Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: تكاثف

النّموّ

النّموّ:
[في الانكليزية] Growth ،increase
[ في الفرنسية] Croissance ،accroissement
بتشديد الواو هو والذّبول من أنواع الحركة الكمية، وفسّر بازدياد حجم الأجزاء الأصلية للجسم بما ينضمّ إليه ويداخله في جميع الأقطار على نسبة طبيعية والأقطار الجوانب أي الطول والعرض والعمق. فبقيد الازدياد خرج الذّبول والهزال والــتكاثف الحقيقي ورفع الورم والانتقاص الصناعي لأنّها انتقاص حجم الأجزاء. وبقيد الأصلية خرج السّمن لأنّه زيادة في الأجزاء الزائدة. وبقيد بما ينضم إليه يخرج التخلخل الحقيقي. وبقيد على نسبة طبيعية خرج الورم والزيادة الصناعية لأنّهما ليسا على نسبة يقتضيها طبيعة محلّها. وقيل السّمن والورم خارجان بقيد في جميع الأقطار لأنّ المراد أن يزيد مجموعه من حيث هو مجموع لا أن يزيد كلّ جزء من أجزائه. وقيل الألف واللام في الأجزاء الأصلية للاستغراق فيجب ازدياد كلّ أجزاء الجسم في جميع الأقطار فيخرج الورم، وفيه أنّه يخرج حينئذ بعض الأجزاء الأصلية كما إذا خلع يد شخص فإنّها لا تنمو وينمو باقي الأعضاء، قيل بدفعه عن جميع الأعضاء الأصلية في الجملة ولا يضرّ عدمه في بعض الأشخاص وفي بعض الأحوال. وقيل المراد ازدياد حجم الجسم دائما في جميع الأقطار بمعنى أنّه كلما وجد الازدياد يكون في جميع الأقطار، والظاهر أنّ السّمن والورم ليسا كذلك. نعم يتوجه أنّ إخراج السّمن بالأجزاء الأصلية أولى لسبقها. وقيل السّمن والورم خارجان بقيد على نسبة طبيعية، وفيه أنّ السّمن قد يكون على نسبة يقتضيها طبيعة المحل ويمكن دفعه بأنّ المراد دائما بنسبة طبيعية والسّمن ليس كذلك، ويتوجّه عليه ما قرر آنفا من أنّ إخراجه بقيد الأجزاء الأصلية أولى. ثم الأجزاء الأصلية هي ما يتولّد في بعض الحيوانات من المني كالعظم والعصب والرباط. والزائدة هي المتولّدة من الدّم كالشحم واللحم والسّمن. وقولهم في بعض الحيوانات لأنّ آدم وحوّاء وكذا ققنس وأمثال ذلك من الحيوانات ليس كذلك، فالتعريف الجامع أن يقال إنّ الأجزاء الأصلية هي ما يتولّد من المني أو مما هو بمنزلة المني كالبذر لبعض النباتات. قال الإمام الرازي قد يشتبه النمو والذبول بالسّمن والهزال. والفرق أنّ الواقف في النمو قد يسمن كما أنّ المتزايد في النمو قد يهزل. وتحقيقه أنّ الزيادة إذا أحدثت المنافذ في الأجزاء الأصلية ودخلت فيها وتشبهت بطبيعتها واندفعت الأجزاء الأصلية إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة مناسبة بطبيعة النوع فذلك هو النمو. وأمّا الشيخ إذا صار سمينا فإنّ أجزاءه الأصلية قد جفّت وصلبت فلا يقوى الغذاء على تفريقها والنفوذ فيها، فلذلك لا يتحرّك أعضاؤه الأصلية إلى الزيادة فلا يكون ناميا، لكن لحمه يتحرّك إلى الزيادة فيكون ذلك نموا في اللحم إلّا أنّ اسم النمو مخصوص بحركة الأعضاء الأصلية. قال والمشهور أنّ النّموّ والذّبول من الحركات الكمية وهو بعيد عندي، فإنّ الأجزاء الأصلية والزائدة في المغتذي باق، كلّ واحد منها على مقداره الذي كان عليه. نعم ربّما يتحرّك كلّ واحد منها في أينه أو وضعه أو كيفه، لكن ذلك ليس حركة في الكم. وقد أجيب عنه بأنّ الأجزاء الأصلية زاد مقدارها عند النّموّ على ما كانت عليه قبل ذلك ضرورة دخول الأجزاء الزائدة في منافذها وتشبيهها ونقض مقدارها عند الذّبول عما كانت عليه قبله وإنكار هذا مكابرة. وقال السّيّد السّند إنّ اتصال الزائدة بعد المداخلة بالأصلية على وجه يصير به المجموع متصلا واحدا في نفسه، فالصواب ما قاله المجيب وإلّا فالقول ما قاله الإمام، هذا كلّه خلاصة ما ذكره العلمي في حاشية شرح هداية الحكمة.

الذّبول

الذّبول:
[في الانكليزية] Etiolation ،fading
[ في الفرنسية] Etiolement ،fletrissure
بالضمّ وضمّ الموحدة المخفّفة في اللغة پر مردن كما في الصراح. قال الحكماء هو ضد النموّ وهما من أنواع الحركة الكميّة، ويفسّر بانتقاص حجم أجزاء الجسم الأصلية بسبب ما ينفصل عنه في جميع الأقطار على نسبة طبيعية.
فبقيد الانتقاص خرج النموّ والسّمن والتخلخل والورم والازدياد الصّناعي لأنّها ازدياد حجم الأجزاء، والأصلية صفة الأجزاء. وخرج بها الهزال لأنّه انتقاص في الأجزاء الزائدة، وتفسير الأجزاء الأصلية والزائدة يجيء في لفظ النموّ.
وبقيد بسبب ما ينفصل عنه يخرج الــتّكاثف الحقيقي لأنّه بلا انفصال، والمراد الانتقاص الدّائمي لأنّه المتبادر بناء على كونه الفرد الكامل، فلا ينتقض التعريف برفع الورم إذا كان عن الأجزاء الأصلية في جميع الأقطار، لأنّه لا يكون دائما في الأجزاء الأصلية، ولا يظهر فائدة قيد على نسبة طبيعية ويجري في هذا التفسير بظاهره ما يجيء في تعريف النموّ، كذا يستفاد من العلمي في بحث الحركة. ويطلق الذّبول أيضا على بعض أقسام البحران، ويسمّى بالذّوبان، وقد مرّ في فصل الراء من باب الباء الموحدة ويطلق أيضا على أقسام حمّى الدق، وقد مرّ في لفظ الحمّى.

الهزال

(الهزال) الغثاثة والنحافة
الهزال: بِالضَّمِّ انْتِقَاض عَن الْأَجْزَاء الزَّائِدَة.
الهزال:
[في الانكليزية] Thinness ،growing thin ،marasmus ،cachexia
[ في الفرنسية] Maigreur ،amaigrissement ،marasme ،cachexie
هو من أنواع الحركة الكمية وفسّر بانتقاص الأجزاء الزائدة بسبب انفصال شيء عنها. فبالقيد الأول خرج التخلخل والسّمن والورم والنمو والازدياد الصناعي لأنّها ازدياد.
وبقيد الزائدة خرج الذّبول. وبالقيد الأخير خرج الــتكاثف الحقيقي.

الْمَطَر

الْمَطَر: باران وَهُوَ مَا ينزل من السَّحَاب الَّذِي هُوَ البخار الصاعد المــتكاثف بالبرودة. وَقد ينزل الْمَطَر من السَّحَاب المتكون من انقباض الْهَوَاء بالبرد الشَّديد.
(الْمَطَر) المَاء النَّازِل من السَّحَاب (ج) أمطار

(الْمَطَر) يَوْم مطر ذُو مطر

(الْمَطَر) الْعَادة وسنبل الذّرة ويسميه الْعَامَّة (الْكوز)

التخلخل

التخلخل: ازدياد حجم من غير ضم شيء من خارج، وهو ضد الــتكاثف.
التخلخل: أَن يزِيد مِقْدَار الْجِسْم من غير أَن يَنْضَم إِلَيْهِ غَيره. وَقد يُطلق التخلخل على الانتفاش وَهُوَ أَن تتباعد الْأَجْزَاء ويداخلها جسم غَرِيب أَي مبائن مغائر كالقطن المنفوش المحلوج فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ الْجِسْم الْغَرِيب وَهُوَ الْهَوَاء. وَقد يُطلق على رقة القوام.

لزّ

لزّ:
لز: قرّب، أدنى السطور، مثلاً، قارب سطور الكتابة، ضغط على الأطراف فلان وشدّه أو عصر بقوة؛ لزه في: ألحّ على فلان، ضغط عليه، لزه بأن ألحف عليه لكي يحثه على؛ لزّوا الأعداء إلى الخيام: دفعوا إلى خيامهم (بوشر). لجّ ألحف في السؤال أو الطلب (همبرت115) أضجر، لجّ على، أضل، أغرى (هلو).
لزّ: هي عند (فوك) تقابل firmare مع ملاحظة الجملة التي دونها الكلمة: vel tasconar وهو من الأفعال القطالونية التي معناها: دق إسفيناً وهو المعنى نفسه أعطاه (بوسييه) لكلمة لزّز؛ انظر عند بوسييه، أيضاً، كلمة لزاز التي تقابل كلمة زاوية.
تلزز: تكاثف، اكتناز (ابن العوام، 54:1، 60:2) (التلزز) 12 (المتلززة)؛ وفي (4، 79، 17، 80، 17 و18) (التلزز)؛ والمنصوري، في معجمه، يفسّر كلمة مندمج بالمتلزز العديم البَرَج؛ انظر عند (شيكوري قوله (إن مياه الآبار هي كمياه الينابيع لأنها تختلف في الكيفية من جهة تلزز لأرض وانفشاشها (ص189 وفي صفحة 191) وأفضل الحنطة الشديدة التلزز الثقيلة الوزن (وفي صفحة 218) فمن الأبدان ما التلزز غالب عليها فيكون استعمال التدلك قبل الرياضة واجباً).
التلزز: المعنى السابق نفسه (باين سميث 1224).
لزاز: انظر (الجريدة الآسيوية 1838، 473:2 للوقوف على معنى لزازُ خصمٍ وانظر (حيان 83): كبير قواده ولزاز حروبه.
لزاز: والجمع لزازات ولزائر: زواية لشق الخشب (فوك، الكالا، ليرشندي، معجم البربرية، ابن العوام 1، 451، 3، 7 [وفيه المزيد من الأخطاء التي ينبغي تصحيحها] 452، 18 453، 484، 19 حيث تقرأ في مخطوطتنا: لزازان غلظ الإصبع وطول إصبعين أو ثلاث أصابع ويعمل أربعة لزائر إن أردت ... الخ) وان تقرأ أيضاً في (4:21) تلك اللزائز وهناك أمثلة أخرى في (74، 4).
لزّاز. لجوج، متعنت، مزعج (هلو.

السّمن

(السّمن) سلاء الزّبد وَهُوَ مَا يذاب ويخلص مِنْهُ بعد إغلائه وَفِي الْمثل (سمنكم هريق فِي دقيقكم) مالكم ينْفق عَلَيْكُم
السّمن: بِكَسْر الأول وَفتح الثَّانِي أَو سكونه فر بِهِ شدن وَحَقِيقَته فِي النمو إِن شَاءَ الله تَعَالَى وبفتح الأول وَسُكُون الثَّانِي (روغن كاؤ وكوسفند وَبِمَعْنى بيه نزآمده) .
السّمن:
[في الانكليزية] Obesity
[ في الفرنسية] Obesite

بكسر السين وفتح الميم وبالفارسية: فربه شدن، والسمين نعت منه. قالت الحكماء هو من أنواع الحركة الكمية، وفسّر بازدياد الأجزاء الزائدة للجسم بما ينضمّ إليها، سواء كأن يداخلها في جميع الأقطار من الطول والعرض والعمق أو لا، بل في بعض الأقطار كالعرض والعمق. وسواء كانت الزيادة على نسبة طبيعية تقتضيها طبيعة محلّها أو لم تكن على ما هو التحقيق. فبقيد الازدياد خرج الذبول والهزال والــتكاثف الحقيقي ورفع الورم والانتقاص الصناعي لأنها انتقاص. وبقيد الزائدة خرج النمو. وبقيد ما ينضمّ إليها خرج التخلخل والازدياد الصناعي إذ هو ازدياد للجسم بسبب انضمام جزء آخر بسطحه الخارج من غير المداخلة، نصّ عليه السيّد السّند في حواشي شرح حكمة العين. ثم الورم إن قلنا بأنّه ازدياد بدون انضمام الغير. فقد خرج بالقيد الأخير، وإلّا فنقول إنّه لا يكون إلّا على نسبة غير طبيعية. ولذلك يؤلم بخلاف السّمن فإنّه قد يكون على نسبة غير طبيعية أيضا. هكذا يستفاد مما ذكره العلمي في حاشية شرح هداية الحكمة في بحث الحركة وقد سبق ما يتعلق بهذا في لفظ التخلخل ويجيء أيضا في لفظ النمو.

الرّيح

(الرّيح) من الْأَيَّام والأمكنة الطّيب الرّيح والشديد الرّيح وَهِي ريحة
(الرّيح) الْهَوَاء إِذا تحرّك والرائحة (مؤنث) (ج) ريَاح وأرواح وأرياح وَالرَّحْمَة وَالْقُوَّة يُقَال ذهبت رِيحه والنصر وَالْغَلَبَة والدولة يُقَال الرّيح لآل فلَان وَرجل سَاكن الرّيح وقور وهبت رِيحه جرى أمره على مَا يُرِيد
الرّيح:
[في الانكليزية] Wind ،air ،gas ،whitlow
[ في الفرنسية] Vent ،gaz ،panaris

بالكسر: الرّيح والرّائحة والدّخان، جمعها رياح وكذا الأرواح. والريح عند أهل الرّمل يقولون لها أيضا: العقل. كما مرّ قبيل هذا في لفظ الروح. والريح الغليظة عند الأطباء هي الريح التي تطول مدة لبثها في بعض تجاويف البدن وتغلظ كما يغلظ الهواء الذي يطول لبثه في بعض الآبار. وريح الشوكة عندهم مادّة حادّة تجري في العظم وتكسره وتفسده. وريح الصبيان عندهم هي ريح غليظة تعرض في داخل الرأس وتمدّده حتى يفتح شئونه. وريح البواسير عندهم هي ريح غليظة عسرة التحلّل تحدث وجعا مثل وجع القولنج تصعد مرة إلى الظهر والشراسيف وأطراف الكلية وتنزل أخرى إلى الخصيتين والقضيب وحوالي المقعدة. وريح الرّحم عندهم مادة نفاخة في الرّحم بسبب اجتماع الرطوبات اللّزجة. ورياح الأفرسة عندهم زوال فقرة من فقرات الظهر عن موضعه لرياح غليظة تحتقن تحتها وتمدّدها تمديدا شديدا وهي من أقسام الحدبة كذا في بحر الجواهر.
الرّيح: هُوَ المتحرك من الْهَوَاء وَله أَسبَاب شَتَّى لِأَنَّهُ قد يكون لاندفاع من جَانب إِلَى جَانب يعرض لَهُ بِسَبَب تراكم السحب وتزاحمها. وَقد يكون لانبساط الْهَوَاء بالتخلخل فِي جِهَة واندفاعه من جِهَة إِلَى جِهَة أُخْرَى فَيدْفَع الْهَوَاء المنبسط مَا يجاوره وَذَلِكَ المجاور أَيْضا يدافع مَا يجاوره فيتموج الْهَوَاء وتضعف تِلْكَ المدافعة شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى غَايَة مَا فيقف وَقد يكون لــتكاثف الْهَوَاء لِأَنَّهُ إِذا صغر حجمه يَتَحَرَّك الْهَوَاء المجاور إِلَى جِهَة ضَرُورَة امْتنَاع الْخَلَاء وَقد يكون بِسَبَب برد الدُّخان المتصعد إِلَى الطَّبَقَة الزمهريرية ونزوله. اعْلَم أَن الرّيح وَاحِدًا تسْتَعْمل فِي الشَّرّ والرياح جمعا فِي الْخَيْر. فَإِن قلت: فَكيف قَالَ صَاحب القصيدة الْبردَة أَبُو عبد الله الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن سعيد قدس سره فِيهَا. أم هبت الرّيح من تِلْقَاء كاظمة. مَعَ أَن الرّيح الَّتِي جَاءَت من جَانب الحبيبة خير لَا شَرّ قُلْنَا: ذَلِك فِيمَا إِذا اسْتعْملت نكرَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {برِيح صَرْصَر عاتيه وجاءتها ريح عاصف} . بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت معرفَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام أَنِّي لأجد ريح يُوسُف. فَافْهَم واحفظ.

الحركة

الحركة: الخروج من القوة إلى الفعل تدريجا، وقيل هي شغل حيز بعد أن كان في حيز آخر، وقيل هي كونان في آنين في مكانين كما أن السكون كونان في آنين في مكان واحد.
الحركة:
نصف الألف، وبها تقدّر -عند المتأخرين- مقادير المدود، وهي بمقدار نصف المد الطبيعي، ويقدر زمنها بمعدل قبض الإصبع أو بسطه، من غير سرعة ولا بطء، وُيعبر عنه بـ (فويق) و (فوق)، يقال: قرأ بـ (فويق القصر) و (فوق القصر) أي بمقدار ثلاث حركات، وقرأ بـ (فويق التوسط) و (فوق التوسط) أي بمقدار خمس حركات.
الحركة:
[في الانكليزية] Movement ،motion
[ في الفرنسية] Mouvement
بفتح الحاء والراء المهملة في العرف العام النقل من مكان إلى مكان، هكذا ذكر العلمي في حاشية شرح هداية الحكمة، وهذا هو الحركة الأينية المسماة بالنقلة. قال صاحب الأطول: لا تطلق الحركة عند المتكلمين إلّا على هذه الحركة الأينية وهي المتبادرة في استعمالات أهل اللغة. وقد تطلق عند أهل اللغة على الوضعية دون الكميّة والكيفية انتهى.
وهكذا في شرح المواقف. ويؤيد الإطلاقين ما وقع في شرح الصحائف من أنّ الحركة في العرف العام انتقال الجسم من مكان إلى مكان آخر، أو انتقال أجزائه كما في حركة الرّحى انتهى.
وعند الصوفية الحركة السلوك في سبيل الله تعالى، كذا في لطائف اللغات:
ثم المتكلمون عرّفوا الحركة بحصول جوهر في مكان بعد حصوله في مكان آخر أي مجموع الحصولين لا الحصول في الحيز الثاني المقيّد بكونه بعد الحصول في الحيز الأول، وإن كان متبادرا من ظاهر التعريف. ولذا قيل الحركة كونان في آنين في مكانين، والسكون كونان في آنين في مكان واحد. ويرد عليه أنّ ما أحدث في مكان واستقر فيه آنين وانتقل منه في الآن الثالث إلى مكان آخر لزم أن يكون كون ذلك الحادث في الآن الثاني جزءا من الحركة والسكون، فإنّ هذا الكون مع الكون الأول يكون سكونا، ومع الثالث يكون حركة، فلا تمتاز الحركة عن السكون بالذات، بمعنى أنّه يكون الساكن في آن سكونه أعني الآن الثاني شارعا في الحركة. فالحق هو المعنى المتبادر من التعريف. ولذا قيل الحركة كون أول في مكان ثان، والسكون كون ثان في مكان أول.
ويرد عليه وعلى القول الأول أيضا أنّ الكون في أول زمان الحدوث لا يكون حركة ولا سكونا.
اعلم أنّ الأشاعرة على أنّ الأكوان وسائر الأعراض متجدّدة في كل آن. والمعتزلة قد اتفقوا على أنّ السكون كون باق غير متجدّد، واختلفوا في الحركة هل هي باقية أم لا؟ فعلى القول ببقاء الأكوان يردّ على كلا الفريقين أنه لا معنى للكونين ولا لكون الكون أولا، وثانيا لعدم تعدّده اللهم إلّا أن يفرض التجدّد فرضا.
وعلى القول بعدم بقائها يرد أن لا يكون الحركة والسكون موجودين لعدم اجتماع الكونين في الوجود، اللهم إلّا أن يقال يكفي في وجود الكل وجود أجزائه ولو على سبيل التعاقب.
وقيل الحق أنّ السكون مجموع الكونين في مكان واحد، والحركة كون أول في مكان ثان.
ومما يجب أن يعلم أنّ المراد بكونين في مكان أنّ أقل السكون ذلك وبالكون الثاني في مكان أول ما يعمّ الكون الثالث. وعلى هذا قس سائر التعاريف.
واعلم أيضا أنّ جميع التعاريف لا يشتمل الحركة الوضعية لأنّه لا كون للمتحرك بها إلّا في المكان الأول، هكذا يستفاد مما ذكره المولوي عصام الدين والمولوي عبد الحكيم في حواشيهما على شرح العقائد النسفية. ويجيء ما يدفع بعض الشكوك في لفظ الكون.
وأمّا الحكماء فقد اختلفوا في تعريف الحركة. فقال بعض القدماء هي خروج ما بالقوة إلى الفعل على التدريج. بيانه أنّ الشيء الموجود لا يجوز أن يكون بالقوة من جميع الوجوه وإلّا لكان وجوده أيضا بالقوة، فيلزم أن لا يكون موجودا، فهو إمّا بالفعل من جميع الوجوه وهو البارئ تعالى، والعقول على رأيهم أو بالفعل، من بعضها وبالقوة من بعض. فمن حيث إنّه موجود بالقوة لو خرج ذلك البعض من القوة إلى الفعل فهو إمّا دفعة وهو الكون والفساد فتبدل الصورة النارية بالهوائية انتقال دفعي، ولا يسمّونه حركة بل كونا وفسادا، وإمّا على التدريج وهو الحركة. فحقيقة الحركة هو الحدوث أو الحصول أو الخروج من القوة إلى الفعل إمّا يسيرا يسيرا أو لا دفعة أو بالتدريج.
وكل من هذه العبارات صالحة لإفادة تصوّر الحركة. لكن المتأخّرين عدلوا عن ذلك لأنّ التدريج هو وقوع الشيء في زمان بعد زمان، فيقع الزمان في تعريفه، والزمان مفسّر بأنّه مقدار الحركة، فيلزم الدور. وكذا الحال في اللادفعة، وكذا معنى يسيرا يسيرا. فقالوا الحركة كمال أول لما هو بالقوة من جهة ما هو بالقوة.
وهكذا قال أرسطو. وتوضيحه أنّ الجسم إذا كان في مكان مثلا وأمكن حصوله في مكان آخر فله [هناك] إمكانان، إمكان الحصول في المكان الثاني، وإمكان التوجّه إليه. وكلّ ما هو ممكن الحصول له فإنه إذا حصل كان كمالا له، فكل من التوجه إلى المكان الثاني والحصول فيه كمال، إلّا أنّ التوجّه متقدّم على الحصول لا محالة، فوجب أن يكون الحصول بالقوة ما دام التوجّه بالفعل. فالتوجّه كمال أول للجسم الذي يجب أن يكون بالقوة في كماله الثاني الذي هو الحصول. ثم إنّ التوجّه ما دام موجودا فقد بقي منه شيء بالقوة. فالحركة تفارق سائر الكمالات بخاصتين: إحداهما أنها من حيث إنّ حقيقتها هي التأدّي إلى الغير، والسلوك إليه تستلزم أن يكون هناك مطلوب ممكن الحصول غير حاصل معها بالفعل ليكون التأدّي تأدّيا إليه، وليس شيء من سائر الكمالات بهذه الصفة، إذ ليست ماهيتها التأدّي إلى الغير ولا يحصل فيها واحد من هذين الوصفين. فإنّ الشيء مثلا إذا كان مربعا بالقوة ثم صار مربعا بالفعل فحصول المربعية من حيث هو هو لا يستعقب شيئا ولا يبقى عند حصولها شيء منها بالقوة. وأما الإمكان الاستعدادي وإن كان يستلزم أن لا يكون المقبول غير حاصل معه بالفعل فإنّ التحقيق أنّ الاستعداد يبطل مع الفعل لكن حقيقتها ليس التأدّي. وثانيتهما أنها تقتضي أن يكون شيء منها بالقوة فإنّ المتحرّك إنما يكون متحركا إذا لم يصل إلى المقصد، فإنّه إذا وصل إليه فقد انقطع حركته، وما دام لم يصل فقد بقي من الحركة شيء بالقوة. فهوية الحركة مستلزمة لأن يكون محلها حال اتصافه بها يكون مشتملا على قوتين، قوة بالقياس إليها وقوة أخرى بالقياس إلى ما هو المقصود بها. أما القوة التي بالنسبة إلى المقصد فمشتركة بلا تفاوت بين الحركة، بمعنى القطع والحركة بمعنى التوسط. فإنّ الجسم ما دام في المسافة لم يكن واصلا إلى المنتهى، وإذا وصل إليه لم تبق الحركة أصلا. وأما القوة الأخرى ففيها تفاوت بينهما، فإنّ الحركة بمعنى القطع حال اتصاف المتحرّك بها يكون بعض أجزائها بالقوة وبعضها بالفعل. فالقوة والفعل في ذات شيء واحد. والحركة بمعنى التوسّط إذا حصلت كانت بالفعل، ولم تكن هناك قوة متعلّقة بذاتها، بل بنسبتها إلى حدود المسافة. وتلك النسبة خارجة عن ذاتها عارضة لها كما ستعرف. فقد ظهر أنّ الحركة كمال بالمعنى المذكور للجسم الذي هو بالقوة في ذلك الكمال وفيما يتأدّى إليه ذلك الكمال. وبقيد الأول تخرج الكمالات الثانية، وبقيد الحيثية المتعلّقة بالأول تخرج الكمالات الأولى على الإطلاق، أعني الصورة النوعية لأنواع الأجسام والصور الجسمية للجسم المطلق فإنّها كمالات أولى لما بالقوة، لكن لا من هذه الحيثية بل مطلقا، لأنّ تحصيل هذه الأنواع والجسم المطلق في نفسه إنّما هو بهذه الصور وما عداها من أحوالها تابعة لها، بخلاف الحركة فإنّها كمال أول من هذه الحيثية فقط، وذلك لأنّ الحركة في الحقيقة من الكمالات الثانية بالقياس إلى الصور النوعية.
وإنّما اتصفت بالأولية لاستلزامها ترتّب كمال آخر عليها بحيث يجب كونه بالقوة معها فهي أول بالقياس إلى ذلك الكمال، وكونه بالقوة معها لا مطلقا. فالحاصل أنّ الحركة كمال أول للجسم الذي هو بالقوة في كماله الثاني بحيث يكون أوليته من جهة الأمر الذي هو له بالقوة بأن تكون أولية هذا الكمال بالنسبة إليه.
وهاهنا توجيهان آخران. الأول أن يكون قولهم من جهة ما هو بالقوة متعلّقا بما يتعلّق به قولهم لما هو بالقوة كالثابت والحاصل، فيكون المعنى كمال أول حاصل للجسم الذي يجب كونه معه بالقوة في كماله الثاني، ومتعلّق به من جهة كونه بالقوة، وذلك لأنّ الحركة كمال بالنسبة إلى الوصول أو بقية الحركة للجسم الذي يجب كونه معه بالقوة في كماله الثاني، وحصوله له من جهة كونه بالقوة إذ على تقدير الوصول أو بقية الحركة بالفعل تكون الحركة منقطعة غير حاصلة للجسم. وبيان فائدة القيود مثل ما مرّ، لكن بقي انتقاض تعريف الحركة بالإمكان الاستعدادي إذ يصدق أنّه كمال بالنسبة إلى ما يترتب عليه سواء كان قريبا أو بعيدا للجسم الذي يجب كونه معه بالقوة في الكمال الثاني، من جهة كونه بالقوة، فإنّه إذا حصل ما يترتّب عليه بطل استعداده، وكذلك أولية الاستعداد بالنسبة إلى ما يترتب. والثاني أن يكون متعلّقا بلفظ الكمال ويكون المعنى أنّ الحركة كمال أول للجسم الذي هو بالقوة في كماله الثاني من جهة المعنى الذي هو به بالقوة، بأن يكون ذلك المعنى سببا لكماليته، وذلك فإنّ الحركة ليست كمالا له من جهة كونه جسما أو حيوانا بل إنما هي كمال من الجهة التي باعتبارها كان بالقوة، أعني حصوله في أين مخصوص أو وضع مخصوص أو غير ذلك؛ وفيه نظر، وهو أنّ الحركة ليست كمالا من جهة حصوله في أين أو وضع أو غير ذلك، فإنّ كماليتها إنما هو باعتبار حصولها بعد ما كان بالقوة.
ويردّ على التوجيهات الثلاثة أنه يخرج من التعريف الحركة المستديرة الأزلية الأبدية الفلكية على زعمهم، إذ لا منتهى لها إلّا بالوهم، فليس هناك كمالان أول هو الحركة وثان هو الوصول إلى المنتهى إلّا إذا اعتبر وضع معين واعتبر ما قبله دون ما بعده؛ إلّا أنّ هذا منتهى بحسب الوهم دون الواقع المتبادر من التعريف. وفي الملخص أنّ تصور الحركة أسهل مما ذكر فإنّ كل عاقل يدرك التفرقة بين كون الجسم متحركا وبين كونه ساكنا. وأمّا الأمور المذكورة فمما لا يتصورها إلّا الأذكياء من الناس.
وقد أجيب عنه بأنّ ما أورده يدلّ على تصورها بوجه والتصديق بحصولها للأجسام لا على تصوّر حقيقتها.
اعلم انهم اختلفوا في وجود الحركة.
فقيل بوجوده وقيل بعدم وجوده. وحاكم بينهم ارسطو، فقال: الحركة يقال بالاشتراك اللفظي لمعنيين. الأول التوجّه نحو المقصد وهو كيفية بها يكون الجسم أبدا متوسطا بين المبدأ والمنتهى، أي مبدأ المسافة ومنتهاها، ولا يكون في حيّز آنين بل يكون في كل آن في حيّز آخر، وتسمّى الحركة بمعنى التوسط. وقد يعبر عنها بأنها كون الجسم بحيث أي حدّ من حدود المسافة يفرض لا يكون هو قبل الوصول إليه ولا بعده حاصلا فيه، وبأنها كون الجسم فيما بين المبدأ والمنتهى بحيث أي آن يفرض يكون حاله في ذلك الآن مخالفا لحاله في آنين يحيطان به، والحركة بهذا المعنى أمر موجود في الخارج، فإنّا نعلم بمعاونة الحسّ أنّ للمتحرك حالة مخصوصة ليست ثابتة له في المبدأ ولا في المنتهى، بل فيما بينهما، وتستمر تلك الحالة إلى المنتهى وتوجد دفعة. ويستلزم اختلاف نسب المتحرك إلى حدود المسافة فهي باعتبار ذاتها مستمرة وباعتبار نسبتها إلى تلك الحدود سيالة وبواسطة استمرارها وسيلانها تفعل في الخيال أمرا ممتدا غير قارّ هو الحركة بمعنى القطع. فالحركة بمعنى التوسّط تنافي استقرار المتحرّك في حيّز واحد سواء كان منتقلا عنه أو منتقلا إليه، فتكون ضدا للسكون في الحيّز المنتقل عنه وإليه، بخلاف من جعل الحركة الكون في الحيّز الثاني كما يجيء في لفظ الكون. الثاني الأمر الممتد من أول المسافة إلى آخرها ويسمّى الحركة بمعنى القطع ولا وجود لها إلّا في التوهم، إذ عند الحصول في الجزء الثاني بطل نسبته إلى الجزء الأول منها ضرورة، فلا يوجد هناك أمر ممتد من مبدأها إلى منتهاها. نعم لما ارتسم نسبة المتحرك إلى الجزء الثاني الذي أدركه في الخيال قبل أن يزول نسبته إلى الجزء الأول الذي تركه عنه، أي عن الخيال، يخيّل أمر ممتد، كما يحصل من القطرة النازلة والشعلة المدارة أمر ممتد في الحسّ المشترك فيرى لذلك خطّا ودائرة.
التقسيم
الحركة إمّا سريعة أو بطيئة. فالسريعة هي التي تقطع مسافة مساوية لمسافة أخرى في زمان أقلّ من زمانها، ويلزمها أن تقطع الأكثر من المسافة في الزمان المساوي. أعني إذا فرض تساوي الحركتين في المسافة كان زمان السريعة أقلّ، وإذا فرض تساويهما في الزمان كانت مسافة السريعة أكثر. فهذان الوصفان لا زمان للسريعة مساويان لها. ولذلك عرفت بكلّ واحد منهما.
وأمّا قطعها لمسافة أطول في زمان أقصر فخاصة قاصرة. والبطيئة عكسها فتقطع المساوي من المسافة في الزمان الأكثر أو تقطع الأقل من المسافة في الزمان المساوي، وربما قطعت مسافة أقل في زمان أكثر لكنه غير شامل لها. والاختلاف بالسرعة والبطء ليس اختلافا بالنوع إذ الحركة الواحدة سريعة بالنسبة إلى حركة والبطيئة بالنسبة إلى أخرى، ولأنهما قابلان للاشتداد والنقص.
فائدة:
قالوا علّة البطء في الطبيعة ممانعة المخروق الذي في المسافة، فكلما كان قوامه أغلظ كان أشدّ ممانعة للطبيعة وأقوى في اقتضاء بطء الحركة كالماء مع الهواء، فنزول الحجر إلى الأرض في الماء أبطأ من نزوله إليها في الهواء.
وأمّا في الحركات القسرية والإرادية فممانعة الطبيعة إمّا وحدها لأنه كلما كان الجسم أكبر أو كانت الطبيعة السارية فيه أكبر كان ذلك الجسم بطبيعته أشدّ ممانعة للقاسر، والمحرك بالإرادة وأقوى في اقتضاء البطء وإن اتحد المخروق والقاسر والمحرّك الإرادي. ومن ثمّ كان حركة الحجر الكبير أبطأ من حركة الصغير في مسافة واحدة من قاسر واحد، أو ممانعة الطبيعة مع ممانعة المخروق كالسهم المرمي بقوة واحدة تارة في الهواء، وكالشخص السائر فيهما بالإرادة، وربّما عاوق أحدهما أكثر والآخر أقل فتعادلا، مثل أن يحرك قاسر واحد الجسم الكبير في الهواء والصغير في الماء الذي يزيد معاوقة الهواء بمقدار الزيادة التي في طبيعته. وأيضا الحركة إمّا أينية وهي الانتقال من مكان إلى مكان تدريجا وتسمّى النقلة، وإمّا كمية وهي الانتقال من كم إلى كم آخر تدريجا وهو أولى مما ذكره الشارح القديم من أنّها انتقال الجسم من كمّ إلى كمّ على التدريج، إذ قد ينتقل الهيولى والصورة أيضا من كم إلى كم، وهذه الحركة تقع على وجوه التخلخل والــتكاثف والنمو والذبول والسّمن والهزال، وإمّا كيفية وهي الانتقال من كيفية إلى أخرى تدريجا وتسمّى بالاستحالة أيضا، وإمّا وضعية وهي أن يكون للشيء حركة على الاستدارة، فإنّ كلّ واحد من أجزاء المتحرّك يفارق كلّ واحد من أجزاء مكانه لو كان له مكان، ويلازم كله مكانه، فقد اختلفت نسبة أجزائه إلى أجزاء مكانه على التدريج. وقولهم لو كان له مكان ليشمل التعريف فلك الأفلاك.
والمراد بالحركة المستديرة ما هو المصطلح وهو ما لا يخرج المتحرّك بها عن مكانه لا اللغوي فإنّ معناها اللغوي أعمّ من ذلك، فإنّ الجسم إذا تحرك على محيط دائرة يقال إنه متحرك بحركة مستديرة، فعلى هذا حركة الرحى وضعية وكذا حركة الجسم الآخر الذي يدور حول نفسه من غير أن تخرج عن مكانه حركة وضعية. وقيل الحركة الوضعية منحصرة في حركة الكرة في مكانها وليس بشيء إذ الحركة في الوضع هي الانتقال من وضع إلى وضع آخر تدريجا. وقيل حصر الوضعية في الحركة المستديرة أيضا ليس بشيء على ما عرفت من معنى الحركة في الوضع، كيف والقائم إذا قعد فقد انتقل من وضع إلى وضع آخر مع أنّه لا يتحرك على الاستدارة وثبوت الحركة الأينية لا ينافي ذلك.
نعم لا توجد الوضعية هناك على الانفراد.
وبالجملة فالحق أنّ الحركة الوضعية هي الانتقال من وضع إلى وضع كما عرفت، فكان الحصر المذكور بناء على إرادة الحركة الوضعية على الانفراد. ولذا قيل الحركة الوضعية تبدل وضع المتحرك دون مكانه على سبيل التدريج، وتسمّى حركة دورية أيضا انتهى.
وهذا التقسيم بناء على أنّ الحركة عند الحكماء لا تقع إلّا في هذه المقولات الأربع، وأما باقي المقولات فلا تقع فيها حركة لا في الجوهر لأنّ حصوله دفعي ويسمّى بالكون والفساد، ولا في باقي مقولات العرض لأنها تابعة لمعروضاتها، فإن كانت معروضاتها مما تقع فيه الحركة تقع في تلك المقولة الحركة أيضا وإلّا فلا. ومعنى وقوع الحركة في مقولة عند جماعة هو أنّ تلك المقولة مع بقائها بعينها تتغير من حال إلى حال على سبيل التدريج، فتكون تلك المقولة هي الموضوع الحقيقي لتلك الحركة، سواء قلنا إنّ الجوهر الذي هو موضوع لتلك المقولة موصوف بتلك الحركة بالعرض وعلى سبيل التبع أو لم نقل وهو باطل، لأنّ التسود مثلا ليس هو أنّ ذات السواد يشتدّ لأنّ ذلك السواد إن عدم عند الاشتداد فليس فيه اشتداد قطعا، وإن بقي ولم تحدث فيه صفة زائدة فلا اشتداد فيه أيضا، وإن حدثت فيه صفة زائدة فلا تبدل ولا اشتداد قطعا ولا حركة في ذات السواد، بل في صفة والمفروض خلافه.
وعند جماعة معناه أنّ تلك المقولة جنس لتلك الحركة، قاموا إنّ من الأين ما هو قارّ ومنه ما هو سيّال، وكذا الحال في الكم والكيف والوضع. فالسيّال من كل جنس من هذه الأجناس هو الحركة فتكون الحركة نوعا من ذلك الجنس وهو باطل أيضا إذ لا معنى للحركة إلّا تغيّر الموضوع في صفاته على سبيل التدريج، ولا شك أنّ التغيّر ليس من جنس المتغيّر والمتبدّل لأنّ التبدّل حالة نسبية إضافية والمتبدّل ليس كذلك، فإذا كان المتبدّل في الحركة هذه المقولات لم يكن شيء منها جنسا للتبدل الواقع فيها. والصواب أنّ معنى ذلك هو أنّ الموضوع يتحرك من نوع لتلك المقولة إلى نوع آخر من صنف إلى صنف آخر أو من فرد إلى فرد آخر.
وأيضا الحركة إمّا ذاتية أو عرضية. قالوا ما يوصف بالحركة إمّا أن تكون الحركة حاصلة فيه بالحقيقة بأن تكون الحركة عارضة له بلا توسط عروضها لشيء آخر أو لا تكون، بأن تكون الحركة حاصلة في شيء آخر يقارنه فيوصف بالحركة تبعا لذلك، والثاني يقال له إنّه متحرك بالعرض وبالتبع وتسمّى حركته حركة عرضية وتبعية كراكب السفينة، والأول يقال له إنّه متحرك بالذات وتسمّى حركته حركة ذاتية.
والحركة الذاتية ثلاثة أقسام لأنه إمّا أن يكون مبدأ الحركة في غيره وهي الحركة القسرية أو يكون [مبدأ] الحركة فيه إمّا مع الشعور أي شعور مبدأ الحركة بتلك الحركة، وهي الحركة الإرادية أو لا مع الشعور وهي الحركة الطبعية.
فالحركة النباتية طبعية وكذلك حركة النّبض لأنّ مبدأ هاتين الحركتين موجود في المتحرّك ولا شعور له بالحركة الصادرة عنه. وقد أخطأ من جعل الحركة الطبعية هي الصاعدة والهابطة وحصرها فيهما إذ تخرج عنها حينئذ هاتان الحركتان، وكذا أخطأ من جعل الحركة الطبعية هي التي على وتيرة واحدة من غير شعور بخروج هاتين الحركتين. ومنهم من قسّم الحركة إلى ذاتية وعرضية، والذاتية إلى ستة أقسام، لأنّ القوة المحركة إن كانت خارجة عن المتحرك فالحركة قسرية، وإن لم تكن خارجة عنه فإمّا أن تكون الحركة بسيطة أي على نهج واحد وإمّا أن تكون مركّبة أي لا على نهج واحد.
والبسيطة إمّا أن تكون بإرادة وهي الحركة الفلكية أو لا بإرادة وهي الحركة الطبعية.
والمركّبة إمّا أن يكون مصدرها القوة الحيوانية أو لا. الثانية الحركة النباتية. والاولى إمّا أن تكون مع شعور بها وهي الحركة الإرادية الحيوانية أو مع عدم شعور وهي الحركة التسخيرية كحركة النبض.
فائدة:
الحركة تقتضي أمورا ستة. الأول ما به الحركة أي السبب الفاعلي. الثاني ما له الحركة أي محلها. الثالث ما فيه الحركة أي إحدى المقولات الأربع. الرابع ما منه الحركة أي المبدأ. والخامس ما إليه الحركة أي المنتهى وهما أي المبدأ والمنتهى بالفعل في الحركة المستقيمة وبالفرض في الحركة المستديرة.
السادس المقدار أي الزمان فإنّ كل حركة في زمان بالضرورة فوحدتها متعلّقة بوحدة هذه الأمور، فوحدتها الشخصية بوحدة موضوعها وزمانها وما هي فيه ويتبع هذا وحدة ما منه وما إليه، ولا يعتبر وحدة المحرك وتعدده، ووحدتها النوعية بوحدة ما فيه وما منه وما إليه ووحدتها الجنسية بوحدة ما فيه فقط. فالحركة الواقعة في كل جنس جنس من الحركة، فالحركات الأينية كلّها متحدة في الجنس العالي، وكذا الحركات الكمية والكيفية. ويترتّب أجناس الحركات بترتب الأجناس التي تقع تلك الحركة فيها فالحركة في الكيف جنس هي فوق الحركة في الكيفيات المحسوسة وهي فوق الحركة في المبصرات وهي [جنس] فوق الحركة في الألوان، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الحركات النوعية المنتهية إلى الحركات الشخصية. وتضاد الحركتين ليس لتضاد المحرّك والزمان وما فيه بل لتضاد ما منه وما إليه إمّا بالذات كالتسوّد والتبيّض أو بالعرض كالصعود والهبوط، فإنّ مبدأهما ومنتهاهما نقطتان متماثلتان عرض لهما تضاد من حيث إنّ إحداهما صارت مبدأ والأخرى منتهى، فالتضاد إنّما هو بين الحركات المتجانسة المتشاركة في الجنس الأخير. ففي الاستحالة كالتسوّد والتبيّض وفي الكم كالنمو والذبول وفي النقلة كالصاعدة والهابطة وأمّا الحركات الوضعية فلا تضاد فيها.
فائدة:
انقسام الحركة ليس بالذات بل بانقسام الزمان والمسافة والمتحرك؛ فإنّ الجسم إذا تحرّك تحركت أجزاؤه المفروضة فيه، والحركة القائمة بكل جزء غير القائمة بالجزء الآخر، فقد انقسمت الحركة بانقسام محلها.
فائدة:
ذهب بعض الحكماء كأرسطو وأتباعه والجبّائي من المعتزلة إلى أنّ بين كل حركتين مستقيمتين كصاعدة وهابطة سكونا، فالحجر إذا صعد قسرا ثم رجع فلا بد أن يسكن فيما بينهما فإنّ كل حركة مستقيمة لا بدّ أن تنتهي إلى سكون لأنها لا تذهب على الاستقامة إلى غير النهاية، ومنعه غيرهم كأفلاطون وأكثر المتكلّمين من المعتزلة. وإن شئت تحقيق المباحث فارجع إلى شرح المواقف وشرح الطوالع والعلمي وغيرها.
تذنيب
الحركة كما تطلق على ما مرّ كذلك تطلق على كيفية عارضية للصوت وهي الضم والفتح الكسر ويقابلها السكون. قال الإمام الرازي الحركات أبعاض المصوّتات. أمّا أولا فلأنّ الحروف المصوتة قابلة للزيادة والنقصان، وكلّما كان كذلك فله طرفان ولا طرف في النقصان للمصوّتة إلّا بهذه الحركات بشهادة الاستقراء.
وأمّا ثانيا فلأنّ الحركات لو لم تكن أبعاض المصوّتات لما حصلت المصوتات بتمديدها، فإن الحركة إذا كانت مخالفة لها ومددتها لم يمكنك أن تذكر المصوّت إلّا باستئناف صامت آخر يجعل المصوّت تبعا له، لكن الحسّ شاهد بحصول المصوتة بمجرّد تمديد الحركات، كذا في شرح المواقف في بحث المسموعات.
حركات الأفلاك وما في أجرامها لها أسماء
الحركة البسيطة وتسمّى متشابهة وبالحركة حول المركز أيضا، وبالحركة حول النقطة أيضا، وهي حركة تحدث بها عند مركز الفلك في أزمنة متساوية زوايا متساوية. وبعبارة أخرى تحدث بها عند المركز في أزمنة متساوية قسي متساوية. والحركة المختلفة وهي ما لا تكون كذلك. والحركة المفردة وهي الحركة الصادرة عن فلك واحد وقد تسمّى بسيطة، لكن المشهور أنّ البسيطة هي المتشابهة. والحركة المركّبة وهي الصادرة عن أكثر من فلك واحد. وكل حركة مفردة بسيطة وكل مختلفة مركبة وليس كل بسيطة مفردة وليس كل مركّبة مختلفة. والحركة الشرقية وهي الحركة من المشرق إلى المغرب سمّيت بها بظهور الكوكب بها من الشرق، وتسمّى أيضا حركة إلى خلاف التوالي لأنّها على خلاف توالي البروج، والبعض يسمّيها بالغربية لكونها إلى جهة الغرب. والحركات الشرقية أربع: الأولى الحركة الأولى وهي حركة الفلك الأعظم حول مركز العالم سمّيت بها لأنها أول ما يعرف من الحركات السماوية بلا إقامة دليل، وتسمّى بحركة الكلّ أيضا إذ الفلك الأعظم يسمّى أيضا بفلك الكل لأنّ باقي الأجرام في جوفه وتسمّى أيضا بالحركة اليومية، لأنّ دورة الفلك الأعظم تتم في قريب من يوم بليلته على اصطلاح الحساب، وتسمّى أيضا بالحركة السريعة لأنّ هذه الحركة أسرع الحركات. الثانية حركة مدير عطارد حول مركزه وتسمّى حركة الأوج إذ في المدير الأوج الثاني لعطارد فيتحرك هذا الأوج بحركة المدير ضرورة. الثالثة حركة جوزهر القمر حول مركزه وتسمّى بحركة الرأس والذنب لتحركهما بهذه الحركة. الرابعة حركة مائل القمر حول مركزه وتسمّى حركة أوج القمر لتحركه بحركته. ولما كان الأوج كما يتحرك بهذه الحركة كذلك يتحرك بحركة الجوزهر أيضا. ويسمّى البعض مجموع حركتي الجوزهر والمائل بحركة الأوج صرّح به العلّامة في النهاية. والحركة الغربية كحركة فلك الثوابت وهي الحركة من المغرب إلى المشرق وتسمّى أيضا بالحركة إلى التوالي لأنها على توالي البروج والبعض يسميها شرقية أيضا لكونها إلى جهة الشرق، وتسمّى أيضا بالحركة البطيئة لأنها أبطأ من الحركة الأولى، وبالحركة الثانية لأنها لا تعرف أولا بلا إقامة دليل. وحركات السبعة السيارة أيضا تسمّى بالحركة الثانية والبطيئة وإلى التوالي والغربية أو الشرقية. فمن الحركات الغربية حركة فلك الثوابت. ومنها حركات الممثلات سوى ممثل القمر حول مراكزها وتسمّى حركات الأوجات والجوزهرات، وحركات العقدة. ومنها حركات الأفلاك الخارجة المراكز حول مراكزها. وحركة خارج مركز كل كوكب يسمّى بحركة مركز ذلك الكوكب اصطلاحا ولا تسمّى حركة مركز التدوير كما زعم البعض وإن كانت يطلق عليها بحسب اللغة. وحركة مركز القمر تسمّى بالبعد المضعف أيضا.
اعلم أنّ خارج مركز ما سوى الشمس يسمّى حاملا فحركة حامل كل كوكب كما تسمّى بحركة المركز كذلك تسمّى بحركة العرض لأنّ عرض مركز التداوير إنّما حصل بها فلهذه الحركة دخل في عرض الكوكب وهي أي حركة العرض هي حركة الطول بعينها إذا أضيفت وقيست إلى فلك البروج.
اعلم أنّ مركز التدوير إذا سار قوسا من منطقة الحامل في زمان مثلا تحدث زاوية عند مركز معدّل المسير ويعتبر مقدارها من منطقة معدل المسير، وبهذا الاعتبار يقال لهذه الحركة حركة المركز المعدّل الوسطى وتحدث أيضا زاوية عند مركز العالم ويعتبر مقدارها من منطقة البروج. وبهذا الاعتبار يقال لهذه الحركة حركة المركز المعدل. وإذا أضيفت إلى حركة المركز المعدّل حركة الأوج حصل الوسط المعدّل فإذا زيد التعديل الثاني على الوسط المعدّل أو نقص منه يحصل التقويم المسمّى بالطول وهذا في المتحيرة، ويعلم من ذلك الحال في النيرين.
فلهذا سميت بهذه الحركة المضافة إلى فلك البروج بحركة الطول. ومعنى الإضافة إلى فلك البروج أن تعتبر هذه الحركة بالنسبة إلى مركز فلك البروج الذي هو مركز العالم.
اعلم أنّ مجموع حركة الخارج والممثل في الشمس والمتحيّرة تسمّى حركة الوسط وقد تسمّى حركة المركز فقط بحركة الوسط وأهل العمل يسمّون مجموع حركة الممثل وفضل حركة الحامل على المدير في عطارد بالوسط، فإنهم لما سمّوا فضل حركة الحامل على حركة المدير في عطارد بحركة المركز سمّوا مجموع حركة الممثل والفضل المذكور بحركة الوسط.
وأما الوسط في القمر فهو فضل حركة المركز على مجموع حركتي الجوزهر والمائل، وتسمّى حركة مركز القمر في الطول أيضا وقد يسمّى جميع الحركات المستوية وسطا.
وحركة الاختلاف وهي حركة تدوير كل كوكب سمّيت بها لأنّ تقويم الكوكب يختلف بها، فتارة تزاد تلك الحركة على الوسط وتارة تنقص منه ليحصل التقويم وتسمّى أيضا حركة خاصة الكوكب لأنّ مركزه يتحرك بها بلا واسطة وهذه الحركة ليست من الشرقية والغربية لأنّ حركات أعالي التداوير لا محالة مخالفة في الجهة لحركات أسافلها لكونها غير شاملة للأرض فإن كانت حركة أعلى التدوير إلى التوالي أي من المغرب إلى المشرق كانت حركة الأسفل إلى خلافه، وإن كانت بالعكس فبالعكس. هذا كله مما يستفاد مما ذكره الفاضل عبد العلي البرجندي في تصانيفه في علم الهيئة والسيّد السّند في شرح الملخص.

السحر

السحر: محركا، أصله التعلل عن الشيء بما يقاربه ويدانيه ويكون منه بوجه ما، فالوقت من الليل الذي يتعلل فيه بدنو الصباح هو السحر، ومنه السحور لأنه تعلل عن الغداة، ذكره الحرالي.
السحر: محركةً هو قُبيل الصبح أي البياض يعلو السواد، وبالكسر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشياطين مما لا يستقلُّ به الإنسان. وإطلاقه على ما يفعله من الحِيَل حقيقة لغوية يعني ما يلعب بالعقول من الأمور العجيبة ولا يستظهر عليها بالشياطين وبالفتح الرِّئة.
(السحر) كل أَمر يخفى سَببه ويتخيل على غير حَقِيقَته وَيجْرِي مجْرى التمويه وَالْخداع وكل مَا لطف مأخذه ودق (ج) أسحار وسحور

(السحر) السحارة وَيُقَال انتفخ سحره عدا طوره وحاوز قدره وَيُقَال أَيْضا انتفخ تسحره امْتَلَأَ خوفًا وَجبن وَانْقطع مِنْهُ سحرِي يئست مِنْهُ (ج) أسحار وسحور

(السحر) السحر وَآخر اللَّيْل قبيل الْفجْر وَمن الشَّيْء طرفه وَالْبَيَاض يَعْلُو السوَاد (ج) أسحار وَيُقَال لَقيته فِي أَعلَى السحرين وهما سحر مَعَ الصُّبْح وسحر قبله كَمَا يُقَال الفجران للكاذب والصادق
السحر: يقال على معان، الأول: تخيلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذة. الثاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه، الثالث: ما يغير الصور والطبائع كجعل الإنسان حمارا، ولا حقيقة له عند المحصلين: ذكره الراغب. وفي تفسير الإمام الرازي: لفظ السحر في عرف الشرع يختص بكل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع، وإذا أطلق ذم فاعله، وقد يستعمل مقيدا فيما يمدح ويحمد نحو خبر "إن من البيان لسحرا" أي إن بعض البيان سحر لأن بعضه يوضح المشكل ويكشف عن حقيقية المجمل بحسن بيانه فيستميل القلوب كما يستمال بالسحر. وقيل لما كان في البيان من إبداع التركيب وغرابة التأليف ما يجذب السامع ويخرجه إلى حد يكاد يشغله عن غيره شبه بالسحر الحقيقي. وقال بعضهم: السحر قلب الحواس في مدركاتها عن الوجه المعتاد في صحتها عن سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله عليه. وقال الكرماني: أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة لا يتعذر معارضته.
السحر: مَا هُوَ المجرب لرد السحر عَن المسحور وَدفعه عَنهُ أكتب لكم أَيهَا الخلان بِالْفَارِسِيَّةِ للنفع الْعَام وأجزت الْعَمَل لمن أَرَادَ الدّفع فاعمل يَا طَالب المُرَاد واستعن بِاللَّه المتعال فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّاد، وَالْعَمَل الْمَذْكُور هُوَ أَن تقْرَأ بعد صَلَاة الْعشَاء الأولى الْفَاتِحَة للشاه شرف يحيى المنيري قدس سره وَبعدهَا ترسل التَّحِيَّات مائَة مرّة وتقرأ الْفَاتِحَة مَعَ الْبَسْمَلَة سبع مَرَّات وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة وَاحِدَة {وَقل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مَرَّات، والمعوذتين ثَلَاث مَرَّات، و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} ثَلَاث مَرَّات على هَذَا التَّرْتِيب وينفع على نَفسه إِذا كَانَ الَّذِي يقْرَأ هُوَ المسحور على الشَّخْص المسحور، وينفض كَفه المقبوضة فِي الْجِهَات الْأَرْبَعَة وَيَقُول فِي كل مرّة ارْجع ارْجع بِحَق شاه شرف يحيى المنيري ارْجع، وَبعدهَا يقْرَأ {لِإِيلَافِ قُرَيْش} سبع مَرَّات ثمَّ ينْفخ على جَمِيع بدن المسحور أَكَانَ هُوَ أم غَيره وَإِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن السحر يدْفع عَنهُ، وَزِيَادَة فِي الِاحْتِيَاط وَبعد الْفَرَاغ من هَذَا الْعَمَل يقْرَأ سُورَة (يس) سبع مَرَّات وينفخ حَتَّى يرْتَفع احْتِمَال الْمُرَاجَعَة.

ولدفع السحر: مجرب أَن يقْرَأ لَيْلًا وَنَهَارًا (بِسم الله يَلِي ثَمَان الرَّحْمَن أبر ثَمَان الرَّحِيم حيثمان) بعد الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقبلهَا.
السحر: بِكَسْر السِّين إِظْهَار خارق للْعَادَة من نفس شريرة خبيثة بِمُبَاشَرَة أَعمال مَخْصُوصَة فِيهَا التَّعْلِيم والتلمذ. وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي حكم السَّاحر فَقَالَ بَعضهم يجب قَتله وَقَالَ بَعضهم هُوَ كَافِر لَكِن لم يتَعَرَّض لقَتله. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا اعْترف السَّاحر بِأَنَّهُ قتل شخصا بسحره أَو بِأَن سحره مِمَّا يقتل غَائِبا وَجب عَلَيْهِ الْقود.
وَاعْلَم أَن الْفَارِق بَين المعجزة والكرامة وَالسحر أُمُور: أَحدهَا: أَن السحر إِنَّمَا يظْهر من نفس شريرة خبيثة. والكرامة إِنَّمَا تظهر من نفس كَرِيمَة مُؤمنَة دائمة الطَّاعَات. المتجنبة عَن السَّيِّئَات. وَالثَّانِي: أَن السحر أَعمال مَخْصُوصَة مُعينَة من السَّيِّئَات وَإِنَّمَا يحصل بذلك وَلَيْسَ فِي الْكَرَامَة أَعمال مَخْصُوصَة وَإِنَّمَا تحصل بِفضل الله بمواظبة الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة. وَالثَّالِث: أَن السحر لَا يحصل إِلَّا بالتعليم والتلمذ والكرامة لَيست كَذَلِك. وَالرَّابِع: أَن السحر لَا يكون مُوَافقا لمطالب الطالبين بل مَخْصُوص بمطالب مُعينَة محدودة. والكرامة مُوَافقَة لمطالب الطالبين وَلَيْسَ لَهَا مطَالب مَخْصُوصَة. وَالْخَامِس: أَن السحر مَخْصُوص بأزمنة مُعينَة أَو أمكنة مُعينَة أَو شَرَائِط مَخْصُوصَة. والكرامة لَا تعين لَهَا بِالزَّمَانِ وَلَا بِالْمَكَانِ وَلَا بالشرائط. وَالسَّادِس: أَن السحر قد يتَصَدَّى بمعارضة سَاحر آخر إِظْهَار الفخرة. والكرامة لَا يُعَارض لَهَا آخر. وَالسَّابِع: أَن السحر يحصل ببذل جهده فِي الْإِتْيَان بِهِ. والكرامة لَيْسَ فِيهَا بذل الْجهد وَالْمَشَقَّة وَإِن ظَهرت ألف مرّة. وَالثَّامِن: أَن السَّاحر يفسق ويتصف بالرجس فَرُبمَا لَا يغسل عَن الْجَنَابَة وَلَا يستنجي عَن الْغَائِط وَلَا يطهر الثِّيَاب الملبوسة بالنجاسات لِأَن لَهُ تَأْثِيرا بليغا بالاتصاف بِتِلْكَ الْأُمُور وَهَذَا هُوَ الرجس فِي الظَّاهِر. وَأما فِي الْبَاطِن فَهُوَ إِذا سحر كفر فَإِن الْعَامِل كَافِر. وَالتَّاسِع: أَن السَّاحر لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا هُوَ خلاف الشَّرْع وَالْملَّة. وَصَاحب الْكَرَامَة لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا هُوَ مُوَافق لَهُ إِلَى غير ذَلِك من وُجُوه الْمُفَارقَة فَإِذا ظهر الْفرق بَين الْكَرَامَة وَالسحر ظهر بَينه وَبَين المعجزة أَيْضا.
وَيعلم من تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر} . جَوَاز تعلم السحر وَمَا لَا يجوز اتِّبَاعه إِنَّمَا الْمَمْنُوع الْعَمَل بِهِ واتباعه. وَفِيه أَيْضا أَن المُرَاد بِالسحرِ مَا يستعان فِي تَحْصِيله بالتقرب إِلَى الشَّيَاطِين مِمَّا لَا يسْتَقلّ بِهِ الْإِنْسَان وَذَلِكَ لَا ينْسب إِلَّا لمن يُنَاسِبهَا فِي الشرارة وخبث النَّفس فَإِن التناسب شَرط فِي التضام والتعاون وَبِهَذَا تميز السَّاحر عَن النَّبِي وَالْوَلِيّ. وَأما مَا يتعجب مِنْهُ كَمَا يَفْعَله أَصْحَاب الْخَيل بمعونة الْآلَات والأدوية أَو يرِيه صَاحب خفَّة الْيَد فَغير مَذْمُوم وتسميته سحرًا على التَّجَوُّز أَو لما فِيهِ من الدقة لِأَنَّهُ فِي الأَصْل لما خَفِي سَببه انْتهى. وَسمعت أَن تعلم السحر لدفعه جَائِز.
ف (55) :
ولدفع السحر مجرب أَن يقْرَأ لَيْلًا وَنَهَارًا بِسم الله. يَلِي ثَمَان. الرَّحْمَن. ابرثمان الرَّحِيم. حيثمان بعد الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقبلهَا. السَّحَاب: بِالْفَارِسِيَّةِ أبر وَهُوَ يحصل فِي الْأَكْثَر بــتكاثف أَجزَاء البخار الصاعد وَقد يتكون السَّحَاب من انقباض الْهَوَاء بالبرد الشَّديد فَيحصل حِينَئِذٍ مَا يحصل من السَّحَاب البُخَارِيّ من الْمَطَر والثلج والظل والضباب وَغَيرهَا وحدوث السَّحَاب فِي الثَّلج.

ثمَّ الْحَرَكَة الكمية

ثمَّ الْحَرَكَة الكمية: أَرْبَعَة أَقسَام النمو والذبول والتخلخل والــتكاثف كَمَا فِي غَايَة الْهِدَايَة. وَقَالَ السَّيِّد الشريف قدس سره وَجه الْحصْر أَن الْحَرَكَة فِي الْكمّ لَا بُد أَن يكون بِزَوَال كمية وَحُصُول أُخْرَى - فالكم الأول إِمَّا أَن يكون أَصْغَر من الثَّانِي أَو أكبر. وعَلى الأول إِمَّا أَن يكون حُصُول الْأَكْبَر بانضمام شَيْء أَو لَا. وعَلى الثَّانِي إِمَّا أَن يكون حُصُول الْأَصْغَر بانفصال شَيْء أَو لَا فانحصرت فِي أَرْبَعَة.
ثمَّ اعْترض بِأَن السّمن والهزال أَيْضا من الْحَرَكَة الكمية مَعَ أَن الْوَجْه الْمَذْكُور دلّ على الانحصار فِي أَرْبَعَة وَأجَاب بِأَن الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرنَا فِي الْقِسْمَة شَامِلَة لَهما. وَإِن أردْت التَّصْرِيح قلت حُصُول الْأَكْبَر بانضمام شَيْء إِمَّا فِي جَمِيع الأقطار فَهُوَ النمو أَو فِي بَعْضهَا فَهُوَ السّمن وَكَذَا فِي الِانْفِصَال انْتهى. وَفِيه نظر أما أَولا فلأنا لَا نسلم أَن السّمن لَا يكون فِي جَمِيع الأقطار فَإِنَّهُ كَمَا يكون فِي الْعرض والعمق يكون فِي الطول أَيْضا كَمَا صرح بِهِ بعض الْمُحَقِّقين. وَأما ثَانِيًا فلأنا لَا نسلم أَن كل كم يَقع فِيهِ الْحَرَكَة متصف بالأصغرية والأكبرية فَإِن الشمعة تَتَغَيَّر من جسم تعليمي إِلَى آخر على سَبِيل التدريج مَعَ بَقَائِهِ بِعَيْنِه مثلا إِذا كَانَت الشمعة ذِرَاعا فِي الطول وَالْعرض والعمق وَتغَير كمها إِلَى كم آخر يكون ذِرَاعا فِي الأقطار الثَّلَاثَة وَأما ثَالِثا فَأَقُول مَا الْوَجْه فِي أَنهم لم يعدوا الورم وَرَفعه من أَقسَام الْحَرَكَة الكمية فَإِن قَالُوا إِن الْحَرَكَة فِي مقولة يَسْتَدْعِي أمرا وَاحِدًا بِعَيْنِه يتوارد عَلَيْهِ أَفْرَاد تِلْكَ المقولة وأفراد الْمِقْدَار فِي الورم وَرَفعه لَا يتوارد على شَيْء وَاحِد بِعَيْنِه فَنَقُول هَذَا مُشْتَرك بَين النمو والذيول وَالسمن والهزال فَمَا هُوَ جوابكم فَهُوَ جَوَابنَا انْتهى.

الغمار

(الغمار) عماء النَّاس جمعهم المزدحم المــتكاثف وغمار الْقدَم (فِي الطِّبّ) مرض سَببه غمر الْقدَم مُدَّة طَوِيلَة فِي مَاء حرارته منخفضة لَكِنَّهَا فَوق الصفر (مج)

التف

(التف) وسخ الظفر وَيُقَال عِنْد الشَّيْء يستقذر أَو يتَأَذَّى مِنْهُ تف (ج) تففة
(التف) الشَّيْء تجمع وتكاثف يُقَال التف الشّجر بِالْمَكَانِ كثر وتضايق وبثوبه اشْتَمَل بِهِ وَعَلِيهِ الْقَوْم اجْتَمعُوا والغلام اتَّصَلت لحيته

السَّوَادُ

السَّوَادُ:
موضعان: أحدهما نواحي قرب البلقاء سميت بذلك لسواد حجارتها فيما أحسب، والثاني يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنّه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت ما ذلك السواد، وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر، كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب وكان أسود فقال:
وأنا الأخضر من يعرفني؟ ... أخضر الجلدة من نسل العرب
فسموه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار، وحدّ السواد من حديثة الموصل طولا إلى عبّادان ومن العذيب بالقادسيّة إلى حلوان عرضا فيكون طوله مائة وستين فرسخا، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد وعرضه مستوعب لعرض السواد لأنّ أوّل العراق في شرقي دجلة العلث على حدّ طسوج بزرجسابور، وهي قرية تناوح حربى موقوفة على العلوية، وفي غربي دجلة حربى ثمّ تمتد إلى آخر أعمال البصرة من جزيرة عبّادان، وكانت تعرف بميان روذان معناه بين الأنهر، وهي من كورة بهمن أردشير، فيكون طوله مائة وخمسة وعشرين فرسخا، يقصر عن طول السواد بخمسة وثلاثين فرسخا، وعرضه كالسواد ثمانون فرسخا، قال قدامة: يكون ذلك منكسرا عشرة آلاف فرسخ وطول الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ويكون بذراع المسافة وهي الذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع، فيكون الفرسخ إذا ضرب في مثله اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة جريب، فإذا ضربت في عشرة آلاف بلغت مائتي ألف ألف وعشرين ألف جريب يسقط منها بالتخمين آكامها وآجامها وسباخها ومجاري أنهارها ومواضع مدنها وقراها ومدى ما بين طرقها الثلث فيبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف جريب، يراح منها النصف على ما فيها من الكرم والنخل والشجر والعمارة الدائمة المتصلة مع التخمين بالتقريب على كلّ جريب قيمة ما يلزمه للخراج درهمان وذلك أقلّ من العشر على أن
يضرب بعض ما يؤخذ منها من أصناف الغلّات ببعض فيبلغ ذلك مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، هذا سوى خراج أهل الذمّة وسوى الصدقة، فإن ذلك لا مدخل له في الخراج، وكانت غلّات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك فارس إلى ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وقال الأصمعي: السواد سوادان: سواد البصرة دستميسان والأهواز وفارس، وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب وحلوان إلى القادسية، وقال أبو معشر: إن الكلدانيين هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأوّل، ويقال: إن أوّل من سكنها وعمّرها نوح، عليه السلام، حين نزلها عقيب الطوفان طلبا للرفاء فأقام بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح وملّكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر ومن الفرات إلى ما وراء الكوفة، وموضعهم هذا هو الذي يقال له السواد، وكانت ملوكهم تنزل بابل، وكان الكلدانيّون جنودهم، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا، وهو آخر ملوكهم، ثمّ قتل منهم خلق كثير فذلوا وانقطع ملكهم، وقد ذكرت بابل في موضعها، وقال يزيد بن عمر الفارسي: كانت ملوك فارس تعدّ السواد اثني عشر استانا وتحسبه ستين طسوجا، وتفسير الاستان اجارة، وترجمة الطسوج ناحية، وكان الملك منهم إذا عني بناحية من الأرض عمّرها وسمّاها باسمه، وكانوا ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش وخصب المحلّ وطيب المستقرّ وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها، وكانوا يشبهون السواد بالقلب وسائر الدنيا بالبدن، وكذلك سموه دل إيرانشهر أي قلب إيرانشهر، وإيرانشهر: الإقليم المتوسط لجميع الأقاليم، قال:
وإنّما شبهوه بذلك لأن الآراء تشعّبت عن أهله بصحة الفكر والرويّة كما تتشعّب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام، فأمّا من حولها فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج، وخصب بلاد إيرانشهر بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشينها ولا مفاوز موحشة ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة والأنهار المطردة من رساتيقها وبين قراها مع قلّة جبالها وآكامها وتكاثف عمارتها وكثرة أنواع غلّاتها وثمارها والتفاف أشجارها وعذوبة مائها وصفاء هوائها وطيب تربتها مع اعتدال طينتها وتوسط مزاجها وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال شجرها من طائر بجناح وماش على ظلف وسابح في بحر، قد أمنت ممّا تخافه البلدان من غارات الأعداء وبواثق المخالفين مع ما خصّت به من الرافدين دجلة والفرات إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاء ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنّه لا ينتفع منهما بكثر فائدة حتى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها وتنبطح في رساتيقها فيأخذون صفوه هنيئا ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر لأنّهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمرّان بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلّا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء، وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك الفرس والأكاسرة وغيرهم إلى أن ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وكان السبب في ذلك أنّه خرج يوما متصيّدا فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتفّ وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره فقصد رابية يتشوّفه فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمّان
وغير ذلك من أصناف الشجر وإذا امرأة واقفة على تنّور تخبز ومعها صبيّ لها كلّما غفلت عنه مضى الصبي إلى شجرة رمّان مثمرة ليتناول من رمّانها فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكّنه من أخذ شيء منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها والملك يشاهد ذلك كلّه، فلمّا لحق به أتباعه قصّ عليهم ما شاهده من المرأة والصبيّ ووجّه إليها من سألها عن السبب الذي من أجله منعت ولدها من أن يتناول شيئا من الرّمّان فقالت: للملك فيه حصّة ولم يأتنا المأذون بقبضها وهي أمانة في أعناقنا ولا يجوز أن نخونها ولا أن نتناول ممّا بأيدينا شيئا حتى يستوفي الملك حقّه، فلمّا سمع قباذ ذلك أدركته الرّقّة عليها وعلى الرعيّة وقال لوزرائه: إن الرعية معنا لفي بليّة وشدّة وسوء حال بما في أيديهم من غلاتهم لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشيء من ذلك حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم، فهل عندكم حيلة نفرّج بها عنهم؟
فقال بعض وزرائه: نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كلّ جريب من كل صنف بقدر ما يحصّ الملك من الغلّة فيؤدّى ذلك إليه وتطلق أيديهم في غلاتهم ويكون ذلك على قرب مخارج المير وبعدها من الممتارين، فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة والمؤونة على العمارة والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البريدات وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ خراج السواد في السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، فحسنت أحوال الناس ودعوا للملك بطول البقاء لما نالهم من العدل والرفاهية، وقد ذكرنا المشهور من كور السواد في المواضع التي قضى بها الترتيب حسب وضع الكتاب، وقد وقع اختلاف مفرط بين مساحة قباذ ومساحة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ذكرته كما وجدته من غير أن أحقّق العلة في هذا التفاوت الكبير: أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بمسح السواد الذي تقدّم حدّه لم يختلف صاحب هذه الرواية فيه فكان بعد أن أخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم وحتم الجزية على ستمائة ألف إنسان وجعلها طبقات، الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهما والوسطى أربعة وعشرون درهما والسّفلى اثنا عشر درهما، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وقال عمر بن عبد العزيز: لعن الله الحجّاج! فإنّه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة، فإن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وجباه زياد مائة ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم، وجباه ابنه عبيد الله أكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم، ثمّ جباه الحجاج مع عسفه وظلمه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط وأسلف الفلاحين للعمارة ألفي ألف فحصل له ستة عشر ألف ألف، قال عمر بن عبد العزيز: وها أنا قد رجع إليّ على خرابه فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة وإن عشت له لأزيدنّ على جباية عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وكان أهل السواد قد شكوا إلى الحجاج خراب بلدهم فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة، فقال شاعر:
شكونا إليه خراب السّواد، ... فحرّم جهلا لحوم البقر
وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان: مال السواد ألف ألف ألف درهم، فما نقص ممّا في يد السلطان منه فهو في يد الرعية، وما نقص من يد الرعية فهو في بيت مال السلطان، قالوا: وليس لأهل السواد عهد إلّا الحيرة وأليس وبانقيا فلذلك يقال لا يصحّ بيع أرض السواد دون الجبل لأنّها فيء للمسلمين عامّة إلّا أراضي بني صلوبا وأرض الحيرة، قالوا: وكتب عمر بن الخطّاب إلى سعد بن أبي وقّاص حين افتتح السواد: أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم، وإن أتاك كتابي فانظر ما أجلب عليه العسكر بخيلهم وركابهم من مال وكراع فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الأنهار والأرض بحالها ليكون ذلك في عطيات المسلمين فإنّك إذا قسمتها بين من حضر لم يبق لمن بعدهم شيء، وسئل مجاهد عن أرض السواد فقال: لا تباع ولا تشترى لأنّها فتحت عنوة ولم تقسم فهي فيء للمسلمين عامة، وقيل: أراد عمر قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجدوا الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في ذلك فقال عليّ، رضي الله عنه:
دعهم يكونوا مادّة للمسلمين، فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فمسح الأرض ووضع الخراج ووضع على رؤوسهم ما بين ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين درهما واثني عشر درهما، وشرط عليهم ضيافة المسلمين وشيئا من برّ وعسل، ووجد السواد ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا، قال أبو عبيد: بلغني أن ذلك القفيز كان مكوّكا لهم يدعى السابرقان، وقال يحيى بن آدم: وهو المحتوم الحجاجيّ، وقال محمد ابن عبد الله الثقفي: وضع عمر، رضي الله عنه، على كلّ جريب من السواد، عامرا كان أو غامرا يبلغه الماء، درهما وقفيزا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر درهما، وحتم عثمان بن حنيف على رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج بأخذ الجزية، وبلغ الخراج في ولايته مائة ألف ألف درهم، ومسح حذيفة بن اليمان سقي الفرات، ومات بالمدائن، والقناطر المعروفة بقناطر حذيفة منسوبة إليه، وذلك لأنّه نزل عندها، وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة.

نَدَى

نَدَى
من (ن د ي) بخار الماء يــتكاثف في طبقات الجو الباردة أثناء الليل ويسقط على الأرض قطرات صغيرة، والندي: المطر والكلأ، والجود والخير. يستخدم للإناث والذكور.

يوم القيامة

يوم القيامة
له في القرآن أسماء كثيرة تطلق عليه في المواضع المختلفة، لتوحى هذه الأسماء في أماكنها بالمعانى التى يستدعيها المقام، فهو اليوم الآخر والآخرة، عند ما يكون في مقابلة الحديث عن الدنيا وموازنته بها، أو عند الحديث عنه ملاحظا فيه هذا التقابل، كما تجد ذلك في قوله تعالى: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ (آل عمران 148). وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (الأعراف 169).
ويدعى بيوم القيامة مثيرا في النفس هذه الحركة المائجة المضطربة، التى ينبعث فيها الأموات من أجداثهم كالجراد المبثوث؛ وبيوم الدين ملحوظا فيه أنه اليوم الذى يجزى فيه كل إنسان بعمله خيرا أو شرا، ولما كان المثيب والمعاقب يومئذ هو الله وحده كان جميلا رائعا قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة 4). وبيوم الفصل إذ فيه يفصل بين الصواب والباطل فصلا عمليّا لا شبهة فيه. وبيوم البعث لأنه يوم الحياة بعد الموت؛ فإذا دعى بالساعة كان ملاحظا فيه عنصر المفاجأة الباغتة؛ أو بالحاقة فلأن وجودها حق لا مرية فيه؛ أو بالقارعة فلشدّة هولها وما فيها من مصائب وأهوال، أو بيوم الآزفة فلأنها شديدة القرب والمفاجأة.
وقد عنى القرآن أيّما عناية بأهمية الإيمان باليوم الآخر، يذكره كلما ذكرت صفات المؤمن المثالىّ، ويقرن الإيمان به بالإيمان بالله، حتى لا يذكر الإيمان باليوم الآخر منفردا دونه، فيقول: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62). ويقول: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (البقرة 177). وأوعد القرآن شديد الوعيد من كفر باليوم الآخر، وقرنه كذلك بمن كفر بالله، فقال: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (النساء 136). وقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (التوبة 29). وسرّ العناية باليوم الآخر أن الإيمان به يعدّ الدعامة الأولى في بناء الدين كله، وإذا انهار هذا الأساس انهار الدين، فلم يعد له من بقاء، فعقيدة المرء في الحساب وأنه مجزىّ بعمله، على الخير والشر، هى التى تدفعه إلى التفكير السليم، كى يصل إلى العقيدة الصحيحة التى يؤمن بها، وإلى العمل الصالح واجتناب مساوئ الأمور، كى يجزى على الخير بالحسنى، ويتّقى أليم العذاب، ولو أن عقيدة البعث قد انمحت، ما كان للفضيلة سلطان على نفوس الجماهير يقودها، رهبة ورغبة، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (النمل 4). وقوله سبحانه: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (النحل 22). ولما كان لليوم الآخر هذه الأهمية في بناء الدين، عنى القرآن بغرس عقيدته في النفوس، وتصويره منذ أول عهد الدعوة، ولهذا كان أكثر الحديث عنه في السور التى نزلت بمكة.
وقد دلل القرآن في مواطن كثيرة على أن اليوم الآخر آت لا ريب فيه، يبرهن على ذلك بقدرته على خلق هذا العالم وما فيه، أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (النبأ 6 - 16). بل يؤيد مقدرته على البعث بما هو معروف لدينا، من أن إعادة ما عمل العامل أسهل عليه من بدء العمل، فيقول: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (الروم 27). ويقول وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(يس 78 - 82). فأنت تراه هنا يعجب من هذا الذى ينكر البعث ناسيا بدء خلقه، وأنه لم يكن شيئا مذكورا، فأخذ يتساءل من يستطيع أن يحيى العظام البالية، فأجابه القرآن في يسر بأن الذى أنشأها أول مرة هو الذى يحييها، وهو عالم بكل صغيرة وكبيرة، فى الخلق، ففي مستطاعه أن يعيد ما بدأ خلقه، أو ليس هذا القادر على أن يخلق النار من الشجر الأخضر المليء بالماء قادرا على أن يعيد خلقهم؟ أو ليس من خلق السموات والأرض وهى بهذه الفخامة والإحكام قادرا على أن يخلق مثل هذا الإنسان الحقير الضئيل، لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (غافر 57). وتنتهى الآيات بتصوير قدرة الله، يستجيب لها الكون في خضوع وسرعة، فلا يلقى الله أمرا حتى يخضع الكون لأمره، ولا يلبث أن يقول لشىء كن، حتى يتحقق ويكون. وفي سورة أخرى يؤكد قدرته على جمع عظام المرء وتسوية أدق ما فيه من هذه العظام، وهى عظمة البنان، فيتساءل متعجبا، ثم يجيب في تأكيد: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (القيامة 3، 4).
ويقرّب القرآن أمر البعث إلى نفوسهم، فيوجه أنظارهم إلى الأرض الميتة ينزل عليها الماء، فتنبعث فيها الحياة، وتنبت من كل زوج بهيج، فيقول: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فصلت 39). ويقول: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (فاطر 9). وإذا كانوا يرون هذه الظاهرة في كل حين، فمن المعقول أن يكون لها شديد التأثير في نفوسهم، لقربها منهم، وقوة دلالتها على قدرة الله على بعث الحياة في الجماد الميت.
وحفل القرآن بكثير من صور هذا اليوم، يرسم الطبيعة فيه والناس: أما الأرض فإنها تميد تحت الأقدام مزلزلة مرتجفة، تنشقّ في كل مكان، مخرجة أثقالها، ويقف الإنسان في ذهول ودهشة يتعجب: ما لهذه الأرض قد خرجت على طبيعتها الهادئة، فثارت تلك الثورة المريعة؟! وتظل الأرض تلفظ ما بداخلها، تنبئ بأنها تفعل ما تفعل بأمر الله الذى أوحى بذلك لها، إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (الزلزلة 1 - 5). وأما الجبال فتصبح في هشاشة الصوف وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). ثم لا تلبث أن تنمحى من فوق صفحة الأرض، فتصبح مستوية لا عوج فيها ولا ارتفاع، وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (طه 105 - 107). وتتفجر البحار، وتتبعثر القبور مخرجه ما استودعته من أشلاء البشر، وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (الانفطار 3 - 5). ويشتد ارتجاج الأرض وارتجافها، حتى لينكرها الإنسان، ويجف لها قلبه، ويراها أرضا غير ما ألف، وتربة مضطربة لا عهد له بها من قبل، يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (المزمل 14). يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (إبراهيم 48). وأما السماء فإنها تطوى كما يطوى السجل كتابا، فلا تعود ترى بناء محكما، كما نراها بأعيننا في هذه الحياة الدنيا، بل تصبح بيّنة الفجوات ظاهرة الشقوق، ومما يزيد الأمر هو لا هذا الغمام المــتكاثف يمور في السماء مورا يبعث الرهبة والفزع يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ (الأنبياء 104). ووَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (الفرقان 25). ويَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (الطور 9 - 11). ويلف الكون ظلام دامس، فالكواكب تنتثر لا رابط بينها، ولا اتّساق ينظمها، والشمس ينمحى ضوؤها، فتصبح كرة مظلمة لا يشع منها نور يضيء أرجاء الكون، وتنكدر النجوم التى كانت تبدو في السماء كأنها مصابيح، فينطمس نورها، ولما فقدت الجاذبية بين الكواكب انتثرت في الجو، ويملأ النفس رعبا أن ترى الشمس والقمر قد اقترنا مجتمعين، لا ضوء لهما ولا بهجة، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (الانفطار 1 - 2). وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (التكوير 1، 2). فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (القيامة 7 - 12).
فى هذه الظلمة الحالكة يخرج الناس من أجداثهم في سرعة وهلع، أما الأبصار فخاشعة، وأما القلوب فواجفة، يذهلهم ما لم يكونوا قد ألفوه من كون قد تبدّل وتغير، يخرجون في كثرة بالغة جماعات جماعات كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (القمر 7). يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (المعارج 43). يسيرون على غير هدى، وكأنهم يهربون من الظلمة، أو يفرون مما يرونه أمامهم من مناظر تبعث الرعب، وتثير المخافة. ولا يلبثون أن يدعوا إلى الحساب، حتى يسرعوا إلى الدّاعى متهافتين، كما يتهافت الفراش المبثوث، ظنا منهم أن سوف يجدون عنده الأمن والطمأنينة.
ولا تشعر النفوس وقد خرجت من أجداثها، بأنها قضت وقتا طويلا تحت أطباق الثرى، بل كأنها قد غادرت الدنيا منذ وقت قصير، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (النازعات 46).
ويزيد النفوس رهبة أن يمدوا أبصارهم فيروا النار تتلظى، وقد اشتد أوار لهبها، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (النازعات 36). فلا عجب أن بعث هذا اليوم في النفوس هولا ورهبة، فشعرت به عابسا مكفهرا، وأن تبلغ القلوب فيه الحناجر اضطرابا وخوفا، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ (غافر 18). وأن يملك الهول قلوب المبعوثين هولا يشيب له الوليد، فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (المزمل 17). ولم لا يشيب الوليد، وهذه الأرض ترتجف تحت قدمه، والكواكب قد انتثرت تتهاوى وتضطرب، مظلمة كدرة، وهذه الشمس والقمر قد اجتمعا مظلمين اجتماعا يبعث الرهبة في النفوس؟!
ولما كان ذلك يوم الجزاء، وقف الملائكة جند الرحمن صفا، خاضعين لأمر الله، ينفذون ما يأمر به في ذلك اليوم، وإن في وقف الملائكة صفا ما يزيد في رهبة هذا اليوم وجلاله، يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (النبأ 38).
وقد تحدث القرآن عن المفاجأة التى يذهل لها من كان ينكر يوم البعث، ويصور القرآن مشهد الحديث يدور بين من آمن بالبعث ومن كفر به، ويصور ذهول هؤلاء وقد فوجئوا بيوم القيامة، فيقول: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (الروم 55 - 57).
يبدأ الحساب، فيناقش هؤلاء الذين لم يرعوا حق يومهم هذا، وأنكروه، ولم يصغوا إلى إنذار الرسل، بل غرتهم الحياة الدنيا، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (الأنعام 128 - 130). ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (سبأ 40، 41). وقال الذين كفروا: وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (الصافات 20 - 33). أرأيت استسلامهم في ذلك، والتعجب من أن بعضهم لا ينصر بعضا، كما كان شأنهم في الدنيا، بل إن بعضهم يسأل بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض، ويؤكد القرآن مرة أخرى معنى انصراف كل إنسان إلى نفسه، وعنايته بأمره فحسب، إذ يقول: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس 34 - 37). يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (النحل 111). وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً (البقرة 48).
فى هذا اليوم الذى حشر فيه الناس جميعا، وشغل كل فرد فيه بنفسه عمن عداه، تتراءى للمرء أعماله، ويعود إلى ذاكرته ما قدم من خير، أو سوء، ويقرأ هذه الأعمال مسجلة عليه، فهو يقرأ في كتاب منشور، والقرآن يعرض عرضا مؤثرا من يرى نفسه قد قدم خيرا، ومن يرى الشر غالبا عليه، فيقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ قُطُوفُها دانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (الحاقة 19 - 31). ويعجب الكفار من دقة الإحصاء والتقييد، وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (الكهف 49).
وتوزن الأعمال وتنال تقديرها، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ (القارعة 6 - 11).
وينزل إلى أغوار النفوس عند ما ترى أعمالها، فما تراه من خير تسفر به وجوهها، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (آل عمران 30). وتشتد الحسرة بمن كفر حسرة تملك قلبه، وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (النبأ 40). يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء 42).
ويصور تصويرا ناطقا ما يشعر به من خسر عمله من تفاهة الحياة الدنيا، فيتمنى أن له كان قد قدم من العمل الصالح ما يستفيد به في هذه الحياة الباقية التى يشعر بها الحياة الحقة الدائمة، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (الفجر 23، 24).
لا عجب إذا أن تفصح الوجوه عما تحس به النفوس، وأن نرى وجوها تتلألأ ابتهاجا ونورا، ووجوها قد خبا ضوؤها، وأظلمت، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (آل عمران 106، 107). ويصف القرآن هذه الوجوه في موضع آخر، فيقول: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (عبس 38 - 42).
وتتعدد المناظر في هذا اليوم الحافل، فهذا قد حوسب حسابا يسيرا، وانقلب إلى أهله مسرورا، وذاك قد أوتى كتابه وراء ظهره، فعاد خاسرا يدعو ثبورا، وهذه طائفة قد
اشترت بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا، فأعرض الله عنهم، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران 77).
وتلك طائفة قد بخلت بما آتاهم الله من فضله، فيصهر ما بخلوا به، ويطوّقونه، وهذا أعمى قد أعرض عن ذكر الله في الدنيا، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (طه 124 - 126). وهؤلاء أناس قد اسودّت وجوههم لكذبهم على الله، وهؤلاء مجرمون قد قرنوا في القيود والأصفاد، قد لبسوا سرابيل من قطران، وتغشى وجوههم النار، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (غافر 71، 72).
وهؤلاء ضالّون فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا (الإسراء 97). وهؤلاء كفار قد ملأهم الذهول فشخصت أبصارهم في رعب وخوف. ومن أكثر الصور تأثيرا في ذلك اليوم صورة هؤلاء المجرمين، وقد نكسوا رءوسهم عند ربهم قائلين: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (السجدة 12). ولكن أنى يستجاب لهم، أو يسمع دعاؤهم. أوليس من الخير أن يبادروا إلى الإيمان في الدنيا، حيث ينفع الإيمان قبل أن يقفوا هذا الموقف اليائس، وقبل أن يجابوا بأن يقال لهم: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (السجدة 14).
وإن الأسف ليشتد بهؤلاء حين يرون العذاب، فيتمنون أن تكون لهم كرة ليكونوا من المحسنين، وذلك إنذار بما يترقبهم من يأس قاتل، من الخير ألا يضعوا أنفسهم في مكانه. ومن أشد هذه الصور تأثيرا كذلك هذا التقاطع الذى يتم بين المشركين بعضهم وبعض، وبينهم وبين ما كانوا يشركون من دون الله، ف الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف 67). ثم قيل لهم: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (غافر 73، 74). وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (العنكبوت 25). وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (الروم 12، 13). وإذا كانت تلك الخاتمة نهاية صلة المشركين بعضهم ببعض وبما كانوا به يشركون، فمن الطبيعى أن يتدبروا مصيرهم في هذه الحياة، قبل ألا يكون ثمة مجال للرجوع عن الخطأ ولا للاعتراف بالحق، وقبل أن يقال لهم وهم في ذهول ورهبة: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (الأنبياء 98، 99). تلك هى الصورة التى رسمها القرآن لليوم الآخر، وهى صورة تبعث في النفس الرهبة، من شهود هذا اليوم بلا إعداد له إعدادا يكون سياجا بين المرء وما يحذره من هذه الأهوال، ودرعا يقيه الشدائد والخطوب، وتدعو المرء إلى التفكير السليم في المصير، حتى يهيّئ له ما يصل به إلى السلامة والنجاة.
وقد وازن القرآن كثيرا بين الحياة الدنيا والآخرة، فيرى نعيم الحياة الدنيا في الآخرة قليلا ضئيلا، كمتاع يستمتع به مسافر على عجل، ويقول: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (آل عمران 185). فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (التوبة 38).
ويرى عذاب الآخرة أشد العذاب، وهو أشد وأبقى من عذاب هذه الحياة، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (طه 127). وبعد الحشر والحساب ينقسم الناس جماعات، يساق بعضها إلى جهنم، ويمضى بعضها الآخر إلى الجنة، وها هو ذا القرآن يصور هذه الجماعات، حاشدة تمضى إلى قدرها المقسوم، وتستقبل بما يليق بها وما تستحقه، فيقول: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الزمر 71 - 75). وهكذا ينقسم الناس: فريق في الجنة، وفريق في السعير. 
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.