Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: تحقيق

المعقّد

المعقّد:
[في الانكليزية] Calligramme
[ في الفرنسية] Calligramme
على صيغة اسم المفعول من التعقيد وهو عند الشّعراء عبارة عن بيت يكتبه الشّاعر على شكل عقدة. وهذا داخل في الموشّح. كذا في مجمع الصنائع. المعقود:
[في الانكليزية] Incommensurable number
[ في الفرنسية] Nombre incommensurable
عند المحاسبين هو العدد الأصمّ ويسمّى أصمّ الجذر أيضا وهو عدد لا يكون له جذر تحقيقــا بل تقريبا كالإثنين والثلاثة، كذا في بعض شروح خلاصة الحساب.

سمت القبلة

سمت القبلة:
[في الانكليزية] Zenith of the Mecca
[ في الفرنسية] enith de la Mecque
عندهم نقطة من الأفق إذا واجهها الإنسان كان مواجها للقبلة. وأمّا قوس سمت القبلة للبلد وقد تسمّى بقوس انحراف سمت القبلة أيضا، وبانحراف سمت القبلة أيضا. وقد يطلق سمت القبلة على هذه القوس أيضا على ما ذكره القاضي الرومي. فقوس من دائرة الأفق فيما بين دائرة نصف النهار والدائرة المارة بسمت رءوس أهل البلد ورءوس أهل مكة؛ فنقول: البلد بالقياس إلى مكة شرّفها الله إن كان شماليا فقط أو جنوبيا فقط، فهما تحت نصف نهار واحد، فيتوجه المصلّي على الأول إلى نقطة الجنوب وعلى الثاني إلى نقطة الشمال. فنقطتا الشمال والجنوب هما سمت القبلة، وليس هاهنا للبلد قوس سمت القبلة. وإن كان البلد شرقيا عنها أو غربيا فقط أو واقعا عنها بين الشرق والشمال أو الشرق والجنوب تفرض هناك دائرة عظيمة تمرّ بسمتي رأس أهل البلد ومكة وتقاطع أفق على نقطتين غير نقطتي الشمال والجنوب، فتنحصر قوس من الأفق بين إحداهما وبين إحدى نقطتي الشمال والجنوب فتلك القوس هي سمت القبلة للبلد لأنّ المصلي يجب أن ينحرف عن نقطة الجنوب أو الشمال بمقدار تلك القوس ليكون مواجها للقبلة، هكذا ذكر السيد الشريف في شرح الملخص. قال عبد العلي البرجندي في حاشية الچغمني: هكذا وقع في كتب الهيئة من غير تعيين أنّ هذه القوس من أي ربع من أرباع الأفق تؤخذ. والــتحقيق أنّ مكة إن كانت غربية عن البلد وكان طولها أقل من طوله. فإن وقعت نقطة تقاطع الدائرة السمتية في الربع الغربي الجنوبي كانت قوس السمت من ذلك الربع مبتدأة من نقطة الجنوب. وإن وقعت في الغربي الشمالي كانت قوس السّمت منه مبتدأة من نقطة الشمال. وإن كان طول مكة أكثر من طوله كانت نقطة تقاطع السمتية في الجانب الشرقي ومبدأ السّمت على قياس ما مرّ. وإن كان طول مكة مثل طول البلد لا يكون للبلد سمت قبلة بهذا المعنى. وقال في شرح العشرين بابا: خط سمت القبلة هو فصل مشترك بين سطح الأفق الحسّي والدائرة العظيمة التي هي بسمت رأس مكّة، والمارّ برأس بلد مفترض.
وسمت القبلة هو نقطة التقاطع لهذه الدائرة مع أفق ذلك البلد الذي هو في جهة مكة. وانحراف سمت القبلة هو قوس من دائرة أفق واقفة ما بين خط سمت القبلة وخط نصف النهار، وذلك بشرط ألّا يزيد على الربع. وأمّا خطّ نصف النهار فهو فصل مشترك ما بين سطح الأفق الحسّي ودائرة نصف النهار.

الدّلالة

الدّلالة:
[في الانكليزية] Semantic
[ في الفرنسية] Semantique
بالفتح هي على ما اصطلح عليه أهل الميزان والأصول والعربية والمناظرة أن يكون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر هكذا ذكر الچلپي في حاشية الخيالي في بحث خبر الرسول، والشيء الأوّل يسمّى دالا والشيء الآخر يسمّى مدلولا. والمراد بالشيئين ما يعمّ اللفظ وغيره فتتصور أربع صور. الأولى كون كلّ من الدّال والمدلول لفظا كأسماء الأفعال الموضوعة لألفاظ الأفعال على رأي. والثانية كون الدّال لفظا والمدلول غير لفظ كزيد الدّال على الشخص الإنساني. والثالثة عكس الثانية كالخطوط الدّالة على الألفاظ. والرابعة كون كلّ منهما غير لفظ كالعقود الدّالة على الأعداد.
والمراد بالعلمين الإدراك المطلق الشامل للتصوّر والتصديق اليقيني وغيره فتتصور أربع صور أخرى. الأولى أن يلزم من تصوّر الدال تصوّر المدلول. الثانية أن يلزم من التصديق به التصديق بالمدلول. الثالثة أن يلزم من تصوّره التصديق بالمدلول. الرابعة عكس الثالثة.
والمراد بالشيء الآخر ما يغاير الشيء الأول بالذات كما في الأمثلة السابقة أو بالاعتبار كما في النار والدّخان، فإنّ كلا منهما دال على الآخر ومدلول له. واللزوم إن أريد به اللزوم في الجملة يصير هذا التعريف تعريفا على مذهب أهل العربية والأصول فإنّهم يكتفون باللزوم في الجملة، ولا يعتبرون اللزوم الكلّي فيرجع محصّل التعريف عندهم إلى أنّ الدّلالة كون الشيء بحالة يلزم أي يحصل من العلم به العلم بشيء آخر ولو في وقت. وما قيل إنّ الدلالة عندهم كون الشيء بحيث يعلم منه شيء آخر، فالمراد منه كونه بحيث يحصل من العلم به العلم بشيء آخر في الجملة لأنّه المتبادر من علم شيء من شيء عرفا، فلا يتوجّه أنّه لا يصدق على دلالة أصلا، إذ لا يحصل العلم بالمدلول من نفس الدال، بل من العلم به. وإن أريد به اللزوم الكلّي بمعنى امتناع انفكاك العلم بالشيء الثاني من العلم بالشيء الأول في جميع أوقات تحقّق العلم بالشيء الأول وعلى جميع الأوضاع الممكنة الاجتماع معه يصير تعريفا على مذهب أهل الميزان، إذ المعتبر عندهم هو الدلالة الكلّية الدائمة والمعتبر فيه اللزوم بالمعنى المذكور.
وبالجملة أهل الميزان والأصول وغيرهم متفقون في هذا التفسير وإن اختلفوا في معناه، وهذا مراد الفاضل الچلپي.

فإن قيل: قوله يلزم صفة لقوله حالة وليس فيه عائد يعود إلى الحالة مع أنّ الصفة إذا كانت جملة يلزم فيها من عائد إلى الموصوف، والقول بالتقدير تكلّف. قلنا: العائد لا يجب أن يكون ضميرا بل كون الجملة مفسّرة للموصوف يكفي عائدا إذ المقصود هو الربط وبه يحصل ذلك.
وأورد على تعريف المنطقيين أنّه لا يكاد يوجد دال يستلزم العلم به العلم بشيء آخر بل هو مخيّل في نفسه. وأجيب بأنّ المراد اللزوم بعد العلم بالعلاقة أي بوجه الدلالة أعني الوضع واقتضاء الطبع والعليّة والمعلولية، أو بوجه القرينة كما في دلالة اللفظ على المعنى المجازي، إلّا أنّه ترك ذكر هذا القيد لشهرة الأمر فيما بينهم، ولكون هذا القيد معتبرا عندهم. قال صاحب الأطول: الصحيح عندهم أن يقال الدلالة كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر عند العلم بالعلاقة، وحينئذ لا بدّ من حمل العلم على الالتفات والتوجّه قصدا حتى لا يلزم تحصيل الحاصل وفهم المفهوم فيما إذا كان المدلول معلوما عند العلم بالدال. ولا يرد أنّ بعض المدلولات قد يكون ملتفتا إليه عند الالتفات إلى الدال، فلا يتحقّق اللزوم الكلّي في الالتفات أيضا وإلّا لزم التفات الملتفت، لأنّا لا نسلّم ذلك لامتناع الالتفات إلى شيئين في زمان واحد. وهاهنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب، فإن شئت الوقوف عليها فارجع إلى كتب المنطق.
التقسيم
الدلالة تنقسم أولا إلى اللفظية وغير اللفظية، لأنّ الدال إن كان لفظا فالدلالة لفظية، وإن كان غير اللفظ فالدلالة غير لفظية. وكل واحدة من اللفظية وغير اللفظية تنقسم إلى عقلية وطبيعية ووضعية. وحصر غير اللفظية في الوضعية والعقلية على ما وقع من السّيد السّند ليس على ما ينبغي، كيف وأمثلة الطبعية الغير اللفظية كدلالة قوّة حركة النبض على قوة المزاج وضعفها على ضعفه، وأمثالها كنار على علم هذا هو المشهور. ويمكن تقسيم الدلالة أولا إلى الطبيعية والعقلية والوضعية، ثم يقسم كل منهما إلى اللفظية وغير اللفظية، هكذا ذكر الصادق الحلوائي في حاشية الطيبي. فالدلالة العقلية هي دلالة يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة ذاتية ينتقل لأجلها منه إليه. والمراد بالعلاقة الذاتية استلزام تحقّق الدال في نفس الأمر تحقّق المدلول فيها مطلقا سواء كان استلزام المعلول للعلة كاستلزام الدّخان للنار أو العكس كاستلزام النار للحرارة أو استلزام أحد المعلولين للآخر كاستلزام الدخان الحرارة، فإنّ كليهما معلولان للنار. وتطلق العقلية أيضا على الدلالة الالتزامية وعلى التضمنية أيضا كما سيجيء. والدلالة الطبيعية دلالة يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة طبيعية ينتقل لأجلها منه إليه. والمراد من العلاقة الطبيعية إحداث طبيعة من الطبائع سواء كانت طبيعة اللافظ أو طبيعة المعنى أو طبيعة غيرها عروض الدّال عند عروض المدلول كدلالة أح أح على السعال وأصوات البهائم عند دعاء بعضها بعضا، وصوت استغاثة العصفور عند القبض عليه، فإنّ الطبيعة تنبعث بإحداث تلك الدوال عند عروض تلك المعاني، فالرابطة بين الدّال والمدلول هاهنا هو الطبع، هكذا في الحاشية الجلالية وحاشية لأبي الفتح. وفي شرح المطالع الدلالة الطبيعية اللفظية هي ما يكون بحسب مقتضى الطبع. قال السّيد الشريف في حاشيته أراد به طبع اللافظ فإنّه يقتضي تلفظه بذلك اللفظ عند عروض المعنى له. ويحتمل أن يراد به طبع معنى اللفظ لأنّه يقتضي التلفظ به. وأن يراد به طبع السامع فإنّ طبعه يتأدّى إلى فهم ذلك المعنى عند سماع اللفظ لا لأجل العلم بالوضع.
قال المولوي عبد الحكيم الطبع والطبيعة والطّباع بالكسر في اللغة السّجيّة التي جبل عليها الإنسان. وفي الاصطلاح يطلق على مبدأ الآثار المختصّة بالشيء سواء كان بشعور أو لا؛ وعلى الحقيقة فإن أريد طبع اللافظ فالمراد به المعنى الأوّل فإن صورته النوعية أو نفسه يقتضي التلفّظ به عند عروض المعنى. وإن أريد طبع معنى اللفظ أي مدلوله فالمراد به المعنى الثاني. وإن أريد طبع السامع فالمراد به مبدأ الإدراك أي النفس الناطقة أو العقل انتهى.
ثم اعلم أنّه لا يقدح في الدلالة الطبيعية وجود دلالة عقلية مستندة إلى علاقة عقلية لجواز اجتماع الدلالتين باعتبار العلاقتين، بل ربّما يجتمع الدلالات الثلاث باعتبار العلاقات الثلاث كما إذا وضع لفظ أح أح للسعال، بل نقول كل علاقة طبيعية تستلزم علاقة عقلية، لأنّ إحداث الطبيعة عروض الدال عند عروض المدلول إنّما يكون علاقة للدلالة الطبيعية باعتبار استلزم تحقّق الدّال تحقّق المدلول على وجه خاص، لكن الدلالة المستندة إلى استلزام الدّال للمدلول بحسب نفس الأمر مطلقا مع قطع النظر عن خصوص المادة دلالة عقلية والدلالة المستندة إلى الاستلزام المخصوص بحسب مادة الطبيعة طبيعية فلا إشكال. نعم يتّجه على ما ذكروه في العلاقة الطبيعية من إحداث الطبيعية عروض الدّال عند عروض المدلول أنّه إنما يدلّ على استلزام المدلول للدّال وهو غير كاف في الدلالة عندهم، لجواز أن يكون اللازم أعمّ، بل لا بدّ من استلزام الدال للمدلول وإلّا لكان مطلق لفظ أح أح مثلا دالا على السعال أينما وقع وكيف وقع وهو باطل، بل الدّال عليه هو ذلك اللفظ بشرط وقوعه على وجه مخصوص يستلزم السعال. اللهم إلّا أن يقال المراد عند عروض المدلول فقط أي حصول الدال الذي هو على وجه إحداث الطبيعة عند حصول المدلول فقط. وحاصله استلزام الدّال للمدلول بطريق مخصوص وفيه بعد لا يخفى.
قيل حصر الدلالة الطبيعية في اللفظية كما اختاره السّيد الشّريف منقوض بدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل وحركة النبض على المزاج المخصوص منها. قال المولوي عبد الحكيم ولعلّ السّيد الشريف أراد أن تحقّقها للّفظ قطعي، فإنّ لفظة أح لا تصدر عن الوجع، وكذا الأصوات الصادرة عن الحيوانات عند دعاء بعضها بعضا لا تصدر عن الحالات العارضة لها، بل إنّما تصدر عن طبيعتها بخلاف ما عدا اللفظ فإنّه يجوز أن تكون تلك العوارض منبعثة عن الطبيعة بواسطة الكيفيات النفسانية والمزاج المخصوص فتكون الدلالة طبيعية ويجوز أن تكون آثار النفس تلك الكيفيات والمزاج المخصوص فلا يكون للطبيعة مدخل في تلك الدلالة فتكون عقلية.
قال الصادق الحلوائي في حاشية الطيبي وقد يقال الظاهر أنّ تسمية الدّال بمدخلية الطبع طبعية على قياس أخويها لا طبيعية. ويجاب بأنّ الطّبع مخفف الطبيعة، فروعي في النسبة حال الأصل.
والدلالة الوضعية دلالة يجد العقل بين الدّال والمدلول علاقة الوضع ينتقل لأجلها منه إليه. والحاصل أنّها دلالة يكون للوضع مدخل فيها على ما ذكروا فتكون دلالة التضمّن والالتزام وضعية، وكذا دلالة المركّب ضرورة أنّ لأوضاع مفرداته دخلا في دلالته، ودلالة اللفظ على المعنى المجازي داخلة في الوضعية لأنها مطابقة عند أهل العربية، لأنّ اللفظ مع القرينة موضوع للمعنى المجازي بالوضع النوعي كما صرّحوا به. وأمّا عند المنطقيين فإن تحقّق اللزوم بينهما بحيث يمتنع الانفكاك فهي مطابقة وإلّا فلا دلالة على ما صرّح به السّيد الشريف في حاشية شرح المطالع. والمبحوث عنها في العلوم هي الدلالة الوضعية اللفظية، وهي عند أهل العربية والأصول كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم المعنى منه للعلم بالوضع. وعند المنطقيين كونه بحيث كلّما أطلق فهم المعنى للعلم بالوضع.
وتعريفها بفهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع ليس كما ينبغي لأنّ الفهم صفة السامع والدلالة صفة اللفظ فلا يصدق التعريف على دلالة ما.
وأجيب بأنّا لا نسلّم أنّه ليس صفة اللفظ، فإنّ معنى فهم السامع المعنى من اللفظ انفهمامه منه هو معنى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى.
غاية ما في الباب أنّ الدلالة مفردة يصحّ أن يشتقّ منه صفة تحمل على اللفظ كالدال. وفهم المعنى من اللفظ وانفهمامه منه مركّب لا يمكن اشتقاقه منه إلّا برابط مثل أن يقال اللفظ منفهم منه المعنى. ألا ترى إلى صحة قولنا اللفظ متّصف بانفهام المعنى منه كما أنّه متّصف بالدلالة نعم كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى أوضح في المقصود، فاختياره أحسن وأولى.
وأجيب أيضا بأنّ هاهنا أمورا أربعة الأول اللفظ. والثاني المعنى. والثالث الوضع وهو إضافة بينهما أي جعل اللفظ بإزاء المعنى عل معنى أنّ المخترع قال إذا أطلق هذا اللفظ فافهموا هذا المعنى. والرابع إضافة ثانية بينهما عارضة لهما بعد عروض الإضافة الأولى وهي الدلالة. فإذا نسبت إلى اللفظ قيل إنّه دال على معنى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى العالم بالوضع عند إطلاقه، وإذا نسبت إلى المعنى قيل إنّه مدلول هذا اللفظ بمعنى كون المعنى منفهما عند إطلاقه، وكلا المعنيين لازمان لهذه الإضافة فأمكن تعريفها بأيّهما كان. بقي أنّ الدلالة ليست كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الإطلاق، بل كونه بحيث يفهم منه المعنى العالم بالوضع عند حضور اللفظ عنده سواء كان بسماعه أو بمشاهدة الخطّ الدال عليه أن يتذكّره. فالصحيح الأخصر أن يقال هي فهم العالم بالوضع المعنى من اللفظ.
تقسيم
الدلالة الوضعية في الأطول مطلق الدلالة الوضعية إمّا على تمام ما وضع له وتسمّى دلالة المطابقة بالإضافة وبالدلالة المطابقية بالتوصيف أيضا كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق. وإمّا على جزئه أي جزء ما وضع له وتسمّى دلالة التضمّن بالإضافة وبالدلالة التضمّنية بالتوصيف أيضا كدلالة الإنسان على الحيوان أو الناطق. وإمّا على خارج عنه أي عمّا وضع له وتسمّى دلالة الالتزام والدلالة الالتزامية أيضا كدلالة الإنسان على الضاحك، إلّا أنّهم خصّوا هذا التقسيم بدلالة اللفظ الموضوع لأنّ الدلالة الوضعية الغير اللفظية على الجزء أو الخارج في مقام الإفادة غير مقصودة في العادة لأنّه لا يستعمل الخط ولا العقد ولا الإشارة في جزء المعنى ولا لازمه، وكذا دلالة الخط على أجزاء الخط موضوعة بإزاء جزء ما وضع له الكل لا محالة. ولفظ التمام إنّما ذكر لأنّ العادة أن يذكر التمام في مقابلة الجزء حتى كأنّه لا تحسن المقابلة بدونه. وهذه الأسماء على اصطلاح أهل الميزان.
وأمّا أهل البيان فيسمون الأولى أي ما هو على تمام ما وضع له دلالة وضعية لأنّ منشأه الوضع فقط ويسمّون الأخريين دلالة عقلية.
فالدلالة العقلية عندهم هي الدلالة على غير ما وضع اللفظ له وإنّما سمّيتا بها لأنّه انضمّ فيهما إلى الوضع أمران عقليان، وهما توقّف فهم الكلّ على الجزء وامتناع انفكاك فهم الملزوم عن اللازم. فالدلالة الوضعية لها معنيان، أحدهما أعمّ مطلقا من المعنى الآخر والدلالة العقلية لها معنيان متباينان.
وصاحب مختصر الأصول قد خالف التقسيم المشهور فقسّم الدلالة اللفظية الوضعية إلى قسمين: لفظية وهي أن ينتقل الذهن من اللفظ إلى المعنى وهي دلالة واحدة، لكن ربّما تضمّن المعنى الواحد جزءين فيفهم منه الجزءان، وهو بعينه فهم الكلّ، فالدلالة على الكلّ لا تغاير الدلالة على الجزءين ذاتا، بل بالاعتبار والإضافة، فهي بالنسبة إلى كمال معناها تسمّى دلالة مطابقية وإلى جزئه تسمّى دلالة تضمنية وغير لفظية وتسمّى عقلية بأن ينتقل الذهن من اللفظ إلى معناه ومن معناه إلى معنى آخر، وهذا يسمّى دلالة التزام. وإن شئت توضيح هذا فارجع إلى العضدي وحواشيه.
ثم قال صاحب الأطول ويرد على التقسيم أنّ اللفظ قد يراد به نفسه كما يقال زيد علم، وحينئذ يصدق على دلالته على نفسه دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، وعلى دلالته على جزئه دلالته على جزء ما وضع له، وعلى دلالته على لازمه دلالته على خارجه عنه مع أنّها لا تسمّى مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما.
والجواب أنّ من قال بوضع اللفظ لنفسه جعل ذلك الوضع ضمنيا، والمتبادر من إطلاقه الوضع القصدي، ومن لم يقل بدلالة اللفظ على نفسه ولا باستعماله [فيه] ووضعه له وهو الــتحقيق، وإن كان الأكثرون على خلافه فلا إشكال [على قوله]. وهاهنا سؤال مشهور وهو أنّ تعريف كلّ من الدلالات الثلاث ينتقض بالآخر إذ يجوز أن يكون اللفظ مشتركا بين الكلّ والجزء وبين الملزوم واللازم.
وأجيب أنّ قيد الحيثية معتبر أي من حيث إنّه تمام ما وضع له أو جزؤه أو لازمه. وهذا وإن يدفع الخلل في الحدّ لكنّه يختلّ به ما اشتهر فيما بينهم أنّ تقسيم الدلالة الوضعية إلى الأقسام الثلاث تقسيم عقلي، يجزم العقل بمجرّد ملاحظة مفهوم القسمة بالانحصار ولا يجوز قسما آخر. كيف ودلالة اللفظ الموضوع لمجموع المتضايفين على أحدهما بواسطة أنّه لازم جزء آخر ليست دلالة على الجزء من حيث إنّه جزء، بل من حيث إنّه لازم جزء آخر، فلا يكون تضمنا ولا التزاما لأنّه ليس بخارج، فخرجت القسمة عن أن تكون عقلية بل عن الصحّة لانتفاء الحصر [والضبط بوجه ما] ويختل أيضا [بيان] اشتراط اللزوم الذهني لأنّ اعتبار اللزوم في مفهومه يجعل هذا الاشتراط لغوا محضا.

فإن قلت: المعتبر في مفهومه مطلق اللزوم والبيان لاشتراط اللزوم الذهني. قلت: يجب أن يعتبر في المفهوم اللزوم الذهني لأنّ مطلق اللزوم لا يصلح أن يكون سببا لدلالة اللفظ على الخارج، وإلّا لكان اللازم الخارجي مدلولا. قال ونحن نقول دلالة اللفظ باعتبار كل وضع للفظ على انفراده، أمّا على تمام ما وضع له أو على جزئه أو على الخارج عنه إذ المعنى الوضعي باعتبار الوضع الواحد لا يمكن أن يكون إلّا أحدها. فالحصر عقلي والتعريفات تامّة والاشتراط مفيد، فهذا مراد القوم في مقام التقسيم، ولم يتنبّه المتأخّرون فظنّوا التعريفات مختلّة فأصلحوها بزيادة قيود وأخلّوا إخلالا كثيرا.
فائدة:
المنطقيون اشترطوا في دلالة الالتزام اللزوم الذهني المفسّر بكون المسمّى بحيث يستلزم الخارج بالنسبة إلى جميع الأذهان وبالنسبة إلى جميع الأزمان لاشتراطهم اللزوم الكلّي في الدلالة كما سبق. وأهل العربية والأصول وكثير من متأخري المنطقيين والإمام الرازي لم يشترطوا ذلك. فالمعتبر عندهم مطلق اللزوم ذهنيا كان أو خارجيا لاكتفائهم باللزوم في الجملة في الدلالة.
فائدة:
دلالة الالتزام مهجورة في العلوم.
والــتحقيق أنّ اللفظ إذا استعمل في المدلول الالتزامي فإن لم يكن هناك قرينة صارفة عن [إرادة] المدلول المطابقي دالّة على المراد لم يصح إذ السابق إلى الفهم هو المدلول المطابقي. أمّا إذا قامت قرينة معيّنة للمراد فلا خفاء في جوازه. غايته التجوّز لكنه مستفيض شائع في العلوم حتى إنّ أئمة المنطقيين صرّحوا بتجويزه في التعريفات. نعم إنها مهجورة في جواب ما هو اصطلاحا بمعنى أنّه لا يجوز أن يذكر فيه ما يدلّ على المسئول عنه أو على أجزائه بالالتزام، كما لا يجوز ذكر ما دلالته على المسئول عنه بالتضمّن لاحتمال انتقال الذهن إلى غيره أو غير أجزائه فلا تتعيّن الماهية المطلوبة وأجزاؤها، بل الواجب أن يذكر ما يدلّ على المسئول عنه مطابقة وعلى أجزائه إمّا بالمطابقة أو التضمن. فالالتزام مهجور كلّا وبعضا، والمطابقة معتبرة كلّا وبعضا، والتضمّن مهجور كلّا معتبر بعضا كذا في شرح المطالع.
فائدة: قيل الدلالة لا تتوقّف على الإرادة لأنّا قاطعون بأنّا إذا سمعنا اللفظ وكنّا عالمين بالوضع نتعقّل معناه سواء أراده اللافظ أولا، ولا نعني بالدلالة سوى هذا. والحق التوقّف لأنّ دلالة اللفظ الوضعية، إنّما هي بتذكّر الوضع، وبعد تذكّر الوضع يصير المعنى مفهوما لتوقّف التذكّر عليه فلا معنى لفهمه إلّا فهمه من حيث إنّه مراد المتكلّم والتفات النفس إليه بهذا الوجه. نعم الإرادة التي هي شرط أعمّ من الإرادة بحسب نفس الأمر، ومن الإرادة بحسب الظاهر، فظهر أنّ الدلالة تتوقّف على الإرادة مطلقا مطابقة كانت أو تضمنا أو التزاما، وجعل المطابقة مخصوصة به تصرّف من القاصر بسوء فهمه كذا في الأطول.
وبالجملة فأهل العربية يشترطون القصد في الدلالة فما يفهم من غير قصد من المتكلّم لا يكون مدلولا للفظ عندهم، فإنّ الدلالة عندهم هي فهم المراد لا فهم المعنى مطلقا، بخلاف المنطقيين، فإنّها عندهم فهم المعنى مطلقا سواء أراده المتكلّم أولا. وقيل ليس المراد أنّ القصد معتبر عندهم في أصل الدلالة حتى يتوجّه أنّ الدلالة ليست إلّا فهم المعنى من اللفظ، بل إنّها غير معتبرة إذا لم يقارن القصد، فكأنّه لا يكون مدلولا عندهم.
فعلى هذا يصير النزاع لفظيّا في اعتبار الإرادة في الدلالة وعدم اعتبارها، هكذا في حواشى المختصر في بيان مرجع البلاغة في المقدّمة.

الزّمان

الزّمان:
[في الانكليزية] Time ،moment
[ في الفرنسية] Temps ،moment
بالفتح في اللغة الوقت قليلا كان أو كثيرا كما في القاموس. وفي العرف خصّص بستة أشهر. وفي المحيط أجمع أهل اللغة على أنّ الزمان من شهرين إلى ستة أشهر كذا في جامع الرموز في كتاب الأيمان. وفي حقيقته مذاهب.
قال بعض قدماء الفلاسفة إنّه جوهر مجرّد عن المادّة لا جسم مقارن لها، ولا يقبل العدم لذاته فيكون واجبا بالذات، إذ لو عدم لكان عدمه بعد وجوده بعدية لا يجامع فيها البعد القبل وذلك هو البعدية بالزمان. فمع عدم الزمان زمان فيكون محالا لذاته فيكون واجبا. ثم إن حصلت الحركة فيه ووجدت لأجزائها نسبة إليه يسمّى زمانا وإن لم توجد الحركة فيه يسمّى دهرا. وردّ بأنّ هذا ينفي انتفاء الزمان بعد وجوده ولا ينفي عدمه ابتداء بأن لا يوجد أصلا، لأنّه لا يصدق أن يقال: لو عدم الزمان أصلا ورأسا لكان عدمه بعد وجوده، والعدم بعد الوجود أخصّ من العدم المطلق، وامتناع الأخص لا يوجب امتناع الأعم.
وقال بعض الحكماء إنّه الفلك الأعظم لأنّه محيط بكل الأجسام المتحرّكة المحتاجة إلى مقارنة الزمان كما أنّ الزمان محيط بها أيضا، وهذا استدلال بموجبتين من الشكل الثاني فلا ينتج كما تقرر على أنّ الإحاطة المذكورة مختلفة المعنى قطعا فلا يتّحد الوسط أيضا. وقيل إنّه حركة الفلك الأعظم لأنها غير قارّة كما أنّ الزمان غير قارة أيضا، وهذا الاستدلال أيضا من جنس ما قبله.
وقال أرسطو إنّه مقدار حركة الفلك الأعظم وهو المشهور فيما بينهم وذلك لأنّ الزمان متفاوت زيادة ونقصانا، فهو كمّ وليس كمّا منفصلا لامتناع الجوهر الفرد فلا يكون مركّبا من آنات متتالية، فهو كمّ متّصل إلّا أنّه غير قارّ. فهو مقدار لهيئة غير قارّة وهي الحركة ويمتنع انقطاعها للدليل المذكور في المذهب الأول، فتكون الحركة مستديرة لأنّ المستقيمة منقطعة لتناهي الأبعاد ووجوب سكون بين كلّ حركتين، وهي الحركة الفلكية التي يقدر بها كل الحركات سريعها بطيئها وليس ذلك إلّا حركة الفلك الأعظم، فهو مقدار لها. وردّ بأنّه لو وجد الزمان لكان مقدارا للوجود المطلق حتى للواجب تعالى والتالي باطل. وأمّا الملازمة فلأنّا كما نعلم بالضرورة أنّ من الحركات ما هو موجود الآن ومنها ما كان موجودا في الماضي ومنها ما سيوجد، نعلم أيضا بالضرورة أنّ الله تعالى موجود الآن وكان موجودا وسيوجد، ولو جاز إنكار أحدهما جاز إنكار الآخر فوجب الاعتراف بهما قطعا. وأمّا بطلان اللازم فلأنّ الزمان إمّا غير قارّ فلا ينطبق أو قارّ فلا ينطبق على غير القارّ فاستحال كونه مقدارا للموجودات بأسرها.
فإن قيل نسبة المتغيّر إلى المتغيّر هو الزمان ونسبة المتغيّر إلى الثابت هو الدهر ونسبة الثابت إلى الثابت هو السّرمد، فالزمان عارض للمتغيّرات دون الثابتات؛ قلنا هذا لا طائل تحته وقد يوجّه ذلك القول بأنّ الموجود إذا كانت له هوية اتصالية غير قارّة كالحركة كان مشتملا على متقدّم ومتأخّر لا يجتمعان، فله بهذا الاعتبار مقدار غير قارّ وهو الزمان فتنطبق تلك الهوية على ذلك المقدار، ويكون جزؤها المتقدّم مطابقا لزمان متقدّم وجزؤها المتأخّر مطابقا لزمان متأخّر، ومثل هذا الموجود يسمّى متغيّرا تدريجيا، لا يوجد بدون الانطباق على الزمان، والمتغيّرات الدفعية إنما تحدث في آن هو طرف الزمان فهي أيضا لا توجد بدونه. وأمّا الأمور الثابتة التي لا تغيّر فيها أصلا لا تدريجيا ولا دفعيا فهي وإن كانت مع الزمان العارض للمتغيّرات إلّا أنّها مستغنية في حدود أنفسها عن الزمان بحيث إذا نظر إلى ذواتها يمكن أن تكون موجودة بلا زمان. فإذا نسب متغيّر إلى متغيّر بالمعيّة والقبلية فلا بد هناك من زمان في كلا الجانبين، وإذا نسب [بهما] ثابت إلى متغيّر فلا بد من الزمان في أحد جانبيه دون الآخر، وإذا نسب ثابت إلى ثابت بالمعية كان الجانبان مستغنيين عن الزمان، وإن كانا مقارنين له فهذه معان معقولة [متفاوتة] عبّر عنها بعبارات مختلفة تنبيها على تفاوتها. وإذا تؤمّل فيها حقّ التأمّل اندفع ما ذهب إليه أبو البركات من أنّ الزمان مقدار الوجود حيث قال: إنّ الباري تعالى لا يتصوّر بقاؤه إلّا في زمان وما لا يكون حصوله في الزمان ويكون باقيا لا بد أن يكون لبقائه مقدار من الزمان، فالزمان مقدار الوجود.
وقال المتكلمون الزمان أمر اعتباري موهوم ليس موجودا إذ لا وجود للماضي والمستقبل، ووجود الحاضر يستلزم وجود الجزء، مع أنّ الحكماء لا يقولون بوجود الحاضر فلا وجود للزمان أصلا، ولأنّ تقدّم أجزائه بعضها على بعض ليس إلّا بالزمان فيتسلسل، ولأنّه لو وجد لامتنع عدمه بعدمه لكونه زمانيا فيلزم وجوبه مع تركبه. وعرّفه الأشاعرة بأنّه متجدّد معلوم يقدّر به متجدّد مبهم لإزالة إبهامه، كما يقال: آتيك عند طلوع الشمس فإنّ طلوع الشمس معلوم ومجيئه موهوم فالزمان غير متعيّن فربّما يكون الشيء زمانا لشيء عند أحد ويكون الشيء الثاني زمانا للشيء الأول عند آخر. فقد يقال جاء زيد عند مجيء عمرو وجاء عمرو عند مجيء زيد، وفيه ضعف أيضا. وإن شئت أن تعلمه مع زيادة تفصيل ما تقدم فارجع إلى شرح المواقف. وقال الإمام الرازي في المباحث المشرقية إنّ الزمان كالحركة له معنيان: أحدهما أمر موجود في الخارج غير منقسم وهو مطابق للحركة، بمعنى الكون في الوسط أي كونه بين المبدأ والمنتهى.
وثانيهما أمر متوهّم لا وجود له في الخارج، فإنّه كما أنّ الحركة بمعنى التوسّط تفعل الحركة بمعنى القطع، كذلك هذا الأمر الذي هو مطابق لها وغير منقسم مثلها يفعل بسيلانه أمرا ممتدا وهميا هو مقدار الحركة الوهمية. فالموجود في الخارج من الزمان هو الذي يسمّى بالآن السّيّال. قيل فالــتحقيق أنّ القائل بالمعنى الثاني غير قائل بوجوده في الخارج وغير قائل بأنّه قابل للزيادة والنقصان وبأنّه كمّ، وغيره قائل بوجوده في الخارج.
ثم اعلم أنّ الزمان عند الحكماء إمّا ماض أو مستقبل فليس عندهم زمان هو حاضر، بل الحاضر هو الآن الموهوم الذي هو حدّ مشترك بينهما بمنزلة النقطة المفروضة على الخط وليس جزءا من الزمان أصلا، لأنّ الحدود المشتركة بين أجزاء الكمّ المتصلة مخالفة لها في الحقيقة فلا يصحّ حينئذ أن يقال الزمان الماضي كان حاضرا والمستقبل ما سيحضر. وكما أنّه لا يمكن أن تفرض في خط واحد نقطتان متلاقيتان بحيث لا ينطبق أحدهما على الأخرى كذلك لا يمكن أن يفرض في الزمان آنان متلاقيان كذلك، فلا يكون الزمان مركّبا من آنات متتالية ولا الحركة من أجزاء لا تتجزأ.
فائدة:
الله تعالى لا يجري عليه زمان أي لا يتعيّن وجوده بزمان، بمعنى أنّ وجوده ليس زمانيا لا يمكن حصوله إلّا في زمان. هذا مما اتفق عليه أرباب الملل ولا يعرف فيه للعقلاء خلاف، وإن كان مذهب المجسّمة ينجرّ إليه كما ينجرّ إلى الجهة والمكان. أما عند الأشاعرة فلكون الزمان متغيرا غير متعيّن. وأمّا عند الحكيم فلأنّه لا تعلّق له بالزمان وإن كان مع الزمان لأنّ المتعلّق بالزمان ما كان له وجود غير قارّ مندرج منطبق على أجزاء الزمان أو على طرف الزمان وهو الآن السّيّال، والأول يسمّى زمانيا والثاني دفعيا، ومثل هذا الشيء لا يوجد بدون الزمان بخلاف الأمور الثابتة فإنّها بحيث إذا فرض انتفاء الزمان فهو موجود، ففرق بين كان الله ويكون وبين كان زيد ويكون، فإنّ وجوده تعالى مستمرّ مع الزمان لا فيه، بخلاف وجود زيد فإنّه في الزمان ومنطبق عليه ولا يوجد بدون هذا الزمان لتعلقه بأمور منطبقة عليه. وكما أنّ الزمان لا يجري عليه تعالى كذلك لا يجري على صفاته القديمة. وفي التفسير الكبير فعل الله سيتغني عن الزمان لأنّه لو افتقر إلى زمان وجب أن يفتقر حدوث ذلك الزمان إلى زمان آخر فيلزم التسلسل.
تنبيه
علم مما ذكر أنّا سواء قلنا العالم حادث بالحدوث الزماني كما هو رأي المتكلمين أو بالحدوث الذاتي كما هو رأي الحكماء يتقدّم الباري سبحانه عليه لكونه موجدا إياه ليس تقدما زمانيا، وإلّا لزم كونه تعالى واقعا في الزمان بل هو تقدّم ذاتي عند الحكماء. وعند المتكلّمين قسم سادس كتقدم بعض أجزاء الزمان على بعض. ويعلم أيضا أنّ بقاءه تعالى ليس عبارة عن أن يكون وجوده في زمانين بل عن امتناع عدمه ومقارنته للأزمنة، ولا القدم عبارة عن أن يكون قبل كلّ زمان زمان وإلّا لم يتصف به الباري سبحانه. وعلى هذا ما وقع من الكلام الأزلي بصيغة الماضي ولو في الأمور المستقبلة الواقعة فيما لا يزال كقوله إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً وذلك لأنّه إذا لم يكن زمانيا لا بحسب ذاته ولا بحسب صفاته كان نسبة كلامه الأزلي إلى جميع الأزمنة على السّوية، إلّا أنّ حكمته تعالى اقتضت التعبير عن بعض الأمور بصيغة الماضي وبعضها بصيغة المستقبل، فسقط ما تمسّك به المعتزلة في حدوث القرآن من أنّه لو كان قديما لزم الكذب في أمثال ما ذكر فإنّ الإرسال لم يكن واقعا قبل الأزل. وأيضا إنا إذا قلنا كان الله موجودا في الأزل وسيوجد في الأبد وهو موجود في الآن لم نرد به أنّ وجوده واقع في تلك الأزمنة بل أردنا أنّه مقارن معها من غير أن يتعلّق بها كتعلّق الزمانيات. وأيضا لو ثبت وجود مجرّدات عقلية لم يكن أيضا زمانيا.
وأيضا إذا لم يكن الباري تعالى زمانيا لم يكن بالنسبة إليه ماض وحال ومستقبل، فلا يلزم من علمه بالمتغيّرات تغيّر في علمه، بل إنّما يلزم ذلك لو دخل فيه الزمان كذا في شرح المواقف.
وفي كليات أبي البقاء الزمان عبارة عن امتداد موهوم غير قارّ الذات متصل الأجزاء يعني أيّ جزء يفرض في ذلك الامتداد [لا] يكون نهاية لطرف وبداية لطرف آخر أو نهاية لهما أو بداية لهما على اختلاف الاعتبارات، كالنقطة المفروضة في الخطّ المتّصل فيكون كلّ آن مفروض في الامتداد الزماني نهاية وبداية لكلّ من الطرفين قائمة بهما. والزمان عند أرسطو وتابعيه من المشّائين هو مقدار الفلك الأعظم الملقّب بالفلك الأطلس لخلوّه عن النقوش كالثوب الأطلس. وبعض الحكماء قالوا إنّ الزمان من أقسام الأعراض وليس من المشخّصات فإنّه غير قارّ والحال فيه أي الزماني قارّ والبداهة حاكمة بأنّ غير القارّ لا يكون مشخّصا للقارّ، وكذا المكان ليس من المشخّصات لأنّ المتمكّن ينتقل إليه وينفكّ عنه والمشخّص لا ينفكّ عن الشخص ومعنى كون الزمان غير قار تقدّم جزء على جزء إلى غير النهاية، لا أنّه كان في الماضي ولم يبق في الحال. والزمان ليس شيئا معيّنا يحصل فيه الموجود. قال أفلاطون إنّ في عالم الأمر جوهرا أزليا يتبدّل ويتغيّر ويتجدّد وينصرم بحسب النّسب والإضافات إلى المتغيّرات لا بحسب الحقيقة والذات، وذلك الجوهر باعتبار نسبة ذاته إلى الأمور الثابتة يسمّى سرمديا، وإلى ما قبل المتغيّرات يسمّى دهرا، وإلى مقارنتها يسمّى زمانا. ولا استحالة في أن يكون للزمان زمان عند المتكلمين الذين يعرّفون الزمان بالأمر المتجدّد الذي يقدّر به متجدّد آخر انتهى من الكليات.

الرّوح

(الرّوح) الرَّاحَة وَالرَّحْمَة ونسيم الرّيح تَقول وجدت روح الشمَال برد نسيمها (ج) أَرْوَاح وَيَوْم روح طيب الرّيح وَعَشِيَّة رَوْحَة كَذَلِك وَالسُّرُور والفرح

(الرّوح) مَا بِهِ حَيَاة النَّفس (يذكر وَيُؤَنث) وَالنَّفس وَالنَّفس (ج) أَرْوَاح وَالْقُرْآن وَالْوَحي
وروح الْقُدس (عِنْد النَّصَارَى) الأقنوم الثَّالِث وَالروح الْأمين وروح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام و (فِي الفلسفة) مَا يُقَابل الْمَادَّة و (فِي الكيمياء) الْجُزْء الطيار للمادة بعد تقطيرها كروح الزهر وروح النعنع (مج)
الرّوح:
[في الانكليزية] Spirit ،ghost ،soul
[ في الفرنسية] Esprit ،ame
بالضم وسكون الواو اختلف الأقوال في الروح. فقال كثير من أرباب علم المعاني وعلم الباطن والمتكلّمين لا نعلم حقيقته ولا يصحّ وصفه، وهو مما جهل العباد بعلمه مع التيقّن بوجوده، بدليل قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا روي أنّ اليهود قالوا لقريش: اسألوا عن محمد عن ثلاثة أشياء.
فإن أخبركم عن شيئين وأمسك عن الثالثة فهو نبي. اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، فقال عليه السلام غدا أخبركم ولم يقل إن شاء الله تعالى. فانقطع الوحي أربعين يوما ثم نزل: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ تعالى ثم فسّر لهم قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وأبهم قصة الروح، فنزل وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. ومنهم من طعن في هذه الرواية وقال إنّ الروح ليس أعظم شأنا من الله تعالى. فإذا كانت معرفته تعالى ممكنة بل حاصلة فأي معنى يمنع من معرفة الروح. وإنّ مسئلة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلّمين، فكيف لا يعلم الرسول عليه السلام حقيقته مع أنّه أعلم العلماء وأفضل الفضلاء.
قال الإمام الرازي بل المختار عندنا أنهم سألوا عن الروح وأنّه صلوات الله عليه وسلامه أجاب عنه على أحسن الوجوه. بيانه أنّ المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح، والسؤال يقع على وجوه. أحدها أن يقال ما ماهيته؟ هو متحيّز أو حالّ في المتحيّز أو موجود غير متحيّز ولا حالّ فيه. وثانيها أن يقال أهو قديم أو حادث؟ وثالثها أن يقال أهو هل يبقى بعد فناء الأجسام أو يفني؟ ورابعها أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها؟
وبالجملة فالمباحث المتعلّقة بالروح كثيرة وفي الآية ليست دلالة على أنهم عن أي هذه المسائل سألوا: إلّا أنّه تعالى ذكر في الجواب قل الروح من أمر ربي، وهذا الجواب لا يليق إلّا بمسألتين: إحداهما السؤال عن الماهية أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل البدن متولّدة عن امتزاج الطبائع والأخلاط، أو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب، أو عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام، أو عن موجود يغاير عن هذه الأشياء؟ فأجاب الله تعالى عنه بأنّه موجود مغاير لهذه الأشياء بل هو جوهر بسيط مجرّد لا يحدث إلّا بمحدث قوله كُنْ فَيَكُونُ، فهو موجود يحدث من أمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه مطلقا، وهو المراد من قوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا وثانيتهما السؤال عن قدمها وحدوثها فإنّ لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل كقوله تعالى وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ فقوله مِنْ أَمْرِ رَبِّي معناه من فعل ربي فهذا الجواب يدلّ على أنهم سألوه عن قدمه وحدوثه فقال: بلى هو حادث، وإنّما حصل بفعل الله وتكوينه. ثم احتج على حدوثه بقوله وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا يعني أنّ الأرواح في مبدأ الفطرة خالية عن العلوم كلّها ثم تحصل فيها المعارف والعلوم، فهي لا تزال متغيّرة عن حال إلى حال والتغيّر من أمارات الحدوث انتهى.
ثم القائلون بعدم امتناع معرفة الروح اختلفوا في تفسيره على أقوال كثيرة. قيل إنّ الأقوال بلغت المائة. فمنهم من ذهب إلى أنّ الروح الإنساني وهو المسمّى بالنفس الناطقة مجرّد. ومنهم من ذهب إلى أنّه غير مجرّد.
ثم القائلون بعدم التجرد اختلفوا على أقوال. فقال النّظّام إنّه أجسام لطيفة سارية في البدن سريان ماء الورد في الورد، باقية من أول العمر إلى آخره، لا يتطرّق إله تحلّل ولا تبدّل، حتى إذا قطع عضو من البدن انقبض ما فيه من تلك الأجزاء إلى سائر الأعضاء. إنّما المتحلّل والمتبدّل من البدن فضل ينضمّ إليه وينفصل عنه، إذ كل أحد يعلم أنّه باق من أول العمر إلى آخره. ولا شكّ أنّ المتبدّل ليس كذلك.
واختار هذا الإمام الرازي وإمام الحرمين وطائفة عظيمة من القدماء كما في شرح الطوالع. وقيل إنّه جزء لا يتجزأ في القلب لدليل عدم الانقسام وامتناع وجود المجرّدات فيكون جوهرا فردا وهو في القلب، لأنه الذي ينسب إليه العلم، واختاره ابن الراوندي. وقيل جسم هوائي في القلب. وقيل جزء لا يتجزأ من أجزاء هوائية في القلب. وقيل هي الدماغ. وقيل هي جزء لا يتجزأ من أجزاء الدماغ. ويقرب منه ما قيل جزء لا يتجزأ في الدماغ. وقيل قوة في الدماغ مبدأ للحسّ والحركة. وقيل في القلب مبدأ للحياة في البدن. وقيل الحياة. وقيل أجزاء نارية وهي المسمّاة بالحرارة الغريزية. وقيل أجزاء مائية هي الأخلاط الأربعة المعتدلة كمّا وكيفا. وقيل الدم المعتدل إذ بكثرته واعتداله تقوى الحياة، وبفنائه تنعدم الحياة. وقيل الهواء إذ بانقطاعها تنقطع الحياة طرفة عين، فالبدن بمنزلة الزّقّ المنفوخ فيه. وقيل الهيكل المخصوص المحسوس وهو المختار عند جمهور المتكلمين من المعتزلة وجماعة من الأشاعرة. وقيل المزاج وهو مذهب الأطباء، فما دام البدن على ذلك المزاج الذي يليق به الإنسان كان مصونا عن الفساد، فإذا خرج عن ذلك الاعتدال بطل المزاج وتفرّق البدن كذا في شرح الطوالع. وقيل الروح عند الأطباء جسم لطيف بخاري يتكوّن من لطافة الأخلاط وبخاريتها كتكوّن الأخلاط من كثافتها وهو الحامل للقوى الثلاث. وبهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة اقسام روح حيواني وروح نفساني وروح طبيعي، كذا في الأقسرائي. وقيل الروح هذه القوى الثلاث أي الحيوانية والطبيعية والنفسانية. وفي بحر الجواهر الروح عند الأطباء جوهر لطيف يتولّد من الدم الوارد على القلب في البطن الأيسر منه لأنّ الأيمن منه مشغول بجذب الدم من الكبد. وقال ابن العربي إنّهم اختلفوا في النفس والروح. فقيل هما شيء واحد. وقيل هما متغايران وقد يعبّر عن النفس بالروح وبالعكس وهو الحقّ انتهى. وبالنظر إلى التغاير [ما] وقع في مجمع السلوك من أنّ النفس جسم لطيف كلطافة الهواء ظلمانية غير زاكية منتشرة في أجزاء البدن كالزّبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز يعني سريان النفس في البدن كسريان الزبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز. والروح نور روحاني آلة للنفس كما أنّ السر آلة لها أيضا، فإنّ الحياة في البدن إنما تبقى بشرط وجود الروح في النفس. وقريب من هذا ما قال في التعريف وأجمع الجمهور على أنّ الروح معنى يحيى به الجسد. وفي الأصل الصغار أنّ النفس جسم كثيف والروح فيه جسم لطيف والعقل فيه جوهر نوراني. وقيل النفس ريح حارة تكون منها الحركات والشهوات، والروح نسيم طيّب تكون به الحياة. وقيل النفس لطيفة مودعة في القلب منها الأخلاق والصفات المذمومة كما أنّ الروح لطيف مودع في القلب منه الأخلاق والصفات المحمودة.
وقيل النفس موضع نظر الخلق والقلب موضع نظر الخالق، فإنّ له سبحانه تعالى في قلوب العباد في كل يوم وليلة ثلاثمائة وستين نظرة.
وأما الروح الخفي ويسمّيه السالكون بالأخفى فهو نور ألطف من السّر والروح وهو أقرب إلى عالم الحقيقة. وثمّة روح آخر ألطف من هذه الأرواح كلّها ولا يكون هذا لكل واحد بل هو للخواص انتهى. ويجيء توضيح هذا في لفظ السّر وبعض هذه المعاني قد سبق في لفظ الإنسان أيضا.
والقائلون بتجرّد الروح يقولون الروح جوهر مجرّد متعلّق بالبدن تعلّق التّدبير والتصرّف، وإليه ذهب أكثر أهل الرياضات وقدماء المعتزلة وبعض الشيعة وأكثر الحكماء كما عرفت في لفظ الإنسان، وهي النفس الناطقة، ويجيء تحقيقــه.

وقال شيخ الشيوخ: الروح الإنساني السماوي من عالم الأمر أي لا يدخل تحت المساحة والمقدار، والروح الحيواني البشري من عالم الخلق أي يدخل تحت المساحة والمقدار، وهو محل الروح العلوي. والروح الحيواني جسماني لطيف حامل لقوة الحسّ والحركة ومحلّه القلب، كذا في مجمع السلوك.
قال في الإنسان الكامل في باب الوهم:
اعلم أنّ الروح في الأصل بدخولها في الجسد وحلولها فيه لا تفارق مكانها ومحلّها، ولكن تكون في محلّها، وهي ناظرة إلى الجسد.
وعادة الأرواح أنّها تحلّ موضع نظرها فأي محلّ وقع فيه نظرها تحلّه من غير مفارقة لمركزها الأصلي، هذا أمر يستحيله العقل ولا يعرف إلّا بالكشف. ثم إنّه لما نظرت إلى الجسم نظر الاتحاد وحلّت فيه حلول الشيء في هويته اكتسبت التصوير الجسدي بهذا الحلول في أوّل وهلة، ثم لا تزال تكتسب منه. أمّا الأخلاق الرّضيّة الإلهية فتصعد وتنمو به في علّيين. وأما الأخلاق البهيمية الحيوانية الأرضية فتهبط بتلك الأخلاق إلى سجّين. وصعودها هو تمكّنها من العالم الملكوتي حال تصوّرها بهذه الصورة الإنسانية لأنّ هذه الصورة تكتسب الأرواح ثقلها وحكمها، فإذا تصوّر بصورة الجسد اكتسب حكمه من الثّقل والحصر والعجز ونحوها، فيفارق الروح بما كان له من الخفّة والسّريان لا مفارقة انفصال ولكن مفارقة اتصال لأنّها تكون متّصفة بجميع أوصافها الأصلية، ولكنها غير متمكّنة من إتيان الأمور الفعلية، فتكون أوصافها فيها بالقوة لا بالفعل. ولذا قلنا مفارقة اتصال لا انفصال، فإن كان صاحب الجسم يستعمل الأخلاق الملكية فإنّ الروح تتقوّى ويرفع حكم الثقل عن نفسها حتى لا تزال كذلك إلى أن يصير الجسد في نفسه كالروح، فيمشي على الماء ويطير في الهواء.
وإن كان يستعمل الأخلاق البشرية فإنّه يتقوّى على الروح حكم الرّسوب والثّقل فتنحصر في سجنه فتحشر غدا في السّجّين، كما قال قائل بالفارسية:
الإنسان تحفة معجونة من أصل ملائكي وآخر حيواني فإن مال إلى أصله الحيواني فهو أدنى منه وإن مال إلى أصله الملائكي فهو أعلى مقاما منه.
ثم إنّها لما تعشّقت بالجسم وتعشّق الجسم بها فهي ناظرة إليه ما دام معتدلا في صحته. فإذا سقم وحصل فها الألم بسببه أخذت في رفع نظرها عنه إلى عالمها الروحي، إذ تفريحها فيه، ولو كانت تكره مفارقة الجسد فإنّها تأخذ نظرها فترفعه من العالم الجسدي رفعا ما إلى العالم الروحي. كمن يهرب عن ضيق إلى سعة.
ولو كان له في المحل الذي يضيق فيه من ينجّيه فلا تحذير من الفرار. ثم لا تزال الروح كذلك إلى أن يصل الأجل المحتوم فيأتيها عزرائيل عليه السلام على صورة مناسبة بحالها عند الله من الحسنة أو القبيحة، مثلا يأتي إلى الظالم من عمّال الدّيوان على صفة من ينتقم منه أو على صفة رسل الملك لكن في هيئة منكرة، كما أنّه يأتي إلى الصّلحاء في صورة أحبّ الناس إليهم. وقد يتصوّر لهم بصورة النبي عليه السلام. فإذا شهدوا تلك الصورة خرجت أرواحهم. وتصوّره بصورة النبي عليه السلام وكذا لأمثاله من الملائكة المقرّبين مباح لأنهم مخلوقون من قوى روحية، وهذا التصور من باب تصوّر روح الشخص بجسده، فما تصوّر بصورة محمد عليه السلام إلّا روحه، بخلاف إبليس عليه اللعنة واتباعه المخلوقين من بشريته لأنّه عليه السلام ما تنبّأ إلّا دما فيه شيء من البشرية للحديث: «إنّ الملك [أتاه و] شقّ قلبه فأخرج منه دما فطهّر قلبه»، فالدّم هي النفس البشرية وهي محلّ الشياطين، فلذا لم يقدر أحد منهم أن يتمثّل بصورته لعدم التناسب.
وكذا يأتي إلى الفرس بصورة الأسد ونحوه، وإلى الطيور على صفة الذابح ونحوه. وبالجملة فلا بد له من مناسبة إلّا من يأتيه على غير صورة مركبة بل في بسيط غير مرئي يهلك الشخص بشمّه. فقد تكون رائحة طيبة وقد تكون كريهة وقد لا تعرف رائحته بل يمرّ عليه كما لا يعرفه.
ثم إنّ الروح بعد خروجه من الجسد أي بعد ارتفاع نظره عنه، إذ لا خروج ولا دخول هاهنا، لا يفارق الجسدية أبدا، لكن يكون لها زمان تكون فيه ساكنة كالنائم الذي ينام ولا يرى شيئا في نومه، ولا يعتدّ بمن يقول إنّ كل نائم لا بد له أن يرى شيئا. فمن الناس من يحفظ ومنهم من ينساه. وهذا السكون الأول هو موت الأرواح. ألا ترى إلى الملائكة كيف عبّر صلى الله عليه وسلم عن موتهم بانقطاع الذّكر. ثم إذا فرغ عن مدّة هذا السكون المسمّى بموت الأرواح تصير الروح في البرزخ انتهى ما في الإنسان الكامل.
ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أنّ لكل نبي خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة أرواح كذا في المواهب اللدنية، وفي مشكاة الأنوار تصنيف الإمام حجة الإسلام الغزالي الطوسي أنّ مراتب الأرواح البشرية النورانية خمس. فالأولى منها الروح الحسّاس وهو الذي يتلقى ما يورده الحواس الخمس وكأنه أصل الروح الحيواني وأوله، إذ به يصير الحيوان حيوانا وهو موجود للصبي الرضيع. والثانية الروح الخيالي وهو الذي يتشبّث ما أورده الحواس ويحفظ مخزونا عنه ليعرضه على الروح العقلي الذي فوقه عند الحاجة إليه، وهذا لا يوجد للصبي الرضيع في بداية نشوئه، وذلك يولع للشيء ليأخذه، فإذا غيّب عنه ينساه ولا ينازعه نفسه إليه إلى أن يكبر قليلا، فيصير بحيث إذا غيّب عنه بكى وطلب لبقاء صورته المحفوظة في خياله. وهذا قد يوجد في بعض الحيوانات دون بعض، ولا يوجد للفراش المتهافت على النار لأنه يقصد النار لشغفه بضياء النار، فيظن أنّ السراج كوّة مفتوحة إلى موضع الضياء فيلقي نفسه عليها فيتأذّى به، ولكنه إذا جاوزه وحصل في الظلمة عادة مرة أخرى. ولو كان له الروح الحافظ المتشبّث لما أدّاه الحسّ إليه من الألم لما عاوده بعد التضرّر. والكلب إذا ضرب مرّة بخشبة فإذا رأى تلك الخشبة بعد ذلك يهرب. والثالثة الروح العقلي الذي به يدرك المعاني. الخارجة عن الحسّ والخيال وهو الجوهر الإنسي الخاص، ولا يوجد للبهيمة ولا للصبي، ومدركاته المعارف الضرورية الكلية. والرابعة الروح الذّكري الفكري وهو الذي أخذ المصارف العقلية فيوقع بينها تأليفات وازدواجات ويستنتج منها معاني شريفة. ثم إذا استفاد نتيجتين مثلا ألّف بينهما نتيجة أخرى، ولا تزال تتزايد كذلك إلى غير النهاية. والخامسة الروح القدسي النّبوي الذي يختصّ به الأنبياء وبعض الأولياء وفيه يتجلّى لوائح الغيب وأحكام الآخرة وجملة من معارف ملكوت السموات والأرض بل المعارف الربانية التي يقصر دونها الروح العقلي والفكري؛ ولا يبعد أيها المعتكف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور آخر يظهر فيه ما لا يظهر في العقل، كما لا يبعد كون العقل طورا وراء التميّز والإحساس ينكشف فيه عوالم وعجائب يقصر عنها الإحساس والتميّز، ولا يجعل أقصى الكمالات وقفا على نفسك. ألا ترى كيف يختص بذوق الشّعر قوم ويحرم عنه بعض حتى لا يتميّز عندهم الألحان الموزونة عن غيرها انتهى.
اعلم أنّ كلّ شيء محسوس فله روح.
وفي تهذيب الكلام زعم الحكماء أنّ الملائكة هم العقول المجرّدة والنفوس الفلكية، والجنّ أرواح مجرّدة لها تصرّف في العنصريات، والشيطان هو القوّة المتخيّلة. وإنّ لكل فلك روحا كليا ينشعب منه أرواح كثيرة، والمدبّر لأمر العرش يسمّى بالنفس الكلّي. ولكلّ من أنواع الكائنات روح يدبّر أمره يسمّى بالطبائع التامة انتهى. وفي الإنسان الكامل اعلم أنّ كل شيء من المحسوسات له روح مخلوق قام به صورته. والروح لذلك الصورة كالمعنى للفظ. ثم إنّ لذلك الروح المخلوق روحا إلهيا قام به ذلك الروح، وذلك الروح الإلهي هو روح القدس المسمّى بروح الأرواح، وهو المنزّه عن الدخول تحت كلمة كن، يعني أنّه غير مخلوق لأنه وجه خاص من وجوه الحق قام به الوجود، وهو المنفوخ في آدم. فروح آدم مخلوق وروح الله غير مخلوق. فذلك الوجه في كل شيء هو روح الله وهو روح القدس أي المقدّس عن النقائص الكونية. وروح الشيء نفسه والوجود قائم بنفس الله، ونفسه ذاته. فمن نظر إلى روح القدس في إنسان رآها مخلوقة لانتفاء قديمين، فلا قديم إلّا الله وحده، ويلحق بذاته جميع أسمائه وصفاته لاستحالة الانفكاك، وما سوى ذلك فمخلوق. فالإنسان مثلا له جسد وهو صورته وروح هو معناه وسرّ هو الروح ووجه وهو المعبّر عنه بروح القدس وبالسرّ الالهي والوجود الساري. فإذا كان الأغلب على الانسان الأمور التي تقتضيها صورته وهي المعبّر عنه بالبشرية وبالشهوانية فإنّ روحه يكتسب الرسوب المعدني الذي هو أصل الصورة ومنشأ محلها، حتى كاد تخالف عالمها الأصلي لتمكّن المقتضيات البشرية فيها، فتقيّدت بالصورة عن إطلاقها الروحي، فصارت في سجن الطبيعة والعادة وذلك في دار الدنيا، مثال السجين في دار الآخرة بل عين السجين هو ما استقر فيه الروح، لكن السجين في الآخرة سجن محسوس من النار وهي في الدنيا هذا المعنى المذكور لأنّ الآخرة محل تبرز فيه المعاني صورا محسوسة، وبعكسه الإنسان إذا كان الأغلب عليه الأمور الروحانية من دوام الفكر الصحيح وإقلال الطعام والمنام والكلام وترك الأمور التي تقتضيها البشرية، فإنّ هيكله يكتسب اللّطف الروحي فيخطو على الماء ويطير في الهواء ولا يحجبه الجدران وبعد البلدان، فتصير في أعلى مراتب المخلوقات وذلك هو عالم الأرواح المطلقة عن القيود الحاصلة بسبب مجاورة الأجسام، وهو المشار إليه بقوله إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ.
فائدة:
اختلفوا في المراد من الروح المذكور في قوله تعالى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي على أقوال. فقيل المراد به ما هو سبب الحياة.
وقيل القرآن يدلّ عليه قوله وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا وأيضا فبالقرآن تحصيل حياة الأرواح وهي معرفة الله تعالى. وقيل جبرئيل لقوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ. وقيل ملك من ملكوت السموات هو أعظمهم قدرا وقوة وهو المراد من قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا.
ونقل عن علي رضي الله عنه أنه قال هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبّح الله تعالى بتلك اللغات كلّها، ويخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيمة. ولم يخلق الله تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش. ولو شاء أن يبلع السموات السبع والأرض السبع ومن فيهن بلقمة واحدة.
ولقائل أن يقول هذا ضعيف لأنّ هذا التفصيل ما عرفه علي رضي الله عنه إلّا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الشرح لعلي رضي الله عنه، فلم لم يذكره لغيره. ولأنّ ذلك الملك إن كان حيوانا واحدا وعاقلا واحدا لم يمكن تكثير تلك اللغات. وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيوانا آخر لم يكن ذلك ملكا واحدا بل كان مجموع ملائكة. ولأنّ هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه كذا في التفسير الكبير. وقيل الروح خلق ليسوا بالملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورءوس. قال أبو صالح يشتبهون الناس وليسوا منهم.
قال الإمام الرازي في التفسير الكبير ولم أجد في القرآن ولا في الأخبار الصحيحة شيئا يمكن التمسّك به في إثبات هذا القول، وأيضا فهذا شيء مجهول، فيبتعد صرف هذا السؤال إليه انتهى
قال صاحب الإنسان الكامل الملك المسمّى بالروح هو المسمّى في اصطلاح الصوفية بالحق المخلوق به والحقيقة المحمدية نظر الله تعالى إلى هذا الملك بما نظر به [إلى] نفسه فخلقه من نوره وخلق العالم منه وجعله محلّ نظره من العالم. ومن أسمائه أمر الله هو أشرف الموجودات وأعلاها مكانة وأسماها منزلة ليس فوقه ملك، هو سيد المرسلين وأفضل المكرمين.
اعلم أنّه خلق الله تعالى هذا الملك مرآة لذاته لا يظهر الله تعالى بذاته إلّا في هذا الملك، وظهوره في جميع المخلوقات إنّما هو بصفاته، فهو قطب الدنيا والآخرة وأهل الجنة والنار والأعراف، اقتضت الحقيقة الإلهية في علم الله سبحانه أن لا يخلق شيئا إلّا ولهذا الملك فيه وجه، يدور ذلك المخلوق على وجهه فهو قطبه لا يتعرّف هذا الملك إلى أحد من خلق الله إلّا للإنسان الكامل، فإذا عرفه الولي علّمه أشياء، فإذا تحقّق بها صار قطبا تدور عليه رحى الوجود جميعه، لكن لا بحكم الأصالة بل بحكم النيابة والعارية، فاعرفه فإنّه الروح المذكور في قوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا يقوم هذا الملك في الدولة الإلهية والملائكة بين يديه وقوفا صفا في خدمته وهو قائم في عبودية الحق متصرّف في تلك الحضرة الإلهية بما أمره الله به. وقوله لا يَتَكَلَّمُونَ راجع إلى الملائكة دونه فهو مأذون له بالكلام مطلقا في الحضرة الإلهية لأنّه مظهرها الأكمل والملائكة وإنّ أذن لهم بالتكلّم لم يتكلّم كلّ ملك إلّا بكلمة واحدة ليس في طاقته أكثر من ذلك، فلا يمكنه البسط في الكلام، فأول ما يتلقّى الأمر بنفوذ أمر في العالم خلق الله منه ملكا لائقا بذلك الأمر فيرسله الروح فيفعل الملك ما أمر به الروح؛ وجميع الملائكة المقرّبين مخلوقون منه كإسرافيل وميكائيل وجبرئيل وعزرائيل ومن هو فوقهم وهو الملك القائم تحت الكرسي، والملك المسمّى بالمفضّل وهو القائم تحت الإمام المبين، وهؤلاء هم العالون الذين لم يؤمروا لسجود آدم، كيف ظهروا على كل من بني آدم فيتصوّرهم في النوم بالأمثال التي بها يظهر الحق للنائم، فتلك الصور جميعها ملائكة الله تنزل بحكم ما يأمرها الملك الموكل بضرب الأمثال فيتصوّر بكل صورة للنائم. ولهذا يرى النائم أنّ الجماد يكلّمه ولو لم يكن روحا متصورا بالصورة الجمادية لم يكن يتكلّم. ولذا قال عليه السلام: «الرؤيا الصادقة وحي من الله» وذلك لأنّ الملك ينزل به. ولما كان إبليس عليه اللعنة من جملة المأمورين بالسجود ولم يسجد، أمر الشياطين وهم نتيجته وذريته أن يتصوّروا للنائم بما يتصوّر به الملائكة فظهرت المرايا الكاذبة. اعلم أنّ هذا الملك له أسماء كثيرة على عدد وجوهه يسمّى بالأعلى وبروح محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبالعقل الأول وبالروح الإلهي من تسمية الأصل بالفرع، وإلّا فليس له في الحضرة الإلهية إلّا اسم واحد وهو الروح انتهى. وأيضا يطلق الروح عند أهل الرّمل على عنصر النار. فمثلا نار لحيان، يقولون عنها إنّها الروح الأولى، ونار نصرة الخارج تسمّى الروح الثانية. وقالوا في بعض الرسائل: النار هي الروح، والريح هي العقل والماء هو النفس، والتراب هو الجسم فالروح الأوّلي، إذا، هي النار الأولى، كما يقولون، وهكذا حتى النفي التي هي الروح السابعة.
والروح الأولى يسمّونها العقل الأوّل إلى عتبة الداخل التي هي العقل السابع. والماء الأوّل يقولون إنّها النفس النار الأولى الجسم الأوّل إلى عتبة الداخل الذي هو الجسم السابع انتهى.
وفي كليات أبي البقاء الروح بالضم هو الريح المتردّد في مخارق البدن ومنافذه واسم للنفس واسم أيضا للجزء الذي تحصل به الحياة واستجلاب المنافع واستدفاع المضار. والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، وينتشر بواسطة العروق [الضوارب] إلى سائر أجزاء البدن؛ والروح الإنساني لا يعلم كنهه إلّا الله تعالى. ومذهب أهل السنة والجماعة أنّ الروح والعقل من الأعيان وليسا بعرضين كما ظنّته المعتزلة وغيرهم، وأنهما يقبلان الزيادة من الصفات الحسنة والقبيحة كما تقبل العين الناظر غشاوة ورمدا والشمس انكسافا. ولهذا وصف الروح بالأمّارة بالسّوء مرة وبالمطمئنّة أخرى. وملخص ما قال الغزالي إنّ الروح ليس بجسم يحلّ البدن حلول الماء في إناء ولا هو عرض يحلّ القلب والدماغ حلول العلم في العالم، بل هو جوهر لأنّه يعرف نفسه وخالقه ويدرك المعقولات وهو باتفاق العقلاء جزء لا يتجزّأ وشيء لا ينقسم، إلّا أنّ لفظ الجزء غير لائق به لأنّ الجزء مضاف إلى الكل ولا كلّ هاهنا فلا جزء، إلّا أن يراد به ما يريد القائل بقوله الواحد جزء من العشرة فإذا أخذت جميع [الموجودات أو جميع] ما به قوام البدن في كونه إنسانا كان الروح واحدا من جملتها لا هو داخل فيه ولا هو خارج عنه ولا هو منفصل منه ولا هو متّصل به، بل هو منزّه عن الحلول في المحال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات، مقدّس عن هذه العوارض وليس هذا تشبيها وإثباتا لأخصّ وصف الله تعالى في حق الروح، بل أخصّ وصف الله تعالى أنّه قيّوم أي قائم بذاته، وكل ما سواه قائم به. فالقيومية ليست إلّا لله تعالى. ومن قال إنّ الروح مخلوق أراد انه حادث وليس بقديم. ومن قال إنّ الروح غير مخلوق أراد أنّه غير مقدّر بكمية فلا يدخل تحت المساحة والتقدير. ثم اعلم أنّ الروح هو الجوهر العلوي الذي قيل في شأنه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي يعني أنّه موجود بالأمر وهو الذي يستعمل في ما ليس له مادة فيكون وجوده زمانيّا لا بالخلق، وهو الذي يستعمل في مادّيات فيكون وجوده آنيا. فبالأمر توجد الأرواح وبالخلق توجد الأجسام المادية. قال الله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ. وقال وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ.
والأرواح عندنا أجسام لطيفة غير مادية خلافا لفلاسفة فإذا كان الروح غير مادي كان لطيفا نورانيا غير قابل للانحلال ساريا في الأعضاء للطافته، وكان حيا بالذات لأنّه عالم قادر على تحريك البدن. وقد ألّف الله [بين] الروح والنفس الحيوانية. فالروح بمنزلة الزوج والنفس الحيوانية بمنزلة الزوجة وجعل بينهما تعاشقا. فما دام في البدن كان البدن حيا يقظان، وإن فارقه لا بالكلّية بل تعلقه باق [ببقاء النفس الحيوانية] كان البدن نائما، وإن فارقه بالكليّة بأن لم تبق النفس الحيوانية فيه فالبدن ميّت.
ثم هي أصناف بعضها في غاية الصّفاء وبعضها في غاية الكدورة وبينهما مراتب لا تحصى. وهي حادثة؛ أمّا عندنا فلأنّ كل ممكن حادث لكن قبل حدوث الأجسام لقوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام». وعند أرسطو حادثة مع البدن.
وعند البعض قديمة لأنّ كل حادث مسبوق بالمادة ولا مادة له وهذا ضعيف. والحق أنّ الجوهر الفائض من الله تعالى المشرّف بالاختصاص بقوله تعالى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي الذي من شأنه أن يحيى به ما يتّصل به لا يكون من شأنه أن يفنى مع إمكان هذا.
والأخبار الدالّة على بقائه بعد الموت وإعادته في البدن وخلوده دالّة على بقائه وأبديته. واتفق العقلاء على أنّ الأرواح بعد المفارقة عن الأبدان تنقل إلى جسم آخر لحديث: «أنّ أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر» إلى آخره.

وروي: «أرواح الشهداء» الخ. ومنعوا لزوم التناسخ لأنّ لزومه على تقدير عدم عودها إلى جسم نفسها الذي كانت فيه وذلك غير لازم، بل إنّما يعاد الروح في الأجزاء الأصلية، إنّما التغيّر في الهيئة والشكل واللون وغيرها من الأعراض والعوارض.
ولفظ الروح في القرآن جاء لعدة معان.
الأول ما به حياة البدن نحو قوله تعالى:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ. والثاني بمعنى الأمر نحو وَرُوحٌ مِنْهُ والثالث بمعنى الوحي نحو تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ. والرابع بمعنى القرآن نحو وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا والخامس الرحمة نحو وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ والسادس جبرئيل نحو فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا انتهى من كليات أبي البقاء.
وفي الاصطلاحات الصوفية الروح في اصطلاح القوم هي اللطيفة الإنسانية المجرّدة.
وفي اصطلاح الأطباء هو البخار اللطيف المتولّد في القلب القابل لقوة الحياة والحسّ والحركة، ويسمّى هذا في اصطلاحهم النفس. فالمتوسّط بينهما المدرك للكلّيات والجزئيات القلب. ولا يفرّق الحكماء بين القلب والروح الأول ويسمّونها النفس الناطقة. وفي الجرجاني الروح الإنساني وهو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني نازل من [عالم] الأمر يعجز العقول عن إدراك كنهه، وذلك الروح قد يكون مجرّدة وقد يكون منطبقة في البدن. والروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن. والروح الأعظم الذي هو الروح الإنساني مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها، لذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم ولا يروم وصلها رائم لا يعلم كنهها إلّا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه وهو العقل الأول والحقيقة المحمدية والنفس الواحدة والحقيقة الأسمائية، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النوراني، جوهريته مظهر الذات ونورانيته مظهر علمها، ويسمّى باعتبار الجوهرية نفسا واحدة، وباعتبار النورانية عقلا أوّلا، وكما أنّ له في العالم الكبير مظاهر وأسماء من العقل الأول والقلم الأعلى والنور والنفس الكلية واللوح المحفوظ وغير ذلك، كذلك له في العالم الصغير الإنساني مظاهر وأسماء بحسب ظهوراته ومراتبه. وفي اصطلاح أهل الله وغيرهم وهي السّر والخفي والروح والقلب والكلمة والرّوع والفؤاد والصدر والعقل والنفس.

الذّهنية

الذّهنية:
[في الانكليزية] Abstract proposition
[ في الفرنسية] Proposition abstraite
بياء النسبة وتاء التأنيث عند المنطقيين قضية يكون الحكم فيها على الأفراد الذهنية فقط وقد سبق ذكرها في لفظ الحقيقية. وهي أقسام. منها ما يكون أفرادها موجودة في الذهن متصفا بمحمولاتها في الذهن اتصافا مطابقا للواقع، كجميع المسائل المنطقية، فإنّ محمولاتها عوارض تعرض للمعقولات الأولى في الذهن، ويكون لموضوعاتها وجودان ذهنيّان، أحدهما: مناط الحكم وهو الوجود الظّلّي الذي به يتغاير الموضوع والمحمول.

وثانيهما: الوجود الأصلي الذي به اتّحاد المحمول بالموضوع، وهو مناط الصدق والكذب الفارق بين الموجبة والسالبة. ومنها ما يكون محمولاتها منافية للوجود نحو شريك الباري ممتنع، واجتماع النقيضين محال، والمجهول المطلق يمتنع عليه الحكم، والمعدوم المطلق مقابل للموجود المطلق. فالمفهوم من كلام البعض أنّ في هذا القسم أيضا للموضوع وجودان أحدهما مناط الحكم والآخر مناط الصدق. والــتحقيق أنّ مناط الحكم هو تصوّرها بعنوان الموضوع ومناط الصدق هو الوجود الفرضي الذي باعتباره فرديتها للموضوع كأنّه قال: ما يتصوّر بعنوان شريك الباري ويفرض صدقه عليه ممتنع في نفس الأمر، وقس على ذلك، وقال المحقّق التفتازاني إنّ هذه الذّهنيات وإن كانت موجبة لا تقتضي إلّا تصوّر الموضوع حال الحكم كما في السوالب من غير فرق، وفيه أنّه يهدم المقدّمة البديهية التي يبتني عليها كثير من المسائل من أنّ ثبوت شيء لشيء فرع لثبوت المثبت له إذ التخصيص لا يجري في القواعد العقلية. وقال العلّامة في شرح الشمسية إنّها سوالب، وفيه أنّ الحكم فيها إنّما هو بوقوع النّسبة والإرجاع إلى السّلب تعسّف. ومنها ما يكون محمولاتها متقدّمة على الوجود أو نفس الوجود، نحو زيد ممكن أو واجب بالغير أو موجود، فلموضوعاتها وجود في الذّهن حال الحكم كسائر القضايا، أو لكون الاتصاف بها ذهنيّا انتزاعيا لا بدّ أن يكون لموضوعاتها وجود آخر في الذهن يكون مبدءا لانتزاع هذه الأمور ومناط صدق القضية واتحاد المحمولات معها.
ثم إذا توجّه العقل إليها ولاحظها من حيث إنّها موجودة بهذا الصدق انتزع عنها وجودا أو إمكانا ووجوبا آخر، وباعتبار الاتّصاف بهذا الوجود تستدعي تقدّم وجود يكون مصداقا لهذه الأحكام، وليست هذه الملاحظة لازمة للذهن دائما، فينقطع بحسب انقطاع الملاحظة. كذا حقق المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية في بحث العدول والتحصيل. 

الدّائرة

الدّائرة:
[في الانكليزية] Circle ،zone ،sphere
[ في الفرنسية] Cercle ،circonference ،zone
موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 775 الدائرة: ..... ص: 775

في الفرنسية] Cercle ،circonference ،zone
عند المهندسين وأهل الهيئة هي سطح مستو أحاط به خط مستدير. وتعرف أيضا بأنها سطح مستو يتوهّم حدوثه من إثبات أحد طرفي الخط المستقيم وإدارته حتى يعود إلى وضعه الأول. والمراد بالخط المستدير خط توجد في داخله نقطة تكون الخطوط الخارجة منها إليه، أي إلى ذلك الخط متساوية، وتلك النقطة مركز الدائرة، وتلك الخطوط أنصاف أقطار الدائرة، والخط المستدير محيط الدائرة، ويسمّى بالدائرة أيضا مجازا. وقيل الأمر بالعكس وتحقيق ذلك أنّه إذا أثبت أحد طرفي خط مستقيم وأدير دورة تامة يحصل سطح دائرة سمّي بها لأنّ هيئة هذا السطح ذات دورة على أنّ صيغة اسم الفاعل للنسبة، وإذا توهّم حركة نقطة حول نقطة ثابتة دورة تامة بحيث لا يختلف بعد النقطة المتحركة عن النقطة الثابتة يحصل محيط دائرة سمّي بها لأنّ النقطة كانت دائرة، فسمّي ما حصل من دورانها دائرة. فإن اعتبر الأول ناسب أن يكون إطلاق الدائرة على السطح حقيقة وعلى المحيط مجازا. وإن اعتبر الثاني ناسب أن يكون الأمر بالعكس، هكذا حقّق الفاضل عبد العلي البرجندي في حاشية الچغميني.
اعلم أنّ الدوائر المفروضة على الكرة على نوعين عظام وصغار. فالدائرة العظيمة هي التي تنصف الكرة والصغيرة هي التي لا تنصفها، والدوائر العظام المبحوث عنها في علم الهيئة هي معدل النهار ودائرة البروج وتسمّى بفلك البروج أيضا، ودائرة الأفق ودائرة الارتفاع ودائرة الميل ودائرة العرض ودائرة نصف النهار ودائرة وسط سماء الرؤية، هذه وهي المشهورة. وغير المشهورة منها دائرة الأفق الحادث ودائرة نصف النهار الحادث.

الذّمّة

الذّمّة:
[في الانكليزية] Obligation ،guarantee ،debt
[ في الفرنسية] Obligation ،garantie ،caution ،dette
بالكسر قال بعض الفقهاء إنّ الذّمة أمر لا معنى له، بل هي من مخترعات الفقهاء يعبّرون عن وجوب الحكم على المكلّف بثبوته في ذمّته، وهذا القول ليس بصحيح إذ في المغرب أنّ الذمّة في اللغة العهد ويعبّر بالأمان والضّمان، ويسمّى محلّ التزام الذمّة بها في قولهم ثبت في ذمتي كذا أي على نفسي. فالذمة في قول الفقهاء يراد به نفس المكلف. وذكر القاضي الإمام أبو زيد أنّ الذمّة شرعا وصف يصير به الإنسان أهلا لما له ولما عليه، فإنّ الله تعالى لمّا خلق الإنسان محلا للأمانة أكرمه بالعقل والذمة حتى صار أهلا لوجوب الحقوق له وعليه، وثبت له حقوق العصمة والحرّية والمالكية، كما إذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذّمّة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق. ثم هذا الوصف غير العقل، إذ العقل لمجرّد فهم الخطاب فإنّ الله تعالى عند إخراج الذّرية يوم الميثاق جعلهم عقلاء، وإلّا لم يجز الخطاب والسؤال ولا الإشهاد عليهم بالجواب، ولو كان العقل كافيا للإيجاب لم يحتج إلى الإشهاد والسؤال والجواب، فعلم أنّ الإيجاب لأمر ثبت بالسؤال والجواب والإشهاد وهو العهد المعبّر عنه بالذّمّة. فلو فرض ثبوت العقل بدون الذّمّة لم يثبت الوجوب له وعليه. والحاصل أنّ هذا الوصف بمنزلة السّبب لكون الإنسان أهلا للوجوب له وعليه، والعقل بمنزلة الشّرط.
ومعنى قولهم وجب ذلك في ذمّته الوجوب على نفسه باعتبار ذلك الوصف، فلما كان الوجوب متعلقا به جعلوه بمنزلة ظرف يستقر فيه الوجوب دلالة على كمال التعلّق وإشارة إلى أنّ هذا الوجوب إنّما هو باعتبار العهد والميثاق الماضي، كما يقال وجب في العهد والمروءة أن يكون كذا وكذا. وأمّا على ما ذكره فخر الإسلام من أنّ المراد بالذّمة في الشرع نفس ورقبة لها ذمّة وعهد، فمعنى هذا القول أنّه وجب على نفسه باعتبار كونها محلا لذلك العهد. فالرّقبة تفسير للنفس، والعهد تفسير للذّمة، وهذا في الــتحقيق من تسمية المحل باسم الحال، والمقصود واضح. هذا كله خلاصة ما في التلويح وحاشيته للفاضل الچلپي والبرجندي في باب الكفالة. 

الدّوران

الدّوران:
[في الانكليزية] Argumentation ،proof
[ في الفرنسية] Argumentation ،preuve
بفتحتين عند الأصوليين من مسالك العلّيّة أي من طرق إثبات كون العلّة علّة، وهو ترتّب الحكم على الوصف أي العلّة بأن يوجد الحكم في جميع صور وجود الوصف ويسمّى الطرد.
وقيل ترتبه عليه وجودا وعدما بأن يوجد الحكم في جميع صور وجود الوصف، ويعدم عند عدمه ويسمّى الطرد والعكس كالتحريم مع السّكر، فإنّ الخمر يحرّم إذا كان مسكرا، وتزول حرمته إذا زال إسكاره بصيرورته خلًّا، بخلاف بقية أوصاف الخمر كالرقة واللون والذوق والرائحة فإنّه لا تزول حرمته بزوال شيء من تلك الأوصاف، هكذا يستفاد من التلويح. وعلى الاصطلاح الأخير ما وقع في بعض الكتب الوجود عند الوجود هو الطرد والعدم عند العدم هو العكس، والمجموع هو المسمّى بالدوران انتهى. وقد يطلق الطرد مرادفا للدوران على كلا الرأيين، يدلّ عليه ما وقع في التلويح في بحث المناسبة الملائمة هي المناسبة وأنها تقابل الطرد أعني وجود الحكم عند وجود الوصف من غير اشتراط ملائمة وتأثير أو وجوده عند وجوده وعدمه عند عدمه على اختلاف الرأيين انتهى.
فائدة:
قد اختلف في إفادة الدوران العلّية أي دلالته عليها، فقيل يفيد مجرد الدوران ظنا، ومعنى كونه مجردا أن لا يعقل معه معنى آخر من تأثير أو إخالة ملائمة أو شبه أو سير. وقيل يفيد قطعا. وقيل لا يفيد لا قطعا ولا ظنا.
وتحقيق هذه الأقوال يطلب من العضدي والتلويح.

الدّواء

الدّواء:
[في الانكليزية] Drug ،medicine
[ في الفرنسية] Medicament
بالحركات الثلاث والفتح أشهر وبالمد في اللغة دمان. والجمع الأدوية. وعرفه الأطباء بما يؤثر في البدن أثرا ما بكيفية، أي بسبب كيفية، وهي احتراز عمّا يؤثّر فيه بمادته أو بصورته النوعية، فإنّ كلّا منهما خارج عن حكم الدواء المطلق ويدخل فيه الدواء المطلق والدواء السمّي وكذا الدواء الغذائي والغذاء الدوائي لأنّ كلّا منهما دواء من وجه وغذاء من وجه، وكذا الدواء الذي له خاصية ونحوها على ما يجيء في لفظ الغذاء، ويخرج منه الدواء المعتدل إذ لا أثر له أصلا، ولا ضير في خروجه إذ لا يقال له دواء إلّا مجازا. ولذا لا يقال إلّا مقيدا بأنّه معتدل. وهذا كما يقال للحجر المعمول على شكل السفينة إنّه سفينة حجر، ولا يقال إنّه سفينة مطلقا، وإذا أطلق الأطباء الدواء أرادوا به المستفرغ، هكذا يستفاد من شرح القانونچهـ وبحر الجواهر.
وفي كليات أبي البقاء الداء وهو ما يكون في الجوف والكبد والرئة والقلب والأمعاء والكلية، والمرض هو ما يكون في سائر الأبدان. والدواء اسم لما يستعمل لقصد إزالة المرض أو الألم أو لأجل حفظ الصحة ليبقى على الصحة بخلاف الغذاء، فإنّه اسم لما يستعمل لقصد تربية البدن وإبقائه ليتحصّل بدل ما يتحلّل بسبب الحرارة الغريزيّة أو بسبب عروض العوارض.
التقسيم
الدواء إمّا مفرد وهو الدواء الواحد وإمّا مركّب وهو ما يكون مركّبا من دواءين أو أكثر ومن الأدوية ما هو مركّب القوى وهو الذي له المزاج الثاني لتركّبه من ذوات الأمزجة.

وتركيب ما له مزاج ثان قسمان: طبيعي كاللبن وصناعي كالترياق ويجيء في لفظ المزاج.
فائدة:
قالوا للأدوية أربع درجات. أمّا الدرجة الأولى فهي أن يكون فعل الدواء فعلا غير محسوس أي بالإحساس الظاهر، فهو احتراز عن باقي الدرجات والدواء المعتدل غير داخل في مطلق الدواء فلا حاجة إلى الاحتراز عنه، ولو سلم دخوله مجازا، فخرج بقولنا الظاهر لأنّه لا يحس بتأثيره أصلا، وإن تكثّر مقداره وتعدّد استعماله بخلاف الدواء الذي هو في الدرجة الأولى فإنّه يسخن ويبرد مثلا تسخينا وتبريدا لا يحسّ به إحساسا ظاهرا، لكن إن تكرّر التناول أو يكثر مقدار المتناول فيحسّ به إحساسا ظاهرا. وأمّا الدرجة الثانية فهي أن يكون الفعل فيه أقوى من ذلك بأن يكون تأثيره محسوسا، لكن لا يبلغ ذلك الفعل إلى أن يضر بالأفعال ضررا بيّنّا إلّا أن يتكثّر أو يتكرّر. وأمّا الدرجة الثالثة فهي أن يكون الفعل فيه موجبا بالذات إضرارا بيّنّا، لكن لا يبلغ إلى أن يفسده ويهلكه إلّا أن يتكثّر أو يتكرّر. وأمّا الدرجة الرابعة فهي أن يكون الفعل بحيث يبلغ إلى أن يهلكه ويفسده، ويسمّى الدواء الذي في هذه الدرجة بالدواء السّمّي، وهو غير السّم لأنّ هذا الدواء قاتل بكيفيّته والسّم قاتل بصورته النوعية، ولذا لا يعرض من النار ما يعرض من السّموم كسمّ الأفعى والعقرب وغير ذلك.
اعلم أنّه لا يوصل إلى تحقيق درجة الدواء إلّا بالتناول والمراد به المعتدل في نوعه والمأخوذ بمقدار مخصوص وهو المقدار المستعمل منه عادة وذلك لأنّ الشيخ قال في طبيعيات الشفاء إنّ كمية الشيء إذا ازدادت ازدادت الكيفية، ولذا أشكل المسيحي أنّ الحارّ في الثانية مثلا لا يخلو إمّا أن يكون قد عيّن له مقدار مخصوص أولا يكون. فإن كان الأول لزم من زيادة مقداره خروجه عن درجة إلى التي فوقها ومن نقصانه خروجه إلى التي تحتها، ويلزم منه أن يكون كل دواء حار حارا في الدرجات الأربع بحسب زيادة مقداره ونقصانه، وكذلك البارد وهو مخالف مذهب الأطباء. وإن كان الثاني يلزم أن يكون تسخين أرطال من الفلفل كتسخين أقلّ قليل منه وهو ظاهر البطلان. والجواب عنه أن نقول قد عيّن له مقدار مخصوص وهو المقدار الذي إذا أورد على البدن فعل تسخينا غير مضرّ بالفعل وهذا التعيين ليس شرطا لكون درجته ثانية بل لتعلم درجته، ولذلك لو زال ذلك التعيين لا يخرج الدواء عن درجته لأنّ معنى الحار في الأولى أنّه يخرج عن المعتدل بجزء واحد حار وفي الثانية عن الأولى بجزء واحد، وكذلك الثالثة عن الثانية والرابعة عن الثالثة، فيكون الحار في الرابعة فيه خمسة أجزاء حارة وواحد بارد، فنسبة البارد إلى الأجزاء الحارة في الرابعة الخمس وفي الثالثة الربع وفي الثانية الثلث وفي الأولى النصف، فما دامت هذه النسبة محفوظة بين البارد والحار كان الدواء في تلك الدرجة ولا يخرج بالتكرار وزيادة المقدار وقوة التأثير عندهما إلى درجة أعلى كما قال القرشي، كذا في شرح القانونچهـ.
والحاصل أنّ معنى الدرجة الأولى بالحقيقة كون الدواء الواقع فيها أزيد بجزء واحد من أجزاء المعتدل وكونه فاعلا لفعل غير محسوس لازم له لا أنّه معنى حقيقي لها، وتعريفها بهذا المعنى اللازم للمعنى الحقيقي لتضمنه الإشارة إلى طريقة معرفة هذه الدرجة، والتعريف باللازم شائع كثير لا محذور فيه وعلى هذا فقس معاني سائر الدرجات.
قال في بحر الجواهر مراد الأطباء أنّ من الدواء في الدرجة الأولى هو أن يؤثّر في هواء البدن وفي الثانية أنّه يتجاوز عنه ويؤثّر في الرطوبة وفي الثالثة أنّه يتجاوز عنها ويؤثّر في الشحم وفي الرابعة أنّه يتجاوز عنها ويؤثّر في اللحم والأعضاء الأصلية ويستولي على الطبيعة انتهى. قال الإمام الرازي ليعلم أنّ بدن الإنسان مركّبة من أربعة أشياء وهي الروح والعضو والخلط والفضاء، فكلّ ما يرد على البدن دواء يسخن الفضاء فهو في الدرجة الأولى، وما يفعل هذا ويسخن الخلط فهو في الدرجة الثانية، وما يفعل هذين الفعلين ويسخن العضو فهو في الثالثة، وما يفعل هذه الأفاعيل ثم يسخن الروح فهو في الدرجة الرابعة، وهو بمنزلة السّم وما ذكر رسومات أيضا وليست بحدود وإلّا يرد عليه مثل الإيراد المذكور أيضا.

الدّهرية

الدّهرية:
[في الانكليزية] Atheism ،materialism -Atheisme ،materialisme ،al
[ في الفرنسية] dahriya (secte)
فرقة من الكفار ذهبوا الى قدم الدهر واستناد الحوادث الى الدهر كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ كذا في شرح المقاصد. وذهبوا الى ترك العبادات رأسا لأنها لا تفيد، وإنّما الدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو الواقع فيه. فما ثمّ إلّا أرحام تدفع وأرض تبلع وسماء تقلع وسحاب تقشع وهواء تقمع، ويسمّون بالملاحدة أيضا. فهم عبدوا الله من حيث الهوية. قال عليه السلام «إنّ الدهر هو الله» كذا في الإنسان الكامل في باب سرّ الأديان ويجيء في لفظ الشرك أيضا. وفي كليات أبي البقاء الدهر هو في الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده الى انقضائه ومدة الحياة، وهو في الحقيقة لا وجود له في الخارج عند المتكلّمين لأنه عندهم عبارة عن مقارنة حادث لحادث، والمقارنة أصل اعتباري عدمي. ولذا ينبغي [في الــتحقيق] أن لا يكون عند من حدّه من الحكماء بمقدار حركة الفلك. وأما عند من عرّفه منهم بأنّه حركة الفلك فإنه وإن كان وجوديّا إلّا أنه لا يصلح للتأثير. والدهر معرّفا الأبد بلا خلاف. وأمّا منكّرا فقد قال أبو حنيفة رحمه الله لا أدري كيف هو في حكم التقدير لأنّ مقادير الأسماء واللغات لا تثبت إلّا توقيفا.
وجاء في ترجمة المشكاة للشيخ عبد الحق الدّهلوي في شرح حديث: «يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدهر وأنا الدهر»، إلى آخره، مذكور أنّ الدهر بمعنى الفاعل والمدبّر والمتصرّف، لأنّ سبّ الدّهر مشعر باعتقاد أنّه فعّال ومتصرّف.

ويقال: الدّهر اسم فاعل متصرّف. لذلك قال:
«أنا الدّهر» يعني ما تعتقده (يا ابن آدم) بأنّه فاعل ومتصرّف فأنا الفاعل والمتصرّف فثمّة مضاف محذوف أي أنا مقلّب الدّهر، كما يدلّ على ذلك آخر الحديث، أعني: بيدي الأمر أقلب الليل والنهار. وقال الكرماني (شارح البخاري):
المراد بأنا الدهر أنا المدهر أي مقلّبه. وقال بعضهم: الدّهر هو من الأسماء الحسنى الإلهية.
وقد أنكر ذلك «الخطابي»، ولكن صحّة ذلك تفهم من القاموس مع صرف النظر عنها كون ذلك ليس فيه معنى جيدا، إلّا بمعنى: الدّهر:
فاعل ومتصرّف ووجود الأذى بسبّ الدّهر من حيث إنّ الذّمّ والسبّ مشعر بثبوت التصرّف له، أو من حيث أنّ سبّ الدّهر يؤول إلى الله لأنّه هو الفاعل الحقيقي، نعوذ بالله من ذلك، كذا قالوا انتهى.

الدّليل

الدّليل:
[في الانكليزية] Proof ،demonstration ،sign
[ في الفرنسية] Preuve ،demonstration ،indice ،signe
لغة المرشد وهو الناصب والذاكر وما به الإرشاد. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع لأنّه نصب العالم دليلا على نفسه أو العالم بكسر اللام لأنّه الذي يذكر للمستدلّين كون العالم دليلا على الصانع أو العالم بفتح اللام لأنّه الذي به الإرشاد كما في العضدي. وعند الأطباء هو العلامة كما يستدلّ من حمرة القارورة على غلبة الدم، ومن صفرته النارنجية على الصفراء، كذا في السديدي شرح المؤجز. وفي بحر الجواهر الدليل هو علامة يهتدي بها الطبيب إلى المرض. وقد يطلق على القارورة لأنّه يهتدي بها إليه. وإنّما خصّ الأطباء البول بالدليل تنبيها على أنّ له مدخلا عظيما في الاستدلال على أحوال البدن انتهى.
وعند المنجّمين هو المزاعم كما سيجيء. وعند الأصوليين له معنيان، أحدهما أعمّ من الثاني مطلقا. فالأول الأعمّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وهو يشتمل القطعي والظنّي، وهذا المعنى هو المعتبر عند الأكثر. والثاني الأخصّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري وهذا يخصّ بالقطعي وهو القطعي المسمّى بالبرهان. والعلم بمعنى اليقين على اصطلاح المتكلّمين والأصوليين والظنّي يسمّى أمارة، هكذا ذكر السيد الشريف في حاشية العضدية، وهكذا اصطلاح المتكلّمين كما في المواقف وشرحه. إلّا أنّه ذكر له معان ثلاثة، حيث قال:
الطريق ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب فإن كان المطلوب تصورا سمّي طريقه معرّفا وإن كان تصديقا سمّي طريقه دليلا. وهو أي الدليل بالمعنى المذكور يشتمل الظنّي الموصل إل الظنّ كالغيم الرطب الموصل إلى الظنّ بالمطر، والقطعي الموصل إلى القطع كالعالم الموصل إلى العلم بوجود الصانع. وقد يخصّ الدليل بالقطعي ويسمّى الظنّي أمارة، وقد يخصّ الدليل أيضا مع التخصيص الأول بما يكون الاستدلال فيه من المعلول على العلّة ويسمّى برهانا إنّيا ويسمّى عكسه، وهو ما يستدل فيه من العلة على المعلول تعليلا وبرهانا لمّيا. والدليل عند الميزانيين منقسم إلى القياس والاستقراء والتمثيل لأنّ الدليل لا يخلو إمّا أن يكون على طريق الانتقال من الكلّي إلى الكلّي أو إلى الجزئي فيسمّى برهانا وقياسا، أو من الجزئي إلى الكلّي فيسمّى استقراء، أو من الجزئي إلى الجزئي فيسمّى تمثيلا، هكذا في حواشي السلم.
وذكر المحقق التفتازاني في حاشية العضدي أنّه قال الآمدي: أمّا الدليل فقد يطلق في اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل.
وقيل الذاكر له، وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد وهو المسمّى دليلا في عرف الفقهاء سواء أوصل إلى علم أو ظن. والأصوليون يفرّقون فيخصّون الدليل بما يوصل إلى علم والامارة بما يوصل إلى ظن، فحدّه عند الفقهاء ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وعند الأصوليين ما يمكن التوصّل به إلى العلم بمطلوب خبري. ثم قال المحقّق التفتازاني والأقرب أنّ اصطلاح الأصول ما ذكره الشارح أي شارح مختصر الأصول وهو عضد الملّة والدين. وبعد هذا فنشرع في شرح التعريف للدليل بالمعنى الأول فإنّه يكفيك.
فنقول اعتبر إمكان التوصّل إذ الدّليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصّل بالفعل فإنّه لا يخرج عن كونه دليلا بأن لا ينظر فيه أصلا، ولو اعتبر وجود التوصّل يخرج عن التعريف ما لم ينظر فيه أحد أبدا، والإمكان إن أريد به الإمكان الخاص يختص التعريف بمذهب الأشعري، وإن أريد به الإمكان الجامع للوجوب والفعل فيشتمل التوصّل عادة كما هو مذهب أهل السّنة. والتوصّل توليدا كما هو مذهب المعتزلة. والتوصل اعدادا كما هو مذهب الحكماء. والتوصّل لزوما كما هو مذهب الرازي يصحّ التعريف على جميع المذاهب المذكورة. وحيث كان التوصل أعمّ من أن يكون إلى علم أو ظنّ يتناول التعريف القطعي والظنّي. والمراد بالنظر فيه ما يتناول النظر في نفسه والنظر في أحواله وصفاته بأن يطلب من أحواله ما هو وسط مستلزم للحال المطلوب إثباته للمحكوم عليه. وترتب مقدمتان إحداهما من الوسط والمحكوم عليه وثانيتهما من الوسط، والحال المطلوب إثباته ويحصل منهما المطلوب الخبري، كالعالم فإنّه دليل على وجود الصانع إذا نظر في أحواله كالحدوث بأن يقال العالم حادث وكلّ حادث فله صانع، والمقدّمات المتفرّقة والمترتبة الغير المأخوذة مع الترتيب إذا نظر في أنفسها بأن ترتب ترتيبا صحيحا مستجمعا لشرائط الإنتاج يتوصّل بها إلى المطلوب الخبري. وبالجملة فقوله النظر في نفسه يتناول التصوّرات المتعدّدة متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدّمات متفرّقة أو مترتّبة كذلك. وقوله والنظر في أحواله يتناول المفرد فقط، فعلم من هذا أنّ الدليل عندهم قسمان: مفرد ومركّب وهو المقدّمات الغير المأخوذة مع الترتيب. وأمّا المقدمات المأخوذة مع الترتيب فهي خارجة عن تعريف الدليل عندهم، وأمّا عند المنطقيين فهي الدليل لا غير.
فأقول إذا تناول النظر ما يتناول النظر في نفسه والنّظر في أحواله فيتناول التعريف التصوّرات المتعدّدة متفرّقة كانت أو مترتبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدمات متفرقة أو مترتبة كذلك. أمّا إذا أخذت مع الترتيب فهي خارجة عن التعريف لاستحالة النّظر فيها، إذا النظر هو الترتيب. وكذا يتناول المفرد الذي من شأنه إذا نظر في أحواله يوصل إلى المطلوب كالعالم مثلا فإنه أيضا يسمّى عندهم دليلا رعاية لظاهر ما ورد به النصوص فإنّها ناطقة بكون السموات والأرض وما فيها أدلة. وبالجملة لو لم يرد العموم فإن خصّ بالنظر في نفسه خرج المفرد مع أنّه دليل عندهم، وإن خصّ بالنظر في أحواله خرج المعرّف مطلقا بهذا القيد إذ لا يقع الترتيب في أحواله فيلزم استدراك قيد الخبري فلا بد من التعميم فإذا عمّم النظر ظهر تناوله للجميع وقيد النظر بالصحيح وهو المشتمل على شرائطه مادّة وصورة إذ الفاسد ليس في نفسه سببا للتوصل ولا آلة له، وإن كان قد يفضي إليه فذلك إفضاء اتفاقي، فلو لم يقيد وأريد العموم خرجت الدلائل بأسرها إذ لا يمكن التوصّل بكل نظر فيها، وإن اقتصر على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه على افتراق الصحيح والفاسد في ذلك. والحكم بكون الإفضاء في الفاسد اتفاقيا إنّما يصحّ إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط عقلي يصير به بعضها وسيلة إلى بعض أو يخصّ بفساد الصورة أو بوضع ما ليس بدليل مكانه. وتقييد المطلوب بالخبري لإخراج المعرّف. ولو قيد المطلوب بالتصوّر يصير تعريفا للمعرّف، وإن جرّد عن القيدين يصير حدّا للمشترك بينهما أعني الموصل إلى المجهول المسمّى بالطريق عندهم.
وعند المنطقيين له معنيان أيضا أحدهما أعمّ من الثاني كما ذكر السيّد الشّريف في حاشية العضدي. الأول الموصل إلى التصديق قياسا كان أو تمثيلا أو استقراء، والثاني القياس البرهاني. وعلى الأول عرّف بأنّه قولان فصاعدا يكون عنه قول آخر. والمراد بالقولين قضيتان معقولتان أو ملفوظتان، فإنّ الدليل كالقول والقضية يطلق على المعقول والمسموع اشتراكا أو حقيقة ومجازا. وقيل أي مركّبان ويخرج بقوله يكون عنه قول آخر قولان فصاعدا من المركبات التقييدية أو منها ومن التّامة كما يخرج قولان من التامة إذا لم يشتركا في حدّ أوسط.
وإنّما قال فصاعدا ليشتمل القياس المركّب.
وفي توحيد الضمير وتذكيره في عنه تنبيه على أنّ الهيئة لها مدخل في ذلك. قيل إنّما وصف القول بالآخر ليخرج عنه مجموع أيّة قضيتين اتفقتا فإنّه يستلزم إحداهما. وهذا لا يصحّ هاهنا إذ لا تكون عنه إحداهما. ولمّا اعتبر حصول القول الآخر سواء كان لازما بيّنا أو غير بيّن أو لا يكون لازما يتناول الحدّ الأمارة وغيرها لأنّه يجمع التمثيل والاستقراء والقياس البرهاني والجدلي والخطابي والشعري والمغالطي. وعلى الثاني عرّف بأنّه قولان فصاعدا يستلزم لذاته قولا آخر إذ هذا يختص بالقياس البرهاني، إذ غير البرهان لا يستلزم لذاته شيئا آخر لأنّه لا علاقة بين الظنّ وبين شيء يستفاد هو منه لانتفائه مع بقاء سببه الذي يوصل منه إليه كالغيم الرّطب يكون أمارة للمطر ثم يزول ظنّ المطر بسبب من الأسباب مع بقاء الغيم بحاله. فإن قيل قد أطبق جمهور المنطقيين على اعتبار قيد الاستلزام في تعريف القياس وجعلوه مع ذلك شاملا للصناعات الخمس. أجيب بأنّهم زادوا قيدا آخر هو تقدير تسليم مقدماته. فالاستلزام في الكلّ إنّما هو على ذلك التقدير وأمّا بدونه فلا استلزام إلّا في البرهان، وفساده ظاهر لأنّ التسليم لا مدخل له في الاستلزام، فإنّ تحقّق اللزوم لا يتوقف على تحقّق الملزوم ولا اللازم، ويجيء أيضا في لفظ القياس مع بيان فائدة قيد تقدير التسليم، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي. والظاهر أنّ هذا التعريف شامل للصناعات الخمس مرادف للقياس، ويؤيده ما ذكر الهداد- الهادية- في حاشية الكافية في تقسيم الكلمة إلى الاسم وأخويه من أنّ الدليل والقياس في اصطلاح المنطقيين بمعنى واحد، وهو قول مؤلّف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر انتهى.
نعم قد يطلق الدليل عندهم على معنى أخصّ أيضا وهو البرهان كما عرفت، ولكن هذا التعريف ليس تعريفا له وإن ذكروه في تعريفه.
قيل وفي هذا التعريف الثاني بحث وهو أنّ فيضان النتيجة بطريق العادة عند الأشاعرة ولا استلزام ذاتيا هناك، إذ لا مؤثّر إلّا الله سبحانه.
فإن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا كما هو المتبادر صحّ التعريف الثاني على رأي أصحابه دون الواقع بخلاف الأول فإنّه صحيح مطلقا، إذ لم يذكر فيه الاستلزام الذاتي، وإن حمل على الدوام والامتناع العادي فقد عدل به عن ظاهره انتهى. يعني أنّ هذا التعريف صحيح عند من عرّفه به غير صحيح بحسب الواقع ونفس الأمر إن أريد بالاستلزام الذاتي ما هو المتبادر منه، أو معدول به عن ظاهره إن حمل الاستلزام الذاتي على الدوام فلا يخلو عن الاضطراب. أقول صحة التعريف يكفي فيها انطباقه على مذهب من يقول به، وكونه غير مطابق للواقع لا يضرّه في صحته كما لا يخفى. ولذا قال المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي: إن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا لا يصح التعريف إلّا على مذهب الحكماء والمعتزلة، وإن أريد به امتناع الانفكاك في الجملة عقليا كان أو عاديا يصحّ على رأي الأشاعرة أيضا انتهى. لكن بقي هاهنا شيء وهو أنّ الدليل باصطلاح المنطقيين والحكماء يباين الدليل باصطلاح المتكلّمين والأصوليين. فما عرّفه به أحد الفريقين كيف ينطبق على مذهب الفريق الآخر.
أقول أمّا وجه تطبيق هذين التعريفين المذكورين للدليل على مذهب المتكلّمين والأصوليين فبأن يراد بالقولين الغير المرتّبين، ويراد بالتكوّن والاستلزام ما يكون بالنظر الصحيح في أنفسهما، فيكون هذان التعريفان تعريفين لأحد قسمي الدليل عندهم وهو المركّب. وأمّا وجه تطبيق تعريف الدليل بأنّه ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى آخره فبأن يراد بلفظ ما المقدمات المأخوذة مع الترتيب؛ كأنّه قيل الدليل مقدمات مترتّبة يتوصّل بها بسبب النظر الصحيح فيها أي بسبب ترتيبها إلى المطلوب الخبري، هذا ما عندي.
وعرف الدليل أيضا بما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والمراد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني بقرينة أنّ الدليل لا يطلق اصطلاحا إلّا على الموصل إلى التصديق المقابل للمعرّف، فخرج المعرّف بالنسبة إلى المعرّف والملزوم بالنسبة إلى اللازم، فإنّ تصوّر الملزوم يستلزم تصوّر اللازم لا التصديق به. والمراد بلزومه من آخر كونه حاصلا منه بأن يكون علّة له بطريق جري العادة أو التوليد أو الإعداد بقرينة كلمة من، فإنّه فرّق بين اللازم للشيء وبين اللازم من الشيء فتخرج القضية المستلزمة لقضية أخرى كالعلم بالنتيجة فإنّه يستلزم العلم بالمقدمات المستنتجة منها سواء كانت بديهية أو كسبية. لكن يرد عليه ما عدا الشكل الأول لعدم اللزوم بين علم المقدّمات على هيئة غير الشكل الأول وبين علم النتيجة لا بيّنا وهو ظاهر، ولا غير بيّن لأنّ معناه خفاء اللزوم وحيث لا لزوم لا خفاء، إذ الخفاء إنّما يتصوّر بعد وجود اللزوم. وأجيب بأنّ تفطن كيفية الاندراج شرط الإنتاج في كل شكل، فالمراد ما يلزم من العلم به بعد تفطن كيفية الاندراج. ولا شكّ في تحقق اللزوم في جميع الأشكال. ويمكن أن يقال إطلاق الدليل على الأشكال الباقية باعتبار اشتمالها على ما هو دليل حقيقة وهو الشكل الأول. وأيضا يرد عليه المقدمات التي تحدس منها النتيجة وهي بعينها واردة على تعريفه السابق وهو قولان فصاعدا، يستلزم عنه قول آخر، اللهم إلّا أن يراد بالاستلزام واللزوم ما يكون بطريق النظر بقرينة أنّ التعريف للدليل، فحينئذ لا انتقاض لفقدان النظر لأنّه عبارة عن الحركتين، والحركة الثانية مفقودة في الحدس.
ثم هذا التعريف أوفق باصطلاح المنطقيين سواء أريد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني لأنّ لزوم العلم بشيء آخر من غير أن يتوقّف على أمر إنّما هو في المقدّمات مع الترتيب دون المفرد، والمقدمات الغير المأخوذة مع الترتيب. ويمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين والأصوليين أيضا بأن يقال المراد باللزوم اللزوم بشرط النظر، والدليل المفرد بشرط النظر في أحواله يستلزم المطلوب الخبري، فإنّ العلم بالعالم من حيث الحدوث بأن يتوسّط بين طرفي المطلوب، فيقال العالم حادث وكل حادث فله صانع يستلزم العلم بأنّ العالم له صانع، هذا خلاصة ما في الخيالي وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.
تنبيه
قد علم مما سبق أنّ الدليل عند الأصوليين والمتكلّمين سواء أخذ بحيث يعمّ القطعي والظني أو بحيث يخصّ بالقطعي أو بحيث يخصّ بالبرهان الإنّي ينقسم إلى قسمين:
مقدمات متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب والمفردات. وأنّ الدليل عند المنطقيين سواء أخذ بحيث يعمّ القياس وغيره أو بحيث يختصّ بالقياس أو بحيث يختصّ بالقياس البرهاني هو القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما لا غير فالمعنيان المصطلحان متباينان صدقا. ومن زعم تساويهما في الوجود بشرط النّظر في المعنى الأصولي لزمه القول بوجوده أي بوجود المعنى الأصولي في الكواذب. والحاصل أنّ الدليل عند الأصوليين على إثبات الصانع العالم مثلا؛ وكذا قولنا العالم حادث وقولنا وكلّ حادث فله صانع. وعند المنطقيين مجموع قولنا العالم حادث وكل حادث فله صانع، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي.
اعلم أنّه ذكر في بعض شروح هداية النحو في الخطبة الدليل في اللغة الهادي والمرشد وفي الاصطلاح هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. وعند الفلاسفة عبارة عن مجموع الأقوال التي يؤدّي تصديقها إلى تصديق قول وراء تلك المجموع. وعند الأصوليين عبارة عما يستدل بوقوعه وبشيء آخر من حالاته على وقوع غيره وعلى شيء من أوصافه على ما صرّحوا في موضعه. وعند المتكلّمين هو الذي يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري. وعند المنطقيين قول مؤلّف من قضايا يستلزم لذاته قولا آخر وهو قياس واستقراء وتمثيل، ويرادفه الحجّة انتهى.
أقول وفيما ذكره نظر فإنّ قوله وفي الاصطلاح إن أراد به اصطلاح النحاة بقرينة أنّ الكتاب في علم النحو فلا نسلم أنّ للنحاة اصطلاحا منفردا في هذا اللفظ مع أنّك قد عرفت أنّ مرجع ذلك التعريف إمّا إلى اصطلاح أهل الميزان أو إلى اصطلاح المتكلّمين أو أهل الأصول. وإن أراد به اصطلاح العلماء بمعنى أنهم جميعا يعرفون بهذا التعريف وإن اختلف وجهه فلا يفيد كثير فائدة. وأيضا لا خفاء في أنّ محصّل التعريف المنقول عن الفلاسفة هو أنّ الدليل بمعنى الموصل إلى التصديق قياسا كان أو غيره، وقد عرفت أنّ هذا المعنى من مصطلحات أهل الميزان، فلا يعرف للفلاسفة اصطلاحا منفردا، بل الظاهر أنهم يوافقون في هذا لأهل الميزان. وأيضا محصّل التعريف المنقول عن الأصوليين هو أنّ الدليل ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وقد عرفت أنّه لا فرق في الاصطلاح بينهم وبين المتكلّمين لا في هذا التعريف الأعمّ ولا في التعريف الأخصّ الذي نسبه ذلك الشارح إلى المتكلمين، فالتعويل على ما ذكرناه سابقا.
التقسيم

قال المتكلّمون: الدليل إمّا عقلي بجميع مقدماته قريبة أو بعيدة، أو نقلي بجميعها، أو مركّب منهما. والأول هو الدليل العقلي المخصوص الذي لا يتوقّف على السمع أصلا. والثاني النقلي المحض وهذا لا يتصوّر إذ صدق المخبر لا بد منه حتى يفيد العلم وأنّه لا يثبت إلّا بالعقل. والثالث أي المركّب منهما هو الذي يسمّيه معاشر المتكلّمين بالنقلي لتوقفه على النقل في الجملة، فانحصر الدليل في قسمين العقلي المحض والمركّب من العقلي والنقلي، هذا هو الــتحقيق. ولا يخفى أنّ هذا التقسيم إذا أريد بالدليل المقدمات المترتبة فلا غبار عليه، لكن لا يمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين. أمّا إذا أريد به مأخذها كالعالم للصانع وكالكتاب والسنة والإجماع للأحكام فلا معنى له. فطريق القسمة أنّ استلزامه للمطلوب إن كان بحكم العقل فعقلي وإلّا فنقلي، كذا في شرح المقاصد. ووقع في عبارة بعضهم تثليث القسمة بطور صحيح، فقيل مقدمات الدليل القريبة قد تكون عقلية محضة كقولنا العالم متغيّر وكل متغيّر حادث. وقد تكون نقلية محضة كقولنا تارك المأمور به عاص بقوله تعالى أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي وكلّ عاص يستحق النار لقوله تعالى وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ وقد يكون بعضها مأخوذا من النقل وبعضها مأخوذا من العقل لا من النقل فيشتمل المأخوذة من الحس كقولنا هذا تارك المأمور به وكل تارك المأمور به عاص، فإنّ المقدمة الأولى يحكم بها العقل ولو بواسطة الحسّ ولا يتوقف على النقل، فلا بأس أن يسمّى هذا القسم الأخير بالمركّب.
ثم المطالب التي تطلب بالدليل ثلاثة أقسام. احدها ما يمكن عند العقل أي لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه نحو جلوس الغراب الآن على المنارة فهذا المطلب لا يمكن إثباته إلّا بالنقل لأنّه لمّا كان غائبا عن العقل والحسّ معا استحال العلم بوجوده أو بعدمه إلّا من قول الصادق، ومن هذا القبيل تفاصيل أحوال المعاد. وثانيها ما يتوقّف عليه النقل مثل وجود الصانع تعالى ونبوّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم فهذا المطلب لا يثبت إلّا بالعقل لأنّه لو ثبت بالنقل لزم الدور، لأنّ كلّ واحد منهما يتوقف على الآخر. وثالثها ما عداهما كالحدوث إذ يمكن إثبات الصانع بدونه بأن يستدلّ على وجوده بإمكان العالم ثم يثبت كونه عالما مرسلا للرسل ثم يثبت بأخبار الرسل حدوث العالم. وهذا المطلب يمكن إثباته بالعقل وكذا بالنقل. ثم اعلم أنّهم اختلفوا في إفادة النقلية اليقين. فقيل لا يفيد وهو مذهب المعتزلة، وجمهور الأشاعرة. وقيل قد يفيد بقرائن مشاهدة من المنقول عنه أو متواترة تدلّ على انتفاء الاحتمالات وهو الحق، وتفصيله في شرح المواقف.

دائرة البروج

دائرة البروج:
[في الانكليزية] Zodiac
[ في الفرنسية] Zodiaque
عند أهل الهيئة هي منطقة الفلك الثامن سمّيت بها لقسمة البروج عليها أولا، ويسمّى أيضا بمنطقة البروج وبدائرة أوساط البروج لمرورها بأوساطها، وبالدائرة الشمسية لتحرّك الشمس دائما في سطحها. ويسمّى أيضا بطريقة الشمس وبمجراها لذلك، ويسمّى أيضا بفلك البروج مجازا. وقيل دائرة البروج في الحقيقة دائرة حادثة في سطح الفلك الأعلى من توهّم قطع مدار الشمس لكرة العالم كأنّها مدار الشمس لا منطقة الثامن، ولذا سمّيت بالدائرة الشمسية. وفيه نظر لأنّ تعريفها بمدار الشمس وتسميتها بالمدار الشمسية لا يدلّان على أنها في الحقيقة حادثة من توهّم قطع منطقة خارج المركز لكرة العالم لجواز حدوثها من توهّم قطع منطقة الثامن لكرة العالم. ولمّا كانت الشمس تلازم سطح تلك الدائرة عرفت بمدار الشمس وسمّيت بالدائرة الشمسية. والــتحقيق أنّ منطقة البروج ودائرة البروج ودائرة أوساط البروج قد تطلق على منطقة الفلك الثامن لأنّ البروج قد اعتبرت أولا عليها، وحينئذ تخصّص باسم منطقة الحركة الثانية ونطاقها وفلك البروج، وقد تطلق على الدائرة الحادثة في الفلك الأعلى من توهّم مدار مركز الشمس بحركتها الخاصة قاطعا للعالم، فإنّ البروج مفروضة بالحقيقة على الفلك الأعلى، وحينئذ تخصّص باسم الدائرة الشمسية وطريقة الشمس ومجراها. وقد تطلق كل من الأسماء المختصة بأحد المعنيين على الآخر لأنها في سطح واحد. وبالجملة إطلاق منطقة البروج على منطقة الفلك الثامن باعتبار الأصل لأنّ القدماء لم يثبتوا الفلك الأعظم، وعلى الحادثة في سطح الفلك الأعظم في محاذاتها باعتبار الحال، فإنّه بعد إثبات الفلك الأعظم توهّم أنّ منطقة خارج الشمس التي هي في سطح منطقة الثامن قاطعة للعالم، فحدثت في سطح الفلك الأعظم دائرة فسميت منطقة البروج لأنّهم أرادوا إثبات الدوائر في سطحه. هكذا يستفاد مما ذكر عبد العلي البرجندي في شرح التذكرة وحاشية الچغميني.

الأربعة المتناسبة

الأربعة المتناسبة:
[في الانكليزية] The inversely proportional
[ في الفرنسية] Les inversement proportionnels
هي عند المحاسبين أربعة أعداد أو مقادير نسبة ما فرض منها أوّلا إلى ما فرض منها ثانيا، تكون كنسبة ما فرض منها ثالثا إلى ما فرض منها رابعا، والأول والرابع يسمّى بالطّرفين، والثاني والثالث يسمّى بالوسطين.
مثلا نسبة الأربعة إلى الثمانية كنسبة الخمسة إلى العشرة، فهذه الأعداد أربعة متناسبة، فكما أنّ نسبة الأربعة التي هي الأولى فرضا إلى الثمانية التي هي الثانية فرضا نسبة النصف إلى الكلّ، كذلك نسبة الخمسة إلى العشرة، وتلزمها مساواة مسطّح الطّرفين لمسطّح الوسطين. وأما ما في حكم الأربعة المتناسبة فثلاثة أعداد أو مقادير نسبة أولها إلى ثانيها كنسبة ثانيها إلى ثالثها، مثلا نسبة الأربعة إلى الثمانية كنسبة الثمانية إلى الستة عشر، وتسمّى متناسبة الفرد أيضا، وكونها في حكم الأربعة المتناسبة لمساواة مربّع الوسط فيها لمسطّح الطّرفين، وتحقيق ما ذكرنا بما لا مزيد عليه يطلب من شرحنا على ضابط قواعد الحساب المسمّى بموضح البراهين.

الأربعة المتناسبة: ما يكون نسبة أوّلها إلى ثانيها كنسبة ثالثها إلى رابعها.

الْيَوْم

(الْيَوْم) يُقَال يَوْم يَوْم طَوِيل شَدِيد

(الْيَوْم) زمن مِقْدَاره من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا
والزمن الْحَاضِر وَمِنْه فِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} و (فِي الْفلك) مِقْدَار دوران الأَرْض حول محورها ومدته أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة (ج) أَيَّام وَيَوْم ذُو أَيَّام وَذُو أياويم وَذُو أياوم أَي شَدِيد وَأَيَّام الْعَرَب وقائعهم وَأَيَّام الله نقمه فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة ونعمه أَيْضا وَبِهِمَا فسر قَوْله عز وَجل {وَذكرهمْ بأيام الله إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور}
الْيَوْم: حَقِيقَة فِي النَّهَار فَإِذا اقْترن مَعَ فعل ممتد يُرَاد بِهِ النَّهَار لَا غير لصِحَّة حمله على الْحَقِيقَة حِينَئِذٍ. وَإِذا اقْترن مَعَ فعل غير ممتد فيراد بِهِ الْوَقْت الْمُطلق مجَازًا. وَهَذَا تَفْصِيل مَا قَالُوا إِنَّه حَقِيقَة فِي النَّهَار ومجاز فِي الْوَقْت الْمُطلق سَوَاء كَانَ جُزْء اللَّيْل أَو النَّهَار. وَكَلَام الْمُحِيط مشْعر باشتراكه بَين النَّهَار وَمُطلق الْوَقْت إِلَّا أَن الْمُتَعَارف اسْتِعْمَاله فِي النَّهَار إِذا اقْترن مَعَ فعل ممتد. - وَإِذا اقْترن بِفعل غير ممتد يُرَاد بِهِ الْوَقْت مُطلقًا سَوَاء كَانَ جُزْء اللَّيْل أَو النَّهَار لِأَن ظرف الزَّمَان إِذا تعلق بِالْفِعْلِ بِلَا كلمة فِي يكون معيارا لَهُ كَقَوْلِك صمت السّنة بِخِلَاف قَوْلنَا صمت فِي السّنة. فَإِذا كَانَ الْفِعْل ممتدا كالأمر بِالْيَدِ كَانَ المعيار ممتدا فيراد بِالْيَوْمِ النَّهَار. وَإِن كَانَ الْفِعْل غير ممتد كوقوع الطَّلَاق كَانَ المعيار غير ممتد فيراد بِالْيَوْمِ الْوَقْت مُطلقًا.
ثمَّ اعْلَم أَن الامتداد وَعَدَمه إِنَّمَا يعْتَبر أَن فِي عَامل الْيَوْم لَا فِي مَا أضيف إِلَيْهِ عِنْد الْمُحَقِّقين وَبَعض الْمَشَايِخ اعتبروهما فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَفِي شرح الْوِقَايَة فَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا غير ممتد كَقَوْلِك أَنْت طَالِق يَوْم يقدم زيد يُرَاد بِالْيَوْمِ مُطلق الْوَقْت وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا أَي عَامله وَمَا أضيف إِلَيْهِ ممتدا نَحْو أَمرك بِيَدِك يَوْم أسكن هَذِه الدَّار يُرَاد بِالْيَوْمِ النَّهَار وَإِن كَانَ الْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ الْيَوْم أَي عَامله غير ممتد وَالْفِعْل الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْيَوْم ممتدا نَحْو أَنْت طَالِق يَوْم أسكن هَذِه الدَّار أَو بِالْعَكْسِ نَحْو أَمرك بِيَدِك يَوْم يقدم زيد يَنْبَغِي أَن يُرَاد بِالْيَوْمِ النَّهَار تَرْجِيحا لجَانب الْحَقِيقَة. وَفِي الــتَّحْقِيق شرح الحسامي. وَاعْلَم أَن لفظ الْيَوْم يُطلق على بَيَاض النَّهَار بطرِيق الْحَقِيقَة اتِّفَاقًا وعَلى مُطلق الْوَقْت بطرِيق الْحَقِيقَة عِنْد الْبَعْض فَيصير مُشْتَركا وبطريق الْمجَاز عِنْد الْأَكْثَر وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن حمل الْكَلَام على الْمجَاز أولى من حمله على الِاشْتِرَاك عِنْد التَّعَارُض بَين كَونه حَقِيقَة وَكَونه مجَازًا لِأَن الْمجَاز فِي الْكَلَام أَكثر فَيحمل على الْأَغْلَب وَلِأَن الْحمل على الْمجَاز لَا يفْتَقر إِلَى إِثْبَات الْوَضع بِخِلَاف الْحمل على الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ مفتقر إِلَيْهِ والغني أولى من الْفَقِير وَلِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى إِيهَام المُرَاد لِأَن اللَّفْظ إِن خلا عَن قرينَة الْمجَاز فالحقيقة متعينة وَإِن لم يخل عَنْهَا فَالَّذِي تدل عَلَيْهِ الْقَرِينَة وَهُوَ الْمجَاز مُتَعَيّن بِخِلَاف الِاشْتِرَاك فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال فِي الْكَلَام لعدم إفهام المرام ثمَّ لَا شكّ أَن الْيَوْم ظرف على كلا التَّقْدِيرَيْنِ عِنْد الْفَرِيقَيْنِ فيترجح أحد محتمليه لمظروفه. فَإِن كَانَ مظروفه مِمَّا يَمْتَد وَهُوَ مَا يَصح فِيهِ ضرب الْمدَّة أَي يَصح تَقْدِيره بِمدَّة كاللبس وَالرُّكُوب والمساكنة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يَصح أَن يقدر بِزَمَان يُقَال لبست هَذَا الثَّوْب يَوْمًا وَركبت هَذِه الدَّابَّة يَوْمًا وسكنت فِي الدَّار وَاحِدَة شهرا يحمل على بَيَاض النَّهَار لِأَنَّهُ يصلح مِقْدَارًا فَكَانَ الْحمل عَلَيْهِ أولى وَإِن كَانَ مظروفه مِمَّا لَا يَمْتَد كالخروج وَالدُّخُول والقدوم فَإِنَّهَا لكَونهَا آنِية لَا يَصح تقديرها بِزَمَان يحمل على مُطلق الْوَقْت اعْتِبَارا للتناسب انْتهى. وكل من الْفِعْل الممتد وَغير الممتد والمعيار فِي مَحَله وَالْيَوْم الَّذِي وَصفه الله تَعَالَى بنحس مُسْتَمر أَي مُسْتَمر شؤمه هُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر الشَّهْر.
وَاعْلَم أَن اللَّيْل وَالْيَوْم يكونَانِ متساويين بِأَدْنَى تفَاوت بِاعْتِبَار اللمحات إِذا كَانَت الشَّمْس فِي الْحمل مثلا ثمَّ يتفاوتان فَإِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَينهمَا فَاعْلَم أَولا أَن اللَّيْل وَالْيَوْم كِلَاهُمَا يكونَانِ سِتِّينَ طاسا وَهِي أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَاعَة والساعة عبارَة عَن طاسين وَنصف طاس والطاس بِالْفَارِسِيَّةِ (كهري) وَهُوَ يكون سِتِّينَ لمحة وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ يانيئول وبالهندية بل بِالْبَاء الفارسية الْمَفْتُوحَة فَإِذا كَانَ الْيَوْم ثَلَاثِينَ طاسا يكون اللَّيْل أَيْضا ثَلَاثِينَ طاسا وَإِذا كَانَ الْيَوْم أقل من ثَلَاثِينَ طاسا أَو أَكثر يكون اللَّيْل مَا بَقِي من سِتِّينَ طاسا وَإِن أردْت معرفَة زِيَادَة مِقْدَار اللَّيْل وَالنَّهَار فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَارْجِع إِلَى الْفَصْل وَإِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَين الْأَيَّام والليالي بسهولة فَانْظُر إِلَى الجداول الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا لم تتْرك شَيْئا وأسامي البروج اثْنَي عشر بالعربي (حمل) (ثَوْر) (جوزاء) (سرطان) (أَسد) (سنبله) (ميزَان) (عقرب) (قَوس) (جدي) (دلو) (حوت) .
وأسامي الشُّهُور بالفارسي (فروردي) (اردي بهشت) (خورداد) (تير) (امرداد) (شهر يور) (مهر) (آبان) (آذر) (دي) (بهمن) (اسفندار) . وبالهندي ويساك - جيته - اسار - سارون - بهادون - آسين - كاتك - اكهن. بوس - ماهو - بهاكن - جيت - وَتلك الجداول هَذِه.
اعلموا أَن الْمسَائِل والدلائل والــتحقيقــات والتدقيقات والسؤالات والجوابات غير متناهية فَمن ادّعى الإحاطاة فقد خسر خسرانا مُبينًا - وَمن تكلّف جمعهَا بالتحرير فقد جعل نَفسه بالمحال رهينا - وَالْمُحِيط بهَا من هُوَ بِكُل شَيْء مُحِيط - والعليم بهَا من هُوَ بِكُل شَيْء عليم - فتبت واستغفرت من الدَّعَاوَى إِلَى الله الْغفار التواب - وختمت بِحسن توفيقه هَذَا الْكتاب - يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر من الْمحرم الْحَرَام المنتظم فِي سلك شهور ألف وَمِائَة وَثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة المقدسة فِي الْبَلدة الطّيبَة أَحْمد نكر من مضافات أَو رنكك آباد خجسته بنياد عمرهما الله تَعَالَى إِلَى يَوْم التناد - اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي وَأَنت أعلم بِهِ مني اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطائي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} . {رَبنَا لَا تزع قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} - رَبنَا تب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم - الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْمُرْسلين وَآله الطيبين وَأَصْحَابه الطاهرين وَالتَّابِعِينَ وَتبع التَّابِعين أَجْمَعِينَ.
تمّ الْجُزْء الثَّالِث من دستور الْعلمَاء
ويليه الْجُزْء الرَّابِع والأخير
وَهُوَ " ضميمة دستور الْعلمَاء "
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(] حرف الْألف [)

طَمُوح

طَمُوح
من (ط م ح) الكثير الطُّمُوح.
طَمُوح
الجذر: ط م ح

مثال: رجلٌ طَمُوح
الرأي: مرفوضة عند الأكثرين
السبب: لعدم ورودها في المعاجم بهذا المعنى.
المعنى: متطلع إلى تحقيق هدف بعيد

الصواب والرتبة: -رجلٌ طامِح [فصيحة]-رجلٌ طَمُوحٌ [صحيحة]
التعليق: وردت كلمة «طموح» في المعاجم صفة للفرس، واستعملت استعمالات مجازية أخرى، فقيل: بحر طَمُوح الموج: مرتفعه، ومن ثم لا مانع من استعمالها مع الأشخاص استعمالاً مجازيًّا أيضًا. كما أجاز مجمع اللغة المصري قياسيّة صوغ «فَعُول» من أي فعل ثلاثي لثبوت الصفة ودوامها واستمرارها، لكثرة ورودها عن العرب. وقد وردت هذه الكلمة بهذا المعنى في بعض المعاجم الحديثة كالأساسي والمنجد والوسيط.

همّ

همّ:
هَمَّ: يقال همَّ به بدلاً من: أراد أن يقتله (القرآن الكريم 5:40، معجم الطرائف، البربرية 478:1، 630، المقري 259:1 و 2 و 9:755:3): ويقال، أيضاً، همَّ عليه وهمَّ وحدها (أخبار 7:106): همَّ المنصور بأهل البصرة: أي أراد المنصور أن يعاقب أهل البصرة بقسوة (معجم الطرائف).
همَّ بامرأة: أراد يعقد الصلة معها معبّراً عن الرغبة لها. (والمعنى نفسه حين يتعلق الأمر بامرأة فيقال همَّت برجل) (القرآن الكريم، السورة 12، آية 24، الكامل 155:3، أبو الفداء تاريخ ما قبل الإسلام 1:22 و 2، ياقوت 17:876:4).إلا انه همَّ بها (التي وردت في 3:20)، لا تعبّر عن هذا المعنى، الذي يوحي به مجمل القصة، إلا أنه يشير إلى أنه كان مغرماً بها جداً. همَّ: همَّ ب وهمَّ أن وهمَّ بأن وكذلك في استعمال الفعل المضارع فيصبح المعنى: يكاد، يوشك (على وشك أن، أنا - على سبيل المثال - على أهبة الذهاب) (أبو الوليد 33:253): همَّت السفينة بالانكسار وكادت. وفي (ابن العوام 7:305): وآخر مدة غراسته أو الربيع إذا همَّ باللقح. وفي (17:305): ثم إذا هممت أن تغرس فيها فاحفر .. الخ. وفي (رياض النفوس 83): فدعا بماء فأتى به فهمَّ أن يشرب منه فدفعه من فمه. وفي (الكامل 12:135) همَّ السراج بأن يخمد. وفي
(رياض النفوس 88): كنت في حلقة الدينوري يوم الجمعة حتى همتَّ الشمس تغيب. همَّ على: نوى ب (بقطر).
همَّ في: بدأ يخشى الهزيمة (دي سلان) (البربرية 15:45:2): فدارت بينهما حرب شديدة همَّ فيها أصحاب عبد الملك وثبت هو.
هموا فيها: في (مقدمة ابن خلدون، ص3): ( .. وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهمّوا فيها وابتدعوها وزخارف من الروايات المضغنة لفقوها ووضعوها .. ).
يهمَّ أن: يلزم أن، ينبغي، يقتضي (بقطر).
يهمَّ عليه: يرتمي عليه، يهاجمه (ألف ليلة 16:98:1 و5:300:3): وهمَّ على السياف وخطف السيف منه (6:342).
تهميم: أنظر الكلمة في (فوك) في anxiari و animositas؛ مع اسم المصدر تهمام في ديوان (امرئ القيس 15:29) تهمم ب: انشغل ب (فوك) curare ( العبدري 38): وهذا اللفظ قد ذكره مالك (رض) في الوطا وتهمم بتفسيره. وفي (ابن الخطيب 36): وتهمم بجمع أخباره. عنى فيه (قرطاس 5:33): ولم تزل الولاة يتهممون في الزيادة في الجامع.
اهتم ب: باشر، انشغل ب (بقطر).
استهمَّ: حثَّ، استثار حماس فلانٍ؛ استهمَّ على الدرس، حثّ على الدرس (بقطر).
هِمّة: حيوية، جرأة، شجاعة، قوة، جهد، عناية؛ بهمّة: بحرارة، بحماس.
بذل همَّتهُ في: بذلك كل ما يستطيع من أجل .. أعطى همّة: نشّط، أثار حماس أحدهم، عمل همة في أمر: وضع عنايته في قضية ... برَّد الهمة: أخمد نشاطه، قنطهُ، آيسه، بردتْ همته: خمد نشاطه فترت همته، قنط (بقطر)؛ صاحب همة وعظيم الهمة أنظر التعبيرين في (فوك) في مادة animositas.
همّة عالية: مطمح نبيل (بقطر) (النويري أسبانيا 472): كان ذا همة عالية في الجهاد (المقري 131:1): عظمت الدولة بالأندلس وكبرت الهمم (الإدريسي 108): الهمم على أهلها موقوفة واليهم راجعة. ويرى (بقطر) في همة عالية معنى روح عالية أو: عبقرية، براعة، ذكاء، فراسة، قريحة.
همة: نبل الخلق (كليلة ودمنة 9:239): وأبلغ لك في الكرامة لهمتك.
صاحب همة: عالي الهمة، شهم، شريف النفس (بقطر).
همة: فطنة، ذكاء، حكمة (كليلة ودمنة 8:2): كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عنه عظم جثتك وصغر همتك.
لم تكن له همة إلاّ ... : لم يكن يفكر بشيء آخر سوى ... (أخبار 3:20). وهكذا تفسّر جملة: فهمّتهم أنفسهُم. ويقول (دي غويا) بهذا الشأن إن نص (الطبري) يرينا وجوب قراءته على هذا النحو، أي قراءة (الطرائف. تاريخ العرب 2:507)، وبذلك يستقم فهم جملة لم تكن لهم همة إلا أنفسهم.
كل أحد عل قدر (أو بقدر) همته: كل على حسب إمكانه أو طاقته (بوسويه، الإدريسي 2:7): ولباس أهل غانة الأزر والفوط والأكسية كل أحد على قدر همته. وفي (المقري 7:692:1): وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل وتسرج أصحاب المناظر على قدر همتهم وقدرتهم. وفي (ألف ليلة 625:1): وقال (الملك) للأمراء منْ كان يحبني فليكرم هذا ويقدم له هدية عظيمة فقدمت له الأمراء كل واحد بقدر همته.
همّة: هي الدعاء الذي يرفعه أحد الناس من المتصوفة أو ممن عرف بالتقوى والورع، وكذلك النذور والبركات والصلوات، لغرض تحقيق مطلب ما أو تسهيل تنفيذه أو ضمان نجاحه (دي ساسي كرست، مقدمة ابن خلدون 64:3).
هامّة: في (محيط المحيط): (الهامّة ما له سمّ كالحية والجمع هوام ويطلق على ما لا يقتل من الحشرات ومنه حديث ابن عجرة وقد قال له (صلى الله عليه وسلم) أيؤذيك هوامُّ رأسك والمراد القمل على الاستعارة بجامع الأذى).
هامّة: من هنا تصبح الهامّة، مجازاً، تعادل، في معناها، كلمة vermine الفرنسية (القمل، البراغيث، البق وغيرها من الهوّام) أي وصفاً لكل الناس المنحطين من الرعاع والسفلة والأشقياء (ياقوت 293:1): عوام الناس وهوامَّهم. أهمَّ: أكثر أهمية، أكثر إغراءً (معجم التنبيه، عبد الواحد 3:151): منعني من ذكرها صوت العنابة إلى ما هو أهم منها.
أهم إلى فلان: المعنى الذي أعطاه (فريتاج) فيه تجاوز (أخبار 1:3:1).
الأهم: الرئيس، جل أو خصوص الأمر، عُظَمُهُ، كبُره (بقطر، فاكهة القول 7:123 معجم التنبيه).
مهم: في (محيط المحيط): (المهم الأمر الشديد وما هو به من أمر، والجمع مهام والمهمة المؤنث المهم والجمع مهمات).
والمهام هي القضايا أو الشؤون المهمة (بقطر)؛ وعند (مملوك 158:2:1) ال مهمات = الشؤون (يجهزون المهمات الشريفة (2:200): أي إنهم قد استخدموا للقيام بالشؤون المتعلقة بالأمير.
المهمّ: الأكبر. ابن جبير (17:325): البحريون قد ضمّوا العشاري لإخراج المهم من رجالهم ونسائهم وأسبابهم.
مهم والجمع مهمات: فرح، عيد وعرسّ خاصةَ (مملوك 247:1:1 الملاحظة 54:1:2، ألف ليلة برسل 180:2): وعملوا العرس والمهم.
مهمات: ف (محيط المحيط): ( .. ومنهم مهمات العساكر عند المولدّين لذخائرها وأدواتها) (تاريخ تونس 117): ارتحل وخلَّف كثيراً من مهماته. وفي (118): وتركوا كثيراً من مهماتهم وجرحاهم والنهب يأخذ أطرافهم. وفي (136): (ثم عاد إلى سيده مصحوباً بهدية جليلة من مهمات الحرب والبحر. وفي (139): وجهزوا في الحين من أموالهم مهمات محال أخرى، والمقصود من أموالهم، أي على نفقتهم الخاصة.

بيكر

بيكر: بَيْكَرَ: قاس بالبيكار وأحسن مناسبة الأجزاء ببعضها (محيط المحيط).
تَبيكر: مطاوع بيكر (محيط المحيط).
بَيْكار: حرب، حملة، وقعة وتجمع على بَيَاكِير (مملوك 1، 2: 18).
بيكار وكذلك بركار، معرب من الفارسية.
بركار: برجار (بوشر، محيط المحيط، ألف ليلة 3: 91 وفي طبعة برسل 1: 240).
قاس بالبيكار: دقق، وازن، ناسب (بوشر).
وعلى البيكار: بقياس، ومجازاً: بدقة وتحقيق (بوشر).
ومشى على البيكار: وازن أعماله ورتب أموره (بوشر).
بِيكاريّ: مقيس بالبيكار، متناسب (محيط المحيط). بيكارية وتجمع على بَوَاكِر: رصيعة، صحيفة معدنية كما ترجمها كاترمير (مملوك 2، 2: 70، 71) ولعلها سميت بذلك لأنها كانت على شكل دائرة خطت بالبركار.

جوبان

جوبان: يجمع على جَوَابنة، في حكم لقمان تحقيق فريتاج (ص6): قال أحد أمراء التركمان أنا أكسرهم بالجوابنة الذين معي وكان عدتهم سبعين ألف جوبان غير الخيالة من التركمان. وهي الكلمة التركية جوبان أي راعي، غنّام.

خفّ

خفّ: خَفّ، ما خف معه: ما يستطيع حمله فريتاج (معجم ص61).
كُلِّمت خَفَّ موضع: كلما نقص من الدنانير موضع (الثعالبي لطائف ص74).
الله يرحم من زار وخفّ: الله يرحم من زار فلم يطل الزيارة (دوماس حياة العرب ص65).
خفّ على فلان: ألقى عليه أعباء الأمور. (دي سلان، تاريخ البربر 1: 472).
خَفّ له: تلطف به وآنسه، ففي رحلة ابن جبير (ص 203): يخف للزائر كرامة وبراً.
خف يده: أسرع في المشي (بوشر).
خف يده: أسرع في الكتابة (بوشر).
خف رجليه أو يديه: أسرع في المشي أو في عمل اليدين (بوشر).
خفّف: انقص، يقال: خفف الجزية أي أنقص الضريبة. ويقال: خفف عنهم فقط أي انقص عنهم الجزية أي الضريبة التي كان عليهم دفعها. والذين يتمتعون بهذه المزية يسمون: أصحاب التخافيف (معجم البلاذري).
وخفَّف: قلَّل (فوك، بوشر). وفي حيان - بسام (3: 49ق): أمر اصحابه ببذل السيف فيهم ليخفف من أعدادهم. وفيه: بعد من خُفَّف منهم بالقتل وهلك في الزحمة.
وخَفَّف: رقق، جعله أقل كثافة (الكالا).
وخفّف: أنقص، قلّل. ففي بسام (3: 36ق) وقد أوجزته تخفيفاً للتطويل.
وخفّف: أوجز، أجمل، اختصر، يقال مثلاً: خفف القصيدة حذف بعض أبياتها (الأغاني ص33).
وخفّف صلاته: أسرع فيها لينتهي منها. ففي رياض النفوس (ص78 و): ولما ذهب لأداء صلاة المغرب قالت له نفسه عَجِّل قليلاً تفطر على تمر حلال فعاتب نفسه بأن قال لها (أما) استطعت الصبر عن خمس تمرات حتى أمرتني أن أخفّف صلاتي من أجلهن.
وخفّف: أضعف، أضنى، أنهك (بوشر).
وخفّف: حذر واحترز من التمثيل وإزعاج الشخص بالزيارة (وتخفيف ضد تثقيل) (المقري 2: 550).
خفَّف عن جسمه (المقري 1: 472) أو خفَّف من لباسه، واسم المفعول منه مخفَّف اللباس أو خفَّف نفسه: خفف لبسه، لبس ثياباً خفيفة وبخاصة لباس الليل (الملابس ص160).
خفَّفوا ما عليها من الملبوس أي ألبسوا العروس ثياب الليل (الملابس 161).
ومُخَفَّف في معجم الكالا: apitonado، وتَخْفِيف: apitonamients. غير أننا نجد في معجم فكتور Cavallo apitonado Como بمعنى: تاق إلى الشيء واشتهاه، وشعر بكره وغيض مما كان قد رآه من قبل أو طعمه: وحانق، ساخط، غاضب، واستحثته رغبة شديدة. و apitonsmiénto: غيظ، غل، حقد، ضغينة، عداوة، بغضاء، وشهوة وتوق إلى شيء ذاقه من قبل، وغيض، وحنق، سخط وفورة الشهوة.
تخفَّف: نشط، تنشط، كان خفيف الحركة. ففي كتاب محمد بن الحارث (ص307): كان سليمان شديد المرض فكتب إليه هاشم يسأله إن كان به نهضة للصلاة بالناس وإلا فيعلم بذلك ليُنظر فيمن يقوم بالخطبة والصلاة فكتب سليمان إلى هاشم أنا متخفف وبي أكثر من نهضة.
وفي حيان (ص75 ق، ص76 و): وتخيَّر للساقة حماة إنجاداً من أبطالهم خلَّفهم مع نفسه فلما سلطت الأثقال ومقصر والرجال ولم يبق من الناس إلا المستقل المتخفف.
تخفف: ذكرت في معجم فوك في مادة rarefacere.
وتخفف: تفضل، ارتدى ثياباً خفيفة.
ومتخفف: متفضل، لابس المفضال وهو الثوب الذي يبتذل. (بوشر) وانظر لين - ففي رياض النفوس (ص104 و): فدخلت داري فتخفَّفْت وتعذَّبت.
وتخفف الرجل: لبس التخفيفة وهي عمامة صغيرة (محيط المحيط).
وتخفف بفلان مثل استخف به أي استهان به، ففي حيان - بسام (1: 128و): ثم سلك يحيى سبيل والده في الــتحقيق (التخفُّف) بالقُرَشَّية.
وتخفف على وعن ذكرت في معجم فوك في مادة aleviare.
استخف: استهان واحتقر. ويوجد مستخف بمعنى مستهيناً بكب شئ ومحتقراً له (ابن بطوطة 1: 180).
واستخف: سرّ أبهج، أطرب، ففي رياض النفوس (ص73 و): وعلموا أن القاضي الظالم قد عزل وأن الأمر قد صدر بإلقائه في السجن ((فاستخفهم ذلك إلى أن قالوا نسير إليه في مجلس قضائه فنشتمه ونشفي صدورنا منه)).
واستخفه: وجده لطيفاً، واستلطفه. (معجم اللطائف).
واستخف: استفز، ماري، نازع. وفي المعجم اللاتيني Contensiosus: مماري مستخِفّ. خِفَّة: تنفيس، فرج، تخفيف الحمل، صفة الشيء الذي يخَفِف الحمل (دي يونج).
فكان له في ذلك غناء وخفة على مخدومه: أي فكان له غناء وتخفيف الحمل على مخدومه في تصريف الأمور (دي سلان، تاريخ البربر 1: 472) وانظر خَفّ.
وخِفّة: قلَّة، ندوة (فوك، الكالا).
خِفَّة دم: ظرافة، لطافة، بشاشة.
وخفة الدم أو خفة الذات: لطف، رقة، إيناس (بوشر) وكذلك: خفة روح (فوك).
ذو خِفَّة: قليل الاحتمال، نافذ الصبر، برم وفي المعجم اللاتيني العربي: غير محتمل، ذو خِفَّة.
خُفّان: حجر خفيف متخلخل (محيط المحيط) وأرى إنه الحجر البنفسجي كذّان. مثله الكلمة التي تلي.
خَفّاف: الحجر الإسفنجي، كذّان (ياجني مخطوطات) وهذا الحجر هو خفيف جداً يسميه أماري (2: 1) الحجر الأبيض الخفيف.
خفيف: طائش، طياش، عابث (هلو، الكالا) وفيه هي خفيفة. ويقال أيضاً خفيف العقل (الكالا).
وخفيف: ماهر، حاذق، سريع اليد، بارع (همبرت ص89).
وخفيف: قليل الكثافة (فوك، الكالا).
وخفيف: مستريح، مرتاح (الكالا).
خفيف عليه: مستطلف عنده، ففي حيان (ص4 و): واقتصر على مكان بدر الوصيف اللصيق بنفسه الخفيف عليها.
خفيف ومعناه الأصلي ضد ثقيل ويستعمل بضد معناه بمعنى رصاص (هوست ص223، دومب ص101، همبرت ص171).
وفي معجم فوك: ضرب الخفيف: تتنبأ، تكهن رمى الرصاص، وذلك لأن رمي الرصاص المصهور في الماء من أعمال السحرة ويؤيد هذا ما جاء في السعدية (في فاس) (وهو مذكور في كتاب أبي الوليد ص790) التي تفسر أقوال ازقيال بما يأتي: هو الرصاص الذي يصبونه أولئك المجانين في الماء من أنواع الزجر والسحر وربما سموه مجانين عصرنا خفيف بضد اسمه تفاؤلاً.
وفي أوربا لا تزال تستعمل هذه الطريقة للكشف عن المستقبل والتنبؤ به وعلى الخصوص في ايقوسيا.
وخفيف، واحدته خفيفة: قرع (محيط المحيط).
وخفيف ويجمع على خِفاف: فطيرة وهي عجينة توضع فيها التوابل أو اللحوم وأنواع من الخضرة أو الفاكهة وتخبز (رولاند).
خفيف الدم: ظريف، لطيف، رقيق العشرة (بوشر، محيط المحيط) وكذلك: خفيف الروح. (فوك، محيط المحيط) (368). خفيف السمع: حسن السمع وسريعه (بوشر).
خفيف اليد: سارق (محيط المحيط).
مرحلة خفيفة: مسيرة نهار أو يوم.
مرحلة قصيرة: (معجم الادريسي).
أعمل خفيف: أسرع (بوشر بربرية).
خفافيّ: خفيف الحمل، سهل النقل، خِفّ (بوشر).
وخفافي: في ثياب خفيفة (بوشر).
خَفَّاف: فلين، قرق، قشر صنف من البلوط (همبرت من 132 جزائرية).
تخفيفة: فضال لبسة المتفضل - وتخفيفة حريم.
مفضل وفضال قضير للنساء (بوشر) غير أن تخفيفة وحدها تستعمل بمعنى: تخفيفة الرأس وقد ترجمها يوشر بما معناه: قلنسوة الليل وهي عمامة خفيفة مقابل عمامة وهي العمامة الضخمة الكبيرة التي يلبسها القضاة (الملابس ص161 - 62)، وفهرس للمخطوطات الشرقية في مكتبة ليدن 1: 155، ألف ليلة برسل 12: 148، القليوبس ص183 طبعة ليس) وفي محيط المحيط: التخفيفة عمامة صغيرة وكذلك التخفيفة للمرأة وهي ملاءة صغيرة تغطي بها رأسها.
مُخَفَّف: عاطل، بلا زينة ومتبذل، متفضل (الأغاني ص144) وفيه محقق والصواب مخفف.
ومَخفَّفات: يظهر أنها تعني ما تعنيه كلمة خِفاف (انظر الكلمة وهو نوع من الطعام. ففي رياض النفوس (ص91 ر): وقال أبو إبراهيم اشتهي أنا قمحاً ملقواً - ثم أتى بقمح مقلوا (مقلو) وقال كل يابا إبراهيم يا صاحب المخففات. ولم تضبط الكلمة بالشكل في المخطوطة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.