختلفة في السورة الواحدة.
فقد تقع الآية الثانية صفة لكلمة في الآية الأولى كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (البقرة 26، 27). وقد تكون الآية الثانية توكيدا لفكرة الآية الأولى، كما تجد ذلك في قوله سبحانه: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (البقرة 94 - 96). وقد تكون الآية الثانية ردّا على ما في الآية الأولى كما في قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (البقرة 80، 81). وقد تحمل الآية الثانية فكرة مضادة لفكرة سابقتها، كما في قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ  وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (البقرة 24، 25). ولا ريب أن الجمع بين حكم المتضادين في الذهن يزيده جلاء ووضوحا.
وتأمل الصلة القوية بين هاتين الآيتين، وهى صلة الربط بين الحكم وحكمته فى قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(البقرة 178، 179). ويصف الكتاب ثمّ يحبّب في اتباعه مبغّضا إلى النفوس صورة منكريه، فيقول: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (البقرة 2 - 7). ويعقب توحيد الله بدلائل هذا التوحيد في قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة 163، 164).
ويطول بى القول إذا أنا مضيت في الاستشهاد على بيان الصلات التى تربط آية بآية، ولكنى أشير هنا إلى أن إدراك هذه الصلة يتطلب في بعض الأحيان تريثا وتدبرا يسلمك إلى معرفة هذه الصلة وتبيّنها، ولكنك تصل- ولا ريب- إلى وثاقة هذا الارتباط ومتانته، وخذ لذلك مثلا قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (الأنفال 4، 5). فقد لا يظهر موضع الكاف ولا مكان الصلة بين الآية الثانية وما قبلها من الآيات، ولكن التأمل يهدى إلى أن القرآن يربط بين أمرين: أولهما ما بدا من بعض المسلمين من عدم الرضا بما فعله الرسول في قسمة الغنائم، وثانيهما ما كان قد ظهر من بعض المؤمنين من كراهية أن يخرج الرسول من منزله إلى الغزو، وقد تمّ في هذا الغزو النصر والغنيمة، فكأنه يقول إن الخير فيما فعله الرسول في قسمة الغنائم، كما كان الخير فيما قام به الرسول من خروجه إلى الغزو، وبذلك تبدو الصلة قوية واضحة بين الخبرين. ومن ذلك قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 114، 115). فقد تبدو الصلة منفصمة بين هذه الآيات، ولكنك إذا تأملت الآية الأولى وجدت فيها حديثا عن الذين لا يعلمون ولا يتلون الكتاب، وهؤلاء لا يعترفون بشيء مما أنزل الله، فهم يسعون في تقويض أسس الأديان جميعا، لا فرق عندهم بين دين ودين، وهم لذلك يعملون على أن يحولوا بين المسلمين وعبادة الله، ويسعون في تخريب بيوت عبادته، ومن هنا صحّ هذا الاستفهام الذى يدل على أنه لا أظلم من هؤلاء الذين لا يعلمون، وارتباط الآية الثالثة بما قبلها لدلالتها على أن عبادة الله ليست في حاجة إلى مسجد يقام، بل لله المشرق والمغرب، فحيثما كنتم ففي استطاعتكم عبادة الله؛ لأن ثمة وجه الله.
«قال بعض المتأخرين: الأمر الكلى المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذى سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التى تقتضى البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها، فهذا هو الأمر الكلّى المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، فإذا عقلته تبين لك وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة» .
ولكل سورة في القرآن هدف ترمى إليه، فتجد سورة الأنعام مثلا تتجه إلى إثبات توحيد الله ونبوّة رسوله، وإبطال مذاهب المبطلين وما ابتدعوه من تحليل حرام أو تحريم حلال؛ وتجد سورة الأعراف تتجه إلى الإنذار والاتّعاظ بقصص الأولين وأخبارهم، وتجد سورة التوبة تحدد علاقة المسلمين بأعدائهم من مشركين وأهل كتاب ومنافقين، وتجد سورة الحجر ترمى إلى إثبات تنزيل القرآن وترهيب المكذبين به، بقصّ أخبار المكذبين قبلهم، وهكذا تجد هدفا عامّا تدور حوله السورة، وتتبعه معان أخرى تؤكده ويستتبعها، ويخلص الإنسان في السورة من معنى إلى آخر خلوصا طبيعيّا لا عسر فيه ولا اقتسار. ولنحلل سورة من القرآن، نتبين فيها منهجه، وندرك مدى تأثير هذا المنهج فى النفس الإنسانية.
ففي سورة المزمل، والهدف منها تهيئة الرسول للدعوة، وإعداده لما سيلقاه في سبيلها من متاعب ومشاق، بدئت السورة بنداء الرسول، وتكليفه بما يعده لحمل أعباء الرسالة، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (المزمل 1 - 9). ألا تراه يعدّه بهذه الرّياضة النفسية الشاقة لتحمل أعباء الرسالة المضنية فليمض الليل أو جزءا منه في التهجد وقراءة القرآن، استعدادا لما سيلقى عليه من تكاليف شاقة ثقيلة، وإنما أمر الرسول بالتهجّد في الليل؛ لأن السهر فيه أشق على النفس، ولكنها تخلص فيه لله، وتفرغ من مشاغل النهار وصوارفه، وأمر بذكر الله، والإخلاص له تمام الإخلاص، فهو رب المشرق والمغرب، لا إله إلا هو.
بعد هذا الإعداد بالرياضة أراد أن يوطنه على تحمل الأذى في سبيل هذه الدعوة والصبر عليه، وينذر هؤلاء المكذبين بما سيجدونه يوم القيامة من عذاب شديد، وهنا يجد المجال فسيحا لوصف هذا اليوم وصفا يبعث الرهبة في النفس، والخوف في القلب، عساها تكف عن العناد، وتنصاع إلى الصواب والحق، ولا ينسى أن يضرب المثل من
التاريخ لمن كذّب وعصى، كى يكون عظة وذكرى، فقال:
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (المزمل 10 - 18).
فأنت ترى الانتقال طبيعيّا من توطين الرسول على الأذى، ثم بعث الطمأنينة إلى نفسه بأن الله سيتكفل عنه بتأديب المكذبين، بما أعده الله لهم من عذاب أليم يوم القيامة، وتأمل ما يبعثه في النفس تصور هذا اليوم الذى ترتجف فيه الأرض، وتنهار الجبال فيه منهالة، وينتقل إلى الحديث عن عاقبة من كذب بالرسل من أسلافهم، ثم يتجه إليهم، موجّها لهم الخطاب يسألهم متعجبا، عما أعدوه من وقاية لأنفسهم يصونونها بها من هول يوم يشيب الطفل فيه من شدته، وحسبك أن ترفع الطرف إلى أعلى، فترى السماء التى أحكم بناؤها، قد فقدت توازنها وتصدّع بناؤها.
ويختم هذا الإنذار بجملة تدفع النفس إلى التفكير العميق، وتفتح أمامها باب الأمل والنجاة لمن أراد أن يظفر وينجو، إذ قال: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (المزمل 19). ألا تحس في هذه الجملة معنى إلقاء المغبة على عاتق هؤلاء المنذرين، وأنهم المسئولون عما سوف يحيق بهم من ألم وشقاء، أو ليس في ذلك ما يحفزهم إلى التفكير الهادئ المتزن، عساهم يتخذون إلى ربهم سبيلا؟
وينتقل القرآن من إنذاره لهؤلاء المكذبين إلى خطابه للمطيعين، وهم الرسول وطائفة ممن معه، فيشكر لهم طاعتهم، ولا يرهقهم من أمرهم عسرا، ويطلب إليهم القيام ببعض الفروض، ويحببها إليهم، فهم عند ما يؤتون الزكاة يقرضون الله، ومن أوفى بأداء الحقوق منه سبحانه، ويختم خطابه لهم بوصفه بالغفران والرحمة، فيقول: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المزمل 20).
فأنت ترى في هذه الآية الكريمة مدى الرفق في خطاب المطيعين، وما أعد لهم من رحمة وغفران، فى مقابل ما لدى الله من أنكال وجحيم لهؤلاء المكذبين.
أنت بذلك التحليل ترى مدى الترابط بين الأغراض المختلفة، واتساق كل غرض مع صاحبه، وحسن التخلص وطبيعة الانتقال من غرض إلى آخر وتستطيع أن تمضى في تحليل سور القرآن على هذا النسق، وسوف ترى الربط بين الأغراض، قويا وثيقا.
فإذا رأيت في بعض السور بعض آيات يشكل عليك معرفة وجه اتساقها في غرض السورة فتريث قليلا تروجه المجيء بها قويا، ولعل من أبعد الآيات تعلقا بسورتها في الظاهر قوله تعالى في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (القيامة 16 - 19)، فإن السورة كلها حديث عن يوم القيامة وأحواله. وأفضل ما رأيته في توجيه هذه الآيات ما حكاه الفخر الرازى من «أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل في قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (القيامة 13). قال: «يعرض عليه كتابه، فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا، فأسرع في القراءة، فيقال له: لا تحرك به لسانك، لتعجل به، إن علينا أن نجمع عملك، وأن نقرأ عليك، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت، ثم إن علينا بيان أمر الإنسان، وما يتعلق بعقوبته» وإذا كنت أوافقه في أصل الفكرة فإنى أخالفه في تفصيلاتها، فالمعنى، على ما أدرى، ينبّأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر، وذلك كما أخبر القرآن، فى كتاب مسطور، وفي تلك الآيات يصف القرآن موقف المرء من هذا الكتاب فهو يتلوه في عجل كى يعرف نتيجته، فيقال له: لا تحرك بالقراءة لسانك لتتعجل النتيجة، إن علينا أن نجمع ما فيه من أعمال في قلبك، وأن نجعلك تقرؤه في تدبر وإمعان، فإذا قرأته فاتجه الاتجاه الذى يهديك إليه، وإن علينا بيان هذا الاتجاه وإرشادك إليه إما إلى الجنة، وإما إلى السعير. وبذلك يتضح أن لا خروج فى الآيات على نظم السورة وهدفها.
ذلك هو ما أراه في ترتيب آيات القرآن الكريم وشدة ما بينها من ارتباط، وكان بعض العلماء يشعر بشدة صلة آى القرآن بعضها ببعض، حتى يكون كالكلمة الواحدة، ومن هؤلاء ابن العربى . وممن عنى بدراسة التناسب بين الآيات أبو بكر النيسابورى «وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول على الكرسى إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جانب هذه، وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وممن أكثر منه فخر الدين، قال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط» .
لا أوافق إذا عز الدين بن عبد السلام عند ما قال: «المناسبة علم حسن، ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث، فضلا عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض» . ولا أوافق أبا العلاء بن غانم في قوله: «إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذى هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم وأن ليس في القرآن شىء من حسن التخلص» .
لا أوافقهما وحجتى في ذلك أمران: أما أولهما فما نراه من حسن التناسب وقوة الارتباط حقا بين الآى بعضها وبعض، محققة بذلك هدف القرآن كما تحدثنا، ولعل عز الدين ومن لف لفه كان يرى التناسب يتم إذا جمعت آيات الأحكام مثلاكلها في سورة واحدة أو عدة سور، وجمعت القصص كلها كذلك في سورة واحدة أو عدة سور، وجمعت حوادث التاريخ كلها في سورة واحدة أو عدة سور، وهكذا، وقد سبق أن بيّنا أن هذا النهج لا يحقق الهدف الذى يرمى إليه القرآن من الإرشاد والهداية، فليس القرآن كتاب قصص أو تاريخ، ولكنه كتاب دين، يرمى إلى التأثير فى النفس، فهو يلقى العظة، مبيّنا ما في اتباعها من خير، وضاربا المثل من التاريخ على صدق ما ادعى، ومستشهدا بقصص الأولين وآثارهم، ومقنّنا من الأحكام ما فيه خير الإنسانية وكمالها، وكل ذلك في تسلسل واطراد وحسن اتساق، ترتبط المعانى بعضها ببعض، ويؤدى بعضها إلى بعض.
أولا نرى في هذا النهج القرآنى وسيلة لتكرير العظات والإنذار والتبشير في صور متعددة مرات عدة، وللتكرير كما قلنا أثره في تثبيت المعنى في النفس، وبلوغ العظة الهدف الذى ترمى إليه، ولن يكون للتكرير جماله إذا عمد القرآن إلى كل غرض على حدة فوضع آية بعضها إلى جانب بعض.
وأما ثانيهما فتاريخى يعود إلى ترتيب الرسول للقرآن بأمر ربه، فقد كانت تنزل عليه الآيات فيأمر كتبة الوحى أن يضعوها في موضعها بين ما نزل من القرآن، فى هذه السورة أو تلك، ويضع بعض ما نزل في مكة بين آيات السور المدنية، فلولا أن رابطا يجمع بين هذه الآيات بعضها وبعض، ما كان ثمة سبب يدفع إلى هذا الوضع ولا يقتضيه بل لرتبت الآى كما نزلت وما كان هناك داع إلى ترتيب ولا تبويب، أما والقرآن قد نزل للناس كافة، وللأجيال جميعها فقد اختار الله لكتابه خير ترتيب يحقق الهدف الذى له نزل الكتاب الحكيم.
- 2 - وتبدأ سور القرآن مثيرة في النفس الإجلال، وباعثة فيها الشوق، والرغبة في تتبع القراءة، والاستزادة منها، فهى حينا ثناء عليه تعالى بتعداد ما له من صفات العظمة والجلال كما في قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الحديد 1 - 3). وحينا تعظيم من شأن الكتاب وتقدير له، تقديرا يبعث على الإصغاء إليه وتدبّر آياته كما في قوله سبحانه: تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً ... (فصلت 2 - 4) أولا ترى الشوق يملأ نفسك وأنت تصغى إلى مثل تلك الفاتحة: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (يوسف 1). وكأنما هى تنبيه للسامع كى يستجمع كل ما يملك من قوة، ليستمع إلى ما سيلقى إليه، وكذلك يثور الشوق لدى سماع كل فاتحة فيها ثناء على الكتاب وتعظيم لأمره، شوق يدعو إلى معرفة ما يحويه هذا الكتاب، الذى يصفه حينا بأنه يخرج من الظلمات إلى النور، فى قوله: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم 1).
وبأنه لا ريب فيه في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة 2).
وكثر في القرآن البدء بالقسم، وهو بطبيعته يدفع إلى التطلع لمعرفة المقسم عليه، لأنه لا يلجأ إلى القسم إلا في الأمور المهمة التى تحتاج إلى تأكيد وإثبات، وقد يطول القسم فيطول الشوق، وتأمّل جمال البدء بالقسم في قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَــجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (الليل 1 - 4).
وكما يثير القسم الشوق والتطلع، كذلك يثيرهما في النفس الاستفهام والشرط، ففي الاستفهام تتجمع النفس لمعرفة الجواب، وفي الشرط تتطلع لمعرفة الجزاء، وقد افتتحت عدة سور من القرآن بهما كما في قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت 2). وقوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (الانفطار 1 - 5).
وقد تبدأ السورة بنداء الرسول أو المؤمنين، للأمر بشيء ذى بال، أو النهى عن أمر شديد النكر، أو تبدأ بخبر يثير الشوق، أو تدخل السورة مباشرة في الحديث عن الغرض الذى نزلت لأجله، كما في قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (التوبة 1). وكأن في ضخامة الغرض وقوته ما يشغل عن التمهيد له، بل كأن في التمهيد إضاعة لوقت يحرص القرآن على ألا يضيع.
وقد يكون مفتتح السورة موحيا بفكرتها، ومتصلا بها شديد الاتصال، ومتناسبا معها شديد التناسب، فمن ذلك سورة آل عمران التى افتتحت بقوله:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (آل عمران 2). وقد عالجت السورة أمر عيسى ونزهت الله عن الولد، أو لا ترى البدء مناسبا لهذا التنزيه؟ ومن ذلك سورة النساء، فقد تحدثت عن كثير من أحكامهن في الزواج والميراث، فكان من أجمل براعات الاستهلال قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء 1)، ألا ترى في خلق المرأة من زوجها ما يوحى بالرفق والحنان الذى يجب أن تعامل به المرأة فلا يبخس حقها زوجة أو أما أو بنتا، وفي الحديث عن تقوى الأرحام هنا إشارة كذلك إلى أن السورة ستعالج بعض أمورهم أيضا ورثة يتامى.
وقل مثل ذلك في أول الأنعام التى ترمى إلى إثبات توحيد الله إذ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام 1)، فليس غير السموات والأرض شىء يبقى خلقه لغير الله.
- 3 - ولخاتمة السورة أثرها الباقى في النفس، لأنه آخر ما يبقى في الذهن، وربما حفظ دون باقى الكلام، ومن أجل هذا كانت خواتم سور القرآن مع تنوعها تحمل أسمى المعانى وأنبلها، فهى حينا دعاء وابتهال يحمل النفس الإنسانية إلى عالم روحى سام، يعترف فيه الإنسان بعجزه أمام قدرة الله، ويطلب من هذه القوة القاهرة أن تعينه وأن تنصره، أو لا يشعر المرء حين يلتجئ إلى هذه القوة بأنه ألقى ثقله، وتخفف من عبئه، كما تجد ذلك في ختام سورة البقرة إذ يقول سبحانه: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (البقرة 286). أو لا يؤذن هذا الدعاء بعد سورة اشتملت على كثير من الجدل والنقاش، وجملة كبيرة من الأحكام بأن السعادة الحقة إنما هى في هذا الالتجاء إلى الله، واستمداد القوة من قدرته، وبذا كان هذا الدعاء مؤذنا بالانتهاء، باعثا برد الراحة في الفؤاد، بعد معركة طال فيها بيان الحق، ومناقشة الباطل وهدمه.
وحينا حديث عن الله بإجلاله وتقديسه، أو بتعداد صفاته الباعثة على حبه وإجلاله معا، فتراه في ختام سورة المائدة يقول: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة 120). وفي ختام سورة الإسراء يقول: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (الإسراء 111). إلى غير ذلك من سور كثيرة، وكأن في هذا الختام خلاصة الدعوة التى تهدف السورة إليها، فكان ذكره مؤذنا بانتهائها، كما تذكر خلاصة الكتاب في نهايته.
وفي أحيان كثيرة تختم السورة بما يشعر بأن القرآن قد أدى رسالته، فعلى السامع أن يتدبر الأمر، ليرى أى الطريقين يختار، والختم بذلك يبعث في نفس القارئ التفكير أيؤثر الهدى أم يختار الضلال، فتراه مثلا في نهاية سورة التوبة يقول: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (التوبة 128 - 129)، أو تختم بإنذار أو وعد أو أمر بركن من أركان الحياة الرفيعة الصالحة، فيختم آل عمران بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران 200).
وقل أن تختم السورة بحكم تشريعى جديد، كما في سورة النساء. وفي كل ختام تشعر النفس بأن المعانى التى تناولتها السورة قد استوفت تمامها، ووجدت النفس عند الخاتمة سكونها وطمأنينتها، حتى إن السورة التى ختمت باستفهام لم يشعر المرء عنده بنقص يحتاج إلى إتمام، بل كان جوابه مغروسا فى القلب، مستقرا في الضمير، فتم بالاستفهام معنى السورة، وأثار في النفس ما أثار من إقرار لا تستطيع تحولا عنه ولا إخفاء له. 

اليقينيات

اليقينيات:
[في الانكليزية] Sure propositions ،absolute propositions ،principles ،axioms ،sensible objects ،innate ideas
[ في الفرنسية] Propositions certaines ،propositions apodictiques ،principes ،axiomes ،objets sensibles ،idees innees
القضايا التي يحصل منها التصديق اليقيني وهي إمّا ضرورية أو نظرية، والضرورية ستة على المشهور: الأوّليات والفطريات والمشاهدات والحدسيات والمجرّبات والمتواترات. وقيل سبع وسابعها الوهميات.
ومنهم من حصرها في الأوّليات والحسّيات وأدرج الفطريات في الأول والبواقي في الثاني، فأراد بالحسّيات ما للحسّ مدخل فيها. ومنهم من ثلّث القسمة كصاحب المحصل وصاحب المواقف حصرها في الأوّليات والحسّيات والوجدانيات وأدرج الفطريات في الأوّليات والبواقي في الحسّيات. وذهب جماعة إلى أنّ ما عدا الحسّيات والأوليات ليست من الضروريات والمفهوم من شرح المقاصد أنّ النزاع لفظي مبني على تفسيرهم الضروري بالذي نجد من أنفسنا مضطرين إليه كذا ذكر الصادق الحلواني في حاشية الطيبي. وفي البيضاوي في تفسير قوله تعالى وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ اليقين إتقان العلم نظرا واستدلالا، ولذلك لا يوصف به علم الباري تعالى انتهى. قال مولانا عصام الدين في حاشيته: تقييد اليقين بالنظر ينافي ما اشتهر من أئمة النحو أن العلم من أفعال القلوب لليقين فإن العلم لا يخص الاستدلال انتهى. والإيقان هو علم الشيء بالاستدلال ولذلك لا يوصف علمه تعالى بالإيقان لتنزّهه عن الكسب والاستدلال، وهكذا في بحر المواج. واليقين عند السّالكين اختلفت الأقوال فيه. فقيل هو تحقيق التصديق بالغيب بإزالة كلّ ظنّ. وقال سهل: هو المكاشفة. وقال عطاء ما زال عنه المعارض على دوام الوقت. قال ذو النون كلّ ما رأته العيون نسب إلى العلم وما علمته القلوب نسب إلى اليقين. وقيل اليقين المشاهدة. وقيل هو عبارة عن ظهور نور الحقيقة في الموقن حال كشف أستار البشرية بشاهد الوجد والذّوق لا بدلالة العقل والنقل. قال علي رضي الله تعالى عنه: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، معناه أنّه يزداد وضوحا ومشاهدة. إن قيل نور الإيمان واليقين واحد أم لا؟ يقال نور الإيمان من وراء الحجاب قال تعالى يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ واليقين نور عند كشف الحجاب، وبالحقيقة هما نور واحد إلا أنّه إذا كان من وراء الحجاب يقال له نور الإيمان. وإذا كان عند رفع الحجاب صار يقينا. وقيل الفرق بينهما كالفرق بين الأعمى والبصير إذا أخبرا بطلوع الشمس فإنّ إخبار البصير بالمشاهدة بخلاف إخبار الأعمى كذا في مجمع السلوك. وفي خلاصة السلوك: قيل اليقين مشاهدة الغيوب بكشف القلوب وملاحظة الأسرار بمخاطبة الأفكار. وقيل اليقين في القلب كالبصر فيرى به ما غاب عن بصره.

وقال بعضهم اليقين ثلاثة: علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين. قيل علم اليقين ما يحصل عن الفكر والنظر، وعين اليقين ما يحصل من عيان العين والبصر، وحقّ اليقين اجتماعهما.
وإذا أخبره الصادق بالمعجزات صار ذلك حقّ اليقين انتهى. وفي مجمع السلوك: علم اليقين هو ما حصل عن نظر واستدلال، وعين اليقين هو ما حصل عن مشاهدة وعيان، وحقّ اليقين هو ما حصل عن العيان مع المباشرة. فعلم اليقين كمن علم بالعادة أنّ في البحر ماء، وعين اليقين كمن مشى ووقف على ساحله عاينه، وحقّ اليقين كمن خاض فيه واغتسل وشرب منه. فالشخص الذي يعلم بأنّ الله موجود وواحد فعنده يقين عام، أي عنده خبر من البعيد. وأمّا من يصل بالكشف الروحي والخفي وتتــجلّى عليه الصفات، فهذا عنده عين اليقين وهو صاحب مكاشفة ومشاهدة. ولكنه ما زال على ساحل البحر. وأمّا الشخص الذي وصل إلى التجلّي الذاتي والمشاهدة الذاتية، فهذا عنده حقّ اليقين. وصار صاحب وصال واتصال. اعلم أنّ حقّ اليقين عند الصوفية هو معرفة الله تعالى بالمشاهدة والمعاينة ومعرفة ما سواه لا يطلق عليها حقّ اليقين إلّا مجازا انتهى كلامه. وقال علماء الأصول: علم اليقين ما يقطع الاحتمال كالعلم الحاصل من المحكم والمتواتر وقد سبق في لفظ القطع.

المطلع

(المطلع) مطلع القصيد أول بَيت فِيهَا وَمَكَان الطُّلُوع وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {حَتَّى إِذا بلغ مطلع الشَّمْس} وزمان الطُّلُوع وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} ومطلع الْأَمر مأتاه وَوَجهه الَّذِي يُؤْتى إِلَيْهِ والمصعد وَيُقَال هَذَا لَك مطلع الأكمة أَي حَاضر بَين (ج) مطالع ومطالع الشَّمْس مشارقها يُقَال للشمس مطالع ومغارب
المطلع:
[في الانكليزية] Rise ،place where planets rise ،manifestation
[ في الفرنسية] Lever ،endroit ou se levent les etoiles ،manifestations
بفتح الميم واللام أو كسرها لغة هو زمان الطلوع، وعند الشعراء هو المصرّع بتشديد الراء وقد سبق. ومطلع الاعتدال عند أهل الهيئة هو نقطة تقاطع المعدّل والأفق سمّيت به لأنّ الاعتدالين يطلعان منها أبدا، كذا ذكر السّيّد في شرح الملخص. والمطلع عند الصوفية هو شهود المتكلّم عند تلاوة الكلام، أو كما قال الإمام جعفر الصادق لقد تــجلّى الله لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون، كذا نقل من عبد الرزاق الكاشي. المطالع جمع مطلع بمعنى زمان الطلوع، وكذا المغارب جمع مغرب بمعنى زمان الغروب، وقد جرت عادة أهل الهيئة بتسمية أجزاء معدّل النهار أزمانا على التجوّز بناء على أنّ الزمان مقدار حركتها وقد يسمّى جزء واحد منها مطالع توسّعا، وقس على ذلك المغارب وكذا الحال في مطالع القوس ومغاربه. اعلم أنّه لا شكّ أنّه إذا كان جزء من منطقة البروج على الأفق الشرقي في غير عرض تسعين كانت بإزائه نقطة من معدّل النهار عليه وتسمّى نقطة المطالع، فالقوس من معدّل النهار بين الاعتدال الربيعي وبين تلك النقطة تسمّى مطالع ذلك الجزء بشرط مرورها على الأفق الشرقي مع قوس من البروج من أول الحمل إلى ذلك الجزء على التوالي إن كان الطلوع مستويا، ومن ذلك الجزء إلى أول الحمل على خلاف التوالي إن كان الطلوع معكوسا. مثلا إذا طلع الثور والحمل معكوسين وبلغ أول الحمل إلى الأفق كان مطالع رأس الجوزاء قوسا من المعدّل مبتدئة من النقطة الطالعة مع رأس الجوزاء إلى أول الحمل، وإن أخذ الأفق الغربي مكان الشرقي تسمّى تلك القوس مغارب ذلك الجزء، فالمطالع أو المغارب من أول الحمل تكون على التوالي إن كان طلوع البروج وغروبه مستويا، وعلى خلافه إن كان معكوسا وكان المناسب أن يجعل مبدأ المطالع والمغارب في الآفاق الجنوبية أول الميزان، إلّا أنّ أهل العمل أخذوا مبدأهما هناك أوّل الحمل أيضا. وبعضهم يأخذ مبدأ المطالع والمغارب بخط الاستواء نظيره الانقلاب الشتوي لأنّ بعض الأعمال يسهّل بذلك كمعرفة ساعات نصف النهار وتسوية البيوت وغير ذلك مما لا يحصى. هذا الذي ذكرنا مطالع الجزء وتسمّى بمطالع البروج أيضا.
وأمّا مطالع القوس فهي قوس من معدّل النهار التي تطلع مع قوس مفروضة من فلك البروج، فإنّه إذا طلع من الأفق قوس من فلك البروج فلا بد أن يطلع معها قوس أخرى من المعدّل سواء كانت أزيد من القوس الأولى أو أنقص منها أو مساويا لها، والقوس التي تغرب معها يقال لها مغارب. ولو قيل المعدّل بتمامه أو بعض منه إذا طلع مع قوس مفروضة الخ لكان أولى ليشتمل ما إذا كان مطالع ستة بروج تمام المعدّل ومطالع ستة أخرى نقطة منه، ويقال للقوس من فلك البروج درج السواء لأنّها تحسب متساوية أولا، وينسب إليها مطالعها فتختلف بالزيادة والنقصان، فإنّ وضع المعدل والمنطقة بالنسبة إلى الأفق يختلف، فأيتهما تحسب أجزاؤها أولا متساوية يختلف أجزاء الأخرى بالنسبة إليها وتسمّى درج السواء التي بإزاء المطالع طوالع والتي بإزاء المغارب غوارب. ثم المطالع سواء كانت مطالع الجزء أو مطالع القوس كما في شرح بيست باب تختلف بحسب اختلاف الآفاق في العروض، لأنّ المعدّل تختلف أوضاعه بالنسبة إلى الآفاق المختلفة العرض انتصابا واضطجاعا، فإن كان الأفق عديم العرض يسمّى مطالع خط الاستواء ومطالع الفلك المستقيم ومطالع الكرة المنتصبة ويخصّ باسم المطالع بالقبة إذا كان مبدأها نظيرة الانقلاب الشتوي، وإن كان ذا عرض يسمّى مطالع البلد ومطالع الأفق المائل ومطالع الفلك المائل. هذا الذي ذكر إنّما هو إذا أخذ المطالع من الآفاق الغير الحادثة. وأمّا المطالع المأخوذة من الآفاق الحادثة فتسمّى مطالع مصحّحة، فهي قوس من معدّل النهار ما بين الاعتدال الربيعي وبين تقاطع المعدّل مع ربع من أرباع الأفق الحادث الذي يكون فيه الكوكب، وعلى هذا القياس المغارب. وأمّا مطالع طلوع الكوكب فقوس من معدّل النهار على التوالي من أوّل الحمل إلى الأفق الشرقي حين طلوع ذلك الكوكب، ومطالع غروب الكوكب قوس منه على التوالي من أول الحمل إلى الأفق الشرقي حين غروب ذلك الكوكب، ويسمّى بمطالع نظير درجة الغروب أيضا. والدرجة من منطقة البروج التي على الأفق الشرقي مع ذلك الكوكب تسمّى درجة طلوع الكوكب والتي معه على الأفق الغربي تسمّى درجة غروبه. ومطالع طلوع الكوكب بأفق الاستواء تسمّى مطالع الممر، كما أنّ درجة طلوع الكوكب بأفق الاستواء تسمّى درجة الممر إذ لا اختلاف هناك إذ أفق الاستواء دائرة من دوائر الميول، فمطالع الممر مطلقا هي مطالع درجة ممر الكوكب وهي قوس من معدل النهار من أول الحمل إلى نقطة منه فوق نصف النهار حين بلوغ ذلك الكوكب نصف النهار. هكذا يستفاد مما ذكره عبد العلي البرجندي في شرح التذكرة وشرح بيست باب وحاشية الجغميني.

نَجْرَانُ

نَجْرَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، والنجران في كلامهم: خشبة يدور عليها رتاج الباب، وأنشدوا:
وصيت الباب في النجران حتى ... تركت الباب ليس له صرير
وقال ابن الأعرابي: يقال لأنف الباب الرتاج ولد رونده النّجاف والنجران ولمترسه المفتاح، قال ابن دريد: نجران الباب الخشبة التي يدور عليها، ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا: سمي بنجران بن زيدان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لأنه كان أول من عمرها ونزلها وهو المرعف وإنما صار إلى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخرج رائدا حتى انتهى إلى واد فنزل به فسمي نجران به، كذا ذكره في كتاب الكلبي بخط صحيح زيدان بن سبإ، وفي كتاب غيره زيد، روى ذلك الزيادي عن الشرقي، وأما سبب دخول أهلها في دين النصرانية قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيميون، بالفاء ويروى بالقاف، وكان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل بالقرى فإذا عرف بقرية خرج منها إلى أخرى، وكان لا يأكل إلّا من كسب يديه، وكان بنّاء يعمل في الطين، وكان يعظّم الأحد فلا يعمل فيه شيئا فيخرج إلى فلاة من الأرض فيصلي بها حتى يمسي، ففطن لشأنه رجل من أهل قرية بالشام كان يعمل فيها فيميون عمله، وكان ذلك الرجل اسمه صالح فأحبه صالح حبّا شديدا فكان يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح فجلس منه منظر العين مستخفيا منه، فقام فيميون يصلي فإذا قد أقبل نحوه تنّين، وهو الحية العظيمة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخاف عليه فصرخ: يا فيميون التنين قد أقبل نحوك! فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها فخرج إليه صالح وقال: يا فيميون يعلم الله أنني ما أحببت شيئا قط مثل حبك وقد أحببت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئت، أمري كما ترى فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كان أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا جاءه العبد وبه ضرّ دعا له فشفي، وكان إذا دعي لمنزل أحد لم يأته، وكان لرجل من أهل تلك القرية ولد ضرير فقال لفيميون: إن لي عملا فانطلق معي إلى منزلي، فانطلق معه فلما حصل في بيته رفع الرجل الثوب عن الصبيّ وقال له: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له! فدعا الله فقام الصبيّ ليس به بأس، فعرف فيميون أنه عرف فخرج من القرية واتبعه صالح حتى وطئا بعض أراضي العرب فعدوا عليهما فاختطفهما سيّارة من العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وكان أهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة لهم عظيمة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة فإذا كان ذلك العيد علّقوا عليها كلّ ثوب حسن وجدوه وحليّ النساء، فخرجوا إليها يوما وعكفوا عليها يوما، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم وابتاع صالحا آخر، فكان فيميون إذا قام بالليل في بيت له أسكنه إياه سيّده استسرج له البيت نورا حتى يصبح
من غير مصباح، فأعجب سيّده ما رأى منه فسأله عن دينه فأخبره به وقال له فيميون: إنما أنتم على باطل وهذه الشجرة لا تضرّ ولا تنفع ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيّده: افعل فإنك إن فعلت هذا دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون وتطهّر وصلّى ركعتين ثم دعا الله تعالى عليها فأرسل الله ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها فعند ذلك اتبعه أهل نجران فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على غيرهم من أهل دينهم بكلّ أرض فمن هناك كانت النصرانية بنجران من أرض العرب.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن منبّه عن أهل نجران، قال: وحدّثني يزيد بن زياد عن محمد ابن كعب القرظي وحدثني أيضا بعض أهل نجران أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام وكان في قرية من قراها قريبا من نجران، ونجران القرية العظيمة التي إليها إجماع تلك البلاد، كان عندهم ساحر يعلّم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فيميون ولم يسموه لي باسمه الذي سماه به ابن منبه إنما قالوا رجل نزلها وابتنى خيمة بين نجران وبين القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون أولادهم إلى ذلك الساحر يعلّمهم السحر فبعث الثامر ابنه عبد الله مع غلمان أهل نجران فكان ابن الثامر إذا مر بتلك الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم وعبد الله تعالى وحده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى فقه فيه فسأله عن الاسم الأعظم فكتمه إياه وقال: إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظنّ إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه عمد إلى قداح فجمعها ثم لم يبق لله تعالى اسما يعلمه إلا كتب كل واحد في قدح فلما أحصاها أوقد نارا وجعل يقذفها فيها قدحا قدحا حتى مرّ بالاسم الأعظم فقذفه فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضرّه النار شيئا، فأتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم وهو كذا، فقال: كيف علمته؟ فأخبره بما صنع، فقال: يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظنّ أن تفعل، وجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ إلا قال له: يا عبد الله أتوحّد الله وتدخل في ديني فأدعو الله فيعافيك؟
فيقول: نعم، فيدعو الله فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، فرفع أمره إلى ملك نجران فأحضره وقال له:
أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثّلنّ بك! فقال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح من رأسه فيقع على الأرض ويقوم وليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر، لا تقدر على قتلي حتى توحّد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلّطت عليّ فتقتلني، قال: فوحّد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة غير كبيرة فقتله، قال عبيد الله الفقير إليه: فاختلفوا ههنا، ففي حديث رواه الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، على غير هذا السياق وإن قاربه في المعنى، فقال: إن الملك لما رمى الغلام في رأسه وضع الغلام يده على صدغه ثم مات، فقال أهل نجران: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه
أحد فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام، قال: فقيل الملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك! قال: فخدّ أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس وقال: من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود، فذلك قوله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، حتى بلغ إلى:
العزيز الحميد، وأما الغلام فإنه دفن وذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، روى هذا الحديث الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ابن معمر، ورواه مسلم عن هدّاب بن خالد عن حماد بن سلمة ثم اتفقا، عن سالم عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفي حديث ابن إسحاق: إن الملك لما قتل الغلام هلك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وهو النصرانية وكان على ما جاء به عيسى، عليه السّلام، من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك أصل النصرانية بنجران، قال: فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيّرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخدّ لهم الأخدود فحرق من حرق في النار وقتل من قتل بالسيف ومثّل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، إلى آخر الآية، قال عبيد الله الفقير إليه: خبر الترمذي ومسلم أعجب إليّ من خبر ابن إسحاق لأن في خبر ابن إسحاق أن الذي قتل النصارى ذو نواس وكان يهوديّا صحيح الدين اتبع اليهودية بآيات رآها، كما ذكرناه في امام من هذا الكتاب، من الحبرين اللذين صحباه من المدينة ودين عيسى إنما جاء مؤيدا ومسددا للعمل بالتوراة فيكون القاتل والمقتول من أهل التوحيد والله قد ذمّ المحرق والقاتل لأصحاب الأخدود فبعد إذا ما ذكره ابن إسحاق وليس لقائل أن يقول إن ذا نواس بدّل أو غيّر دين موسى، عليه السلام، لأن الأخبار غير شاهدة بصحة ذلك، وأما خبر الترمذي أن الملك كان كافرا وأصحاب الأخدود مؤمنين فصحّ إذا، والله أعلم، وفتح نجران في زمن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، في سنة عشر صلحا على الفيء وعلى أن يقاسموا العشر ونصف العشر، وفيها يقول الأعشى:
وكعبة نجران حتم علي ... ك حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيدا وعبد المسيح ... وقيسا هم خير أربابها
وشاهدنا الورد والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها
وبربطنا دائم معمل، ... فأيّ الثلاثة أزرى بها؟
وكعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد المدان بن الدّيّان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمّون وهم الذين جاءوا إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ودعاهم إلى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمّونها كعبة نجران، وكانت على نهر بنجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغلّ
من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبّة تستغرقها، ثم كان أول من سكن نجران من بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان يزيد بن عبد المدان، وذلك أن عبد المسيح زوّجه ابنته دهيمة فولدت له عبد الله بن يزيد ومات عبد الله بن يزيد فانتقل ماله إلى يزيد فكان أول حارثيّ حلّ في نجران، وكان من أمر المباهلة ما ليس ذكره من شرط كتابي ذا وقد ذكرته في غيره، وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: القرى المحفوظة أربع: مكة والمدينة وإيلياء ونجران، وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إليها بعد هذا أبدا، قال أبو عبيد في كتاب الأموال: حدثني يزيد عن حجاج عن ابن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأخرجنّ اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما، قال:
فأخرجهم عمر، رضي الله عنه، قال: وإنما أجاز عمر إخراج أهل نجران وهم أهل صلح بحديث روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فيهم خاصة عن أبي عبيدة بن الجرّاح، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه كان آخر ما تكلم به أنه قال: أخرجوا اليهود من الحجاز وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب، وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء أهل نجران إلى عليّ، رضي الله عنه، فقالوا:
شفاعتك بلسانك وكتابتك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردّها إلينا صنيعة، فقال: يا ويلكم إن كان عمر رشيد الأمر فلا أغيّر شيئا صنعه! فكان الأعمش يقول: لو كان في نفسه عليه شيء لاغتنم هذا.
ونجران أيضا: موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال إن نصارى نجران لما أخرجوا سكنوا هذا الموضع وسمّي باسم بلدهم، وقال عبيد الله بن موسى بن جار بن الهذيل الحارثي يرثي عليّ بن أبي طالب ويذكر أنه حمل نعشه في هذا الموضع فقال:
بكيت عليّا جهد عيني فلم أجد ... على الجهد بعد الجهد ما أستزيدها
فما أمسكت مكنون دمعي وما شفت ... حزينا ولا تسلى فيرجى رقودها
وقد حمل النّعش ابن قيس ورهطه ... بنجران والأعيان تبكي شهودها
على خير من يبكى ويفجع فقده، ... ويضربن بالأيدي عليه خدودها
ووفد على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وفد نجران وفيهم السيّد واسمه وهب والعاقب واسمه عبد المسيح والأسقف وهو أبو حارثة، وأراد رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، مباهلتهم فامتنعوا وصالحوا النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فكتب لهم كتابا، فلما ولي أبو بكر، رضي الله عنه، أنفذ ذلك لهم، فلما ولي عمر، رضي الله عنه، أجلاهم واشترى منهم أموالهم، فقال أبو حسّان الزيادي: انتقل أهل نجران إلى قرية تدعى نهر ابان من أرض الهجر المنقطع من كورة البهقباذ من طساسيج الكوفة وكانت هذه القرية من الضواحي وكان كسرى أقطعها امرأة يقال لها ابان وكان زوجها من أوراد المملكة يقال له باني وكان قد احتفر نهر الضيعة لزوجته وسماه نهر ابان ثم ظهر عليها الإسلام وكان أولادها يعملون في تلك الأرض، فلما أجلى عمر، رضي الله عنه، أهل نجران نزلوا
قرية من حمراء ديلم يرتادون موضعا فاجتاز بهم رجل من المجوس يقال له فيروز فرغب في النصرانية فتنصر ثم أتى بهم حتى غلبوا على القرية وأخرجوا أهلها عنها وابتنوا كنيسة دعوها الأكيراح، فشخصوا إلى عمر فتظلّموا منهم فكتب إلى المغيرة في أمرهم فرجع الجواب وقد مات عمر، رضي الله عنه، فانصرف النجرانيون إلى نهر ابان واستقروا به، ثم شخص العجم إلى عثمان، رضي الله عنه، فكتب في أمرهم إلى الوليد بن عتبة فألفوه وقد أخرجه أهل الكوفة فانصرف النجرانيون إلى قريتهم وكثر أهلها وغلبوا عليها.
ونجران أيضا: موضع بالبحرين فيما قيل. ونجران أيضا: موضع بحوران من نواحي دمشق وهي بيعة عظيمة عامرة حسنة مبنية على العمد الرخام منمّقة بالفسيفساء وهو موضع مبارك ينذر له المسلمون والنصارى، ولنذور هذا الموضع قوم يدورون في البلدان ينادون من نذر نذر نجران المبارك، وهم ركاب الخيل، وللسلطان عليهم قطيعة وافرة يؤدّونها إليه في كل عام، وقيل: هي قرية أصحاب الأخدود باليمن، ينسب إليها يزيد بن عبد الله بن أبي يزيد النجراني يكنى أبا عبد الله من أهل دمشق من نجران التي بحوران، روى عن الحسين بن ذكوان والقاسم بن أبي عبد الرحمن ومسحر السكسكي، روى عنه يحيى بن حمزة وسويد ابن عبد العزيز وصدقة بن عبد الله وأيوب بن حسّان وهشام بن الغاز، وقال أبو الفضل المقدسي النجراني:
والنجراني الأول منسوب إلى نجران هجر وفيهم كثرة، قال عبيد الله الفقير إليه: هذا قول فيه نظر فإن نجران هجر مجهول والمنسوب إليه معدوم، وقال أبو الفضل: والثاني نجران اليمن، منهم: عبيد الله ابن العباس بن الربيع النجراني، حدث عن محمد بن إبراهيم البيلماني، روى عنه محمد بن بكر بن خالد النيسابوري ونسبه إلى نجران اليمن وقال: سمعت منه بعرفات، وقال الحازمي: وممن ينسب إلى نجران بشر بن رافع النجراني أبو الأسباط اليماني، حدث عنه حاتم بن إسماعيل وعبد الرزاق، وينسب إلى نجران اليمن أيضا أبو عبد الملك محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري يقال له النجراني لأنه ولد بها في حياة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، سنة عشر وولّاه الأنصار أمرهم يوم الحرّة فقتل بها سنة 63، روى عنه ابنه أبو بكر، وقد أكثرت الشعراء من ذكر نجران في أشعارها، قال اعرابيّ:
إن تكونوا قد غبتم وحضرنا، ... ونزلنا أرضا بها الأسواق
واضعا في سراة نجران رحلي، ... ناعما غير أنني مشتاق
وقال عطارد بن قرّان أحد اللصوص وكان قد أخذ وحبس بنجران:
يطول عليّ الليل حتى أملّه ... فأجلس والنهديّ عندي جالس
كلانا به كبلان يرسف فيهما، ... ومستحكم الأقفال أسمر يابس
له حلقات فيه سمر يحبها ال ... عناة كما حبّ الظماء الخوامس
إذا ما ابن صبّاح أرنّت كبوله ... لهنّ على ساقيّ وهنا وساوس
تذكّرت هل لي من حميم يهمّه ... بنجران كبلاي اللذان أمارس
فأما بنو عبد المدان فإنهم ... وإني من خير الحصين ليائس
روى نمر من أهل نجران أنكم ... عبيد العصا لو صبّحتكم فوارس

عند الكريم

عند الكريم:
[في الانكليزية] Servant of the Generous
[ في الفرنسية] Serviteur du Genereux
هو في اصطلاح الصوفية من جعله الله نمودجا لاسمه الكريم، وتــجلّى عليه بكرمه، وقد تحقّق بحقيقة العبودية، وكذلك هو من يستر عيوب الناس ويسامح الآخرين فيما يفعلونه به من تقصير، ويعذرهم بسبب كرم طبعه وحسن أفعاله، كذا في كشف اللغات.

الصّنم

الصّنم:
[في الانكليزية] Idol
[ في الفرنسية] Idole

بفتح الصاد والنون وبالفارسية: بت. وعند الصوفية هو كلّ ما يشغل العبد عن الحقّ. وفي مجمع السلوك ما شغلك عن الحقّ فهو صنم انتهى.
يعني كلّما يمنعك عن ذكر الحقّ وتجلّيات أسمائه وصفاته تعالى فذلك هو صنمك، لأن كلّ من أنت في قيده فأنت عبده، كما في شرح عبد اللطيف على المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي.

ويقول في كشف اللغات: الصّنم في اصطلاح السّالكين عبارة عن مظهر الوجود المطلق الذي هو الحق. إذن فالصنم من حيث الحقيقة هو حقّ وليس باطلا ولا عبثا. وعابد الصّنم الذي يقال له: عابد الحقّ بهذا الاعتبار لأنّه تــجلّى له الحق بصورة الصّنم، وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، فحين يصحّ ذلك فيكون الجميع عبّاد الحقّ ضرورة فافهم. انتهى.
وفي بعض الرسائل جاء أنّ الصّنم هو حقيقة روحية تجلّت في صورة الصّفات. وجاء أيضا أنّه أي الصّنم هو الشيخ الكامل.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.