Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: ترف

الأَهْوَاز

الأَهْوَاز:
آخره زاي، وهي جمع هوز، وأصله حوز، فلما كثر استعمال الفرس لهذه اللفظة غيّرتها حتى أذهبت أصلها جملة لأنه ليس في كلام الفرس حاء مهملة، وإذا تكلّموا بكلمة فيها حاء قلبوها هاء فقالوا في حسن هسن، وفي محمّد مهمّد، ثم تلقّفها منهم العرب فقلبت بحكم الكثرة في الاستعمال، وعلى هذا يكون الأهواز اسما عربيّا سمّي به في الإسلام، وكان اسمها في أيام الفرس خوزستان، وفي خوزستان مواضع يقال لكل واحد منها خوز كذا، منها: خوز بني أسد وغيرها، فالأهواز اسم للكورة بأسرها، وأما البلد الذي يغلب عليه هذا الاسم عند العامة اليوم فإنما هو سوق الأهواز، وأصل الحوز في كلام العرب مصدر حاز الرجل الشيء يحوزه حوزا إذا حصله وملكه، قال أبو منصور الأزهري: الحوز في الأرضين أن يتّخذها رجل ويبيّن حدودها فيستحقها فلا يكون لأحد فيها حقّ فذلك الحوز، هذا لفظه، حكاه شمر بن حمدويه، وقرأت بعد ما أثبّته عن التّوزيّ أنه قال:
الأهواز تسمّى بالفارسية هرمشير، وإنما كان اسمها الأخواز فعرّبها الناس فقالوا الأهواز، وأنشد لأعرابيّ:
لا ترجعنّ إلى الأخواز ثانية ... قعيقعان، الذي في جانب السّوق
ونهر بطّ، الذي أمسى يؤرّقني ... فيه البعوض بلسب، غير تشفيق
وقال أبو زيد: الأهواز اسمها هرمزشهر وهي الكورة العظيمة التي ينسب إليها سائر الكور، وفي
الكتب القديمة أن سابور بنى بخوزستان مدينتين سمّى إحداهما باسم الله عز وجل، والأخرى باسم نفسه ثم جمعهما باسم واحد وهي هرمزدادسابور، ومعناه عطاء الله لسابور، وسمّتها العرب سوق الأهواز يريدون سوق هذه الكورة المحوزة، أو سوق الأخواز، بالخاء المعجمة، لأن أهل هذه البلاد بأسرها يقال لهم الخوز، وقيل: إن أول من بنى الأهواز أردشير وكانت تسمّى هرمز أردشير، وقال صاحب كتاب العين: الأهواز سبع كور بين البصرة وفارس، لكل كورة منها اسم ويجمعهن الأهواز ولا يفرد الواحد منها بهوز، وأما طالعها فقال بطليموس: بلد الأهواز طوله أربع وثمانون درجة وعرضه خمس وثلاثون درجة وأربع دقائق تحت إحدى عشرة درجة من السرطان وست وخمسين دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي، وبيت عاقبتها مثلها من الميزان، لها جزء من الشعرى الغميضاء، ولها سبع عشرة دقيقة من الثور من أول درجة منه، قال صاحب الزيج: الأهواز في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب خمس وسبعون درجة وعرضها من ناحية الجنوب اثنتان وثلاثون درجة، والأهواز: كورة بين البصرة وفارس، وسوق الأهواز من مدنها كما قدمناه، وأهل الأهواز معروفون بالبخل والحمق وسقوط النفس، ومن أقام بها سنة نقص عقله، وقد سكنها قوم من الأشراف فانقلبوا إلى طباع أهلها، وهي كثيرة الحمّى ووجوه أهلها مصفرّة مغبرة، ولذلك قال مغيرة بن سليمان: أرض الأهواز نحاس تنبت الذهب وأرض البصرة ذهب تنبت النحاس، وكور الأهواز: سوق الأهواز ورامهرمز وإيذج وعسكر مكرم وتستر وجنديسابور وسوس وسرّق ونهرتيرى ومناذر، وكان خراجها ثلاثين ألف ألف درهم، وكانت الفرس تقسّط عليها خمسين ألف ألف درهم، وقال مسعر بن المهلهل:
سوق الأهواز تخترقها مياه مختلفة، منها: الوادي الأعظم وهو ماء تستر يمرّ على جانبها ومنه يأخذ واد عظيم يدخلها، وعلى هذا الوادي قنطرة عظيمة عليها مسجد واسع، وعليه أرحاء عجيبة ونواعير بديعة، وماؤه في وقت المدود أحمر يصبّ إلى الباسيان والبحر، ويخترقها وادي المسرقان وهو من ماء تستر أيضا ويخترق عسكر مكرم، ولون مائه في جميع أوقات نقصان المياه أبيض ويزداد في أيام المدود بياضا، وسكّرها أجود سكّر الأهواز، وعلى الوادي الأعظم شاذروان حسن عجيب متقن الصنعة معمول من الصخر المهندم يحبس الماء على أنهار عدّة، وبازائه مسجد لعليّ بن موسى الرّضا، رضي الله عنه، بناه في اجتيازه به وهو مقبل من المدينة يريد خراسان، وبها نهر آخر يمرّ على حافاتها من جانب الشرق يأخذ من وراء واد يعرف بشوراب، وبها آثار كسروية، قال: وفتحت الأهواز فيما ذكر بعضهم على يد حرقوص بن زهير بتأمير عتبة بن غزوان أيّام سيره إليها في أيام تمصيره البصرة وولايته عليها، وقال البلاذري: غزا المغيرة بن شعبة سوق الأهواز في ولايته بعد ان شخص عتبة ابن غزوان من البصرة في آخر سنة 15، أو أول سنة 16، فقاتله البيروان دهقانها ثم صالحه على مال، ثم نكث فغزاها أبو موسى الأشعري حين ولّاه عمر البصرة بعد المغيرة ففتح سوق الأهواز عنوة، وفتح نهر تيرى عنوة، وولي ذلك بنفسه في سنة 17، وسبى سبيا كثيرا، فكتب إليه عمر أنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلّوا ما بأيديكم من السبي واجعلوا عليهم الخراج، قال: فرددنا السبي ولم تملكهم، ثم سار أبو موسى ففتح سائر بلاد
خوزستان، كما نذكره في مواضعه، إن شاء الله تعالى، وقال أحمد بن محمد الهمداني: أهل الأهواز ألأم الناس وأبخلهم، وهم أصبر خلق الله على الغربة والتنقّل في البلدان، وحسبك أنك لا تدخل بلدا من جميع البلدان إلا ووجدت فيه صنفا من الخوز لشحّهم وحرصهم على جمع المال، وليس في الأرض صناعة مذكورة ولا أدب شريف ولا مذهب محمود لهم في شيء منه نصيب، وإن حسن أو دقّ أو جلّ، ولا ترى بها وجنة حمراء قطّ، وهي قتّالة للغرباء، على أن حماها في وقت انكشاف الوباء ونزوع الحمّى عن جميع البلدان وكلّ محموم في الأرض فان حمّاه لا تنزع عنه ولا تفارقه وفي بدنه منها بقية، فإذا نزعت فقد وجد في نفسه منها البراءة إلا أن تعود لما يجتمع في بطنه من الأخلاط الرديئة، والأهواز ليست كذلك لأنها تعاود من نزعت عنه من غير حدث لأنهم ليس يؤتون من قبل التّخم والإكثار من الأكل وإنما يؤتون من عين البلدة ولذلك كثرت بسوق الأهواز الأفاعي في جبلها الطاعن في منازلها المطلّ عليها، والجرّارات في بيوتها ومنازلها ومقابرها، ولو كان في العالم شيء شرّ من الأفاعي والجرّارات وهي عقارب قتالة تجرّ ذنبها إذا مشت لا ترفــعه كما تفعل سائر العقارب لما قصّرت قصبة الأهواز عنه وعن توليده، ومن بليّتها أن من ورائها سباخا ومناقع مياه غليظة، وفيها أنهار تشقّها مسايل كنفهم ومياه أمطارهم ومتوضآتهم، فإذا طلعت الشمس طال مقامها واستمرّ مقابلتها لذلك الجبل قبل تشبب الصخرية التي فيها تلك الجرارات، فإذا امتلأت يبسا وحرّا وعادت جمرة واحدة قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد انجرت تلك السباخ والأنهار، فإذا التقى عليهم ما انجر من تلك السباخ وما قذفه ذلك الجبل فسد الهواء وفسد بفساده كلّ شيء يشتمل عليه ذلك الهواء، وحكي عن مشايخ الأهواز أنهم سمعوا القوابل يقلن إنهنّ ربما قبلن الطفل المولود فيجدنه محموما في تلك الساعة يعرفون ذلك ويتحدثون به. ومما يزيد في حرها أن طعام أهلها خبز الأرز ولا يطيب ذلك إلّا سخنا، فهم يخبزون في كل يوم في منازلهم فيقدّر انه يسجر بها في كلّ يوم خمسون ألف تنّور، فما ظنّك ببلد يجتمع فيه حرّ الهواء وبخار هذه النيران؟ ويقول أهل الأهواز إن جبلهم إنما هو من غثاء الطوفان تحجّر وهو حجر ينبت ويزيد في كل وقت، وسكّرها جيد وثمرها كثير لا بأس به، وكلّ طيب يحمل إلى الأهواز فإنه يستحيل وتذهب رائحته ويبطل حتى لا ينتفع به، وقد نسب إليها خلق كثير ليس فيهم أشهر من عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد أبي محمد الجواليقي الأهوازي القاضي المعروف بعبدان أحد الحفّاظ المجوّدين المكثرين، ذكره أبو القاسم، وقال: قدم دمشق نحو سنة 240 فسمع بها هشام بن عمّار ودحيما وهشام بن خالد وأبا زرعة الدمشقي، وذكر غيرهم من أهل بغداد وغيرها، وروى عنه يحيى بن صاعد والقاضي الحسين بن إسماعيل الضّبّي وإسماعيل بن محمد الصّفّار، وذكر جماعة حفّاظا أعيانا، وكان أبو علي النيسابوري الحافظ يقول:
عبدان يفي بحفظ مائة ألف حديث وما رأيت من المشايخ أحفظ من عبدان، وقال عبدان: دخلت البصرة ثماني عشرة مرّة من أجل حديث أيوب السختياني كلما ذكر لي حديث من حديثه رحلت إليها بسببه، وقال أحمد بن كامل القاضي: مات عبدان بعسكر مكرم في أول سنة 306، ومولده سنة 210، وكان في الحديث إماما.

دارَةُ الجأبِ

دارَةُ الجأبِ:
الجأب: المغرة، والجأب: الحمار الغليظ، دارة الجأب: لبني تميم، قال جرير:
ما حاجة لك في الظّعن التي بكرت ... من دارة الجأب كالنخل المواقير
كاد التذكر يوم البين يشعفني، ... إن الحليم بهذا غير معذور
ماذا أردت إلى ربع وقفت به، ... هل غير شوق وأحزان وتذكير؟
هل في الغواني لمن قتّلن من قود، ... أو من ديات لقتلى الأعين الحور؟
يجمعن خلفا وموعودا بخلن به ... إلى جمال وإدلال وتصوير
وقال جرير:
أصاح! أليس اليوم منتظري صحبي، ... نحيّي ديار الحيّ من دارة الجأب؟
وقال أيضا:
إنّ الخليط أجدّ البين يوم غدوا ... من دارة الجأب، إذ أحداجهم زمر
لما ترفّــع من هيج الجنوب لهم، ... ردّوا الجمال لإصعاد وما انحدروا

الرّفْع

(الرّفْع) (فِي النَّحْو) نوع من الْإِعْرَاب علامته الضمة وَمَا يَنُوب عَنْهَا وَرفع الْيَد عَن الْأكل وَالشرب قبيل الْفجْر لمن نوى الصَّوْم (محدثة)
الرّفْع: بلندكردن. وَعند أهل الْحساب عبارَة عَن جعل الكسور صحاحا. وَهَذَا إِنَّمَا يُمكن إِذا كَانَ عدد الْكسر أَكثر من مخرجه لِأَنَّهُ إِذا سَاوَى مخرجه فَهُوَ وَاحِد صَحِيح وَإِن نقص عَنهُ فَلَا يُمكن جعله صَحِيحا فَلَا بُد من كَونه أَكثر من الْمخْرج ليَصِح جعله صَحِيحا. وَطَرِيق الْعَمَل فِيهِ أَن تقسم عدد الْكسر الَّذِي أَكثر من مخرجه على مخرجه فَإِن لم يبْق من الْمَقْسُوم شَيْء فالخارج من الْقِسْمَة صَحِيح. وَإِن بَقِي مِنْهُ شَيْء فالخارج صَحِيح وَالْبَاقِي كسر. فمرفوع سِتَّة عشر ربعا بعد الْقِسْمَة على الْأَرْبَع الَّذِي هُوَ مخرج الرّبع أَرْبَعَة صِحَاح. ومرفوع خَمْسَة عشر ربعا بعد الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة صِحَاح وَثَلَاثَة أَربَاع لِأَنَّهَا أقل من الْمخْرج.

وَالرَّفْع: عِنْد النُّحَاة نوع من الْإِعْرَاب علم الفاعلية.
وَاعْلَم أَن بَين الرّفْع وَالنّصب والجر وَبَين الضمة والفتحة والكسرة فرقا بِحَسب الْإِطْلَاق. فَإِن الرّفْع وَالنّصب والجر بعد اختصاصها بإعراب المعرب عَامَّة شَامِلَة للحركات والحروف الإعرابية. والضمة والفتحة والكسرة بِالتَّاءِ بعد عمومها من حَيْثُ جَوَاز إِطْلَاقهَا على حركات المعرب والمبني خَاصَّة بالحركات أَي لَا تطلق على الْحُرُوف الْقَائِمَة مقَام الحركات. وَأما الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر بِغَيْر التَّاء فمختصة بالحركات البنائية.

ثمَّ اعْلَم: أَن الشفتين عِنْد تلفظ الرّفْع ترفــعان إِلَى الْعُلُوّ وتضمان. وَعند تلفظ النصب تنصبان وتقومان على حَالهمَا وتنفتحان. وَعند تلفظ الْكسر تنكسر الشّفة السُّفْلى مِنْهُمَا وتميل إِلَى الْكسر والسقوط وتجر إِلَى الْأَسْفَل. وَمن هَذَا الْبَيَان رفيع الشَّأْن تنكشف وُجُوه التَّسْمِيَة بِهَذِهِ الْأَسَامِي كلهَا.

دَوْرَقِستان

دَوْرَقِستان:
هذه بليدة رأيتها أنا ترفــأ إليها سفن البحر التي تقدم من ناحية الهند، وهي على ضفة نهر عسكر مكرم تتصل بالبحر، لا طريق للمراكب الواردة من كيش إلا إليها، فأما المنفصلة عن البصرة إلى كيش فتمضي على طريق أخرى وهي طريق عبّادان، وإذا أرادوا الرجوع لا يهتدون لتلك الطريق بسبب يطول ذكره فيقصدون طريق خوزستان لأن هورها متصل بالبرّ فهو أيسر عليهم.

واهِبٌ

واهِبٌ:
اسم جبل لبني سليم، قال بشر بن أبي خازم:
أيّ المنازل بعد الحيّ تعــترف، ... أم هل صباك، وقد حكّمت، مطّرف؟
أم ما بكاؤك في أرض عهدت بها ... عهدا فأخلف أم في أيّها تقف؟
كأنها بعد عهد العاهدين بها ... بين الذّنوب وحزمي واهب صحف
وقال تميم بن مقبل:
سل الدار عن جنبي حبرّ وواهب ... إلى ما رأى هضب القليب المضيّح

المَقْدِسُ

المَقْدِسُ:
في اللغة المنزه، قال المفسرون في قوله تعالى:
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ 2: 30، قال الزّجاج: معنى نقدس لك أي نطهّر أنفسنا لك وكذلك نفعل بمن أطاعك نقدسه أي نطهّره، قال: ومن هذا قيل للسطل القدس لأنه يتقدّس منه أي يتطهّر، قال:
ومن هذا بيت المقدس، كذا ضبطه بفتح أوله، وسكون ثانيه، وتخفيف الدال وكسرها، أي البيت المقدّس المطهّر الذي يتطهر به من الذنوب، قال مروان:
قل للفرزدق، والسفاهة كاسمها: ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
ودع المدينة إنها محذورة، ... والحق بمكة أو بيت المقدس
وقال قتادة: المراد بأرض المقدس أي المبارك، وإليه ذهب ابن الأعرابي، ومنه قيل للراهب مقدّس، ومنه قول امرئ القيس:
فأدركنه يأخذن بالساق والنّسا ... كما شبرق الولدان ثوب المقدّس
وصبيان النصارى يتبرّكون به وبمسح مسحه الذي هو لابسه وأخذ خيوطه منه حتى يتمزق عنه ثوبه، وفضائل بيت المقدس كثيرة ولا بدّ من ذكر شيء منها حتى يستحسنه المطّلع عليه، قال مقاتل بن سليمان قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ، 21: 71 قال: هي بيت المقدس، وقوله تعالى لبني إسرائيل: وواعدناكم جانب الطور الأيمن، يعني بيت المقدس، وقوله تعالى: وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال:
البيت المقدس، وقال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى 17: 1، هو بيت المقدس، وقوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفــع ويذكر فيها اسمه، البيت المقدس، وفي الخبر: من صلى في بيت المقدس فكأنما صلى في السماء، ورفع الله عيسى بن مريم إلى السماء من بيت المقدس وفيه مهبطه إذا هبط وتزفّ الكعبة بجميع حجّاجها إلى البيت المقدس يقال لها مرحبا بالزائر والمزور، وتزف جميع مساجد الأرض إلى البيت المقدس، أول شيء حسر عنه بعد الطوفان صخرة بيت المقدس وفيه ينفخ في الصور يوم القيامة وعلى صخرته ينادي المنادي يوم القيامة، وقد قال الله تعالى لسليمان بن داود، عليهما السلام، حين فرغ من بناء البيت المقدس:
سلني أعطك، قال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنبي، قال: لك ذلك، قال: يا رب وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد، قال: لك ذلك، قال: وأسألك من جاء فقيرا أن تغنيه، قال: لك ذلك، قال:
وأسألك من جاء سقيما أن تشفيه، قال: ولك ذلك، وعن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد البيت المقدس، وإن الصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة في غيره، وأقرب بقعة في الأرض من السماء البيت المقدس ويمنع الدّجال من دخولها ويهلك يأجوج ومأجوج دونها، وأوصى آدم، عليه السّلام، أن يدفن بها وكذلك إسحاق وإبراهيم، وحمل يعقوب من أرض مصر حتى دفن بها، وأوصى يوسف، عليه السّلام، حين مات بأرض مصر أن يحمل إليها، وهاجر إبراهيم من كوثى إليها، وإليها المحشر ومنها المنشر، وتاب الله على داود بها، وصدّق إبراهيم الرؤيا بها، وكلّم عيسى الناس في المهد بها، وتقاد الجنة يوم القيامة إليها ومنها يتفرّق الناس إلى الجنة أو إلى النار، وروي عن كعب أن جميع الأنبياء، عليهم السلام، زاروا بيت المقدس تعظيما له، وروي عن كعب أنه قال: لا تسمّوا بيت المقدس إيلياء ولكن سموه باسمه فإن إيلياء امرأة بنت المدينة، وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: فلما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله حكما يوافق حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله ذلك، وعن ابن عباس قال: البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبيّ أو أقام فيه ملك، وعن أبي ذر قال: قلت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: أيّ مسجد وضع على وجه الأرض أوّلا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: البيت المقدس وبينهما أربعون سنة، وروي عن أبيّ بن كعب قال: أوحى الله تعالى إلى داود ابن لي بيتا، قال: يا رب وأين من الأرض؟ قال: حيث ترى الملك شاهرا سيفه، فرأى داود ملكا على الصخرة واقفا وبيده سيف، وعن الفضيل بن عياض قال: لمّا صرفت القبلة نحو الكعبة قالت الصخرة: إلهي لم أزل قبلة لعبادك حتى إذا بعثت خير خلقك صرفت قبلتهم عني! قال: ابشري فإني واضع عليك عرشي وحاشر إليك خلقي وقاض عليك أمري وناشر منك عبادي، وقال كعب: من زار البيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة، ومن صلى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأعطي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا، ومن تصدّق فيه بدرهم كان فداءه من النار، ومن صام فيه يوما واحدا كتبت له براءته من النار، وقال كعب: معقل المؤمنين أيام الدجال البيت المقدس يحاصرهم فيه حتى يأكلوا أوتار قسيّهم من الجوع، فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا من الصخرة فيقولون هذا صوت رجل شعبان، ينظرون فإذا عيسى بن مريم، عليه السّلام، فإذا رآه الدجال هرب منه فيتلقاه بباب لدّ فيقتله، وقال أبو مالك القرظي في كتاب اليهود الذي لم يغيّر: إن الله تعالى خلق الأرض فنظر إليها وقال: أنا واطئ على بقعتك، فشمخت الجبال وتواضعت الصخرة فشكر الله لها وقال: هذا مقامي وموضع ميزاني وجنتي وناري ومحشر خلقي وأنا ديّان يوم الدين، وعن وهب بن منبّه قال: أمر إسحاق ابنه يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأن ينكح من بنات خاله لابان ابن تاهر بن أزر وكان مسكنه فلسطين فتوجه إليها يعقوب، وأدركه في بعض الطريق الليل فبات متوسدا حجرا فرأى فيما يرى النائم كأن سلّما منصوبا إلى باب السماء عند رأسه والملائكة تنزل منه وتعرج فيه وأوحى الله إليه: إني أنا الله لا إله إلا أنا إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد ورّثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك من بعدك وباركت فيك وفيهم وجعلت فيكم الكتاب والحكمة والنبوّة ثم أنا معك حتى تدرك إلى هذا المكان فاجعله بيتا تعبدني فيه أنت وذريتك، فيقال إنه بيت المقدس، فبناه داود وابنه سليمان ثم أخربته الجبابرة بعد ذلك فاجتاز به شعيا، وقيل عزير، عليهما السلام، فرآه خرابا، فقال: أنّي يحيى هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه، كما قص، عزّ وجل، في كتابه الكريم، ثم بناه ملك من ملوك فارس يقال له كوشك، وكان قد اتخذ سليمان في بيت المقدس أشياء عجيبة، منها القبّة التي فيها السلسلة المعلقة ينالها صاحب الحق ولا ينالها المبطل حتى اضمحلت بحيلة غير معروفة، وكان من عجائب بنائه أنه بنى بيتا وأحكمه وصقله فإذا دخله الفاجر والورع تبيّن الفاجر من الورع لأن
الورع كان يظهر خياله في الحائط أبيض والفاجر يظهر خياله أسود، وكان أيضا مما اتخذ من الأعاجيب أن ينصب في زاوية من زواياه عصا آبنوس فكان من مسها من أولاد الأنبياء لم تضرّه ومن مسها من غيرهم أحرقت يده، وقد وصفها القدماء بصفات إن استقصيتها أمللت القارئ، والذي شاهدته أنا منها أن أرضها وضياعها وقراها كلّها جبال شامخة وليس حولها ولا بالقرب منها أرض وطيئة البتة وزروعها على الجبال وأطرافها بالفؤوس لأن الدواب لا صنع لها هناك، وأما نفس المدينة فهي على فضاء في وسط تلك الجبال وأرضها كلها حجر من الجبال التي هي عليها وفيها أسواق كثيرة وعمارات حسنة، وأما الأقصى فهو في طرفها الشرقي نحو القبلة أساسه من عمل داود، عليه السّلام، وهو طويل عريض وطوله أكثر من عرضه، وفي نحو القبلة المصلى الذي يخطب فيه للجمعة وهو على غاية الحسن والإحكام مبنيّ على الأعمدة الرخام الملونة والفسيفساء التي ليس في الدنيا أحسن منها لا جامع دمشق ولا غيره، وفي وسط صحن هذا الموضع مصطبة عظيمة في ارتفاع نحو خمسة أذرع كبيرة يصعد إليها الناس من عدة مواضع بدرج، وفي وسط هذه المصطبة قبة عظيمة على أعمدة رخام مسقفة برصاص منمّقة من برّا وداخل بالفسيفساء مطبقة بالرخام الملون قائم ومسطح، وفي وسط هذا الرخام قبة أخرى وهي قبة الصخرة التي تزار وعلى طرفها أثر قدم النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وتحتها مغارة ينزل إليها بعدّة درج مبلّطة بالرخام قائم ونائم يصلّى فيها وتزار، ولهذه القبة أربعة أبواب، وفي شرقيها برأسها قبة أخرى على أعمدة مكشوفة حسنة مليحة يقولون إنها قبة السلسلة، وقبة المعراج أيضا على حائط المصطبة وقبة النبي داود، عليه السّلام، كل ذلك على أعمدة مطبق أعلاها بالرصاص، وفيها مغاور كثيرة ومواضع يطول عددها مما يزار ويتبرك به، ويشرب أهل المدينة من ماء المطر، ليس فيها دار إلا وفيها صهريج لكنها مياه رديّة أكثرها يجتمع من الدروب وإن كانت دروبهم حجارة ليس فيها ذلك الدّنس الكثير، وبها ثلاث برك عظام: بركة بني إسرائيل وبركة سليمان، عليه السّلام، وبركة عياض عليها حمّاماتهم، وعين سلوان في ظاهر المدينة في وادي جهنم مليحة الماء وكان بنو أيوب قد أحكموا سورها ثم خرّبوه على ما نحكيه بعد، وفي المثل:
قتل أرضا عالمها وقتلت أرض جاهلها، هذا قول أبي عبد الله محمد بن أحمد بن البنّاء البشّاري المقدسي له كتاب في أخبار بلدان الإسلام وقد وصف بيت المقدس فأحسن فالأولى أن نذكر قوله لأنه أعرف ببلده وإن كان قد تغير بعده بعض معالمها، قال: هي متوسطة الحرّ والبرد قلّ ما يقع فيها ثلج، قال:
وسألني القاضي أبو القاسم عن الهواء بها فقلت: سجسج لا حرّ ولا برد، فقال: هذه صفة الجنّة، قلت:
بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه ولا أنفس منه ولا أعفّ من أهلها ولا أطيب من العيش بها ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها ولا أكثر من مشاهدها، وكنت يوما في مجلس القاضي المختار أبي يحيى بهرام بالبصرة فجرى ذكر مصر إلى أن سئلت: أيّ بلد أجلّ؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أطيب؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أفضل؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أحسن؟ قلت:
بلدنا، قيل: فأيهما أكثر خيرات؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيهما أكبر؟ قلت: بلدنا، فتعجب أهل المجلس من ذلك وقيل: أنت رجل محصّل وقد ادّعيت ما لا يقبل منك وما مثك إلا كصاحب
الناقة مع الحجاج، قلت: أما قولي أجلّ فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها، ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها، وأما طيب هوائها فإنه لا سمّ لبردها ولا أذى لحرها، وأما الحسن فلا يرى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها، وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله فيها فواكه الأغوار والسهل والجبل والأشياء المتضادّة كالأترجّ واللوز والرطب والجوز والتين والموز، وأما الفضل فهي عرصة القيامة ومنها النشر وإليها الحشر وإنما فضلت مكة بالكعبة والمدينة بالنبي، صلّى الله عليه وسلّم، ويوم القيامة تزفّان إليها فتحوي الفضل كله، وأما الكبر فالخلائق كلهم يحشرون إليها فأي أرض أوسع منها؟ فاستحسنوا ذلك وأقرّوا به، قال: إلا أن لها عيوبا، يقال إن في التوراة مكتوبا بيت المقدس طست من ذهب مملوء عقارب، ثم لا ترى أقذر من حماماتها ولا أثقل مؤنة وهي مع ذلك قليلة العلماء كثيرة النصارى وفيهم جفاء وعلى الرحبة والفنادق ضرائب ثقال وعلى ما يباع فيها رجّالة وعلى الأبواب أعوان فلا يمكن أحدا أن يبيع شيئا مما يرتفق به الناس إلا بها مع قلة يسار، وليس للمظلوم أنصار، فالمستور مهموم والغني محسود والفقيه مهجور والأديب غير مشهور، ولا مجلس نظر ولا تدريس، قد غلب عليها النصارى واليهود وخلا المجلس من الناس والمسجد من الجماعات، وهي أصغر من مكة وأكبر من المدينة عليها حصن بعضه على جبل وعلى بقيته خندق، ولها ثمانية أبواب حديد:
باب صهيون وباب النية وباب البلاط وباب جب ارميا وباب سلوان وباب أريحا وباب العمود وباب محراب داود، عليه السّلام، والماء بها واسع، وقيل: ليس ببيت المقدس أكثر من الماء والأذان قلّ أن يكون بها دار ليس بها صهريج أو صهريجان أو ثلاثة على قدر كبرها وصغرها، وبها ثلاث برك عظام: بركة بني إسرائيل وبركة سليمان وبركة عياض عليها حمّاماتهم لها دواع من الأزقة، وفي المسجد عشرون جبّا مشجّرة قلّ أن تكون حارة ليس بها جبّ مسيل غير أن مياها من الأزقة وقد عمد إلى واد فجعل بركتين تجتمع إليهما السيول في الشتاء وقد شقّ منهما قناه إلى البلد تدخل وقت الربيع فتدخل صهاريج الجامع وغيرها، وأما المسجد الأقصى فهو على قرنة البلد الشرقي نحو القبلة أساسه من عمل داود، طول الحجر عشرة أذرع وأقلّ منقوشة موجّهة مؤلفة صلبة وقد بنى عليه عبد الملك بحجارة صغار حسان وشرّفوه وكان أحسن من جامع دمشق لكن جاءت زلزلة في أيام بني العباس فطرحته إلّا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره أراد رده مثلما كان فقيل له:
تعيا ولا تقدر على ذلك، فكتب إلى أمراء الأطراف والقوّاد يأمرهم أن يبني كل واحد منهم رواقا، فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان، وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي إلى حذاء الأعمدة الرخام، وما كان من الأساطين المشيدة فهو محدث، وللمغطى ستة وعشرون بابا: باب يقابل المحراب يسمّى باب النحاس الأعظم مصفح بالصفر المذهّب لا يفتح مصراعه إلا رجل شديد القوّة عن يمينه سبعة أبواب كبار في وسطها باب مصفح مذهب وعلى اليسار مثلها وفي نحو المشرق أحد عشر بابا سواذج وخمسة عشر رواقا على أعمدة رخام أحدثها عبد الله بن طاهر، وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين، وعلى المؤخر أروقة ازاج من الحجارة، وعلى وسط المغطى جمل عظيم خلف قبة حسنة، والسقوف كلها إلّا المؤخر ملبسة بشقاق الرصاص والمؤخر مرصوف بالفسيفساء الكبار والصحن كله مبلط، وفي وسط الرواق دكة مربعة مثل مسجد يثرب يصعد إليها من أربع جهاتها بمراق واسعة، وفي الدكة أربع قباب:
قبة السلسلة وقبة المعراج وقبة النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وهذه الثلاث الصغار ملبسة بالرصاص على أعمدة رخام مكشوفة، وفي وسط الدكة قبة الصخرة على بيت مثمن بأربعة أبواب كل باب يقابل مرقاة من مراقي الدكة، وهي: الباب القبليّ وباب إسرافيل وباب الصور وباب النساء، وهو الذي يفتح إلى المغرب، جميعها مذهبة في وجه كل واحد باب مليح من خشب التّنّوب، وكانت قد أمرت بعملها أمّ المقتدر بالله، وعلى كل باب صفّة مرخمة والتنّوبيّة مطبّقة على الصفرية من خارج، وعلى أبواب الصفّات أبواب أيضا سواذج داخل البيت ثلاثة أروقة دائرة على أعمدة معجونة أجلّ من الرخام وأحسن لا نظير لها قد عقدت عليه أروقة لاطئة داخلة في رواق آخر مستدير على الصخرة على أعمدة معجونة بقناطر مدورة فوق هذه منطقة متعالية في الهواء فيها طاقات كبار والقبة فوق المنطقة طولها غير القاعدة الكبرى مع السّفّود في الهواء مائة ذراع ترى من البعد فوقها سفود حسن طوله قامة وبسطة، والقبة على عظمها ملبسة بالصفر المذهب وأرض البيت مع حيطانه، والمنطقة من داخل وخارج على صفة جامع دمشق، والقبة ثلاث سافات: الأولى مروّقة على الألواح، والثانية من أعمدة الحديد قد شبكت لئلا تميلها الرياح، ثم الثالثة من خشب عليها الصفائح وفي وسطها طريق إلى عند السفود يصعد منها الصّنّاع لتفقدها ورمّها فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة ورؤيت شيئا عجيبا، وعلى الجملة لم أر في الإسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة، ويدخل المسجد من ثلاثة عشر موضعا بعشرين بابا، منها:
باب الحطّة وباب النبي، عليه الصلاة والسلام، وباب محراب مريم وباب الرحمة وباب بركة بني إسرائيل وباب الأسباط وباب الهاشميين وباب الوليد وباب إبراهيم، عليه السلام، وباب أمّ خالد وباب داود، عليه السّلام، وفيه من المشاهد محراب مريم وزكرياء ويعقوب والخضر ومقام النبي، صلى الله عليه وسلم، وجبرائيل وموضع المنهل والنور والكعبة والصراط متفرقة فيه وليس على الميسرة أروقة، والمغطى لا يتصل بالحائط الشرقي وإنما ترك هذا البعض لسبين أحدهما قول عمر: واتخذوا في غربي هذا المسجد مصلّى للمسلمين، فتركت هذه القطعة لئلا يخالف، والآخر لو مدّ المغطى إلى الزاوية لم تقع الصخرة حذاء المحراب فكرهوا ذلك، والله أعلم، وطول المسجد ألف ذراع بالذراع الهاشمي، وعرضه سبعمائة ذراع، وفي سقوفه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام، وعلى السقوف خمسة وأربعون ألف شقة رصاص، وحجم الصخرة ثلاثة وثلاثون ذراعا في سبعة وعشرين، وتحت الصخرة مغارة تزار ويصلّى فيها تسع مائة وستين نفسا، وكانت وظيفته كل شهر مائة دينار، وفي كل سنة ثمانمائة ألف ذراع حصرا، وخدّامه مماليك له أقامهم عبد الملك من خمس الأسارى ولذلك يسمّون الأخماس لا يخدمه غيرهم ولهم نوب يحفظونها، وقال المنجمون:
المقدس طوله ست وخمسون درجة، وعرضه ثلاث وثلاثون درجة، في الإقليم الثالث، وأما فتحها في أول الإسلام إلى يومنا هذا فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنفذ عمرو بن العاص إلى فلسطين ثم نزل البيت المقدس فامتنع عليه فقدم أبو عبيدة بن الجرّاح
بعد أن افتتح قنّسرين وذلك في سنة 16 للهجرة فطلب أهل بيت المقدس من أبي عبيدة الأمان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج والدخول فيما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولّي للعقد لهم عمر بن الخطاب، فكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر فقدم عمر ونزل الجابية من دمشق ثم صار إلى بيت المقدس فأنفذ صلحهم وكتب لهم به كتابا وكان ذلك في سنة 17، ولم تزل على ذلك بيد المسلمين، والنصارى من الروم والأفرنج والأرمن وغيرهم من سائر أصنافهم يقصدونها للزيارة إلى بيعتهم المعروفة بالقمامة وليس لهم في الأرض أجلّ منها، حتى انتهت إلى أن ملكها سكمان بن أرتق وأخوه ايلغازي جدّ هؤلاء الذين بدياربكر صاحب ماردين وآمد، والخطبة فيها تقام لبني العباس، فاستضعفهم المصريون وأرسلوا إليهم جيشا لا طاقة لهم به، وبلغ سكمان وأخاه خبر ذلك فتركوها من غير قتال وانصرفوا نحو العراق، وقيل: بل حاصروها ونصبوا عليها المجانيق ثم سلموها بالأمان ورجع هؤلاء إلى نحو المشرق، وذلك في سنة 491، واتّفق أن الأفرنج في هذه الأيام خرجوا من وراء البحر إلى الساحل فملكوا جميع الساحل أو أكثره وامتدوا حتى نزلوا على البيت المقدّس فأقاموا عليها نيفا وأربعين يوما ثم ملكوها من شماليها من ناحية باب الأسباط عنوة في اليوم الثالث والعشرين من شعبان سنة 492 ووضعوا السيف في المسلمين أسبوعا والتجأ الناس إلى الجامع الأقصى فقتلوا فيه ما يزيد على سبعين ألفا من المسلمين وأخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضّة كل واحد وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم فضّة وتنّور فضة وزنه أربعون رطلا بالشامي وأموالا لا تحصى، وجعلوا الصخرة والمسجد الأقصى مأوى لخنازيرهم، ولم يزل في أيديهم حتى استنقذه منهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 583 بعد إحدى وتسعين سنة أقامها في يد الأفرنج وهي الآن في يد بني أيوب، والمستولي عليهم الآن منهم الملك المعظم عيسى ابن العادل أبي بكر بن أيوب، وكانوا قد أحكموا سوره وعمّروه وجوّدوه، فلما خرج الأفرنج في سنة 616 وتملّكوا دمياط استظهر الملك المعظم بخراب سوره وقال: نحن لا نمنع البلدان بالأسوار إنما نمنعها بالسيوف والأساورة، وهذا كاف في خبرها وليس كلّ ما أجده أكتبه ولو فعلت ذلك لم يتسع لي زماني، وفي المسجد أماكن كثيرة وأوصاف عجيبة لا تتصوّر إلا بالمشاهدة عيانا، ومن أعظم محاسنه أنه إذا جلس إنسان فيه في أي موضع منه يرى أن ذلك الموضع هو أحسن المواضع وأشرحها، ولذا قيل إن الله نظر إليه بعين الجمال ونظر إلى المسجد الحرام بعين الجلال:
أهيم بقاع القدس ما هبّت الصّبا، ... فتلك رباع الأنس في زمن الصّبا
وما زلت في شوقي إليها مواصلا ... سلامي على تلك المعاهد والرّبى
والحمد لله الذي وفّقني لزيارته، وينسب إلى بيت المقدس جماعة من العبّاد الصالحين والفقهاء، منهم:
نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي الفقيه الشافعي الزاهد أصله من طرابلس وسكن بيت المقدس ودرّس بها وكان قد سمع بدمشق من أبي الحسن السمسار وأبي الحسن محمد بن عوف وابن سعدان وابن شكران وأبي القاسم وابن الطبري، وسمع بآمد هبة الله بن سليمان وسليم بن أيوب بصور وعليه تفقّه وعلى محمد بن البيان الكازروني، وروى عنه أبو بكر الخطيب وعمر بن عبد الكريم
الدهستاني وأبو القاسم النسيب وأبو الفتح نصر الله اللاذقي وأبو محمد بن طاووس وجماعة، وكان قدم دمشق في سنة 71 في نصف صفر ثم خرج إلى صور وأقام بها نحو عشر سنين ثم قدم دمشق سنة 80 فأقام بها يحدث ويدرّس إلى أن مات، وكان فقيها فاضلا زاهدا عابدا ورعا أقام بدمشق ولم يقبل لأحد من أهلها صلة، وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض كانت له بنابلس وكان يخبز له منها كل يوم قرص في جانب الكانون، وكان متقلّلا متزهدا عجيب الأمر في ذلك، وكان يقول: درست على الفقيه سليم من سنة 37 إلى سنة 40 ما فاتني فيها درس ولا إعادة ولا وجعت إلا يوما واحدا وعوفيت، وسئل كم في ضمن التعليقة التي صنّفها من جزء، فقال:
نحو ثلاثمائة جزء وما كتبت منها حرفا وأنا على غير وضوء، أو كما قال، وزاره تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان يوما فلم يقم إليه وسأله عن أحلّ الأموال السلطانية فقال: أموال الجزية، فخرج من عنده وأرسل إليه بمبلغ من المال وقال له: هذا من مال الجزية، ففرّقه على الأصحاب ولم يقبله وقال: لا حاجة لنا إليه، فلما ذهب الرسول لامه الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد وقال له: قد علمت حاجتنا إليه فلو كنت قبلته وفرّقته فينا، فقال: لا تجزع من فوته فلسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرّس فيه، وذكر بعض أهل العلم قال: صحبت أبا المعالي الجويني بخراسان ثم قدمت العراق فصحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة الجويني، ثم قدمت الشام فرأيت الفقيه أبا الفتح فكانت طريقته أحسن من طريقتهما جميعا، وتوفي الشيخ أبو الفتح يوم الثلاثاء التاسع من المحرم سنة 490 بدمشق ودفن بباب الصغير، ولم تر جنازة أوفر خلقا من جنازته، رحمة الله عليه، ومحمد بن طاهر بن علي بن أحمد أبو الفضل المقدسي الحافظ ويعرف بابن القيسراني، طاف في طلب الحديث وسمع بالشام وبمصر والعراق وخراسان والجبل وفارس، وسمع بمصر من الجبّاني وأبي الحسن الخلعي، قال: وسمعت أبا القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ يقول: أحفظ من رائيّة محمد ابن طاهر ما هو هذا:
إلى كم أمنّي النفس بالقرب واللّقا ... بيوم إلى يوم وشهر إلى شهر؟
وحتّام لا أحظى بوصل أحبّتي ... وأشكو إليهم ما لقيت من الهجر؟
فلو كان قلبي من حديد أذابه ... فراقكم أو كان من صالب الصخر
ولمّا رأيت البين يزداد والنّوى ... تمثّلت بيتا قيل في سالف الدهر:
متى يستريح القلب، والقلب متعب، ... ببين على بين وهجر على هجر؟
قال الحافظ: سمعت أبا العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني الحافظ ببغداد يذكر أن أبا الفضل ابتلي بهوى امرأة من أهل الرستاق كانت تسكن قرية على ستة فراسخ فكان يذهب كل ليلة فيرقبها فيراها تغزل في ضوء السراج ثم يرجع إلى همذان فكان يمشي كل يوم وليلة اثني عشر فرسخا، ومات ابن طاهر ودفن عند القبر الذي على جبلها يقال له قبر رابعة العدوية وليس هو بقبرها إنما قبرها بالبصرة وأما القبر الذي هناك فهو قبر رابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري الكاتب وقد اشتبه على الناس.

منارة الحوافِرِ

منارة الحوافِرِ:
وهي منارة عالية في رستاق همذان في ناحية يقال لها ونجر في قرية يقال لها أسفجين، قرأت خبرها في كتاب أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني قال: كان سبب بنائها أن سابور بن أردشير الملك قال له منجموه:
إن ملكك هذا سيزول عنك وإنك ستشقى أعواما كثيرة حتى تبلغ إلى حدّ الفقر والمسكنة ثم يعود إليك الملك، قال: وما علامة عوده؟ قالوا: إذا أكلت خبزا من الذهب على مائدة من الحديد فذلك علامة رجوع ملكك، فاختر أن يكون ذلك في زمان شبيبتك أو في كبرك، قال: فاختار أن يكون في شبيبته وحدّ له في ذلك حدّا فلما بلغ الحدّ اعتزل ملكه وخرج ترفــعه أرض وتخفضه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فتنكّر وآجر نفسه من عظيم القرية وكان معه جراب فيه تاجه وثياب ملكه فأودعه عند الرجل الذي آجر نفسه عنده فكان يحرث له نهاره ويسقي زرعه ليلا فإذا فرغ من السقي طرد الوحش عن الزرع حتى يصبح، فبقي على ذلك سنة فرأى الرجل منه حذقا ونشاطا وأمانة في كل ما يأمره به فرغب فيه واسترجح عقل زوجته واستشارها أن يزوّجه إحدى بناته وكان له ثلاث بنات فرغبت لرغبته فزوّجه ابنته فلما حوّلها إليه كان سابور يعتزلها ولا يقربها، فلما أتى على ذلك شهر شكت إلى أبيها فاختلعها منه وبقي سابور يعمل عنده، فلما كان بعد حول آخر سأله أن يتزوّج ابنته الوسطى ووصف له جمالها وكمالها وعقلها فتزوّجها فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فاختلعها منه، فلما كان حول آخر وهو الثالث سأله أن يزوّجه ابنته الصغرى ووصف له جمالها ومعرفتها وكمالها وعقلها وأنها خير أخواتها فتزوّجها، فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فأخبرته أنها معه في أرغد عيش وأسرّه، فلما سمع سابور بوصفها لأبيها من غير معاملة له معها وحسن صبرها عليه وحسن خدمتها له رقّ لها قلبه وحنّ عليها ودنا منها ونام معها فعلقت منه وولدت له ابنا، فلما أتى على سابور أربع سنين أحبّ رجوع ملكه إليه، فاتفق أنه كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم، وكانت امرأة سابور تحمل إليه طعامه في كل يوم ففي ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى بعد العصر لم تصلح له طعاما ولا حملت إليه شيئا، فلما كان بعد العصر ذكرته فبادرت إلى منزلها وطلبت شيئا تحمله إليه فلم تجد إلّا رغيفا واحدا من جاورس فحملته إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية ماء فلما وصلت إليه لم تقدر على عبور الساقية فمدّ إليها سابور المرّ الذي كان يعمل به فجعلت الرغيف عليه فلما وضعه بين يديه كسره فوجده شديد الصّفرة ورآه على الحديد فذكر قول المنجمين وكانوا قد حدّوا له الوقت فتأمله فإذا هو قد انقضى فقال لامرأته: اعلمي أيتها المرأة أني سابور، وقصّ عليها قصته، ثم اغتسل في النهر وأخرج شعره من الرباط الذي كان قد ربطه عليه وقال لامرأته: قد تم أمري وزال شقائي، وصار إلى المنزل الذي كان يسكن فيه وأمرها بأن تخرج له الجراب الذي كان فيه تاجه وثياب ملكه، فأخرجته فلبس التاج والثياب، فلما رآه أبو الجارية خرّ ساجدا بين يديه وخاطبه بالملك، قال: وكان سابور قد عهد إلى وزرائه وعرفهم بما قد امتحن به من الشقاوة وذهاب الملك وأن مدة ذلك كذا وكذا سنة وبيّن لهم الموضع الذي يوافونه إليه عند انقضاء مدة شقائه وأعلمهم الساعة التي يقصدونه فيها فأخذ مقرعة كانت معه ودفعها إلى أبي الجارية وقال له: علّق هذه على باب القرية واصعد السور وانظر ماذا ترى، ففعل ذلك وصبر ساعة ونزل وقال: أيها الملك أرى خيلا كثيرة يتبع بعضها بعضا، فلم يكن بأسرع مما وافت الخيل أرسالا فكان الفارس إذا رأى مقرعة سابور نزل عن فرسه وسجد حتى اجتمع خلق من
أصحابه ووزرائه فجلس لهم ودخلوا عليه وحيوه بتحية الملوك، فلما كان بعد أيام جلس يحدث وزراءه فقال له بعضهم: سعدت أيها الملك! أخبرنا ما الذي أفدته في طول هذه المدة، فقال: ما استفدت إلّا بقرة واحدة، ثم أمرهم بإحضارها وقال: من أراد إكرامي فليكرمها، فأقبل الوزراء والأساورة يلقون عليها ما عليهم من الثياب والحلي والدراهم والدنانير حتى اجتمع ما لا يحصى كثرة، فقال لأبي المرأة: خذ جميع هذا المال لابنتك. وقال له وزير آخر:
أيها الملك المظفّر فما أشد شيء مرّ عليك وأصعبه؟
قال: طرد الوحش بالليل عن الزرع فإنها كانت تعييني وتسهرني وتبلغ مني فمن أراد سروري فليصطد لي منها ما قدر لأبني من حوافرها بنية يبقى ذكرها على ممر الدهر، فتفرق القوم في صيدها فصادوا منها ما لا يبلغه العدد فكان يأمر بقطع حوافرها أولا فأولا حتى اجتمع من ذلك تلّ عظيم فأحضر البنّائين وأمرهم أن يبنوا من ذلك منارة عظيمة يكون ارتفاعها خمسين ذراعا في استدارة ثلاثين ذراعا وأن يجعلوها مصمّتة بالكلس والحجارة ثم تركب الحوافر حولها منظمة من أسفلها إلى أعلاها مسمرة بالمسامير الحديد، ففعل ذلك فصارت كأنها منارة من حوافر، فلما فرغ صانعها من بنائها مر بها سابور يتأملها فاستحسنها فقال للذي بناها وهو على رأسها لم ينزل بعد: هل كنت تستطيع أن تبني أحسن منها؟ قال: نعم، قال: فهل بنيت لأحد مثلها؟ فقال: لا، قال: والله لأتركنّك بحيث لا يمكنك بناء خير منها لأحد بعدي! وأمر أن لا يمكّن من النزول، فقال: أيها الملك قد كنت أرجو منك الحباء والكرامة وإذ فاتني ذلك فلي قبل الملك حاجة ما عليك فيها مشقّة، قال: وما هي؟ قال: تأمر أن أعطى خشبا لأصنع لنفسي مكانا آوي إليه لا تمزقني النسور إذا متّ، قال: أعطوه ما يسأل، فأعطي خشبا وكان معه آلة النجارة فعمل لنفسه أجنحة من خشب جعلها مثل الريش وضمّ بعضها إلى بعض، وكانت العمارة في قفر ليس بالقرب منه عمارة وإنما بنيت القرية بقربها بعد ذلك، فلما جاء الليل واشتدّ الهواء ربط تلك الأجنحة على نفسه وبسطها حتى دخل فيها الريح وألقى نفسه في الهواء فحملته الريح حتى ألقته إلى الأرض صحيحا ولم يخدش منه خدش ونجا بنفسه، قال: والمنارة قائمة في هذه المدّة إلى أيامنا هذه مشهورة المكان ولشعراء همذان فيها أشعار متداولة، قال عبيد الله الفقير إليه: أما غيبة سابور من الملك فمشهورة عند الفرس مذكورة في أخبارهم وقد أشرنا في سابور خواست ونيسابور إلى ذلك، والله أعلم بصحة ذلك من سقمه.

نَابُلُسُ

نَابُلُسُ:
بضم الباء الموحدة واللام، والسين مهملة، وسئل شيخ من أهل المعرفة من أهل نابلس لم سميت بذلك فقال: إنه كان ههنا واد فيه حية قد امتنعت فيه وكانت عظيمة جدّا وكانوا يسمونها بلغتهم لس فاحتالوا عليها حتى قتلوها وانتزعوا نابها وجاءوا بها فعلّقوها على باب هذه المدينة فقيل:
هذا ناب لس، أي ناب الحية، ثم كثر استعمالها حتى كتبوها متصلة نابلس هكذا وغلب هذا الاسم عليها:
وهي مدينة مشهورة بأرض فلسطين بين جبلين مستطيلة لا عرض لها كثيرة المياه لأنها لصيقة في جبل، أرضها حجر، بينها وبين بيت المقدس عشرة فراسخ، ولها كورة واسعة وعمل جليل كله في الجبل الذي فيه القدس، وبظاهر نابلس جبل ذكروا أن آدم، عليه السلام، سجد فيه، وبها الجبل الذي تعتقد اليهود أن الذبح كان عليه وعندهم أن الذبيح إسحاق، عليه السلام، ولليهود في هذا الجبل اعتقاد أعظم ما يكون واسمه كزيرم، وهو مذكور في التوراة، والسّمرة تصلّي إليه، وبه عين تحت كهف يعظمونها ويزورها السمرة ولأجل ذلك كثرت السمرة بهذه المدينة، وينسب إليها محمد بن أحمد بن سهل بن نصر أبو بكر الرملي ويعرف بابن النابلسي، حدث عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن شيبان الرملي وسعيد ابن هاشم بن مرثد الطبراني وعمر بن محمد بن سليمان العطار وعثمان بن محمد بن علي بن جعفر الذهبي ومحمد ابن الحسن بن قتيبة وأحمد بن ريحان وأبي الفضل العباس بن الوليد القاضي وأبي عبد الله جعفر بن أحمد ابن إدريس القزويني وإسماعيل بن محمد بن محفوظ وأبي سعيد بن الأعرابي وأبي منصور محمد بن سعد، روى عنه هشام بن محمد الرازي وعبد الوهاب الميداني وأبو الحسن الدارقطني وأبو مسلم محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر الأصبهاني وأبو القاسم علي ابن جعفر الحلبي وبشرى بن عبد الله مولى فلفل، وعن أبي ذر الهروي قال: أبو بكر النابلسي سجنه بنو عبيد وصلبوه في السنّة، وسمعت الدارقطني يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يسلخ كان ذلك في الكتاب مسطورا، وقال أبو القاسم: قال لنا أبو محمد الأكفاني فيها، يعني سنة 363، توفي العبد الصالح الزاهد أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل ابن نصر الرملي ويعرف بابن النابلسي، وكان يرى قتال المغاربة وبغضهم وأنه واجب فكان قد هرب من الرملة إلى دمشق فقبض عليه الوالي بها أبو محمد الكناني صاحب العزيز أبي تميم بدمشق وأخذه وحبسه في شهر رمضان سنة 363 وجعله في قفص خشب وحمله إلى مصر، فلما حمله إلى مصر قيل له: أنت قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة وواحدا في الروم! فاعــترف بذلك وقال: قد قلته، فأمر أبو تميم بسلخه، فسلخوه وحشوا جلده تبنا وصلبوه، وعن أبي الشعشاع المصري قال: رأيت أبا بكر النابلسي في المنام بعد ما قتل وهو في أحسن هيئة فقلت له: ما فعل الله بك؟ فأنشد يقول:
حباني مالكي بدوام عزّ، ... وأوعدني بقرب الانتصار
وقرّبني وأدناني إليه، ... وقال أنعم بعيش في جواري
وإدريس بن يزيد أبو سليمان النابلسي سكن العراق وحكى عن أبي تمام وكان أديبا شاعرا، وقال أبو بكر الصولي: لقيني أبو سليمان النابلسي في مربد البصرة فقلت له: من أين؟ فقال: من عند أميركم الفضل بن عباس حجبني فقلت أبياتا ما سمعها بعد مني، فقلت: أنشدنيها، فأنشدني:
لما تفكّرت في حجابك ... عاتبت نفسي على حجابك
فما أراها تميل طوعا ... إلا إلى اليأس من ثوابك
قد وقع اليأس فاستوينا، ... فكن كما كنت باحتجابك
فإن تزرني أزرك أو إن ... تقف ببابي أقف ببابك
والله ما أنت في حسابي ... إلا إذا كنت في حسابك
قال: وحجبني الحسن بن يوسف اليزيدي فكتبت إليه:
سأترككم حتى يلين حجابكم، ... على أنه لا بدّ أن سيلين
خذوا حذركم من نوبة الدهر، إنها ... وإن لم تكن حانت فسوف تحين

الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ

الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ: والجوهر الْفَرد والنقطة الجوهرية مترادفات وَهُوَ جَوْهَر ذُو وضع لَا يقبل الْقِسْمَة قطعا لَا قطعا وَلَا كسرا وَلَا وهما وَلَا فرضا - والجوهر بِمَنْزِلَة الْجِنْس فَلَا تدخل فِيهِ النقطة العرضية - والخط - والسطح العرضيان - والجسم التعليمي لكَونهَا إعْرَاضًا وَقَوله ذُو وضع أَي قَابل للْإِشَارَة الحسية وَقيل أَي متجزئ لذاته يخرج الْجَوَاهِر الْمُجَرَّدَة إِذْ المجردات لَيست بقابلة لَهَا وَلَا بمتجزئة وَقَوله لَا يقبل الْقِسْمَة يخرج الْجِسْم الطبيعي لكَون قبُول الْقِسْمَة فِي الْجِهَات مأخوذا فِي تَعْرِيفه قَوْله قطعا لَا قطعا. الأول: بِمَعْنى أصلا ويقينا أَي لَا يقبل الْقِسْمَة بِوَجْه من الْوُجُوه بِلَا شكّ وَبِه يخرج الْخط الْجَوْهَرِي والسطح الْجَوْهَرِي لِكَوْنِهِمَا وَإِن لم يقبلا الْقِسْمَة من وَجه لكنهما قابلان لَهَا من وَجه آخر. وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْقِسْمَة القطعية وَقَالُوا الْقطع هُوَ فصل الْجِسْم بنفوذ جسم آخر وَالْكَسْر فصل الْجِسْم الصلب بِدفع دَافع من غير نُفُوذ شَيْء فِي حجمه وَالْقِسْمَة الوهمية مَا هُوَ بِحَسب التَّوَهُّم جزئيا وَالْقِسْمَة الْفَرْضِيَّة مَا هُوَ بِحَسب فرض الْعقل كليا كَمَا إِذا فَرضنَا لشَيْء نصفا أَو ربعا مثلا فنصفه كل لِأَنَّهُ يصدق على نصفه من أَي جَانب كَانَ وَكَذَا الرّبع وَالثلث وَقس عَلَيْهِ الْخمس وَالسُّدُس وَسَائِر الكسور والفائدة فِي إِيرَاد الْفَرْض أَن الْوَهم رُبمَا يقف إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يقدر على استحضار مَا يقسمهُ لصغره أَو لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْإِحَاطَة بِمَا لَا يتناهى. وَالْفَرْض الْعقلِيّ لَا يقف لتَعَلُّقه بالكليات الْمُشْتَملَة على الصغر وَالْكبر والمتناهي وَغير المتناهي وَلَيْسَ المُرَاد من الْقِسْمَة الْفَرْضِيَّة مُجَرّد فرض الانقسام وَتَقْدِيره بل انتزاع الْعقل مِقْدَارًا أَصْغَر من المنقسم.
وَالْحَاصِل أَن المُرَاد بِالْفَرْضِ الانتزاعي أَي التجويز الْعقلِيّ لَا الاختراعي أَي التقديري وَذَلِكَ الْجُزْء بَاطِل عِنْد الْحُكَمَاء ثبات مَوْجُود عِنْد الْمُتَكَلِّمين.

نعم الشَّاعِر:
(أَي آنكه جز وَلَا يتجزى دهان تست ... طولى كه هيج عرض ندارد ميازتست)

(كردى بنطق نقطة موهوم را دو نيم ... برهم زن كَلَام حكيمان بَيَان تست)

والجسم مركب عِنْد الْمُتَكَلِّمين من الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تتجزئ وَعند الْحُكَمَاء من الهيولى وَالصُّورَة. وَإِنَّمَا ذهب المتكلمون إِلَى إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد وتركيب الْجِسْم مِنْهُ وَنفي الهيولى لِئَلَّا يلْزم قدم الْعَالم والعالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحدث عِنْدهم. وَأما عِنْد إِثْبَات الهيولى وَالصُّورَة وَنفي الْجُزْء وتركب الْجِسْم مِنْهُمَا دون الْجُزْء يلْزم قدم الْعَالم لِأَن الصُّورَة لَا تنفك عَن الهيولى والهيولى لَا يجوز أَن تكون حَادِثَة وَإِلَّا لزم التسلسل. وَبَيَان الْمُلَازمَة أَن كل حَادث زماني مَسْبُوق بمادة وَمُدَّة كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه فَلَو كَانَ الهيولى حَادِثَة لزم أَن يكون لَهَا مَادَّة وَهِي الهيولى وهلم جرا يَعْنِي إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيد فِي نفي الْقدَم وَنفي الْجُزْء وَإِثْبَات الهيولى مُفِيد فِي نفي الْحُدُوث أَي ثُبُوت الْقدَم.
وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن إِثْبَات الْجُزْء مُفِيد فِي نفي الهيولى وَالْقَائِل بالهيولى أَيْضا معــترف بذلك وَنفي الهيولى مُطلقًا قَدِيما أَو حَادِثا مُسْتَلْزم لنفي الْإِيجَاب وَنفي الْإِيجَاب مُسْتَلْزم لنفي الْقدَم فَكَانَ إِثْبَات الْجُزْء أَيْضا مُفِيدا ومستلزما لنفي الْقدَم. أما كَون نفي الهيولى مستلزما لنفي الْإِيجَاب فَلِأَن المبدأ ذَا كَانَ مُوجبا لَا بُد لتخصيص من مُرَجّح وَهُوَ الْإِمْكَان الاستعدادي ولوجوديته لَا بُد لَهُ من مَادَّة فَلَزِمَ القَوْل بِوُجُود الهيولى. فنفي الهيولى مُسْتَلْزم لنفي الْإِيجَاب وَأما كَون نفي الْإِيجَاب مستلزما لنفي الْقدَم فَلِأَن أثر الْمُخْتَار لَا يكون قَدِيما لما تقرر فِي مَوْضِعه. فَظهر مِمَّا ذكرنَا أَن إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيد فِي نفي الْقدَم ومستلزم لَهُ. فَإِن قلت لَا نسلم أَن الهيولى لَو كَانَ ثَابتا لَكَانَ الْعَالم قَدِيما لم لَا يجوز أَن يكون المبدأ مُخْتَارًا فَلَا يحْتَاج إِلَى مُرَجّح آخر سوى الْإِرَادَة حَتَّى يُقَال إِنَّه لَا بُد من مُرَجّح وَهُوَ الْإِمْكَان الاستعدادي فَلَو لم يكن الهيولى قَدِيما لزم التسلسل كَمَا مر آنِفا فَيجوز أَن يكون الهيولى على هَذَا التَّقْدِير حَادِثا فَيكون الْعَالم أَيْضا حَادِثا لَا قَدِيما. قلت هَذَا لَا يُنَافِي كَون إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيدا فِي نفي الْقدَم إِذْ لَيْسَ معنى الإفادة هَا هُنَا أَن إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيد فِي نفي قدم الْعَالم بِمَعْنى أَنه لولاه لامتنع نفي الْقدَم حَتَّى يُقَال إِن الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لجَوَاز أَن لَا يثبت الْجُزْء ويتحقق الهيولى وَلَا يكون الْعَالم قَدِيما بِأَن يكون المبدأ مُخْتَارًا بل مَعْنَاهُ هَا هُنَا أَن هَذَا أَيْضا طَرِيق إِلَى نفي قدم الْعَالم فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ نفي الهيولى مُطلقًا وَيلْزم من نفي الهيولى الْمُطلق نفي الْإِيجَاب وَنفي الْإِيجَاب مُسْتَلْزم لنفي الْقدَم. وَمعنى قَوْلهم إِثْبَات الهيولى مؤد إِلَى القَوْل بقدم الْعَالم أَن الهيولى لَا ضَرُورَة فِي إِثْبَاتهَا إِلَّا على تَقْدِير كَون المبدأ مُوجبا إِذْ على تَقْدِير كَونه مُخْتَارًا يُمكن أَن يُوجد الهيولى على تَقْدِير ثُبُوته وَإِن يُوجد جَمِيع الْحَوَادِث بِلَا مَادَّة فَلَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ فِي إِثْبَات الهيولى على تَقْدِير كَونه مُخْتَارًا لِأَن وجود الهيولى وَعَدَمه على هَذَا التَّقْدِير على السوَاء فَلَا يكون الْقَائِلُونَ بِالِاخْتِيَارِ قائلين بالهيولى بِلَا ضَرُورَة فَلَا يكون القَوْل بالهيولى إِلَّا على تَقْدِير القَوْل بِالْإِيجَابِ للضَّرُورَة الَّتِي عرفت وَلَا يكون ذَلِك القَوْل إِلَّا بقدم الهيولى لِامْتِنَاع التسلسل فِي الهيولى وَهُوَ مؤد إِلَى القَوْل بقدم الْعَالم فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة المخزونة فِي صناديق صُدُور خَواص الْحُكَمَاء المستورة بحجب الْجلَال عَن أعين عوام الْعلمَاء.

نَجْدٌ

نَجْدٌ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، قال النضر:
النجد قفاف الأرض وصلابها وما غلظ منها وأشرف، والجماعة النجاد، ولا يكون إلا قفّا أو صلابة من
الأرض في ارتفاع من الجبل معترضا بين يديك يردّ طرفك عما وراءه، يقال: اعل هاتيك النجاد وهذاك النجاد بوجه، وقال: ليس بالتشديد الارتفاع، وقال الأصمعي: هي نجود عدّة، منها: نجد برق واد باليمامة ونجد خال ونجد عفر ونجد كبكب ونجد مريع، ويقال: فلان من أهل نجد، وفي لغة هذيل والحجاز: من أهل النّجد، قال أبو ذؤيب:
في عانة بجنوب السّيّ مشربها ... غور ومصدرها عن مائها نجد
قال: وكل ما ارتفع عن تهامة فهو نجد، فهي ترعى بنجد وتشرب بتهامة، وقال الأصمعي: سمعت الأعراب تقول: إذا خلّفت عجلزا مصعدا فقد أنجدت، وعجلز فوق القريتين، قال: وما ارتفع عن بطن الرمّة، والرمة واد معلوم ذكر في موضعه، فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق، قال: وسمعت الباهلي يقول: كل ما وراء الخندق الذي خندقه كسرى، وقد ذكر في موضعه، فهو نجد إلى أن تميل إلى الحرّة فإذا ملت إليها فأنت بالحجاز، وقيل: نجد إذا جاوزت عذيبا إلى أن تجاوز فيد وما يليها، وقيل: نجد هو اسم للأرض العريضة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام، قال السكري:
حد نجد ذات عرق من ناحية الحجاز كما تدور الجبال معها إلى جبال المدينة، وما وراء ذات عرق من الجبال إلى تهامة فهو حجاز كله، فإذا انقطعت الجبال من نحو تهامة فما وراءها إلى البحر فهو الغور، والغور وتهامة واحد، ويقال إن نجدا كلها من عمل اليمامة، وقال عمارة بن عقيل: ما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق، وحدّ نجد أسافل الحجاز وهودج وغيره، وما سال من ذات عرق موليا إلى المغرب فهو الحجاز إلى أن يقطعه تهامة، وحجاز يحجز أي يقطع بين تهامة وبين نجد، والذي قرأته في كتاب جزيرة العرب الذي رواه ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه: وما ارتفع عن بطن الرمّة يخفّف ويثقّل فهو نجد، والرمة فضاء يدفع فيه أودية كثيرة، وتقول العرب عن لسان الرمة:
كلّ بنيّ فإنه يحسيني ... إلا الجريب فإنه يرويني
والجريب: واد عظيم يصبّ في الرمة، قال: وكان موضع مملكة حجر الكندي بنجد ما بين طميّة وهي هضبة بنجد إلى حمى ضريّة إلى دارة جلجل من العقيق إلى بطن نخلة الشامية إلى حزنة إلى اللقط إلى أفيح إلى عماية إلى عمايتين إلى بطن الجريب إلى ملحوب إلى مليحيب، فما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق، وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق، وقال العتبي: حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: العرب تقول إذا خلّفت عجلزا مصعدا حتى تنحدر إلى ثنايا ذات عرق فإذا فعلت ذلك فقد أتهمت إلى البحر، وإذا عرضت لك الحرار وأنت تنجد فتلك الحجاز، تقول: احتجزنا الحجاز، فإذا تصوّبت من ثنايا العرج فقد استقبلت الأراك والمرج وشجر تهامة، فإذا تجاوزت بلاد فزارة فأنت بالجناب إلى أرض كلب، ولم يذكر الشعراء موضعا أكثر مما ذكروا نجدا وتشوّقوا إليها من الأعراب المتضمّرة، وسأورد منه ههنا بعض ما يحضرني، قال أعرابيّ:
أكرّر طرفي نحو نجد وإنني ... إليه، وإن لم يدرك الطرف، أنظر
حنينا إلى أرض كأنّ ترابها ... إذا مطرت عود ومسك وعنبر
بلاد كأنّ الأقحوان بروضة ... ونور الأقاحي وشي برد محبّر
أحنّ إلى أرض الحجاز وحاجتي ... خيام بنجد دونها الطرف يقصر
وما نظري من نحو نجد بنافعي، ... أجل لا، ولكني إلى ذاك أنظر
أفي كل يوم نظرة ثم عبرة ... لعينيك مجرى مائها يتحدّر
متى يستريح القلب إمّا مجاور ... بحرب وإمّا نازح يتذكّر
وقال أعرابيّ آخر:
فيا حبّذا نجد وطيب ترابه ... إذا هضبته بالعشيّ هواضبه
وريح صبا نجد إذا ما تنسّمت ... ضحى أو سرت جنح الظلام جنائبه
بأجرع ممراع كأنّ رياحه ... سحاب من الكافور، والمسك شائبه
وأشهد لا أنساه ما عشت ساعة، ... وما انجاب ليل عن نهار يعاقبه
ولا زال هذا القلب مسكن لوعة ... بذكراه حتى يترك الماء شاربه
وقال أعرابيّ آخر:
خليليّ هل بالشام عين حزينة ... تبكّي على نجد لعلّي أعينها
وهل بائع نفسا بنفس أو الأسى ... إليها فأجلاها بذاك حنينها
وأسلمها الباكون إلا حمامة ... مطوّقة قد بان عنها قرينها
تجاوبها أخرى على خيزرانة ... يكاد يدنّيها من الأرض لينها
نظرت بعيني مؤنسين فلم أكد ... أرى من سهيل نظرة أستبينها
فكذّبت نفسي ثم راجعت نظرة، ... فهيّج لي شوقا لنجد يقينها
وقال أعرابيّ آخر:
سقى الله نجدا من ربيع وصيّف، ... وماذا ترجّي من ربيع سقى نجدا؟
بلى إنه قد كان للعيس مرّة ... وركنا، وللبيضاء منزلة حمدا
وقال اعرابيّ آخر:
ومن فرط إشفاقي عليك يسرّني ... سلوّك عني خوف أن تجدي وجدي
وأشفق من طيف الخيال، إذا سرى، ... مخافة أن يدري به ساكنو نجد
وأرضى بأن تفديك نفسي من الرّدى، ... ولكنني أخشى بكاءك من بعدي
مذاهب شتّى للمحبين في الهوى، ... ولي مذهب فيهم أقول به وحدي
وقال أعرابيّ آخر:
ألا حبّذا نجد وطيب ترابه، ... وغلظة دنيا أهل نجد ودينها!
نظرت بأعلى الجلهتين فلم أكد ... أرى من سهيل لمحة أستبينها
وقال أعرابيّ آخر:
رأيت بروقا داعيات إلى الهوى، ... فبشّرت نفسي أن نجدا أشيمها
إذا ذكر الأوطان عندي ذكرته، ... وبشّرت نفسي أن نجدا أقيمها
ألا حبّذا نجد ومجرى جنوبه ... إذا طاب من برد العشيّ نسيمها!
أجدّك لا ينسيك نجدا وأهله ... عياطل دنيا قد تولّى نعيمها
وقال اعرابيّ آخر:
ألا أيها البرق الذي بات يرتقي ... ويجلو ذرى الظلماء ذكّرتني نجدا
ألم تر أنّ الليل يقصر طوله ... بنجد وتزداد الرياح به بردا؟
وقال أعرابيّ من بني طهيّة:
سمعت رحيل القافلين فشاقني، ... فقلت اقرؤوا مني السلام على دعد
أحنّ إلى نجد وإني لآيس ... طوال الليالي من قفول إلى نجد
تعزّ فلا نجد ولا دعد فاعــترف ... بهجر إلى يوم القيامة والوعد
وقال نوح بن جرير بن الخطفى:
ألا قد أرى أنّ المنايا تصيبني، ... فما لي عنهنّ انصراف ولا بدّ
أذا العرش لا تجعل ببغداد ميتتي، ... ولكن بنجد، حبّذا بلدا نجد!
بلاد نات عنها البراغيث، والتقى ... بها العين والآرام والعفر والرّبد
وقال اعرابيّ آخر:
ألا هل لمحزون ببغداد نازح ... إذا ما بكى جهد البكاء مجيب؟
كأني ببغداد، وإن كنت آمنا، ... طريد دم نائي المحلّ غريب
فيا لائمي في حبّ نجد وأهله، ... أصابك بالأمر المهمّ مصيب
وقال أعرابيّ آخر:
تبدّلت من نجد وممن يحلّه ... محلة جند، ما الأعاريب والجند؟
وأصبحت في أرض البنود وقد أرى ... زمانا بأرض لا يقال لها بند
البنود: بأرض الروم كالأجناد بأرض الشام والكور بالعراق والطساسيج لأهل الأهواز والرساتيق لأهل الجبال والمخاليف لأهل اليمن، وقال أعرابيّ آخر:
لعمريّ لمكّاء يغنّي بقفرة ... بعلياء من نجد علا ثم شرّقا
أحبّ إلينا من هديل حمامة، ... ومن صوت ديك هاجه الليل أبلقا
وقال عبد الرحمن بن دارة:
خليليّ إن حانت بحمص منيّتي ... فلا تدفناني وارفعاني إلى نجد
وأدخل على عبد الملك بن مروان عشرة من الخوارج فأمر بضرب رقابهم وكان يوم غيم ومطر ورعد وبرق، فضربت رقاب تسعة منهم وقدم العاشر ليضرب عنقه فبرقت برقة فأنشأ يقول:
تألّق البرق نجديّا فقلت له: ... يا ايها البرق إني عنك مشغول
بذلّة العقل حيران بمعتكف ... في كفه كحباب الماء مسلول
فقال له عبد الملك: ما أحسبك إلا وقد حننت إلى وطنك وأهلك وقد كنت عاشقا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: لو سبق شعرك قتل أصحابك لوهبناهم لك، خلّوا سبيله، فخلوه، وقدم بعض أهل هجر إلى بغداد فاستوبأها فقال:
أرى الريف يدنو كلّ يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وصاحبه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن كانت معيشتها رغدا
بلاد تهبّ الريح فيها مريضة، ... وتزداد خبثا حين تمطر أو تندى

نهر الإجّانَةِ

نهر الإجّانَةِ:
بلفظ الإجّانة التي تغسل فيها الثياب، بكسر الهمزة، وتشديد الجيم، وبعد الألف نون، قال عوانة: قدم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب في أهل البصرة فجعل يسألهم رجلا رجلا والأحنف لا يتكلم، فقال له عمر: ألك حاجة؟
فقال: بلى يا أمير المؤمنين، إن مفاتيح الخير بيد الله وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية بين المياه العذبة والجنان الملتفة وإنا نزلنا أرضا نشاشة لا يجف مرعاها ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج ومن جهة المغرب الفلاة والعجاج فليس لنا زرع ولا ضرع تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مريء النعامة، يخرج الرجل الضعيف منا فيستعذب الماء من فرسخين والمرأة كذلك فتربّق ولدها تربّق العنز تخاف بادرة العدو وأكل السبع، فإلّا ترفــع خسيستنا وتجبر فاقتنا نكن كقوم هلكوا، فألحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحفر لهم نهرا، فذكر جماعة من أهل العلم أن دجلة العوراء وهي دجلة البصرة كانت خورا، والخور: طريق للماء لم يحفره أحد تجري إليه الأمطار ويتراجع ماؤها فيه عند المدّ وينضب في الجزر، وكان يحده مما يلي البصرة خور واسع كان يسمى في الجاهلية الإجّانة وتسميه العرب في الإسلام خزّاز، وهو على مقدار ثلاثة فراسخ من البصرة ومنه يبتدئ النهر الذي يعرف اليوم بنهر الإجّانة، فلما أمر عمر أبا موسى بحفر نهر ابتدأ بحفر نهر الإجّانة ففأره ثلاثة فراسخ حتى بلغ به البصرة، وكان طول نهر الأبلّة أربعة فراسخ ثم انطمّ منه شيء على قدر فرسخ من البصرة، وكان زياد ابن أبيه واليا على الديوان وبيت المال من قبل عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الله يومئذ على البصرة من قبل عثمان، فأشار إلى ابن عامر أن ينفذ نهر الأبلّة من حيث انضمّ حتى يبلغ البصرة ويصله بنهر الإجّانة، فدافع بذلك إلى أن شخص ابن عامر إلى خراسان واستخلف زيادا على حفر أبي موسى على حاله، فحفر نهر الأبلة من حيث انضم حتى وصله بالإجانة عند البصرة وولى ذلك ابن أخيه عبد الرحمن ابن أبي بكرة، فلما فتح عبد الرحمن الماء جعل يركض بفرسه والماء يكاد يسبقه حتى التقى به، فصار نهرا مخرجه من فم نهر الإجانة ومنتهاه إلى الأبلّة، وهذا إلى الآن على ذلك، وقدم ابن عامر من خراسان فغضب على زياد وقال: إنما أردت أن تذهب بذكر النهر دوني! فتباعد ما بينهما حتى ماتا وتباعد لسببه ما بين أولادهما، قال يونس بن حبيب: فأنا
أدركت ما بين آل زياد وآل عامر تباعدا، وفي كتاب البصرة لأبي يحيى الساجي: نهر الجوبرة من أنهار البصرة القديمة، وكان ماء دجلة ينتهي إلى فوهة الجوبرة فيستنقع فيه الماء مثل البركة الواسعة فكان أهل البصرة يدنون منه أحيانا ويغسلون ثيابهم، وكانت فيه أجاجين وأنقرة وخزف وآلات القصّار فلذلك سمي نهر الإجّانة، قال أبو اليقظان: كان أهل البصرة يشربون قبل حفر الفيض من خليج يأتي من دير جابيل إلى موضع نهر نافذ، قال المدائني: لم تزل البصرة على عين ماء لا ماء الإجانة وإليه ينتهي خليج الأبلّة حتى كلّم الأحنف عمر فكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحفر لهم نهرا فأحفر من الإجانة من الموضع الذي يقال له أبكن وكان قد حفره الماء فحفره أبو موسى وعبّره إلى البصرة، فلما استغنى الناس عنه طمّوه من البصرة إلى ثبق الحيرة ورسمه قائم إلى اليوم، فكانوا يستقون قبل ذلك ماءهم من الأبلة وكان يذهب رسولهم إذا قام المتهجدون من الليل فيأتي بالماء من الغد صلاة العصر.

الْجِزْيَة

(الْجِزْيَة) خراج الأَرْض وَمَا يُؤْخَذ من أهل الذِّمَّة وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} (ج) جزى وجزى وَجَزَاء
الْجِزْيَة: بِالْكَسْرِ اسْم لما يُؤْخَذ من أهل الذِّمَّة وَالْجمع الجزي مثل اللِّحْيَة واللحى. وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَنَّهَا تجزي عَن الذِّمِّيّ أَي تقضي وتكفي عَن الْقَتْل فَإِنَّهُ إِذا قبلهَا سقط عَنهُ الْقَتْل.

ثمَّ اعْلَم أَن الْجِزْيَة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا تُوضَع بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْح فَلَا يعدل عَنْهَا. وَثَانِيهمَا: مَا وَضعه الإِمَام بالغلبة على الْكفَّار وتقريرهم على أملاكهم. وَللْإِمَام أَن يوضع على الْفَقِير المعتمل فِي كل سنة اثْنَي عشر درهما. وعَلى وسط الْحَال ضعفه وعَلى المكثر ضعفه. وَالصَّحِيح فِي معرفَة الْغَنِيّ وَالْوسط وَالْفَقِير عرف أهل بلد هُوَ فِيهِ فَمن عده النَّاس فَقِيرا أَو وسطا أَو غَنِيا فِي تِلْكَ الْبَلدة فَهُوَ كَذَلِك. وَاخْتلفُوا فِي مَعْرفَته هَؤُلَاءِ. قيل الْفَقِير المعتمل هُوَ الصَّحِيح الْقَادِر على الْكسْب المحــترف. وَالْوسط الَّذِي لَهُ ضيَاع وَيعْمل بِنَفسِهِ وَالَّذِي لَا حَاجَة لَهُ إِلَى عمله لِكَثْرَة أَمْوَاله وغلمانه فَهُوَ الْغَنِيّ. وَقَالَ عيس بن ابان رَحمَه الله الْفَقِير هُوَ الَّذِي يَأْخُذ من كَسبه وَلَا غلَّة لَهُ. فَإِن كَانَ لَهُ غلَّة إِلَّا أَنَّهَا لَا تزيد على نَفَقَته فَهُوَ وسط الْحَال. فَإِذا زَادَت عَلَيْهِ فَهُوَ غَنِي وَقَالَ الْكَرْخِي رَحمَه الله (الْفَقِير) هُوَ الَّذِي يملك مِائَتي دِرْهَم أَو أقل (وَالْوسط) هُوَ الَّذِي يملك فَوق الْمِائَتَيْنِ إِلَى عشرَة آلَاف دِرْهَم. (وَالْمُكثر) هُوَ الَّذِي ملكه فَوق عشرَة آلَاف دِرْهَم. وَقَالَ قَاضِي خَان رَحمَه الله وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد وَقَالَ نصر بن أبي سَلام يعْتَبر فِيهِ عرف النَّاس فَمن يعدونه غَنِيا فَهُوَ غَنِي وَمن يعدونه فَقِيرا فَهُوَ فَقير.

كِلِّزُ

كِلِّزُ:
بكسر أوله وثانيه، وآخره زاي، وأظنها قلّز التي تقدّم ذكرها: وهذه قرية من نواحي عزاز بين حلب وأنطاكية، جرى في هذه الناحية في أيامنا هذه شيء عجيب كنت قد ذكرت مثله في أخبار سدّ يأجوج ومأجوج وكنت مرتابا فيه ومقلّدا لمن حكاه فيه حتى إذا كان في أواخر ربيع الآخر سنة 619 شاع بحلب وأنا كنت بها يومئذ ثم ورد بصحته كتاب والي هذه الناحية أنهم رأوا هناك تنّينا عظيما في طول المنارة وغلظها أسود اللون وهو ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره فما مرّ على شيء إلا وأحرقه حتى إنه أتلف عدّة مزارع وأحرق أشجارا كثيرة من الزيتون وغيره وصادف في طريقه عدّة بيوت وخركاهات للتركمان فأحرقها بما فيها من الماشية والرجال والنساء والأطفال، ومرّ كذلك نحو عشرة فراسخ والناس يشاهدونه من بعد حتى أغاث الله أهل تلك النواحي بسحابة أقبلت من قبل البحر وتدلّت حتى اشتملت عليه ورفعته وجعلت تعلو قبل السماء والناس يشاهدون النار تخرج من قبله ودبره وهو يحرك ذنبه ويرتفع حتى غاب عن أعين الناس، قالوا: ولقد شاهدناه والسحابة ترفــعه وقد لفّ بذنبه كلبا فجعل الكلب ينبح وهو يرتفع، وكان قد أحرق في ممرّه نحو أربعمائة شجرة لوز وزيتون.

يَرْثُمُ

يَرْثُمُ:
بالفتح ثم السكون، والثاء المثلثة مضمومة، وميم، الرثم: الكسر، والرثم: الحصى المتكسر، ويرثم: جبل في ديار بني سليم، قال:
ترفّــع منها يرثم وتعمّرا

مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة

وَأما مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة: فَهِيَ قَضِيَّة جعلت جُزْء قِيَاس أَو حجَّة على تعدد الِاصْطِلَاح. فَقيل إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْقِيَاسِ. وَقيل إِنَّهَا غير مُخْتَصَّة بِهِ. بل يُقَال لكل قَضِيَّة جعلت جُزْء التَّمْثِيل والاستقراء أَيْضا. فالمقدمة فِي المباحث القياسية تطلق على مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة. والمقدمة بِهَذَا الْمَعْنى أخص من مُقَدّمَة الدَّلِيل لِأَنَّهَا عبارَة عَمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة الدَّلِيل أَعم من أَن يكون جُزْءا مِنْهُ كالصغرى والكبرى. أَولا كشرائط الْأَدِلَّة - فالمقدمة بِهَذَا الْمَعْنى متناولة لتِلْك الْقَضِيَّة وشرائط الْأَدِلَّة أَيْضا كإيجاب الصُّغْرَى وفعليتها وكلية الْكُبْرَى فِي الشكل الأول مثلا. فمقدمة الدَّلِيل أَعم من مُقَدّمَة الْقيَاس وَالْحجّة - والمقدمة فِي أَوَائِل الْكتب كثيرا مَا تطلق على مُقَدّمَة الْكتاب - وَفِي المباحث القياسية على مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة كَمَا عرفت وَفِي مبَاحث آدَاب المناظرة على مُقَدّمَة الدَّلِيل.
وَاعْلَم أَن الْمُقدمَة إِمَّا بِكَسْر الدَّال أَو فتحهَا أما كسرهَا فعلى أَنَّهَا من قدم بِمَعْنى تقدم أَي من التَّقْدِيم اللَّازِم قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} . وَأما فتحهَا فعلى أَنَّهَا من قدم من التَّقْدِيم الْمُتَعَدِّي -
والمقدمة بِكَسْر الدَّال إِنَّمَا تطلق على الإدراكات أَو الْأَلْفَاظ أَو الْجَمَاعَة من الْجَيْش لِأَنَّهَا بأنفسها مُسْتَحقَّة التَّقْدِيم. وَلما كَانَت مُسْتَحقَّة التَّقْدِيم بِالذَّاتِ قدمت فِي الذّكر فصح إِطْلَاق الْمُقدمَة بِالْفَتْح عَلَيْهَا أَيْضا. فَإِن قيل فتح الدَّال أحسن من كسرهَا أَو بِالْعَكْسِ أَو هما متساويان. قلت قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي الْفَائِق: إِن الْمُقدمَة بِفَتْح الدَّال خلف من القَوْل انْتهى. أَي قَول بَاطِل لِأَن فِي الْفَتْح إِيهَام أَن تقدم هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْجعل وَالِاعْتِبَار دون الِاسْتِحْقَاق الذاتي وَلَيْسَ كَذَلِك بل بِحَسب الذَّات. وَقَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن الْفَتْح ظَاهر بِحَسب الْمَعْنى. أَقُول بِحَسب اللَّفْظ أَيْضا فَإِن إِطْلَاق الْمُقدمَة بِالْكَسْرِ على مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَة فِيمَا بَينهم من مُقَدّمَة الْجَيْش ومقدمة الْعلم ومقدمة الْكتاب مُحْتَاج إِلَى تكلّف - أما فِي اللَّفْظ بِأَن يَجْعَل مُشْتَقَّة من التَّقْدِيم بِمَعْنى التَّقَدُّم وَهُوَ قَلِيل نَادِر. وَأما فِي الْمَعْنى بِأَن يعْتَبر تقدم الْأُمُور الْمَذْكُورَة بِنَفسِهَا كَمَا حققناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي هَذَا الْفَاضِل على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على تَهْذِيب الْمنطق.
وَاعْلَم أَن مُحرز قصبات السَّبق فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول جَامع الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول عبيد الله بن مَسْعُود بن تَاج الشَّرِيعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ ذكر أَربع مُقَدمَات فِي مَبْحَث الْحسن والقبح. وَحَاصِل.

الْمُقدمَة الأولى: أَن الْفِعْل يُطلق على الْمَعْنى المصدري وعَلى الْحَاصِل بِهِ - وَالْأول أَمر اعتباري لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج لوجوه ثَلَاثَة اثْنَان مِنْهَا برهانيان وَالثَّالِث إلزامي على الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ بِمَا اعْــترف من أَن التكوين لَيْسَ من الصِّفَات الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَهُوَ معنى مصدري.

والمقدمة الثَّانِيَة: حاصلها أَن الْمُمكن يجب وجوده عِنْد جملَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وَإِلَّا لزم المحذورات.

والمقدمة الثَّالِثَة: حاصلها أَنه لَا بُد أَن يدْخل فِي جملَة مَا يجب عِنْد وجود الْحَادِث أُمُور لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة كالأمور الإضافية مثل الْإِيقَاع وَهُوَ القَوْل بِالْحَال وَهُوَ صفة لموجود لَيست بموجودة وَلَا مَعْدُومَة وَتلك الْأُمُور مُمكنَة الصُّدُور فَيجب استنادها إِلَى عِلّة لَا محَالة لَكِن لَا بطرِيق الْوُجُوب وَإِلَّا لزم إِمَّا قدم الْعَالم وَإِمَّا انْتِفَاء الْوَاجِب تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا بل بطرِيق الِاخْتِيَار.

والمقدمة الرَّابِعَة: حاصلها أَن الرجحان بِلَا مُرَجّح أَي الْوُجُود بِلَا موجد بَاطِل وَكَذَا التَّرْجِيح من غير مُرَجّح أَي الإيجاد بِلَا موجد لَكِن تَرْجِيح أحد المساويين أَو الْمَرْجُوح وَاقع.

الْمُقدمَة الغريبة: هِيَ الَّتِي لَا تكون مَذْكُورَة فِي الْقيَاس لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ كَمَا فِي قِيَاس الْمُسَاوَاة كَمَا إِذا قُلْنَا (أ) مسَاوٍ (لب) و (ب) مسَاوٍ (لج) - ينْتج أَن (أ) مسَاوٍ (لج) - بِوَاسِطَة مُقَدّمَة غَرِيبَة وَهِي كل مسَاوٍ لمساوي شَيْء مسَاوٍ لذَلِك الشَّيْء.

الْكِنَايَة

(الْكِنَايَة) (فِي علم الْبَيَان) لفظ أُرِيد بِهِ لَازم مَعْنَاهُ مَعَ جَوَاز إِرَادَة الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لعدم وجود قرينَة مَانِعَة من إِرَادَته وَهِي أَنْوَاع
1 - كِنَايَة عَن مَوْصُوف نَحْو أمة الدولار أمريكا الناطقين بالضاد الْعَرَب أَو الْمُتَكَلِّمين بِالْعَرَبِيَّةِ
2 - كِنَايَة عَن صفة نَحْو نظافة الْيَد الْعِفَّة وَالْأَمَانَة
3 - كِنَايَة عَن نِسْبَة صفة لموصوف نَحْو الذكاء ملْء عين هَذَا الرجل فَكل من الصّفة (الذكاء) والموصوف (الرجل) مَذْكُور وَالْمرَاد أَن الرجل يَتَّصِف بِصفة الذكاء
الْكِنَايَة: عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: الْمَعْنى المصدري الَّذِي هُوَ فعل الْمُتَكَلّم أَعنِي ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم مَعَ جَوَاز إِرَادَة اللَّازِم أَيْضا فاللفظ يكنى بِهِ وَالْمعْنَى مكنى عَنهُ. وَالثَّانِي: اللَّفْظ الَّذِي أُرِيد لَازم مَعْنَاهُ مَعَ جَوَاز إِرَادَة ذَلِك الْمَعْنى مَعَ لَازمه كَلَفْظِ طَوِيل النجاد وَالْمرَاد بِهِ لَازم مَعْنَاهُ أَعنِي طَوِيل الْقَامَة مَعَ جَوَاز أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة طول النجاد أَيْضا وَمثل فلَان كثير الرماد وجبان الْكَلْب ومهزول الفصيل أَي كثير الضَّيْف. وَقد عرفت الْفرق بَين الْمجَاز وَالْكِنَايَة فِي الْمجَاز بِأَنَّهُ لَا بُد فِي الْمجَاز من قرينَة مَانِعَة عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ بِخِلَاف الْكِنَايَة فَإِنَّهُ لَا يجوز فِي قَوْلنَا رَأَيْت أسدا يَرْمِي مثلا أَن يُرَاد بالأسد الْحَيَوَان المفترس. وَيجوز فِي طَوِيل النجاد أَن يُرَاد لَازم مَعْنَاهُ أَعنِي طَوِيل الْقَامَة مَعَ إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ أَعنِي طول النجاد.
والسكاكي فرق بَين الْكِنَايَة وَالْمجَاز بِأَن الِانْتِقَال فِي الْكِنَايَة يكون من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم كالانتقال من طول النجاد الَّذِي هُوَ لَازم لطول الْقَامَة إِلَيْهِ والانتقال فِي الْمجَاز يكون من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم كالانتقال من الْغَيْث الَّذِي هُوَ ملزوم النبت إِلَى النبت وَمن الْأسد الَّذِي هُوَ ملزوم الشجاع إِلَى الشجاع. وَهَذَا الْفرق يَنْبَغِي أَن يوضع على الْفرق تَحت الْمِيزَاب حَتَّى يحصل لَهُ الْفرق لِأَن اللَّازِم مَا لم يكن ملزوما لم ينْتَقل مِنْهُ لِأَن اللَّازِم من حَيْثُ إِنَّه لَازم يجوز أَن يكون أَعم من الْمَلْزُوم وَلَا دلَالَة للعام على الْخَاص بل إِنَّمَا يكون ذَلِك على تَقْدِير تلازمهما وتساويهما وَإِذا كَانَ اللَّازِم ملزوما يكون الِانْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم كَمَا فِي الْمجَاز فَلَا يتَحَقَّق الْفرق. والسكاكي قد اعْــترف بِأَنَّهُ مَا لم تكن الْمُسَاوَاة بَين اللَّازِم والملزوم أَي الْمُلَازمَة لَا يُمكن الِانْتِقَال والانتقال حِينَئِذٍ من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم يكون بِمَنْزِلَة الِانْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم.
وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْكِنَايَة كل مَا استتر المُرَاد مِنْهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ ظَاهرا فِي اللُّغَة سَوَاء كَانَ المُرَاد مِنْهُ الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز فَيكون تردد فِيمَا أُرِيد بِهِ فَلَا بُد من النِّيَّة أَو مَا يقوم مقَامهَا من دلَالَة الْحَال كَحال مذاكرة الطَّلَاق ليزول التَّرَدُّد وَيتَعَيَّن المُرَاد.
وَاعْلَم أَن كنايات الطَّلَاق مثل أَنْت بَائِن أَنْت حرَام يُطلق عَلَيْهَا لفظ الْكِنَايَة مجَازًا لَا حَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة الْكِنَايَة مَا استتر المُرَاد بِهِ ومعاني هَذِه الْأَلْفَاظ ظَاهِرَة غير مستترة لَكِنَّهَا شابهت الْكِنَايَة من جِهَة الْإِبْهَام فِيمَا يتَعَلَّق بمعانيها فَإِن الْبَائِن مثلا مَعْنَاهُ ظَاهر غير مستتر وَهُوَ الْبَيْنُونَة لَكِنَّهَا مُبْهمَة من حَيْثُ متعلقها فَإِنَّهُ لَا يعلم أَن الْبَيْنُونَة إِمَّا عَن النِّكَاح أَو غَيره فَالنِّكَاح وَغَيره من متعلقات الْبَيْنُونَة. وَالْكِنَايَة عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ أَن يعبر عَن شَيْء لفظا كَانَ أَو معنى بِلَفْظ غير صَرِيح فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض كالإبهام على السَّامع نَحْو جَاءَنِي فلَان أَو لنَوْع فصاحة نَحْو فلَان كثير الرماد انْتهى.

كَانَ

(كَانَ)
كينا خضع وذل
(كَانَ)
الشَّيْء كونا وكيانا وكينونة حدث فَهُوَ كَائِن وَالْمَفْعُول مكون وَكَانَ لَهَا ثَلَاث حالات
الأولى أَن تكون من الْأَفْعَال الَّتِي ترفــع الِاسْم وتنصب الْخَبَر وَتسَمى حِينَئِذٍ نَاقِصَة نَحْو كَانَ زيد قَائِما ثَبت لَهُ قيام فِي الزَّمَان الْمَاضِي وتفيد الدَّوَام أَو الِانْقِطَاع بِقَرِينَة وَمن مَعَانِيهَا أَنَّهَا تَأتي
1 - بِمَعْنى صَار كَمَا فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وسيرت الْجبَال فَكَانَت سرابا} و {وَكَانَت الْجبَال كثيبا مهيلا} و {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان}
2 - وَبِمَعْنى الِاسْتِقْبَال كَمَا فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا}
3 - وَبِمَعْنى الْحَال كَمَا فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس}
4 - وَبِمَعْنى اتِّصَال الزَّمَان من غير انْقِطَاع مثل {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} لم يزل على ذَلِك
الثَّانِيَة أَن تكتفي بِالِاسْمِ وَتسَمى حِينَئِذٍ تَامَّة وَتَكون بِمَعْنى (ثَبت) كَقَوْلِهِم (كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه) أَو بِمَعْنى (وَقع) مثل (مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن)
3 - الثَّالِثَة أَن تكون زَائِدَة للتوكيد فِي وسط الْكَلَام وَآخره وَلَا تزاد فِي أَوله فَلَا تعْمل وَلَا تدل على حدث وَلَا زمَان نَحْو قَوْلك زيد كَانَ منطلق وَزيد منطلق كَانَ وَمَعْنَاهُ زيد منطلق وَلَا تزاد إِلَّا بِلَفْظ الْمَاضِي وندر زيادتها بِلَفْظ الْمُضَارع فِي قَول أم عقيل بن أبي طَالب
(أَنْت تكون ماجد نبيل ... إِذا تهب شمأل بلَيْل)
وَيُقَال دخل الْأَمر فِي خبر كَانَ مضى وَكَانَ على فلَان كَذَا كونا وكيانا تكفل بِهِ
و (لَا يكون) من أَفعَال الِاسْتِثْنَاء تَقول جَاءَ الْقَوْم لَا يكون زيدا وَاسْمهَا ضمير دَائِما كانك قلت لَا يكون الْآتِي زيدا
كَانَ: بتَخْفِيف النُّون الْمَفْتُوحَة تكون نَاقِصَة تَارَة فَتكون محتاجة إِلَى الْغَيْر وتامة أُخْرَى فَلَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَتَكون بِمَعْنى ثَبت وَوجد يَعْنِي يكون حِينَئِذٍ حَاصِل مَعْنَاهُ ثَبت وَوجد فَلَا يردان كَون كَانَ بِمَعْنى ثَبت مُسلم. وَأما كَونه بِمَعْنى وجد فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ مَعْرُوف وَوجد مَجْهُول وَبَينهمَا مباينة فَلَا يَصح أَن يُفَسر أَحدهمَا بِالْآخرِ وَكَانَ ممتاز عَن سَائِر الْأَفْعَال لِأَن دلَالَته على الزَّمَان الْمَاضِي لَا تنفك عَنهُ أبدا لقُوَّة دلَالَته على الْمُضِيّ - أَلا ترى أَن كثيرا من النُّحَاة ذكرُوا أَنه إِذا أُرِيد إبْقَاء معنى الْمَاضِي مَعَ أَن جعل الشَّرْط لفظ كَانَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ قَمِيصه قد من قبل} . فَإِن قيل مَا وَجه قُوَّة دلَالَته على الْمُضِيّ وَعدم انفكاكه عَنهُ. قُلْنَا سَائِر الْأَفْعَال تدل على الْحَدث وَالزَّمَان وَالنِّسْبَة إِلَى فَاعل مَا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فبضاعة الْأَفْعَال مَجْمُوع هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة. وَلما كَانَ الْحَدث الْمُطلق الَّذِي هُوَ مَدْلُول كَانَ يُسْتَفَاد من خَبره صَار الْحَدث الْمَذْكُور مسلوبا عَنهُ فَكَانَت النِّسْبَة إِلَى فَاعل مَا أَيْضا مسلوبة عَنهُ فتمحض وتلخص للزمان الْمَاضِي فَلم يجوزوا عِنْد حرف الشَّرْط سلب الزَّمَان الْمَاضِي عَنهُ الَّذِي بَقِي من بضاعته تَحَرُّزًا عَن الظُّلم والجور وترحما على ذلة حَاله وَقلة مَاله فَلَا يَنْفَكّ دلَالَته على الزَّمَان الْمَاضِي. حُكيَ أَن رجلا أرسل خادمه إِلَى رجلَيْنِ أعورين استخبارا عَن حَالهمَا فَأخْبر عَنْهُمَا بِأَنَّهُ قَالَ كَانَا يأكلان الطَّعَام وَلَا يخفى لطفه على الْهِنْدِيّ.
وَاعْلَم أَن رجلا كَانَ فِي الْهِنْد اسْمه كَانَ وَله أَسمَاء شَتَّى عِنْد البراهمة كالكشن وَغير ذَلِك وولادته فِي متهراونشوه ونماؤه فِي (كوكل) وكل مِنْهُمَا اسْم معمورة فِي الْهِنْد بَينهمَا وَبَين الدهلي مَسَافَة أَرْبَعِينَ فرسخا. قيل إِنَّه كَانَ صَاحب الاستدراج وَالْكفَّار يعتقدونه ويذكرون لَهُ خوارق الْعَادَات وَكَانَ أسود اللَّوْن سوادا شَدِيدا. قيل إِنَّه كَانَ نَبيا وتمسكوا فِي ذَلِك بِمَا فِي تَفْسِير المدارك فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {مِنْهُم من قَصَصنَا عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك} . وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعث الله نَبيا أسود فَهُوَ لم يذكر قصَّته فِي الْقُرْآن. أَقُول لَا نَص فِيهِ على أَن ذَلِك الْأسود هُوَ كَانَ الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون غير كَانَ المسطور. وَسمعت عَن من لَا وثوق عَلَيْهِ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَو كَانَ نَبيا فِي الْهِنْد لَكَانَ أسود. فعلى تَقْدِير صِحَّته وَكَون المُرَاد بالأسود هُوَ كَانَ يعلم إِن كَانَ لم يكن نَبيا بل إيمَانه مَشْكُوك بل مَرْجُوح. قيل: سُئِلَ عَن إيمَانه عَن مَعْدن اللطائف الأنسية - مخزن المعارف القدسية أَمِير خسرو الدهلوي رَحْمَة الله عَلَيْهِ وعَلى مرشده سُلْطَان الْمَشَايِخ نظام الْملَّة وَالدّين الدهلوي البداوني فَأجَاب. (رنكك درونش شده بيرون نشين ... كفت خدا كَانَ من الْكَافرين)
وَلِهَذَا الْكَلَام عِنْد ذَوي الإفهام معَان وَلكُل وجهة هُوَ موليها لَا نتعرض بذكرها خوفًا عَن الإطناب وَهُوَ ملهم الصدْق وَالصَّوَاب.

الْفَاتِحَة

(الْفَاتِحَة) من الْكتاب الْكَرِيم سُورَة الْحَمد وفاتحة كل شَيْء أَوله ومبتدؤه (ج) فواتح
الْفَاتِحَة: سُورَة الْفَاتِحَة وَابْتِدَاء كل شَيْء - فِي بُسْتَان أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي من قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو الْخَتْم بنية الْمَيِّت فِي يَوْم الْجُمُعَة يشوش روح الْمَيِّت لِأَن الْأَرْوَاح ترفــع إِلَى مَا تَحت الْعَرْش يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى الظّهْر ويسجدون لله تَعَالَى وَيصلونَ مَعَ جمَاعَة الْمَلَائِكَة فَإِذا قرئَ الْفَاتِحَة أَو الْخَتْم قبل صلَاتهَا ترجع الْأَرْوَاح إِلَى الْقَارئ وتلعنه إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.