Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: بند

سِجِسْتَانُ

سِجِسْتَانُ:
بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، ذهب بعضهم إلى أن سجستان اسم للناحية وأن اسم مدينتها زرنج، وبينها وبين هراة عشرة أيّام ثمانون فرسخا، وهي جنوبي هراة، وأرضها كلّها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن أبدا ولا تزال شديدة تدير رحيّهم، وطحنهم كلّه على تلك الرحى. وطول سجستان أربع وستون درجة وربع، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسدس، وهي من الإقليم الثالث. وقال حمزة في اشتقاقها واشتقاق أصبهان: إن أسباه وسك اسم للجند وللكلب مشترك وكل واحد منهما اسم للشيئين فسميت أصبهان والأصل أسباهان وسجستان والأصل سكان وسكستان لأنّهما كانتا بلدتي الجند، وقد ذكرت في أصبهان بأبسط من هذا، قال الإصطخري: أرض سجستان سبخة ورمال حارة، بها نخيل، ولا يقع بها الثلج، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وأقرب جبال منها من ناحية فره، وتشتد رياحهم وتدوم على أنّهم قد نصبوا عليها أرحية تدور بها وتنقل رمالهم من مكان إلى مكان ولولا أنّهم يحتالون فيها لطمست على المدن والقرى، وبلغني أنّهم إذا أحبوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما بقدر ما يعلو على ذلك الرمل وفتحوا إلى أسفله بابا فتدخله الريح فتطير الرمال إلى أعلاه مثل الزّوبعة فيقع على مدّ البصر حيث لا يضرّهم، وكانت مدينة سجستان قبل زرنج يقال لها رام شهرستان، وقد ذكرت في موضعها، وبسجستان نخل كثير وتمر، وفي رجالهم عظم خلق وجلادة ويمشون في أسواقهم وبأيديهم سيوف مشهورة، ويعتمّون بثلاث عمائم وأربع كلّ واحدة لون ما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض وغير ذلك من الألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان كل واحدة منها، وأكثر ما تكون هذه العمائم إبريسم طولها ثلاثة أذرع أو أربعة وتشبه الميانــبندات، وهم فرس وليس بينهم من المذاهب غير الحنفية من الفقهاء إلّا قليل نادر، ولا تخرج لهم امرأة من منزل أبدا وإن أرادت زيارة أهلها فبالليل، وبسجستان كثير من الخوارج يظهرون مذهبهم ولا يتحاشون منه ويفتخرون به عند المعاملة، حدثني رجل من التجار قال: تقدمت إلى رجل من سجستان لأشتري منه حاجة فماكسته فقال: يا أخي أنا من الخوارج لا تجد عندي إلّا الحق ولست ممن يبخسك حقك، وإن كنت لا تفهم حقيقة ما أقول فسل عنه، فمضيت وسألت عنه متعجبا، وهم يتزيون بغير زيّ الجمهور فهم معروفون مشهورون، وبها بليدة يقال لها كركويه كلّهم خوارج، وفيهم الصوم والصلاة والعبادة الزائدة، ولهم فقهاء وعلماء على حدة، قال محمد بن بحر الرّهني: سجستان إحدى بلدان المشرق ولم تزل لقاحا على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن متوحدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصح منهم معاملة ولا أقل منهم مخاتلة، ومن شأن سوقة البلدان أنّهم إذا باعهم أو اشترى منهم العبد أو الأجير أو الصبي كان أحبّ إليهم من
أن يشتري منهم الصاحب المحتاط والبالغ العارف، وهم بخلاف هذه الصفة، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة الملهوف ومداركة الضعيف، ثمّ أمرهم بالمعروف ولو كان فيه جدع الأنف، منها جرير بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر، رضي الله عنه، ومنها خليدة السجستاني صاحب تاريخ آل محمد، قال الرهني: وأجلّ من هذا كلّه أنّه لعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبرها إلّا مرّة، وامتنعوا على بني أميّة حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذا ولا سلحفاة، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخا، ولها من المدن زالق وكركويه وهيسوم وزرنج وبست، وبها أثر مربط فرس رستم الشديد ونهرها المعروف بالهندمند، يقول أهل سجستان: إنّه ينصب إليه مياه ألف نهر فلا تظهر فيه زيادة وينشقّ منه ألف نهر فلا يرى فيه نقصان، وفي شرط أهل سجستان على المسلمين لما فتحوها أن لا يقتل في بلدهم قنفذ ولا يصطاد لأنّهم كثير والأفاعي والقنافذ تأكل الأفاعي، فما من بيت إلّا وفيه قنفذ، قال ابن الفقيه: ومن مدنها الرّخّج وبلاد الداور، وهي مملكة رستم الشديد، ملّكه إيّاها كيقاوس، وبينها وبين بست خمسة أيّام، وقال ابن الفقيه: بسجستان نخل كثير حول المدينة في رساتيقها وليس في جبالها منه شيء لأجل الثلج وليس بمدينة زرنج وهي قصبة سجستان لوقوع الثلج بها، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
كان لا يحرم الخليل ولا يع ... تلّ بالنّجل طيّب العذرات
وقال بعضهم يذمّ سجستان:
يا سجستان قد بلوناك دهرا ... في حراميك من كلا طرفيك
أنت لولا الأمير فيك لقلنا: ... لعن الله من يصير إليك!
وقال آخر:
يا سجستان لا سقتك السحاب، ... وعلاك الخراب ثمّ اليباب
أنت في القرّ غصّة واكتئاب، ... أنت في الصيف حيّة وذباب
وبلاء موكّل ورياح ... ورمال كأنّهنّ سقاب
صاغك الله للأنام عذابا، ... وقضى أن يكون فيك عذاب
وقال القاضي أبو علي المسبحي:
حلولي سجستان إحدى النّوب، ... وكوني بها من عجيب العجب
وما بسجستان من طائل ... سوى حسن مسجدها والرّطب
وذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت محمد بن أبي نصر قل هو الله أحد، خوان [1] ، يقول أبو داود السجستاني الإمام: هو من قرية بالبصرة يقال لها سجستان وليس من سجستان خراسان، وكذلك ذكر لي بعض الهرويين في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة قوله: قل هو الله أحد خوان، هو لقب محمد بن أبي نصر، ومعناه قارئ هذه السورة.
قال: سمعت محمد بن يوسف يقول أبو حاتم السجستاني من كورة بالبصرة يقال لها سجستانة وليس من سجستان خراسان. وذكر ابن أبي نصر المذكور أنّه تتبع البصريين فلم يعرفوا بالبصرة قرية يقال لها سجستان غير أن بعضهم قال: إن بقرب الأهواز قرية تسمّى بشيء من نحو ما ذكره، ودرس من كتابي هذا لا أعرف له حقيقة لأنّه ورد أن ابن أبي داود كان بنيسابور في المكتب مع ولد إسحاق بن راهويه وأنّه أوّل ما كتب كتب عند محمد بن أسلم الطوسي وله دون عشر سنين، ولم يذكر أحد من الحفاظ أنّه من غير سجستان المعروف، وينسب إليها السجزي، منهم: أبو أحمد خلف بن أحمد بن خلف ابن الليث بن فرقد السجزي، كان ملكا بسجستان وكان من أهل العلم والفضل والسياسة والملك وسمع الحديث بخراسان والعراق، روى عن أبي عبد الله محمد بن علي الماليسي وأبي بكر الشافعي، سمع منه الحاكم أبو عبد الله وغيره، توفي في بلاد الهند محبوسا، وسلب ملكه في سنة 399 في رجب، ومولده في نصف محرم سنة 326، ودعلج بن علي السجزي، ومنها إمام أهل الحديث عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود أصله من سجستان، كتب من تاريخ الخطيب هو وأبوه وزاد ابن عساكر في تاريخه بإسناد إلى أبي عليّ الحسن بن بندار الزنجاني الشيخ الصالح قال: كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم تعفّفا وتنزها ونفيا للمظنة عن نفسه، وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه، وكان له ابن أمرد يحب أن يسمع حديثه وعرف عادته في الامتناع عليه من الرواية فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليتوهم أنّه ملتح ثمّ أحضره المجلس وأسمعه جزءا، فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال له: أيّها الشيخ لا تنكر عليّ ما فعلته واجمع أمردي هذا مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه حينئذ من السماع عليك، قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ فتعرض لهم هذا الأمرد مطارحا وغلب الجميع بفهمه ولم يرو له الشيخ مع ذلك من حديثه شيئا وحصل له ذلك الجزء الأوّل وكان ليس إلّا أمرد يفتخر بروايته الجزء الأوّل.

سُقْيَا

سُقْيَا:
بضم أوّله، وسكون ثانيه، يقال: سقيت فلانا وأسقيته أي قلت له سقيا، بالفتح، وسقاه الله الغيث وأسقاه، والاسم السّقيا، بالضم، وسئل كثيّر لم سميت السقيا سقيا؟ فقال: لأنّهم سقوا بها عذبا، حدّثنا عبد العزيز بن الأخضر أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال: حدّثنا البرقاني قال: حدثني أبو بكر بن جميل الهروي أنبأنا عبد الله بن عروة أنبأنا صالح بن جزرة قال: قال أحمد بن حنبل عبد العزيز ابن محمد الدراوردي ضعيف الحديث روى عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، كان يستقي الماء العذب من بيوت السقيا، وفي حديث آخر: كان يستعذب الماء العذب من بيوت السقيا، والسقيا:
قرية جامعة من عمل الفرع، بينهما ممّا يلي الجحفة تسعة عشر ميلا، وفي كتاب الخوارزمي: تسعة وعشرون ميلا، وقال ابن الفقيه: السقيا من أسافل أودية تهامة، وقال ابن الكلبي: لما رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة فنزل السقيا وقد عطش فأصابه بها مطر فسماها السقيا، وقال الخوارزمي:
هي قرية عظيمة قريبة من البحر على مسيرة يوم وليلة، وقال الأصمعي في كتاب جزيرة العرب وذكر مكّة وما حولها فقال: السقيا المسيل الذي يفرغ في عرفة ومسجد إبراهيم، وفي كتاب أبي عبيد السكوني:
السقيا بركة وأحساء غليظة دون سميراء للمصعد إلى مكة، وبين السقيا وسميراء أربعة أميال. والسقيا:
قرية على باب منبج ذات بساتين كثيرة ومياه جارية، وهي وقف على ولد أبي عبادة البحتري إلى الآن، وقد ذكرها أبو فراس بن حمدان فقال:
قف في رسوم المستجاب، ... وحيّ أكناف المصلّى
فالجرس فالميمون فالسّق ... يا بها فالنّهر الأعلى
وقال أبو بكر بن موسى: السقيا بئر بالمدينة، يقال:
منها كان يستقى لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وسقيا الجزل: موضع آخر مات فيه طويس المخنّث المغني، قال يعقوب: سقيا الجزل من بلاد عذرة قريب من وادي القرى.

شَابَرَانُ

شَابَرَانُ:
بعد الألف باء موحدة مفتوحة، وآخره نون: مدينة من أعمال أرّان استحدثها أنوشروان، وقيل: من أعمال دربند وهو باب الأبواب، بينها وبين مدينة شروان نحو عشرين فرسخا.

الشِّبْلِيّةُ

الشِّبْلِيّةُ:
بكسر أوّله، منسوب إلى شبل ولد الأسد نسبة تأنيث: قرية من قرى أشروسنة بما وراء النهر، ينسب إليها الشبليّ الزاهد أبو بكر أصله منها ومولده بسامراء، واختلف في اسمه فقيل دلف وقيل جعفر، واختلف في اسم أبيه أيضا، قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول الشبليّ من أهل أشروسنة من قرية يقال لها شبلية أصله منها، وقد روي عن بندار بن الحسين أنّه قال: سمعت الشبلي يقول: نوديت في سري يوما شبّ لي أي احترق في، فسميت نفسي بذلك وقلت:
رآني فأرواني عجائب لطفه، ... فهمت فقلبي بالأنين يذوب
فلا غائب عني فأسلو بذكره، ... ولا هو عني معرض فأغيب
ومات ببغداد سنة 334، وقبره بها معروف، وكان ينشد ليلة مات حين خرجت روحه:
إنّ بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السّرج
وعليلا أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج
وجهك المأمول حجّتنا ... يوم تأتي النّاس بالحجج

شَرْمَقَانُ

شَرْمَقَانُ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، وبعد الميم قاف، وآخره نون، والعجم يقولون جرمقان:
بليدة بخراسان من نواحي أسفرايين في الجبال، بينها وبين نيسابور أربعة أيّام، وقد خرج منها طائفة من العلماء، ينسب إليها أحمد بن محمد بن أحمد بن خالد أبو سعد الشرمقاني الخطيب خطيب بلدة شيخ، سمع بنيسابور أبا تراب عبد الباقي بن يوسف المراغي وأبا بكر بن خلف الشيرازي وجدّه أحمد ابن خالد المشرف، وسمع بجرجان أبا القاسم إبراهيم ابن عليّ الخلالي، وكانت ولادته في ذي القعدة سنة 462، ومات سنة 538، وقال الحافظ أبو القاسم ما صورته: أحمد بن محمد بن حمدون بن بندار أبو الفضل الشرمقاني الفقيه الأديب، وشرمقان: من ناحية نسا، سمع بدمشق وغيرها أبا الحسن بن جوصا والحسن بن سفيان وأبا عروبة ومسدد بن قطن القشيري وجعفر بن أحمد بن نصر الحافظ وأبا القاسم البغوي وأبا عبد الله محمد بن زيدان بن يزيد الجبلي ومحمد بن المسيب الأرغياني، روى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ وأبو سعد الماليني، قال الحاكم: أحمد ابن محمد بن حمدون الفقيه أبو الفضل الشرمقاني كان أحد أعيان مشايخ خراسان في الأدب والفقه وكثرة الحديث، طلب الحديث بخراسان والعراقين والشام والجزيرة والحجاز، سمع المسند الكبير والأمهات لأبي بكر بن أبي شيبة من الحسن بن سفيان، وكان يكثر المقام بنيسابور فلمّا قلّد المظالم بنسإ جمع إليه جملة من كتبه وانتقيت عليه، ثم توفي بالشرمقان خامس عشر جمادى الآخرة سنة 316.

شَمَاخِي

شَمَاخِي:
بفتح أوله، وتخفيف ثانيه، وخاء معجمة مكسورة، وياء مثناة من تحت: مدينة عامرة وهي قصبة بلاد شروان في طرف أران تعدّ من أعمال باب الأبواب وصاحبها شروانشاه أخو صاحب الدّربند، وذكر الإصطخري ما يدل على أن شماخي تمصيرها محدث فإنه قال: من برذعة إلى برزنج ثمانية عشر فرسخا ثم تعبر الكرّ إلى شماخي، وليس فيها منبر، أربعة عشر فرسخا، ومن شماخي إلى شابران، مدينة صغيرة فيها منبر، ثلاثة أيام.

العِرَاقُ

العِرَاقُ:
مياه لبني سعد بن مالك وبني مازن.
والعراق أيضا: محلة كبيرة عظيمة بمدينة إخميم بمصر، فأما العراق المشهور فهي بلاد. والعراقان: الكوفة والبصرة، سمّيت بذلك من عراق القربة وهو الخرز المثنّي الذي في أسفلها أي أنها أسفل أرض العرب، وقال أبو القاسم الزّجاجي: قال ابن الأعرابي سمي عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر، أخذ من عراق القربة وهو الخرز الذي في أسفلها، وأنشد:
تكشّري مثل عراق الشّنّه وأنشد أيضا:
لما رأين دردري وسني ... وجبهتي مثل عراق الشّنّ
متّ عليهنّ ومتن مني
قال: ولا يكون عراقها إلا أسفلها من قربة أو مزادة، قال: وقال غيره العراق في كلامهم الطير، قالوا: وهو جمع عرقة، والعرقة: ضرب من الطير، ويقال أيضا: العراق جمع عرق، وقال قطرب:
إنما سمي العراق عراقا لأنه دنا من البحر وفيه سباخ وشجر، يقال: استعرقت إبلهم إذا أتت ذلك الموضع، وقال الخليل: العراق شاطئ البحر، وسمي العراق عراقا لأنه على شاطئ دجلة والفرات مدّا حتى يتصل بالبحر على طوله، قال: وهو مشبّه بعراق القربة وهو الذي يثنى منها فيخرز، وقال الأصمعي: هو معرّب عن إيران شهر، وفيه بعد عن لفظه وإن كانت العرب قد تتغلغل في التعريب بما هو مثل ذلك، ويقال: بل هو مأخوذ من عروق الشجر، والعراق:
من منابت الشجر، فكأنه جمع عرق، وقال شمر:
قال أبو عمرو سميت العراق عراقا لقربها من البحر، قال: وأهل الحجاز يسمون ما كان قريبا من البحر عراقا، وقال أبو صخر الهذلي يصف سحابا:
سنا لوحه لما استقلّت عروضه، ... وأحيا ببرق في تهامة واصب
فجرّ على سيف العراق ففرشه ... وأعلام ذي قوس بأدهم ساكب
فلما علا سود البصاق كفافه ... تهبّ الذّرى فيه بدهم مقارب
فجلّل ذا عير ووالى رهامه، ... وعن مخمص الحجّاج ليس بناكب
فحلّت عراه بين نقرى ومنشد، ... وبعّج كلف الحنتم المتراكب
ليروي صدى داود واللحد دونه، ... وليس صدى تحت التراب بشارب
فهذا لم يرد العراق الذي هو علم لأرض بابل إنما هو يصف الحجاز وهذه المواضع كلها بالحجاز، فأراد أن هذا السحاب خرج من البحر يعني بحر القلزم ومرّ بسيف ذلك البحر وسمّاه عراقا اسم جنس ثم وصف كل شيء مرّ به من جبال الحجاز حتى سقى قبر ابنه داود، وقد صرح بذلك مليح الهذلي فقال:
تربّعت الرياض رياض عمق، ... وحيث تضجّع الهطل الجرور
مساحلة عراق البحر حتى ... رفعن كأنما هنّ القصور
وقال حمزة: الساحل بالفارسية اسمه إيراه الملك ولذلك سمّوا كورة أردشير خرّه من أرض فارس إيراهستان لقربها من البحر فعرّبت العرب لفظ إيراه بالحاق القاف فقالوا إيراق، وقال حمزة في الموازنة:
وواسطة مملكة الفرس العراق، والعراق تعريب إيراف، بالفاء، ومعناه مغيض الماء وحدور المياه، وذلك أن دجلة والفرات وتامرّا تنصبّ من نواحي أرمينية وبند من بنود الروم إلى أرض العراق وبها يقرّ قرارها فتسقي بقاعها، وكانت دارا الملك من أرض العراق إحداهما عبر دجلة والأخرى عبر الفرات وهما بافيل وطوسفون، فعرّب بافيل على بابل وعلى بابلون أيضا وطوسفون على طيسفون وطيسفونج، وقيل: سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض، والعراق: الاستواء في كلامهم، كما قال الشاعر:
سقتم إلى الحقّ معا وساقوا ... سياق من ليس له عراق
أي استواء، وعرض العراق من جهة خطّ الاستواء أحد وثلاثون جزءا، وطولها خمسة وسبعون جزءا وثلاثون دقيقة، وأكثر بلاده عرضا من خط الاستواء عكبران على غربي دجلة، وعرضها ثلاثة وثلاثون جزءا وثلاثون دقيقة وذلك آخر ما يقع في الإقليم الثالث من العراق، ومن بعد عكبرا يدخل العراق كله في الإقليم الثالث إلى حلوان، وعرضها أربعة وثلاثون جزءا، ومقدار الربع من العراق في الإقليم الرابع دسكرة الملك وجلولاء وقصر شيرين، وأما الأكثر ففي الثالث، وأما القادسية ففي الإقليم الثالث، وطولها من المغرب تسعة وستون جزءا وخمس وعشرون دقيقة، وعرضها من خطّ الاستواء أحد وثلاثون جزءا وخمس وأربعون دقيقة، وحلوان والعذيب جميعا من الإقليم الثالث، وقد خطئ أبو بكر أحمد بن ثابت في جعله العراق وبغداد من الإقليم الرابع، وأما حدّه فاختلف فيه، قال بعضهم: العراق هو السواد الذي حدّدناه في بابه، وهو ظاهر الاشتقاق المذكور آنفا لا معنى له غير ذلك وهو الصحيح عندي، وذهب آخرون فيما ذكر المدائني فقالوا: حدّه حفر أبي موسى من نجد وما سفل عن ذلك يقال له العراق، وقال قوم:
العراق الطور والجزيرة والعبر والطور ما بين ساتيدما إلى دجلة والفرات، وقال ابن عياش: البحرين من أرض العراق، وقال المدائني: عمل العراق من هيت إلى الصين والسند والهند والريّ وخراسان وسجستان وطبرستان إلى الديلم والجبال، قال:
وأصبهان سنّة العراق، وإنما قالوا ذلك لأن هذا كلّه كان في أيام بني أميّة يليه والي العراق لا أنه منه، والعراق هي بابل فقط كما تقدّم، والعراق أعدل أرض الله هواء وأصحّها مزاجا وماء فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة والآراء الراجحة والشهوات المحمودة والشمائل الظريفة والبراعة في كلّ صناعة مع اعتدال الأعضاء واستواء الأخلاط وسمرة الألوان، وهم الذين أنضجتهم الأرحام فلم تخرجهم بين أشقر وأصهب وأبرص كالذي يعتري أرحام نساء الصقالبة في الشقرة، ولم يتجاوز أرحام نسائهم في النّضج إلى الإحراق كالزنج والنوبة والحبشة الذين حلك لونهم ونتن ريحهم وتفلفل شعرهم وفسدت آراؤهم وعقولهم فمن عداهم بين خمير لم ينضج ومجاوز للقدر حتى خرج عن الاعتدال، قالوا: وليس بالعراق مشات كمشاتي الجبال ولا مصيف كمصيف عمان ولا صواعق كصواعق تهامة ولا دماميل كدماميل الجزيرة ولا جرب كجرب الزنج ولا طواعين كطواعين الشام ولا طحال كطحال البحرين ولا حمّى كحمّى خيبر ولا كزلازل سيراف ولا كحرارات الأهواز ولا كأفاعي سجستان وثعابين مصر وعقارب نصيبين ولا تلوّن هوائها تلوّن هواء مصر، وهو الهواء الذي لم يجعل الله فيه في أرزاق أهله نصيبا من الرحمة التي نشرها الله بين عباده وبلاده حتى ضارع في ذلك عدن أبين، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57، وكل رزق لم يخالط الرحمة وينبت على الغيث لم يثمر إلا الشيء اليسير، فالمطر فيها معدوم والهواء فيها فاسد، وإقليم بابل موضع اليتيمة من العقد وواسطة القلادة ومكان اللّبّة من المرأة الحسناء والمحّة من البيضة والنقطة من البركار، قال عبيد الله الفقير إلى رحمته: وهذا الذي ذكرناه عنهم من أدلّ دليل على أن المراد بالعراق أرض بابل، ألا تراه قد أفرده عنها بما خصّه به؟ وقال شاعر يذكر العراق:
إلى الله أشكو عبرة قد أظلّت، ... ونفسا إذا ما عزّها الشوق ذلّت
تحنّ إلى أرض العراق ودونها ... تنايف لو تسري بها الريح ظلّت
والأشعار فيها أكثر من أن تحصى.

خُنْلِيق

خُنْلِيق:
بضم أوله، وتسكين ثانيه، وكسر لامه، وياء مثناة من تحت، وآخره قاف: بلد بدربند خزران عند باب الأبواب، ينسب إليها حكيم بن إبراهيم بن حكيم اللّكزي الخنليقي الدربندي، كان فقيها شافعيّا فاضلا ثقة، تفقّه ببغداد على الغزّالي وسمع الحديث الكثير وسكن بخارى إلى أن توفي بها في شعبان سنة 538.

الغَثَاةُ

الغَثَاةُ:
قرية من حوران من أعمال دمشق، منها عبد الله بن خليفة بن ماجد أبو محمد الغثوي النجار، سمع أبا الفضل أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن بندار الكرندي، قال الحافظ أبو القاسم: سمعت منه شيئا يسيرا وكان رجلا مستورا لم يكن الحديث من صنعته، وكان ملازما لحلقتي فسمع الحديث إلى أن مات، روى عنه الحافظ وابنه القاسم أيضا.

الفُرْضَةُ

الفُرْضَةُ:
بضم أوله، وسكون ثانيه، وضاد معجمة، وقد تقدم اشتقاقه في فراض: قرية بالبحرين لبني عامر ابن الحارث بن عبد القيس يكثر بها التّعضوض نوع من التمر، ينسب إليها أحمد بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن مسلم الفرضي أبو عبد الله المقرئ، كان من أهل البصرة سكن دسكرة نهر الملك وتولى الخطابة بها إلى حين وفاته، قرأ القرآن على أبي ياسر الحمّامي والحسن بن محمد الملاح وثابت بن بندار وسمع من أبي الحسن علي بن قريش وروى عنهم، وكان الناس يخرجون إليه ويسمعون منه فكتب عنه جماعة، منهم: المبارك بن كامل وإبراهيم بن محمود الشعار وأحمد بن طارق وعبد العزيز بن الأخضر.

فِيرُوزقُباذ

فِيرُوزقُباذ:
قباذ هو والد أنوشروان الملك العادل من آل ساسان، وفيروزقباذ: مدينة كانت قرب باب الأبواب المعروف بالدّربند وكان أنوشروان بنى هناك قصرا وسماه باب فيروزقباذ، وفيروزقباذ:
أحد طساسيج بغداد.

قَبَلةُ

قَبَلةُ:
بالتحريك: مدينة قديمة قرب الدّربند وهو باب الأبواب من أعمال أرمينية أحدثها قباذ الملك أبو أنوشروان، إليها ينسب فيما أحسب أبو بكر محمد ابن عمر بن حفص الحكم الثغري المعروف بالقبلي، حدث ببغداد عن محمد بن عبد العزيز بن المبارك وغيره، وكان ضعيفا في الحديث، روى عنه أبو بكر الشافعي وأبو الفتح الأزدي الموصلي.

كَيماك

كَيماك:
آخره كاف أيضا: ولاية واسعة في حدود الصين وأهلها ترك يسكنون الخيام ويتبعون الكلأ، وبين طراربند آخر ولاية المسلمين وبينها أحد وثلاثون يوما بين مفاوز وجبال وأودية فيها أفاع وحشرات غريبة قتّالة.

لارْجانُ

لارْجانُ:
بعد الراء الساكنة جيم، وآخره نون:
بليدة بين الرّيّ وآمل طبرستان، بينها وبين كل واحد من البلدين ثمانية عشر فرسخا، ولها قلعة حصينة لها ذكر كثير في أخبار آل بويه والديلم، ينسب إليها محمد بن بندار بن محمد اللارجاني الطبري أبو يوسف الفقيه قدم أصبهان.

لِحْفٌ

لِحْفٌ:
بكسر أوله، وسكون ثانيه، ولحف الجبل أصله: وهو صقع معروف من نواحي بغداد سمي بذلك لأنه في لحف جبال همذان ونهاوند وتلك النواحي وهو دونها مما يلي العراق ومنه الــبند نيجين وغيرها وفيه عدة قلاع حصينة.

لَكْزُ

لَكْزُ:
بالفتح ثم السكون، وزاي: بليدة خلف الدّربند تتاخم خزران سميت باسم بانيها، وقيل:
لكز والكز والخزر وصقلب وبلنجر بنو يافث بن نوح عليه السّلام، عمّر كل واحد منهم موضعا فسمي به، وأهلها مسلمون موحدون ولهم لسان مفرد ولهم قوة وشوكة وفيهم نصارى أيضا: ينسب إليها موسى بن يوسف بن الحسين اللكزي أبو عبد الله يعرف بحسن الدربندي، قال شيرويه: قدم علينا في شهور سنة 502، روى عن الشريف أبي نصر محمد ابن محمد بن علي الهاشمي كتاب النعت لأبي بكر بن أبي داود وقرأ عليه شهردار أبو منصور، وكان ثقة صدوقا فقيها فاضلا حسن السيرة صامتا.

مَرَنْد

مَرَنْد:
بفتح أوله وثانيه، ونون ساكنة، ودال:
من مشاهير مدن أذربيجان، بينها وبين تبريز يومان، قد تشعّثت الآن وبدأ فيها الخراب منذ نهبها الكرج وأخذوا جميع أهلها، قال بطليموس: طولها ثلاث وسبعون درجة وسدس، وعرضها سبع وثلاثون درجة وربع، قال البلاذري: كانت مرند قرية صغيرة فنزلها جليس أبو البعيث ثم حصّنها البعيث ثم ابنه محمد ابن البعيث وبنى بها محمد قصرا، وكان قد خالف في خلافة المتوكل فحاربه بغا الصغير حتّى ظفر به وحمله إلى سرّ من رأى وهدم حائط مرند وذلك القصر، وكان البعيث هذا من ولد عتيب بن عمرو بن هنب ابن أفصى بن دعمي بن جديلة، ويقال عتيب بن أسلم بن جذام، ويقال عتيب بن عوف بن سنان، والعتبيّون يقولون ذلك، وينسب إليها كثير من العلماء، منهم: محمد بن عبد الله بن بندار بن عبد الله بن محمد بن كاكا أبو عبد الله المرندي، حدث بدمشق سنة 433 عن الدارقطني وابن شاهين وأبي حفص الكناني وغيرهم، روى عنه عبد العزيز الكناني وأبو القاسم بن أبي العلاء وأبو الحسن عليّ بن الحسن ابن حرور وغيرهم، وأبو الوفاء خليل بن أحمد المرندي، حدث عن أبي بصير محمد بن محمد الزّينبي، سمع منه أبو بكر وقال: توفي سنة 612، وأبو عبد الله محمد بن موسى المرندي ورّاق أبي نعيم الجرجاني، سمع إبراهيم بن الحسين الهمداني، سمع منه شيوخ قزوين وأثنوا عليه، منهم: محمد بن أبي الخليل عبد الرحمن بن أبي حاتم وقال: كتبت عليه أكثر من خمسمائة جزء.

مِهْرَبَنْدَقْشَاي

مِهْرَــبَنْدَــقْشَاي:
والعامة يسمونها بندكشاي، بباء موحدة، ونون، ودال، والقاف، والشين: قرية على ثلاثة فراسخ من مرو، ينسب إليها أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الحسين المهربندقشائي.

نَجْدٌ

نَجْدٌ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، قال النضر:
النجد قفاف الأرض وصلابها وما غلظ منها وأشرف، والجماعة النجاد، ولا يكون إلا قفّا أو صلابة من
الأرض في ارتفاع من الجبل معترضا بين يديك يردّ طرفك عما وراءه، يقال: اعل هاتيك النجاد وهذاك النجاد بوجه، وقال: ليس بالتشديد الارتفاع، وقال الأصمعي: هي نجود عدّة، منها: نجد برق واد باليمامة ونجد خال ونجد عفر ونجد كبكب ونجد مريع، ويقال: فلان من أهل نجد، وفي لغة هذيل والحجاز: من أهل النّجد، قال أبو ذؤيب:
في عانة بجنوب السّيّ مشربها ... غور ومصدرها عن مائها نجد
قال: وكل ما ارتفع عن تهامة فهو نجد، فهي ترعى بنجد وتشرب بتهامة، وقال الأصمعي: سمعت الأعراب تقول: إذا خلّفت عجلزا مصعدا فقد أنجدت، وعجلز فوق القريتين، قال: وما ارتفع عن بطن الرمّة، والرمة واد معلوم ذكر في موضعه، فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق، قال: وسمعت الباهلي يقول: كل ما وراء الخندق الذي خندقه كسرى، وقد ذكر في موضعه، فهو نجد إلى أن تميل إلى الحرّة فإذا ملت إليها فأنت بالحجاز، وقيل: نجد إذا جاوزت عذيبا إلى أن تجاوز فيد وما يليها، وقيل: نجد هو اسم للأرض العريضة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام، قال السكري:
حد نجد ذات عرق من ناحية الحجاز كما تدور الجبال معها إلى جبال المدينة، وما وراء ذات عرق من الجبال إلى تهامة فهو حجاز كله، فإذا انقطعت الجبال من نحو تهامة فما وراءها إلى البحر فهو الغور، والغور وتهامة واحد، ويقال إن نجدا كلها من عمل اليمامة، وقال عمارة بن عقيل: ما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلى أن يقطعه العراق، وحدّ نجد أسافل الحجاز وهودج وغيره، وما سال من ذات عرق موليا إلى المغرب فهو الحجاز إلى أن يقطعه تهامة، وحجاز يحجز أي يقطع بين تهامة وبين نجد، والذي قرأته في كتاب جزيرة العرب الذي رواه ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه: وما ارتفع عن بطن الرمّة يخفّف ويثقّل فهو نجد، والرمة فضاء يدفع فيه أودية كثيرة، وتقول العرب عن لسان الرمة:
كلّ بنيّ فإنه يحسيني ... إلا الجريب فإنه يرويني
والجريب: واد عظيم يصبّ في الرمة، قال: وكان موضع مملكة حجر الكندي بنجد ما بين طميّة وهي هضبة بنجد إلى حمى ضريّة إلى دارة جلجل من العقيق إلى بطن نخلة الشامية إلى حزنة إلى اللقط إلى أفيح إلى عماية إلى عمايتين إلى بطن الجريب إلى ملحوب إلى مليحيب، فما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق، وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق، وقال العتبي: حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: العرب تقول إذا خلّفت عجلزا مصعدا حتى تنحدر إلى ثنايا ذات عرق فإذا فعلت ذلك فقد أتهمت إلى البحر، وإذا عرضت لك الحرار وأنت تنجد فتلك الحجاز، تقول: احتجزنا الحجاز، فإذا تصوّبت من ثنايا العرج فقد استقبلت الأراك والمرج وشجر تهامة، فإذا تجاوزت بلاد فزارة فأنت بالجناب إلى أرض كلب، ولم يذكر الشعراء موضعا أكثر مما ذكروا نجدا وتشوّقوا إليها من الأعراب المتضمّرة، وسأورد منه ههنا بعض ما يحضرني، قال أعرابيّ:
أكرّر طرفي نحو نجد وإنني ... إليه، وإن لم يدرك الطرف، أنظر
حنينا إلى أرض كأنّ ترابها ... إذا مطرت عود ومسك وعنبر
بلاد كأنّ الأقحوان بروضة ... ونور الأقاحي وشي برد محبّر
أحنّ إلى أرض الحجاز وحاجتي ... خيام بنجد دونها الطرف يقصر
وما نظري من نحو نجد بنافعي، ... أجل لا، ولكني إلى ذاك أنظر
أفي كل يوم نظرة ثم عبرة ... لعينيك مجرى مائها يتحدّر
متى يستريح القلب إمّا مجاور ... بحرب وإمّا نازح يتذكّر
وقال أعرابيّ آخر:
فيا حبّذا نجد وطيب ترابه ... إذا هضبته بالعشيّ هواضبه
وريح صبا نجد إذا ما تنسّمت ... ضحى أو سرت جنح الظلام جنائبه
بأجرع ممراع كأنّ رياحه ... سحاب من الكافور، والمسك شائبه
وأشهد لا أنساه ما عشت ساعة، ... وما انجاب ليل عن نهار يعاقبه
ولا زال هذا القلب مسكن لوعة ... بذكراه حتى يترك الماء شاربه
وقال أعرابيّ آخر:
خليليّ هل بالشام عين حزينة ... تبكّي على نجد لعلّي أعينها
وهل بائع نفسا بنفس أو الأسى ... إليها فأجلاها بذاك حنينها
وأسلمها الباكون إلا حمامة ... مطوّقة قد بان عنها قرينها
تجاوبها أخرى على خيزرانة ... يكاد يدنّيها من الأرض لينها
نظرت بعيني مؤنسين فلم أكد ... أرى من سهيل نظرة أستبينها
فكذّبت نفسي ثم راجعت نظرة، ... فهيّج لي شوقا لنجد يقينها
وقال أعرابيّ آخر:
سقى الله نجدا من ربيع وصيّف، ... وماذا ترجّي من ربيع سقى نجدا؟
بلى إنه قد كان للعيس مرّة ... وركنا، وللبيضاء منزلة حمدا
وقال اعرابيّ آخر:
ومن فرط إشفاقي عليك يسرّني ... سلوّك عني خوف أن تجدي وجدي
وأشفق من طيف الخيال، إذا سرى، ... مخافة أن يدري به ساكنو نجد
وأرضى بأن تفديك نفسي من الرّدى، ... ولكنني أخشى بكاءك من بعدي
مذاهب شتّى للمحبين في الهوى، ... ولي مذهب فيهم أقول به وحدي
وقال أعرابيّ آخر:
ألا حبّذا نجد وطيب ترابه، ... وغلظة دنيا أهل نجد ودينها!
نظرت بأعلى الجلهتين فلم أكد ... أرى من سهيل لمحة أستبينها
وقال أعرابيّ آخر:
رأيت بروقا داعيات إلى الهوى، ... فبشّرت نفسي أن نجدا أشيمها
إذا ذكر الأوطان عندي ذكرته، ... وبشّرت نفسي أن نجدا أقيمها
ألا حبّذا نجد ومجرى جنوبه ... إذا طاب من برد العشيّ نسيمها!
أجدّك لا ينسيك نجدا وأهله ... عياطل دنيا قد تولّى نعيمها
وقال اعرابيّ آخر:
ألا أيها البرق الذي بات يرتقي ... ويجلو ذرى الظلماء ذكّرتني نجدا
ألم تر أنّ الليل يقصر طوله ... بنجد وتزداد الرياح به بردا؟
وقال أعرابيّ من بني طهيّة:
سمعت رحيل القافلين فشاقني، ... فقلت اقرؤوا مني السلام على دعد
أحنّ إلى نجد وإني لآيس ... طوال الليالي من قفول إلى نجد
تعزّ فلا نجد ولا دعد فاعترف ... بهجر إلى يوم القيامة والوعد
وقال نوح بن جرير بن الخطفى:
ألا قد أرى أنّ المنايا تصيبني، ... فما لي عنهنّ انصراف ولا بدّ
أذا العرش لا تجعل ببغداد ميتتي، ... ولكن بنجد، حبّذا بلدا نجد!
بلاد نات عنها البراغيث، والتقى ... بها العين والآرام والعفر والرّبد
وقال اعرابيّ آخر:
ألا هل لمحزون ببغداد نازح ... إذا ما بكى جهد البكاء مجيب؟
كأني ببغداد، وإن كنت آمنا، ... طريد دم نائي المحلّ غريب
فيا لائمي في حبّ نجد وأهله، ... أصابك بالأمر المهمّ مصيب
وقال أعرابيّ آخر:
تبدّلت من نجد وممن يحلّه ... محلة جند، ما الأعاريب والجند؟
وأصبحت في أرض البنود وقد أرى ... زمانا بأرض لا يقال لها بند
البنود: بأرض الروم كالأجناد بأرض الشام والكور بالعراق والطساسيج لأهل الأهواز والرساتيق لأهل الجبال والمخاليف لأهل اليمن، وقال أعرابيّ آخر:
لعمريّ لمكّاء يغنّي بقفرة ... بعلياء من نجد علا ثم شرّقا
أحبّ إلينا من هديل حمامة، ... ومن صوت ديك هاجه الليل أبلقا
وقال عبد الرحمن بن دارة:
خليليّ إن حانت بحمص منيّتي ... فلا تدفناني وارفعاني إلى نجد
وأدخل على عبد الملك بن مروان عشرة من الخوارج فأمر بضرب رقابهم وكان يوم غيم ومطر ورعد وبرق، فضربت رقاب تسعة منهم وقدم العاشر ليضرب عنقه فبرقت برقة فأنشأ يقول:
تألّق البرق نجديّا فقلت له: ... يا ايها البرق إني عنك مشغول
بذلّة العقل حيران بمعتكف ... في كفه كحباب الماء مسلول
فقال له عبد الملك: ما أحسبك إلا وقد حننت إلى وطنك وأهلك وقد كنت عاشقا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: لو سبق شعرك قتل أصحابك لوهبناهم لك، خلّوا سبيله، فخلوه، وقدم بعض أهل هجر إلى بغداد فاستوبأها فقال:
أرى الريف يدنو كلّ يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وصاحبه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن كانت معيشتها رغدا
بلاد تهبّ الريح فيها مريضة، ... وتزداد خبثا حين تمطر أو تندى
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.