Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: تلفون

الخلفة

الخلفة: أَصْحَاب خلف الْخَارِجِي حكمُوا بِأَن أَطْفَال الْمُشْركين فِي النَّار بِلَا عمل وشرك.
(الخلفة) الِاخْتِلَاف يُقَال الْقَوْم خلفة مُخْــتَلفُونَ وأبناؤه خلفة نصف ذُكُور وَنصف إناث وَمَا علق خلف الرَّاكِب وَمَا يَجِيء بعد الشَّيْء كالغصن ينْبت فِي جذع الشَّجَرَة بعد يبسه وَمَا يرقع بِهِ الثَّوْب إِذا بلي وَبَقِيَّة كل شَيْء يُقَال أكل طَعَاما فَبَقيت فِي فِيهِ خلفة وَبقيت خلفة من النَّهَار وَفِي الْإِنَاء خلفة من مَاء وَفَسَاد الْمعدة من الطَّعَام الهيضة يُقَال أَخَذته خلفة

(الخلفة) الْخلاف وَالْعَيْب وَالْفساد وَمن الطَّعَام آخر طعمه

التّصوّف

التّصوّف:
[في الانكليزية] Soufism (mysticism)
[ في الفرنسية] Soufisme (mysticisme)
هو التخلّق بالأخلاق الإلهية. وخرقة التصوف هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته ويتوب على يده لأمور منها:
التزيي بزيّ المراد ليتلبّس باطنه بصفاته كما يتلبّس ظاهره بلباسه وهو لباس التقوى ظاهرا وباطنا. قال الله تعالى قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ومنها وصول بركة الشيخ الذي ألبسه من يده المباركة إليه. ومنها نيل ما يغلب على الشيخ في وقت الإلباس من الحال الذي يرى الشيخ ببصيرته النافذة المنوّرة بنور القدس وأنه يحتاج إليه لرفع حجبه العائقة وتصفية استعداده فإنّه إذا وقف على حال من يتوب على يده علم بنور الحق ما يحتاج إليه، فيستنزل من الله ذلك حتى يتصف قلبه به فيسري من باطنه إلى باطن المريد. ومنها المواصلة بينه وبين الشيخ به فيبقى بينهما الاتصال القلبي والمحبة دائما ويذكّره الاتباع على الأوقات في طريقته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يبلغ مبلغ الرجال، فإنّه أب حقيقي كما قال عليه الصلاة والسلام «الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علّمك وأب ربّاك»، هكذا في الاصطلاحات الصوفية.
قيل التصوّف الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا فيرى حكمها من الظاهر في الباطن، وباطنا فيرى حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للمتأدّب بالحكمين كمال. وقيل التصوّف مذهب كلّه جدّ فلا يخلطوه بشيء من الهزل. وقيل هو تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدّعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلّق بالعلوم الحقيقية، واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة، واتّباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الشريعة. وقيل ترك الاختيار وقيل بذل المجهود والأنس بالمعبود. وقيل حفظ حواشيك من مراعاة أنفاسك. وقيل الإعراض عن الاعتراض. وقيل هو صفاء المعاملة مع الله تعالى، وأصله التفرّغ عن الدنيا. وقيل الصبر تحت الأمر والنهي.
وقيل خدمة التشرّف وترك التكلّف واستعمال التطرّف. وقيل الأخذ بالحقائق والكلام بالدقائق والإياس بما في أيدي الخلائق، كذا في الجرجاني.
اعلم أنّه قيل إنّ التصوّف مأخوذ من الصّفاء وهو محمود في كل لسان، وضدّه الكدورة وهو مذموم في كل لسان. وفي الخبر ورد أنّ النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذهب صفاء الدنيا ولم يبق إلا كدرها».

إذن: الموت يعتبر اليوم تحفة لكلّ مسلم.
وقد اشتق ذلك الاسم من الصّفاء حتى صار غالبا على رجال هذه الطائفة؛ أمّا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فكان اسم الصحابة هو ما يطلق على أكابر الأمّة، ثم كانت الطبقة التالية طبقة التابعين، ثم كانت الطبقة الثالثة أتباع التابعين، ثم صار يطلق على من يعتنون بأمر الدين أكثر من غيرهم اسم الزّهاد والعبّاد، ثم بعد ظهور أهل البدع وادعائهم الزهد والعبادة انفرد أهل السّنّة بتسمية الخواصّ منهم ممن يراعون الأنفاس باسم الصوفية. وقد اشتهروا بهذا الاسم، حتى إنهم قالوا: إنّ اطلاق هذا الاسم على الأعلام إنّما عرف قبل انقضاء القرن الثاني للهجرة.

وجاء في توضيح المذاهب: أمّا التصوّف في اللغة فهو ارتداء الصوف وهو من أثر الزّهد في الدنيا وترك التنعّم. وفي اصطلاح أهل العرفان: تطهير القلب من محبة ما سوى الله، وتزيين الظاهر من حيث العمل والاعتقاد بالأوامر والابتعاد عن النواهي، والمواظبة على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء الصوفية هم أهل الحق، ولكن يوجد قسم منهم على الباطل ممّن يعدّون أنفسهم صوفية وليسوا في الحقيقة منهم، وهؤلاء عدّة من الفرق إليك بعض أسمائها: الجبية والأوليائية والشمراخية والإباحية والحالية والحلولية والحورية والواقفية والمتجاهلية والمتكاسلية والإلهامية.
وما تسمية هؤلاء بالصوفية إلا من قبيل إطلاق السّيد على غير السّيد. وأمّا مراتب الناس على اختلاف درجاتهم فعلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الواصلون الكمّل وهم الطبقة العليا.

القسم الثاني: السالكون في طريق الكمال، وهؤلاء هم الطبقة الوسطى.

والقسم الثالث: سكان الأرض والحفر (أهل المادة) «اللاصقون بالتراب» وهؤلاء هم الطبقة السفلى التي غايتها تربية البدن بتحصيل الحظوظ المادّية كالشهوات النّفسانية والمتع الشّهوانية وزينة اللباس، وليس لهم من العبادات سوى حركة الجوارح الظاهرية.
وأما القسم الأول الواصلون فهم أيضا قسمان:

الأول: وهم مشايخ الصوفية الذين حصّلوا مرتبة الوصول بسبب كمال متابعتهم واقتدائهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. ثم بعد ذلك أذن لهم بدعوة الناس إلى سلوك طريق اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء هم الكاملون والمكمّلون الذين وصلوا بالعناية الإلهية إلى ميدان البقاء بعد ما فنوا عن ذواتهم واستغرقوا في عين الجمع.
وأمّا القسم الثاني من الفئة الأولى فهم الذين بعد وصولهم إلى درجة الكمال لم يؤذن لهم بإرشاد عامّة النّاس، وصاروا غرقى في بحر الجمع، وفنوا في بطن حوت الفناء ولم يصلوا إلى ساحل البقاء.

وأمّا السالكون فهم أيضا قسمان:
1 - الطالبون لوجه الله. 2 - والطالبون للجنّة والآخرة.

فأمّا الطالبون لوجه الحقّ فهم طائفتان:
المتصوّفة الحقيقيون والملامتيّة. والمتصوفة الحقيقيون هم جماعة تنزّهوا عن نقص الصفات البشرية. واتصفوا ببعض أحوال الصوفية، واقتربوا من نهايات مقاماتهم، إلّا أنّهم ما زالوا متشبّثين ببعض أهواء النفوس، ولهذا لم يدركوا تماما نهاية الطريق كأهل القرب من الصوفية.
وأمّا الملامتية فهم قوم يسعون بكلّ جدّ في رعاية معنى الإخلاص ودون ضرورة كتم طاعاتهم وعباداتهم عن عامة النّاس. كما يكتم العاصي معصيته، فهم خوفا من شبهة الرّياء يتحرّزون عن إظهار عباداتهم وطاعاتهم. ولا يتركون شيئا من أعمال البرّ والصّلاح، ومذهبهم المبالغة في تحقيق معنى الإخلاص.

وقال بعضهم: الملامتيّة لا يظهرون فضائلهم ولا يسترون سيئاتهم، وهذه الطائفة نادرة الوجود. ومع ذلك لم يزل حجاب الوجود البشري عن قلوبهم تماما، ولهذا فهم محجوبون عن مشاهدة جمال التوحيد. لأنّهم حين يخفون أعمالهم فهم ما زالوا ينظرون إلى قلوبهم. بينما درجة الكمال أن لا يروا أنفسهم ولا يبالوا بها وأن يستغرقوا في الوحدة. قال الشاعر:
ما هو الغير؟ وأين الغير؟ واين صورة الغير؟ فلا والله ما ثمّة في الوجود سوى الله.
والفرق بين الملامتيّة والصوفية هو أنّ الصوفية جذبتهم العناية الإلهية عن وجودهم فألقوا حجاب الخلقة البشرية والأنانية عن بصيرة شهودهم فوصلوا إلى درجة غابوا منها عن أنفسهم وعن الخلق. فإذن الملامتية مخلصون بكسر اللام، والصوفية مخلصون بفتح اللام. أي أنّ الملامتيّة يخلّصون أعمالهم من شائبة الرّياء بينما الصوفية يستخلصهم الله تعالى.

وأمّا طلّاب الآخرة فهم أربعة طوائف:

الزّهاد والفقراء والخدام والعبّاد. أمّا الزهاد:
فهم الذين يشاهدون بنور الإيمان حقيقة الآخرة وجمال العقبى، ويعدّون الدنيا قبيحة ويعرضون عن مقتضيات النفس بالكلية، ويقصدون الجمال الأخروي.
والفرق بينهم وبين الصوفية هو أنّ الزاهد بسبب ميله لحظّ نفسه فهو محجوب عن الحق، وذلك لأنّ الجنة دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. بينما الصوفية لا يتعلّق نظرهم بشيء سوى الله.
وأمّا الفقراء منهم طائفة لا يميلون إلى تملّك أيّ شيء من حطام الدنيا. وذلك بسبب رغبتهم فيما عند الله. وعلّة ذلك واحد من ثلاثة أشياء: الأمل بفضل الله، أو تخفيفا للحساب أو خوفا من العقاب، لأنّ حلالها حساب وحرامها عقاب، والأمل بفضل الله ثواب ويدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام. ورغبة في جمع همتهم في طلب العبادة مع حضور القلب فيها. والفرق بين الملامتيّة والفقراء هو أنّ الفقراء طلاب للجنة وفيها حظّ للنفس، بينما الملامتية طلاب الحق. وهذا الفقر رسم أي عادة تأتي بعد درجة الفقر وهو مقام فوق مقام الملامتية والمتصوّفة، وهو وصف خاص بالصوفي لأنّه وإن تكن مرتبته وراء مرتبة الفقر لكن خلاصة مقام الفقر مندرجة فيه ذلك أنّ أي مقام يرتقي الصوفي فوقه فإنّه يحتفظ بصفاء ذلك المقام. فإذن صفة الفقر في مقام الصوفي وصف زائد. وذلك هو السبب في كون نسبة جميع الأحوال والأعمال والمقامات لغير نفسه وعدم تملّكها، بحيث لا يرى لنفسه عملا ولا حالا ولا مقاما. ولا يخصّص نفسه بشيء. بل ليس عنده خبر عن ذاته. وهذه حقيقة الفقر.
والفرق بين الفقر والزهد هو أنّ الفقر بدون وجود الزهد ممكن، وذلك مثل شخص يترك الدنيا بعزم ثابت، ولكنّه ما زال باطنا راغبا فيها. وكذلك الزّهد بدون فقر ممكن أيضا.
ومثاله شخص يملك الأسباب الدنيوية ولكنه غير راغب فيها.
أمّا الخدّام فهم طائفة اختارت خدمة الفقراء وطلاب الحق، ويشغلون أوقاتهم بعد القيام بالفرائض بمحاولة تفريغ خواطرهم من الاهتمام بأمور المعاش، والتعاون على الاستعداد للقيام بأمر المعاد. ويقدّمون هذا على النوافل سواء بالكسب أو بالسؤال.
أمّا العبّاد فهم طائفة تواظب على أداء الفرائض والنوافل والأوراد طلبا للثواب الأخروي. وهذا الوصف أيضا موجود في الصوفي ولكنّه يتنزّه عن طلب الثّواب والأغراض، لأنّ الصوفي الحق يعبد الحق لذاته.
والفرق بين العباد والزهاد هو أنّهم مع قيامهم بالعبادات فإنّ الرغبة بالدنيا يمكن أن تظل موجودة.
والفرق بين العباد والفقراء هو أنّ الغنيّ يستطيع أن يكون من العبّاد. فإذن صار معلوما أنّ الواصلين طائفتان فقط بينما السالكون هم ست طوائف ولكلّ واحد من هذه الطوائف الثماني اثنان متشبهان به، أحدهما محقّ والثاني مبطل.
أمّا المشبّه بالصوفية بحقّ فهم الصوفية الذين اطلعوا وتشوّقوا إلى نهايات أحوال الصوفية، ولكنهم بسبب القلق ببعض الصّفات منعوا من بلوغ مقصدهم وأمّا المتشبّه بالصوفية بالباطل منهم جماعة يتظاهرون بأحوال الصوفية، ولكنهم لا يعملون بأعمالهم، وهؤلاء هم الباطنيّة والإباحية والصاحبية، ويسمّون أنفسهم متصوّفة، ويقولون: إنّ التقيّد بأحكام الشرع إنما هو للعوام الذين يرون ظاهر الأمور. أمّا الخواص فليسوا مضطرّين للتقيّد برسوم الظاهر، وإنما عليهم مراعاة أحوالهم الباطنية.
وأمّا المتشبّه المحقّ بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة من أهل السلوك الذين ما زالوا يجاهدون في قطع منازل السلوك وتصفية النفوس، وما زالوا مضطربين في حرارة الطّلب وقبل ظهور كشف الذات، والاستقرار في مقام الفناء، فأحيانا تلمع ذواتهم بالكشف، ولا زال باطنهم يتشوّق لبلوغ هذا المقام.
وأمّا المتشبّه المبطل بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة تدّعي الاستغراق في بحر الفناء، ويتنصّلون من حركاتهم وسكناتهم ويقولون: إنّ تحريك الباب بدون محرّك غير ممكن. وهذا المعنى على صحته لكنه ليس موجودا عند تلك الطائفة لأنّ هدفهم هو التمهيد للاعتذار عن المعاصي والإحالة بذلك على إرادة الحقّ، ودفع اللّوم عنهم. وهؤلاء هم الزنادقة. ويقول الشيخ عبد الله التّستري: إذا قال هذا الكلام أحد وكان ممن يراعي أحكام الشريعة ويقوم بواجبات العبودية فهو صديق وأما إذا كان لا يبالي بالمحافظة على حدود الشرع فهو زنديق.
وأمّا المتشبّه المحق بالملامتيّة فهم طائفة لا يبالون بتشويش نظر الناس ومعظم سعيهم في إبطال رسوم العادات والانطلاق من قيود المجتمع، وكلّ رأسمالهم هو فراغ البال وطيب القلب، ولا يبالون برسوم وأشكال الزّهاد والعبّاد ولا يكثرون من النوافل والطاعات، ويحرصون فقط على أداء الفرائض، وينسب إليهم حبّ الاستكثار من أسباب الدنيا ويقنعون بطيب القلب ولا يطلبون على ذلك زيادة وهؤلاء هم القلندرية. وهذه الطائفة تشبه الملامتيّة بسبب اشتراكهما في صفة البعد عن الرّياء.

والفرق بين هؤلاء وبين الملامتيّة هو: أنّ الملامتيّة يؤدّون الفرائض والنوافل دون إظهارها للناس. أمّا القلندرية فلا يتجاوزون الفرائض، ولا يبالون بالناس سواء اطلعوا على أحوالهم أم لا.
وأمّا الطّائفة التي في زماننا وتحمل اسم القلندريّة وقد خلعوا الإسلام من ربقتهم، وليس لهم شيء من الأوصاف السابقة، وهذا الاسم إنّما يطلق عليهم من باب الاستعارة، والأجدر أن يسمّوا بالحشويّة. وأمّا المتشبّهون باطلا بالملامتيّة فهم طائفة من الزنادقة يدعون الإسلام والإخلاص، ولكنّهم يبالغون في إظهار فسقهم وفجورهم ومعاصيهم، ويدّعون أنّ غرضهم من ذلك هو لوم الناس لهم، وأنّ الله سبحانه غني عن طاعتهم، ولا تضرّه معصية العباد. وإنّما المعصية تضرّ الخلق فقط والطاعة هي في الإحسان إلى الناس.
وأمّا المتشبّهون بالزّهاد بحق فهم طائفة لا تزال رغبتها في الدنيا قائمة يحاولون الخلاص من هذه الآفة دفعة واحدة، وهؤلاء هم المتزهدون. وأمّا المتشبّهون باطلا بالزّهاد فهم طائفة يتركون زينة الدنيا من أجل الناس لينالوا بذلك الجاه والصّيت لديهم، وتجوز هذه الخدعة على بعضهم فيظنونهم معرضين عن الدنيا.
وحتّى إنّهم يخدعون أنفسهم بأنّ خواطرهم غير مشغولة بطلب الدنيا، بدليل إعراضهم عنها وهؤلاء هم المراءون.
وأمّا المتشبّهون بالفقراء بحقّ فهم الذين يبدو عليهم ظاهر وسيماء أهل الفقر، وفي باطنهم يطلبون حقيقة الفقر، إلّا أنّهم لم يتخلّصوا تماما من الميل للدنيا وزينتها ويتحمّلون مرارة الفقر بتكلّف، بينما الفقير الحقيقي يرى الفقر نعمة إلهية، لذلك فهو يشكر هذه النعمة على الدوام.
وأمّا المتشبّه بالباطل بالفقراء فهو ذلك الذي ظاهره ظاهر أهل الفقر وأمّا باطنه فغير مدرك لحقيقة الفقر، وغرضه القبول لدى الناس لكي ينتفع منهم بشيء من الدنيا، وهذه الطائفة هي مرائية أيضا وأمّا المتشبّهون بالخدام بحق فهم الذين يقومون دائما بخدمة الخلق، ويأملون أن ينالوا بذلك سببا في النجاة يوم القيامة. وفي تخليصهم من شوائب الميل والهوى والرّياء.
ولكنّهم لمّا يصلوا بعد إلى حقيقة ذلك. فحين تقع بعض خدماتهم في مكانها فبسبب غلبة نور الإيمان وإخفاء النفس فإنّهم يتوقّعون المحمدة والثّناء مع ذلك، وقد يمتنعون عن أداء بعض الخدمات لبعض المستحقّين، ويقال لمثل هذا الشخص متخادم.
وأمّا المتشبّهون بالخدام باطلا فهم الذين لا يخدمون بنيّة الثّواب الأخروي، بل إنّ خدمتهم من أجل الدنيا فقط، لكي يستجلبوا الأقوات والأسباب، فإن لم تنفعهم الخدمة في تحصيل مرادهم تركوها.
إذن فخدمة أحدهم مقصورة على طلب الجاه والجلال وكثرة الأتباع، وإنّما نظره في الخدمة العامّة فمن أجل حظّ نفسه، ومثل هذا يسمّى مستخدما.
وأمّا المتشبّه بالعابد حقيقة فهو الرجل الذي ملأ أوقاته بالعبادة حتى استغرق فيها، ولكنه بسبب عدم تزكية نفسه فإنّ طبيعته البشرية تغلبه أحيانا، فيقع بعض الفتور في أعماله وطاعاته، ويقال لمن لم يجد بعد لذّة العبادة وما زال يجاهد نفسه في أدائها إنّه متعبّد.
وأمّا المتشبّه المبطل بالعابد فهو من جمل المرائين، لأنّ هدفه من العبادة هو السّمعة بين الناس، وليس في قلبه إيمان بالآخرة، وما لم ير الناس منه أعماله فلا يؤدّي منها شيئا. ويقال أيضا لهذا وأمثاله متعبّد. انتهى ما في توضيح المذاهب.

ويقول في مرآة الأسرار: إنّ طبقات الصوفية سبعة: الطالبون والمريدون والسالكون والسائرون والطائرون والواصلون، وسابعهم القطب الذي قلبه على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو وارث العلم اللّدني من النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وهو صاحب لطيفة الحق الصحيحة ما عدا النبي الأمّي.
والواصل هو الشخص الذي أصبحت قواه اللطيفة مزكّاة على لطيفة الحق.
والطائر هو الذي وصل إلى اللطيفة الروحية.
والسائر هو الذي يكون صاحب قوى مزكية للّطيفة السرية.
والسالك هو من يكون صاحب قوى مزكية للطيفة القلبية.
والمريد هو صاحب قوى مزكية للطيفته النفسية.
والطالب هو صاحب قوى مزكية للطيفته الخفية الجسمية.
وتبلغ عدّة أفراد هذه الطائفة 360 شخصا مثل أيام السنة الشمسية.

ويقولون: إنّ رجال الله هم الأقطاب والغوث والإمامان اللذان هما وزيرا القطب والأوتاد والأبدال والأخيار والأبرار والنّقباء والنّجباء والعمدة والمكتومون والأفراد أي المحبوبون.
والنّقباء ثلاثمائة شخص واسم كلّ منهم علي.
والنّجباء سبعون واسم كل واحد منهم حسن.
والأخيار سبعة واسم كلّ منهم حسين.
والعمدة أربعة واسم كلّ منهم محمد.
والواحد هو الغوث واسمه عبد الله. وإذا مات الغوث حلّ محله أحد العمدة الأربعة، ثم يحلّ محلّ العمدة واحد من الأخيار، وهكذا يحلّ واحد من النجباء محلّ واحد من الأخيار ويحلّ محلّ أحد النقباء الذي يحلّ محله واحد من الناس.
وأمّا مكان إقامة النّقباء في أرض المغرب أي السويداء واليوم هناك من الصبح إلى الضحى وبقية اليوم ليل. أمّا صلاتهم فحين يصل الوقت فإنّهم يرون الشمس بعد طي الأرض لهم فيؤدّون الصلاة لوقتها.
وأمّا النجباء فمسكنهم مصر. وأمّا الأخيار فهم سيّاحون دائما ولا يقرون في مكان. وأمّا العمدة الأربعة ففي زوايا الأرض. وأمّا الغوث فمسكنه مكة، هذا غير صحيح. ذلك لأنّ حضرة السيّد عبد القادر الجيلاني رحمه الله وكان غوثا إنّما أقام في بغداد. هذا وتفصيل أحوال الباقي فسيأتي في مواضعه. ويقول في توضيح المذاهب، المكتومون أربعة آلاف رجل ويبقون مستورين وليسوا من أهل التصرّف. أمّا الذين هم من أهل الحلّ والعقد والتصرّف وتصدر عنهم الأمور وهم مقرّبون من الله فهم ثلاثمائة. وفي رواية خلاصة المناقب سبعة. ويقال لهم أيضا أخيار وسيّاح ومقامهم في مصر. وقد أمرهم الحقّ سبحانه بالسّياحة لإرشاد الطالبين والعابدين. وثمّة سبعون آخرون يقال لهم النّجباء، وهؤلاء في المغرب، وأربعون آخرون هم الأبدال ومقرّهم في الشام، وثمّة سبعة هم الأبرار وهم في الحجاز. وثمّة خمسة رجال يقال لهم العمدة لأنّهم كالأعمدة للبناء والعالم يقوم عليهم كما يقوم المنزل على الأعمدة. وهؤلاء في أطراف العالم. وثمّة أربعون آخرون هم الأوتاد الذين مدار استحكام العالم بهم. كما الطناب بالوتد.
وثلاثة آخرون يقال لهم النّقباء أي نقباء هذه الأمّة. وثمة رجل واحد هو القطب والغوث الذي يغيث كلّ العالم. ومتى انتقل القطب إلى الآخرة حلّ مكانه آخر من المرتبة التي قبله بالتسلسل إلى أن يحلّ رجل من الصلحاء والأولياء محل أحد الأربعة.

وفي كشف اللغات يقول: الأولياء عدة أقسام: ثلاثمائة منهم يقال لهم أخيار وأبرار، وأربعون: يقال لهم الأبدال وأربعة يسمّون بالأوتاد، وثلاثة يسمّون النقباء، وواحد هو المسمّى بالقطب انتهى.

ويقول أيضا في كشف اللغات: النّجباء أربعون رجلا من رجال الغيب القائمون بإصلاح أعمال الناس. ويتحمّلون مشاكل الناس ويتصرّفون في أعمالهم. ويقول في شرح الفصوص: النّجباء سبعة رجال، يقال لهم رجال الغيب، والنقباء ثلاثمائة ويقال لهم الأبرار.
وأقلّ مراتب الأولياء هي مرتبة النقباء.
وأورد في مجمع السلوك أنّ الأولياء أربعون رجلا هم الأبدال، وأربعون هم النقباء، وأربعون هم النجباء، وأربعة هم الأوتاد، وسبعة هم الأمناء، وثلاثة هم الخلفاء.
سادات الخلق). وقال أبو عثمان المغربي: البدلاء أربعون والأمناء سبعة والخلفاء من الأئمة ثلاثة، والواحد هو القطب: فالقطب عارف بهم جميعا ومشرق عليهم ولم يعرفه أحد ولا يتشرق عليه، وهو إمام الأولياء والثلاثة الذين هم الخلفاء من الأئمة يعرفون السبعة ويعرفون الأربعين وهم البدلاء، والأربعون يعرفون سائر الأولياء من الأئمة ولا يعرفهم من الأولياء أحد، فإذا نقص واحد من الأربعين أبدل مكانه من الأولياء، وكذا في السبع والثلاث والواحد إلّا أن يأتي بقيام الساعة انتهى.
وفي الإنسان الكامل أمّا أجناس رجال الغيب فمنهم من بني آدم ومنهم من هو من أرواح العالم وهم ستة أقسام مخــتلفون في المقام. القسم الأول هم الصنف الأفضل والقوم الكمّل أفراد الأولياء المقتفون آثار الأولياء غابوا من عالم الأكوان في الغيب المسمّى بمستوى الرحمن فلا يعرفون ولا يوصفون وهم آدميون.
والقسم الثاني هم أهل المعاني وأرواح الأداني يتنوّر الولي بصورهم فيكلّم الناس في الظاهر والباطن ويخبرهم فهم أرواح كأنّهم أشباح للقوة الممكنة في التصوير في الذين سافروا من عالم الشهود ووصلوا إلى فضاء غيب الوجود فصار عينهم شهادة وأنفاسهم عبادة، هؤلاء هم أوتاد الأرض القائمون لله بالسّنة والفرض. القسم الثالث ملائكة الإلهام والبواعث يطرقون الأولياء ويكلّمون الأصفياء لا يبرزون إلى عالم الأجسام ولا يعرفون بعوام الناس. القسم الرابع رجال المفاجأة في المواقع وإنّما يخرجون عن عالمهم ولا يوجدون في غير عالمهم، ولا يوجدون في غير معالمهم يتصوّرون بسائر الناس في عالم الأجسام، وقد يدخل أجل الصفا إلى ذلك الكوى فيخبرونهم بالمغيبات والمكتومات.
القسم الخامس رجال البسابس هم أهل الخطوة في العالم وهم من أجناس بني آدم يظهرون ويكلمونهم فيجيبون أكثرهم، وسكنى هؤلاء في الجبال والقفار والأودية وأطراف الأنهار إلّا من كان منهم متمكنا فإنّه يأخذ من المدن مسكنا غير متشوّق إليه ولا معوّل عليه. القسم السادس يشبهون الخواطر لا الوساوس هم المولّدون من أب التفكّر وأم التصوّر لا يعبأ بأقوالهم ولا يتشوّق إلى أمثالهم فهم بين الخطأ والصواب وهم أهل الكشف والحجاب.

السّحر

السّحر:
[في الانكليزية] Magic ،witchcraft
[ في الفرنسية] Magie ،sorcellerie
بالكسر وسكون الحاء المهملة هو فعل يخفى سببه ويوهم قلب الشيء عن حقيقته، كذا قال ابن مسعود. وفي كشف الكشاف:
السحر في أصل اللغة الصرف حكاه الأزهري عن الفرّاء ويونس، وقال: وسمّي السّحر سحرا لأنّه صرف الشيء عن جهته، فكأنّ الساحر لمّا أري الباطل حقّا أي في صورة الحق وخيّل الشيء على غير حقيقته فقد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه. وذكر عن الليث أنّه عمل يتقرب به إلى الشيطان ومعونة منه.
وكل ذلك الأمر كينونة السّحر، فلم يصل إليّ تعريف يعوّل عليه في كتب الفقه. والمشهور عند الحكماء منه غير المعروف في الشرع والأقرب أنّه الإتيان بخارق عن مزاولة قول أو فعل محرّم في الشرع، أجرى الله سبحانه سنّته بحصوله عنده ابتلاء. فإن كان كفرا في نفسه كعبادة الكواكب أو انضم معه اعتقاد تأثير من غيره تعالى كفر صاحبه وإلّا فسق وبدع.
نقل في الروضة عن كتاب الإرشاد لإمام الحرمين أنّ السحر لا يظهر إلّا على فاسق كما أنّ الكرامة لا تظهر إلّا على متّق، وليس له دليل من العقل إلّا إجماع الأمة. وعلى هذا تعلّمه حرام مطلقا، وهو الصحيح عند أصحابنا لأنّه توسل إلى محظور عنه للغنى انتهى. وفي البيضاوي في تفسير قوله تعالى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ والمراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقلّ به الإنسان، وذلك لا يحصل إلّا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس، فإنّ التناسب شرط في التضام والتعاون، وبهذا يميّز الساحر عن النبي والولي. وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم، وتسميته سحرا على التجوّز، أو لما فيه من الدّقّة لأنّ السّحر في الأصل موضوع لما خفي سببه انتهى.

وفي الفتاوى الحمادية: السحر نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم، فيتخذ من تلك الجواهر هيكل مخصوص على صورة الشخص المسحور، ويترصّد له وقت مخصوص في المطالع وتقرن به كلمات تتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع، ويتوصّل في تسميتها إلى الاستعانة بالشياطين، وتحصل من مجموع ذلك بحكم إجراء الله العادة أحوال غريبة في الشخص المسحور انتهى. وكونه معدودا من الخوارق مختلف فيه كما عرفت. وقال الحكماء: السّحر مزج قوى الجواهر الأرضية بعضها ببعض.
قال الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: اعلم أنّ السحر على أقسام.

القسم الأول: سحر الكلدانيّين والكسدائين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنّها هي المدبّرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة، وهم الذين بعث الله تعالى عليهم إبراهيم عليه السلام مبطلا لمقالتهم وردّا عليهم في مذاهبهم وعقائدهم.
والقسم الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، قالوا اختلف الناس في الإنسان. فأما إذا قلنا بأنّ الإنسان هو هذه البنية فلا شك أنّ هذه البنية مركّبة من الأخلاط الأربعة فلم لا يجوز ان يتفق مزاج من الأمزجة يقتضي القدرة على خلق الجسم والعلم بالأمور الغائبة عنّا. وأما إذا قلنا إنّ الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال إنّ النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس أن تكون قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغريبة. ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال على وجوه.
الأول أنّ الجذع يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض ولا يمكنه لو كان كالجسر موضوعا على هاوية تحته، وما ذاك إلّا أن يخيل السقوط، ومتى قوي أوجب السقوط.
الثاني أنّه أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران، وما ذاك إلّا لأنّ النفوس خلقت على الأوهام.
الثالث حكي عن أرسطو أنّ الدجاجة إذا تشببت وبلغت واشتاقت إلى الديك ولم تجده فتصورت الديك وتخيّلته وتشبهت بالديك في الصوت والجوارح نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك، وارتفع على رأسها مثل تاج الديك، وليس هذا إلّا بسبب كثرة التوهّم والتخيّل، وهذا يدل على أنّ الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية. الرابع أجمعت الأمم على أنّ الدعاء مظنة الإجابة. وأجمعوا على أنّ الدعاء اللساني الخالي من الطلب النفساني قليل العمل عديم الأثر. فدلّ ذلك على أنّ للهمم والنفوس آثارا، وهذا الاتفاق غير مختص بمسألة معينة وبحكمة مخصوصة.
الخامس أنّ المبادئ القوية للأفعال النفسانية ليست إلّا التصورات النفسانية لأنّ القوة المحرّكة مودعة في العضلات صالحة للفعل وتركه، ولأن يرجح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجح وما ذاك إلّا تصوّر كون الفعل لذيذا أو قبيحا أو مؤلما، بعد أن كانت كذلك بالقوة، فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العقلية مبادئ بالفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت بالقوة، وإذا كانت هذه التصورات هي مباد لمبادئ هذه الأفعال فأيّ استبعاد في كونها مبادئ للأفعال لنفسها وإلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار.
السادس أنّ التجربة والعيان لشاهدان بأنّ هذه التصورات مباد قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإنّ الغضبان تشتدّ سخونة مزاجه عند هيجان كيفية الغضب لا سيما عند إرادة الانتقام من المغضوب عليه. وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأيّ استبعاد من كونها مبادئ لحوادث في خارج البدن.
السابع أنّ الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليه العقلاء ونطقت به الأحاديث والحكايات وذلك أيضا يحقّق إمكان ما قلنا. وإذا عرفت هذا فنقول إنّ النفوس التي تفعل هذه الأفعال قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات. وتحقيقه أنّ النفس إن كانت مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السموات كانت كأنّها روح الأرواح السماوية، فكانت قوية على التأثير في موارد هذا العالم. وأمّا إذا كانت ضعيفة شديدة التعلّق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرّف البتة إلّا في البدن. فإذا أراد الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتّخذ تمثال ذلك الغير ووضعه عند الحسّ واشتغل الحسّ به، فتبعه الخيال عليه وأقبلت النفس الناطقة عليه، فقويت التأثيرات النفسانية والتصرفات الروحانية. ولذلك أجمعت الأمم على أنّه لا بد لهذه الأعمال من الانقطاع عن المألوفات والمشتهيات وتقليل الغذاء بل الاعتزال عن الخلق. وكلّما كانت هذه الأمور أتمّ كانت هذه التأثيرات أقوى. والسبب فيه أنّ النفس إن اشتغلت بالجانب الواحد اشتغلت جميع قواها في ذلك الفعل. وإذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرّقت قواها وتوزّعت على تلك الأفعال. ولهذا من حاول الوقوف على مسألة فإنّه حال تفكّره فيها لا بد أن يفرغ خاطره عما عداها، فإنّه عند تفريغ الخاطر يتوجّه بكليته إليها، فيكون الفعل أحسن وأسهل. وإذا كانت كذلك كان الإنسان المشغول الهمّ والهمّة بقضاء الشهوات وتحصيل اللذات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مشغوفة إليها مستغرقة فيها، فلا يكون انجذابها إلى تحصيل ذلك الفعل قويّا شديدا.
والقسم الثالث من السّحر الاستعانة بالأرواح الأرضية، واعلم أنّ القول بالجنّ أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة. أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به إلّا أنّه سمّوها بالأرواح الأرضية، بعضها خيّرة وبعضها شريرة. فالخيرة هم مؤمنو الجن والشريرة هم الكفار، وهي قادرة عالمة، واتصال النفوس بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية، إلّا أنّ القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية أضعف من القوة الحاصلة لها بسبب الاتصال بالأرواح السماوية. ثم إنّ أصحاب الصنعة وأرباب التجربة لشاهدوا أنّ الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرّقى والتجريد.
والقسم الرابع من السحر التخيّلات والأخذ بالعيون، وهذا النوع مبني على مقدمات. إحداها أنّ أغلاط البصر كثيرة فإنّ راكب السفينة إن نظر إلى الشّط رأى السفينة واقفة والشط متحركا، وذلك يدلّ على أنّ الساكن يرى متحركا والمتحرك ساكنا. والقطرة النازلة ترى خطا مستقيما. والشعلة التي تدار بسرعة ترى دائرة والشخص الصغير يرى في الضباب عظيما ويرى العظيم من البعيد صغيرا، فعلم أنّ القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة. ثانيتها أنّ القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدارها. فأمّا إذا أدركته في زمان صغير جدا ثم أدركت محسوسا آخر وهكذا، فإنّه يختلط البعض بالبعض ولا يتميّز بعض المحسوسات عن البعض الآخر. ومثال ذلك أنّ الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوط كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإنّ الحسّ يرى لونا واحدا كأنّه مركّب من الألوان. وثالثتها أنّ النفس إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحسّ شيء آخر فلا يتبعه الحسّ البتّة، كما أنّ الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان ويتكلّم معه فلا يعرفه ولا يفهم كلامه لما أنّ قلبه مشغول بشيء آخر، وكذا الناظر في المرآة فإنّه ربّما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها ولا يرى ما أكثر منها، وربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة.
فإذا عرفت هذه المقدّمات سهل عند ذلك تصوّر كيفية هذا النوع من السّحر وذلك لأنّ المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أنظار الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشّغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا، ولو أنّه سكت ولم يتكلّم بما يصرف الخواطر إلى ضدّ ما يريد أن يعمله ولم يحرّك الناس والأوهام والأنظار إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون بكلّ ما يفعله، فهذا هو المراد من قولهم إنّ المشعبذ يأخذ بالعيون لأنّه بالحقيقة يأخذ العيون إلى غير الجهة التي يحتال لها.

فإذا عرفت هذه الأقسام فأقول: المعتزلة أنكروا السّحر بجميع أقسامها إلّا التخيل. أما أهل السّنة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا، إلّا أنهم قالوا إنّ الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عند ما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة. فأمّا أنّ المؤثّر لذلك هو الفلك أو النجوم فلا. وقد أجمعوا على وقوع السّحر بالقرآن والخبر. أما القرآن فقوله تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وأما الأخبار، أحدها ما روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم سحر وأنّ السّحر عمل فيه حتى قال: «إنّه ليخيّل إليّ أني أقول الشيء وأفعله ولم أقله ولم أفعله» و «أنّ امرأة يهودية سحرته وجعلت ذلك السحر راعوفة البير فلما استخرج ذلك زال عن النبي عليه الصلاة والسلام ذلك العارض» ونزلت المعوّذتان بسببه. وثانيها: «أنّ امرأة أتت عند عائشة رضي الله عنها فقالت: إني ساحرة فهل لي من توبة فقالت وما سحرك؟ فقالت: صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت وماروت ببابل لطلب علم السّحر، فقالا لي يا أمّة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت. فقالا لي: اذهبي فبولي على ذلك الرماد فذهبت لأبول عليه، ففكرت في نفسي، فقلت لا أفعل.

وجئت إليهما فقلت: قد فعلت. فقالا لي: ما رأيت لمّا فعلت؟ فقلت: ما رأيت شيئا. فقالا لي: أنت على رأس أمرك، فاتقي الله ولا تفعلي فأبيت. فقالا لي: اذهبي فافعلي. فذهبت ففعلت. فرأيت كأنّ فارسا مقنعا بالحديد خرج من فرجي فصعد إلى السماء، فجئتهما فأخبرتهما. فقالا: إيمانك خرج عنك، وقد أحسنت السّحر. فقالت: وما هو؟ قالا: ما تريدين شيئا يتصوّر في وهمك إلّا كان فصورت في نفسي حبّا من حنطة فإذا أنا بحبّ أنزع، فخرج من ساعته سنبله. فقلت: انطحن، فانطحن وانخبز وأنا لا أريد شيئا إلّا حصل.

فقالت عائشة رضي الله عنها: ليس لك توبة». انتهى من التفسير الكبير.
وقال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في مدارج النّبوّة: إنّ السّحر حرام. وقال بعضهم: إنّ تعلّمه بنية دفع السّحر عن نفسه ليس بحرام. والسّاحر الذي ليس في سحره كفر يستتاب، وأمّا إذا اشتمل على الكفر فيقتل. وفي قبول نوبته اختلاف؛ كالزنديق الذي ينكر الدّين والنّبوّة والحشر والنّشر والقيامة.
وأمّا حقيقة السّحر ففيها خلاف؛ فبعضهم يقول: إنّه مجرّد تخييل وإيهام. وهذا ما اختاره كلّ من أبي بكر الأسترآبادي الشافعي وأبي بكر الرازي من الحنفية وطائفة أخرى.
وإنّ جمهور العلماء متفقون على أن السّحر أمر حقيقي، ويدل على ذلك ظاهر الكتاب والأحاديث المشهورة. ولكنهم مخــتلفون على حقيقة تأثير السّحر فقط في تغيير المزاج، فهو إذن نوع من المرض أو أنّ أثره يصل إلى حدّ التحوّل، يعني انقلاب حقيقة الشيء إلى شيء آخر. مثل الحيوان يصير جمادا، أو بالعكس، والإنسان حمارا أو خروفا أو أسدا وبالعكس.
والجمهور يقولون بذلك.

وأمّا بعضهم فيقول: ليس للسّحر ثبوت ولا وقوع، وهذا كلام باطل ومكابرة لأنّ القرآن والسّنّة يصرّحان بعكس ذلك. والسّحر من الحيل الصناعية الحاصلة بأعمال وأسباب عن طريق الاكتساب (والتعلم). وأكثر العاملين في هذا المجال هم من أهل الفسق والفساد. وإذا كان السّحر في حال الجنابة فتأثيره أشدّ، بل إنّه إذا كانت الجنابة ناشئة عن وطء حرام أو المحارم فإنّه أشدّ تأثيرا. أعاذنا الله من السّحر ومن الساحر.
وقد نقل بإسناد صحيح أنّ اليهود (في المدينة) قد سحروا النبي صلّى الله عليه وسلم، وقد كان مفعول السّحر ظاهرا كالنسيان وتخيّل بعض الأمور وضعف القوّة الجنسية وأمثال ذلك، وتاريخ وقوع هذا الأمر بعد الرجوع من الحديبية في شهر ذي الحجّة من السنّة السادسة للهجرة، وطول أثر هذه الحادثة استمر أربعين يوما- كما في إحدى الروايات.- وفي أخرى لمدّة ستّة أشهر، وفي رواية منقولة لمدة سنة، إلى أن ذات ليلة كان في صحبة السّيّدة أم المؤمنين عائشة الصّدّيقة، فأخذ يدعو ويتضرّع، ثم قال: يا عائشة: هل تعلمين بأنّ الله قد أجابني عما سألته: لقد نزل شخصان وجلسا، أحدهما عند رأسي والآخر عند قدمي، فسأل أحدهما الآخر:

ما به؟ وما وجعه؟ فقال: مطبوب (مسحور) فقال: من (طبّه) فقال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: في ماذا؟ قال: في مشاطة (يعني:
ما يتساقط من شعر بعد استعمال المشط) قي قف نخلة ذكر. قال: أين وضعها؟ قال: في بئر ذروان. وفي رواية بئر أردان. ثم ذهب النبي صلّى الله عليه وسلم مع عدة من الصحابة إلى ذلك البئر واستخرج منه ذلك الشيء الذي مرّ وصفه.
وجاء في رواية أنّهم عثروا على وتر قوس معقود إحدى عشرة عقدة، فنزلت سورتا الفلق والناس، وكلّما قرءوا آية انحلّت عقدة. وعدد آياتهما هي إحدى عشرة آية.
وجاء في رواية أنّهم وجدوا ضلع نخل وفيه مثال لشخص النبي صلّى الله عليه وسلم من الشمع وقد غرزت فيها بعض الإبر، وفيها خيط معقود عليه إحدى عشرة عقدة، ثم قرءوا المعوّذتين، فبدأت تنفكّ العقد، ثم سحبوا الإبر وكلما سحبوا واحدة وجد السكينة والراحة. (پس تر دانستنى است). ومعلوم أنّ تأثير السّحر في ذات النبي المبارك ليس بمدعاة إلى النقص، بل إنّ ذلك من دلائل النبوّة لأنّ الكفار اتهموا النبي بأنّه ساحر، ومعلوم أنّ السّاحر لا يؤثّر فيه السّحر.
ثم معرفة السّحر وأدواته ومكان وجوده بغير سحر آخر من معجزات النّبوّة. والغرض إذن هو تأثير السّحر على النبي صلّى الله عليه وسلم إنّما هو من أجل هذه المصالح والحكم، وقد وردت في هذا الموضوع أحاديث صحيحة غير قابلة للإنكار.

المجاز بالزيادة والنقصان

المجاز بالزيادة والنقصان:
[في الانكليزية] Litotes
[ في الفرنسية] Litote
فقد ذكر الخطيب أنّه قد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها بحذف لفظ ويسمّى مجازا بالنقصان أو بزيادة لفظ ويسمّى مجازا بالزيادة. وقال صاحب الأطول: فخرج تغيّر حكم إعراب غير في جاءني القوم غير زيد، فإنّ حكم إعرابه كان الرفع على الوصفية فتغيّر إلى النصب على الاستثناء، لكن لا بحذف لفظ أو زيادة، بل لنقل غير عن الوصفية إلى كونه أداة استثناء. لكنه يخرج عنه ما ينبغي أن يكون مجازا وهو جملة حذف ما أضيف إليها وأقيمت مقامه نحو ما رأيته مذ سافر فإنّه في تقدير مذ زمان سافر، إلّا أن يؤوّل قوله كلمة بما هو أعم من الكلمة حقيقة أو حكما. ويدخل فيه ما ليس بمجاز نحو إنّما زيد قائم فإنّه تغيّر حكم إعراب زيد بزيادة ما الكافّة وإن زيد قائم فإنّه تغيّر إعراب زيد عن النصب إلى الرفع بحذف أحد نوني إنّ وتخفيفها ونحو ذلك. فالصحيح كلمة تغيّر إعرابها الأصلي إلى غير الأصلي فإنّ ربّك في وجاء ربّك تغيّر حكم إعرابه الأصلي أي إعرابه الذي يقتضيه بالأصالة لا بتبعية شيء آخر وهو الجر في المضاف إليه إلى غير الأصلي الذي حصل لمبالغة أمر آخر، كالرفع الذي حصل فيه بفرعية مضافه المحذوف ونيابته له وليس ما غير فيه الإعراب الأصلي في الأمثلة المذكورة إلى غير الأصلي بل إلى أصليّ آخر.
وكذلك يدخل فيه نحو ليس زيد بمنطلق وما زيد بقائم، مع أنّ في المفتاح صرّح بأنّهما ليسا بمجازين. قال المحقّق التفتازاني ما حاصله أنّ الآمدي عرّف المجاز بالنقصان في الأحكام بأنّه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بعلاقة بعد نقصان منه يغير الإعراب والمعنى إلى ما يخالفه رأسا كنقصان الأمر والأهل في قوله تعالى وَجاءَ رَبُّكَ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ لا كنقصان منطلق الثاني في قولنا زيد منطلق وعمرو، ونقصان مثل ذوي من قوله تعالى كَصَيِّبٍ لبقاء الإعراب، ولا كنقصان في من قولنا سرت يوم الجمعة لبقائه على معناه. وعرّف المجاز بالزيادة بأنّه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بعلاقة بعد زيادة عليه تغير الإعراب والمعنى إلى ما يخالفه بالكلّية نحو قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فخرج ما لا يغيّر شيئا نحو فبما رحمة، وما يغيّر الإعراب فقط نحو سرت في يوم الجمعة، وما يغيّر المعنى فقط نحو الرجل بزيادة اللام للعهد، وما يغيّر المعنى لا إلى ما يخالفه بالكلّية مثل إنّ زيدا قائم. وفيه نظر لأنّ المراد بالزيادة هاهنا ما وقع عليه عبارة النحاة من زيادة الحروف وهي كونها بحيث لو حذفت لفظا ومعنى لم يختل. فقد خرج سرت في يوم الجمعة والرجل وإنّ زيدا قائم ونحو ذلك من هذا القيد لا من غيره، بل الحقّ أنّه لا حاجة في إخراج الأشياء المذكورة إلى قيد يغيّر الإعراب والمعنى رأسا وبالكليّة في كلا التعريفين لخروجها بقيد الاستعمال في غير ما وضع له. وأيضا يرد على التعريفين أنّ استعمال اللفظ في غير ما وضع له في هذا النوع من المجاز ممنوع إذ لو جعل القرية مثلا مجازا عن الأهل لعلاقة كونها محلا كما وقع في بعض كتب الأصول فهو لا يكون في شيء من هذا النوع من المجاز إذ المجاز هاهنا بمعنى آخر، سواء أريد به الإعراب الذي تغيّر إليه الكلمة بسبب النقصان أو الزيادة كما يقتضيه ظاهر عبارة المفتاح، أو أريد به الكلمة التي تغيّر إعرابها بحذف أو زيادة كما ذكره الخطيب.
فكما توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن معناها الأصلي كذلك توصف الكلمة بالمجاز لنقلها عن إعرابها الأصلي إلى غيره وإن كان المقصود في فنّ البيان هو المجاز بالمعنى الأول. وقال السّيّد السّند أنّ في هذا الإيراد نظرا لأنّ الأصوليين لما عرّفوا المجاز بالمعنى المشهور أوردوا في أمثلة المجاز بالزيادة والنقصان ولم يذكروا أنّ للمجاز عندهم معنى آخر، فالمفهوم من كلامهم أنّ القرية مستعملة في أهلها مجازا ولم يريدوا بقولهم أنّها مجاز بالنقصان أنّ الأهل مضمر هناك مقدّر في نظم الكلام حينئذ لأنّ الإضمار يقابل المجاز عندهم، بل أرادوا أنّ أصل الكلام أن يقال أهل القرية فلما حذف الأهل استعمل القرية مجازا فهي مجاز بالمعنى المتعارف سببه النقصان. وكذلك قوله تعالى كَمِثْلِهِ مستعمل في معنى المثل مجازا، وسبب هذا المجاز هو الزيادة إذ لو قيل ليس مثله شيء لم يكن هناك مجاز انتهى. ويؤيّده ما قال صاحب الأطول. ثم نقول لا يبعد أن يقال هذا النوع من المجاز أيضا من قبيل نقل الكلمة عمّا وضعت له إلى غيره فإنّ للكلمة وضعا إفراديا ووضعا تركيبيا فهي مع كلّ إعراب في التركيب وضعت لمعنى لم يوضع له مع إعراب آخر، فإذا استعملت مع إعراب في معنى وضع له [مع] إعراب آخر فقد أخرجت عن معنى الموضوع له التركيبي إلى غيره مثلا القرية مع النصب في اسأل القرية موضوعة لمعنى تعلّق به السّؤال، وقد استعملت في معنى تعلّق بما أضيف إليه السّؤال، وحينئذ يمكن أن يجعل تحت تعريفاتهم المجاز ويجعل مقصودا لصاحب البيان لتعلّق أغراض بيانه. اعلم أنّ مختار عضد الملّة والدين أنّ لفظ المجاز مشترك معنى بين المجاز اللغوي والعقلي والمجاز بالنقصان والمجاز بالزيادة على ما يفهم من كلامه في الفوائد العياشيّة حيث قال هناك: الحقيقة لفظ أفيد به في اصطلاح التخاطب، والمجاز لفظ أفيد به في اصطلاح التخاطب لا بمجرّد وضع أول.
ولا بدّ في المجاز من تصرّف في لفظ أو معنى وكلّ بزيادة أو نقصان أو نقل والنّقل لمفرد أو لتركيب فهذه ثمانية أقسام، أربعة في اللفظ وأربعة في المعنى. فوجوه التصرّف في اللفظ الأول بالنقصان نحو اسأل القرية. الثاني بالزيادة نحو ليس كمثله شيء على أنّ الله جعل اللاشيئية لنفي من يشبه أن يكون مثلا له فضلا عن المثل، وقد جعلهما القدماء مجازا في حكم الكلمة أي إعرابها، وقد جعل من الملحق بالمجاز لا منه. وأنت تعلم حقيقة الحال إذا قلت عليك بسؤال القرية أو قلت ما شيء كمثله ثم النقل فيهما بيّن من سؤال القرية إلى سؤال أهلها، ومن نفي مثل المثل إلى نفي المثل.
الثالث بالنّقل لمفرد وهو إطلاق الشيء لمتعلّقه بوجه كاليد للقدرة. الرابع بالنقل لتركيب نحو أنبت الربيع البقل إذا صدره من لا يعتقده ولا يدّعيه مبالغة في التشبيه وهذا يسمّى مجازا في التركيب ومجازا حكميا. وتحقيقه أنّ دلالة هيئة التركيبات بالوضع لاختلافها باللغات وهذه وضعت لملابسة الفاعل، فإذا أفيد بها ملابسة غيرها كان مجازا لغة كما قاله الإمام عبد القاهر. وقيل إنّ المجاز في أنبت. وقيل إنّه استعارة بالكناية كأنّه ادّعى الربيع فاعلا حقيقيا.
وقيل إنّه مجاز عقلي إذ أثبت حكما غير ما عنده ليفهم منه ما عنده ويتميّز عن الكذب بالقرينة.
وأمّا وجوه التصرّف في المعنى. فالأول بالنقصان كالمشفر للشّفة والمرسن للأنف وهو إطلاق اسم الخاصّ للعام وسمّوه مجازا لغويا غير مقيّد. والثاني بالزيادة نحو وأوتيت من كلّ شيء أي مما يؤتى مثلها وهو عكس ما قبله، أي إطلاق اسم العام للخاص ومنه باب التخصيص بأسره. والثالث بالنّقل لمفرد نحو في الحمام أسد. والرابع بالنقل لتركيب نحو أنبت الربيع البقل ممن يدّعيه مبالغة في التشبيه، وهذا لم يذكر وهو بصدد الخلاف المتقدّم. وأمّا من يعتقده فهو منه حقيقة كاذبة انتهى كلامه. قال صاحب الإتقان المجاز قسمان: الأول في التركيب ويسمّى مجاز الإسناد والمجاز العقلي وعلاقته الملابسة وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسة له. والثاني المجاز في المفرد ويسمّى المجاز اللغوي وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له أو لا، وأنواعه كثيرة. الأول الحذف كما يجيء. الثاني الزيادة. الثالث إطلاق اسم الكلّ على الجزء نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم أي أناملهم.
الرابع عكسه نحو يبقى وجه ربّك أي ذاته.
والحقّ بهذين النوعين شيئان. أحدهما وصف البعض بصفة الكلّ نحو ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فالخطاء صفة الكلّ وصف به الناصية وعكسه نحو قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ والوجل صفة القلب. والثاني إطلاق لفظ بعض مرادا به الكلّ نحو وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْــتَلِفُونَ فِيهِ أي كلّه، ونحو وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أي كلّ الذي يعدكم.
الخامس إطلاق اسم الخاص على العام نحو فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أي رسوله.
السادس عكسه نحو وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي المؤمنين بدليل قوله وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. السابع إطلاق اسم الملزوم على اللازم نحو أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ سمّيت الدلالة كلاما لأنّها من لوازمه. الثامن عكسه نحو هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أي هل يفعل، أطلق الاستطاعة على الفعل لأنّها لازمة له. التاسع إطلاق المسبّب على السّبب نحو وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً أي مطرا.
العاشر عكسه نحو وما كانوا يستطيعون السمع أي القبول والعمل به لأنّه يتسبّب عن السمع.
ومن ذلك نسبة الفعل إلى سبب السّبب نحو كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فإنّ المخرج حقيقة هو الله وسبب ذلك أكل الشجرة وسبب الأكل وسوسة الشيطان. الحادي عشر تسمية الشيء باسم ما كان عليه نحو وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ أي الذين كانوا يتامى إذ لا يتمّ بعد البلوغ. الثاني عشر تسميته باسم ما يئول إليه نحو إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً أي عنبا توفد إلى الخمرية وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً أي صائرا إلى الكفر والفجور.
الثالث عشر اطلاق اسم الحال على المحل نحو ففي رحمة الله أي في الجنة لأنّها محل الرحمة. الرابع عشر عكسه نحو فَلْيَدْعُ نادِيَهُ أي أهل ناديه أي مجلسه. الخامس عشر تسمية الشيء باسم آلته نحو وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ أي ثناء حسنا لأنّ اللسان آلته. السادس عشر تسمية الشيء باسم ضدّه نحو فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي أنذرهم. ومنه تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصّارف عنه، ذكره السّكّاكي نحو قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ أي ما دعاك إلى أن لا تسجد، وسلم من ذلك من دعوى زيادة لا.
السابع عشر إضافة الفعل إلى ما لم يصلح له تشبيها نحو فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ وصفه بالإرادة وهي من صفات الحيّ تشبيها بالمسألة للوقوع بإرادته. الثامن عشر إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته نحو فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ أي فإذا قرب مجيئه. وبه اندفع السّؤال المشهور أنّ عند مجيء الأجل لا يتصوّر تقديم ولا تأخير. وقيل في دفع السّؤال أنّ جملة لا يستقدمون عطف على مجموع الشرط والجزاء لا على الجزاء وحده. ونحو إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ أي أردتم القيام. التاسع عشر القلب وقد ذكر في محله نحو عرضت الناقة على الحوض.
العشرون إقامة صيغة مقام أخرى. منها إطلاق المصدر على الفاعل نحو فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ولهذا أفرده وعلى المفعول نحو وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أي من معلومه، وصنع الله أي مصنوعه. ومنها إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر نحو لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي تكذيب وبِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أي الفتنة على أنّ الباء غير زائدة. ومنها إطلاق الفاعل على المفعول نحو خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ أي مدفوق وقالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي لا معصوم وعكسه نحو حجابا مستورا أي ساترا. وقيل هو على معناه أي مستورا عن العيون لا يحسّ به أحد وأنّه كان وعده مأتيا أي آتيا، ونحو فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي مرضية. ومنها إطلاق فعيل بمعنى مفعول نحو وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً. ومنها إطلاق واحد من المفرد والمثنى والمجموع على آخر منها نحو وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ أي يرضوهما فأفرد لتلازم الرضاءين، فهذا مثال إطلاق المفرد على المثنى. ومثال إطلاقه على الجمع إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ أي الأناسي. ومثال إطلاق المثنّى على المفرد أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ أي ألق في جهنم. ومن إطلاق المثنّى على المفرد كلّ فعل نسب إلى شيئين وهو لأحدهما فقط نحو يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وإنّما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب ونحو يؤمّكما أكبركما خطابا لرجلين ونظيره نحو وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أي في أحدهن.
ومثال إطلاق المثنّى على الجمع ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أي كرات لأنّ البصر لا يحسن إلّا بها. ومثال إطلاق الجمع على المفرد قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ أي أرجعني، ونحو وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أي أنا. ومثال إطلاقه على المثنّى قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ونحو فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ أي أخوان ونحو صَغَتْ قُلُوبُكُما أي قلباكما ونحو فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما أي يديهما. ومنها إطلاق الماضي على المستقبل لتحقّق وقوعه نحو أَتى أَمْرُ اللَّهِ أي السّاعة بدليل فلا تستعجلوه ونحو وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ. وعكسه لإفادة الدوام والاستمرار فكأنّه وقع واستمر نحو ولقد نعلم أي علمنا. ومن لواحق ذلك التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول لأنّه حقيقة في الحال لا في الاستقبال نحو وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ ونحو ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ. ومنها إطلاق الخبر على الطلب أمرا أو نهيا أو دعاء مبالغة في الحثّ عليه حتى كأنّه وقع وأخبر عنه نحو وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ أي لا تنفقوا ونحو قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ أي اللهم اغفر لهم ونحو وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ. وعكسه نحو فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أي يمدّ. ومنها وضع النداء موضع التعجّب نحو يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ونحو يا للماء ويا للدواهي. ومنها وضع جمع القلّة موضع الكثرة نحو وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ وغرف الجنّة لا يحصى. وعكسه نحو وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. ومنها تذكير المؤنّث على تأويله بمذكر نحو وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً على تأويل البلدة بالمكان. ومنها تأنيث المذكّر نحو الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ أنّث الفردوس وهو مذكر حملا على معنى الجنّة.
ومنها التغليب وهو إعطاء الشيء حكم غيره ويجيء في محلّه. ومنها التضمين ويجيء أيضا في محله.
فائدة:
لهم مجاز المجاز وهو أن يجعل المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فيتجوّز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا فإنّه مجاز عن مجاز فإنّ الوطء تجوّز عنه بالسّرّ لكونه لا يقع غالبا إلّا في السّر وتجوز به عن العقد لأنّه مسبّب عنه، فالمصحّح للمجاز الأول الملازمة وللثاني السّببية، والمعنى لا تواعدوهن عقدة نكاح كذا في الاتقان.
فائدة:
قد يكون اللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد حقيقة ومجازا لكن من جهتين فإنّ المعتبر في الحقيقة هو الوضع لغويا أو شرعيا أو عرفيا، وفي المجاز عدم الوضع في الجملة.
فإن اتفق في الحقيقة بأن يكون اللفظ موضوعا للمعنى بجميع الأوضاع المذكورة فهي الحقيقة المطلقة وإلّا فهي الحقيقة المقيّدة. وكذا المجاز قد يكون مطلقا بأن يكون مستعملا في غير الموضوع له بجميع الأوضاع وقد يكون مقيّدا بالجهة التي كان غير موضوع له بها كلفظ الصلاة فإنّه مجاز لغة في الأركان المخصوصة حقيقة شرعا كذا في التلويح.
فائدة:
الحقيقة لا تستلزم المجاز إذ قد يستعمل اللفظ في مسمّاه ولا يستعمل في غيره وهذا متفق عليه. وأمّا عكسه وهو أنّ المجاز هل يستلزم الحقيقة أم لا بل يجوز أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له ولا يستعمل فيما وضع له أصلا، فقد اختلف فيه. القول الثاني أقوى وذلك لأنّه لو استلزم المجاز الحقيقة لكان للفظ الرحمن حقيقة وهو ذو الرحمة مطلقا حتى جاز إطلاقه بغير الله تعالى. وقولهم رحمان اليمامة لمسيلمة الكذّاب نعت مردود وكذا نحو عسى وحبّذا من الأفعال التي لم تستعمل بزمان معين.
فإن قيل المجاز لغة قد يجيء شرعا أو عرفا.
قلت المراد العدم في الجملة وقد ثبت كذا في العضدي. ومن أمثلة المجاز العقلي الغير المستلزم للحقيقة جلس الدار وسير الليل وسير شديد على ما مرّ، ودليل الفريقين يطلب من العضدي. فائدة:
من الألفاظ ما هي واسطة بين الحقيقة والمجاز، قيل بها في ثلاثة أشياء. أحدها اللفظ قبل الاستعمال وهذا مفقود في القرآن ويمكن أن يكون أوائل السّور على القول بأنّها للإشارة إلى الحروف التي يتركّب منها الكلام. وثانيها اللفظ المستعمل في المشاكلة نحو وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ذكره البعض وقال لأنّه لم يوضع لما استعمل فيه، فليس حقيقة ولا علاقة معتبرة فليس مجازا. قيل والذي يظهر أنّه مجاز والعلاقة المصاحبة. وثالثها الإعلام كذا في الاتقان. قال الآمدي الحقيقة والمجاز تشتركان في امتناع اتصاف الأعلام بهما كزيد وعمرو وفيه تأمّل لأنّ مثل السّماء والأرض والشمس والقمر وغير ذلك من الأعلام حقائق لغوية كما لا يخفى، اللهم إلّا أن تخصّ الأعلام بمثل زيد وعمرو وما يشبههما مما لم يثبت استعماله في اللّغة، وإنّما حدثت عند أهل العرب فتأمّل، كذا ذكر التفتازاني في حاشية العضدي. ووجه التأمّل أنّه لو أريد بأنّ مثل تلك الأعلام قبل الاستعمال واسطة فمسلّم ولا يجدي نفعا، ولو أريد أنّها بعد الاستعمال واسطة فممنوع لصدق تعريف الحقيقة عليها.
فائدة:
قد اختلف في أشياء أهي من المجاز أو الحقيقة وهي ستة. أحدها الحذف كما مرّ.
والثاني الكناية كما مرّ أيضا. والثالث الالتفات.
قال الشيخ بهاء الدين السّبكي لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز، وقال وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد. والرابع التأكيد، زعم قوم أنّه مجاز لأنّه لا يفيد إلّا ما أفاده الأول والصحيح أنّه حقيقة. قال الطرطوسي من سمّاه مجازا قلنا له: إذا كان التأكيد بلفظ الأول فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول لأنّهما لفظ واحد، وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنّه مثل الأول.
الخامس التشبيه زعم قوم أنّه مجاز والصحيح أنّه حقيقة. قال الزنجاني في المعيار لأنّه معنى من المعاني وله ألفاظ دالّة عليه وضعا فليس فيه نقل عن موضوعه. وقال الشيخ عزيز الدين إن كانت بحرف فهو حقيقة أو بحذف فهو مجاز بناء على أنّ الحذف من المجاز. والسادس التقديم والتأخير عدّه قوم من المجاز لأنّ تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكلّ واحد منهما عن مرتبته وحقّه.
قال في البرهان والصحيح أنّه ليس منه فإنّ المجاز نقل ما وضع له إلى ما لم يوضع له كذا في الإتقان.
فائدة:
المجاز واقع في اللغة خلافا للاستاذ أبي إسحاق الأسفرايني قال لو كان المجاز واقعا للزم الاختلال بالتفاهم إذ قد يخفى القرينة.
وردّ بأنّه لا يوجب امتناعه وغايته أنّه استبعاد وهو لا يعتبر مع القطع بالوقوع لأنّا نقطع بأنّ الأسد للشجاع والحمار للبليد مجاز. نعم ربما يحصل به ظنّ في مقام التردّد. فإن قيل هو مع القرينة لا يحتمل غير ذلك فكان المجموع حقيقة فيه. أجيب بأنّ المجاز والحقيقة من صفات الألفاظ دون القرائن المعنوية فلا تكون الحقيقة صفة للمجموع. ولئن سلّم، لكن الكلام في جزء هذا المجموع فالنزاع لفظي.
وكذا المجاز واقع في القرآن وأنكره جماعة منهم الظاهرية وابن القاصّ من الشافعية وابن خويزمنداد من المالكية. وبناء الإنكار على ما هو أوهن من بيت العنكبوت حيث قالوا: لو وقع المجاز في القرآن لصحّ إطلاق المتجوّز عليه تعالى وهو مع كونه ممنوعا إذ لا بدّ لصحة الإطلاق من الإذن الشرعي عند الأشاعرة، ومن إفادة التعظيم عند جماعة، ومن عدم إيهام النّقص عند الكلّ منقوض بأنّه لو وقع مركّب في القرآن يصحّ إطلاق المركّب عليه، وإن شئت زيادة التحقيق فارجع إلى العضدي وحواشيه والأطول.

المفارق

المفارق:
[في الانكليزية] Accident ،separated ،abstract
[ في الفرنسية] Accident ،separe ،abstrait
بكسر الراء هو عند المنطقيين هو العرض الغير اللازم. وعند الحكماء والمتكلّمين هو الممكن الذي لا يكون متحيّزا ولا حالّا في المتحيّز ويسمّى بالمجرّد أيضا، وقد سبق. وقد يراد به الأعمّ الشامل للواجب والممكن كما يجيء في لفظ الواحدة. التقسيم:
قالوا الجواهر المفارقة أي الغائبة عن الحسّ إمّا أن تكون مؤثّرة في الأجسام أو مدبّرة لها، أو لا تكون مؤثّرة ولا مدبّرة. والأول أي الجواهر المجرّدة المؤثّرة في الأجسام هي العقول السماوية عند الحكماء والملأ الأعلى في عرف حملة الشرع. والثاني أي الجواهر المجرّدة المدبّرة للأجسام العلوية أي الفلكية وهي النفوس الفلكية عند الحكماء والملائكة السماوية عند أهل الشرع والملائكة السّفلية تدبّر عالم العناصر، وهي إمّا أن تكون مدبّرة للبسائط الأربعة العنصرية وأنواع الكائنات وهم يسمّون ملائكة الأرض، وإليه أشار صاحب الوحي صلوات الله عليه والسلام وقال جاءني ملك البحار وملك الجبال وملك الأمطار وملك الأرزاق. وإمّا أن تكون مدبّرة للأشخاص الجزئية وتسمّى نفوسا أرضية كالنفوس الناطقة.
والثالث أي الجواهر المجرّدة التي لا تكون مؤثّرة في الأجسام ولا مدبّرة لها تنقسم إلى خيّر بالذات وهم الملائكة الكروبيّون بتخفيف الراء أي الملائكة المقرّبون وهم الملائكة المهيمنون المستغرقون في أنوار جلال الله سبحانه بحيث لا يتفرّغون معه لشيء أصلا، لا لتدبير الأجسام ولا لتأثير فيها، وإلى شرّير بالذات وهم الشياطين، وإلى مستعدّ للخير والشرّ وهم الجنّ.
والظاهر من كلام الحكماء أنّ الجنّ والشياطين هم النفوس البشرية المفارقة عن الأبدان، إن كانت شرّيرة كانت شديدة الانجذاب إلى ما يشاكلها من النفوس البشرية الشّريرة، فتتعلّق ضربا من التعلّق بأبدانها، وتعاونها على أفعال الشّرّ، فذلك هو الشيطان، وإن كانت خيّرة كان الأمر بالعكس وهي الجنّ. وأكثر المتكلّمين لمّا أنكروا الجواهر المجرّدة قالوا الملائكة والجنّ والشياطين أجسام لطيفة قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة. وأوائل المعتزلة أنكروها لأنّها إن كانت لطيفة وجب أن لا تكون قوية على شيء من الأفعال وأن يفسد تركيبها بأدنى سبب، وإن كانت كثيفة وجب أن نشاهدها وإلّا لأمكن أن تكون بحضرتنا جبال لا نراها. وأجيب بأنّه لما لا يجوز أن تكون لطيفة بمعنى عدم اللون لا بمعنى رقّة القوام. ولئن سلّم أنّها كثيفة لكن لا نسلّم أنّها يجب أن تراها لأنّ رؤية الكثيف عند الحضور غير واجب، كيف وقد يفيض عليها القادر المختار مع لطافتها ورقتها قوة عظيمة فإنّ القوة لا تتعلّق بالقوام ولا بالجثة.
ألا ترى أنّ قوام الإنسان دون قوام الحديد والحجر، ونرى بعضهم يفتل الحديد ويكسر الحجر ويصدر عنه ما لا يمكن أن يستند إلى غلظ القوام، ونرى الحيوانات مختلفة في القوة اختلافا ليس بحسب اختلاف القوام والجثة كما في الأسد مع الحمار. ثم إنّ القائلين بأنّها أجسام تتشكّل بأي شكل شاءت وتقدر على أن تلج في بواطن الحيوانات وتنفذ في منافذها الضيّقة نفوذ الهواء المستشفّ بعد اتفاقهم على أنّها من أصناف المكلّفين مثل الإنسان، اختلفوا في اختلافها بالنوع. ونقل عن المعتزلة أنّهم قالوا الملائكة والجنّ والشياطين يتّحدون في النوع ويخــتلفون بأفعالهم، أمّا الذين لا يفعلون إلّا الخير فهم الملائكة وأمّا الذين لا يفعلون إلّا الشّرّ فهم الشيطان، وأمّا الذين يفعلون تارة الخير وتارة الشّر فهم الجنّ، ولذلك عدّ إبليس تارة في الملائكة وتارة في الجنّ، وأكثر ما ذكرنا هو المستفاد من شرح الطوالع وبعضه من شرح المواقف.
فائدة:
في تهذيب الكلام ولا يمنع ظهور الكلّ أي جميع المجرّدات على بعض الأبصار في بعض الأحوال. 

الخَيْفانُ

الخَيْفانُ: نَبْتٌ جَبَلِيٌّ، والْكَثْرَةُ من الناسِ، والجَرادُ قَبْلَ أنْ يَسْتَوِيَ جَناحاها، أو إذا صارَتْ فيه خُطُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ بيَاضٌ وصُفْرَةٌ، أو إذا انْسَلَخَ من لَوْنِهِ الأوَّلِ الأسْوَدِ أو الأصْفَرِ وصارَ إلى الحُمْرَةِ، أو مَهازيلُها الحُمْرُ التي من نِتاجِ عامٍ أوَّلَ.
والخَيْفُ: الناحِيَةُ، وجِلْدُ الضَّرْعِ، أو ناحِيَةُ الضَّرْعِ، أو جِلْدُ ضَرْعِ الناقَةِ، وَوِعاءُ قَضيبِ البَعيرِ، وما انْحَدَرَ عن غِلَظِ الجَبَلِ، وارْتَفَعَ عن مَسيلِ الماءِ، وكُلُّ هُبوطٍ وارْتقاءٍ في سَفْحِ جَبَلٍ، وغُرَّةٌ بَيْضَاءُ في الجَبَلِ الأسْوَدِ الذي خَلْفَ أبي قُبَيْسٍ، وبها سُمِّيَ مسجدُ الخَيْفِ، أو لأنَّها ناحيةٌ من مِنًى، أو لأنَّها في سَفْحِ جبلٍ.
وخَيْفُ سَلاَّمٍ: د قُرْبَ عُسْفَانَ،
وخَيْفُ النَّعَمِ: أسْفَلَ منه،
وخَيْفُ ذي القَبْرِ: أسْفَلَ منه أيضاً.
وخَيْفُ الجَبَلِ: ع.
وأخافَ، أي: أتَى خَيْفَ مِنًى فَنَزَلَهُ،
كأَخْيَفَ واخْتَافَ،
وـ السَّيْلُ القومَ: أنْزَلَهُمُ الخَيْفَ.
والخَيْفَةُ: السِّكينُ، وعَرينُ الأسَدِ.
والخَيَفُ، محرَّكةً، في الفَرَسِ وغيرِهِ: زُرْقَةُ إحْدَى العَيْنَيْنِ وسَوادُ الأخْرَى،
وـ في الإِبِلِ: سَعَةُ الثَّيْلِ، ناقَةٌ خَيْفَاءُ، وجَمَلٌ أَخْيَفُ، أو الخَيْفَاءُ: الواسعةُ الضَّرْعِ، والواسعةُ جِلْدِهِ، أو لا تكونُ خَيْفَاءَ حتى تَخْلُو من اللَّبَنِ وتَسْتَرْخِيَ، ج: خَيْفاواتٌ، وجَمْعُ الأخْيَفِ: خِيفٌ وخُوفٌ.
وهُم أخْيَافٌ، أي: مُخْــتَلِفونَ.
وإخْوَةٌ أخْيَافٌ: أمُّهُم واحِدَةٌ والآباءُ شَتَّى.
وخَيَّفَ: نَزَلَ مَنْزِلاً،
وـ عن القِتالِ: نَكَصَ.
وخُيِّفَ الأمرُ بينهم، بالضم، تَخْييفاً: وُزِّعَ،
وـ عُمورُ اللِّثَةِ بينَ الأسْنَانِ: تَفَرَّقَتْ.
وتَخَيَّفَ ألواناً: تَغَيَّر، وسَمَّوْا: أخْيَفَ، كأَحْمَدَ.

عَوَرَ

(عَوَرَ)
فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «لَا يُؤخَذ فِي الصَّدقة هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَار» العَوَار بِالْفَتْحِ: العَيْب، وَقَدْ يُضَمُّ.
(هـ) وَفِيهِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَر؟» العَوْرَاتُ: جمْع عَوْرَة، وهي كلُّ مَا يُسْتَحْيا مِنْهُ إِذَا ظهَر، وَهِيَ مِنَ الرَّجُل مَا بَيْن السُّرة والرُّكْبة، وَمِنَ الْمَرْأَةِ الحُرّة جميعُ جسَدِها إلاَّ الوجْه واليَدَين إِلَى الكُوعَين، وَفِي أخمَصها خِلاف، وَمِنَ الأمَة مثْلُ الرَّجُلِ، وَمَا يَبْدو مِنْهَا فِي حَالِ الخِدْمة، كالرَّأس والرَّقَبة والسَّاعِد فَلَيْسَ بعَوْرَة. وسَتْر العَوْرَة فِي الصلاةِ وغيرِ الصَّلَاةِ واجبٌ، وَفِيهِ عِنْدَ الخَلْوة خِلاف.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «المَرْأةُ عَوْرَة» جَعلَها نَفْسَها عَوْرَة، لِأَنَّهَا إِذَا ظهرَت يُسْتَحْيا مِنْهَا كَمَا يُسْتَحْيا مِنَ العَوْرَة إِذَا ظَهرَت.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَة: رأيتُه وقَدْ طَلع فِي طَرِيقٍ مُعْوِرَة» أَيْ ذَاتِ عَوْرَة يُخاف فِيهَا الضَّلال والانْقِطاع. وكلُّ عَيْب وخَلَل فِي شَيْءٍ فَهُوَ عَوْرَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلَا تُصِيبُوا مُعْوِراً» أَعْوَرَ الفارسُ: إِذَا بَدا فِيهِ مَوْضِعُ خَلَل للضِّرب.
[هـ] وَفِيهِ «لَمَّا اعْتَرض أَبُو لَهَبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد إظهارِه الدعوةَ قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَا أَعْوَر، مَا أنتَ وَهَذَا» لمْ يَكُنْ أَبُو لَهَبٍ أَعْوَر، وَلَكِنَّ العَرب تَقُولُ لِلَّذِي لَيْسَ لَهُ أخٌ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ أَعْوَر. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلرَّدِيءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ وَالْأَخْلَاقِ:
أَعْوَر. وللمؤنَّث مِنْهُ عَوْرَاء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «يَتَوَضَّأ أَحَدُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ الطِّيِّب وَلَا يَتَوضَّأ مِنَ العَوْرَاء يقولُها» أَيِ الكلمَة الْقَبِيحَةِ الزَّائغَة عَنِ الرُّشْد.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «فاسْتَبْدَلْتُ بَعْدَهُ وكلُّ بَدلٍ أَعْوَر» هُوَ مَثل يُضْرب للمذْموم بَعْد المحْمُود.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، وذكَر امْرَأ القَيْس فَقَالَ: «افْتَقَر عَن مَعَانٍ عُور» العُور: جَمْعُ أَعْوَر وعَوْرَاء، وأرادَ بِهِ المَعانِيَ الغامِضَة الدَّقيقة، وَهُوَ مِنْ عَوَّرْتُ الرَّكِيَّة وأَعَرْتُها وعُرْتُها إِذَا طَمَمْتَها وسَدَدْتَ أَعْيُنَها الَّتِي يَنْبُع مِنْهَا الماء. (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أمَره أَنْ يُعَوِّرَ آبَار بَدْر» أَيْ يَدْفِنَها ويَطُمَّها، وَقَدْ عَارَت تِلك الرَّكِيَّةُ تَعُور.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقصَّةِ العجْل «مِنْ حُلِيّ تَعَوَّرَه بَنُو إِسْرَائِيلَ» أَيِ اسْتَعَارُوه.
يُقَالُ: تَعَوَّرَ واسْتَعَارَ، نَحْو تعجَّب واسْتعْجَب.
(س) وَفِيهِ «يَتَعَاوَرُون عَلَى مِنْبَرِي» أَيْ يَخْــتَلِفُونَ وَيَتَنَاوَبُونَ، كلمَّا مَضَى واحِدٌ خَلَفه آخَرُ. يُقَالُ: تَعَاوَرَ القومُ فُلَانًا إِذَا تَعاونُوا عَلَيْهِ بالضِّرب واحِداً بَعْدَ وَاحِد.
وَفِي حَدِيثِ صَفْوان بْنِ أُمَيَّةَ «عَارِيَّة مَضْمونة مُؤدَّاة» العَارِيَّة يَجب رَدّها إجْماعاً مَهمَا كَانَتْ عَيْنُها باقِيةً، فَإِنْ تَلِفَت وجَب ضَمانُ قيمتِها عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
والعَارِيَّة مُشَدَّدة الْيَاء، كأنَّها مَنْسوبة إِلَى العَار، لِأَنَّ طَلَبها عَارٌ وعَيْب، وتُجْمع عَلَى العَوَارِيِّ مُشَدّدًا. وأَعَارَه يُعِيرُه. واسْتَعَارَه ثَوْبَا فأَعَارَه إيِّاه. وأصلُها الْوَاوُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ.

شَجَرَ

(شَجَرَ)
فِيهِ «إيَّاكُم وَمَا شَجَرَ بَيْنَ أَصْحَابِي» أَيْ مَا وقَعَ بْينهم مِنَ الاخْتِلافِ. يُقَالُ شَجَرَ الْأَمْرُ يَشْجُرُ شُجُوراً إِذَا اخْتلط. واشْتَجَرَ القومُ وتَشَاجَرُوا إِذَا تنازَعُوا واخْتَلَفوا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عَمْرٍو النَّخَعِيِّ «يَشْتَجِرُونَ اشْتِجَارَ أطْباقِ الرَّأْس» أَرَادَ أنَّهم يَشْتَبِكُون فِي الفِتْنَة والحَرْب اشتِباَك أطْباَق الرَّأْسِ، وَهِيَ عِظامُه الَّتِي يدخُل بعضُها فِي بَعْض.
وَقِيلَ أَرَادَ يَخْــتَلفون.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كنتُ آخِذًا بحَكَمة بَغْلة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَين وَقَدْ شَجَرْتُهَا بِهَا» أَيْ ضَربْتُها بِلجاَمِها أكُفُّها حَتَّى فتَحتْ فاَها، وَفِي رِوَايَةٍ «والعَبَّاس يَشْجُرُهَا، أَوْ يَشْتَجِرُهَا بلجامِهاَ» والشَّجْرُ: مَفْتَحُ الفَم. وَقِيلَ هُوَ الذَّقَن.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ «قُبِض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ شَجْرِي ونَحْرِي» وَقِيلَ هُوَ التَّشْبيك: أَيْ أَنَّهَا ضَمتَّه إِلَى نَحْرِهَا مُشبِّكة أَصَابِعَهَا.
(هـ) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ «فَكَانُوا إِذَا أرادُوا أَنْ يُطْعِمُوها أَوْ يَسْقُوها شَجَرُوا فَاهَا» أَيْ أدْخَلوا فِي شَجْرِهِ عُوداً حَتَّى يَفْتحوه بِهِ.
وَحَدِيثُ بَعْضِ التَّابِعِينَ «تَفَقَّد فِي طَهَارَتِكِ كَذَا وَكَذَا، والشَّاكِلَ، والشَّجْرَ» أَيْ مُجْتَمَع اللَّحْيين تَحْتَ العَنْفَقَة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الشُّرَاة «فَشَجَرْنَاهُم بالرِّماح» أَيْ طَعَنَّاهم بِهَا حَتَّى اشتَبَكت فِيهِمْ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ «ودُرَيدُ بْنُ الصِّمَّةِ يَوْمَئِذٍ فِي شِجَارٍ لَهُ» هُوَ مَرْكبٌ مكشُوفٌ دون الهوْدَج، ويقال له مَشْجَرٌ مِشْجَرٌ أَيْضًا.
وَفِيهِ «الصَّخْرة والشَّجَرَة مِنَ الْجَنَّةِ» قِيلَ أَرَادَ بالشَّجَرَةِ الكَرْمَةَ. وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ أَرَادَ شَجَرَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوان بالحُدَيبَية؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهَا اسْتَوْجَبُوا الْجَنَّةَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَكْوَعِ «حَتَّى كنتُ فِي الشَّجْرَاءِ» أَيْ بَيْنَ الْأَشْجَارِ المتكاَثِفًة، وَهُوَ للشَّجَرة كالقَصْباَء للقَصَبة، فَهُوَ اسمٌ مُفْردٌ يُراد بِهِ الجمعُ. وَقِيلَ هُوَ جَمْعٌ، وَالْأَوَّلُ أوجَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ونأَى بِي الشَّجَر» أَيْ بَعُدَ بِي المرْعَى فِي الشَّجَرُ. 

دعْلج

(دعْلج)
تردد فِي الذّهاب والمجيء يُقَال دعْلج الجرذ ودعلج الصَّبِي وَيُقَال فلَان يدعلج إِلَى دَار فلَان بِاللَّيْلِ يخْتَلف وَالصَّبِيّ لعب الدعلجة وَاللَّيْل أظلم وَالشَّيْء دحرجه وَأَخذه كثيرا وَالْمَاء فِي الْحَوْض جمعه فِيهِ
دعْلج
: (الدَّعْلَجَةُ: التَّرَدُّدُ فِي الذَّهابِ والمَجِىءِ) وَقد دَعْلَجَ الصِّبْيَانُ، ودَعْلَجَ الجُرَذُ، كذالك، يُقَال: إِن الصَّبِيَّ لَيُدَعْلِجُ دَعْلَجَةَ الجُرَذِ، يَجِىءُ ويَذهب، وَفِي حديثِ فِتنةِ الأَزد (إِن فُلاناً وفُلاناً يُدَعْلِجَانِ باللَّيْلِ إِلى دَارِك لِيَجْمَعَا بينَ هاذينِ الغَارَّيْنِ) ، أَي يَختلفانِ.
(و) الدَّعْلَجَةُ (: الظُّلْمَةُ) .
(و) الدَّعْلَجَةُ (: الأَخْذُ الكَثيرُ) وَقيل: الأَكلُ بِنَهْمَةٍ، وَبِه فسَّر بعضُهم.
يَأْكُلْنَ دَعْلَجَةً ويَشْبَعُ مَنْ عَفَا
(و) الدَّعْلَجَةُ (: الدَّحْرَجَةُ) وَقد دَعْلَجْتُ الشَّيْءَ، إِذا دَحْرَجْته.
(و) الدَّعْلَجُ (كجَعْفرٍ) : ضَرْبٌ مِنَ الجَوَالِيقِ والخِرَجَةِ. والدَّعْلَجُ (: الجُوَالِقُ: المَلْآنُ) .
(و) الدَّعْلَجُ (: أَلْوَانُ الثِّيَابِ) ، وَقيل: أَلْوَانُ النَّباتِ.
(و) الدَّعْلَجُ (: الَّذِي يَمْشِي فِي غَيْرِ حَاجَةٍ) .
(و) الدَّعْلَجُ (: الكَثِيرُ الأَكْلِ) من الناسِ والحيوانِ.
(و) الدَّعْلَجُ (: النَّبَاتُ الَّذِي) قد (آزَرَ بَعْضُه بَعْضاً) .
(و) الدَّعْلَجُ (: الشَّابُّ الحَسَنُ الوَجْهِ النَّاعِمُ البَدَنِ) .
(و) الدَّعْلَجُ (: الظُّلْمَةُ) ، كالدَّعْلَجَةِ، وَهُوَ كالتَّكرارِ.
(و) الدَّعْلَجُ (: الذِّئْبُ) .
(و) الدَّعْلَجُ (: الحِمَارُ) .
(و) الدَّعْلَجُ (: النَّاقَةُ الَّتِي لَا تَنْسَاقُ إِذَا سِيقَتْ) .
(و) دَعْلَجٌ (: فَرَسُ عَامرِ بنِ الطُّفَيْلِ) ، قَالَ:
أَكُرُّ عَلَيْهِمْ دَعْلَجاً ولَبَانُهُ
إِذَا مَا اشْتَكَى وَقْعَ الرِّمَاحِ تَحَمْحَمَا
(و) دَعْلَجٌ (: فَرَسُ) عَبْدِ (عَمْرِو بن شُرَيْحِ) بنِ الأَحْوَصِ.
(و) الدَّعْلَجُ (: أَثَرُ المُقْبِلِ والمُدْبِرِ) .
(و) قد سَمَّوْا دَعْلَجاً، وَهُوَ (اسْمُ جَمَاعَةٍ) ، وَمِنْه ابنُ دَعْلَجٍ، قَالَ سِيبويهِ: والإِضافَةُ إِلى الثَّانِي، لأَن تَعَرُّفَه إِنما هُوَ بِهِ، كَمَا ذكر فِي ابْن كُراع.
(ودَعْلَجَ فِي حَوْضِه: جَبَى فِيه) .
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
والدَّعْلَجَ: ضَرْبٌ مِن المَشْيِ.
والدَّعْلَجَةُ: لُعْبَةٌ للصِّبْيَانِ يَخْــتَلَفُونَ فِيهَا الجَيْئَةَ والذَّهَابَ.

شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا

{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}
قال ابن عباس، أخبرني عن قول الله - عز وجل-: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} قال: الشرعة الدينُ، والمنهاج الطريق. قال: زهل تعرف العرب ذلك" قال: نعم. واستشهد بقول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
لقد نطق المأمونُ بالصدقِ والهدى. . . وبينَّ للإسلام ديناً ومنهجاً
(ك، ط، تق) = الكلمتان من آية المائدة 48 خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام، بعد ذكر التوارة والإنجيل:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْــتَلِفُونَ}
ولم تأت صيغة "شرعة" إلا في هذه الآية. وجاء منها الفعل الثلاثي ماضياً في آيتى الشورى (13، 21) و"شريعة من الأمر" في آية الجاثية (18) و"شُرَّعا" في آية الأعراف (163) وأما {مِنْهَاجًاْ} فوحيدة فيه، صيغة ومادة.
الشريعة في اللغة، المشرَع والمورد إلى الماء. ويقال: شرعت الباب إلى الطريق وأشرعته، أي فتحته على الشارع: الطريق الواسع، جمعه شوارع. واستعير الشرع والشريعة لما شرعه الله تعالى لعباده.
"وأما المنهاج فإن أصله الطريق البينَّ الواضح، يقال عنه: طريق نهج ومنهج، كما قال الراجز:
مَنْ يكُ في شك فهذا فلج. . . ماء روى وطريق نهج
ثن يستعمل في كل شيء كان بيناً واضحاً" قاله الطبري.
تأويلهما في المسألة عن ابن عباس: الشرعة الدين والمنهاج الطريق. والذي أسنده الطبري عن ابن عباس: من عدة طرق، قال: سبيلاً وسنة. وأسند مثله عن قتادة، وقال: والسنن مختلفة: للتوراة شريعة وللإنجيل والإخلاص الذي جاءت به الرسل. ثم أسند عن قتادة: الدين واحد ولاشريعة مختلفة.
والشرع من الدين، بصريح قوله تعالى في سورة الشورى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية 13 وقوله - عز وجل -، فيها: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الآية 21.
وتتعدد الشرائع: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} والدين واحد، فليس في القرآن كله لفظ: أديان، جمعاً.

ضَرَر

ضَرَر
من (ض ر ر) الأذى والضيق.
ضَرَر
: ( {الضَّرُّ، ويُضَمّ) لُغَتَانِ: (ضِدّ النَّفْع) .
(أَو) الضَّرّ (بالفَتْح: مَصْدَر، وبالضَّم: اسْمٌ) .
وَقيل: هما لُغَتَانِ كالشُّهْد والشَّهْدِ، فإِذا جَمَعْتَ بَين الضَّرّ والنَّفْعِ فتحتَ الضادَ، وإِذا أَفردْتَ} الضُّرَّ ضَمَمْتَ إِذا لم تستعملْه مصدرا، كَقَوْلِك: {ضَرَرْتُ} ضَرّاً، هاكذا تَسْتَعمِله العربُ، كَذَا فِي لحنِ العَوامّ للزُبَيْدِيّ.
وَقَالَ أَبو الدُّقَيْشِ: كُلُّ مَا كَانَ من سُوءِ حَال وفَقْرٍ أَو شِدّةٍ فِي بَدَنٍ فَهُوَ {ضُرٌّ، وَمَا كَانَ ضِدّ النَّفْع فَهُوَ} ضَرٌّ.
يُقَال: ( {ضَرَّهُ) } يَضُرُّه! ضَرّاً، (و) {ضَرَّهُ (بِهِ،} وأَضَّرَّهُ) ، {إِضْرَاراً،} وأَضَرَّ بِهِ ( {وضَارَّهُ} مُضَارَّةً، {وضِرَاراً) ، بالكَسْر بمعْنًى، والاسمُ} الضَّرَرُ، فِعْلُ واحِد، {والضِّرارُ فِعْلُ اثْنينِ، وَبِه فُسِّرَ الحديثُ: (لَا} ضَرَرَ وَلَا {ضِرارَ) أَي لَا} يَضُرُّ الرَّجلُ أَخاهُ فيَنْقُصه شَيْئاً من حقّه، وَلَا يُجَازِيه على إِضْرارِه بإِدخالِ {الضَّرَرِ عَلَيْهِ. وَقيل: هُما بِمَعْنى، وتكرارُهما للتّأْكِيدِ.
} والمُضارّة فِي الوَصِيّة: أَن لَا تُمْضَى أَو يُنْقَصَ بعضُها، أَو يُوصَى لغَيْرِ أَهْلِهَا، وَنَحْو ذالِك ممّا يُخَالِف السُّنّةَ.
( {والضّارُورَاءُ: القَحْطُ، والشِّدَّةُ،} والضَّرَرُ، وسُوءُ الْحَال) ، هاكذا فِي النُّسخ الَّتِي بأَيدينا، وَالصَّوَاب: {والضَّرَرُ: سُوءُ الحالِ، كَمَا فِي اللِّسَانِ وَغَيره (} كالضَّرِّ) ، بالفَتْح أَيضاً، ( {والتَّضِرَّةِ) ، بِكَسْر الضادِ (} والتَّضُرَّةِ) ، بضمّها، الأَخيرة مثَّلَ بهَا سيبويهِ، وفسَّرها السِّيرَافِيّ.
وَجمع الضَّرْ بالفَتْح. {أَضُرٌّ، كأَشُدّ، قَالَ عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيّ:
وخِلالَ} الأَضُرِّ جَمٌّ من العَيْ
شِ يُعَفِّي كُلُومَهُنّ البَواقِي
(و) {الضَّرَرُ: (النِّقْصَانُ يَدْخُلُ فِي الشَّيْءِ) ، يُقَال: دَخَلَ عَلَيْهِ} ضَرَرٌ فِي مالِه.
( {والضَّرّاءُ) ، بِالْمدِّ: (الزَّمَانَةُ) ، وَمِنْه الضَّرِيرُ بمعنَى الزَّمِنِ.
(و) } الضَّرّاءُ، نقيضُ السَّرّاءِ، وَفِي الحَدِيث: (ابْتُلِينَا {بالضَّرّاءِ فصَبَرْنَا، وابْتُلِينَا بالسَّرَّاءِ فلَمْ نَصْبِرْ) ، قَالَ ابنُ الأَثِيرِ:} الضَّرّاءُ: الحالةُ الَّتِي {تَضُرّ، وَهِي نَقِيضُ السَّرّاءِ، وهما بناءَانِ للمؤنّث، وَلَا مُذَكَّر لَهما، وَهِي: (الشِّدَّةُ) والفقرُ والعذابُ.
(و) قَوْله تَعَالَى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآء} وَالضَّرّاء} (الْأَنْعَام: 42) ، قيل: {الضَّرّاءُ: (النَّقْصُ فِي الأَمْوَالِ والأَنْفُسِ،} كالضَّرَّةِ! والضَّرَارَةِ) ، بفتحهما، ونقلَ الجوهَرِيّ عَن الفَرّاءِ قَالَ: لَو جُمِعَ {الضَّرّاءُ والبَأْساءُ على} أَضُرٍّ وأَبْؤُسٍ، كَمَا يُجْمَع النَّعْماءُ بِمَعْنى النِّعْمَة على أَنْعُمٍ لجازَ.
وَقَالَ أَبو الهَيْثَم: {الضَّرَّةُ: شِدَّةُ الحَال فَعْلَةٌ من} الضَّرِّ.
( {والضَّرِيرُ) ، كأَمِير: الرجُلُ (الذّاهِبُ البَصَرِ) ، ومصدره} الضَّرَارَةُ، (ج: {أَضِرَّاءُ) ، وَهُوَ مَجَاز، وَمِنْه حَديثُ البَرَاءِ: (فجَاءَ ابنُ أُمِّ مَكْتُوم يَشْكُو} ضَرَارَتَهُ) {والضَّرَارَةُ هُنَا: العَمَى، وَهِي من} الضَّرّ: سُوءِ الحَالِ.
(و) من المَجَاز: {الضَّرِيرُ: (المَرِيضُ المَهْزُول) ، والجَمْع كالجمع، (وهِيَ بِهَاءٍ) ، يُقَال: رجلٌ} ضَرِيرٌ، وامرأَةٌ {ضَرِيرَةٌ: أَضَرَّ بهما المَرَضُ.
(وكُلُّ مَا خالَطَه} ضَرٌّ) فَهُوَ {ضَرِيرٌ (} كالمَضْرُورِ) .
(و) من الْمجَاز: {الضَّرِيرُ: (الغَيْرَةُ) ، يُقَال: مَا أَشَدّ} ضَرِيرَهُ عَلَيْهَا، أَي غَيْرَته، وإِنّه لَذُو ضَرِيرٍ على امرأَتِه، أَي غَيْرَةٍ.
(و) الضَّرِيرُ: ( {المُضَارَّةُ) ، اسْم لَهَا، وأَكثرُ مَا يُسْتَعْمَل فِي الغَيْرَةِ كَمَا تقدّم.
(و) الضَّرِيرُ: (حَرْفُ الوَادِي) ، يُقَال: نَزَلَ فُلانٌ على أَحَدِ} - ضَرِيرَيِ الوَادِي، أَي على أَحَدِ جانِبَيْه، وَقَالَ غيرُه: بإِحْدَى ضَفَّتَيْه، وهما {ضَرِيرَانِ. قَالَ أَوسُ بنُ حَجَر:
وَمَا خَلِيجٌ من المَرُّوتِ ذُو شُعَب
يَرْمِي الضَّرِيرَ بخُشْبِ الطَّلْحِ والضّالِ
وَالْجمع} أَضِرَّةٌ.
(و) الضَّرِيرُ: (النَّفْسُ، وبَقِيَّةُ الجِسْمِ) ، قَالَ العَجّاج:
حَامِي الحُمَيّا مَرِس الضَّرِيرِ
وَيُقَال: نَاقَةٌ ذاتُ ضَرِيرٍ، إِذا كانَت شديدَةَ النَّفْس بطِيئَةَ اللُّغُوب، وَقيل: الضَّرِيرُ: بَقِيَّةُ النَّفْسِ.
(و) الضَّرِيرُ: (الصَّبْرُ) ، يُقَال: إِنّه لذُو ضَرِيرٍ، أَي صَبْرٍ على الشَّرّ ومُقَاساةٍ لَهُ، وَقَالَ الأَصمعيّ: إِنه لَذُو ضَرِيرٍ على الشَّرِّ والشِّدّةِ، إِذا كانَ ذَا صَبْر عَلَيْهِ ومُقَاساةٍ، وأَنشد:
وهَمّامُ بنُ مُرَّةَ ذُو ضَرِيرِ
يُقَال: ذالك فِي النّاسِ والدّوَابّ، إِذا كانَ لَهَا صَبْرٌ على مُقاساةِ الشَّرِّ، وَقَالَ جَرِيرٌ:
طَرَقَتْ سَوَاهِمَ قد أَضَرَّ بهَا السُّرَى
نَزَحَتْ بأَذْرُعِهَا تَنَائِفَ زُورَا
مِنْ كُلّ جُرْشُعَةِ الهَوَاجِرِ زَادَها
بُعْدُ المَفاوِزِ جُرْأَةً {وضَرِيراً
أَي من كُلّ ناقَةٍ ضَخْمَةٍ قويّةٍ فِي الهَوَاجِرِ، لَهَا عليْهَا جُرْأَةٌ وصَبْرٌ، والسَّواهِمُ: المَهْزُولَةُ.
(و) } الضَّرِيرُ من النّاس والدّوابّ: (الصَّبُورُ) على كلّ شيْءٍ.
( {والاضْطِرَارُ: الاحْتِيَاجُ إِلى الشَّيْءِ) .
(و) قد (} اضطَرَّهُ إِليْهِ) أَمْرٌ: (أَحْوَجَه وأَلْجَأَه، {فاضطُرَّ، بضَمّ الطّاءِ) ، بِنَاؤُه افتعل، جُعِلَت التّاءُ طاءً؛ لأَنّ التاءَ لم يَحْسُن لَفْظُه مَعَ الضَّاد.
(والاسمُ: الضَّرَّةُ) ، بالفَتْحِ، قَالَ دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ:
وتُخْرِجُ مِنْهُ} ضَرَّةُ القَوْمِ مَصْدَقاً
وطُولُ السُّرَى دُرِّيَّ عَضْبٍ مُهَنَّدِ
أَي تَلأْلُؤ عَضْبٍ.
وَفِي حَدِيث عليّ رَضِي الله عَنهُ رَفعه: (أَنّه نَهَى عَن بَيْعِ {المُضْطَرِّ) . قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: وهاذا يكون من وَجْهَيْن: أَحدُهما: أَن يُضْطَرّ إِلى العَقْدِ من طريقِ الإِكراهِ عَلَيْهِ، قَالَ: وهاذا بَيْعٌ فاسدٌ لَا يَنْعَقِد. وَالثَّانِي: أَنْ} يُضْطَرَّ إِلى البَيْع لدَيْنٍ رَكِبَه، أَو مَؤُونةٍ تُرْهِقُه، فيَبِيع مَا فِي يَده بالوَكْسِ {للضَّرُورَةِ، وهاذا سبيلُه فِي حقّ الدِّينِ والمُرُوءَةِ أَن لَا يُبَايَع على هاذا الوَجْه، ولاكن يُعان ويُقْرَض إِلى المَيْسَرَة، أَو تُشْتَرَى سِلْعَتَه بقيمَتِها، فإِنْ عُقِدَ البيعُ مَعَ} الضّرورةِ على هَذَا الْوَجْه صَحَّ وَلم يُفْسَخ مَعَ كَراهةِ أَهْلِ العِلْمِ لَهُ، ومعنَى البَيْعِ هُنَا الشّراءُ أَو المُبَايَعَةُ أَو قَبولُ البيعِ، انْتهى.
وقولُه عزّ وجلّ: {فَمَنِ {اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} (الْبَقَرَة: 45) ، أَي فَمن أُلْجِىءَ إِلى أَكْلِ المَيْتَةِ، وَمَا حُرِّم، وضُيِّقَ عَلَيْهِ الأَمرُ بالجُوعِ، وأَصلُه من} الضَّرَرِ، وَهُوَ الضِّيقُ.
( {والضَّرُورَةُ: الحَاجَةُ) ، ويُجْمَع على} الضَّرُوراتِ، ( {كالضّارُورَةِ،} والضّارُورِ، {والضّارُوراءِ) ، الأَخِيرانِ نقلهُما الصّاغانيّ، وأَنشد فِي اللّسَان على} الضّارُورَةِ:
أَثِيبِي أَخَا {ضَارُورَةٍ أَصْفَقَ العِدَا
عليهِ وقَلَّتْ فِي الصَّدِيقِ أَواصِرُهْ
وَقَالَ اللَّيْث:} الضَّرُورَةُ: اسمٌ لمصدرِ {الاضْطِرارِ، تَقول: حَمَلَتْنِي} الضَّرُورَةُ على كَذَا وَكَذَا.
قلت: فعلَى هاذا، الضَّرُورَةُ {والضَّرَّةُ: كِلَاهُمَا اسمانِ، فَكَانَ الأَوْلَى أَن يَقُول المُصَنّف:} كالضَّرّةِ {والضَّرُورَة، ثمّ يَقُول: وَهِي أَيضاً الحاجةُ، الخ، كَمَا لَا يَخْفَى.
وَفِي حَدِيث سَمُرَةَ: (يُجْزِىءُ من} الضّارُورَةِ صَبُوحٌ أَو غَبُوقٌ) أَي إِنّمَا يَحِلُّ {للمُضْطَرِّ من المَيْتَةِ أَنْ يأْكلَ مِنْهَا مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ غَداءً أَو عشَاء، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَجْمعَ بَينهمَا.
(} والضَّرَرُ) ، محركةً: (الضِّيقُ) ، يُقَال: مَكَان ذُو ضَرَرٍ، أَي ذُو ضِيق.
(و) {الضَّرَرُ أَيضاً: (الضَّيِّقُ) ، يُقَال: مكانٌ ضَرَرٌ، أَي ضَيِّقٌ.
(و) الضَّرَرُ: (شَفَا الكَهْفِ) ، أَي حَرْفُه.
(} والمُضِرُّ: الدّانِي) من الشيْءِ، قَالَ الأَخْطَل:
ظَلَّتْ ظِبَاءُ بنِي البَكّاءِ رَاتِعَةً
حتّى اقْتُنِصْنَ على بُعْدٍ! وإِضْرَارِ وَفِي حَدِيث مُعاذ: (أَنّه كاني صَلّي {فأَضَرَّ بهِ غُصْنٌ، فمَدّ يَدَه فكَسَرَه) أَي دَنَا مِنْهُ دُنُوّاً شَدِيداً فآذاه.
} وأَضَرَّ بالطَّرِيقِ: دنَا مِنْهُ وَلم يُخَالِطْه.
( {وأَضَرَّ السَّيْلُ من الحَائِطِ، والسَّحابُ إِلى الأَرْضِ) ، إِذا (دَنَيَا) ، سَيْلٌ} مُضِرٌّ، وسَحابٌ {مُضِرٌّ، وكلّ مَا دَنَا دُنُوّاً} مُضِرّاً فقد {أَضَرّ.
(و) رُوِيَ عَن النّبيّ صلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: (أَنه قِيل لَهُ: أَنَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَة؟ فَقَالَ:} أَتُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي غيرِ سَحاب؟ قَالُوا: لَا. قَالَ:: {فإِنَّكُم3 لَا {تُضَارّون فِي رُؤْيَته} ) ، تبَارك وَتَعَالَى، قَالَ أَبو مَنْصُور: رُوِيَ هَذَا الحَرفُ بِالتَّشْدِيدِ، من} الضُّرِّ، أَي لَا يَضُرّ بعضُكُم بَعْضًا، ورُوِي تُضَارُون بِالتَّخْفِيفِ من الضَّيْرِ، وَالْمعْنَى وَاحِد.
قَالَ الجوهريّ: وبعضُهم يَقُول: لَا {تَضَارُّونَ، بِفَتْح التاءِ، أَي لَا تَضَامُّونَ، ويروى: (لَا تَضَامُّونَ) فِي رُؤْيَته (تَضامّاً يَدْنُو بعضُكُم من بَعْضٍ) فيُزاحِمُه، وَيَقُول لَهُ: أَرِنِيهِ، كَمَا يَفْعَلُون عِنْد النَّظَرِ إِلى الهِلالِ، ولاكن ينفرُ كلُّ مِنْهُم برُؤْيَتِه.
ويروى: لَا تُضَامُونَ، بالتَّخْفِيف، وَمَعْنَاهُ: لَا يَنَالُكُم ضَيْمٌ فِي رُؤْيته، أَي تَرَوْنَه حتَّى تَسْتَوُوا فِي الرُّؤْيَةِ، فَلَا يضِيمُ بعضُكُم بَعْضًا.
(أَو من} ضَارَّهُ {ضِرَاراً} ومُضَارَّةً، إِذا خالَفَه) ، قَالَ نابغةُ بني جَعْدَةَ:
وخَصْمَيْ! ضِرَارٍ ذَوَا تُدْرَإِ
مَتَى يأْتِ سِلْمُهما يَشْغَبَا
أَي لَا تَتَنازَعُون وَلَا تَخْــتَلِفُون وَلَا تَتَجَادَلُون فِي صِحَّةِ النَّظرِ إِليه لوُضوحِه وظُهُورِه.
قَالَه الزَّجّاجُ: قَالَ الأَزْهَرِيّ: ومعنَى هاذِه الأَلفَاظِ وإِن اخْتَلَفَتْ متقاربةٌ، وكلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يَدْفَعُ لَفْظٌ مِنْهَا لَفظاً، وَهُوَ من صِحَاح أَخبارِ سَيِّدنا رسولِ الله صلّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وسلّم وغُرَرِهَا، وَلَا يُنكِرُها إِلاّ مُبْتَدِعٌ صاحِبُ هَوًى.
(و) يُقَال: (رجلٌ {ضِرُّ} أَضْرارٍ) ، بِالْكَسْرِ، أَي شديدُ أَشِدّاءَ، وكذالك صِلُّ أَصْلالٍ، وضِلُّ أَضْلالٍ: (داهِيَةٌ فِي رَأْيِه) ، قَالَ أَبو خِرَاشٍ:
والقَوْمُ أَعْلَمُ لَو قُرْطٌ أُرِيدَ بِها
لَكَانَ عُرْوَةُ فِيهَا ضِرَّ أَضْرارِ
أَي لَا يستنقذه ببَأْسِه وحِيَلِه. وعُروةُ أَخو أَبِي خِراشٍ.
( {والضَّرّتانِ: الأَلْيَةُ من جانِبَيْ عَظْمِها) ، وهما الشَّحْمَتَان، وَفِي الْمُحكم: اللَّحْمَتَان اللَّتَانِ تَنْهَدِلاَنِ مِنْ جَانِبَيْها.
(و) } الضَّرَّتانِ: (زَوْجَتاكَ، وكلّ) واحدةٍ مِنْهُمَا ( {ضَرَّةٌ للأُخْرَى، وهُنَّ ضَرائِرُ) ، نادِرٌ، قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِف قُدُوراً:
لَهُنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأَنَّهَا
} ضَرَائِرُ حِرْمِيّ تَفَاحَشَ غارُهَا
(والاسمُ الضِّرُّ، بِالْكَسْرِ، و) يُقَال: (تَزَوَّجَ على {ضِرٍّ} وضُرٍّ) ، بِالْكَسْرِ والضّمّ، حَكَاهُمَا أَبو عبد الله الطُّوالُ (أَي {مُضَارَّةٍ بَين امرأَتَيْنِ أَو ثَلاثٍ) .
وحَكَى كُراع: تَزوّجتُ المَرْأَةَ على} ضِرٌّ كُنّ لَهَا، فإِذا كَانَ كذالك فَهُوَ مَصْدَرٌ على طَرْح الزَّائِد، أَو جَمْعٌ لَا واحدَ لَهُ.
(و) {الإِضْرارُ: التَّزْوِيجُ على} ضَرَّةٍ، وَفِي الصّحاح: أَن يَتَزَوَّجَ الرجلُ على ضَرَّةٍ، وَمِنْه قيل: (رَجُلٌ {مُضِرٌّ، وامرأَةٌ} مُضِرٌّ! ومُضِرَّةٌ) . فرَجلٌ {مُضِرٌّ، إِذا كَانَ لَهُ} ضَرائِرُ، وامرأَةٌ مُضِرٌّ، إِذا كَانَ لَهَا {ضَرَّةٌ، وسُمِّيَتَا} ضَرَّتَيْن لأَنّ كلَّ واحدةٍ منهُمَا {تُضَارُّ صاحبَتَها، وكُرِهَ فِي الإِسْلاَم أَن يُقَال لَهَا:} ضَرَّةٌ، وَقيل: جَارَةٌ، كذالك جاءَ فِي الحَدِيث.
( {والضَّرَّةُ) ، بِالْفَتْح: (شِدَّةُ الحالِ، والأَذِيَّةُ) ، نَقله الصاغانيّ، وَهُوَ قولُ أَبي الهَيْثَمِ، قَالَ: فَعْلَةٌ من الضَّرّ.
(و) } الضَّرَّةُ: (الخِلْفُ) ، قَالَ طَرَفَةُ يَصف نَعْجَةً:
مِنَ الزَّمِرَات أَسْبَلَ قَادِمَاهَا
{وضَرَّتُهَا مُرَكَّنَةٌ دَرُورُ
(و) قيل:} الضَّرَّةُ: (أَصْلُ الثَّدْيِ) .
(و) {الضَّرّةُ أَيضاً: (اللَّحْمَةُ) الّتي (تَحْتَ الإِبْهَامِ) ، وَقيل: أَصلُهَا.
(أَو) هِيَ (باطِنُ الكَفِّ) حِيَالَ الخِنْصَرِ تُقَابِل الأَلْيَةَ فِي الكَفِّ.
(و) قيل:} الضَّرَّةُ: لَحْمُ الضَّرْعِ، والضَّرْعُ يُذَكّر ويُؤَنَّث، يُقَال: {ضَرَّةٌ شَكْرَى، أَي مَلأَى من اللَّبَنِ.
وَقيل:} الضَّرَّةُ: أَصْل الضَّرْع الَّذِي لَا يَخْلُو من اللَّبَنِ، أَو لَا يَكاد يَخْلُو مِنْهُ.
وَقيل: هِيَ (الضَّرْعُ كُلُّه) مَا خلا الأَطْباءَ، وَلَا يُسمَّى بذالك إِلاّ أَن يكونَ فِيهِ لَبَنٌ.
(و) {الضَّرَّةُ: (مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الوَطْءُ من لَحْمِ باطِنِ القَدَمِ ممّا يَلِي الإِبْهَامَ، ج) ذالك كلّه (} ضَرائِرُ) ، وَهُوَ جَمْعٌ نَادِر، وأَنشد ثَعْلَب:
وصارَ أَمْثَالَ الغَفَا {- ضَرَائِرِي
إِنما عَنَى} بالضَّرَائِرِ أَحَدَ هاذِه الأَشْيَاءِ المتقدِّمَةِ.
(و) {الضَّرَّةُ: (المالُ تَعْتَمِدُ عليهِ وَهُوَ لغَيْرِك) من الأَقَارِب.
(و) يُقَال: عَلَيْهِ} ضَرَّتانِ من ضَأْنٍ ومَعْزٍ.! الضَّرَّةُ: (القِطْعَةُ من المَال والإِبِلِ والغَنَمِ) .
وَقيل: هُوَ الكَثِيرُ من الماشِيَةِ خاصّةً دون العَيْنِ. ورَجلٌ {مُضِرٌّ: لَهُ} ضَرَّةٌ من مالٍ، وَقَالَ الجَوْهَرِيّ: {المُضِرّ: الَّذِي يَرُوحُ عَلَيْهِ} ضَرَّةٌ من المالِ، قَالَ الأَشْعَرُ الرَّقبَان الأَسَدِيّ جاهليّ، يهجو ابنَ عمّه رِضْوان:
بحَسْبِكَ فِي القَوْمِ أَن يَعْلَمُوا
بأَنَّكَ فيهمْ غَنِيٌّ {مُضِرّ
(} وأَضَرَّ) : يَعْدُو: (أَسْرَعَ) ، وَقيل: أَسرعَ بعضَ الإِسراعِ، هاذه حِكَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ الطُّوسِيّ: وَقد غَلِطَ، إِنّمَا هُوَ أَصَرَّ، بالصَّاد، وَقد تقدّمت الإِشارَةُ إِليه.
(و) {أَضَرَّهُ (على الأَمرِ: أَكْرَهَهُ) ، نَقله الصاغانيّ.
(} والمِضْرَارُ من النِّسَاءِ والإِبِلِ والخَيْلِ: الَّتِي تَنِدُّ وتَرْكَبُ شِدْقَهَا من النّشَاطِ) ، عَن ابنِ الأَعرابِيّ، وأَنشد:
إِذْ أَنْتَ {مِضْرَارٌ جَوَادُ الحُضْرِ
أَغْلَظُ شَيْءٍ جانِبا بقُطْرِ
(} وضُرٌّ، بالضَّمّ: ماءٌ) مَعْرُوف، قَالَ أَبو خِرَاشٍ:
نُسَابِقُهُمْ على رَصَفٍ وضُرَ
كدَابِغَةٍ وقدْ نَغِلَ الأَدِيمُ
( {وضِرَارٌ، ككِتَابٍ: ابنُ الأَزْوَرِ) ، وَاسم الأَزْورِ مالكُ بنُ أَوْسٍ الأَسَدِيّ، كَانَ بطلاً شَاعِرًا، لَهُ وِفادَةٌ، وَهُوَ الَّذِي قَتلَ مالِكَ بن نُوَيْرَة بأَمْرِ خالدِ بنِ الْوَلِيد، وأَبْلَى يَوْمَ اليَمَامَةِ بَلاءً عَظِيما، حَتَّى قُطِعَت ساقاه، فجعَل يحبو ويُقاتِل، وتَطَؤُه الخيلُ حَتَّى مَاتَ، قَالَه الواقِدِيّ، وَقيل: قُتِل بأَجْنَادِين، وَقيل: تُوفِّيَ بِالْكُوفَةِ زَمَنَ عمر، وَقيل: شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْق، ثمَّ نَزلَ حَرّانَ، لَهُ روايَة قَليلَة، قلت: ومشْهَدُه الْآن بحَلَبَ مَشْهُور، ذَكَرَه النّجم الغَزّيّ.
(و) } ضِرَارُ (بنُ الخَطّابِ) بنِ مِرْدَاس القُرَشِيّ الفِهْرِيّ، أَحدُ الأَشْرافِ والشُّعَرَاءِ المَعْدُودِينَ، والأَبطال المَذْكُورِين، وَمن مُسْلِمَةِ الفَتْحِ، وَقَالَ الزُّبَيْر: ضِرَارٌ رَئِيسُ بني فِهْر، وَقيل: شَهِدَ فُتُوحَ الشّام.
(و) ضِرَارُ (بنُ القَعْقَاعِ) : أَخو عَوْف، لَهُ وِفَادَةٌ، حديثُهُ عِنْد ابْن ابنِه زَيْد بن بِسْطَام.
(و) ضِرَارُ (بنُ مُقَرِّن) المُزَنِيّ، كَانَ مَعَ خالِدٍ لمّا فَتَح الحِيرَة، وَهُوَ عاشِرُ عَشْرة إِخْوَةٍ.
(صحابِيُّون) رَضِي الله عَنْهُم أَجمعين.
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
النّافِعُ {الضّارُّ، من أَسمائه تعالَى الحُسْنَى، وَهُوَ الَّذِي يَنفَعُ مَن يَشاءُ من خَلْقِه،} ويَضُرّه، حَيْثُ هُوَ خالقُ الأَشياءِ كلِّهَا خَيْرِهَا وشَرِّها ونَفْعِهَا {وضَرِّهَا.
} والضُّرُّ بالضّمّ: الهُزَالُ، وَهُوَ مَجاز، وَبِه فسّر بعضٌ قولَه: {أَنّى مَسَّنِىَ {الضُّرُّ} (الْأَنْبِيَاء: 83) .
} والمَضَرَّةُ: خِلافُ المَنْفَعَةِ.
{والضّرّاءُ: السَّنَةُ.
} والضَّرَّةُ {والضَّرَارَةُ} والضَّرَرُ: وَهُوَ النُّقْصان.
{والضَّرَرُ: الزَّمَانَةُ، وَبِه فُسِّر قولُه تَعَالَى: {غَيْرُ أُوْلِى} الضَّرَرِ} (النِّسَاء: 95) ، أَي غيرُ أُولِي الزَّمَانَةِ. وَقَالَ ابنُ عَرَفَة: أَي غيرُ مَنْ بِهِ عِلّةٌ {تَضُرُّه وتَقْطَعُه عَن الجِهَادِ. وَهِي} الضَّرارَةُ أَيضاً، يُقَال: ذالك فِي البَصَرِ وَغَيره.
{والضُّرُّ: بالضَّمّ حالُ} الضَّرِيرِ، نقلَه الصّاغانيّ.
{والضَّرائِرُ: المَحَاوِيجُ، وقَوْلُ الأَخْطَلِ:
لِكُلِّ قَرَارَةٍ مِنْهَا وفَجَ
أَضَاةٌ ماؤُهَا} ضَرَرٌ يَمُورُ
قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: ماؤُهَا ضَرَرٌ، أَي ماءٌ نَمِيرٌ فِي ضِيقٍ، وأَراد أَنّه غَزِيرٌ كثيرٌ فمَجارِيه تَضِيقُ بِهِ وإِن اتَّسَعَتْ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيّ، فِي قَول الشّاعر:
بمُنْسَحَّةِ الآباطِ طَاحَ انْتقَالُهَا
بأَطْرَافِها والعِيسُ بَاقٍ {ضَرِيرُهَا
قَالَ: ضَرِيرُهَا: شِدَّتُها، حَكَاهُ الباهِلِيّ عَنهُ.
وَقَول مُلَيْح الهُذَلِيّ:
وإِنّي لأَقْرِي الهَمَّ حتّى يَسُوءَنِي
بُعَيْدَ الكَرَى مِنْه} ضَرِيرٌ مُحَافِلُ
أَراد: مُلازمٌ شدِيدٌ.
وَقَالَ الفَرّاءُ: سَمِعْتُ أَبا ثَرْوَانَ يَقُول: مَا {يَضُرُّكَ عَلَيْهَا جارِيَةً، أَي مَا يَزِيدُكَ. قَالَ: وَقَالَ الكِسَائِيّ: سَمِعْتُهم يَقُولُونَ: مَا يَضُرُّكَ على الضَّبِّ صَبْراً، وَمَا يَضِيرُكَ، أَي مَا يَزِيدُك.
وَقَالَ ابْن الأَعرابيّ: مَا يَزِيدُكَ عَلَيْهِ شَيْئاً، وَمَا يَضُرُّكَ عَلَيْهِ شَيْئاً، واحِدٌ.
وَقَالَ ابنُ السِّكِّيتِ فِي أَبواب النَّفْيِ يُقَال: لَا يَضُرُّكَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، أَي لَا تَجِدُ رَجُلاً يَزِيدُك على مَا عندَ هاذا الرَّجلِ من الكِفَايَة.
وَلَا يَضُرُّكَ عَلَيْهِ حَمْلٌ، أَي لَا يَزِيدُك.
قلْت: وأَوردَه الزّمَخْشَرِيّ فِي المَجَاز.
وَيُقَال: هُوَ فِي} ضَرَرِ خَيْرٍ، وإِنّه لفي طَلَفَةِ خَيْر وضَفَّةِ خَيْرٍ، وَفِي طَثْرَةِ خَيْر، وصَفْوَةٍ من العَيْشِ.
{والضَّرائِرُ: الأُمورُ المُخْتَلِفَة، على التَّشْبِيهِ بضَرَائِرِ النّساءِ لَا يَتَّفِقْنَ، الوَاحِدة} ضَرَّةٌ، وَمِنْه حَديث عَمْرِو بنِ مُرَّةَ: (عِنْد اعْتِكارِ {الضَّرائِرِ) .
} والضَّرَّتان: حَجَرَا الرَّحَى، وَفِي المُحْكَم: الرَّحَيانِ.
وناقَةٌ ذَاتُ {ضَرِيرٍ:} مُضِرَّةٌ بالإِبِلِ فِي شِدَّة سَيْرِهَا، وَبِه فُسِّر قولُ أُمَيَّة بنِ عائِذَ الهُذَلِيّ:
تُبَارِي ضَرِيسَ أُولاَتِ {الضَّرِيرِ
وتَقْدُمُهُنّ عَنُوداً عَنُونَا
} وأَضَرَّ عَلَيْهِ: أَلَحَّ.
{وأَضَرَّ الفَرَسُ على فَأْسِ اللِّجَامِ: أَزَمَ عَلَيْهِ، مثْل أَضَزَّ، بالزاي، وَهُوَ مجَاز.
وأَضَرَّ فلانٌ على السيرِ الشَّدِيدِ، أَي صَبَرَ.
ومحمّدُ بنُ بِشْرٍ} - الضِّرَارِيّ، عَن أَبَانِ بنِ عبدِ اللَّهِ البَجَليّ، وَعنهُ عبدُ الجَبَّار بن كَثيرٍ التَّمِيمِيّ.
وأَبو صَالح محمّدُ بنُ إِسماعيلَ الضِّرَارِيّ، عَن عبد الرزّاق.
ومُعَاذَةُ بنتُ عبدِ اللَّهِ بنِ {الضُّرَيْرِ، كزُبَيْر: الَّتِي كَانَ ابنُ سَلُولٍ يُكْرِهُها على البِغَاءِ، فَنزلت الْآيَة، قَالَه الْحَافِظ.
} وضِرَارُ بنُ عِمْرَانَ البُرْجُمِيّ، وضِرَارُ بنُ مُسْلِمٍ البَاهِلِيّ: تابِعيّانِ.
وأَبُو مُعَاوِيَةَ! الضَّرِير: هُوَ محمّدُ بنُ حازِمٍ التَّمِيمِيّ، عَن الأَعْمَشِ، حافظٌ مُتْقِنٌ.

خَلف

خَلف
) خَلْفُ، كَمَا فِي المُحْكَمِ، والصِّحاحِ، والعُبَابِ، أَو الْخَلْفُ بالَّلامِ، كَمَا هُوَ نَصُّ اللَّيْثِ: نَقِيضُ قُدّامَ، مُؤَنَّثَةً، تكونُ اسْماً وظَرْفاً. الخَلْفُ: الْقَرْنُ بَعْدَ الْقَرْنِ، وَمِنْه قولُهُمْ: هؤلاءِ خَلْفُ سُوْءٍ. لِنَاسٍ لاَحِقِينَ بنَاسٍ أكْثَرَ منهمِ، قَالَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لِلَبيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
(ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ)
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَقِينَا فِي خَلْفِ سَوْءٍ: أَي بَقِيَّةِ سَوْءٍ، وَبِذَلِك فُسِّرَ قَوْلُه تعالَى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، أَي: بَقِيَّةٌ. قَالَ ابنُ السِّكِّيتِ: الخَلْفُ: الرَّدِئُ مِن الْقَوْلِ، ويُقَالُ فِي مَثَلٍ: سَكَتَ أَلْفاً، ونَطَقَ خَلْفاً أَي: سَكَتَ عَن أَلْفِ كَلِمَةٍ، ثمَّ تكلَّم بخَطَإٍ، قَالَ: وحَدَّثَنِي ابنُ الأَعْرَابِيِّ، قَالَ: كَانَ أَعْرَابِيٌّ مَعَ قَوْمٍ فَحَبَقَ حَبْقَةً، فتَشَوَّرَ، فأَشَارَ بِإِبْهَامِهِ نَحْوَ اسْتِهِ، وَقَالَ: إِنًّهَا خَلْفٌ نَطَقَتْ خَلْفاً، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، والصَّاغَانِيُّ. الخَلْفُ: الاٍ سْتِقَاءُ، قَالَ الحُطَيْئَةُ:
(لِزُغْبِ كَأوْلادِ الْقَطَا راثَ خَلْفُهَا ... علَى عَاجِزاتِ النَّهْضِ حُمْرٍ حَوَاصِلُهْ)
قَالَ الجَوْهَرِيُّ: يَعْنِي رَاثَ مُخْلِفُها، فوضَع المَصْدَرَ مَوْضِعَهُ. الخَلْفُ: حَدُّ الْفَأْسِ، أَو رَأْسَهُ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ، وصَوَابُه: أَو رَأْسُهَا، كَمَا هُوَ نَصُّ المُحْكَمِ، لأَنَّ الفَأْسِ مُؤَنَّثَةٌ. مِن المَجَازِ: الخَلْفُ مِن الناسِ: مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، يُقَال: جَاءَ خَلْفٌ مِن الناسِ، ومَضَى خَلْفٌ مِن الناسِ، وجاءَ خَلْفٌ لَا خَيْرَ فِيهِ، قَالَهُ أَبو الدُّقَيْشِ، ونَصُّ ابنُ بَرِّيّ: ويُسْتَعَارُ الخَلْفُ لِما خَيْرَ فِيهِ. الخَلْفُ: الَّذِينَ ذَهَبُوا مِن الْحَيِّ يَسْتَقُونَ، وخَلَّفُوا أَثْقَالَهُم، كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، ومَن حَضَرَ مِنْهُمْ، ضِدٌّ، وهُمْ خُلُوفٌ، أَي: حُضُورٌ وغُيَّبٌ، وَمِنْه الحديثُ: أَنَّ اليَهُودَ قالتْ: لقد عَلِمْنَا أَنّ َ مُحَمَّدًا لم يَتْرُكْ أَهْلَهُ خُلُوفاً أَي: لم يَتْرُكْهم سُدَىً، لاَ رَاعِيَ لَهُنَّ، وَلَا حَامِيَ، يُقَال: حَيٌّ خُلُوفٌ: إِذا غابَ الرِّجَالُ، وأَقَامَ النِّسَاءُ، ويُطْلَقُ على المُقِيمِينَ والظَّاعِنِينُ، قَالَهُ الجَوْهَرِيُّ، وابنُ الأَثِيرِ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ، لأَبِي زُبَيْدٍ:
(أًصْبَحَ الْبَيْتُ بَيْتُ آلِ بَيَانٍ ... مُقْشَعِرّاً والْحَيُّ حيٌّ خُلُوفُ)
أَي: لم يَبْقَ مِنْهُم أَحَدٌ. قَالَ ابنُ بَرِّيّ، والصَّاغَانِيُّ: صَوَابُه آلِ إِيَاسٍ وَهُوَ الرِّوايَةُ لأَنَّه يَرْثِي فَرْوَةَ بنَ إِياسِ بنِ قَبِيصَةَ. الخَلْفُ: الْفَأْسُ الْعَظِيمَةُ، أَو هِيَ الَّتِي بِرَأْسٍ وَاحِدٍ، نَقَلَهُ ابنُ سِيدَه، وَفِي الصِّحاح: فأْسٌ ذاتُ خَلْفَيْنِ، أَي: لَهَا رَأْسَانِ. الخَلْفُ أَيضاً: رَأْسُ الْمُوسَي، والمِنْقَارُ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ الخَشَبُ. الخَلْفُ: النَّسْلُ. الخَلْفُ أَقْصَرُ أَضْلاعِ الْجَنْبِ ويُقَال لَهُ: ضِلَعُ الخَلْفِ، وَهُوَ) أَقْصَى الأَضْلاعِ وأَرَقُّهَا، وتَكْسَرُ الخاءُ. أَي: جَمْعُ الكُلِّ: خُلُوفٌ بالضَّمِّ. الخَلْفُ: الْمِرْبَدُ، أَو الَّذِي وَرَاءَ الْبَيْتِ، وَهُوَ مَحْبِسُ الإِبِلِ، يُقال: وَرَاءَ بَيْتِكَ خَلْفٌ جَيِّدٌ، قَالَ الشاعِرُ:
(وجِيئآ مِنَ الْبَابِ الْمُجَافِ تَوَاتُراً د ... وَلَا تَقْعُدُا بِالْخَلْفِ فَالْخَلْفُ وَاسِعُ)
الخَلْفُ: الظَّهْرُ بِعَيْنِه، عَن ابنِ الأَعْرَابِيِّ، وَمِنْه الحديثُ: لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ بَنَيْتُهَا علَى أًسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، وجَعَلْتُ لَهَا خَلْفَيْنِ، فإِنَّ قُرَيْشَاً اسْتَقْصَرَتْ مِن بِنَائِها كأَنَّه أَرادَ أَن يَجْعَلَ لَهَا بَابَيْنِ، والجِهَةُ الَّتِي تُقَابِلُ البابَ مِن البَيْتِ ظَهْرُه، وإِذا كانَ لَهَا بَابَانِ صارَ لَهَا ظَهْرَانِ الخَلْفُ: الْخَلَقُ مِن الْوِطَابِ، عَن ابنِ عَبَّادٍ. ولَبِثَ خَلْفَهُ أَي: بَعْدَهُ، وَبِه قُرِئَ قَوْلَهُ تعالَى: وَإِذاً لاَ يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً، أَي: بَعْدَكَ، وَهِي قراءَةُ أَبي جَعْفَرٍ، ونَافِعٍ، وابنِ كَثِيرٍ، وأَبي عمرٍ و، وأَبي بكرٍ، والبَاقُونَ: خِلاَفَكَ، وقَرَأَ وَرْشٌ بالوَجْهَيْنِ. الخِلْفُ بِالْكَسْرِ: الْمُخْتَلِفُ، كالْخِلْفَةِ، قَالَ الكِسَائِيُّ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْئَيْنِ اخْتَلَفَا: هما خِلْفَانِ، وخِلْفَتَانِ، قَالَ: دَلْوَايَ خِلْفَانِ وسَاقِيَاهمَا أَي إِحْدَاهُمَا مُصْعِدَةٌ، والأُخْرَى فَارِغَةٌ مُنْحَدِرَةٌ، أَو إِحْدَاهُمَا جَدِيدٌ، والأُخْرَى خَلَقٌ. الخِلْفُ أَيضاً: اللَّجُوجُ مِن الرِّجَالِ، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الخِلْفُ: الاسْمُ مِن الإِخْلافِ، وَهُوَ الاسْتِقَاء، كالْخِلْفَةِ. والخَالِفُ: المُسْتَقِي. الخِلْفُ: مَاأَنْبَتَ الصَّيْفُ مِن الْعُشْبِ، كالخِلْفَةِ، كَمَا سيأْتِي. الخِلْفُ: مَا وَلِيَ الْبَطْنُ مِن صِغَارِ الأَضْلاَعَ، وَهِي قُصَيْراهَا وَقَالَ الجَوْهَرِيُّ: الخِلْفُ: أَقْصَرُ أَضْلاعِ الجَنْبِ، والجَمْعُ: خُلُوفٌ وَمِنْه قوْلُ طَرَفَةَ:
(وطَيُّ مَحَالٍ كَالْحَنِيِّ خُلُوفُهُ ... وأَجْرِنَةٌ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدٍ)
الخِلْفُ: حَلَمَةُ ضَرْعِ النّاقَةِ القَادِمَان والآخِران، كَمَا فِي الصِّحاحِ الخِلْفُ: طَرَفُهُ، أَي الضَّرْع، هُوَ الْمُؤَخَّرُ مِن الأَطْبَاءِ، وَقيل: هُوَ الضَّرْعُ نَفْسُهُ، كَمَا نَقَلَهُ اللَّيْثُ، أَو هُوَ لِلنَّاقَةِ كالضَّرْعِ لِلشَّاةِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخِلْفُ فِي الخُفِّ، والظِّلْفِ، والطُّبْيُّ فِي الحافِرِ، والظُّفُرِ، وجَمْعُ الخِلْفِ: أَخْلافٌ، وخُلُوفٌ، قَالَ:
(وأَحْتَمِلُ الأَوْقَ الثَّقِيلَ وأَمْتَرِي ... خُلُوفَ المَنَايَا حِينَ فَرَّ المُغَامِسُ)
وَوَلَدَتِ الشَّاةُ، وَفِي اللِّسَانِ: النَّاقَةُ خِلْفَيْنِ، أَي: وَلَدَتْ سَنَةً ذَكَراً، وسَنَةً أُنْثَى، وَمِنْه قَوْلُهُم: نِتَاجُ فُلانٍ خِلْفَةٌ، بِهَذَا المَعْنَى. وذَاتُ خِلْفَيْنِ، بكَسْرِ الخاءِ، ويُفْتَحُ: اسْمُ الْفَأْسِ إِذا كانتْ لَهَا رَأْسَانِ، وَقد تقدَّمَ، ج: ذَوَاتُ الْخِلْفَيْنِ. الخَلِفُ، كَكَتِفٍ: الْمَخَاضُ، وَهِي الْحَوَامِلُ مِن النُّوقِ، الْوَاحِدَةُ) بِهَاءٍ، كَمَا فِي الصِّحاحِ، وقِيل: جَمْعُها مَخَاضٌ، على غَيْرِ قِياسٍ، كَمَا قالُوا لِوَاحِدَةِ النِّسَاءِ: امْرَأَةٌ، قَالَ ابنُ بَرِّيّ: شَاهِدُه قَوْلُ الرّاجِزِ: مَالَكِ تَرْغِينَ وَلَا تَرْغُو الخَلِفْ وَقيل: هِيَ الَّتِي اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً بعدَ النِّتَاجِ، ثمَّ حُمِلَ عَلَيْهَا، فلَقِحَتْ، وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: إِذا اسْتَبانَ حَمْلُها فَهِيَ خَلِفَةٌ، حَتَّى تُعْشِرَ، ويَجْمَعُ خَلِفَةٌ أَيضاً علَى خَلِفَاتِ، وخَلاَئِف، وَقد خَلِفَتْ: إِذَا حَمَلَتْ وَفِي الحديثِ: ثَلاَثُ آيَاتٍ يَقْرَأُهُنَّ أَحَدُكُمْ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثِ خَلِفَاتٍ سِمَانٍ عِظامٍ.
الخَلَفُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْوَلَدُ الصَّالِحُ يَبْقَى بعدَ أَبِيهِ، فَإِذَا كَانَ الوَلَدُ فَاسِداً أُسْكِنَتْ الَّلامُ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرَّاجِزِ: إِنَّا وَجَدْنَا خَلَفاً بِئْسَ الْخَلَفْ عَبْداً إِذَا مَا نَاءَ بِالْحِمْلِ خَضَفْ وَقد تقدَّم إِنْشَادُه فِي خَ ض ف قَرِيبا، قَالَ ابنُ بَرِّيّ: أَنْشَدَهُوأَمَّا الخَلْفُ، سَاكِنُ الوَسَطِ، فَهُوَ الَّذِي يجِئُ بعدَ الأَوَّلِ بمَنْزِلَةِ القَرْنِ بعدَ القَرْنِ، والخَلْفُ: المُتَخَلِّفُ عَن الأَوَّلِ، هَالِكاً كَانَ أَو) حَيَّا، والخَلْفُ: الْبَاقِي بعدَ الهالكِ، والتَّابِعُ لَهُ، هُوَ فِي الأَصْلِ أَيضاً مِن خَلَفَ، يَخْلُفُ، خَلْفاً، سُمِّيَ بِهِ المُتَخَلِّفُ والْخَالِفُ، لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِِ، وجَمْعُهُ خُلُوفٌ، كقَرْنٍ وقُرُونٍ. قَالَ: وَيكون مَحْمُوداً ومَذْمُوماً، فشَاهِدُ المَحْمُودِ قَوْلُ حَسّانَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
(لَنَا الْقَدَمُ الأُولَى إِلَيْكَ وخَلْفُنَا ... لأِوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللهِ تَابِعُ)
فالخَلْفُ هُنَا: هُوَ التَّابِعُ لِمَنْ مَضَى، وَلَيْسَ مِن مَعْنَى الخَلْفُ هُنَا المُتَخَلِّفُونَ عَن الأَوَّلِينَ، أَي: البَاقُونَ، وَعَلِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: فخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، فسُمِّيَ بالمَصْدَرِ، فَهَذَا قَوْلُ ثَعْلَبٍ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وحكَى أَبوالحَسَنِ الأَخْفَشُ، فِي خَلْفَفِ صِدْقٍ، وخَلْفَفِ سَوْءٍ، التَّحْرِيكَ والإِسْكَانَ، فقالَ: والصَّحِيحُ قَوْلُ ثَعْلَبٍ أَنَّ الخَلَفَ يَجِيءُ بمَعْنَى البَدَلِ، والخِلاَفَةِ، والخَلْفُ يَجِيءُ بمعْنَى التَّخَلُّفِ عمَّن تقدَّم. قَالَ: وشَاهِدُ المَذْمُومِ قَوْلُ لَبِيدٍ: وبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ قَالَ: ويُسْتَعَارُ الخَلْفُ لِمَا لاخَيْرَ فِيهِ، وكِلاَهَمَا سُمِّيَ بالمَصْدَرِ، أَعْنِي المَحْمُودَ والمَذْمُومَ، فقد صارَ علَى هَذَا لِلفِعْلِ مَعْنَيَانِ، خَلَفْتُهُ، خَلَفاً: كنتُ بَعْدَه خَلَفاً مِنْهُ وبَدَلاً، وخَلَفْتُه، خَلْفاً جِئْتُ بَعْدَه، واسْمُ الفاعِلِ مِن الأَوَّلِ خَلِيفَةٌ، وخَلِيفٌ، ومِنَ الثَّانِ خَالِفَهٌ، وخَالِفٌ، قَالَ: وَقد صَحَّ الفَرْقُ بَيْنَهُمَا علَى مَا بَيَّنَّاه. الخَلَفُ، بالتَّحْرِيكِ: مَا اسْتَخَلَفْتَ مِن شَيءٍ، كَمَا فِي الصِّحاحِ، أَي اسْتَعْوَضْتَهُ واسْتَبْدَلْتَهُ، تَقول: أَعْطَاكَ اللهُ خَلَفاً مِمَّا ذَهَبَ لَك، وَلَا يُقَالُ: خَلْفاً، يُقَال: هُوَ مِن أَبِيهِ خَلَفٌ، أَي: بَدَلٌ، والبَدَلُ مِن كُلِّ شَئٍ خَلَفٌ مِنْهُ. وَفِي حديثٍ مَرْفُوعٍ: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ القَعْنَبِيُّ: سمعتُ رَجُلاً يُحَدِّثُ مالكَ بنَ أَنَسٍ بِهَذَا الحديثِ. قلتُ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحديثُ مِن طَرِيقِ خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحابةِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَقد خَرَّجْتُه فِي جُزْءٍ لَطِيفٍ، وبَيَّنَتُ طُرُقَهُ ورِوَاياتِهِ، فرَاجِعْهُ. قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: الخَلَفُ، بالتَحْرِيكِ، والسُّكُون: كُلُّ مَن يَجِيءُ بعدَ مَنْ مَضَى، إِلاّ أَنَّه بالتَّحْرِيكِ فِي الخَيرِ، وبِالتَّسْكِينِ فِي الشَّرِّ، يُقَال: خَلَفُ صِدْقٍ، وخَلْفُ سَوْءٍ، ومَعْنَاهما جَمِيعاً: القَرْنُ مِن النَّاسِ، قَالَ: والمُرَادُ فِي هَذَا الحديثِ المَفْتُوحُ، وَمن بالسَّكُونِ الحديثُ: سَيَكُونُ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ، وَفِي حديثِ ابنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ هِيَ جَمْعُ خَلْفٍ. الخَلَفُ: مَصْدَرُ الأَخْلَفِ، لِلأَعْسَرِ، قَالَ أَبو كَبِيرٍ الهُذَلِيُّ:
(زَقَبٌ يَظَلُّ الذِّئْبُ يَتْبَعُ ظِلَّهُ ... مِنْ ضِيق مَوْرِدِهِ اسْتِنَانَ الأَخْلَفِ)

الزَّقَبُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ، والاسْتِنَانُ: الجَرْيُ علَى جِهَةٍ واحِدَةٍ. قيل: الأَخْلَفُ: اسْمُ الأَحْوَلِ، وَقيل: اسْمٌ لِلْمُخَالِفِ الْعِسِرِ، الَّذِي كَأَنَّهُ يَمْشِي علَى شِقٍّ، وَفِي الصِّحاحِ، بَعِيرٌ أَخْلَفُ بَيِّنُخَلَفُ بنُ هِشَامٍ البَزَّار أَبو محمدٍ البَغْدَادِيُّ المُقْرِئُ، عَن مالكٍ، وشَرِيكٍ، وَعنهُ مُسْلِمٌ، وأَبو دَاوُدَ، مَاتَ سنة. خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبو عيسَى الوَاسِطِيُّ كُرْدُوس، عَن يَزِيدَ، ورَوْحٍ، وَعنهُ ابنُ مَاجَة. وأَما خَلَفُ بنُ محمّد الخَيّامُ البُخَارِيُّ، فإِنَّهُ مَشْهُورٌ، كَانَ فِي المائِةِ الرَّابِعَةِ، قَالَ أَبو يَعْلَى الخَلِيلِيُّ: خَلَطَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدَّا، رَوَى مُتَوناً لم تُعْرَفْ. خَلَفُ بنُ مَهْرَانَ العَدَوِيُّ البَصْرِيُّ، عَن عامرٍ الأَحْوَلِ، وَعنهُ حَرَمِيُّ بن عُمارَةَ: مُحَدِّثُونَ. وفَاتَهُ: خَلَفُ بنُ حَوْشَبٍ الكُوفِيُّ العابدُ. وأَبُو المُنْذِرِ خَلَفُ بنُ المُنْذِرِ البَصْرِيُّ. وخَلَفُ بنُ عُثْمَانَ الخُزَاعِيُّ هؤلاءِ الثلاثةُ ذَكَرَهم ابنُ حِبَّانَ فِي الثِّقاتِ. وخَلَفُ بنُ رَاشِدٍ، وخَلَفُ بنُ عبدِ اللهِ السَّعْدِيُّ، وخَلَفُ بنُ عَمْرو مَجَاهِيلُ. وخَلَفُ بنُ عامرٍ البَغْدَادِيُّ الضَّرِيرُ، وخَلَفُ بن المُبَارَكِ، وخَلَفُ بن يَحْيى الخُرَاسَانِيُّ، قَاضِي الرَّيِّ، قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ، وخَلَفُ بنُ ياسِين هؤلاءِ تُكُلِّمَ فيهم واخْتُلِفَ. ومحمدُ بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ، أَخْبَارِيٌّ لَيِّنٌ. وأَبُو خَلَفٍ: تَابِعِيَّانِ، أَحدُهما اسْمُه حَازِمُ بنُ عَطاءٍ الأَعْمَى البَصْرِيُّ، نَزِيلُ المَوْصِلِ، رَوَى عَن أنَسٍ، وَعنهُ مُعَانُ بنُ رِفَاعَةَ السّلامِيّ، قَالَهُ المِزِّيُّ، ونَقَلَ الذَّهَبِيُّ عَن يحيى أَنَّه كَذَّابٌ. وأَبُو خَلَفٍ: رجلٌ آخَرُ، رَوَى عَن)
الشَّعْبِيِّ، وآخَرُ رَوَى عَنهُ عِيسَى ابنُ يُونُسَ. وأَبو خَلَفٍ: مُوسَى بنُ خَلَفٍ العَمِّيُّ البَصْرِيُّ، رَوَى عَن قَتَادَةَ، وَعنهُ ابنُه خَلَفٌ. وخُلُفٌ، بِضَمَّتَيْنِ: ة، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابنُ عَبّادٍ: الأَخْلَفُ: الأَحْمَقُ. قيل: السَّيْلُ وَقَالَ السُّكَّرِيُّ فِي شرح الدِّيوَان: والأَخْلَفُ: بعضُهُم يَقُول: إِنَّه نَهْرٌ، أَي: فِي قَوْلِ أَبي كَبِيرٍ الهُذَلِيِّ الَّذِي سبَق ذِكْرُه. الأخْلَفُ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ، عَن ابنِ عَبَّادٍ. قَالَ: الأخْلَفُ: الْقَلِيلُ الْعَقْلِ كالخُلْفُفِ، بِالضَّمِّ، كَمَا سيأْتي، وَهُوَ خُلْفُفٌ، وخُلْفُفَةٌ. والْخُلْفُ، بِالضَّمِّ: الاسْمُ مِن الإِخْلاَفِ، وَهُوَ فِي المُسْتَقْبَلِ كالْكَذِبِ فِي الْمَاضِي نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ، والجَوْهَرِيُّ، يُقَال: أَخْلَفَهُ وَعْدَهُ، وَهُوَ أَن يقولَ شَيْئاً وَلَا يَفْعَلَهُ علَى الاسْتِقْبَالِ. قَالَ شَيْخُنا: وَهُوَ أَغْلَبِيٌّ، وإِلاّ فَفِي التَّنْزِيل: ذلكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، وَقيل أعَمّ، لأَنَّه فِيمَا عُبِّرَ عَنهُ بجُمْلَةٍ إِنْشَائِيَّةٍ، وَقيل: الخُلْفُ، بالضَّمِّ: القَوْلُ الباطلُ، ومَرَّ أَنَّه بالفَتْحِ، ولعلَّه ممَّا فِيهِ لُغَتَانِ. انْتهى.
والخَلْفُ الَّذِي مَرَّ أَنَّه بمَعْنَى القَوْلِ الرَّدِىءِ لم يَنْقُلُوا فِيهِ إِلاَّ الفتحَ فَقَط، وأَمّا الَّذِي بالضَّمِّ فَلَيْسَ إِلاَّ الاسْمَ مِن الإِخْلافِ، أَو المُخَالَفَةِ، واللَّغَةُ لَا يَدْخُلُها القِيَاسُ والتَّخْمِينُ. أَو هُوَ أَي: الإخْلافُ أَن لَا تَفِيَ بالعَهْدِ، وأَنْ تَعِدَ عِدَةً وَلَا تُنْجِزَهَا، قالَهُ اللِّحْيَانِيُّ، يُقَال: رَجُلٌ مُخْلِفٌ، أَي: كثيرُ الإِخْلافِ لِوَعْدِهِ، وَقيل: الإِخْلافُ: أَن يَطْلُبَ الرجلُ الحاجةَ أَو الماءَ، فَلَا يَجِدُ مَا طَلَبَ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والخُلْفُ: اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الإخْلافِ، قَالَ غيرُه: أَصْلُ الخُلْفِ: الخُلُفُ، بضَمَّتَيْنِ، ثمَّ خُفِّفَ، وَفِي الحديثِ: إِذا وَعَدَ أَخْلَفَ، أَي: لم يَفِ بعَهْدِهِ، وَلم يَصْدُقْ. الخُلْفُ أَيضاً: جَمْعُ الْخَلِيفِ، كأَمِيرٍ، فِي مَعَانِيهِ الَّتِي تُذْكَرُ بَعْدُ. وكَزُبَيْرٍ، خُلَيْفُ بنُ عُقْبَةَ، مِن تَبَعِ التَّابِعِينَ، يَرْوِي عَن ابنِ سِيرِين، وَعنهُ سُلَيْمَانُ الجَرْمِيُّ، وحَمَّادُ بن زَيْدٍ، قَالَهُ ابنُ حِبّضانَ.
والْخِلْفَةُ، بِالْكَسْرِ: الاسْمُ مِن الاخْتِلاَفِ، أَي خِلافُ الاتِّفَاقِ، أَو مَصْدَرُ الاخْتِلافِ أَي: التَّرَدُّدِ، وَمِنْه قَوْلُه تعالَى: وهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، أَيْ: هَذَا خَلَفٌ مِن هَذَا، أَي عِوَضٌ مِنْهُ وبَدَلٌ، أَو هَذَا يَأْتِي خَلْفَ هَذَا أَي فِي أَثَرِهِ، أَو مَعْنَاهُ، أَي معنَ قَوْلِهِ تَعَالى: خِلْفَةً: مَنْ فَاتَهُ أَمْرٌ، وَفِي اللِّسَانِ: عَمَلٌ بِاللَّيْلِ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، وبِالْعِكْسِ، فَجَعَلَ هَذَا خَلَفاً مِن هَذَا، قَالَهُ الفَرَّاءُ. والْخِلْفَةُ أَيضاً: الرُّقْعَةُ يُرْقَعُ بِهَا الثُّوْبُ إِذا بَلِيَ. الخِلْفَةُ: مَا يُنْبِتُهُ الصَّيْفُ مِن الْعُشْبِ بَعْدَمَا يَبِسَ العُشْبُ الرِّبْعِي، وَفِي الصِّحاحِ: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الخِلفَةُ: مَا نَبَتَ فِي الصَّيْفِ، قَالَ ذُوالرُّمَّةِ يصِفُ ثَوْراً:
(تَقَيَّظَ الرَّمْلَ حَتَّى هَزَّ خِلْفَتَهُ ... تَرَوُّحُ الْبَرْدِ مَافِي عَيْشِهِ رَتَبُ)

وزَرْعُ الْحُبُوبِ خِلْفَةً، وَذَلِكَ بعدَ إِدْرَاكِ الأَوَّلِ، لأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ مِنَ الْبُرِّ والشَّعِيرِ، والخِلْفَةُ: اخْتِلاَفُ الْوُحُوِش مُقْبِلَةً مُدْبِرَةً، وَبِه فُسِّرَ قَوْلُ زُهَيْرِ بنِ أَبي سُلْمَى، أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ: (بِهَا الْعَيْنُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ فِي كُلِّ مَجْثَمِ)
أَي: تَذْهَبُ هَذِه، وتَجِيءُ هَذِه. الخِلْفَةُ: مَاعُلِّقَ خَلْفَ الرَّاكِبِ، قَالَ: كماعُلِّقَتْ خِلْفَةُ الْمَحْمِلِ الخِلْفَةُ: الرَّيِّحَةُ، وَهُوَ مَايَتَفَطَّرُ عَنْهُ الشَّجَرُ فِي أَوَّلِ الْبَرْدِ، وَهُوَ من الصُّفْرِيَّةِ. أَو الخِلْفَةُ: ثَمَرٌ يَخْرُجُ بَعْدَ ثَمَرٍ كَثِيرٍ، وَقد أَخْلَفَ الثَّمَرُ: إِذا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بعدَ شَيْءٍ. أَو الخِلْفَةُ: نَبَاتُ وَرَقٍ دُونَ وَرَقٍ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ، والصَّوابُ: بعدَ وَرَقٍ قد تَنَاثَرَ، وَقد أَخْلَفَ الشَّجَرُ إِخْلافاً، وَفِي النِّهَايَةِ: هوالوَرَقُ الأَوَّلِ فِي الصَّيْفِ. وشَئٌ يَحْمِلُهُ الكَرْمُ بَعْدَمَا يَسْوَدُّ العِنَبُ، فَيُقْطَفُ العِنَبُ وَهُوَ غَضٌّ أَخْضَرُ، ثُمَّ يُدْرِكُ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِن سَائِرِ التَّمَرِ أَو أَنْ يَأْتِيَ الكَرْمُ بِحِصْرِمٍ جَدِيدٍ. الخِلْفَةُ: أَنْ يُنَاظِرُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِها: يُنَاصِرُ، من النَّصْرِ، وَهَكَذَا وُجِدَ بخَطِّ المُصَنِّفِ، والصَّوَابُ: أَن يُبَاصِرُ، مِن البَصَر، كَمَا هُوَ نَصُّ العُبَابِ، والجَمْهَرَةِ، فَإِذاغَابَ عَن أَهْلِهِ خَالَفَهُ إِلَيْهِمْ، يُقَال: يَخَالِفُ إِلَى امْرَأَةِ فُلانٍ، أَي: يَأْتِيها إِذا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، قَالَ ابنُ دُرَيْدٍ: قالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَال: اخْتَلَفَ فُلانٌ صَاحِبَهُ، والاسْمُ الخِلْفَةُ، بالكَسْرِ، وَذَلِكَ أَنْ يُبَاصِرَه، حَتّى إِذا غَابَ جَاءَ فدَخَلَ عَلَيْهِ، فَتلك الخِلْفَةُ. الخِلْفَةُ: الدَّوَابُّ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِي أَلْوَانِهَا، وهَيْئَتِهَا، وَبِه فُسِّرَ أَيَضاً قَوْلُ زُهَيْرٍ السَّابِقُ،مِخْلافٌ: كَثِيرُ الخِلاَفِ لِوَعْدِهِ. المِخْلاَفُ: الْكُورَةُ يُقْدِمُ عَلَيْهَا الإنْسَانُ، كَذَا فِي المُحْكَم، ومِنْهُ مَخَالِيفُ الْيَمَنِ أَي: كُوَرُهَا، وَفِي حديثِ مُعَاذٍ: مَنْ تَخلَّفَ مِنْ مِخْلاَفٍ إِلَى مِخْلاَفٍ فَعُشْرُهُ وصَدَقَتُهُ إِلَى مِخلافِه الأَوَّلِ، إِذا حَالَ عَلَيْه الْحَوْلُ. وقالأَبو عمرٍ و: ويُقالُ: اسْتُعْمِلَ فُلانٌ علَى مَخَالِيفِ الطَّائِفِ، وَهِي الأَطْرَافُ، والنَّوَاحِي، وَقَالَ خالدُ بنُ جَنْبَةً: فِي كُلِّ بَلَدٍ مِخْلاَفٌ، بمَكَّةَ، والمَدِينةِ، والبَصْرَةِ، والكُوفَةِ، وكَنَّا نَلْقَى بنِ نُمَيْرٍ وَنحن فِي مِخْلافِ المَدِينَةِ، وهم فِي مِخْلافِ اليَمَامَةِ، وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ: المِخْلاَفُ: البَنْكَرْدُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَال: فُلانٌ مِن مِخْلافِ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ عِنْدَ اليَمَنِ كَالرُّسْتَاقِ، والجَمْعُ: مَخَالِيفُ، وَقَالَ ابنُ بَرِّي: المَخَالِيفُ لأَهْلِ الْيَمْنِ كالأَجْنَادِ لأَهْلِ الشَّامِ، والكُوَرِ لأَهْلِ العِرَاقِ، والرَّسَاتِيق لأَهْلِ الْجِبَالِ، والطَّسَاسِيجِ لأَهْلِ الأَهْوَازِ. هَذَا مانَقَلَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ، قَالَ ياقُوتُ: تحتَ قَوْلِ خالِدِ بنِ جَنْبَةَ المُتَقَدِّمِ، قلتُ: وَهَذَا كَمَا ذكرْنا بالْعَادَةِ والإِلْفِ، إِذا)
انْتَقَلَ اليَمَانيُّ إِلَى هَذِه النَّوَاحِي سَمَّى الكُورَةَ بِمَا أَلِفَهُ مِنْ لُغَةِ قَوْمِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لُغَةُ أَهْلِ اليَمَنِ خَاصَّةً، وَقَالَ أَيضاً بعدَما نَقَلَ كلامَ اللَّيْثِ: ومَا عَدَاهُ كَمَا تقدَّم ذِكْرُه، قلتُ: هَذَا الَّذِي بَلَغْنِي فِيهِ، وَلم أَسْمَعْ فِي اشْتِقَاقِهِ شَيْئَاً، وَعِنْدِي فِيهِ مَا أَذْكُرُهُ، وَهُوَ أَنَّ وَلَدَ قَحْطَانَ لمَّا اتَّخَذُوا أَرْضَ اليَمَنِ مَسْكَناً، وكَثُرُوا فِيهِ، وَلم يَسَعْهُمْ المُقَامُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، أَجْمَعُوا رَأْيَهُمٍ عَلَى أَنْ يَسِيرُوا فِي نَوَاحِي الْيَمَنِ، فيَخْتَارُ كُلُّ بَنِي أَبٍ مَوْضِعاً يَعْمُرُونَهُ ويَسْكُنُونَه، فكانُواومِخْلاَفِ يَام، فهؤلاءِ أَربعونَ مِخْلافاً ذَكَرَهُنَّ الصَّاغَانِيُّ، ورَتَّبْتُه أَنا على حُرُوفِ المُعْجَمِ كَمَا تَرَى. وفَاتَهُ: ذِكْرُ جُمْلَةٍ مِن المَخَالِيفِ، كمِخْلافِ أَصابَ، ومخلاف رَيْمَةَ، ومِخْلاَفِ عَبْسٍ، ومِخْلاَفِ الحَيَّةِ، ومِخْلاَفِ السلفية، ومِخْلاَفِ كبورة، ومِخْلافِ يَعْفَرُ، وغَيْرِها ممَّا يَحْتَاجُ إِلَى مُرَاجَعَةٍ واسْتِقْصَاءٍ، واللهُ المُوَفِّقُ لَا رَبَّ غَيْرُه، وَلَا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُه. ورَجُلٌ خَالِفَةٌ: أَي كَثِيرُ الْخِلاَفِ، والشِّقَاقِ، وَبِه فُسِّرَ قَوْلُ الخَطَّابِ بنِ نُفَيْلٍ لَمَّا أَسْلَم ابنُه سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِنِّي لأَحْسَبُك خَالِفَةَ بَنِي عَدِىٍّ، هَل تَرَى أَحَداً يَصْنَعُ مِنْ قَوْمِكَ مَا تَصْنَعُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ الخَطَّابَ أَبا عُمَرَ قَالَهُ لزَيْدِ بن عَمْرٍ وأَبي سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ، لمَّا خَالَفَ دِينَ قَوْمِهِ. يُقَال: مَا أَدْرِي أَيُّ خَالِفَةٍ هُوَ، وأَيُّ خَالِفَةَ هُوَ، مَصْرُوفَةً ومَمْنُوعَةً، أَي: أَيُّ النَّاسِ هُوَ، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: هُوَ غيرُ مَصْرُوفٍ للتَّأْنِيثِ والتَّعْرِيفِ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ فَسَّرْتَهُ بالنَّاسِ. انْتَهَى، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الْخَالِفَةُ: النَّاسُ، فأَدْخَلَ عَلَيْهِ الأَلِفَ والَّلامَ.)
وَقَالَ غيرُه: يُقَال: مَا أَدْرِي أَيُّ الْخَوَالِفِ هُوَ. يُقَال أَيضاً: مَا أَدْرِي أَي خَالِفَةَ هُوَ، وأَيّ خَافِيَةٍ هُوَ، فَلم يُجْرِهما أَيْ: أَيُّ النَّاسِ هُوَ، وإِنَّمَا تُرِكَ صَرْفُهُ لأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ المَعْرِفَةُ، لأَنَّه وإِنْ كَانَ وَاحِداً فَهُوَ فِي مَوْضِعِ جَماعةٍ، يُرِيد: أَيُّ الناسِ هُوَ، كَمَا يُقَال: أَي تَمِيمٍ هُوَ وأَيُّ أَسَدٍ هُوَ، وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أَوْرَدَهوالْخَالِفَةُ: الأَحْمَقُ، القَلِيلُ العَقْلِ، والهاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، كَالْخَالِفِ وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، ويُقَال أَيضاً: امْرَأَة خَالِفَةٌ، وَهِي الحَمْقَاءُ. الخَالِفَةُ: الأُمَّةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الأُمَّةِ السَّالِفَةِ، عَن ابنِ عَبَّادٍ. الخَالِفَةُ: عَمُودٌ مِن أَعْمِدَةِ الْبَيْتِ، كَذَا فِي الصِّحاح، قيل: فِي مُؤَخِّرِهِ، والجَمْعُ: الخَوَالِفُ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخَالِفَةُ: آخِرُ البَيْتِ، يُقَال: بيتٌ ذُو خَالِفَتَيْنِ، والخَوَالِفُ: زَوَايَا البَيْتِ، وَهُوَ مِن ذَلِك، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: خَالِفَهُ البيتِ: تحتَ الأطْنَابِ فِي الكِسْرِ، وَهِي الخَصَاصَةُ أَيضاً، وَهِي الفَرْجَةُ وأَنْشَدَ: مَا خِفْتُ حتَّى هَتَّكُوا الْخَوَالِفَا والْخَالِفُ: السِّقَاءُ، هَكَذَا فِي سَائِرِ النُّسَخِ، وصَوَابُه: المُسْتَقِي، كَمَا هُوَ بَعَيْنِهِ نَصُّ الصِّحاحِ،)
ونَقَلَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ، والعُبَابُ أَيضاً هَكَذَا، كَالْمُسْتَخْلِفِ، وَمِنْه قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ الْقَطَا:
(ومُسْتَخْلِفَاتٍ مِنْ بِلاَدِ تَنُوفَةٍ ... لِمُصْفَرَّةِ الأَشْدَاقِ حُمْرِ الْحَوَاصِلِ)

(صَدَرْنَ بِمَا أَسْأَرْنَ مِنْ مَاءِ آجِنٍ ... صَرًى لَيْسَ مِنْ أَعْطَانِهِ غَيْرَ حَائِلِ)
والنَّبِيذُ الفَاسِدُ. الخَالِفُ: الَّذِي يَقْعُدُ بَعْدَكَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: مَعَ الْخَالِفِينَ هَكَذَا فَسَّرَهُ اليَزِيدِيُّ.
والْخِلِّيفَي، بِكَسْرِ الْخَاءِ والَّلامِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الأَوْزَانِ الَّتِي يَزِنُ بهَا مَا يَأْتِي علَى لَفْظِهَا، وَلذَا احْتَاجَ إِلَى ضَبْطِهِ تَصْرِيحاً: الْخِلاَفَةُ، قَالَ شَيْخُنَا نَقْلاً عَن حَوَاشِي دِيبَاجَةِ المُطَوَّلِ للفَنَارِيِّ: إِن الخِلِّيفَي مُبَالَغَةٌ فِي الخِلاَفَةِ، لَا نَفْسُها، كَمَا يُتَوَهَّم مِن كَلامِ الصِّحاحِ. انْتهى. قلتُ: وَقد وَرَدَ ذَلِك فِي حديثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَو أُطِيقُ الأَذَانَ مَعَ الخِلِّيفَي لأَذَّنْتُ قَالَ الصَّاغَانِيُّ: كأَنَّهُ أَرادَ بالخِلِّيفَ كَثْرَةَ جَهْدِهِ فِي ضَبْطِ أُمُورِ الخِلاَفَةِ، وتَصْرِيفِ أَعِنَّتِها، فإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِن المَصَادِرِ يَدُلُّ عَلَى معنَى الْكَثْرَةِ. الخَلِيفُ، كَأَمِيرٍ: الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للشاعرِ وَهُوَ صَخْرُ الغَيِّ الهُذَلِيِّ:
(فَلَمَّا جَزَمْتُ بِهِ قِرْبَتِي ... تَيَمَّمْتُ أَطْرِقَةً أَو خَلِيفا)
جَزَمْتُ: مَلأْتُ، وأَطْرِقَةً: جَمْعُ طَرِيقٍ. الخَلِيفُ: الْوَادِي بَيْنَهُمَا، وَهُوَ فَرْجٌ بَين قُنَّتَيْنِ، مُتَدَانٍ قَلِيلُ العَرْضِ والطُّولِ، قَالَ: خَلِيف بَيْنَ قُنَّةِ أَبْرَقِ ومِنْهُ قَوْلُهُم: ذِيخُ الْخَلِيفِ، كَمَا يُقَال: ذِئْبُ غَضًى، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للشاعِرِ، وَهُوَ كُثَيِّرٌ، يَصِف نَاقَتَهُ:
(وذِفْرَى كَكَاهِلِ ذِيخِ الْخَلِيفِ ... أَصَابَ فَرِيقَةَ لَيْلٍ فَعَاثَا)
قَالَ ابنُ بَرِّيّ، والصّاغَانِيُّ: بذِفْرَى وأَوَّلُهُ:
(تُوَالِي الزِّمَامَ إِذا مَا دَنَتْ ... رَكَائِبُهَا واخْتَنَثْنَ اخْتِنَاثَا)
ويُرْوَى: ذِيخِ الرَّفِيضِ وَهُوَ قِطْعَةٌ مِن الجَبَلِ. الخَلِيفُ: مَدْفَعُ الْمَاءِ بَين الجَبَلَيْنِ، وَقيل: مَدْفَعُه بينَ الوَادِيَيْنِ، وإِنَّمَا ينْتَهِي المَدْفَعُ إِلى خَلِيفٍ لِيُفْضِيَ إِلَى سَعَةٍ. قيل: الخَلِيفُ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ أَيّاً كَانَ، قَالَه السُّكَّرِيُّ، أَو وَرَاءَ الجَبَلِ، أَو وَرَاءَ الوَادِي، وبكُلِّ ذَلِك فُسِّرَ قَوْلُ صَخْرِ الغَيِّ السَّابِقُ. الخَلِيفُ: الطَّرِيقُ فَقَط، جَمْعُ ذَلِك كُلِّه: خُلُفٌ، أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ: فِي خُلُفٍ تَشْبَعُ مِنْ رَمْرَامِهَا)
الخَلِيفُ: السَّهْمُ الْحَدِيدُ، مِثْلُ الطَّرِيرِ، عَن أَبِي حَنِيفَةَ، وأَنْشَدَ لِسَاعِدَةَ بنِ عَجْلانَ الهُذَلِيِّ:
(ولَحَفْتُه مِنْهَا خَلِيفاً نَصْلُهُ ... حَدٌّ كَحَدِّ الرُّمْحِ لَيْسَ بمِنْزَعِ)
ووَقَعَ فِي اللِّسَانِ لِسَاِعِدَةَ بنِ جُؤَيَّةَ، وَهُوَ غَلَطٌ، ثمَّ الَّذِي قَالَُ السُّكَّرِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا البيتِ، وضَبَطَهُ حَلِيفاً هَكَذَا بالحاءِ المُهْمَلَةِ، وفَسَّرَه بالنَّصْلِ الحَادِّ، ولَحَفْتُه: جَعَلْتُه لَهُ لِحَافَاً. قلتُ: وَهَذَا هُوَ الأَشْبَهُ، وَقد تقدَّم الحَلِيفُ بمَعْنَى النَّصْلِ فِي مَوْضِعِهِ. الخَلِيفُ: الثَّوْبُ يُشَقُّ وَسَطُهُ، فيُخْرَجُ البَالِي مِنْهُ، فيُوصَلُ طَرَفَاهُ ويُلْفَقُ، عَن ابنِ عَبّادٍ، وَقد خَلَفَ ثَوْبَهُ، يَخْلُفُه، خَلْفاً، المَصْدَرُ عَن كُرَاعٍ. خِلِيفُ الْعَائِذِ: هِيَ النَّاقَةُ فِي اليَّوْمِ الثَّانِي مِن نِتَاجِهَا، وَمِنْه يُقَالُ: رَكِبَهَا يَوْمَ خَلِيفِها.
قَالَ أَبو عمرٍ و: الخَلِيفُ اللَّبَنُ بَعْدَ اللِّبَإِ، يُقَال: ائْتِنَابلَبَنِ نَاقَتِكَ يومَ خَلِيفِها، أَي: بعدَ انْقِطاعِ لَبَنِهَا، أَي: الحَلْبَةُ الَّتِي بعدَ الوِلاَدَةِ بيَوْمٍ أَو يَوْمَيْنِ. جَمْعُ الْكُلِّ خُلُفٌ، كَكُتُبٍ ومَرَّ لَهُ قَرِيبا أَن الخُلُفَ، بالضَّمِّ، جَمْعُ الخَلِيفِ فِي مَعَانِيهِ، وكلاهُما صَحِيحٌ، كرُسُلٍ ورُسْلٌ، يُثَقَّلُ ويُخَفَّفُ، غيرَ أَنَّ تَفْرِيْقَهُ إِيَّاهُما فِي مَوْضِعَيْنِ مِمَّا يُشَتِّتُ الذِّهْنَ، ويُعَدُّ مِن سُوءِ التَّصْنِيفِ عندَ أَهْلِ الفَنِّ. الخَلِيفُ: جَبَلٌ، وَفِي العُبَابِ: شِعْبٌ، وَقد جاءَ ذِكْرُه فِي قَوْلِ عبدِ اللهِ بن جَعْفَرٍ العَامِرِيِّ:
(فَكَأَنَّمَا قَتَلُوا بجارِ أَخِيهِمُ ... وَسَطَ المُلُوكِعلَى الخَلِيفِ غَزَالاَ)
وَكَذَا فِي قَوْلِ مُعَقِّرِ بنِ أَوْسِ بنِ حِمَارٍ البَارِقِيِّ:
(ونحنُ الأَيْمَنُونَ بَنُو نُمَيْرٍ ... يَسِيلُ بِنَا أَمَامَهُمُ الْخَلِيفُ)
قيل: هِيَ بَيْنَ مَكَّةَ والْيَمَنِ. الخَلِيفُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي أَسْبَلَتْ، وَفِي العُبَابِ: سَدَلَتْ شَعْرَهَا خَلْفَهَا.
وخَلِيفَا النَّاقَةِ: مَا تَحْتَ إِبِطَيْهَا، لَا إِبْطَاهَا، ووَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِكُثَيِّرٍ يَصِفُ نَاقَة:
(كَأَنَّ خَلِيفَيْ زَوْرِهَا ورَحَاهُمَا ... بُنى مَكَوَيْنِ ثُلِّمَا بَعْدِ صَيْدَنِ)
المَكَا: جُحْرُ الثَّعْلَبِ والأَرْنَبِ ونَحْوِهِما، والرَّحَى: الكِرْكِرَةُ، والبُنَى: جَمْعُ بُنْيَةٍ، والصَّيْدَنُ هُنَا: الثَّعْلَبُ. ونَصُّ العُبَابِ مِثْلُ نَصِّ الجَوْهَرِيِّ، وَالَّذِي قَالَهُ المُصَنِّفُ أَخَذَهُ مِن قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ مَا نَصَّه: الخَلِيفُ مِن الجَسَدِ: مَا تَحْتَ الإِبْطِ، قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ: والإِبطُ غَيْرُ مَا تَحْتَهُ، ثمَّ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: والخَلِيفان مِنَ الإِبِلِ: كالإِبِطَيْنِ مِن الإِنْسَانِ، فَانْظُر هَذِه العِبَارَةَ، ومَأْخَذُ الجَوْهَرِيِّ مِنْهَا صَحِيحٌ، لَا غَلَطَ فِيهِ. وَقَالَ شيخُنَا: ومِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ وُهماً لأَنَّهُ نَوْعٌ مِن المَجَازِ، وَكَثِيرًا مَا تُفَسَّرُ الأَشْيَاءُ بِمَا يُجَاوِرُها بمَوْضِعِها، ونَحْوِ ذَلِك. والْخَلِيفَةُ، هَكَذَا بالَّلامِ فِي سائرِ النُّسَخِ، والصَّوابُ: خَلِيفَة، كَمَا هُوَ نَصُّ العُبَابِ، واللِّسَانِ، والتَّكْمِلَةِ، وَقد جاءَ ذِكْرُه فِي الحديثِ هَكَذَا)
بِلَا لاَمٍ، وَهُوَ جَبَلٌ بمكَّةَ مُشْرِفٌ علَى أَجْيَادٍ، هَكَذَا فِي اللِّسَانِ، زَادَ فِي العُبَابِ: الْكَبِيرِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الأَجْيَادَ أَجْيَادَانِ الكَبِيرُ والصَّغِيرُ، وَقد صَرَّح بِهِ ياقُوتُ أَيضاً، ومَرَّ ذَلِك فِي الدَّالِ، وَلذَا يُقَال لَهما: الأَجْيَادَانِ. وبِلاَ لاَمٍ: خَلِيفَةُ بنُ عَدِيِّ بنِ عَمْرٍ والبَيَاضِيُّ الأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ البَدْرِيُّ، رَضِيَ اللهُ عَنهُ، هَكَذَا رَوَاهُ ابنُ إِسْحَاق، وَقد اخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ، شَهِدَ مَعَ عليٍّ حَرْبَهُ، أَو هُوَ عَلِيفَةُ، بالعَيْنِ الْمُهْمَلِةِ، وَهَكَذَا سَمَّاهُ ابنُ هِشَامٍ. وفَاتَهُ: أَبو خَلِيفَةَ بِشْرٌ، لَهُ صُحْبَةٌ، رَوَى ابنُه خَلِيفَةُ بنُ بِشْرٍ. وابْنُ كَعْبٍ، خَلِيفَةُ بنُ حُصَيْنِ بنِ قَيْسِ بنِ عاصِمٍ المِنْقَرِيّ، عِدَادُه أَهلِ الكوفَةِ، رَوَى عَن جَمَاعَةٍ من الصَّحابةِ، ورَوَى عَنهُ الأَغَرُّ. وأَبو خَلِيفَةَ، عِدَادُه فِي أَهلِ اليَمَنِ، رَوَى عَن عليٍّ، وَعنهُ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ، وهؤلاءِ الثَّلاثةُ تَابِعيُّون. أَبو هُبَيْرَةَ خَلِيفَةُ بنُ خَيَّاطٍ الْبَصْرِيُّ العُصْفُرِيُّ اللُّيْثِيُّ، سَمِعَ حُمَيْداً الطَّوِيلَ، وَعنهُ أَبو الوليدِ الطَّيَالِسِيُّ، مَاتَ سنة، وفِطْرُ بنُ خَلِيفَة بنِ خَلِيفَةَ، أَبوه مَوْلَى عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وتكلَّم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ووَثَّقَهُ غيرُه، والثلاثةُ الأُوَلُ كمام أَشَرٍْنَا إِليه تَابِعِيُّون، مُحَدِّثُونَ. وفَاتَهُ: خَلِيفَةُ الأَشْجَعِيُّ، مَوْلاهُمٍْ الْوَاسِطِيُّ. وخَلِيفَةُ بنُ قَيْسٍ، مَوْلَى خالدِ بنِ عُرْفُطَةَ، حَلِيفُ بني زُهْرَةَ. وخَلِيفَةُ بنُ غالِبِ، أَبو غَالبٍ اللَّيْثِيُّ، هؤلاءِ مِن أَتْبَاعِ التَّابِعين. وخَلِيفَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عَن إِياسِ بنِ مُعَاوِيَةَ، تُكُلِّمَ فِيهِ. والْخَلِيفَةُ: السُّلْطَانُ الأَعْظَمُ، يَخْلُفُ مَن قَبْلَه، ويَسُدُّ مَسَدُّهُ، وتَاؤُه للنَّقْلِ، كَمَا صَرَّح بِهِ غيرُ واحِدٍ، وَفِي المِصْبَاحِ أَنها للمُبَالَغَةِ، ومِثْلُه فِي النِّهَايَةِ، قَالَ شيخُنا: وجَوَّزَ الشيخُ ابنُ حَجَرٍ المَكِّيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَن يكونَ صِفَةً لمَوْصوفٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُه: نَفْسٌ خَلِيفَةٌ، وَفِيه نَظَرٌ، فَتَأَمَّلْ. قَالَ الجِوْهَرِيُّ: قد يُؤَنَّثُ، قَالَ شَيْخُنَا: يُرِيدُ فِي الإِسْنادِ ونَحْوِه. مُرَاعَاةً لِلَفْظِهِ، كَمَا حَكَاهُ الفَرَّاءُ، وأَنْشَدَ:
(أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخْرَى ... وأَنْتَ خَلِيفَةٌ ذَاكَ الْكَمَالُ)
قلتُ: وَلَدَتْهُ أُخْرَى قَالَهُ لِتَأْنِيثِ اسْمِ الخليفةِ، والوَجْهُ أَن يكونَ: وَلَدَه آخَرُ. كالْخَلِيفِ بغَيْرِ هاءٍ، أَنْكَرَهُ غيرُ واحدٍ، وَقد حَكَاهُ أَبو حاتمٍ، وأَوْرَدَهُ ابنُ عَبَّادٍ فِي المُحِيطِ، وابنُ بَرِّيِ فِي الأَمَاِي، وأَنْشَدَ أَبو حاتمٍ لأَوْسِ بنِ حَجَرٍ:
(إِنَّ مِنَ الْحَيِّ مَوْجُوداً خَلِيفَتُهُ ... ومَا خَلِيفُ أَبِي وَهْبٍ بِمَوْجُودِ)
ج: خَلاَئِفُ، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: جاؤُوا بِهِ علَى الأَصْلِ، مِثْل: كَرِيمَةٍ وكَرَائِمَ، قَالُوا أَيضا: خُلَفَاءُ، مِن أَجْلِ أَنَّه لَا يَقَعُ إِلاَّ علَى مُذَكَّرٍ، وَفِيه الهاءُ، جَمَعُوه علَى إِسْقاطِ الهاءِ، فصارَ مِثْلَ: ظَرِيفٍ وظُرَفَاءَ لأَنَّ فَعِيلَة بالهاءِ لَا تُجْمَعُ علَى فُعْلاَءَ، هَذَا كلامُ الجَوْهَرِيُّ، ومِثْلُه فِي العُبَابِ، وَهُوَ) نَصُّ ابنِ السِّكِّيتِ، وعَلَى قَوْلِ أَبي حاتمٍ، وابنِ عَبَّادٍ لَا يُحْتَاجُ إِلّى هَذَا التَّكَلُّفِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: جَازَ أَن يُقَالَ لِلأَئِمَّةِ: خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ،خَلَفَ فَمُ الصَّائِمِ خُلُوفاً، وخُلُوفَةً، بضَمِّهِمَا على الصَّوابِ، وَلَو أَنَّ إِطْلاقَ المُصَّنِفِ يقْتَضِي فَتْحَهُمَا، وعلَى الأَوَّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، وَكَذَا خِلْفَةً، بالكَسْرِ، كَمَا فِي اللِّسَانِ: تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ، وَمِنْه الحدِيثُ: لَخُلُوفُ فَمَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، قَالَ شيخُنَا: الخُلُوفُ، بالضَّمِّ، بمعنَى تَغَيُّرِ الفَمِ هُوَ المَشْهُورُ، الَّذِي صّرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ، وحكَى بعضُ الفُقَهاءِ والمُحَدِّثين فَتْحَهَا، واقْتَصَرَ عَلَيْهِ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وأَظُّنُّه غَلَطاً، كَمَا صرَّح بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: الفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، واللهُ أَعلمُ، وَفِي رِوايَةِ: خِلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ، وسُئِلَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عَنهُ عَن القُبْلَةِ للصَّائمِ، فَقَالَ: ومَا أَرَبُكَ إِلَى خُلُوفِ فِيهَا كَأَخْلَفَ، لُغَةٌ فِي خَلَفَ، أَي: تَغَيَّرَ طَعْمُه، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، ومِنْهُ نَوْمَةُ الضُّحَى مَخْلَفَةٌ لِلْفَم، وَفِي بعضِ الأُصُولِ: نَوْمُ الضُّحَى، ومُخْلِفَةٌ، ضَبَطُوه بضَمِّ المِيمِ وفَتْحِهَا، مَعَ كَسْرِ اللامِ وفَتْحِهَا، أَي تُغَيِّرَ الفَمَ. خَلَفَ اللَّبَنُ، والطَّعَامُ: إِذا تَغَيَّر طَعْمُهُ، أَو رَائِحَتُهُ كأَخْلَفَ، كَمَا فِي الصِّحاحِ وَهُوَ مِن حَدِّ نَصَرَ،)
ورُوِيَ: خَلُفَ ككَرُمَ، خُلُوفاً، فيهمَا، وَقيل: خَلَفَ اللَّبَنُ خُلُوفاً: إِذا أُطِيلَ إِنْقَاعُه حَتَّى يَفْسُدَ، وَفِي الأَسَاسِ: أَي خَلَفَ طَيِّبَه تَغَيُّرُه، أَي: خلط، وَهُوَ مَجازٌ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: خَلَفَ الطَّعَامُ والفَمُ، يَخْلُفُ، خُلُوفاً: إِذا تَغَيَّرَا، وَكَذَا مَا أَشْبَهَ الطَّعَامَ والْفَمَ. خَلَفَ فُلاَنٌ: فَسَدَ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ عَن ابنِ السِّكِّيتِ، وَمِنْه قَوْلُهُمْ: عَبْدٌ خَالِفٌ، أَي فَاسِدٌ، وَهُوَ مِن حَدِّ نَصَر، ومَصْدَرُه الخَلْفُ، بالسُّكُونِ، ويجوزُ أَن يكونَ من بَاب كَرُم، فَهُوَ خَالِفٌ، كحَمُضَ، فَهُوَ حَامِضٌ.يَصِفُ صَائِداً:
(يَمْشِي بِهِنَّ خَفِيُّ الشَّخْصِ مُخْتَتِلٌ ... كَالنَّصْلِ أَخْلَفَ أَهْدَاماً بِأَطْمَارِ)
أَي: أَخْلَفَ مَوْضِعَ الخُلْقانِ خُلْقاناً. خَلَفَ لأَهْلِهِ خَلْفاً: اسْتَقَى مَاءً، والاسْمُ الخِلْفُ، والخِلْفَةُ، قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ: كَاسْتَخْلَفَ، وأَخْلَفَ، وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: أَخْلَفْتَ القَوْمَ: حَمَلْتُ إِليهِم الماءَ العَذْبَ، وهم فِي رَبِيعٍ لَيْسَ مَعَهم مَاءٌ عَذْبٌ، أَو يكونُونَ علَى مَاءٍ مِلْحٍ، وَلَا يكون الإِخْلافُ إِلاَّ فِي الرَّبِيع، وَهُوَ فِي غيرِه مُسْتَعَارٌ مِنْهُ. خَلَفَ النِّبِيذُ: فَسَدَ، فَهُوَ خَالِفٌ، وَقد تقدَّم. ويُقَالُ لِمَنْ هَلَكَ لَهُ مَالاَ، وَفِي الْمُحكم: مَنْ لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ، كَالأَبِ، والأُمِّ، والعَمِّ: خَلَفَ اللهُ عَلَيْكَ، أَيْ: كَانَ الله عَلَيْكَ خَلِيفَةً، وخَلَفَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكَ خَيْراً أَو بِخَيْرٍ، وَفِي اللِّسَان: وبخَيْرٍ، وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: إِذا) دَخَلَتِ الباءُ فِي بخَيْرٍ أُسْقِطَتِ الأَلِفُ، وأَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ خَيْراً، أَخْلَفَ لَكَ خَيْراً، ويُقَال، لِمَنْ هَلَكَ لَهُ مَا يُعْتَاضُ مِنْهُ، أَو ذَهَبَ مِن وَلَدٍ ومَالٍ: أَخْلَفَ الله لَكَ، وأَخْلَفَ عَلَيْكَ، وخَلَفَ اللهُ لَكَ، أَو يَجُوزُ: خَلَفَ اللهُ عَلَيْكَ فِي الْمَالِ ونَحْوِهِ مِمَّا يُعْتَاضُ مِنْهُ، وعبارةُ الجَوْهَرِيِّ: ويُقَال لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ مَالٌ، أَو وَلَدٌ، أَو شَيْءٌ يُسْتَعَاضُ: أَخْلَفَ اللهُ عليكَ، أَي: رَدَّ اللهُ عليكَ مِثْلَ مَا ذَهَبَ، فإنْ كَانَ هَلَكَ لَهُ أَخٌ أَو عَمٌّ، أَو وَالِدٌ، قُلْتَ: خَلَفَ اللهُ عَلَيْك، بغَيْرِ أَلِفٍ، أَي كَانَ اللهُ خَلِيفَةَ والدِك، أَو مَن فَقَدْتَه عَلَيْك. انْتهى، وَقَالَ غيرُه: يُقَال: خَلَفَ اللهُ لَك خَلَفاً بخَيْرٍ، وأَخْلَف عَلَيْك خَيْراً، أَي أَبْدَلَكَ بِمَا ذَهَبَ منكَ، وعَوَّضَك عَنهُ، وَقيل: يُقَالُ: خَلَفَ اللهُ عَلَيْك، إِذا مَاتَ لَك مَيِّتٌ، أَي: كَانَ اللهُ خَلِيفةً، وَقد ذَكره المُصَنِّفُ، ويَجُوزُ فِي مُضَارِعهِ يَخْلَفُ، كَيَمْنَعُ، وَهُوَ نَادِرٌ، لأَنَّه لَا مُوجِبَ لفَتْحِهِ فِي المُضَارِع مِن غَيْرِ أَنْ يكونَ حَرْفًا حَلْقِيًّا. وخَلَفَ عَن أَصْحَابِهِ، يَخْلُفُ، بالضَّمِّ: إِذا تَخَلَّفَ: قَالَ الشَّمَّاخُ:
(تُصِيبُهُمُ وتُخْطِئُنَا الْمَنَايَا ... وأَخْلَفَ فِي رُبُوعِ عَنْ رُبُوعِ)
خَلَفَ فُلاَنٌ خَلاَفَةً، وخُلُوفاً، كَصَدَارَةٍ، وصُدُورٍ: حَمُقَ، وقَلَّ عَقْلُهُ، فَهُوَ خَالِفٌ، وخَالِفَةٌ، وأَخْلَفُ، وخَلِيفٌ، وَهِي خَلْفَاءُ، والتاءُ فِي خَالِفَةٍ للمُبَالَغَةِ، وَقد تقدّم. خَلَفَ عَن خُلُقِ أَبِيهِ، يَخْلُفُ، خُلُوفاً: إِذا تَغَيَّرَ عَنْهُ. خَلَفَ فُلاَناً، يَخْلُفُه، خَلَفاً: صَارَ خَلِيفَتَهُ فِي أَهْلِهِ، ووَلَدِهِ، وأَحْسَنَ خِلاَفَتَهُ عَنهُ فيهم. وخَلِفَ الْبَعِيرُ، كَفَرِح: مَالَ علَى شِقٍّ واحدٍ، فَهُوَ أَخْلَفُ بَيِّنُ الخَلَفِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وَقد تقدَّم قَرِيبا، فَهُوَ تَكْرَارٌ. خَلِفَتِ النَّاقَةُ تَخْلَفُ، خَلَفاً: أَي حَمَلَتْ قَالَهُ اللِّحْيَانِيُّ، نَقَلَهُ ابنُ عَبَّادٍ فِي المُحِيطِ. والخِلاَفُ، كَكِتَابٍ، وشَدُّهُ، أَي مَعَ فَتْحِهِ لَحْنٌ من العَوَامِّ، كَمَا فِي العُبَابِ: صِنْفٌ مِن الصَّفْصَافِ ولَيْس بِهِ، وَهُوَ بأَرْضِ العربِ كَثِيرٌ، ويُسَمَّى السَّوْجَرَ، وأَصْنَافُهُ كثيرةٌ، وكُلُّهَا خَوَّارٌ ضَعِيفٌ، وَلذَا قَالَ الأَسْوَدُ:
(كَأَنَّكَ صَقْبٌ مِن خِلاَفٍ يُرَى لَهُ ... رُوَاءٌ وتَأْتِيهِ الْخُؤُورَةُ مِنْ عَلْ)
الصَّقْبُ: عَمُودٌ مِن عُمُدِ البَيْتِ، والواحِدَة: خِلاَفَةٌ. وزَعَمُوا أَنه سُمِّيَ خِلاَفاً، لأَنَّ السَّيْلَ يَجِيءُ بِهِ سَبْياً، فَيَنْبُتُ مِن خِلاَفِ أَصْلِهِ، قَالَهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَهَذَا لَيْسَ بقَوِيٍّ، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: ومَوْضِعُهُ مُخْلَفَةٌ. قَالَ: وأَمَّا قَوْلُ الرَّاجِزِ: يَحْمِلُ فِي سَحْقِ مِنَ الْخِفَافِ تَوَادِياً سُوِّينَ مِنْ خِلاَفِ)
فإِنَّمَا يُرِيدُ مِن شَجَرِ مُخْتَلِفٍ، وَلَيْسَ يَعْنِي الشَّجَرَةَ الَّتِي يُقَال لَهَا: الخِلافُ لأَنَّ ذَلِك لَا يكَاد أَن يكونَ فِي الْبَادِيَةِ. وَرَجُلٌ خِلِّيفَةٌ، كَبِطِّيخَةٍ: مُخَالِفٌ ذُو خِلْفَةٍ، قَالَهُ ابنُ عَبَّادٍ. رجل خِلَفْنَةٌ، كَرِبَحْلَةٍ، كَمَا فِي المُحِيطِ، وخِلْفَناةٌ، كَمَا فِي اللِّسَانِ، عَن اللِّحْيَانِيِّ، ونُونُهُمَا زَائِدَةٌ، وهُمَا لِلْمُذَكَّرِ والْمُؤَنَّثِ والْجَمْعِ، يُقَال: هَذَا رجلٌ خِلَفْنَاةٌ وخِلَفْنَةٌ، وامرأَةٌ خِلَفْنَاةٌ وخِلَفْنَةٌ، والقومُ خِلَفْنَاةٌ وخِلَفْنَةٌ قألَهُ اللِّحْيَانِيُّ، ونُقِلَ عَن بعضِهم فِي الْجمع: خِلَفْنَاتٌ فِي الذُّكُورِ والإِنَاثِ: أَيْ مُخَالِفٌ، كَثِيرُ الْخِلاَفِ، وَفِي خُلُقِهِ خِلَفْنَةٌ، كدِرَفْسَةٍ، وَهَذِه عَن الجَوْهَرِيِّ، وخِلْفْنَاةٌ أَيضاً، كَمَا فِي المُحْكَمِ، ونُونُهُما زائدةٌ أَيضاً، كَذَا خَالِفٌ، وخَالِفَةٌ، وخِلْفَةٌ، وخُلْفَةٌ، بِالْكَسْرِ والضَّمِّ: أَي خِلاَفٌ، وَقد تقدَّم عَن ابْن بُزُرْجَ أَنَّ الخُلْفَةَ فِي العَبْدِ، بِالضَّمِّ، هُوَ الحُمْقُ والعَتَهُ، وَعَن غيرِهِ: الفَسَادُ، وبَيْن خِلْفَةٍ وخِلْقَةٍ جِنَاسُ تَصْحِيفٍ. المَخْلَفَةُ، كَمَرْحَلَةٍ: الطَّرِيقُ، فِي سَهْلٍ كانَ أَو جَبَلٍ، وَمِنْه قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
(تُؤَمِّلُ أَنْ تُلاَقِيَ أُمَّ وَهْبٍ ... بِمَخْلَفَةٍ إِذَا اجْتَمَعَتْ ثَقِيفُ)
مُخْلَفَةُ بني فُلانٍ: المَنْزِلُ. ومَخْلَفةُ مِنًى: حَيْثُ يَنْزِلُ النَّاسُ، وَمِنْه قَوْلُ الهُذَلِيِّ:
(وإِنَّا نَحْنُ أَقْدَمُ مِنْكَ عِزًّا ... إِذَا بُنِيَتْ بِمَخْلَفَةَ الْبُيُوتُ)
قلتُ: وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بنِ همَيْلٍ الهُذَلِيِّ، وَلم يُذْكَرْ شِعْرُه فِي الدِّيوانِ. المَخْلَفُ، كَمَقْعَدٍ: طُرُقُ النَّاسِ بِمِنًى حَيْثُ يَمُرُّونَ، وَهِي ثلاثُ طُرُقٍ، وَيُقَال: اطْلُبْهُ بالمَخْلَفَةِ الوُسْطَى مِن مِنًى. ورَجُلٌ خُلْفُفٌ، كَقُنْفُذٍ، وضُبِطَ فِي اللِّسَانِ مِثْل جُنْدُبٍ. أَحْمَقُ، وَهِي خُلْفُفٌ وخُلْفُفَةٌ، بهاءٍ، وبِغَيرِ هاءٍ: أَي حَمْقَاءُ. وأُمُّ الخُلْفُفِ، كَقُنْفُذٍ، وَجُنْدَبٍ وعلَى الضَّبْطِ الأَوَّلِ اقْتَصَرَ الصَّاغَانِيُّ: الدَّاهِيَةُ، أَو الْعُظْمَى مِنْهَا. وأَخْلَفَهُ الْوَعْدَ: قَالَ ولَمْ يَفْعَلْهُ، قَالَ اللهُ تعالَى: إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، ونَصُّ الصِّحاح: أَن يقولَ شَيْئاً وَلَا يَفْعَلُه علَى الاسْتِقْبَالِ. قَالَ: أَخْلَفَ فُلاناً أَيْضاً: إِذا وَجَدَ مَوْعِدَهُ خُلْفاً، وأَنْشَدَ لِلأَعْشَى:
(أَثْوَى وقَصَّرَ لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا ... فَمَضَتْ وأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا)
ويُرْوَى: فَمَضَى. قَالَ: كَانَ أَهلُ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: أَخْلَفَتِ النَّجُومُ، أَي: أَمْحَلَتْ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَطَرٌ، وَهُوَ مَجَازٌ، وأَخْلَفَتْ عَن أَنْوَائِهَا كَذَلِك، أَي: لأَنَّهُمْ كانُوا يَعْتَقِدُونَ ويَقُولُونَ: مُطِرْنَا بنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. ونَقَلَ شيخُنَا عَن الفَارَابِيِّ فِي ديوانِ الأَدَبِ، أَنَّ أَخْلَفَهُ من الأَضْدادِ، يَرِدُ بمعنَى: وَافَقَ مَوْعِدَهُ، قَالَ: وَهُوَ غَرِيبٌ. أَخْلَفَ فُلاَنٌ لِنَفْسِهِ، أَو لغيرِه: إِذَا كَان قد ذَهَبَ لَهُ شَيْءٌ، فَجَعَلَ) مَكَانَهُ آخَرَ، وَمِنْه الحديثُ: أَبْلِي وأَخْلِفِي، ثمَّ أَبْلِي وأَخْلِفِي، قَالَهُ لأُمِّ خالِدٍ حِين أَلْبَسَهَا الخَمِيصَةَ، وَتقول العَرَبُ لمَن لَبِسَ ثوبا جَدِيدا: أَبْلِ، وأَخْلِفْ، واحْمَدِ الكَاسِي. وَقَالَ ابنُ مُقْبِلٍ:
(أَلم تَرَ أَنَّ المالَ يخْلُفُ نَسْلُه ... ويأْتِي عَلَيْهِ حَقُّ دَهْرٍ وبَاطِلُهْ)

(فَأَخْلِفْ وأَتْلِفْ إِنَّمَا الْمَالُ عَارَةٌ ... وكُلْهُ مَعَ الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ آكِلُهْ)
يَقُول: اسْتَفِدْ خَلَفَ مَا أَتْلَفْتَ. أَخْلَفَ النَّبَاتُ: أَخْرَجَ الْخِلْفَةَ، وَهُوَ الَّذِي يخْرُجُ بَعْدَ الوَرَقِ الأَوَّلْ فِي الصَّيْفِ، وَفِي حديثِ جَرِيرٍ: خَيْرُ المَرْعَى الأَرَاكُ والسَّلَمُ، إِذا أَخْلَفَ كانَ لَجِيناً وَفِي حدِيثِ خُزَيْمَةَ السُّلَمِيِّ: حتَّى آلَ السُّلاَمَى، وأَخْلَفَ الْخُزَامَى، أَي: طَلَعَتْ خِلْفَتُهُ مِن أُصُولِه بالمَطَرِ. أُخْلَفَ الرَّجُلُ: أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى السَّيْفِ، إِذا كَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَهُ، لِيَسُلَّهُ وَقَالَ الفَرَّاءُ: أَخْلَفَ يَدَهُ: إِذا أَرَادَ سَيْفَهُ، فأًخْلَفَ يَدَهُ إِلى الكَنَانَة، وَفِي الحَدِيثِ: إِنَّ رَجُلاً أَخْلَفَ السَّيْفَ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَخْلَفَ عَن الْبَعِيرِ: إِذا حَوَّلَ حَقَبَهُ، فَجَعَلَهُ مِمَّا يَلِي خُصْيَيْهِ، وذلِك إِذا أَصَابَ حَقَبُهُ ثِيلَهُ، فاحْتَبَسَ بَوْلُهُ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّمَا يُقَال: أَخْلِفِ الحَقَبَ، أَي: نَحِّه عَن الثِّيلِ، وحَاذِ بِهِ الحَقَبَ، لأَنَّهُ يُقُالُ: حَقِبَ بَوْلُ الجَمَلَ، أَي: احْتَبَسَ، يَعْنِي أَنَّ الحَقَبَ وَقَعَ علَى مَبَالِهِ، ولايُقَال ذَلِك فِي النَّاقَةِ، لأَنَّ بَوْلَها مِن حَيائِها، وَلَا يَبْلُغُ الحَقَبُ الحَياءِ. أَخْلَفَ فُلاناً: رَدَّهُ إِلَى خَلْفِهِ، قَالَ النَّابِغَةُ: (حتَّى إِذَا عَزَلَ التَّوَائِمَ مُقْصِرًا ... ذَاتَ الْعِشَاءِ وأَخْلَفَ الأَرْكَاحَا)
وَمِنْه حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ: جِئْتُ فِي الهَاجِرَةِ، فوجدتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُصَلِّي، فقُمْتُ عَن يَسَارِهِ، فأًخْلَفَنِي عُمَرُ، فجَعَلَنِي عَن يَمِينِهِ، فجَاءَ يَرْفَأُ، فتَأَخَّرْتُ، فصَلَّيْتُ خَلْفَهُ بحِذَاءِ يَمِينِه، يُقَال: أَخْلَفَ الرَّجُلُ يَدَهُ، أَي: رَدَّهَا إِلى خَلْفِهِ، قَالَهُ الأَزْهَرِيُّ. أَخْلَفَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكَ: أَي رَدَّ عَلَيْكَ مَا ذَهَبَ، وَمِنْه الحَدِيثُ: تَكَفَّلَ اللهُ لِلْغَازِي أَنْ يُخْلِفَ نَفَقَتَهُ. أَخْلَفَ الطَّائِرُ: خَرَجَ لَهُ رِيشٌ بَعْدَ رِيشِهِ الأَوَّلِ، وَهُوَ مَجَازٌ، مِن أَخْلَفَ النَّبَاتُ أَخلف الْغُلاَمُ: إِذا راهَقَ الْحُلُمَ، فَهُوَ مُخْلِفٌ، نَقَلَهُ الأَزْهَرِيُّ. أَخْلَفَ الدَّوَاءَ فُلاَناً: أَضْعَفَهُ بكَثْرَةِ التَّرَدُّدِ إِلَى الْمُتَوَضَّإِ. والإِخْلاَفُ: أَنْ تُعِيدَ الْفَحْلَ علَى النَّاقَةِ إِذَا لَمْ تَلْقَحْ بِمَرَّةٍ، وقَالُوا: أَخْلَفَتْ: إِذا حَالَتْ. والْمُخْلِفُ: الْبَعِير: الَّذِي جَازَ الْبِازِلَ، كَذَا فِي الصِّحاحِ، وَفِي المُحْكَمِ: بعدَ البَازِلِ، وَلَيْسَ بَعْدَهُ سِنٌّ، ولكنْ يُقَال: مُخْلِفُ عَامٍ أَو عَامَيْنِ، وَكَذَا مَا زَادَ، والأُنْثَى بالهاءِ، وَقيل: الذَّكَرُ والأُنْثَى سَوَاءٌ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للجَعْدِيِّ:
(أَيِّدِ الْكَاهِلِ جَلْدٍ بَازِلٍ ... أَخْلَفَ الْبَازِلَ عَاماً أَو بَزَلْ)

قَالَ: وَكَانَ أَبو زَيْدٍ يَقُول: النَّاقَةُ لَا تكونُ بَازِلاً، وَلَكِن إِذا أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ بَعْدَ البُزُولِ فَهِيَ بَزُولٌ،الخِلاَفُ: كُمُّ الْقَمِيصِ، يُقال: اجْعَلْهُ فِي مَتْنِ خِلاَفِكَ، أَي فِي وَسَطِ كُمِّكَ، عَن ابنِ الأَعْرَابِيِّ. قَوْلُهُم: هَوَ يُخَالِفُ فُلاَنَةَ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ، والصَّوابُ: إِلَى فُلانةَ، كَمَا هُوَ نَصُّ اللِّسَانِ، والعُبَابِ: أَيْ يَأْتِيهَا إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، ويَرْوَى قَوْلُ أَبِ ذُؤَيْبٍ:
(إِذَا لَسَعَتْهُ الدَّبْرُ لَمْ يرْجُ لَسْعَهَا ... وخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نَوبٍ عَوَاسِلِ)
بالخَاءِ المَعْجَمَةِ، أَي جاءَ إِلى عَسَلِهَا وَهِي تَرْعَى غَائِبَةً تَسْرَحُ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: خَالَفَهَا إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وحَالَفَهَا، بالحَاءِ المُهْمَلَةِ: أَي: لاَزَمَهَا وَكَانَ أَبو عَمرٍ وَيَقُول: خَالَفَهَا: أَي جاءَ مِن وَرَائِها إِلى العَسَلِ، والنَّحْلُ غَائِبَةٌ، كَذَا فِي شرح الدِّيوان، وَقيل: مَعْنَاهُ: دَخَلَ عَلَيْهَا، وأَخَذَ عَسَلَهَا وَهِي تَرْعَى، فكأَنَّه خَالَفَ هَوَاهَا بذلك، والحَاءُ خَطَأُ. وتَخَلَّفَ الرَّجُلُ عَنِ القَوْمِ: إِذا تَأَخَّرَ، وَقد خَلَّفَه وَرَاءَهُ تَخْلِيفَا. واخْتَلَفَ: ضِدُّ اتَّفَقَ، وَمِنْه الحديثُ: سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، أَي: إِذا تقدَّم بعضُهم علَى بَعْضٍ فِي الصُّفُوفِ تَأَثَّرَتْ قُلُوبُهُم، ونَشَأَ بَيْنَهُمْ اخْتِلاَفٌ فِي الأُلْفَةِ والْمَوَدَّةِ، وقِيل: أَرادَ بهَا تَحْوِيلَهَا إِلى الأَدْبَارِ، وَقيل: تَغَيُّرَ صُورَتَهَا إِلَى) صُورَةٍ أُخْرَى، والاسْمُ مِنْهُ الخِلْفَةُ، كَمَا تقدَّم. اخْتَلَفَ فُلاَناً: كَانَ خَلِيفَتَهُ مِن بَعْدِهِ، نَقَلَهُ ابنُ عَبَّادٍ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ يَخْتَلِفُنِي، أَي يَخْلُفُنِي. اخْتَلَفَ الرَّجُلُ فِي المَشْيِ إِلى الْخَلاَءِ: إِذا صَارَ بِهِ إِسْهَالٌ، والاسْمُ مِنْهُ الخِلْفَةُ، وَقد تقدَّم. اخْتَلَفَ صَاحِبَهُ: إِذا بَاصَرَهُ، هَذَا هُوَ الصَّوابُ، وسَبَقَ لَهُ قَرِيبا بالنُّونِ والظَّاءِ المًشَالَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِذَا غَابَ دَخَلَ علَى زَوْجَتِهِ، نَقَلَهُ ابنُ دُرَيْدٍ عَن أَبِي زَيْدٍ، والاسْمُ مِنْهُ الخِلْفَةُ، وَقد تقدَّم. وممَا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: خَلَفَ العَنْبَرَ بِهِ: خَلَطَهُ. والزَّعْفَرَانَ، والدَّوَاءَ: خَلَطَهُ بماءٍ. واخْتَلَفَهُ، وخَلَّفَهُ: جَعَلَهُ خَلَفَهُ، كأَخلَفَهُ، وخَلَّفَهُ: جَعَلَهُ خَلفَهُ، كأَخلَفَهُ، وخَلَّفَهُ: جَعَلَهُ خَلَفَهُ، كأَخلَفَهُ، الأَخِيرُ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ. قَالَ ابنُ السِّكِّيتِ: أَلْحَحْتُ علَى فُلانٍ فِي الاتِّباعِ حَتَّى اختَلَفتُهُ، أَي، جَعَلتُه خَلفِي. وخَلَّفَهم تَخلِيفاً: تَقَدَّمَهم وتَرَكَهُم وَرَاءَهُ. وخَالَفَ إِلى قَوْمٍ: أَتَاهُم مِن خَلْفهِم، أَو أظْهَرَ لَهُم خلاَفَ مَا أَضْمَرَ، فأَخَذَهُمْ على غَفْلَةٍ. وخَالَفَهُ إِلى الشَّيْءِ: عَصَاهُ إِليه، أَو قَصَدَهُ بعدَ مَا نَهَاهُ عَنهُ، وَهُوَ منْ ذلكَ، وَمِنْه قَوْلُه تعالَى: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ، وَفِي حَدِيث السَّقِيفَة: خَالَفَ عَنَّا عَليُّ والزُّبَيْرُ أَي: تَخَلَّفَا. وجاءَ خَلاَفَهُ، بالكَسْرِ: أَي بَعْدَه، وقُرِئَ: وإِذًا لاَ يَلْبَثُونَ خِلاَفَكَ، وَكَذَا قولُه تعالَى: بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ نَبَّهَ عليهِ الجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخِلاَفُ فِي الآيَةِ الأَخِيرَةِ بمَعْنَى المُخَالَفَةِ، وخَالَفَهُ ابنُ بَرِّيّ، فَقَالَ: خِلاَفَ فِي الآيَةِ بمَعْنَى بَعْدَ، وأَنْشَدَ للحَارِثِ بن خالدٍ المَخْزُومِيِّ:
(عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلاَفَهُمْ فَكَأَنَّمَا ... نَشَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا)
قَالَ: ومِثْلَهُ لِمُزَاحِمٍ العُقَيْلِيِّ:
(وَقد يُفْرِطُ الْجَهْلَ الْفَتَى ثُمَّ يَرْعَوِي ... خِلاَفَ الصِّبَا لِلْجَاهِلِينَ حُلُومُ) قَالَ: ومِثْلُه للْبُرَيقِ الهُذَلِيِّ: وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَعِيشَ خِلاَفَهُمْ بِسِتَّةِ أَبْيَاتِ كَمَا نَبَتَ الْعِتْرُ وأَنْشَدَ لأَبِي ذُؤَيْبٍ:
(فَأَصْبَحْتُ أَمْشِي فِي دِيَارَ كَأَنَّهَا ... خِلاَفَ دِيَارِ الْكَاهِلِيَّةِ عُورُ)
وأَنْشَدَ للآخَرِ:
(فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلاَفَ الذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لأُخرَى مِثْلِهَا فَكَأّنْ قَدِ)
وأَنْشَدَ لأَوْسٍ: لَقِحْتْ بِهِ لَحْياً خِلاَفَ حِيَالِ أَي بَعْدَ حِيَالِ، وأَنشد لِمُتَمِّم:)
(وفَقْدَ بَنِي أُمٍّ تَدَاعَوْا فَلم أَكُنْ ... خِلاَفَهُمُ أَن أَسْتَكِينَ وأَضْرَعَا)
ومخلفات البَلَدِ: سُلْطَانُهُ، ومِخْلاَفُ الْبَلَدِ: سُلْطَانُهُ. ورَجُلٌ مَخْلاَفٌ مِتْلاَفٌ، ومَخْلِفٌ مُتْلِفٌ، وَقد اسْتطْرَدَهُ المُصَنَّفُ فِي ت ل ف، وأَهْمَلَه هُنَا. وأَخْلَفَتِ الأَرْضُ: إِذا أَصابَها بَرَدٌ آخِرَ الصَّيْفِ، فاخْضَرَّ بَعْضُ شَجَرِهَا. واسْتَخْلَفَتْ: أَنْبَتَتِ العُشْبَ الصَّيْفِيَّ. وأَخْلَفَتِ الشَّجَرةُ: لم تُثْمِرْ، وَهُوَ مَجَازٌ، كَمَا فِي الأسَاسِ، وَقيل: الإِخْلافُ: أَن يكونَ فِي الشَّجَرِ ثَمَرٌ، فيَذْهَبُ، وَقيل: الإِخْلافُ فِي النَّخْلةِ، إِذا لم تَحْمِلْ سَنَةً، كَمَا فِي اللِّسَانِ. وبَقِيَ فِي الحَوْضِ خِلْفَةٌ مِن ماءٍ: أَي بَقِيَّةٌ. وقَعَدَ خِلاَفَ أَصْحَابِهِ: لم يخْرُجْ مَعَهم، وخَلَفَ عَنْ أَصْحابِه كذلِكَ والخَلِيفُ، كأَمِيرٍ: المُتَخَلِّفُ عَن المِيعادِ، والمُخَالِفُ لِلْعَهْدِ، وبكُلِّ مِنْهُمَا فُسِّرَ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
(تَوَاعَدْنَا الرُّبَيْقَ لَنَنْزِلَنْهُ ... وَلم تَشْعُرْ إِذَنْ أَنِّي خَلِيفُ)
كَذَا فِي شَرْحِ الدِّيوان. واسْتَخْلَفَ الرَّجُلُ: اسْتَعْذَبَ الماءَ، واخْتَلَفَ، وأَخْلَفَ: سَقاهُ، وأَخْلَفَهُ: حَمَلَ إِليه الماءَ العَذْبَ، وَلَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الرَّبِيعِ، نَقَلَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ وَقد تَقَدَّم، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: ذَهَبَ المُسْتَخْلِفُونَ يَسْتَقُونَ: أَي المُتَقَدِّمونَ. والخَالِفُ: المُتَخَلِّفُ عَن القَوْمِ فِي الغَزْوِ وغيرِه، والجَمْعُ: الخَوَالِفُ، نَادِرٌ، وَقد تقدَّم. والخَالِفَةُ: الوَارِدُ علَى الماءِ بعدَ الصَّادِرِ، وَمِنْه حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ: سَأَلَ أَعْرَابِيُّ أَبا بِكِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَقَالَ: أَنْتَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا الخَالِفَةُ بَعْدَهُ قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك تَوَاضُعاً، وهَضْماَ لِنَفْسِهِ. وخَلَفَ فُلانٍ: إِذا خَالَفَهُ إِلَى أَهْلِهِ. ويُقَال: إِنَّ امْرَأَةَ فُلانٍ تَخْلُفُ زَوْجَها بالنِّزاعِ إِلَى غَيْرِهِ، إِذا غابَ عَنْهَا، وَمِنْه قَوْلُ أَعْشَىَ مَازِن يَشْكُو زَوْجَتَهُ: فَخَلَفَتْنِي بِنَزَاعٍ وحَرَبْ أَخْلَفَتِ الْعَهْدَ ولَطَّتْ بِالذَّنَبْ قَالَ ابنُ الأُثِيرِ: وَلَو رُوِيَ بالتَّشْدِيدِ لكانَ المَعْنَى فأَخَّرَتْنِي إِلَى وَرَاء. وخَلَفَ لَهُ بالسَّيْفِ: إِذا جَاءَهُ مِن خَلْفِهِ، فضَرَبَ عُنَقَهُ. وتَخَالَفَ الأمْرانِ: لم يَتَّفِقَا، وكَلُّ مَا لم يَتَسَاوَ فقد تَخَالَفَ، واخْتَلَفَ. ونِتَاجُ فُلانٍ خِلْفَةٌ: أَي عَاماً ذَكَراً وعَاماً أُنْثَى، وَبَنُو فُلانٍ خِلْفَةٌ: أَي شِطْرَةٌ، نِصْفٌ ذُكُورٌ، ونِصْفٌ إِناثٌ. والتَّخَاليِفُ: الأَلْوَانُ المُخْتَلِفَةُ. ورجُلٌ مَخْلُوفٌ: أَصَابَتْهُ خِلْفَةٌ، أَي: شِطْرَةٌ، ورِقَّةُ بَطْنٍ. وأَصْبَحَِ خَالِفًا: أَي ضَعِيفاً لَا يشْتَهِي الطَّعَامَ. وثَوْبٌ مَخْلوفٌ: مَلْفُوقٌ، وَقد خَلَفَهُ خَلْفاً، قَالَ الشاعرُ:)
(يُرْوِي النَّدِيمَ إِذَا انْتَشَى أَصْحَابُهُ ... أُمَّ الصَّبِيَّ وثَوْبُهُ مَخْلُوفُ)
وَقيل: المُخْلُوفُ هُنَا: المُرْهُونُ، والأَوَّلُ أَصُحُّ. واخْتَلَفَ إِليهِ اخْتِلافَةً واحِدَةً، وَهُوَ يَخْتَلِفُ إِلَى فُلانٍ: يَتَرَدَّدُ. وَقيل: الخِلْفُ، بالكَسْرِ: مَقْبِضُ الحالِبِ مِن الضَّرْعِ. ويُقَال: دَرَّتْ لَهُ أَخْلاَفُ الدَّنْيا، وَهُوَ مُجُازٌ. وأَخْلَفَ اللَّبَنُ: حَمُضَ. والْخَالِفُ: اللَّحْمُ الَّذِي تَجَدُ مِنْهُ رُوَيْحَةً، وَلَا بَأْسَ بِمَضْغِهِ، قَالَهُ اللَّيْثُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هَذَا رَجُلٌ خَلَفٌ: إِذا اعْتَزَلَ أَهْلَهُ. وعَبْدٌ خَالِفٌ: قد اعْتَزَلَ أَهْلَ بَيْتِهِ. وخَلَفَ فُلانٌ عَن كلِّ خَيْرٍ: أَي لم يُفْلِحْ، وَفِي الأَسَاسِ: تَغَيِّرَ وفَسَدَ، وَهُوَ مَجَازٌ.
وبَعِيرٌ مَخْلُوفٌ: قد شُقَّ عَن ثِيلِهِ مِنْ خَلْفِهِ، إِذا حَقِبَ، قَالَهُ الفَزَارِيُّ. والأخْلَفُ مِن الإِبِلِ: المَشْقُوقُ الثِّيلِ، الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ وَجَعاً. وأَخْلَفَ البَعِيرَ، كأَخْلَفَ عَنهُ. والخُلُفُ، بضَمَّتَيْن: نَقِيضُ الوَفَاءِ بالوَعْدِ، كالخُلُوفِ، بالضَّمِّ، قَالَ شُبْرُمَةُ بنُ الطُّفَيْلِ:
(أَقِيمُوا صُدُورَ الْخَيْلِ إِنَّ نُفُوسَكُمْ ... لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَالَهُنَّ خُلُوفُ)
والمُخْلِفُ: الكثيرُ الإِخْلافِ لوَعْدِهِ. والخَالِفُ: الَّذِي لَا يكادُ يُوفِي. وخَالِفَةُ الْغَازِي: مَن بَعْدَه مِن أَهْلِهِ، وتَخَلَّفَ عَنهُ. والخَالِفَةُ: اللَّجُوجُ مِن الرَّجَالِ. وخَلَفَت العامَ النَّاقَةُ: إِذا رَدَّهَا إِلى خَلِفَةٍ.
وصُخُورٌ مِثْلُ خَلائِفِ الإِبِلِ: أَي بقَدْرِ النُّوقِ الحَوَامِلِ. وامْرَأَةٌ خَلِيفٌ: إِذا كَانَ عَهْدُهَا بعدَ الوِلاَدَةِ بيَوْمٍ أَو يَوْمَيْن، عَن ابنِ الأَعْرَابِيِّ. وخَلَفَ فُلانٌ على فُلانةَ خِلاَفَةً: تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، نَقَلَهُ الزَّمْخْشَرِيُّ. وإِبِلٌ مَخَالِيفُ: رَعَتِ البَقْلَ، وَلم تَرْعَ اليَبِيسَ، فَلم يُغْنِ عَنْهَا رَعْيُهَا البَقْلَ شَيْئاً، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ:
(فَإِنْ تَسْأَلِي عَنَّا إِذَا الشَّوْلُ أَصْبَحَتْ ... مَخَالِيفَ حُدْباً لاَ يَدِرُّ لَبُونُهَا)
وفَرَسٌ ذُو شِكَالٍ مِن خِلافٍ: أَي إِذا كَانَ بيَدِهِ اليُمْنَى ورِجْلِهِ اليُسْرَى بَياضٌ، وبعضُهم يَقُول: لَهُ خَدَمَتَانِ مِنْ خِلافٍ: إِذا كَانَ بيَدِهِ اليُمْنَى بَيَاضٌ، وبيَدِهِ اليُسْرَى غيرُه. والمَخَالِفُ: صَدَقَاتُ العَرَبِ، كَذَا فِي التَّكْمِلِةِ. وخَلَفَهُ بخَيْرٍ أَو شَرٍّ: ذَكَرَه بِهِ بغَيْرِ حَضْرَتِهِ. والأَخْلِفَةُ، كأَنَّه جَمْعُ خَلْف: أَحَدُ مَحَالٌ بَوْلان بنِ عمرِو بنِ الغَوْثِ، مِن ضَيِّءِ، بأَجَإٍ، نَقَلَهُ ياقُوتُ. وَيحيى بن بنُ خُلُفٍ الحِمْيَرِيُّ، بضَمَّتَيْن، المعروفُ بأَبِي الخُلُوفِ، وَقد يُقَال فِي اسْمِ أَبيه: خُلُوف، بالضَّمِّ أَيضاً، وَلَدُه عبدُ المُنْعِمِ بنُ يحيى، حَدَّث عَنهُ أَبو الْقَاسِم الصَّفْراوِيُّ. وفُتُوحُ بنُ خَلُوفٍ، كصَبُورٍ، وابنُه عبدُ المُعْطِي، حَدَّثا عَن السِّلَفِيِّ، وابنُه محمدُ بنُ فُتُوحٍ، حدَّث عَن ابنِ مُوَقَّى.
وعبدُ اللهِ بنِ مُوسَى بنِ خُلُوفِ بنِ أَبي العَظَامِ، بالضَّمَِّ، ذكَره ابنُ بَشْكُوال. وحَمَلُ بنُ عَوْفٍ)
المَعَافِرِيُّ ثمَّ الخُلَيْفِيُّ، بالتَّصْغِيرِ، شَهِدَ فَتْحِ مصرَ، وَهُوَ والدُ عُبَادةَ بنِ حَمَلٍ، ذكَرَه ابنُ يُونُس فِي تاريح مصر. قلتُ: وشيخُ مَشَايِخِنا أَبو العَبَّاس شهابُ الدِّين أَحمد بنُ محمدَ بنِ عَطِّيَةَ بنِ أَبي الخيرِ الخُلَيْفِيُّ الأَزْهَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، تُوُفِّيَ سنة، حَدَّثَ عَن مَنْصُور الطُّوخِيِّ، والشَّمْسِ محمدٍ العِنَانِيِّ. والشِّهابِ البِشْبِيشِيِّ، وَعنهُ شُيُوخُنا، وَقد تَقَدَّم ذِكرُه فِي م وس.

السورة

السورة: هي الطائفة من القرآن المسمَّاة باسم خاص توقيفاً وأقله ثلاث آيات.
السورة
- 1 - قسم القرآن الكريم سورا، سمّيت كل منها باسم خاص، أخذ من بعض ما عالجته السورة من المعانى، أو مما تحدث عنه من إنسان وحيوان أو غيرهما، أو من بعض كلماتها.
والسورة القرآنية قد تكون ذات موضوع واحد تتحدث عنه، ولا تتجاوزه إلى سواه، مثل كثير من قصار السور، كسورة النبأ والنازعات والانشقاق، وكلها تتحدث عن اليوم الآخر، والهمزة والفيل وقريش، وهى تتحدث عن عقاب من يعيب الناس، وما حدث لأصحاب الفيل، وما أنعم الله به على قريش من نعمة الألفة.
وقد تتناول السورة أغراضا شتى، مثل معظم سور القرآن، وهنا نقف لنتبين أىّ الخطتين أقوم وأهدى: أن يرتب القرآن موضوعاته ويجعل كل سورة تتناول موضوعا واحدا معينا، فتكون سورة للأحكام وأخرى للتاريخ وثالثة للقصص ورابعة للابتهال، حتى إذا فرغت منه تناولت سورة أخرى غرضا آخر وهكذا، أو أن تتناثر أحكامه وقصصه ووعده ووعيده على النحو الذى انتهجه، والذى يبدو بادئ ذى بدء أن السلك الذى يربط بين آياته ضعيف الربط أو واهى التماسك؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف الهدف الذى إليه يرمى القرآن الكريم؛ لنرى أقوم الخطتين لتحقيق هذا الهدف والوصول به إلى جانب التوفيق والنجاح.
أما هدف القرآن الكريم فغرس عقيدة التوحيد في النفس، وانتزاع ما يخالف هذه العقيدة من الضمير، والدعوة إلى العمل الصالح المكوّن للإنسان المهذب الكامل، بسن القوانين المهذّبة للفرد، الناهضة بالجماعة.
وإذا كان ذلك هو هدف القرآن، فإن المنهج القرآنى هو الذى يحقق هذا الهدف فى أكمل صوره، وأقوى مظاهره، ذلك أنه لكى يحمل على اتّباع ما يدعو إليه يمزج دعوته بالحث على اتباعها، ويضرب المثل بمن اتبع فنجح، أو ضل فخاب، ويتبع الحديث عن المؤمنين بذكر بعض الأحكام التى يجب أن يتبعها هؤلاء المؤمنون، ويعقب ذلك بالترغيب والترهيب، ثم يولى ذلك بوصف اليوم الآخر وما فيه من جنة أو نار، وهو في كل ذلك يتكئ على الغريزة الإنسانية التى تجعل المرء خاضعا بالترغيب حينا، والترهيب حينا آخر، والقرآن حين يستمد شواهده من حوادث التاريخ لا يستدعيه ذلك أن ينهج منهج المؤرخين، فيتتبع الحادث من مبدئه إلى منتهاه، وينعم النظر في الأسباب والنتائج، ويقف عند كل خطوة من خطواته، ولكنه يقف من هذا الحادث عند الفكرة التى تؤيد غرض الآية، والجزء الذى يؤيد الهدف الذى ورد في الآيات، وقل مثل ذلك في القصة عند ما يوردها، فإنها تساق للهدف الذى تحدّثنا عنه، وهو من أجل ذلك ينظر إليها من زاوية بعينها، ولا يرمى غالبا إلى قص القصّة برمتها، وسوف نشبع الحديث في ذلك فيما يلى:
يتنقل القرآن إذا بين الأغراض المختلفة، لا اعتباطا وبلا هدف، ولكن لصلات وثيقة تربط بين هذه الأغراض، بحيث تتضافر جميعها في الوصول إلى الغاية القصوى وتحقيقها.
ولنبدأ في تفصيل ما أجملناه مبينين الصلات الوثيقة التى تربط آية بآية، ثم موضحين وجوه الترابط القوى بين الأغراض المختلفة في السورة الواحدة.
فقد تقع الآية الثانية صفة لكلمة في الآية الأولى كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (البقرة 26، 27). وقد تكون الآية الثانية توكيدا لفكرة الآية الأولى، كما تجد ذلك في قوله سبحانه: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (البقرة 94 - 96). وقد تكون الآية الثانية ردّا على ما في الآية الأولى كما في قوله تعالى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (البقرة 80، 81). وقد تحمل الآية الثانية فكرة مضادة لفكرة سابقتها، كما في قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ  وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (البقرة 24، 25). ولا ريب أن الجمع بين حكم المتضادين في الذهن يزيده جلاء ووضوحا.
وتأمل الصلة القوية بين هاتين الآيتين، وهى صلة الربط بين الحكم وحكمته فى قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(البقرة 178، 179). ويصف الكتاب ثمّ يحبّب في اتباعه مبغّضا إلى النفوس صورة منكريه، فيقول: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (البقرة 2 - 7). ويعقب توحيد الله بدلائل هذا التوحيد في قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة 163، 164).
ويطول بى القول إذا أنا مضيت في الاستشهاد على بيان الصلات التى تربط آية بآية، ولكنى أشير هنا إلى أن إدراك هذه الصلة يتطلب في بعض الأحيان تريثا وتدبرا يسلمك إلى معرفة هذه الصلة وتبيّنها، ولكنك تصل- ولا ريب- إلى وثاقة هذا الارتباط ومتانته، وخذ لذلك مثلا قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (الأنفال 4، 5). فقد لا يظهر موضع الكاف ولا مكان الصلة بين الآية الثانية وما قبلها من الآيات، ولكن التأمل يهدى إلى أن القرآن يربط بين أمرين: أولهما ما بدا من بعض المسلمين من عدم الرضا بما فعله الرسول في قسمة الغنائم، وثانيهما ما كان قد ظهر من بعض المؤمنين من كراهية أن يخرج الرسول من منزله إلى الغزو، وقد تمّ في هذا الغزو النصر والغنيمة، فكأنه يقول إن الخير فيما فعله الرسول في قسمة الغنائم، كما كان الخير فيما قام به الرسول من خروجه إلى الغزو، وبذلك تبدو الصلة قوية واضحة بين الخبرين. ومن ذلك قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْــتَلِفُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 114، 115). فقد تبدو الصلة منفصمة بين هذه الآيات، ولكنك إذا تأملت الآية الأولى وجدت فيها حديثا عن الذين لا يعلمون ولا يتلون الكتاب، وهؤلاء لا يعترفون بشيء مما أنزل الله، فهم يسعون في تقويض أسس الأديان جميعا، لا فرق عندهم بين دين ودين، وهم لذلك يعملون على أن يحولوا بين المسلمين وعبادة الله، ويسعون في تخريب بيوت عبادته، ومن هنا صحّ هذا الاستفهام الذى يدل على أنه لا أظلم من هؤلاء الذين لا يعلمون، وارتباط الآية الثالثة بما قبلها لدلالتها على أن عبادة الله ليست في حاجة إلى مسجد يقام، بل لله المشرق والمغرب، فحيثما كنتم ففي استطاعتكم عبادة الله؛ لأن ثمة وجه الله.
«قال بعض المتأخرين: الأمر الكلى المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذى سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التى تقتضى البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها، فهذا هو الأمر الكلّى المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، فإذا عقلته تبين لك وجه النظم مفصلا بين كل آية وآية في كل سورة» .
ولكل سورة في القرآن هدف ترمى إليه، فتجد سورة الأنعام مثلا تتجه إلى إثبات توحيد الله ونبوّة رسوله، وإبطال مذاهب المبطلين وما ابتدعوه من تحليل حرام أو تحريم حلال؛ وتجد سورة الأعراف تتجه إلى الإنذار والاتّعاظ بقصص الأولين وأخبارهم، وتجد سورة التوبة تحدد علاقة المسلمين بأعدائهم من مشركين وأهل كتاب ومنافقين، وتجد سورة الحجر ترمى إلى إثبات تنزيل القرآن وترهيب المكذبين به، بقصّ أخبار المكذبين قبلهم، وهكذا تجد هدفا عامّا تدور حوله السورة، وتتبعه معان أخرى تؤكده ويستتبعها، ويخلص الإنسان في السورة من معنى إلى آخر خلوصا طبيعيّا لا عسر فيه ولا اقتسار. ولنحلل سورة من القرآن، نتبين فيها منهجه، وندرك مدى تأثير هذا المنهج فى النفس الإنسانية.
ففي سورة المزمل، والهدف منها تهيئة الرسول للدعوة، وإعداده لما سيلقاه في سبيلها من متاعب ومشاق، بدئت السورة بنداء الرسول، وتكليفه بما يعده لحمل أعباء الرسالة، فقال تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (المزمل 1 - 9). ألا تراه يعدّه بهذه الرّياضة النفسية الشاقة لتحمل أعباء الرسالة المضنية فليمض الليل أو جزءا منه في التهجد وقراءة القرآن، استعدادا لما سيلقى عليه من تكاليف شاقة ثقيلة، وإنما أمر الرسول بالتهجّد في الليل؛ لأن السهر فيه أشق على النفس، ولكنها تخلص فيه لله، وتفرغ من مشاغل النهار وصوارفه، وأمر بذكر الله، والإخلاص له تمام الإخلاص، فهو رب المشرق والمغرب، لا إله إلا هو.
بعد هذا الإعداد بالرياضة أراد أن يوطنه على تحمل الأذى في سبيل هذه الدعوة والصبر عليه، وينذر هؤلاء المكذبين بما سيجدونه يوم القيامة من عذاب شديد، وهنا يجد المجال فسيحا لوصف هذا اليوم وصفا يبعث الرهبة في النفس، والخوف في القلب، عساها تكف عن العناد، وتنصاع إلى الصواب والحق، ولا ينسى أن يضرب المثل من
التاريخ لمن كذّب وعصى، كى يكون عظة وذكرى، فقال:
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (المزمل 10 - 18).
فأنت ترى الانتقال طبيعيّا من توطين الرسول على الأذى، ثم بعث الطمأنينة إلى نفسه بأن الله سيتكفل عنه بتأديب المكذبين، بما أعده الله لهم من عذاب أليم يوم القيامة، وتأمل ما يبعثه في النفس تصور هذا اليوم الذى ترتجف فيه الأرض، وتنهار الجبال فيه منهالة، وينتقل إلى الحديث عن عاقبة من كذب بالرسل من أسلافهم، ثم يتجه إليهم، موجّها لهم الخطاب يسألهم متعجبا، عما أعدوه من وقاية لأنفسهم يصونونها بها من هول يوم يشيب الطفل فيه من شدته، وحسبك أن ترفع الطرف إلى أعلى، فترى السماء التى أحكم بناؤها، قد فقدت توازنها وتصدّع بناؤها.
ويختم هذا الإنذار بجملة تدفع النفس إلى التفكير العميق، وتفتح أمامها باب الأمل والنجاة لمن أراد أن يظفر وينجو، إذ قال: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (المزمل 19). ألا تحس في هذه الجملة معنى إلقاء المغبة على عاتق هؤلاء المنذرين، وأنهم المسئولون عما سوف يحيق بهم من ألم وشقاء، أو ليس في ذلك ما يحفزهم إلى التفكير الهادئ المتزن، عساهم يتخذون إلى ربهم سبيلا؟
وينتقل القرآن من إنذاره لهؤلاء المكذبين إلى خطابه للمطيعين، وهم الرسول وطائفة ممن معه، فيشكر لهم طاعتهم، ولا يرهقهم من أمرهم عسرا، ويطلب إليهم القيام ببعض الفروض، ويحببها إليهم، فهم عند ما يؤتون الزكاة يقرضون الله، ومن أوفى بأداء الحقوق منه سبحانه، ويختم خطابه لهم بوصفه بالغفران والرحمة، فيقول: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المزمل 20).
فأنت ترى في هذه الآية الكريمة مدى الرفق في خطاب المطيعين، وما أعد لهم من رحمة وغفران، فى مقابل ما لدى الله من أنكال وجحيم لهؤلاء المكذبين.
أنت بذلك التحليل ترى مدى الترابط بين الأغراض المختلفة، واتساق كل غرض مع صاحبه، وحسن التخلص وطبيعة الانتقال من غرض إلى آخر وتستطيع أن تمضى في تحليل سور القرآن على هذا النسق، وسوف ترى الربط بين الأغراض، قويا وثيقا.
فإذا رأيت في بعض السور بعض آيات يشكل عليك معرفة وجه اتساقها في غرض السورة فتريث قليلا تروجه المجيء بها قويا، ولعل من أبعد الآيات تعلقا بسورتها في الظاهر قوله تعالى في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (القيامة 16 - 19)، فإن السورة كلها حديث عن يوم القيامة وأحواله. وأفضل ما رأيته في توجيه هذه الآيات ما حكاه الفخر الرازى من «أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل في قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (القيامة 13). قال: «يعرض عليه كتابه، فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا، فأسرع في القراءة، فيقال له: لا تحرك به لسانك، لتعجل به، إن علينا أن نجمع عملك، وأن نقرأ عليك، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت، ثم إن علينا بيان أمر الإنسان، وما يتعلق بعقوبته» وإذا كنت أوافقه في أصل الفكرة فإنى أخالفه في تفصيلاتها، فالمعنى، على ما أدرى، ينبّأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر، وذلك كما أخبر القرآن، فى كتاب مسطور، وفي تلك الآيات يصف القرآن موقف المرء من هذا الكتاب فهو يتلوه في عجل كى يعرف نتيجته، فيقال له: لا تحرك بالقراءة لسانك لتتعجل النتيجة، إن علينا أن نجمع ما فيه من أعمال في قلبك، وأن نجعلك تقرؤه في تدبر وإمعان، فإذا قرأته فاتجه الاتجاه الذى يهديك إليه، وإن علينا بيان هذا الاتجاه وإرشادك إليه إما إلى الجنة، وإما إلى السعير. وبذلك يتضح أن لا خروج فى الآيات على نظم السورة وهدفها.
ذلك هو ما أراه في ترتيب آيات القرآن الكريم وشدة ما بينها من ارتباط، وكان بعض العلماء يشعر بشدة صلة آى القرآن بعضها ببعض، حتى يكون كالكلمة الواحدة، ومن هؤلاء ابن العربى . وممن عنى بدراسة التناسب بين الآيات أبو بكر النيسابورى «وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول على الكرسى إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جانب هذه، وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وممن أكثر منه فخر الدين، قال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط» .
لا أوافق إذا عز الدين بن عبد السلام عند ما قال: «المناسبة علم حسن، ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله حسن الحديث، فضلا عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نيّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض» . ولا أوافق أبا العلاء بن غانم في قوله: «إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذى هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم وأن ليس في القرآن شىء من حسن التخلص» .
لا أوافقهما وحجتى في ذلك أمران: أما أولهما فما نراه من حسن التناسب وقوة الارتباط حقا بين الآى بعضها وبعض، محققة بذلك هدف القرآن كما تحدثنا، ولعل عز الدين ومن لف لفه كان يرى التناسب يتم إذا جمعت آيات الأحكام مثلاكلها في سورة واحدة أو عدة سور، وجمعت القصص كلها كذلك في سورة واحدة أو عدة سور، وجمعت حوادث التاريخ كلها في سورة واحدة أو عدة سور، وهكذا، وقد سبق أن بيّنا أن هذا النهج لا يحقق الهدف الذى يرمى إليه القرآن من الإرشاد والهداية، فليس القرآن كتاب قصص أو تاريخ، ولكنه كتاب دين، يرمى إلى التأثير فى النفس، فهو يلقى العظة، مبيّنا ما في اتباعها من خير، وضاربا المثل من التاريخ على صدق ما ادعى، ومستشهدا بقصص الأولين وآثارهم، ومقنّنا من الأحكام ما فيه خير الإنسانية وكمالها، وكل ذلك في تسلسل واطراد وحسن اتساق، ترتبط المعانى بعضها ببعض، ويؤدى بعضها إلى بعض.
أولا نرى في هذا النهج القرآنى وسيلة لتكرير العظات والإنذار والتبشير في صور متعددة مرات عدة، وللتكرير كما قلنا أثره في تثبيت المعنى في النفس، وبلوغ العظة الهدف الذى ترمى إليه، ولن يكون للتكرير جماله إذا عمد القرآن إلى كل غرض على حدة فوضع آية بعضها إلى جانب بعض.
وأما ثانيهما فتاريخى يعود إلى ترتيب الرسول للقرآن بأمر ربه، فقد كانت تنزل عليه الآيات فيأمر كتبة الوحى أن يضعوها في موضعها بين ما نزل من القرآن، فى هذه السورة أو تلك، ويضع بعض ما نزل في مكة بين آيات السور المدنية، فلولا أن رابطا يجمع بين هذه الآيات بعضها وبعض، ما كان ثمة سبب يدفع إلى هذا الوضع ولا يقتضيه بل لرتبت الآى كما نزلت وما كان هناك داع إلى ترتيب ولا تبويب، أما والقرآن قد نزل للناس كافة، وللأجيال جميعها فقد اختار الله لكتابه خير ترتيب يحقق الهدف الذى له نزل الكتاب الحكيم.
- 2 - وتبدأ سور القرآن مثيرة في النفس الإجلال، وباعثة فيها الشوق، والرغبة في تتبع القراءة، والاستزادة منها، فهى حينا ثناء عليه تعالى بتعداد ما له من صفات العظمة والجلال كما في قوله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الحديد 1 - 3). وحينا تعظيم من شأن الكتاب وتقدير له، تقديرا يبعث على الإصغاء إليه وتدبّر آياته كما في قوله سبحانه: تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً ... (فصلت 2 - 4) أولا ترى الشوق يملأ نفسك وأنت تصغى إلى مثل تلك الفاتحة: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (يوسف 1). وكأنما هى تنبيه للسامع كى يستجمع كل ما يملك من قوة، ليستمع إلى ما سيلقى إليه، وكذلك يثور الشوق لدى سماع كل فاتحة فيها ثناء على الكتاب وتعظيم لأمره، شوق يدعو إلى معرفة ما يحويه هذا الكتاب، الذى يصفه حينا بأنه يخرج من الظلمات إلى النور، فى قوله: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم 1).
وبأنه لا ريب فيه في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة 2).
وكثر في القرآن البدء بالقسم، وهو بطبيعته يدفع إلى التطلع لمعرفة المقسم عليه، لأنه لا يلجأ إلى القسم إلا في الأمور المهمة التى تحتاج إلى تأكيد وإثبات، وقد يطول القسم فيطول الشوق، وتأمّل جمال البدء بالقسم في قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (الليل 1 - 4).
وكما يثير القسم الشوق والتطلع، كذلك يثيرهما في النفس الاستفهام والشرط، ففي الاستفهام تتجمع النفس لمعرفة الجواب، وفي الشرط تتطلع لمعرفة الجزاء، وقد افتتحت عدة سور من القرآن بهما كما في قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت 2). وقوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (الانفطار 1 - 5).
وقد تبدأ السورة بنداء الرسول أو المؤمنين، للأمر بشيء ذى بال، أو النهى عن أمر شديد النكر، أو تبدأ بخبر يثير الشوق، أو تدخل السورة مباشرة في الحديث عن الغرض الذى نزلت لأجله، كما في قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (التوبة 1). وكأن في ضخامة الغرض وقوته ما يشغل عن التمهيد له، بل كأن في التمهيد إضاعة لوقت يحرص القرآن على ألا يضيع.
وقد يكون مفتتح السورة موحيا بفكرتها، ومتصلا بها شديد الاتصال، ومتناسبا معها شديد التناسب، فمن ذلك سورة آل عمران التى افتتحت بقوله:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (آل عمران 2). وقد عالجت السورة أمر عيسى ونزهت الله عن الولد، أو لا ترى البدء مناسبا لهذا التنزيه؟ ومن ذلك سورة النساء، فقد تحدثت عن كثير من أحكامهن في الزواج والميراث، فكان من أجمل براعات الاستهلال قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء 1)، ألا ترى في خلق المرأة من زوجها ما يوحى بالرفق والحنان الذى يجب أن تعامل به المرأة فلا يبخس حقها زوجة أو أما أو بنتا، وفي الحديث عن تقوى الأرحام هنا إشارة كذلك إلى أن السورة ستعالج بعض أمورهم أيضا ورثة يتامى.
وقل مثل ذلك في أول الأنعام التى ترمى إلى إثبات توحيد الله إذ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام 1)، فليس غير السموات والأرض شىء يبقى خلقه لغير الله.
- 3 - ولخاتمة السورة أثرها الباقى في النفس، لأنه آخر ما يبقى في الذهن، وربما حفظ دون باقى الكلام، ومن أجل هذا كانت خواتم سور القرآن مع تنوعها تحمل أسمى المعانى وأنبلها، فهى حينا دعاء وابتهال يحمل النفس الإنسانية إلى عالم روحى سام، يعترف فيه الإنسان بعجزه أمام قدرة الله، ويطلب من هذه القوة القاهرة أن تعينه وأن تنصره، أو لا يشعر المرء حين يلتجئ إلى هذه القوة بأنه ألقى ثقله، وتخفف من عبئه، كما تجد ذلك في ختام سورة البقرة إذ يقول سبحانه: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (البقرة 286). أو لا يؤذن هذا الدعاء بعد سورة اشتملت على كثير من الجدل والنقاش، وجملة كبيرة من الأحكام بأن السعادة الحقة إنما هى في هذا الالتجاء إلى الله، واستمداد القوة من قدرته، وبذا كان هذا الدعاء مؤذنا بالانتهاء، باعثا برد الراحة في الفؤاد، بعد معركة طال فيها بيان الحق، ومناقشة الباطل وهدمه.
وحينا حديث عن الله بإجلاله وتقديسه، أو بتعداد صفاته الباعثة على حبه وإجلاله معا، فتراه في ختام سورة المائدة يقول: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة 120). وفي ختام سورة الإسراء يقول: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (الإسراء 111). إلى غير ذلك من سور كثيرة، وكأن في هذا الختام خلاصة الدعوة التى تهدف السورة إليها، فكان ذكره مؤذنا بانتهائها، كما تذكر خلاصة الكتاب في نهايته.
وفي أحيان كثيرة تختم السورة بما يشعر بأن القرآن قد أدى رسالته، فعلى السامع أن يتدبر الأمر، ليرى أى الطريقين يختار، والختم بذلك يبعث في نفس القارئ التفكير أيؤثر الهدى أم يختار الضلال، فتراه مثلا في نهاية سورة التوبة يقول: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (التوبة 128 - 129)، أو تختم بإنذار أو وعد أو أمر بركن من أركان الحياة الرفيعة الصالحة، فيختم آل عمران بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران 200).
وقل أن تختم السورة بحكم تشريعى جديد، كما في سورة النساء. وفي كل ختام تشعر النفس بأن المعانى التى تناولتها السورة قد استوفت تمامها، ووجدت النفس عند الخاتمة سكونها وطمأنينتها، حتى إن السورة التى ختمت باستفهام لم يشعر المرء عنده بنقص يحتاج إلى إتمام، بل كان جوابه مغروسا فى القلب، مستقرا في الضمير، فتم بالاستفهام معنى السورة، وأثار في النفس ما أثار من إقرار لا تستطيع تحولا عنه ولا إخفاء له. 

شجَر

شجَر: شَجَّر (بالتشديد). شَجَّر النبات صار شجراً (محيط المحيط).
وشجر: صار شجرة، ففي معجم المنصوري: حنّا: يشجّر بدرعَة والجريد وبلاد المشرق ولا يشجّر بالأندلس. وفي ابن العوام (1: 193): أما فسائل (أوتاد) السفرجل والرمَّان وما يشبههما من هذه الأنواع فيجب أن تزرع قبل أن تبدو براعمها في مربعات للخضر التي تتطلب كثيراً من الماء مثل نبات الباذنجان فهو موافق لها لأنه شجر (يُشَجِر) على
الوتد ويصونه عن الشمس.
شَجَّر: ذكرها فوك في مادة لاتينية معناها: شجرة التين.
شجَّر: صوَّر صور أشجار بالفسيفساء (ابن جبير ص75) وصوّر أشجاراً (المعري 1: 323).
شَجَّر: نظم الخيط وأدخله من طرف إلى الطرف الآخر (بوشر).
تشجَّر: صار شجراً (فوك).
تشجَّر: تشجع، تقوّى (بوشر).
تشاجَر. تشاجَر الأمْرُ بينهما (بدرون ص254) بمعنى شجر الأمر بينهما، أي اضطرب الأمر بينهما وتنازعا فيه. وقد فسرها لين في أول مادة شَجَر.
شَجَر وشِجَر: واحدته شَجَرة وشِجَرة بدل اسم الجمع شِجَر والفتحة فيه على الجيم. وفي معجم فوك: شِجَار.
شَجَر: لما كانت الشين إذا وليتها الجيم صعبة النطق فقد خففت إلى السين (انظر سَجَّة تصحيف شَجُّة، وسَجْعَة تصحيف شجعة) ويذكر بوشر مقابل arbre شجرة أو سجرة، والجمع أشجار وأشجار، واسم الجنس: شجر أو سجر. ويقول شيوب إن أهل الجزائر يقولون دائماً سجرة بدل شجرة. وعند هلو سجرة: عوسج، شوك، عليق، وشجرة: شَجَرة. وأهل غرناطة يقولون: سِجَر وسِجَرة (شجر التين وشجرة التين) وانظر هذا فيما يلي.
شَجَر: صورة الشجرة في الفسيفساء (ابن جبير ص337) شَجَر في الأندلس: شجر التين، واحدته شجرة أي شجرة التين (فوك ص41، وانظر الترجمة اللاتينية القديمة) وفي معجم ألكالا: سِجَر بالسين: شجرة التين التي تثمر تيناً أسود. وعند هرماندو دي بازا فيما نقله ملّر في آخر أيام غرناطة (ص60) باللاتينية ما معناه: الشجرة الكبيرة شجر مضافاً إلى كلمة أخرى مثل: شجر الحبّ: إكليل الملك. ففي المستعيني مادة إكليل الملك: قيل هو شجر الحب. وبعد ذلك: ومنها (ومنه) صنف رابع وهو المنسوب لشجر الحب.
شجر الحاجّ: نبات اسمه العلمي: Hedysarum alhagi وهو عند الرازي نبات اسمه العلمي: erica arborea ( ابن البيطار 1: 207، 278). وقد أسيئت ترجمتها. شجر الحياة: شجرة السندروس، شجرة من طائفة السرو (بوشر).
شجر الذهب: انظر شجر اليسر.
الشجر الريفي: شجر البندق (انظر في مادة ريفي).
شجر العرب: شجر القيقب (بوشر).
شجر العفص: سنديان، بلوط (المعجم اللاتيني - العربي).
شجر فتنة: سنط، أقاقيا، أكاسيا (بوشر).
شجر قناديل: شجر الشمعدان الكبير (برتون 1: 325).
شجر الكافور: نبات اسمه العلمي: laurus camphora ( ابن البيطار 1: 509). شجر المنثور: شجر يشبه شجر الكافور (ابن البيطار 1: 509).
شجر اليُسْر: اسم شجرة، ففي ابن البيطار (1: 444): ونواره أشبه شيء بنوار شجر اليسر المسمى شجر الذهب. وفي مخطوطة ب: شجر النسر، غير أن شجر اليسر موجود في مخطوطة أدل وهي فيها مضبوطة بالشكل ويؤيدها الاسم الآخر: شجر الذهب كلمات مؤلفة من شجرة مضافة إلى كلمة أخرى: شجرة إبراهيم: انظر ابن البيطار (2: 86) ذو الخمس ورقات، وفي المستعيني في مادة: كفّ الجذماء، وفي معجم المنصوري في مادة بنجنكست. ويزرع النوع الصغير منها في البيوت، ويسميها قوم: شجرة مريم (ابن البيطار 2: 79).
شجرة أبي مالك: اسم شجرة وصفها ابن البيطار (2: 48).
شجرة الله: نبات اسمه العلمي: luniperus sabina ( ابن البيطار 2: 85). شجرة باردة: البلاب الصغير (ابن البيطار 2: 86).
شجرة البراغيث: انظرها في مادة برغوث.
شجرة البهق = القنابري، وهو نبات اسمه العلمي Plumbago europea?.
شجرة التنين: اللوف الكبير، لوف الحية (ابن البيطار 2: 86) شجرة التيس: طراغيون (ابن البيطار 2: 86).
الشجرة الثمراء: صنف من الشبرم (ابن العوام 2: 388) شجرة الجن: هي الغبراء (ابن البيطار 1: 326 رقم 5) وفيه وقيل إنه شجرة الجن يجتمعون إليها الخ .. وذكر هذا الاسم أيضاً في كتاب نقل منه كليمنت - موليه (1: 303 رقم 1) وفيه: أطلق عليه هذا الاسم لأنهم يزعمون أن الجن يجتمعون حول هذه الشجرة بعد غروب الشمس.
شجرة جَهَنّم: دند الهند، حمامة الهند.
ونبات الخروع (ألكالا) شجرة الحبة الخضراء: البطم (ابن البيطار 1: 144) شجرة حرَّة: اسمها العلمي: Melia Azederach ( ابن البيطار 2: 85) شجره الحنش: لوف قبطي، آذان الفيل (المستعين في مادة لوف) شجرة الحيات: نبات اسمه العلمي: Cupressus Sempervirens. وسمي كذلك لأن الحيات تحب هذه الشجرة (ابن البيطار 2: 85).
شجرة الخطاطيف: نبات اسمه العلمي: chelidonium ( ابن البيطار 2: 86). شجرة الدبّ: المؤلفون مخــتلفون في معنى هذا النبات. انظر ابن البيطار (2: 85).
شجرة الدبق. المخيطا (ابن البيطار 2: 85). شجرة الدم: نبات اسمه العلمي: Anchusa tinctoria ( ابن البيطار 2: 85).
شجرة الدم: نبات اسمه العلمي: Polygonum المعجم اللاتيني العربي وفيه ( Poligonos) شجرة رستم: هي Aristolochia longa عند أهل إفريقية (ابن البيطار 2: 86) انظر في المستعيني: زراوند طويل.
شجرة المرقد: هي في الأندلس وإفريقية نبات اسمه العلمي: Datusra Metel ( ابن البيطار 15: 269) أصل هذه الشجرة الكائن في باطن الأرض في صورة صنم قائم ذي يدين ورجلين وله جميع أعضاء الإنسان (ابن البيطار 2: 14)
شجرة الضفادع: نبات اسمه العلمي Ranunculus Asiaticus ( ابن البيطار 2: 85) شجرة الطحال: نبات اسمه العلمي: Lonicera Periclymenum. ( ابن البيطار 2: 85) شجرة الطلق: جينة شائكة في عظم البطيخ الهندي (الرقي) أصلها مستدير يشبه الجزر وأغصانها متشابكة. وسميت شجرة الطلق لأن الماء الذي يغمس فيها دواء يسرع بالولادة ويسهلها (المستعيني، ابن البيطار 2: 85). ويقول الأنطاكي أنها = كَفَّ مَرْيم. غير أني لم أجد هذا في مخطوطتنا لابن البيطار.
شجرة الفرس: شجرة السوس، عرق السوس، سوس (المستعيني في مادة سوسن).
شجرة الفَرَس: نبات اسمه العلمي: Astregalus Poterium ( ابن البيطار 2: 563) (وفي مخطوطة أب: الضمة على الفاء).
شجرة اللبخ (أنظر المستعيني في مادة لبخ).
شجرة الكفّ = كفَّ مَرْيَم (ابن البيطار 2: 87). شجرة الكلب: آلوسن، حشيشة اللجاة (ابن البيطار 2: 85).
شجرة مريم: اسم عدد كبير من النباتات، ففي الأندلس هي نبات Parthenium ( الكالا) وفيه شَجرة مريم: ذو الخمس ورقات، بنجنكشت، (ابن البيطار 2: 86) شجرة مريم: شجرة تشبه شجرة السفرجل. (ابن البيطار 2: 86).
( yerva de Sancta Maria. أي شجرة مريم) وقال ابن جلجل: هو اسم يطلقه العامة في الأندلس (ابن البيطار 2: 86 (وانظر 1: 89)، ابن العوام 1: 31، 2: 312، كلمنت موليه 2: 302 رقم1) شجرة مريم: ليبا نوطس (ابن البيطار 2: 86. المستعيني).
شجرة مريم: نبات اسمه العلمي: Cyclamen Europoeum ابن البيطار 2: 86).
شجرة مريم: أفسنتين (باجني مخطوطات) وهي عند شيرب: شجرة أمنا مريم.
شجرة مريم أمنا: نبات اسمه العلمي: artemisia arborescens. ( براكس مجلة الشرق والجزائر 8: 280).
شجرة المْلِك: نبات اسمه العلمي: Anchusa, L. (ancusa) ( المعجم اللاتيني - العميد) شجرة مُوسْى: نبات اسمه العلمي: Rosa canina ( ابن البيطار 2: 86) شجرة اليمام: نبات اسمه العلمي: heliotropium ( ابن البيطار 2: 86) شَجَريَّة: مشجر صغير، غيضة، أيكة، أجمة (بوشر).
شَجَريّة: مغرس، مشتل، مستنبت (بوشر).
شَجْرَاء: هذه الكلمة لا تعني في تاريخ البربر (1: 530) الأشجار عامة: بل تعني أشجار التين (انظر مادة شجر) لأنا نقرأ فيه: ثم جمع الأيدي حتى قطع نخيلهم وإقلاع شجرائهم (والصواب واقتلاع كما جاء في مخطوطتنا رقم 1351) وأرى أن هذه الكلمة تعني نفس هذا المعنى في تاريخ البربر (1: 634، 2: 134، 299، 319 الخ).
شجارية: النباتات. وهي المواد التي تدخل في الأدوية المركبة. ففي أماري (ص622): وهو أوّل من عمل بقرطبة ترياق الفاروق على تصحيح الشجارية التي فيه. وقد أربكت هذه الكلمة دي ساسي (عبد اللطيف ص500 رقم12) وهو لم يفهم معناها.
شَجَّار: نباتي، عالم بالنبات (أماري ص622) وفي معجم المنصوري مادة نسرين وليس ما يَدّعيه شجَّار والمغرب بصحيح (ابن البيطار 1: 5، 27، 37، 54، 69 الخ).
مَشْجَر: غيضة، أيكة، أجمة. وتجمع على مَشاجر (أماري ص49. كرتاس ص280).
مُشَجَّر: كثير الأشجار: الآجام والغابات (المقدمة 3: 370).
مُشَجَّر: شمعدان كبير ذو شعب كثيرة (ابن جبير ص151).
مُشَجَّر: نسيج حرير موشي بأزهار (بوشر).
مُشَجَّر: كتابة أهل الصين التي هي مشتبكة كالشجر (محيط المحيط).

فَلت

(فَلت)
الشَّيْء فلتا تخلص فَهُوَ فالت
فَلت
: (الفَلْتَةُ) بالفَتْح: (آخرُ لَيْلَةٍ مِن) الشَّهْرِ، وَفِي الصّحَاح: آخرُ لَيْلَةٍ من (كُلِّ شَهْر، أَو آخِرُ يومٍ من الشَّهْرِ الذِي بَعْدَهُ الشَّهْرُ الحَرَامُ) كآخرِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، وَذَلِكَ أَنْ يَرَى فيهِ الرَّجُلُ ثَأْرَهُ، فرُبَّمَا تَوانَى فِيهِ، فإِذا كَانَ الغَدُ دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ ففَاتَهُ، قَالَ أَبُو الهَيْثَمِ: كَانَ للعَربِ فِي الجاهِلِيَّةِ ساعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الفَلْتَةُ يُغِيرُون فِيهَا، وَهِي آخِرُ ساعَةٍ من آخِرِ يَوْمغ من أَيَّامِ جُمَادَى الآخِرة يُغِيرُون تِلْكَ السَّاعَةَ، وإِن كَانَ هِلالُ رَجَب قد طَلَعَ تِلْكَ الساعَةَ؛ لأَنّ تِلْكَ الساعَةَ مِن آخِرِ جُمَادى الآخِرَةِ مَا لم تَغِب الشَّمْسُ وأَنشد:
والخَيْلُ ساهِمَةُ الوُجُو
هِ كأَنَّما يَقْمُصْنَ مِلْحَا
صَادَفْنَ مُنْصُلَ أَلَّةٍ
فِي فَلْتَةٍ فَحَوَيْنَ سَرْحَا
وَقيل: لَيْلَةٌ فَلْتَةٌ: هِيَ الَّتِي ينْقُصُ بهَا الشَّهْرُ ويَتِمُّ، فَرُبمَا رأَى قومٌ الهلالَ وَلم يُبْصِرْه الْآخرُونَ، فيُغِيرُ هاؤلاءِ على أُولئك، وهم غَارُّونَ، وَذَلِكَ فِي الشَّهْر وسُمِّيَتْ فَلْتَةً؛ لأَنَّهَا كالشّيْءِ المُنْفَلِتِ بعد وَثاقٍ، وأَنشد ابْن الأَعْرَابيّ:
وغارَةُ بَيْن اليَوْمِ واللَّيْلِ فَلْتَةٌ
تَدَارَكْتُها رَكْضاً بِسِيدِ عَمَرَّدِ
شبَّه فَرَسَه بالذِّئْبِ.
(و) يُقَال: (كَانَ) ذَلِك (الأَمْرُ فَلْتَةً، أَي فَجْأَةً من غير تَرَدُّدٍ و) لَا (تَدَبُّرٍ) .
وعبَارَةُ المِصْبَاحِ: أَي فَجْأَةً، حَتَّى كأَنَّه انْفَلَتَ سَرِيعاً؛ وَفِي الحَدِيث (إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كانَتْ فَلْتَةً وَقَى الله شَرَّهَا) قيل: الفَلْتَةُ هُنَا مُشْتَقَّةٌ من الفَلْتَةِ، آخِرِ لَيْلَةٍ من الأَشْهُرِ الحُرُمِ، فَيَخْــتَلِفُون فِيهَا أَمِنَ الحِلّ هِيَ أَمْ من الحَرَمِ، فيُسارع المَوتُورُ إِلى دَرْكِ الثَّأْرِ، فيَكْثُرُ الفَسَادُ، وتُسْفَكُ الدّماءُ، فشَبَّهَ أَيامَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمبالأَشْهُرِ الحُرُمِ، وَيَوْمَ مَوْتِهِ بالفَلْتَةِ فِي وُقُوع الشَّرِّ من ارتدادِ العَرَبِ، وتَوَقُّفِ الأَنْصَارِ عَن الطَّاعَةِ، ومَنْعِ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، والجَرْيِ على عَادَةِ العَرَبِ فِي أَن لَا يَسُودَ القبيلَةَ إِلاّ رَجُلٌ مِنْهَا.
ونَقَل ابنُ سِيدَه عَن أَبي عُبيدٍ: أَراد: فَجْأَةً، وكَانَتْ كذِّلك؛ لأَنَّها لم تُنْتَظَرْ بهَا العَوامُّ إِنما ابْتَدَرَهَا أَكابِرُ أَصحابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وسلممن المُهَاجِرِينَ وعامَّةِ الأَنْصارِ إِلاّ تِلْكَ الطَّيْرَةَ الَّتِي كانَتْ من بَعْضِهِمْ، ثمَّ أَصْفَقَ الكُلُّ لَهُ بمَعْرِفَتْهِم أَنْ لَيْسَ لأَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ مُنازِعٌ وَلَا شَرِيكٌ فِي الْفضل، وَلم يكن يُحْتَاجُ فِي أَمْرِه إِلى نَظَر وَلَا مُشاوَرَةٍ.
وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ: إِنما معنى فَلْتَة: البَغْتَةُ، قَالَ: وإِنما عُوجِلَ بهَا مُبَادَرَةً لانْتِشارِ الأَمْرِ حَتَّى لَا يَطمَعَ فهيا من ليسَ لَهَا بِمَوْضِعٍ.
وَقَالَ ابنُ الأَثِيرِ: أَرادَ بالفَلْتَة الفَجْأَةَ، ومِثْلُ هاذِهِ البيعةِ جَدِيرةٌ بأَن تكون مُهَيِّجَةً للشَّرِّ والْفِتْنَةِ، فعَصَم الله تَعَالَى من ذَلِك، وَوَقَى، قالَ: والفَلْتَةُ: كُلُّ شَيْءٍ فُعِلَ من غَيْرِ رَوِيَّةِ، وإِنما بُودِرَ بهَا خَوْفَ انْتِشَارِ الأَمْرِ.
وَقيل: أَرادَ بالفَلْتَةِ الخَلْسَةَ، أَي أَنّ الإِمَامَةَ يومَ السَّقيفَة مَالَت الأَنْفُسُ إِلى تَوَلِّيهَا، ولذالك كَثُرَ فِيهَا التَّشَاجُرُ، فَمَا قُلِّدَهَا أُبُو بَكْر إِلاّ انْتِزَاعاً من الأَيْدِي، واخْتِلاساً، كَمَا فِي لسانِ الْعَرَب، وَمثله فِي الفائِقِ، والمُحْكَم، وَغَيرهَا، وَوجدت فِي بعض المَجَاميع: قَالَ عليُّ بنُ الإِسْرَاج: كَانَ فِي جِوَارِي جَارٌ يُتَّهَمُ بالتَّشَيُّعِ، وَمَا بانَ ذَلِك مِنْهُ فِي حالٍ من الحالاتِ إِلا فِي هِجاءٍ امرأَتِهِ، فإِنه قَالَ فِي تَطْلِيقها:
مَا كُنْتِ من شَكْلِي وَلَا كُنْتُ منْ
شَكْلِكِ يَا طَالِقَةُ الْبَتَّهْ
غَلظْتُ فِي أَمْرِكِ أُغْلُوطَةً
فأَذْكَرَتْنِي بَيْعَة الفَلْتَهْ
(وأَفْلَتَنِي الشَّيْءُ وَتَفَلَّتَ مِنِّي) .
وأَفْلَتَ الشَّيْءُ و (انْفَلَتَ) بمَعْنًى واحدٍ.
(وأَفْلَتَهُ غَيْرُه) : خَلَّصَهُ، وَفِي الحَدِيثِ (تَدَارَسُوا القُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً من الإِبِلِ من عُقُلِها) التَّفَلُّتُ والانْفِلاتُ والإِفْلاتُ: التَّخَلُّصُ من الشَّيْءٍ فَجْأَةً مِنْ غَيْر تَمَكُّث، وَفِي الحديثِ (أَنَّ رَجُلاً شَرِبَ خَمْراً فَسَكِرَ فَانْطُلِقَ بِهِ إِلى النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلمّا حَاذَى دارَ العبَّاسِ انْفَلَتَ، فدَخَلَ عَلَيْهِ، فَذَكَرَ ذالِك لَهُ، فضَحِكَ، وقَالَ: أَفَعلَهَا؟ وَلم يَأْمُرْ فِيهِ بشَيْءٍ وَفِي حَدِيث آخر (فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ من يَدي) أَي تَتَفَلَّتُونَ، فحُذِفت إِحدى التَّاءَين تخْفِيفاً.
وَيُقَال: أَفْلَتَ فلانٌ جُرَيْعَةَ الذَّقَنِ يُضْرَبُ مَثَلاً للرَّجُلِ يُشْرِفُ على هَلَكَةٍ ثمَّ يُفْلِتُ، كَأَنَّهُ جَرَعَ الموْتَ جَرْعاً ثمَّ أَفْلَتَ مِنْه.
والإِفْلاتُ يكونُ بِمَعْنَى الانْفِلاتِ لازِماً، وَقد يكون واقِعاً، يُقَال: أَفْلَتُّهُ من الهَلَكَةِ، أَي خَلَّصْتُه، وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيتِ:
وأَفْلَتَنِي مِنْهَا حِمَارهي وجُبَّتِي
جَزَى الله خَيْراً جُبَّتِي وحِمَارِيَا
وَعَن أَبي زَيْد: من أَمثَالِهِمْ فِي إِفْلاتِ الجَبانِ، (أَفْلَتَنِي جُرَيْعَةَ الذَّقَنِ) إِذا كَانَ قَرِيباً كقُرْبِ الجُرْعَةِ من الذَّقَنِ، ثمَّ أَفْلَتَهُ، قَالَ أَبو مَنْصُور: معنى أَفْلَتَنِي، أَي انْفَلَتَ مِنّي، وَقيل: معنَاه أَفْلَتَ جَرِيضاً، قَالَ مُهلهِل:
منّا عَلَى وَائِلٍ وأَفْلَتَنَا
يَوْماً عَدِيٌّ جُرَيْعةَ الذَّقَنِ
وسيأْتي البَحْثُ فِي ذَلِك فِي جرض.
وَعَن ابْن شُمَيْل: أَفلَتَ فلانٌ من فلَان، وانْفَلَتَ، ومَرَّ بِنَا بَعِيرٌ مُنْفَلِتٌ وَلَا يُقَالُ مُفْلِتٌ، وَفِي الحَدِيثِ عَن أَبي مُوسى قالَ: قالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّ الله لَيُمْلِي للظَّالِمِ حتّى إِذا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) أَي لَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُ.
(وافْتَلَتَ) الشَّيْءَ: أَخَذَه فِي سُرْعَة، قالَ قيْسُ بنُ ذَريح:
إِذَا افْتَلَتَتْ مِنْكَ النَّوَى ذَا مَوَدَّةٍ
حَبِيباً بتَصْدَاعٍ من البَيْنِ ذِي شَعْب
أَذَاقَتْكَ مُرَّ العَيْشِ أَوْ مُتَّ حَسْرَةً
كَمَا مَاتَ مَسْقِيُّ الضَّيَاحِ على الأَلْب
وافْتَلَتَ (الكَلامَ) واقْتَرَحَهُ، إِذا (ارْتَجَلَهُ) .
(وافْتُلِتَ) فلانٌ (على بِنَاءٍ المَفْعُولِ) وعبارةُ الصّحاح: عل مَا لم يُسَمَّ فاعِلُه، أَي (مَاتَ فَجْأَةً) .
وَعَن ابْن الأَعرابيّ: يُقَال لِلْمَوْتِ الفَجْأَةِ: المَوْتُ الأَبْيَضُ، والجَارِفُ، واللاَّفِتُ، والفَاتِلُ.
يُقَال: لَفَتَهُ الموْتُ، وفَلَتَهُ، وافْتَلَتَهُ، وَهُوَ الموْتُ الفَوَاتُ (والفُوَات) وَهُوَ أَخْذَةُ الأَسَفِ، وَهُوَ الوَحِيُّ. والموتُ الأَحْمَرُ: القتلُ بِالسَّيْفِ، والموتُ الأَسْوَدُ: هُوَ الغَرَقُ والشَّرَقُ، وَفِي الحدي: (أَنَّ رَجُلاً أَتاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُها، فمَاتَتْ وَلم تُوصِ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فقالَ: نَعَمْ) قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: افتُلِتَتْ نَفْسُها: يَعْنِي ماتَتْ فَجْأَةً وَلم تَمْرَضْ فَتُوصِيَ، وَلكنهَا أُخِذَتْ نَفْسُها فَلْتَةً. يُقَال: افْتلَتَهُ، إِذا اسْتَلَبَه.
(و) افْتُلِتَ (بَأَمْرِ كَذَا: فُوجِىءَ بِه قَبْلَ أَن يَسْتَعِدَّ لَهُ) هاكَذَا فِي سائِرِ النُّسَخِ، وَفِي أُخرى: فُجِىءَ بِه، بِغَيْر الوَاو، الأَوّلُ، من المُفَاجأَة، وَالثَّانِي من الفَجْأَةِ، ويُرْوَى بنَصْبِ النفسِ، ورفْعِها، فَمَعْنَى النصب افتَلَتَها الله نَفْسَها، يتعدّى إِلى مفعلوين، كَمَا تَقول: اخْتَلَسَهُ الشَّيْءَ، واستَلَبَه إِيّاه، ثمَّ بنى الْفِعْل لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُهُ، فتَحوَّلَ المَفْعُولُ الأَولُ مُضْمَراً، وَبَقِي الثَّانِي مَنْصُوبًا، وَتَكون التاءُ الأَخِيرَةُ ضَمِيرَ الأُمِّ، أَي افْتُلِتَتْ هِيَ نَفْسَها، وأَما الرَّفْعُ فَيكون متعدِّياً إِلى مفعول وَاحِد أَقَامَهُ مُقَامَ الفَاعِلِ، وَتَكون التَّاءُ لِلْنَّفْسِ، أَي أُخِذَتْ نَفْسُها فَلْتَةً.
وكُلُّ أَمْرٍ فُعِلَ على غير تَلَبُّثٍ وتَمَكُّثٍ فقد افْتُلِتَ، والاسْم الفَلْتَهُ، وَقَالَ حُصَيْبٌ الهُذَليُّ:
كَانُوا خَبِيئَةَ نَفْسِي فافْتُلِتُّهُمُ
وكُلُّ زَادٍ خَبِىءٍ قَصْرُهُ النَّفَدُ
قَالَ: افْتُلِتُّهُ: أُخِذُوا مِنّي فَلْتَةً، زَادٌ خَبِىءٌ: يُضَنُّ بِهِ.
(والفَلَتَانُ، مُحَرَّكَةً) : المُتَفَلِّتُ إِلى الشَّرِّ، وَقيل: الكَنِيزُ اللَّحْمِ، والفَلَتَانُ: السَّرِيعُ، والجَمْعُ فِلْتَانٌ، عَن كُرَاع.
والفَلَتَانُ (النَّشِيطُ) ، يُقَال: فَرَسٌ فَلَتَانٌ، أَي نَشِيطٌ حَديدُ الفُؤَادِ. (و) فِي التَّهْذِيب: الفَلَتَان والصَّلَتَان، من التَّفَلُّتِ والانْصِلات، يُقَال ذَلِك: للرَّجُلِ الشَّدِيدِ (الصُّلْب) ، ورَجُلٌ فَلَتَانٌ: نَشِيطٌ حديدُ الفُؤادِ.
(و) الفَلَتَان. (الجَرىءُ) ، يُقَال رَجُلٌ فَلَتَانٌ وامْرَأَةٌ فَلَتَانَةٌ.
(و) الفَلَتَانُ بْنُ عَاصِمٍ الجَرْمِيُّ (صَحَابِيُّ) .
(و) الفَلَتَانُ (طَائِرٌ) ، زَعَمُوا أَنَّه (يَصِيدُ القِرَدَةَ) ، قَالَ أَبو حَاتِم: هُوَ الزُّمَّجُ، وَهُوَ يَضْرِبُ إِلى الصُّفْرَةِ، ورُبَّما أَخَذَ السَّخْلَةَ والصّغِيرَ، كَذَا فِي حَيَاة الحَيَوَان وَغَيره.
(وكِسَاءٌ فَلُوتٌ) ، كصَبُورٍ، وضُبط فِي بعض النّسخ كتَنُّورٍ، وَهُوَ خَطَأٌ (: لَا يَنْضَمُّ طَرَفَاهُ) على لَا بِسِه (من صِغَرِهِ) ، وَقيل: لخُشُونَتِهِ أَو لِينِه، كَمَا قَالَ ابنُ الأَعْرَابيّ، وثَوْبٌ فَلُوتٌ: لَا يَنْضمُّ طَرَفَاهُ فِي اليَدِ، وَقَول مُتَمِّمٍ فِي أَخِيه مالِكٍ: عَلَيْهِ الشَّمْلَةُ الفَلُوتُ، يَعْنِي اتي لَا تَنْضَمُّ بَين المَزَادَتَيْنِ، وَفِي حَدِيث ابنِ عُمَرَ: (أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَمَعَهُ جَمَلٌ جَزُورٌ، وبُرْدَةٌ فَلُوتٌ) قَالَ أَبو عُبيد: أَرًّد أَنها صَغِيرةٌ لَا ينْضَمُّ طَرَفاهَا، فَهِيَ تُفْلِتُ من يَدِه إِذا اشْتَمَلَ بهَا.
وَعَن ابْن الأَعْرَابِيّ: الفَلُوتُ: الثَّوْبُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ على صاحبهِ لِليِنِه أَو خُشُونَتِهِ، وَفِي الحَدِيث: (وَهُوَ فِي بُرْدةٍ لَهُ فَلْتَةٍ) أَي ضَيِّقَه صغيرَةٍ لَا يَنْضَمُّ طرَفَاهَا، فَهِيَ تَفَلَّتُ من يدِهِ إِذا اشْتَمَلَ بهَا (فسمّاها بالمرَّة من الانفلات) يُقَال: بُرْدُ فَلْتَةٌ وفَلُوتٌ، كَذَا فِي لِسَان الْعَرَب.
(و) أَراه يَتَفَلَّتُ إِلى صُحْبتِك، من (تَفَلَّتَ إِلَيْهِ) إِذا (نَازَعَ) فِيهِ.
(و) تَفَلَّتَ (عَلَيْه) إِذا (تَوَثَّبَ) ، وَفِي الحَدِيث: (إِنَّ عفْريتاً مِن الجِنِّ تَفَلَّتَ عليَّ البَارِحَةَ (أَي تَعرّضَ لي فِي صَلاتي فَجْأَةً، وَتقول: لَا أَرى لَك أَن تَتَفَلَّتَ إِلى هَذَا، وَلَا أَن تَتَلَفّت إِليه.
(و) فِي الأَساس: فالَتَهُ بِهِ مُفَالَتةً وفِلاَتاً: فاجَأَه.
و (الفِلاَتُ المُفَاجَأَةُ) نقلَه الصّاغَانيّ وسيأْتي فِي فلط أَنَّ الفِلاطَ بِمَعْنى المُفَاجأَة لغةُ هُذَيْلٍ، نَقله الجوهَريّ وَغَيره.
(وسَمَّوْا أَفْلَتَ) وفُلَيْتاً وفَلِيتَةَ، (كأَحْمَدَ وزُبَيْرٍ وسَفِينَة) ، فَمن الأَول: أَفْلَتُ بنُ ثُعَلَ بنِ عَمْرِو بن سلسلة الطّائيّ، أَبو غَزِيَّةَ وعَدِيَ أُمراءِ الْحجاز والعراقِ، وَمن الثَّانِي: فُلَيْتٌ العَامِرِيُّ عَن حَبْرَةَ بنتِ دِجَاجَة، وَآخَرُونَ، وَمن الثَّالِث فَلِيتَةُ بنُ الحَسَن بن سُلَيْمَان بن مَوْهُوبٍ الحَسَنِيّ بيَنْبُعَ، والأَمِير الشُّجَاعُ فَلِيتَهُ بنُ قاسِمِ بنِ محمَّد بن جَعْفَرٍ الحَسَنِيّ، ابْن أَخي شُمَيْلَة، الذِي سمع على كريمَةَ المَرحوَزِيّة، مَلَكَ مَكَّةَ بعد أَبيه، وَتوفى سنة 527، وشُكحر، ومُفَرِّج، ومُوسى، بَنو فَلِيتَةَ هَذَا، وصَفَهم الذَّهَبِيّ بالإِمارة.
قُلْتُ: والشريفُ تاجُ الدّين هاشِمُ بن فَلِيتَة، وَليَ مكّة، وَكَذَا وَلَده قاسِم بن هاشمٍ، وَمِنْهُم الأَمير قُطْبُ الدّين عِيسَى ابنُ فَلِيتَةَ وَلَي مكةَ أَيضاً، وحَفِيدُه الأَمير مُحَمَّد بنُ مُكْثِر بن عِيسَى، هُوَ الَّذِي أَخذ عِنْد مكّةَ قَتَادةُ بن إِدريسَ بنِ مُطَاعِن الحَسَنِيٌ جَدُّ الأُمراءِ الموجودينَ الْآن، كَذَا ذكره تَاج الدّين بن معية النَّسَابة، وَذكر عبدُ الله بنُ حَنْظَلةَ البَغْدَاديّ فِي تَارِيخه: أَن قَتَادَةَ أَخَذَ مَكَّةَ من يَد مُكْثِرِ بنِ عِيسَى سنة 597.
وأَبو فَلِيتَةَ قاسمُ بْنُ المُهَنَّى الأَعْرَجُ الحُسَيْنِيّ: أَميرُ المدينةِ زَمنَ المُسْتَنْصِرِ العباسيّ، وأَخَذَ مكةَ وتولاَّهَا ثلاثَة أَيامٍ فِي موسمِ سنة 571.
(وفَرَسٌ فِلْتَانٌ، بالكَسْرِ، ويُحَرَّكُ، وفُلَتٌ كصُرَدٍ، و) فُلَّتٌ، بِضَم فتشديد مثل (قُبَّرٍ) ، أَي (سَرِيعٌ) ، نَقله الصاغانيّ هاكذا، وَقد تقدَّمَ النقلُ عَن الثِّقَاتِ أَن الفَلَتَانَ، مُحَركةً: الفَرَسُ النَّشِيطُ الحديدُ الْفُؤَاد السَّرِيعُ، وَجمعه الفِلْتَانُ، بِالْكَسْرِ، عَن كُرَاع.
(ومَالَكَ من هفَلَتٌ، مُحَرَّكَةً، أَي لَا تَنْفَلِتُ مِنْه) ، أَي لَا تَخْلُصُ.
(و) من الْمجَاز (فَلَتَاتُ المَجْلِسِ: هَفَوَاتُه وَزلاَّتُه) . وَفِي حديثِ صِفةِ النّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَلَا تُنْثَى فَلْتَاتُهُ) أَي زَلاَّتُه، وَالْمعْنَى: أَنَّه صلى الله عَلَيْهِ وسلملم يَكُنْ فِي مَجْلِسه فَلَتَاتٌ فتُنْثَى، أَي تُذْكَرُ، أَو تُحْفَظُ وتُحْكَى، وَقيل: هاذَا نَفْيٌ للفَلَتَات ونَثْوِها، كَقَوْل ابْن أَحمرَ:
لَا تُفْزِعُ الأَرْنَبَ أَهْوَالُهَا
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بهَا يَنْجَحِرْ
لأَنَّ مجلِسَه كَانَ مَصُوناً عَن السَّقَطاتِ واللَّغْو، وإِنّما كَانَ مجلِسَ ذِكْرٍ حَسَنٍ، وحِكَمٍ بالِغَةِ، وكلامٍ لَا فُضُولَ فِيهِ.
وَمِمَّا يُسْتَدْرك عَلَيْهِ:
قَوْلهم: افْتَلَتَ عَلَيْهِ، إِذا قَضَى عَلَيْهِ الأَمْرَ دُونَه، وَفِي المُسْتَقْصى: أَفْلتَ وانْحَصَّ الذَّنَبُ.
وأَفْلَتَ بِجُرَيْعةِ الذَّقَن، وَقد تقدّم.
وأَفْلَتَ إِلى الشَّيْءِ كتَفَلَّتَ: نَازَعَ.
والفَلْتَةُ: الأَمْرُ يَقَعُ من غيرِ إِحْكَامٍ وَقَالَ الكُمَيْتُ:
بفَلْتَة بَين إِظْلامٍ وإِسْفَارِ
والجَمعُ فَلَتَاتٌ، لَا يُتَجَاوَزخ بهَا جمْعَ السَّلامةِ.
والَّلافِتُ، والفَاتِلُ: موتُ الفَجْأَةِ.
والفَلاَّتَة بالتَّشديد: ناحِيةٌ متَّسِعة بالمَغْرب.
وفَالَتَهُ، كلاَفَتَهُ: صادَفَهُ، عَن ابْن الأَعْرَابيّ.

الحُكْم وَالحِكْمَة 

الحُكْم وَالحِكْمَة
"الحكم": فعل للقضاء المطلق حقاً أو باطلاً. قال تعالى: {ما لكم كيف تحكمون}
أيضاً:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} .
ويطلق على القوة التي هي منشأ القضاء، وحينئذٍ يراد به الفهم. وسيأتيك شواهده .
وأما "الحِكْمَة" فهي اسم للقوة التي منها ينشأ القضاء بالحق. قال تعالى في نعت داود عليه السلام:
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} .
فذكَر الأثر بعد القوة التي هي مصدر ذلك الأثر.
وكما أن القول الفصل من آثار الحكمة، فكذلك طهارة الخلق وحسن الأدب من آثارها. ولذلك كانت العربُ تطلِق اسمَ الحكمة على قوة جامعة لرَزانةِ العقل والرأي، وشَرافةِ الخلق الناشئة منها. فسَمَّوا الرجلَ العاقلَ المهذبَ "حكيما".
وكذلك يطلقون اسم الحكمة على فصل الخطاب، وهو: القول الحق الواضح (*) عند العقل والقلب .
................................
(*) والآن انظر في نظم قوله تعالى: = وكل هذه الوجوه من معاني الحكمة جاء فى كلام العرب. فاستعملها القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن مِنَ الشَعْرِ لَحِكْمَة"
....................................
= { ... ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
فاعلم أن المخاطب على ثلاث مدارج: خالي الذهن، ومعترف، ومنكر. وبعبارة أخرى: تخاطب أولاً، أو بعد اعتراف، أو بعد إنكار. فأولاً تخاطبه بما يتقبل عقله من الحق الواضح والخير المعروف. فهذا هو الدعوة بالحكمة. فإذا رأيت أنه مقِرّ بحسن ما تدعو إليه، ولكنه لا يوافق عمله علمه، فتحثّه على العمل بالموعظة الحسنة. وإذا رأيت أنه يخالف دعوتك فتجادله بالطريق التي هي أحسن. فالأول: إلقاء العلم، وهذا يكفي للسابقين. والثاني: جذب إلى العمل. وهذا ينفع الصالحين الذين جاء فيهم:
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].
والثالث: إزالة العوائق، وبهذا هُدِي خلقٌ، وتمت الحجة على الآخرين. كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36].
وبعبارة أخرى: الدعوة بالحكمة عامة للناس، ثم هم يفترقون: فمنهم من يستمع ويميل، ومنهم من يجادل. فللأول "الموعظة"، وللثاني "حسن المجادلة" [حاشية المؤلف]. أي ليس كل شعر غواية، بل منه ما يتضمن على الحق والحث على الخير.
هذا. ثم استعملها الله تعالى في أكمل أفرادها، فسمى الوحي "حكمةً" كما سماه "نوراً"، و "برهاناً"، و "ذِكراً" و "رحمةً". ومن هذه الجهة سَمَّى القرآنَ "حكيماً" أي ذا حكمة، كما سمَّى نفسه حكيماً وعليماً. فهذه وجوه.
فإذا سمّى القرآن "كتاباً" و "حكمة" معاً، فذلك من جهتين: سمى "كتاباً" من [جهة] كونه مشتملاً على الأحكام المكتوبة، و "حكمة" من جهة اشتماله على حكمة الشرائع من العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة. واستدللنا على هذا الفرق من تتبع استعمال الكلمتين معاً، ومما علمنا من استعمال "الكتاب" للأحكام و "الحكمة" لأصولها.
وتسامح بعض أهل العلم في هذا المقام، وتبعه الإمام الشافعي رحمه الله، وتبعه أكثر المحدثين، فظنوا أن "الحكمة" أريد بها الحديث ، فإنّ ............................ الكتاب كتاب الله. ومثار الخطأ أنهم أخطأوا معنى "الكتاب" حيث جاء مع الحكمة. والدليل على ما قلنا آيات: فمنها قوله تعالى:
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} .
وهكذا قوله تعالى:
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} .
وكلمة (يتلى) و (أنزل) لم يستعملها القرآن للحديث.
نعم إن الحديث ربما يتضمن الحكمةَ، ولا شك أن الحديث ربما يبيّن ما في القرآن من الحكمة. ولعل مراد الذين تبعهم الإمام رحمه الله كان هذا. ولكن الحديث يشتمل على الأحكام، كما أنه يشتمل على الحكمة، فلا وجه لتخصيصه باسم (الحكمة). وجاء أوضح من ذلك حيث قال تعالى بعد ذكر ما قضى من أصول الدين:
{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} .
وقال تعالى في صفة عيسى عليه السلام:
{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} .
فسمى التوراة "كتاباً"، لأن معظمها الأحكام، والإنجيلَ "حكمة" لما كثر فيه الدلائل والمواعظ، كما قال تعالى:
{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} .
فكان الإنجيل مشتملاً على هدى ونور، وهدى وموعظة، وعلى قليل من الأحكام وتصديق التوراة. ولغلبة الأمر الأول سمي "حكمة". ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى:
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْــتَلِفُونَ فِيهِ} .
فاتضح أن تأويل "الحكمة" إلى الأَحاديث غير صحيح، وأن اسمَ "الكتاب" إذا يُتبَع بالحكمةِ فالمراد منه الأحكام. فلا تنسَ هذا الفرق.
رجعنا إلى بيان معنى "الحكم"، فاعلم أنه أيضاً مثل "الحكمة" يُطلق على القولِ المشتملِ على القضاء الحقِ الواضحِ الذىِ قُضي بالعلم. وهذا من استعمال الكلمة العامّة في أحسن أفرادها . قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} .
وهكذا استعمال "الحكم" في معنى القوة، إذا أريد به الفهم الصائب. قال تعالى:
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} .
أي آتيناه صفاتٍ ثلاثاً: الفهمَ، والمحبةَ، وطهارةَ الأخلاق. فاتَّصَفَ حسبَ ذلك، فصار تقياً: فاجتنب ما يَضر، وأحبَّ والدَيه، وحسن خلقه: فلم يَظلم مَن دونه، ولم يُسخِط مَن فوقه.
وقال تعالى:
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ} الآية.
فذكر "العلم" بعد "الحكم" ليعلم أن "الحكم" هاهنا هو الحكم المطلق، فإنه لا يكون إلا بالعلم. وهكذا قوله تعالى في موسى عليه السلام:
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} .
وأيضاً:
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ {شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} .
وأما "الحكم" بمعنى الأمر فكثير. ومنه قوله تعالى:
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} .

الإله

الإله
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الإله) : الهمزة واللام والهاء، وقد جاء في معاجم اللغة من هذه المادة ما يأتي بيانه فيما يلي: (1)
[ألهتُ إلى فلان] : سكنت إليه
[ألهَ الرجل يأله] إذا فرغ من أمرٍ نزل به فألهه أي أجاره
[ألِه الرجلُ إلى الرجل] : اتجه إليه لشدة شوقه إليه.
[اله الفصيل] إذا ولع بأمّه
[أله الإهة والُوهَة] عبد.
وقيل (الإله) مشتق من (لاه يليه ليهاً] : أي احتجب ويتبين من التأمل في هذه المعاني المناسبة التي جعلت "اله ياله إلهة" تستعمل بمعنى العبادة – (أي التأله) – (الاله) بمعنى المعبود:
1- أن أول ما ينشأ في ذهن الإنسان من الحافز على العبادة والتأله يكون ما أتاه احتياج المرء وافتقاره. وما كان الإنسان ليخطر بباله أن يعبد أحداً ما لم يظن فيه أنه قادر على أن يسد خلته، وأن ينصره على النوائب ويؤويه عند الآفات، وعلى أن يسكن من روعه في حال القلق والاضطراب.
2- وكذلك أن اعتقاد المرء أن أحداً ما قاض للحاجات ومجيب للدعوات، لستلزم أن يعده أعلى منه منزلة وأسمى مكانة، وألا يعترف بعلوه في المنزلة فحسب، بل أن يعترف كذلك بعلوه وغلبته في القوة والأيد.
3- ومن الحق كذلك أن ما تقضى به حاجات المرء غالباً حسب قانون الأسباب والمسببات في هذه الدنيا، ويقع جل عمله في قضاء الحاجات تحت سمع المرء وبصره، وفي حدود لا تخرج من دائرة علمه، لا ينشئ في نفس المرء شيئاً من النزوع إلى عبادته أبداً، خذ لذلك مثلاً أن رجلاً يحتاج إلى مال ينفقه في بعض حاجته، فيأتي رجلاً آخر يطلب منه عملاً أو وظيفة فيجيبه الرجل إلى طلبه ويقلده عملاً، ثم يأجره على عمله، فإن الرجل لا يخطر له ببال أصلاً – فضلاً عن أن يعتقد – أن الرجل يستحق العبادة من قبله، لما علم بل رأى بأمّ عينه كل المنهاج الذي بلغ به غايته وعرف الطريقة التي اتخذها الرجل لقضاء حاجته. فإن تصور العبادة لا يمكن أن يخطر ببال المرء إلا إذا كان شخص المعبود وقوّته من وراء حجاب الغيب، وكانت مقدرته على قضاء الحوائج تحت أستار الخفاء. من ها هنا قد اختيرت للمعبود كلمة تتضمن معاني الاحتجاب والحيرة والوله مع اشتمالها على معنى الرفعة والعلوّ.
4- ورابع الأربعة أنه من الأمور الطبيعية التي لا مندوحة عنها أن يتجه الإنسان في شوق وولع إلى من يظن فيه أنه قادر على أن يقضي حاجته إذا احتاج، وعلى أن يؤويه إذا نابته النوائب، ويهدئ أعصابه عند القلق. فتبين من ذلك كله أن التصورات التي قد أطلقت من أجلها كلمة (الإله) على المعبود هي: قضاء الحاجة والإجارة والتهدئة والتعالي والهيمنة وتملك القوى التي يرجى بها أن يكون المعبود قاضياً للحاجات مجيراً في النوازل وأن يكون متوارياً عن الأنظار يكاد يكون سراً من الأسرار لا يدركه الناس، وأن يفزع إليه الإنسان ويولع به.


تصور الإله عند أهل الجاهلية:
ويجمل بنا بعد هذا البحث اللغوي أن ننظر ماذا كانت تصورّات العرب والأمم القديمة في باب الألوهية التي جاء القرآن بإبطالها.
يقول سبحانه وتعالى
1- (واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً) (مريم:81)
(واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم يُنصرون) (يس: 74)
يتبين من هاتين الآيتين الكريمتين أن الذين كان يحسبهم أهل الجاهلية آلهة لأنفسهم كانوا يظنون بهم أنهم أولياؤهم وحماتهم في النوائب والشدائد وأنهم يكونون بمأمن من الخوف والنقض إذا احتموا بجوارهم.
2- (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لمّا جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب) (هود: 101)
(والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون. أمواتٌ غير أحياءٍ وما يشعرون أيّان يبعثون. إلهكم إلهٌ واحدٌ) (النحل: 20-22)
(ولا تدع مع الله إلهاً آخر، لا إله إلا هو (1)) (القصص: 88)
(وما يتّبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) (يونس: 66) وتتجلى من هذه الآيات بضعة أمور، أحدها أن الذين كان أهل الجاهلية يتخذونهم آلهة لهم كانوا يدعونهم عند الشدائد ويستغيثون بهم؛ والثاني: أن آلهتهم أولئك لم يكونوا من الجن أو الملائكة أو الأصنام فحسب بل كانوا كذلك أفراداً من البشر قد ماتوا من قبل، كما يدل عليه قوله تعالى: "أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيان يُبعثون" دلالة واضحة والثالث: أنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم هذه يسمعون دعاءهم ويقدرون على نصرهم.
ولابد للقارئ في هذا المقام من أن يكون على ذكر من مفهوم الدعاء، ومن وضعية النصرة التي يرجوها الإنسان من الإله فالمرء إذا كان أصابه العطش مثلاً فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء أو إذا أصيب بمرض فدعا الطبيب لمداواته، ولا يصحّ أن يطلق على طلب الرجل للخادم أو للطبيب حكم "الدعاء" وكذلك ليس من معناه أن الرجل قد اتخذ الخادم أو الطبيب إلهاً له. وذلك أن كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب ولا يخرج عن دائرة حكمه. ولكنه إذا استغاث بولي أو وثن – وقد أجهده العطش أو المرض- بدلاً من أن يدعو الخادم أو الطبيب، فلا شك أنه دعاه لتفريج الكربة واتخذه إلهاً. فإنه دعا ولياً قد ثوى في قبر يبعد عنه بمئات من الأميال، فكأني له يراه سميعاً بصيراً ويزعم أن له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب مما يجعله قادراً على ان يقوم بإبلاغه الماء أو شفائه من المرض، وكذلك إذا دعا وثناً في مثل هذه الحال يلتمس منه الماء أو الشفاء، فكأنه يعتقد أن الوثن حكمه نافذ على الماء أو الصحة أو المرض، مما يقدر به أن يتصرف في الأسباب لقضاء حاجته تصرفاً غيبياً خارجاً عن قوانين الطبيعة. وصفوة القول أن التصور الذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة. 3- (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرَّفنا الآيات لعلهم يرجعون. فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهةً بل ضلّوا عنهم وذلك إفكُهم وما كانوا يفترون) (الأحقاف: 27-28)
(ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضرٍّ لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون) (يس: 22-23)
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يخــتلفون) (الزمر: 3)
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) فيتجلى من هذه الآيات الكريمة أمور عديدة منها أن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن الألوهية قد توزعت فيما بينهم، فليس فوقهم إله قاهر، بل كان لديهم تصور واضح لإله قاهر كانوا يعبرون عنه بكلمة (الله) في لغتهم. وكانت عقيدتهم الحقيقة في شأن سائر الآلهة أن لهم شيئاً من التدخل والنفوذ في ألوهية ذلك الإله الأعلى، وأن كلمتهم تُتَلقى عنده بالقبول وأنه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم ونستدر النفع ونتجنب المضار باستشفاعهم. ولمثل هذه الظنون كانوا يتخذونهم أيضاً آلهة مع الله تعالى. ومن هنا يتبين أن الإنسان عن اتخذ أحداً شافعاً له عند الله ثم أصبح يدعوه ويستعين به ويقوم بآداب التبجيل والتعظيم ويقدم له القربات والنذور، فكل ذلك على ما اصطلح عليه أهل الجاهلية اتخاذه إياه إلهاً. (1)
4- (وقال الله: لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحدٌ فإياي فارهبون) (النحل: 51)
(ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً) (الأنعام: 80)
(إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) (هود: 54) ويتضح من هذه الآيات الحكيمة، أن أهل الجاهلية كانوا يخافون من قبل آلهتهم أنهم إن أسخطوا آلهتهم على أنفسهم لسبب من الأسباب أو حرموا عنايتهم بهم وعطفهم عليهم نابتهم نوائب المرض والقحط والنقص في الأنفس والأموال ونزلت بهم نوازل أخرى.
5- (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو) (التوبة: 31)
(أرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلا) (الفرقان: 43)
(وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) (الأنعام: 137)
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وفي الآيات يقف المتأمل على معنى آخر لكلمة (الإله) يختلف كل الاختلاف عن كل ما تقدم ذكره من معانيها، فليس ههنا شيء من تصور السلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة، فالذي اتّخذ إلهاً هو إما واحد من البشر أو نفس الإنسان نفسه، ولم يتخذ ذلك إلهاً من حيث أن الناس يدعونه أو يعتقدون فيه أنه يضرهم وينفعهم، أو أنه يستجار به، بل قد اتخذوه إلهاً من حيث تلقوا أمره شرعاً لهم، وائتمروا بأمره وانتهوا عما نهى عنه، واتبعوه فيما حلله وحرمه، وزعموا ان له الحق في أن يأمر وينهى بنفسه، وليس فوقه سلطة قاهرة يحتاج إلى الرجوع والاستناد إليها. فالآية الأولى تبين لنا كيف اتخذت اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً وآلهة من دون الله، كما بين ذلك الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام الترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم رضي الله عنه "أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقه صليب من ذهب وهو يقرأ هذه الآية، قال، فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم".
وأما الآية الثانية فمعناها واضح كل الوضوح، وذلك أن من يتبع هوى النفس ويرى أمره فوق كل أمر فقد اتخذ نفسه إلهاً له في واقع الأمر. أما الآيتان التاليتان بعدهما فإنه وإن وردت فيهما كلمة (الشركاء) مكان (الإله) ، فالمراد بالشرك هو الإشراك بالله تعالى في الألوهية. ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على أن الذين يرون أن ما وضعه رجل أو طائفة من الناس من قانون أو شرعة أو رسم هو قانون شرعي من غير أن يستند إلى أمر من الله تعالى، فهم يشركون ذلك الشارع بالله تعالى في الألوهية.
ملاك الأمر في باب الألوهية
إن جميع ما تقدم ذكره من المعاني المختلفة لكلمة (الإله) يوجد فيما بينها ارتباط منطقي لا يخفى على المتأمل المستبصر. فالذي يتخذ كائناً ما ولياً له ونصيراً وكاشفاً عنه السوء، وقاضياً لحاجته ومستجيباً لدعائه وقادراً على أن ينفعه ويضره، كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية، يكون السبب لاعتقاده ذلك ظنه فيه أن له نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم. وكذلك من يخاف أحداً ويتقيه ويرى أن سخطه يجر عليه الضرر ومرضاته تجلب له المنفعة، لا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلا ما يكون في ذهنه من تصور أن له نوعاً من السلطة على هذا الكون. ثم أن الذي يدعو غير الله ويفزع إليه في حاجاته بعد إيمانه بالله العلي الأعلى، فلا يبعثه على ذلك إلا اعتقاده فيه أن له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الألوهية. وعلى غرار ذلك من يتخذ حكم أحد من دون الله قانوناً ويتلقى أوامره ونواهيه شريعة متبعة فإنه أيضاً يعترف بسلطته القاهرة. فخلاصة القول أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها الناس من حيث أن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث أن الإنسان في حياته الدنيا مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وأن أمرها في حد ذاته واجب الطاعة والإذعان.
استدلال القرآن وهذا هو تصور السلطة الذي يجعله القرآن الكريم أساساً يأتي به من البراهين والحجج على إنكار ألوهية غير الله، وإثبات الألوهية لله تعالى وحده. فالذي يستدل به القرآن في هذا الشأن هو انه لا يملك جميع السلطات والصلاحيات في السماوات والأرض إلا الله. فالخلق مختص به، والنعمة كلها بيده، والمر له وحده، والقوة والحول في قبضته، وكل ما في السماوات والأرض قانت له ومطيع لأمره طوعاً وكرهاً، ولا سلطة لأحد سواه ولا ينفذ فيها الحكم لأحد غيره، وما من أحد دونه يعرف أسرار الخلق والنظم والتدبير، أو يشاركه في صلاحيات حكمه. ومن ثم لا إله في حقيقة الأمر إلا هو، وإذ لم يكن في الحقيقة إله آخر من دون الله، فكل ما تأتونه من الأفعال معتقدين غيره إلهاً باطل من أساسه، سواء أكان ذلك دعاءكم إياه واستجارتكم له أم كان خوفكم إياه ورجاءكم منه، أم كان اتخاذكم إياه شافعاً لدى الله، أم كان إطاعتكم له وامتثالكم لأمره؛ فإن هذه الأواصر والعلاقات التي قد عقدتموها مع غير الله، يجب أن تكون مختصة بالله سبحانه لأنه هو الذي يملك السلطة دون غيره.
وأما الأسلوب الذي يستدل به القرآن الكريم في هذا الباب، فدونك بيانه في كلامه البليغ المعجز:
(وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم) (الزخرف: 84)
(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخْلَقون) (إلهكم إلهٌ واحدٌ) (النحل: 17، 20، 22)
(يا أيُّها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو، فأنى تؤفكون) (فاطر: 3)
(قل أرأيتم عن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إلهٌ غير الله يأتيكم به) (الأنعام: 46) (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحُكم وإليه ترجعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياءٍ أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه أفلا تبصرون) (القصص: 7-72)
(قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) (سبأ: 22:23)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجلٍ مسمى) (الزمر: 5)
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاثٍ ذلكم الله ربُّكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تُصرفون) (الزمر: 6)
(أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلهٌ مع الله بل هم قومٌ يعدلون. أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً. أإلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون، أمّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض. أإلهٌ مع الله قليلاً ما تذكرون. أمّن يهديكم في ظلمات البرِّ والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يُشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (النمل: 60-64)
(الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً. واتخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً) (الفرقان: 2: 3) (بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولدق ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيءٍ وهو بكل شيءٍ عليم. ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) (الأنعام: 101 – 102)
(ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله، ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إنّ القوة لله جميعاً) (البقرة: 165)
(قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ما خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات) (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) (الأحقاف: 4، 5)
(لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون. لا يُسئل عما يفعلُ وهُم يُسئلون) (الأنبياء: 22-23)
(ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) (المؤمنون: 91)
(قل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً. سبحانه وتعالى عمّا يقولن علوّاً كبيراً) (الإسراء: 42 – 43)

ففي جميع هذه الآيات من أولها إلى آخرها لا تجد إلا فكرة رئيسية واحدة ألا وهي أن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى وأنه لا فرق بينهما من حيث المعنى والروح. فالذي لا سلطة له، لا يمكن أن يكون إلهاً ولا ينبغي أن يتخذ إلهاً. وأما من يملك السلطة فهو الذي يجوز أن يكون غلهاً وهو وحده ينبغي أن يتخذ إلهاً. ذلك بأن جميع حاجات المرء التي تتعلق بالإله أو التي يضطر المرء لأجلها أن يتخذ أحداً إلهاً له لا يمكن قضاء شيء منها من دون وجود السلطة. ولذلك لا معنى لألوهية من لا سلطة له، فإن ذلك أيضاً مخالف للحقيقة، ومن النفخ في الرماد أن يرجع إليه المرء ويرجو منه شيئاً.
والأسلوب الذي يستدل به القرآن واضعاً بين يديه هذه الفكرة الرئيسية، يمكن القارئ أني فهم مقدماته ونتائجه حق الفهم بالترتيب الآتي: 1- إن أعمال قضاء الحاجة وكشف الضرر والإجارة والتوفيق والنصر والرقابة والحماية وإجابة الدعوات التي قد تهاونتم بها وصغرتم من شأنها، ما هي بأعمال هينة في حقيقة الأمر، بل الحق أن صلتها وثيقة بالقوى والسلطات التي تتولى أمر الخلق والتدبير في هذا الكون فإنكم إن تأملتم في المنهاج الذي تقضى به حوائجكم التافهة الحقيرة، عرفتم أن قضاءها مستحيل من غير أن تتحرك لأجله عوامل لا تحصى في ملكوت الأرض والسماء خذوا لذلك مثلاً كأساً من الماء تشربونها أو حبة من القمح تأكلونها فما أدركوا إذ تعمل كل من الشمس والأرض والرياح والبحار قبل أن تتهيأ لكم هذه وتصل إلى أيديكم. فالحق أنه لا تتطلب إجابة دعائكم وقضاء حاجتكم وما إليها من الشؤون سلطة هينة، بل يتطلب ذلك سلطة يقتضيها ويستلزمها خلق السماوات والأرض وتحريك السيارات وتصريف الرياح وإنزال الأمطار وبكلمة موجزة يقتضيها ويتطلبها تدبير نظام هذا الكون بأسره.
2- وهذه السلطة غير قابلة للتجزئة، فلا يمكن أبداً أن تكون السلطة في أمر الخلق بيد وفي أمر الرزق بيد أخرى، وأن تكون الشمس مسخرة لهذا وتكون الأرض مذللة لذاك. كما لا يمكن أن يكون الإنشاء في يد والمرض والشفاء في يد أخرى، والموت والحياة بيد ثالثة. فإنه لو كان الأمر كذلك ما أمكن لنظام هذا الكون أن تقوم له قائمة. فما لابدّ منه أن تكون جميع السلطات والصلاحيات بيد حاكم واحد يرجع إليه كل ما في السماوات والأرض. فإنّ نظام هذا العالم يقتضي أن يكون الأمر كذلك وهو في الواقع كذلك: 3- وإذ كانت السلطة كلها بيد الحاكم الواحد ولم يكن لأحد غيره نقير منها ولا قطمير، فالألوهية أيضاً مخصوصة به لا محالة، وخالصة له دون غيره ولا شريك له فيها. فلا يملك أحد من دونه أن يغيثك أو يستجيب دعاءك أو يجيرك أو يكون حامياً لك ونصيراً أو لياً ووكيلاً، أو يملك لك شيئاً من النفع أو الضر. إذاً لا إله لكم غير الله بمعنى من تلك المعاني التي قد تخطر ببالكم، حتى إنه لا يمكن أن يكون أحداً إلهاً لكم بأن له دالة عند حاكم هذا الكون وتتقبل شفاعته لديه، لمكانه من التقرب عنده. كلا بل ليس في وسع أحد أن يتصدى لأمر من أمور حكمه وتدبيره، ولا يستطيع أحد أن يتدخل في شيء من شؤونه، وكذلك قبول الشفاعة أو رفضها متوقف على مشيئته وإرادته، وليس لأحد من القوة والنفوذ ما يجعل شفاعته مقبول لديه. 4- وما يقتضيه توحد السلطة العليا أن يكون جميع ضروب الحكم والأمر راجعة إلى مسيطر قاهر واحد، وإلاّ ينتقل منه جزء من الحكم إلى غيره. فإنه إذا لم يكن الخلق إلا له ولم يكن له شريك فيه، وإذا كان هو الذي يرزق الناس ولم تكن لأحد من دونه يد في الأمر، إذا كان هو القائم بتدبير نظام هذا الكون وتسيير شؤونه ولم يكن له في ذلك شريك، فما يتطلبه العقل ألاَّ يكون الحكم والأمر والتشريح إلا بيده كلك ولا مبرّر لأن يكون أحد شريكاً له في هذه الناحية أيضاً. وكما أنّه من الخطأ أن يكون أحد غيره مجيباً لدعوة الداعي وقاضياً لحاجة المحتاج، ومجيراً للمضطر في دائرة ملكوته في السموات والأرض، فمن الخطأ والباطل كذلك أن يكون أحد غيره حاكماً مستقلاً بنفسه، وآمراً مستبداً بحكمه، وشارعاً مطلق اليد في تشريعه، إن الخلق والرزق والاحياء والإنامة، وتسخير الشمس والقمر، وتكوير الليل والنهار والقضاء والقدر، والحكم والملك، والأمر والتشريع.. كل أولئك وجوه مختلفة للسلطة الواحدة، ومظاهر شتى للحكم الواحد، والحكم والسلطة لا يقبل شيء منهما التجزئة والتقسيم البتة. فالذي يعتقد أمر كائن ما من دون الله مما يجب إطاعته والإذعان له بغير سلطان من عند الله، فإنه يأتي من الشرك بمثل ما يأتي به الذي يدعو غير الله ويسأله. وكذلك الذي يدعي أنه مالك الملك، والمسيطر القاهر، والحاكم المطلق بالمعاني السياسية (1) ، فإن دعواه هذه كدعوى الألوهية ممن ينادي بالناس: "إني وليكم وكفيلكم وحاميكم وناصركم"، ويريد بكل ذلك المعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية. ألم تر أنه بينما جاء في القرآن أن الله تعالى لا شريك له في الخلق وتقدير الأشياء وتدبير نظام العالم، جاء معه أن الله له الحكم وله الملك ليس له شريك في الملك، مما يدل دلالة واضحة على أن الألوهية تشتمل على معاني الحكم والملك أيضاً، وأنه مما يستلزمه توحيد الإله ألا يشرك بالله تعالى في هذه المعاني كذلك. وقد فصل القول في ذلك أكثر مما تقدم فيما يلي من الآيات:
(قلْ اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاءُ وتعز من تشاء وتذل من تشاء) (آل عمران: 26)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
وقد صرح القرآن بالأمر بأكثر من كل ما سبق في (سورة غافر) حيث جاء:
(يوم هم بارزون، لا يخفى على الله منهم شيء، لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) (غافر: 16)
أي يوم يكون الناس قد انقشعت الحجب عنهم، ولا يخفى على الله خافية من أمرهم، ينادي المنادي: لمن الملك اليوم؟ ولا يكون الجواب إلا أن الملك لله الذي غلبت سلطته جميع الخلق، وأحسن ما يفسر هذه الآية ما رواه الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر (وما قد روا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هكذا بيده ويحركها، يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرُ حتى قلنا: ليخرَّنَّ به.

علم الجفر والجامعة

علم الجفر والجامعة
قال أهل المعرفة بهذا العلم: هو عبارة عن العلم الإجمالي بلوح القضاء والقدر المحتوي على كل ما كان وما يكون كليا وجزئياً. والجفر: عبارة عن لوح القضاء الذي هو عقل الكل.
والجامعة: لوح القدر الذي هو نفس الكل وقد ادعى طائفة أن الإمام علي ابن أبي طالب - كرم الله وجهه - وضع الحروف الثمانية والعشرين على طريق البسط الأعظم في جلد الجفر يستخرج منها بطرق مخصوصة وشرائط معينة ألفاظ مخصوصة تدل على ما في لوح القضاء والقدر.
وهذا علم توارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم ويأخذ منهم من المشائخ الكاملين وكبار الأولياء وكانوا يكتمونه عن غيرهم كل الكتمان وقيل: لا يفقه في هذا الكتاب حقيقة إلا المهدي المنتظر خروجه في آخر الزمان.
وورد هذا في كتب الأنبياء السالفة كما نقل عن عيسى بن مريم - عليهما الصلاة والسلام -: نحن معاشر الأنبياء نأتيكم بالتنزيل وأما التأويل فسيأتيكم به البارقليط الذي سيأتيكم بعدي.
نقل أن الخليفة المأمون لما عهد بالخلافة من بعده إلى علي بن موسى الرضا وكتب إليه كتابه عهده كتب هو في آخر ذلك الكتاب: نعم إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أن هذا الأمر لا يتم وكان كما قال لأن: المأمون استشعر لأجل ذلك فتنة من طرف ابن العباس فسم الإمام علي بن موسى الرضا في عنب على ما هو المسطور في كتب التواريخ كذا في: مفتاح السعادة ومدينة العلوم.
قال ابن طلحة: الجفر و: الجامعة: كتابان جليلان أحدهما ذكره الإمام علي بن أبي طالب وهو يخطب على المنبر بالكوفة والآخر أسره إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره بتدوينه فكتبه علي حروفا متفرقة على طريق سفر آدم في جفر يعني في رق صنع من جلد البعير فاشتهر بين الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين.
والناس مخــتلفون في وضعه وتكسيره
فمنهم: من كسره بالتكسير الصغير وهو: جعفر الصادق وجعل في حافية البار الكبير اب ت ث إلى آخرها والباب الصغير أبجد إلى قرشت وبعض العلماء قد سمى الباب الكبير بالجفر الكبير والصغير بالجفر الصغير فيخرج من الكبير ألف مصدر ومن الصغير سبعمائة.
ومنهم: من يضعه بالتكسير المتوسط وهي: الطريقة التي توضع بها الأوفاق الحرفية وهو الأولى والأحسن وعليه مدار الحافية القمرية والشمسية.
ومنهم: من يضعه بطريق التكسير الكبير وهو الذي يخرج منه جميع اللغات والأسماء.
ومنهم: من يضعه بطريق التركيب الحرفي وهو مذهب أفلاطون.
ومنهم: من يضعه بطريق التركيب العددي وهو مذهب سائر أهل السنة وكل موصل إلى المطلوب.
ومن الكتب المصنفة فيه: الجفر الجامع والنور اللامع للشيخ كمال الدين أبي سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة اثنتين وخمسين وستمائة مجلد صغير أوله: الحمد لله الذي أطلع من اجتباه. إلخ ذكر فيه أن الأئمة من أولاد جعفر يعرفون الجفر فاختار من أسرارهم فيه. انتهى ما في: كشف الظنون أقول: وهذه أقوال ساقطة جدا والحق في الباب ما ذكرناه وحققناه في كتابنا: لقطة العجلان فارجع إليه. علم الجناس
وهو وإن كان من أنواع البديع لكن لما كان البحث هناك على وجه كلي في مطلق الكلام وهنا على وجه جزئي في كلام منقول عن الفضلاء والبلغاء أفردوه بالتدوين وجعلوه فرعا على البديع أو على المحاضرات.
وهو: علم باحث عن اللفظين الذين بينهما تشابه في اللفظ فقط أو فيه وفي الخط مع تغايرهما في المعاني وإلا فلا تجنيس أصلا ووجوه التشابه.
وأقسامه: مذكورة في موضعها وليس هذا المقام موضع الاستقصاء فيه قبل التجنيس على نوعين: جناس شكلي وجناس غير شكلي قال أبو الفتح البستي: من أصلح فاسده أرغم حاسده ومن أطاع غضبه أضاع أدبه عادات السادات سادات العادات من سعادة جدك وقوفك عند حدك الروشة رشا الحاجات المنية تضحك من الأمنية حد العفاف الرضا بالكفاف ومن ذلك قول رشيد الدين الوطواط: رب رب غني غي سرته شرته فجاءه فجاءة بعد بعد عشرته عسرته أي: يا رب كم من غني متصف بالغباوة سرته إضراره بالناس حتى جاءه بغته بعد طول معاشرته ونعمه العسر والفقر.
ومنه: إن لم يكن لنا حظ في درك درك فخلصنا من شرك شرك.
ومنه: إن أخليتنا من مبارك مبارك فأرحنا من معارك معارك.
ومن غرائب التجنيس قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: عزك عزل فصار قصارى ذلك فاخش فاحش فعلك وفعلك تهدى بهذا فأجابه معاوية: على قدري غلى قدري.

رَجَلَ

رَجَلَ
الجذر: ر ج ل

مثال: رَجَلَ فلانًا
الرأي: مرفوضة
السبب: لعدم ورودها في المعاجم.
المعنى: أصاب رِجْله

الصواب والرتبة: -رَجَلَ فلانًا [صحيحة]
التعليق: أقرّ مجمع اللغة المصري قياسيّة اشتقاق «فَعَلَ» من العضو للدلالة على إصابته، بناء على ما نقل عن العرب من إجرائهم لهذا الاشتقاق، وما نصّ عليه بعض النحاة من أنّه مطّرد، مثل: جَبَهَ، وأَفَخَ، ورَأَسَ، وأَنَفَ، وبَطَنَ
... ، كما أجاز المجمع الاشتقاق من أسماء الأعيان عند الحاجة.
(رَجَلَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّرَجُّلِ إلاَّ غِبًّا» التَّرَجُّلُ والتَّرْجِيلُ: تَسريحُ الشَّعَر وتَنْظيفُه وتَحْسينُه، كَأَنَّهُ كَرِه كثرةَ التَّرفُّه والتَّنعُّم. والْمِرْجَلُ والمِسْرح: المُشْط، وَلَهُ فِي الْحَدِيثِ ذكرٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكرُ التَّرْجِيلِ فِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَفِي صفته عليه الصلاة والسلام «كان شعر رَجِلًا» أَيْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدَ الجُعودة وَلَا شديدَ السُّبوطةِ، بَلْ بَيْنَهُمَا.
(س) وَفِيهِ أَنَّهُ «لَعن الْمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النساءِ» يَعْنِي اللَّاتِي يَتَشَبَّهن بِالرِّجَالِ فِي زِيِّهم وهيأتهِم، فَأَمَّا فِي الْعِلْمِ والرَّأيِ فَمَحْمُودٌ. وَفِي رِوَايَةٍ «لَعنَ الرَّجُلَةَ مِنَ النِّساء» بِمَعْنَى الْمُتَرَجِّلَةِ. وَيُقَالُ امِرأةٌ رَجُلَة؛ إِذَا تَشَبَّهت بالرِّجال فِي الرَّأْي والمَعْرِفة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ عائشةَ كَانَتْ رَجُلَةَ الرَّأي» .
(س) وَفِي حَدِيثِ العُرَنِيِّين «فَمَا تَرَجَّلَ النهارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ» أَيْ مَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، تشْبِيهاً بارْتفاع الرَّجُلِ عَنِ الصَّبي.
وَفِي حَدِيثِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَنَّهُ كَانَ يَغْتسل عُرْياناً، فخرَّ عَلَيْهِ رِجْلٌ مِنْ جَرادِ ذَهَب» الرِّجْلُ بِالْكَسْرِ: الجَرَاد الكَثِيرُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَأَنَّ نَبْلهم رِجْل جَراد» .
(س) وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ دَخلَ مَكَّةَ رِجْلٌ مِنْ جَراد، فجَعل غلمانُ مَكَّةَ يأخذُون مِنْهُ، فَقَالَ: أمَا إنَّهم لَوْ عَلموا لَمْ يأخذُوه» كرِه ذَلِكَ فِي الحرَم لأنه صيد. (هـ) وَفِيهِ «الرُّؤيا لأوّلِ عَابر، وَهِيَ عَلَى رِجْلٍ طائرٍ» أَيْ أَنَّهَا عَلَى رِجْلِ قَدَرٍ جَارٍ، وقضَاء ماضٍ مِنْ خَيرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي قسمَه اللَّهُ لصَاحبها، من قولهم: اقتسموا دارا فطارسهم فُلان فِي ناحِيَتها: أَيْ وقَعَ سهمُه وخَرج، وَكُلُّ حرَكة مِنْ كَلمة أَوْ شَيْءٍ يَجْري لَكَ فَهُوَ طائرٌ. وَالْمُرَادُ أَنَّ الرُّؤْيَا هِيَ الَّتي يُعَبّرها المُعَبّر الْأَوَّلُ، فكأنَّها كَانَتْ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ فَسَقطت ووقَعت حَيْثُ عُبِّرت، كَمَا يَسْقُط الَّذي يَكُونُ عَلَى رِجْل الطَّائِرِ بأدْنَى حَركة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أُهْدِيَ لَنَا رِجْلُ شَاةٍ فَقَسَمْتُها إلاَّ كَتِفَها» تُرِيدُ نصْف شَاةٍ طُولاً، فسمَّتْها بِاسْمِ بَعْضِهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّعب بْنِ جَثَّامة «أَنَّهُ أَهْدى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ حمَار وَهُوَ مُحْرِم» أَيْ أحدُ شِقَّيه. وَقِيلَ أَرَادَ فَخِذَه.
(هـ) وفي حديث ابن المسيّب «لَا أَعْلَمُ نَبيًّا هلكَ عَلَى رجْله مِنَ الجَبابرَة مَا هلَكَ عَلَى رِجْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ» أَيْ فِي زمانِه. يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى رِجْلِ فُلان: أَيْ فِي حَياتِه.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اشتَرى رِجْلَ سَراوِيل» هَذَا كَمَا يُقَالُ اشْتَرَى زَوْجَ خُفّ، وزَوْج نَعْلٍ، وإنَّما هُما زَوْجَان، يُرِيدُ رِجْلَيْ سَراوِيل، لِأَنَّ السَّراوِيلَ مِنْ لِبَاسِ الرِّجْلَيْنِ.
وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّي السَّراويل رِجْلًا.
(س) وَفِيهِ «الرِّجْلِ جُبَارٌ» أَيْ مَا أصَابت الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا فَلَا قَودَ عَلَى صَاحِبِهَا. والفقهاءُ فِيهِ مُخْــتَلِفون فِي حالةِ الرُّكُوب عَلَيْهَا وقُوْدها وسَوْقها، وَمَا أصَابَت بِرِجْلِهَا أَوْ يَدِها، وَقَدْ تقدَّم ذَلِكَ فِي حَرْفِ الْجِيمِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الطَّبراني مَرْفُوعًا، وَجَعَلَهُ الخطَّابي مِنْ كَلَامِ الشَّعبي.
وَفِي حَدِيثِ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ «إِنَّهُ لجَفَاء بِالرَّجُلِ» أَيْ بالمُصَلّي نَفْسِهِ. وَيُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، يُرِيدُ جُلوسه عَلَى رِجْلِه فِي الصَّلاة.
وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الخَوف «فإِن كَانَ خَوْف هُوَ أشدَّ مِنْ ذَلِكَ صلُّوا رِجَالًا ورُكْبانا» الرِّجَالُ جمعُ رَاجِلٍ: أَيْ مَاشٍ. وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَظَلُّ مِنْهُ سِباعُ الجَوِّ ضَامزَةً» ... وَلاَ تُمَشِّي بِوَادِيه الْأَرَاجِيلُ
هُمُ الرَّجَّالَةُ، وكأنَّه جمعُ الجَمْع. وَقِيلَ أَرَادَ بِالْأَرَاجِيلِ الرِّجَالَ، وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ أَيْضًا.
وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ الجُذَامِي ذِكر «رِجْلَى» هِيَ بوزْن دِفْلَى: حَرَّة رِجْلَى فِي دِيَار جُذَام .
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.