Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: بدين

الْإِبْدَال

الْإِبْدَال: بِالْكَسْرِ (بدل كردن جيزي بجيزي) وَفِي اصْطِلَاح الصّرْف وضع حرف مَكَان حرف آخر سَوَاء كَانَا حرفي عِلّة أَو لَا للتَّخْفِيف. وبالفتح جمع الْبَدَل. وَأَيْضًا رجال سَبْعَة من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مأمورون بِأُمُور الْخَلَائق من جنابه تَعَالَى وَيعلم من الفواتح أَنهم لَيْسُوا أقطابا وأوتادا وَإِنَّمَا سموا بِهَذَا الِاسْم لِأَن وَاحِدًا مِنْهُم إِذا يَمُوت يقوم بدله وَاحِد من الْأَرْبَعين وَلِأَنَّهُم إِذا انتقلوا من مقَام يقدرُونَ أَن يضعوا أَجْسَادهم فِي ذَلِك الْمقَام. قَالَ بعض الأبدال مَرَرْت بِبِلَاد الْمغرب على طَبِيب والمرضى بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يصف لَهُم علاجهم فتقدمت إِلَيْهِ وَقلت عالج مرضِي يَرْحَمك الله فَتَأمل فِي وَجْهي سَاعَة ثمَّ قَالَ خُذ عروق الْفقر وورق الْبَصَر مَعَ إهليلج التَّوَاضُع واجمع الْكل فِي إِنَاء الْيَقِين وصب عَلَيْهِ مَاء الخشية وأوقد تَحْتَهُ نَار الْحزن ثمَّ صفه بمصفاة المراقبة فِي جَام الرِّضَا وامزجه بشراب التَّوَكُّل وتناوله بكف الصدْق واشربه بكأس الاسْتِغْفَار وتمضمض بعده بِمَاء الْوَرع واحتم عَن الْحِرْص والطمع فَإِن الله سُبْحَانَهُ يشفيك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي الفواتح (جون كسى راحاجتي باشد بايدكه رو بجانبي كندكه ايشان در ان جَانب اندو بكويد) السَّلَام عَلَيْكُم يَا رجال الْغَيْب يَا أَرْوَاح المقدسة أغيثوني بغوثة. انظروني بنظرة. أعينوني بِقُوَّة. (بس بسوى مقصد خود مُتَوَجّه شود وبمقابل ايشان نردد ومقرر است كه ايشان در هر روز از روز هلى ماه بجانبي باشند بدين تَفْصِيل) .

العنان

العنان:
[في الانكليزية] Apparition ،society with limited responsability
[ في الفرنسية] Apparition ،societe a responsabilite limite
بالكسر مأخوذ من عنّ أي ظهر. وفي الشرع عبارة عن شركة اثنين حرّين أو عــبدين أو ذمّيّين أو صبيين أو مختلفين في كلّ تجارة أو في نوع من أنواع التجارات كالبرّ والطعام، ويقال له شركة عنان وشركة العنان أي بالتوصيف والإضافة أيضا. وذكر الاثنين بناء على أنّه أقلّ ما يتصوّر فيه الشركة لا أنّه قيد احترازي، هكذا يستفاد من جامع الرموز والبرجندي.

وَقع

(وَقع) الرجل مَشى مشْيَة التلقيف وَهُوَ رَفعه يَده إِلَى فَوق وَالْقَوْم عرسوا وَالْإِبِل اطمأنت بِالْأَرْضِ بعد الرّيّ وَفِي الْكتاب أجمل بَين تضاعيف سطوره مَقَاصِد الْحَاجة وَحذف الفضول والصيقل على السَّيْف أقبل عَلَيْهِ بميقعته يحدده وَالْعقد أَو الصَّك كتب فِي أَسْفَله اسْمه إِمْضَاء لَهُ أَو إِقْرَارا بِهِ (مو) وَالشَّيْء تظناه وتوهمه وظنه على الشَّيْء قدره وأنزله وَالْحِجَارَة الْحَافِر قطعت سنابكه تقطيعا والدبر ظهر الْبَعِير أثر فِيهِ
(وَقع) (يَقع) وَقعا ووقوعا سقط وَالدَّوَاب ربضت وَالْإِبِل بَركت
وَيُقَال وَقع الطير على أَرض أَو شجر والمطر بِالْأَرْضِ حصل وَالْحق ثَبت وَالْقَوْل عَلَيْهِ وَجب وَالْكَلَام فِي نَفسه أثر فِيهَا وَفُلَان فِي فلَان وقيعة ووقوعا سبه واغتابه وعابه وَفِي الْعَمَل وقوعا أَخذه وَأصَاب الرِّفْق فِيهِ وَفِي الشّرك حصل فِيهِ وَفِي أَرض فلاة صَار فِيهَا وَإِلَى كَذَا وَقعا أسْرع بانطلاقه وبالعدو وَقعا ووقعة بَالغ فِي قِتَالهمْ وَالْأَمر من فلَان موقعا حسنا أَو سَيِّئًا ثَبت لَدَيْهِ وَعِنْده موقعا حسنا نَالَ مِنْهُ حظا ومنزله وَفُلَان الْبَعِير وَقعا كواه على أم رَأسه والنصل بالميقعة حدده بهَا يُقَال وَقع السكين وَالسيف وَالْحِجَارَة الْحَافِر أَصَابَته ورققته فَهُوَ وقيع وَيُقَال هَذِه نعل لَا تقع على رجْلي أَي لَا تناسب رجْلي

(وَقع) (يُوقع) وَقعا حفي واشتكى لحم قدمه من غلظ الأَرْض وَالْحِجَارَة أَو الشوك فَهُوَ وَقع

(وَقع) فِي يَده سقط فِي يَده وَنَدم
وَقع
} وَقَعَ على الشَّيءِ، وكذلكَ وقَع الشَّيءُ منْ يَدِه {يَقَعُ بفَتْحِهِما} وَقْعاً، {وُقُوعاً أَي: سَقَطَ ويُقَالُ أيْضاً:} وَقَعْتُ من كَذَا، وَعَن كَذَا.
ونَقَلَ شَيْخُنَا أنَّ الوُقُوعَ بمَعْنَى السُّقُوطِ والغُرُوبِ يُسْتَعْمَلُ بمِنْ، وبمَعْنَى النُّزُولِ بعَنْ، أوْ على.
قلتُ: وفيهِ قُصورٌ لَا يَخْفَى فتأمَّلْ.
وقولُه تَعَالَى: إنَّ عَذابَ رَبِّكَ {لواقِعٌ، أَي: واجِبٌ على الكُفّارِ، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أخْرَجْنَا لَهُمْ دابَّةً منَ الأرْضِ، أَي: وَجَبَ، ونَقَله الزَّجَاجُ، وكذلكَ وَقَعَ الحُكْمُ عَلَيْهِمْ وقيلَ: ثَبَتَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِم وكذلكَ قَوْلُه تَعَالَى:} فَوَقَعَ الحَقُّ أَي: ثَبَتَ وقالَ اللَّيْثُ: {وقَعَتِ الإبِلُ} وُقُوعاً: بَرَكَتْ.
(و) {وقَعَتِ الدُّوابُّ} وُقُوعاً: رَبضَتْ، وأنْشَدَ:
( {وقَعْنَ وُقُوعَ الطَّيْرِ فِيهَا وَمَا بهَا ... سِوَى جِرَّةٍ يُرْجِعْنَها بتعَلُّلِ)
وقالَ آخَرُ:
(} وَقَعْنَ اثْنَتَيْنِ واثْنَتَيْنِ وفَرْدَةً ... يُبَادِرْنَ تَغْلِيساً سِمَالَ المَداهِنِ)
وتَقُولُ العَرَبُ: {وَقَعَ رَبِيعٌ بالأرْضِ، يَعْنُونَ بهِ أوّلَ مَطَرٍ يَقَعُ فِي الخَرِيفِ، أَي: حَصَلَ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ: سَقَطَ، هَذَا قَوْلُ أهْلِ اللُّغَةِ. قلتُ: وَقد حكاهُ سِيَبَوَيْهِ فقالَ: سَقَطَ المَطَرُ مَكَان كَذَا فمَكَان كَذَا، ومنْهُ} مَواقِعُ الغَيْثِ: مَسَاقِطُه.
(و) {ووَقَعَتِ الطَّيْرُ} تَقَعُ! وُقُوعاً: نَزَلَتْ عنْ طَيَرانِهَا، إِذا كانَتْ على شَجَرٍ أوْ أرْضٍ مُوكِنَةً، فهُنَّ {وُقُوعٌ، بالضَّمِّ} ووُقَّعٌ، كسُكَّرٍ، وقدْ {وَقَعَ الطّائِرُ} وُقُوعاً، فَهُوَ {واقِعٌ قالَ الأخْطَلُ: كأنَّمَا كانُوا غُرابَاً} واقِعا فطارَ لَمّا أبْصَرَ الصَّواقِعا وقالَ المَرّار بنُ سَعيدٍ الفَقْعَسِيُّ:
(أَنا ابْنُ التّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْراً ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تأْكُلُهُ {وُقُوعا)
ورِوايَةُ سِيَبَوَيْهِ: بِشْرٍ وقالَ عَمْرو بنُ مَعْدِ يكرِبَ رَضِي الله عَنهُ:
(تَرَى جِيفَ المَطَيِّ بحافَتَيْهِ ... كأنَّ عِظَامَهَا رَخَمٌ} وُقُوعُ)
وقالَ مُوسَى بنُ جابِرٍ الحَنَفِيُّ:)
(فَمَا نَفَرَتْ جِنِّي وَلَا فُلَّ مِبْرَدِي ... وَلَا أصْبَحَتْ طَيْرِي منَ الخَوْفِ {وُقَّعَا)
وإنَّهُ لحَسَنُ} الوِقْعَةُ، بالكَسْرِ، وأمّا بالفَتْحِ فهُو الاسمُ.
{والوَقْعُ:} وَقْعَةُ الضَّرْبِ بالشَّيءِ، يُقَالُ: سَمِعْتُ {وَقْعَ المَطَرِ، وهُوَ شِدَّةُ ضَرْبِه الأرْضَ إِذا وَبَلَ، وكُلُّ ضَرْبِ يابِسٍ فهُوَ} وَقْعٌ، نَحْو وَقْعِ الحَوافِرَ على الأرْضِ، وَمَا أشْبَهَها، قالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الحَمِيرَ {ووَقْعَ حَوافِرِهَا:
(} يَقْعَنَ بالسَّفْحِ ممّا قَدْ رَأيْنَ بهِ ... {وَقْعاً يَكَادُ حَصَى المَعْزاءِ يَلْتَهِبُ)
وكذلكَ وُقُوعُ الحَافِرِ.
(و) } الوقع: الْمَكَان الْمُرْتَفع من الْجَبَل نَقله الجوهريعن أبي عَمْرو وَنَصّ التَّهْذِيب: الْمَكَان الْمُرْتَفع وَهُوَ دون الجيل.
والوَقْعُ: السَّحَابُ الطِّخافُ وَهُوَ المُطْمِعُ أنْ يُمْطِرَ، وَقد ذُكِر أيْضاً بالفاءِ، عَن أبي عَمْروٍ، أَو هُو الرَّقِيقُ! كالوَقِعِ، ككَتِفٍ، وعَلى الأخِيرِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ. وقالَ أَبُو عَدْنَانَ: {الوَقْعُ: سُرْعَةُ الانْطِلاقِ والذَّهابِ.
وَفِي الصِّحاحِ:} الوَقَعُ، بالتَّحْرِيكِ: الحِجَارَةُ، الواحِدَةُ بهاءٍ قالَ الذُّبْيَانِيُّ:
(بَرَى {وَقَعُ الصَّوّانِ حَدَّ نُسُورِهَا ... فهُنَّ لِطَافٌ كالصِّعادِ الذَّوابِلِ)
قالَ: والوَقَعُ، أيْضاً: الحَفاءُ، وقَدْ} وَقِعَ الرَّجُلُ، كوَجِلَ، {يَوْقَعُ: اشْتَكَى لَحْمَ قَدَمِهِ منْ غِلَظِ الأرْضِ والحِجَارَةِ فهُوَ وَقِعٌ، ككَتِفٍ، ومنْهُ قَوْلُ أبي المِقْدامِ جَسّاسِ بنِ قُطَيْبٍ: يَا لَيْتَ لي نَعْلَيْنِ منْ جِلْدِ الضَّبُعْ وشُرُكاً من اسْتِها لَا تَنْقَطِعْ كُلَّ الحِذَاءِ يَحْتَذِي الحافِي} الوَقِعْ قالَ الأزْهَرِيُّ: هُوَ كَقَوْلِهِم: الغَرِيقُ يتَعَلَّقُ بالطُّحْلُبِ.
{والوَقْعَةُ بالحَرْبِ، ونَصُّ العَيْنِ: فِي الحَرْبِ: صَدْمَةٌ بَعْدَ صَدْمَةٍ ونَصُّ الصِّحاحِ: الوَقْعَةُ: صَدْمَةُ الحَرْبِ، والاسْمُ: الوَقِيعَةُ،} والواقِعَةُ وهُمَا: الحَرْب والقِتَالُ وقيلَ، المعْرَكَةُ، وجَمْعُ الوَقِيعَةِ: {الوَقَائِعُ، وقدْ وَقَعَ بِهمْ، ومنْهُ قَوْلُهُمْ: شَهِدْتُ} الوَقْعَةَ {والوَقِيعَةَ، وَهُوَ مجازٌ.
} ووقَائِعُ العَرَبِ: أيّامُ حُرُوبِها، وَفِي اللِّسَانِ، أيّامُ حُرُوبِهِمْ، وَفِي العُبابِ: أيّامُها الّتِي كانَتْ فِيهَا) حُرُوبُهم.
وَمن المَجَازِ: نَزَلَتْ بهِ {الوَاقِعَةُ، أَي: النّازِلَةُ الشَّديدَةُ منْ شَدائِدِ الدَّهْرِ.
(و) } الوَاقِعَةُ: اسْمٌ منْ أسْمَاءِ القِيامَة، وقالَ الزّجّاجُ فِي تَفْسيرِ قوْلِه تَعَالَى: إِذا {وَقَعَتِ الواقِعَةُ، يُقَالُ لكُلّ آتٍ} يُتَوَقَّعُ: قَدْ وَقَعَ الأمْرُ، كقَوْلِكَ: قدْ جاءَ الأمْرُ، قَالَ: {والواقِعَةُ هُنَا: السّاعَةُ، والقِيامَةُ.
وَفِي الحَديثِ: يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرُ مالِ المُسْلِمِ غَنَماً يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ،} ومَواقِع القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينــهِ منَ الفِتَنِ أَي: مساقِطه، ويُقَالُ: انْتَجَعُوا مَواقِعَ الغَيْثِ.
{ومَوْقَعَةُ الطّائِرِ بفَتْح القافِ، وعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وتُكْسَرُ قافُه أيْضاً نَقَلَه الصّاغَانِيُّ: مَوْضِعُ} وُقُوعِهِ الّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ ويَعْتَادُ إتْيَانَه، والجَمْعُ: {المَواقِعُ، قَالَ الأخْيَلُ: كأنَّ مَتْنَيَّ منَ النَّفِيِّ منْ طُولِ إشْرَافِي على الطَّوِيِّ مَوَاقِعُ الطَّيْرِ على الصُّفِيِّ شَبَّهَ مَا انْتَشَرَ من ماءِ الاسْتِسْقاءِ بالدَّلْوِ على مَتْنَيْهِ} بمَوَاقِعِ الطَّيْرِ على الصَّفا إِذا زَرَقَتْ عليهِ.
{والمَوْقَعَةُ، كمَرْحَلَةٍ: جَبلٌ.
} والمُوَيْقِعُ، تَصْغَيرُ مَوْقِع: ع، بينَ الشَّأْمِ والمَدِينَةِ، المُشَرَّفَةِ، على ساكنها أفضلُ الصَّلَاة وَالسَّلَام قالَِ ابنُ الرِّقاعِ:
(يَا شَوْقُ مَا بِكَ يَوم بانَ حُدُوجُهَا ... منْ ذِي {المُوَيْقِعِ غُدْوَةً فَرَآهَا)
} والمِيقَعَةُ، بكَسْرِ المِيمِ: خَشَبَةُ القَصّارِ الّتِي يُدَّقُّ عليْهَا صارَت الواوُ يَاء، لانْكِسَارِ مَا قَبْلَها.
(و) ! المِيقَعَةُ أيْضاً: المِطْرَقَةُ، ومنهُ حديثُ ابنِ عَبّاسٍ: نَزَلَ معَ آدَمَ عليهِ السلامُ المِيقَعَةُ والسِّنْدَانُ والكَلْبَتَانِ والجَمْعُ المَوَاقِعُ، قالَ الحارِثُ بنُ حِلِّزَةَ يَصِفُ مَنَاسِمَ ناقَتِه بالصَّلابَةِ، ويُشَبِّهُها بالمَطَارِقِ: (أنْمَى إِلَى حَرْفٍ مُذَكَّرَةٍ ...تَهِصُ الحَصَى بمَوَاقِعٍ خُنْسِ)
(و) {المِيقَعَةُ أيْضاً: المَوْضِعُ الّذِي يَأْلَفُه البازِي ويَقَعُ عليهِ، ويَعْتَادُ إتْيانَه.
ويُقَالُ: المِيقَعَةُ: المِسَنُّ الطَّوِيلُ، كَمَا فِي الصِّحاحِ وقيلَ: هُوَ مَا} وُقِعَ بهِ السَّيْفُ والمِسَنُّ بكَسْرِ الميمِ.
وقَدْ {وَقَعْتُه} بالمِيقَعَةِ، فهُوَ {وَقِيعٌ: حَدَدْتُه بهَا، يُقَالُ: سِكِّينٌ وَقِيعٌ، أَي: حَدِيدٌ، وَكَذَلِكَ سَيْفٌ وَقِيعٌ، أَي: وُقِعَ} بالمِيقَعَةِ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ، قالَ الشَّمّاخُ يَصِفُ إبِلاً:
(بُباكِرْنَ العِضَاهَ بمُقْنَعاتٍ ... نَوَاجِذُهُنَّ كالحَدَإِ {الوَقِيعِ)

والحافِرُ الوَقِيعُ} والمَوْقُوعُ: الّذِي أصابَتْهُ الحِجَارَةُ {فوَقَعَتْهُ، قالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ حِماراً: يَرْكَبُ قَيْنَاهُ} وَقِيعاً ناعِلا أَي حافِراً مُحَدّداً، كأنَّه شُحِذَ بالأحْجَارِ، كَمَا {يُوقَعُ السَّيْفُ إِذا شُحِذَ، وقيلَ: الوَقيعُ: الحافِرُ الصُّلْبُ، والنّاعِلُ: الّذِي لَا يَحْفَى، كأنَّ عليْهِ نَعْلاً، وقالَ رُؤْبَةُ أيْضاً: لأمٍ يَدُقُّ الحَجَرَ المُدَمْلَقَا بكُلِّ} مَوْقُوعِ النُّسُورِ أخْلَقَا وقَدَمٌ {مَوْقُوعَةٌ: غَلِيظَةٌ شَدِيدَةٌ.
} والوَقِيعَةُ: لُغَةٌ فِي الوَفِيعَةُ: بالفَاءِ، هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقد تَقَدَّمَ أنَّه بالقافِ لَحْنٌ، وَفِي أكْثَرِ النُّسَخِ: الوَقِيعَةُ: نُقْرَةٌ فِي جَبَلٍ أوْ سَهْلٍ، ونَصُّ الجَوْهَرِيُّ: قالَ أَبُو صاعِدٍ:! الوَقِيعَةُ: نُقْرَةٌ فِي مَتْنِ حَجرٍ فِي سَهْلٍ أَو جَبَلٍ يَسْتَنْقِعُ فيهَا الماءُ، وهِيَ تَصْغُرُ وتَعْظُمُ حَتَّى تُجَاوِزَ حَدَّ الوَقِيعَة، فتَكُونَ وٌ قِيطاً، قالَ اللَّيْث: ج: {وِقاعٌ، بالكَسْرِ،} ووَقائِعُ، قالَ عَمْروُ بنُ أحْمَرَ:
(الزّاجِرُ العِيسَ فِي الإمْليس أعْيُنُها ... مِثْلُ {الوَقَائِعِ فِي أنْصافِها السَّمَلُ)
وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
(ونِلْنا سِقَاطاً منْ حَدِيثٍ كأنَّهُ ... جَنَى النَّحْلِ مَمْزُوجاً بماءِ الوَقائِع)
والوَقِيعَةُ: القِتالُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وقيلَ: المَعْرَكَةُ، والجَمْعُ: الوَقَائِعُ، وهوَ مجازٌ.
وَمن المَجَازِ:} الوَقيعَةُ: غَيْبَةُ النّاسِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ يُقَالُ: وَقَعَ فِي النّاسِ: أَي: اغْتابَهُم {وُقُوعاً ووَقِيعَةً، وقيلَ: هوَ أنْ يَذْكُرَ فِي الإنْسَان مَا لَيْسَ فيهِ، ومنهُ الحديثُ: ذهَبَ رَجُلٌ} ليَقَعَ فِي خالِدٍ، أَي: يَذُزَّه ويَعِيبَه ويَغْتابَه.
{ومَوْقُوعٌ: ماءٌ بناحِيَةِ البَصْرَةِ وقيلَ: ع بناحِيَةٍ بِهَا، قُتِلَ بهِ أَبُو مَعْبَدٍ الشَّنِّيُّ الخارِجِيُّ.
(و) } وقَاعِ كقَطَامِ: كَيَّةٌ مُدَوَّرَةٌ على الجاعِرَتَيْنِ أَو حَيْثُمَا كانَتْ، وقيلَ: تَكُونُ بينَ القَرْنَيْنِ، قَرْنَيِ الرَّأْسِ، قالَ عَوْفُ بنُ الأحْوَصِ:
(وكُنْتُ إِذا مُنِيتُ بخَصْمِ سَوْءٍ ... دَلَفْتُ لَهُ فأكْوِيهِ وَقَاعِ)
ونَسَبَهُ الأزْهَرِيُّ لِقَيْس بنِ زُهَيْرٍ، قالَ الكسائِيّ: وَلَا تَكُونُ إِلَّا دارَةً حَيْثُ كانَتْ، يَعْنِي ليسَ لَهَا مَوْضِعٌ مَعْلُوم.
وقدْ! وَقَعْتُه كوَضَعْتُه وَقاعِ، وقالَ شَمِرٌ: كَواهُ وَقَاعِ: إِذا كَوَى أُمَّ رَأْسِه.)
وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: أرْضٌ {وَقِيعَةٌ: لَا تَكادُ تَنْشَفُ الماءَ منَ} القِيعانِ وغَيْرِها منَ القِفَافِ والجِبَالِ، قالَ: وأمْكِنَةٌ {وُقُعٌ بضَمَّتَيْنِ: بَيِّنَةُ الوَقائِعِ، كَذَا فِي النُّسَخِ، ومِثْلُه فِي العُبابِ، والصَّوابُ: بيِّنَةُ الوَقَاعَةِ، كَمَا هُوَ نَصُّ ابنِ شُمَيْلٍ، وذكَرَهُ فِي التَّكْمِلَةِ على الصَّوابِ، ويُؤَيِّدُه نَصُّ أبي حَنيفَةَ حَيْثُ قالَ: الوَقِيعُ منَ الأرْضِ: الغَلِيظُ الّذِي لَا يَنْشَفُ الماءَ، وَلَا يُنْبِتُ، بَيِّنُ الوَقَاعَةِ، والجَمْعُ: وُقُعٌ.
} والأوْقَعُ: شِعْبٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
{والوَقَعَةُ، مُحَرَّكَةً: بَطْنٌ من بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ، قالَ أَبُو دؤادٍ الرُّواسِيّ:
(يَا أُختَ دَحْوَةَ أَو يَا أُخْتَ أُخْتِهِمُ ... منْ عامِرٍ وسَلُولٍ أَو بَنِي} الوَقَعَهْ)
(و) {الوَقّاعُ كشَدّادٍ: غُلامٌ للفَرَزْدَقِ كانَ يُوَجِّهُهُ فِي قَبَائِحَ وأشْياءَ غَيْرَ جَمِيلَةٍ، فهُوَ اسمٌ على مُسمَّاهُ.
ورَجُلٌ} وَقّاعٌ {ووَقّاعَةٌ: يَغْتَابُ النّاسَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
ورَجُلٌ} واقِعَةٌ، أَي: شُجاعٌ قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ، وقيلَ: داهِيَةٌ، وهوَ مجازٌ.
{وواقِعٌ: فَرَسُ رَبيعَةَ بنِ جُشَمَ النَّمَرِيِّ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
(و) } واقِعُ بنُ سَحْبَانَ المُحَدِّثُ عَن أُسَيْرِ بنِ جابِرٍ، وعنْهُ قَتَادَةُ.
وفاتَه: الحَسَنُ بنُ واقِعٍ، عنْ ضَمْرَةَ بنِ رَبيعَةَ، نَقَلَه الحافِظُ.
والنَّسْرُ! الواقِعُ: نَجْمٌ كَمَا فِي الصِّحاحِ زادَ غَيْرُه كأنَّه الطّائِرِ كاسر جناحيه من خلف حِيَال النسْر، قُرْبَ بَنَاتِ نَعْشٍ، ولمّا كانَ بحذائِهِ النَّسْرُ الطّائِرُ سُمِّيَ {واقِعاً، فالنَّسْرُ} الواقِعُ شامِيٌّ، والنَّسْرُ الطّائِرُ حَدُّهُ: مَا بَيْنَ النَّجُومِ الشَّامِيَّةِ واليَمانِيّةِ، وَهُوَ مُعْتَرِضٌ غَيْرُ مُسْتَطِيلٍ، وهُوَ نَيِّرٌ، ومَعَهُ كَوْكَبانِ غامِضَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا وَقّافٌ، كأنَّهُمَا لَهُ كالجَناحَيْنِ، وَقد بَسَطُهمَا، وكأنَّهُ يَكَادُ يَطِيرُ، وَهُوَ مَعَهُما مُعْتَرِضٌ مُصْطَفٌّ، ولذلكَ جَعَلُوه طائراً، وأمَّا الواقِعُ فهوَ ثَلاثُ كَوَاكِبَ كالأثَافِيِّ، فكَوْكَبانِ مُخْتَلِفَانِ، لَيْسا على هَيْئَةِ النَّسْرِ الطّائِرِ، فهُمَا لَهُ كالجَنَاحَيْنِ، ولكنَّهُمَا مُنْضَمّانِ إليْهِ، كأنَّهُ طائِرٌ {وَقَعَ.
ويُقَالُ:} وُقِعَ فِي يَدِه، كعُنِيَ أَي: سُقِطَ فِي يَدِه، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.
ويُقَالُ: فُلانٌ يأكُلُ الوَجْبَةَ، ويَتَبَرَّزُ {الوَقْعَة، أَي: يأكُلُ فِي اليَومِ مَرَّةً، ويَتغوَّطُ مَرَّةً قالَ ابنُ الأعْرَابِيّ وابنُ السِّكِّيتِ: سُئل رَجُلٌ عَن سَيْرِه: كَيْف كَانَ سَيْرُك قالَ: كُنْتُ آكُلُ الوَجْبَةَ، وأنْجُو الوَقْعَةَ.
وأُعَرِّسُ إِذا أفْجَرْتُ، وأرْتَحِلُ إِذا أسْفَرْتُ، وأسِيرُ المَلْعَ، والخَبَبَ والوَضْعَ، فأتَيْتُكُمْ لمُسِْيِ سَبْعٍ، قالَ ابنُ الأثِيرِ: الوَقْعَةُ: المَرَّةُ من الوُقُوعِ: السُّقُوطِ، وأنْجُو: منَ النَّجْوِ: الحَدَثِ، أَي: آكُلُ مَرَّةً واحدَةً، وأُحْدِثُ مَرَّةً فِي كُلِّ يومٍ.)
} وأوْقَعَ بهِمْ فِي الحَرْبِ إيقاعاً: بالَغَ فِي قِتالهِمْ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ {كوَقَعَ بِهِم} وَقْعاً، كوضَعَ، وكذلكَ {أوْقَعَهُ} إيقاعاً، كَمَا فِي الأساسِ، وَهُوَ مجازٌ.
وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بنَ مَسلمَةَ الأسَدِيَّ يَقُولُ: {أوْقَعَتِ الرَّوْضَةُ} إيقاعاً: أمْسَكَتِ الماءَ وأنْشَدني فيهِ:! مُوقِعَةٌ جُثْجاثُهَا قَدْ أنْوَرَا {والإيقاعُ منْ إِيقَاع ألْحَانِ الغِنَاءِ، وهُوَ أَن} يُوقِعَ الألْحَانَ ويُبَيِّنَها تَبْييناً، هَكَذَا هُوَ فِي اللِّسانِ والعُبابِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ويَبْنِيَها من البِنَاءِ، وسمَّى الخليلُ رحمهُ اللهُ تَعَالَى كِتاباً منْ كُتُبِه فِي ذَلِك المَعْنَى كتابَ الإيقاعِ.
{ومُوقِعُ بالضَّمِّ فِي قَوْلِ رُوَيْشدٍ الطّائِيِّ:
(} ومُوقِعُ تَنْطِقُ غَيْرَ السَّدادِ ... فَلَا جيدَ جِزْعُكِ يَا {مُوقِعُ)
قَبيلَةٌ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
} والتَّوْقِيعُ: مَا {يُوَقَّعُ فِي الكتابِ، كَذَا فِي الصِّحاحِ والعُبابِ، وهوَ إلْحَاقُ شَيءٍ بعْدَ الفَرَاغِ منْهُ لمَنْ رُفِعَ إليْهِ، كالسُّلطانِ ونَحْوه منْ وُلاةِ الأمْرِ، كَمَا إِذا رَفْعَتَ إِلَى السّلْطَانِ أَو الْوَالِي شَكاةً، فكتَبَ تحتَ الكِتابِ، أَو على ظَهْرِه: يُنْظَرُ فِي أمْرِ هَذَا، ويُسْتَوْفَى لهَذَا حَقُّه، ورُفِعَ إِلَى جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى كِتابٌ يُشْتَكَى فيهِ بعامِلٍ، فكتبَ على ظَهْرهِ: يَا هَذَا، قدْ قَلَّ شاكِرُوك، وكَثُرَ شاكُوك، فإمّا عَدَلْتَ، وَإِلَّا اعْتَزَلْتَ، ورُفِعَ إِلَى الصّاحبِ بنِ عَبّادٍ كِتابٌ فيهِ أنَّ إنْسَاناً هَلَكَ، وتَرَكَ يَتِيماً، وأمْوالاً جَلِيلَةً لَا تَصْلُحُ لليَتِيمِ، وقَصَدَ الكتِبُ إغْرَاءَ الصّاحِبِ بأخْذِهَا، فوَقَّعَ الصّاحِبُ فيهِ: الهالِكُ رَحِمَهُ الله، واليتيمُ أصْلَحَهُ الله، والمالُ أثْمَرَهُ اللهُ، والسّاعِي لَعَنَهُ الله، ونَحْوُ هَذَا من} التَّوقيعاتِ نَقَلَه شَيْخُنا منْ زوَهْرِ الأكَمْ فِي الأمْثَالِ والحِكَمْ لشَيْخِ مَشايِخِه أبي الوَفَاءِ الحَسَن بنِ مَسْعُودٍ اليُوسِيِّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى، قيلَ: هُوَ مأْخُوذٌ منَ التَّوقِيعِ الّذِي هوَ مخالَفَةُ الثانِي للأوَّلِ، وقالَ الأزْهَرِيُّ:! تَوْقِيعُ الكاتِبِ فِي الكتابِ المَكْتُوبِ: أنْ يُجْمِلَ بَيْنَ تَضاعِيفِ سُطُورِه مَقَاصِدَ الحاجَةِ، ويَحْذِفَ الفُضُولَ، وهُوَ مأْخُوذٌ منْ تَوقِيعِ الدَّبَرِ ظَهْرَ البَعِيرِ، فكأنَّ {المُوَقِّعَ فِي الكِتَابِ يُؤَثِّرُ فِي الأمْرِ الّذِي كُتِبَ الكِتابُ فيهِ مَا يُؤَكِّدُه ويُوجِبُه، وَفِي زَهْرِ الأكَمِ بَعْدَ نَقَلَه هَذِه العِبارَةَ فسُمِّيَ هَذَا} تَوْقيعاً، لأنَّهُ تأْثِيرٌ فِي الكِتَابِ حِسّاً، أَو فِي الأمْرِ مَعْنىً، أوْ منَ {الوُقُوعِ، لأنَّه سَبَبٌ} لوُقُوعِ الأمْرِ المَذْكُورِ، أَو لأنَّهُ {إيقاعٌ لذلكَ المَكْتُوبِ فِي الكِتابِ،} فتَوْقِيعُ كَذَا بمعْنَى {إيقاعِه. قلتُ: وَمن أحْسَنِ مَا رَأيْتُ فِي التَّوْقِيعاتِ، قَوْلُ العَفيفِ عبدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، منْ مَشَاهِيرِ رِجَالِ زَعْلٍ، وَفَدَ على المُؤَيَّدِ صاحِبِ تَعِزَّ، فداعَبَه فِي طَلبِ الفَسْخ قالَ:
(يَا مَلِيكاً لوْ وَزَنّا نَعْلَه ... بجَمِيعِ الخَلْقِ طُرّاً وَزَنَتْ)

(إنَّ منْ غابَ عنِ الإلْفِ زَنَى ... بَعْدَ طُولِ المُكْثِ عَنْها. .)
وَلم يَكْتُبُ قافِيَةَ البَيْتِ الثَّانِي، فوَقَّعَ المُؤَيْدُ: وَزَنَتْ رحمَهُ اللهُ، فدَلَّ ذَلِك على جُوْدَةِ فَهْمِهمَا، نَقَلْتُه منْ كتابِ الأنْسابِ للنَّاشِرِيِّ.
قالَ شَيخُنا: وقدْ زَعَمَ كَثِيرٌ منْ عُلماءِ الأدَبِ وأئِمَّةِ اللِّسانِ: أنَّ التَّوقيعَ منَ الكلامِ الإسْلامِيِّ، وأنَّ العَرَبَ لَا تَعْرِفُه، وَقد صَنَّفَ فيهِ جماعَةٌ، وَلَا سيَّما أهْلُ الأنْدَلُسِ، وكلامُهُم ظاهِرٌ فِي أنَّه غَيْرُ عربِيٍّ قديم، وإنْ كانَ مأْخُوذاً منَ المعانِي العَرَبيّةِ، فتأمَّلْ.
ثمَّ قَالَ الجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: السُّرُورُ} تَوْقيعٌ جائِزٌ، قالَ شَيْخُنا: أَي منْ أسْبَابِ السُّرُورِ! التَّوْقِيعُ الجائِزُ، أَي: النّافِذُ الْمَاضِي الّذِي لَا يَرُدُّهُ أحَدٌ، لأنَّه يَدُلُ على كَمَالِ الإمارَةِ، وتَمَامِ الرِّياسَةِ، وَهِي للنُّفُوسِ أشْهَى منْ كُلِّ شَيءٍ، ولذلكَ جَعَلَ السُّرُورَ مُنْحَصِراً فِيهَا، وَهَذَا الكلامُ كأنَّهُ جوَابٌ منْ بَعْضِ الأكابِرِ فِي الإمْرَةِ والوَجاهَة ونُفُوذِ الإمْرَةِ كأنَّ شَخْصاً سألَ جَماعةً: مَا السُّرُورُ لدَيْهِ فكُلُّ واحِدٍ أجابَ بِمَا جُبِلَتْ عليهِ نَفْسُه، وطُبِعَتْ عَلَيْهِ سَجِيَّتُه، على حِسابِ الرَّغَباتِ وَهُوَ كَثِيرٌ.
قالُوا: سُئِلَ عالِمٌ، فقيلَ لَهُ: مَا السُّرُورُ فقالَ: مَعْنىً صَحَّ بالقِياس، ولَفْظٌ وَضَحَ بَعْدَ التِباس.
وقيلَ لشُجاعٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ طِرْفٌ سَرِيع، وقَرْنٌ صَرِيع.
وقيلَ لمَلِكٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ: إكْرَامُ وَدُود، وإرْغامُ حَسُود.
وقيلَ لعاقِلٍ: مَا السُّرُور فقالَ: صَدِيقٌ تُنَاجِيه، وعَدُوٌّ تُداجِيه.
وقيلَ لمِغُنٍّ: مَا السُّرُور فقالَ: مَجْلِسٌ يَقِلُّ هَذَرُه، وعُودٌ يَنْطِقُ وتَرُه.
وقيلَ لناسِكٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ: عِبادَةٌ خالِصَةٌ منَ الرِّيَاءِ، ورِضَى النَّفْسِ بالقَضاءِ.
وقيلَ لوَزيرٍ: مَا السُّرُورُ فقالَ: تَوْقِيعٌ نافِذٌ.
قالَ شَيْخُنَا: وقَدْ وَقَعَ فِي مُحَاضَراتِ الرّاغِبِ مَا يَدُلُّ على أنَّ الّذِي قالَ ذلكَ هُوَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ، فإنَّ الرّاغِبَ ذكَرَ فِي مُحَاضَراتِه بَابا منْ الأمَانِيّ بحَسَبِ أحْوَالِ المُتَمَنِّينَ، وذكَرَ فيهِ أنْوَاعاً ممّا أسْلَفْنَاهُ، قالَ فِي أوائِلِهِ: قالَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ للحُصَيْنِ بن المُنْذِر: مَا تَتَمَنَّى فقالَ: لِوَاءٌ مَنْشُور، وجُلُوسٌ على السَّرِير، وسَلامٌ عَلَيْكَ أيُّهَا الأمِير، وقِيل: لِعَبْدِ اللهِ بنِ الأهْتَم: مَا تَتَمَّنَى)
فقالَ: تَوْقِيعٌ نافِذ، وأمْرٌ جائِز، وَقيل لحَكيم: تَمَنّ مَا تَشاءُ، فقالَ: مُحادَثَةُ الإخْوَانِ، وكَفافٌ منْ عَيْش، والانْتِقالُ من ظِلٍّ إِلَى ظِلٍّ، وقالَ بعضُهُم: العَيْشُ كُلُّه فِي صِحَّةِ البَدَنِ، وكَثْرَةِ المالِ، وخُمُولِ الذِّكْرِ، ثمَّ قالَ: ووقَعَ للجَاحِظِ أمْثَالُ هَذَا مُفَرَّقاً فِي كُتُبهِ على أنْواعٍ منْ هَذَا، وَفِي هَذَا القَدْرِ كِفَايَةٌ.
ثمّ قالَ الجَوْهَرِيُّ والتَّوقِيعُ: تَظَنِّي الشَيءِ وتَوَهُّمه، يُقَالُ: {وَقِّعْ أَي: ألْقِ ظَنَّكَ على شَيءٍ، وَفِي المُحْكَمِ: التَّوْقِيعُ بالظَّنِّ والكَلامِ يَعْتَمِدُه ليَقَعَ وهَمْه.
وقالَ اللَّيْثُ: التَّوقيعُ: رَمْيٌ قَرِيبٌ لَا تُبَاعِدُه، كأنَّكَ تُرِيدُ أنْ} تُوقِعَهُ على شَيءٍ، وكذلكَ تَوقيعُ الأرْكانِ.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: والتَّوقِيعُ: إقْبَالُ الصَّيْقَلِ على السَّيفِ {بمِيقَعَتِه يُحَدِّدُه، ومِرْماةٌ مُوَقَّعَةٌ.
والتَّوْقِيعُ: التَّعْرِيسُ، وهُوَ النُّزُولَ آخِرَ اللَّيْلِ وقَدْ} وَقَّعُوا، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
(إِذا وَقَّعُوا وَهْناً كَسَوْا حَيْثُ مَوَّتَتْ ... منَ الجَهْدِ أنْفَاسُ الرِّياحِ الحَواشِكِ)
وقالَ اللَّيْثُ، كَمَا فِي العُبابِ وَفِي اللِّسَانِ: قالَ الأصْمَعِيُّ: التَّوقيعُ: نَوْعٌ منَ السَّيْرِ شِبْهُ التَّلْفيفِ، وَهُوَ رَفْعَهُ يَدَهُ إِلَى فَوْقُ.
{ووَقَعَتِ الحِجَارَةُ الحافِرَ أَي: قَطَّعَتْ سَنَابِكَهُ تَقْطِيعاً هَكَذَا نَصُّ العُبابِ، ومُقْتَضَى ذلكَ أنَّهُ من الثُّلاثِيِّ، والّذِي فِي اللِّسَانِ:} وقَّعَتِ الحِجَارَةُ الحافِرَ، فقطَّعَت سَنَابِكَهُ {تَوْقيعاً، وَهَذَا أشْبَهُ لسباقِ المُصَنِّف وسياقِه، وكِلاهُمَا صَحيحٌ.
قالَ اللَّيْثُ: وَإِذا أصابَ الأرْضَ مَطَرٌ مُتَفَرِّقٌ، أَو أخْطَأَ فذلكَ} تَوْقِيعٌ فِي نَبْتِهَا، وقالَ غَيْره: هُوَ إصابَةُ المَطَرِ بَعْضَ الأرْضِ، وإخْطاؤُه بَعْضاً، وقيلَ: هُوَ إنْباتُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ.
وَمن المَجَازِ:! المُوَقَّعُ، كمُعَظَّمٍ، الأخِيرُ عَن اللِّحْيَانِيِّ: منْ أصابَتْهُ البَلايا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ الأخيرُ عنِ اللِّحْيَانِيِّ. والمُوَقِّعُ: المُذَلِّلُ منَ الطُّرُقِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ أيْضاً.
(و) {المُوَقَّعُ أيْضاً: البَعِيرُ تَكْثُرُ آثارُ الدَّبَرِ عَلَيْهِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وهوَ مجازٌ، زادَ فِي اللِّسانِ: لكَثْرَةِ مَا حُمِلَ عليهِ ورُكِبَ، فهُوَ ذَلُولٌ مُجَرَّبٌ، أنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشّاعِرِ:
(فَمَا مِنْكُمُ أفْنَاءَ بكْرِ بنِ وائِلٍ ... لِغارَتِنَا إِلَّا ذَلُولٌ} مُوَقَّعُ)
وأنْشَدَ ابنُ الأعْرَابِيّ للحَكَم بنِ عَبْدَلٍ:
(مِثْلُ الحِمَارِ المُوَقَّعِ الظَّهْرِ لَا ... يُحْسِنُ مَشْياً إِلَّا إِذا ضُرِبَا)

وَفِي حَديثِ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ قالَ: منْ يَدُلُّنِي على نَسيجِ وَحْدِه فقالَ لَهُ أَبُو مُوسَى رضيَ اللهُ عَنهُ: مَا نَعْلَمُه غَيْرَك، فقالَ: مَا هِيَ إِلَّا إبِلٌ مُوَقَّعٌ ظُهُورُهَا ضَرَبَ ذلكَ مَثَلاً لعُيُوبِه.
وَفِي الأساسِ: {وُقِّعَتِ الدَّابَّةُ بكَثْرَةِ الرُّكُوبِ: سُحِجَتْ، فتَحاصَّ عَنْهَا الشَّعَرُ، فنَبَتَ أبْيَضَ.
والمُوَقَّعُ: السِّكّينُ المُحَدَّدُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وقالَ ابنُ عَبّادٍ: النِّصالُ} المُوَقَّعَةُ، هِيَ: المَضْرُوبَةُ {بالمِيقَعَةِ، أَي: المِطْرَقَةِ، قالَ أَبُو وَجْزَةَ:
(حَرَّى} مُوَقَّعَةٌ ماجَ البَنَانُ بِها ... على خِضَمٍّ يُسَقَّى الماءَ عَجّاجِ)
وقَدْ ذكَرَه الجَوْهَرِيُّ بِقَوْلِه: ومِرْماةٌ {مُوَقَّعَةٌ، أَي: مُحَدَّدَةٌ، فإنَّ المُرَادَ بالمِرْمَاةِ هُوَ النَّصْلُ.
(و) } المُوَقِّعُ كمُحَدِّثِ: الخَفيف الوَطْءِ على الأرْضِ، نَقَلَه ابنُ عَبّادٍ.
{واسْتَوْقَعَ: تَخَوَّفَ مَا} يَقَعُ بهِ، قالَه اللَّيْثُ، وهُوَ شِبْهُ! التَّوَقُّعِ. (و) {اسْتَوْقَعَ السَّيْفُ: أنَى لهُ الشَّحْذُ، قالَهُ اللَّيْثُ، وَفِي الأساسِ: آنَ لَهُ أنْ يُشْحَذَ، وَفِي اللِّسانِ: احْتاجَ إِلَى الشَّحْذِ.
وقالَ الجَوْهَرِيُّ: اسْتَوْقَعَ الأمْرَ: انْتَظَرَ كَوْنَه،} كتَوَقَّعَهُ يُقَالُ: {تَوَقَّعْتُ مَجيِئَهُ، وتَنَظَّرْتُه، وَفِي الأساسِ:} تَوَقَّعَهُ: ارْتَقَبَ {وُقُوعَه، وقالَ الرّاغِبُ: أصْلُ مَعْنَاهُ: طَلَبُ} وُقُوعِ الفِعْلِ مَعَ تخَلُّفٍ واضْطِرابٍ.
وَمن المَجَازِ: {واقَعَهُ فِي المَعْرَكَةِ: حارَبَه.
وَمن المَجَازِ: واقَعَ المَرْأَةَ: باضَعَهَا، وخالَطَهَا، قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراهُ عَن ابْنِ الأعْرَابِيِّ.
وممّا يُسْتَدْرَكُ عليْهِ:} المَوْقُوعُ: مَصْدَرُ {وَقَعَ} يَقَعُ، كالمَجْلُودِ، والمَعْقُولِ، قالَ أعْشَى باهِلَةَ.
(وألْجَأَ الكَلْبَ {مَوْقُوعُ الصَّقِيعِ بهِ ... وأْلَجأَ الْحَيَّ منْ تَنْفاحِها الحَجَرُ)
} وأوْقَعَه {إيقاعاً: أنْزَلَه وأسْقَطَه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
} والمَوْقِعُ {والمَوْقِعَةُ، بكسرِ قافِهِما: مَوْضِعُ} الوُقُوعِ، الأخِيرَةُ عنِ اللِّحْيَانِيِّ.
{ووِقاعَةُ السِّتْرِ:} مَوْقِعُهُ إِذا أُرْسِلَ، حَكاهُ الهَرَوِيُّ فِي الغَرِيبَيْنِ، وقالَ ابنُ الأثِيرِ: هُوَ مَوْقِعُ طَرَفِ السِّتْرِ على الأرْضِ، وهِيَ {مَوْقِعُه} ومَوْقِعَتُه، ويُرْوَى: {الوَقَاعَةُ بفَتْحِ الواوِ، والمَعْنَى: ساحَةُ السِّتْرِ.
} والمِيقَعَةُ بالكَسْرِ: داءٌ يأْخُذُ الفَصِيلَ، كالحَصْبَةِ، {فيَقَعُ فَلَا يَكَادُ يَقُومُ.
} ووَقْعُ السَّيْفِ: {ووَقْعَتُه،} ووُقُوعه: هَبَّتُه ونُزُولُه بالضَّرِيبَةِ. {ووَقَعَ بهِ ماكِرٌ} وُقوُعاً ووَقِيعَةً: نَزَلَ، وَفِي المَثَلِ: الحِذَارُ أشَدُّ منَ {الوَقِيعَةِ يُضْرَبُ ذَلِك للرجل يعظم)
فِي صَدره الشَّيْء فَإِذا} وَقَعَ فيهِ كانَ أهْوَنَ ممّا ظَنّ.
{وأوْقَعَ ظَنَّهُ على الشَّيءِ، ووَقَّعَه، كِلاهُمَا: قَدَّرَه وأنْزَلَه.
} ووقَعَ بالأمْرِ: أحْدَثَهُ وأنْزَلَه.
{وأوْقَعَ فُلانٌ بفُلانٍ مَا يَسُوءُ، أيْ: أنْزَلَهُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ مجازٌ.
} ووَقَعَ منْهُ الأمْرُ {مَوْقعاً حَسَناً أوْ سَيِّئاً: ثَبَتَ لَدَيْه.
وأوْقَعَ بهِ الدَّهْرُ: سَطَا.
} والوِقَاعُ بالكَسْرِ: {المُوَاقَعَةُ فِي الحَرْبِ، قالَ القُطامِيُّ:
(ولَوْ تَسْتَخْبِرُ العُلَمَاءََ عَنّا ... ومنْ شَهِدَ المَلاحِمَ} والوِقاعا)
بتَغْلِبَ فِي الحُرُوبِ، ألَمْ يَكُونُواأشَدَّ قَبائِلِ العَرَبِ امْتِنَاعَا وقالَ أيْضاً:
(وكُلُّ قَبِيلَةٍ نَظَرُوا إلَيْنَا ... وخَلَّوْا بَيْنَنا كَرِهُوا الوِقاعَا)
{والوَقْعَةُ: النَّوْمَةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ.
والوَقْعَةُ:} وُقُوعُ الطّائِرِ على الشَّجَرِ أَو الأرْضِ، وطَيْرٌ {أواقِعُ، قالَ الشاعِرُ:
(لَكَالرَّجُلِ الحادِي، وقَدْ تَلَعَ الضُّحَى ... وطَيْرُ المَنَايا فَوْقَهُنَّ} أواقِعُ)
أرادَ: {وواقِعُ، جمعُ} الوَقْعَةِ، فهمَزَ الواوَ الأولَى.
{ووَقِيعَةُ الطّائِرِ:} مِيقَعَتُه.
وإنّه {لواقِعُ الطَّيْرِ: أَي: ساكِنٌ لَيِّنٌ، وَهُوَ مَجازٌ.
} ووَقَّعَتِ الدَّوَابُّ {تَوْقِيعاً: لُغَةٌ فِي} وَقَعَت، وَكَذَا! وَقَّعَتِ الإبِلُ تَوْقيعاً: إِذا رَبَضَتْ، وقيلَ: {وَقَّعَتْ، بالتَّشْدِيدِ: اطْمَأنَّتْ بالأرْضِ بَعْدَ الرِّيِّ، أنْشَدَ ابنُ الأعْرَابِيّ: حَتَّى إِذا} وَقَّعْنَ بالأنْبَاثِ غَيْرَ خَفيفاتٍ وَلَا غِراثِ وإنّمَا قالَ: غَيْرَ خَفِيفاتٍ إِلَى آخِره، لأنَّهَا قَدْ شَبِعَتْ ورَوِيَتْ فثَقُلَتْ.
{ووَقَعَ بهِ: لامَهُ وعَنَّفَهُ.
} ووَقِعَ فِي العَمَلِ {وُقُوعاً: أخذَ.
} ووَقَعَ فِي قَلْبِي السَّفَرُ، وَهُوَ مجازٌ.)
{وواقَعَ الأمُورَ} مُوَاقَعَةً، {ووِقاعاً: داناها، قالَ ابنُ سِيدَه: أُرَى قَوْلَ الشّاعِرِ، أنْشَدَهُ ابنُ الأعْرَابِيّ:
(ويُطْرِقُ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وعِنْدَهُ ... إِذا عُدَّتِ الهَيْجَا} وِقاعُ مُصادِفِ)
إنَّمَا هُوَ منْ هَذَا، قالَ: وأمّا ابنُ الأعْرَابِيّ فلَمْ يُفَسِّرْهُ.
{ووَقَعَ على أمْرَأَتِه: جامَعَها، وهُوَ مجازٌ، قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراهُ عَن ابْنِ الأعْرَابِيِّ.
} والوَقَاعَةُ: صَلابَةُ الأرْضِ.
{والوَقْعُ: الحَصَى الصِّغارُ، واحِدَتُها وَقْعَةٌ.
} والتَّوْقِيعُ: الإصابَةُ، أنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
(وقَدْ جَعَلَتْ بَوَائِقُ منْ أمُورٍ ... تُوَقِّعُ دُونَه وتَكُفُّ دُونِي)
{والوَقْعُ،} والوَقِيعُ: الأثَرُ الّذِي يُخَالِفُ اللَّوْنَ.
! والتَّوْقِيعُ: سَحْجٌ فِي ظهرِ الدّابَةِ، وقيلَ: فِي أطْرافِ عِظَامِ الدَّابَّةِ منَ الرُّكُوبِ، ورُبَّمَا انْحَصَّ عَنْهُ الشَّعَرُ، فنَبَتَ أبْيضَ.
ووقَعَ الحَديدَ والمُدْيَةَ والنَّصْلَ والسَّيْفَ، يَقَعُهَا وَقْعاً: أحَدَّها وضَرَبها، قالَ الأصْمَعِيُّ: يُقَالُ ذلكَ إِذا فَعَلْتَهُ بينَ حَجَرَيْنِ. ونَصْلٌ {وَقِيعٌ: مُحَدَّدٌ، وكذلكَ الشَّفْرَةُ بِغَيْرِ هاءٍ، قالَ عَنْتَرَةُ:
(وآخَرُ مِنْهُمُ أجْرَرْتُ رُمْحِي ... وَفِي البَجْلِي مِعْبَلَةُ وَقِيعُ)
والوَقِيعُ منَ السُّيُوفِ: مَا شُحِذَ بالحَجَرِ ويُقَالُ: قَعْ حَدِيدَكَ.
} والوَقِيعَةُ: المِطْرَقَةُ، وَهُوَ شاذٌ لأنَّهَا آلَةٌ، والآلَةُ إنَّمَا تأْتِي على مِفْعَلٍ، قالَ الهُذَلِيُّ:
(رأى شَخْصَ مَسْعُودِ بنِ سَعْدٍ بكَفِّهِ ... حَدِيدٌ حَدِيثٌ {بالوَقِيعَةِ مُعْتَدُ)
} والوَقِعُ، ككَتِفِ: المَرِيضُ يَشْتَكِي رجلَهُ منَ الحجَارَة.
وقالَ أَبُو زَيدٍ: يُقَالُ لغِلافِ القارُورَةِ: الوَقْعَةُ، {والوِقَاعُ} والوِقَعَةُ للجَمِيعِ. قُلْتُ: صَوَابُه بالفاءِ، وَقد تقدَّمَ.
{والوَاقِعُ: الّذِي يَنْقُرُ الرَّحَى، وهُم} الوَقَعَةُ.
وأهْلُ الكُوفَةِ يُسَمُّونَ الفِعْلَ المُتَعَدِّي {واقِعاً، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وَهَذِه نَعْلٌ لَا} تَقَعُ على رِجْلِي.
ووَقَعَ الأمْرُ: حَصَلَ.)
وفُلانٌ يُسِفُّ وَلَا {يَقَعُ: إِذا دَنا منَ الأمْرِ ثُمَّ لَا يَفْعَلُه، وهُوَ مجازٌ.
} وتَوَاقَعا: تَحَارَبَا.

البدء

البدء: ظُهُور الرَّأْي بعد أَن لم يكن.
البدء:
[في الانكليزية] Beginning
[ في الفرنسية] Commencement
بسكون الدال المهملة في اللغة افتتاح الشيء. وأهل الحديث يقولون بدينــا بمعنى بدأنا كذا في بعض اللغات، وكذا في البداية على ما في كنز اللغات. والبداية عند الصوفية التحقّق بالأسماء والصفات وهو البرزخ الأول من برازخ الإنسان.
(البدء) أول كل شَيْء يُقَال فعلته بدءا وبدء بَدْء وَأول بَدْء وَيُقَال فعله عودا وبدءا وعودا على بَدْء فعله مرّة بعد أُخْرَى وَرجع عوده على بدئه فِي الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ وَالسَّيِّد الأول فِي السِّيَادَة والشاب الْعَاقِل المستجاد الرَّأْي وَخير نصيب من الذَّبِيحَة (ج) أبداء وبدوء
(البداء) (انْظُر بَدو)

خَرم

خَرم

(خَرَمَ الخَرزَة يَخْرِمها) خَرْمًا من حَدِّ ضَرَبَ، (وخَرَّمَها) تَخْرِيمًا (فَتَخَرَّمتْ: فَصَمَها) . وَفِي الصّحاح: خَرَمْتُ الخَرَز أخرِمه خَرْمًا: أَثْأَيْتُه، وَيُقَال: مَا خرَمْت مِنْهُ شَيْئاً أَي: مَا قَطَعْتُ وَمَا نَقَصْتُ.
(و) خَرَم (فُلاناً) يَخْرِمُه خَرْمًا: (شَقَّ وَتَرةَ أَنْفِه، وَهِي مَا بَيْن مَنْخِرَيْه، فَخَرِم هُوَ، كَفَرِح أَي تَخَرَّمَت وَتَرَتُه) .
وَقَالَ اللّيثُ: الخَرْم: قَطْع فِي وَتَرة الأنفِ وَفِي النّاشِرَتَيْن، أَو فِي طَرَف الأَرْنبة لَا يبلُغ الجَدْع، والنَّعتُ أَخْرَمُ وَخَرْماء، وَإِن أَصاب نَحْو ذَلِك فِي الشَّفَة أَو فِي أَعْلَى قُوفِ الأُذُن فَهُوَ خَرْم، وَقَالَ شَمِر: يكون الخَرْمُ فِي الأَنْف والأُذُن جَمِيعاً، وَهُوَ فِي الأَنْف أَن يُقْطَع مُقَدَّم مَنْخِرِ الرّجل وَأَرْنَبَتِه بعد أَن يُقْطَع أَعلاها حَتَّى يَنْفُذ إِلَى جَوْفِ الأَنْف. يُقَال: رجل أَخْرَم بيِّن الخَرَم.
(والخَرَمةُ، مُحَرَّكَةً: مَوْضِعُ الخَرْمِ من الأَنْفِ) . (والخَرْماءُ: الأًذُنُ المُتَخَرِّمةُ) ، أَي: المَشْقُوقَة أَو المَثْقُوبة أَو المَقْطُوعة.
(و) الخَرْماءُ: (عَيْنٌ بِالصَّفْراءِ) كَانَت لِحَكِيم بنِ نَضْلة الغِفاريّ، ثمَّ اشتُرِيتْ من وَلَدهِ.
(و) الخَرْماءُ: (فَرسُ زَيْدِ الفَوارِس الضَّبِيّ. و) أَيْضا (فَرسُ راشِد بن شَمّاسِ المَعْنِيّ. و) أَيْضا (فرسٌ لِبَنِي أَبِي رَبِيعَة) . الْأَخِيرَة فِي الْمُحكم.
(و) الخَرْماءُ: (كُلُّ رابِيَةٍ تَنْهَبِط فِي وَهْدَة) ، وَهُوَ الأَخْرَمُ أَيْضا. (أَو كُلُّ أَكَمَةٍ لَهَا جانِبُ لَا يُمْكِن مِنْهُ الصُّعُودُ) .
(و) الخَرْمَاءُ: (عَنْرٌ شُقَّتْ أُذُنُها عَرْضًا) .
(والَخرْمُ: أنفُ الجَبَل) . وَقيل: مَا خَرَم سَيلٌ أَو طَرِيقٌ فِي قُفٍّ أَو رَأْسِ جَبَل.
(و) من المَجازِ: الخَرْمُ (فِي الشِّعْر: ذَهابُ الفَاءِ من فَعولُن) ، ويُسَمَّى الثَلْم، قَالَ الزِّجَاج: هُوَ من عِلَل الطَّوِيل، قَالَ ابنُ سِيدَه: فَيَبْقى عُولُن، فيُنقَل فِي التَّقْطيع إِلَى فَعْلُنْ. قَالَ: وَلَا يكونُ الخَرْمُ إِلاّ فِي أَوَّل الجُزْء من البَيْت.
(أَو) الخَرْم: ذَهابُ (المِيمِ من مُفاعَلَتُن) . كَذَا فِي النُّسَخ، والصَّوابَ مَفَاعِيلن، قَالَ الزَّجّاج: خَرْم فَعُولن بَيته أَثْلَم، وخَرْم مَفَاعِيلن بَيْتُه أَعْضَب، ويُسَمَّى مُتَخَرِّما ليُفْصل بَين اسْم مُنْخَرِم مَفاعِيلن وَبَين مُنْخَرِم أَخْرم، (والبَيْتُ مَخْرومٌ وأخرَمُ) .
وَقيل: الأخرَمُ من الشِّعر: مَا كَانَ فِي صَدْره وَتَد مَجْمُوع الحَرَكَتَيْن فخُرِم أَحْدُهما وطُرِح، وبَيْته كَقَوْلِه: (إِنَّ امْرأ قَدْ عَاشَ عِشْرِين حِجَّةً ... إِلَى مِثْلِها يَرْجُو الخُلُودَ لجاهِلُ)

كأّنَّ تَمَامَه: وإنّ امْرأ.
قَالَ ابنُ سِيدَه: (ج: خُرومٌ) . هَكَذَا جَمَعه أبُو إِسحاق، فَلَا أَدْرِي أَجعَلَه اسْماً ثمَّ جَمَعه على ذَلِك أم هُوَ تَسَمُّحٌ مِنْهُ.
(و) الخُرْم (بالضَّمِّ: ع) بكاظِمَةَ، قَالَ نَصْرٌ. (أَو جُبَيلاتٌ) بهَا أَو أُنوف جِبال، قَالَ أَبُو نُخَيْلَةَ يَذْكُر الْإِبِل:
(قاظَت من الخُرم بِقَيْظٍ خُرَّمِ ... )

(والأَخْرَمان: عَظْمان مُنْخَرِمان فِي طَرَف الحَنَكِ الأَعْلَى، وآخِرُ مَا فِي الكَتِفَيْنِ) ، هكَذا فِي النُّسَخ بِمَدّ هَمْزة آخر، وَمَا مَوْصُولة. والصوابُ: وأَخْرَمَا الكَتِفَيْنِ: رُؤُوسُهُما (من قِبَلِ العَضُدَيْنِ) مِمَّا يَلِي الوَابِلَةَ. (أوْ طَرَفَا أَسْفَلِ الكَتِفَيْن اللَّذان اكْتَنَفا كُعْبُرَةَ الكَتِف) .
(و) قِيلَ: (الأَخْرَمُ: مُنْقَطِع العَيْرِ حَيْثُ يَنْجَذِمْ، والمَثْقُوبُ الأُذُن، وَمن قُطِعَت وَترةُ أَنْفِه) ، وهُو طَرَفَهُ. قالَ أَوسٌ يَذْكُر فَرَسًا يُدْعَى قُرْزُلاً:
(وَالله لَوْلَا قُرْزُلٌ إِذ نَجا ... لكَانَ مَثْوى خَدِّك الأَخْرَما)

أَي: لقُتِلتَ فَسَقَط رأسُك عَن أَخْرِم كَتِفك. وأخْرَمُ الكَتِف: طرفُ عَيْرِه، وَفِي التَّهذِيب: أَخْرَمُ الكَتِف: مَحَزٌّ فِي طرف عَيْرِها مِمَّا يَلِي الصَّدَفَة، والجَمْع: الأخارِم.
(و) الأخرمُ: (مَلِكٌ للرُّوم) ، وَبِه فُسِّر قولُ جَرِير: إِنَّ الكَنيسَةَ كَانَ هَدْمُ بِنائِها ... نَصْرًا وَكَانَ هَزِيمةً للأخْرمِ)

(و) الأَخْرَمُ: (جَبَلٌ لِبَنِي سُلَيْم) مِمَّا يَلِي بِلَاد عَامر بن ربيعَة، (و) جبل (آخرُ بِطَرَف الدَّهْناءِ، وتُضَمُّ رَاؤُه، و) جَبَل (آخَرُ بِنَجْد) ، وَقَالَ نصر: هُوَ جَبَل قبال توّز بأَرْبعَة أَمْيال من أَرضِ نجد.
(وخُرْمُ الأَكَمة، بالضَّمّ، ومَخْرِمُها كَمَجٍ لِس: مُنْقَطَعُها، ومَخْرِمُ الجَبَل والسَّيْلِ: أَنفُه) ، والجَمع مَخارِمُ.
(والمَخارِمُ: الطُّرقُ فِي الغِلَظِ) ، عَن السكّريّ. وَقيل: الطّرق فِي الجِبال. وَقَالَ الجوهَرِيُّ: هِيَ أَفواه الفِجاج، قَالَ أَبُو ذُؤَيب:
(بِهِ رُجُماتٌ بَيْنَهُنَّ مَخارِمٌ ... نُهودٌ كَلَبَّاتِ الهَجَائِن فِيح)

وَفِي حَدِيث الْهِجْرَة " مَرَّا بأَوْس الأسلمِيّ، فَحَمَلهما على جَمَل، وبَعَث مَعَهُمَا دَلِيلاً، وَقَالَ: اسلُكْ بهما حَيْثُ تَعْلم من مَخارِم الطُّرُق ". قَالَ ابنُ الأَثِير: هِيَ الطُّرُق فِي الجِبال والرّمال. وَقيل: مُنْقَطَعُ أَنْفِ الجَبَل، وَقَالَ أَبُو كَبِير:
(وإِذا رَميْتَ بِهِ الفِجاجَ رأيتَه ... يَهْوِي مخارِمَها هُوِيَّ الأَجْدَلِ)

(و) المَخارِمُ: (أَوائِلُ اللَّيْل) ، ويُرْوَى بالحَاءِ المُهْمَلة. وَقد سَبَق شاهِدُه هُنَاكَ.
(والخَوْرَمَةُ: مُقدَّمُ الأَنْفِ، أَو مَا بَين المَنْخِرَيْن) .
(و) الخَوْرَمَةُ (واحِدَةُ الخَوْرَم لصُخورٍ لَهَا خُروقٌ) ، على التَّشْبيه بخَوْرَمَةِ الأَنْف.
(واخْتُرِم فُلانٌ عَنَّا، مَبْنِيًّا للمَفْعُول) أَي (ماتَ) وذَهَب، (واختَرَمَتْه المَنِيَّةُ) من بَين أَصحابِه: (أَخَذَتْه) من بَيْنِهم. (و) اخْتَرمتُ (القَومَ: استَأْصَلْتُهم واقْتَطَعْتُهم) ، وَكَذَلِكَ اخْترمَ الدَّهْرُ القومَ (كَتَخَرَّمْتُهُم) . وَمِنْه حَدِيثُ ابْن الحَنَفِيّة: " كِدتُ أَن أكونَ السَّوادَ المُخْتَرَم ".
(والخَارِمُ: البَارِدُ. و) أَيْضا (التَّارِكُ. و) أَيْضا (المُفْسِد. و) أَيْضا (الرِّيحُ البارِدَةُ) . كَذَا حَكَاهُ أَو عُبَيْد بالرًّاء، وَرَوَاهُ كُراع بالزَّاي وسيَأْتِي.
(و) الخَرِيمُ (كَأَمِيرٍ: الماجِنُ، وَقد خرُم، كَكَرُم) .
(و) الخُرَّم (كَسُكَّر: نَباتُ الشَّجَرِ) عَن كُراع.
(و) أَيْضا (النَّاعِمُ من العَيْشِ أَو هِيَ) فارسية (مُعَرَّبَة) قَالَ أَبُو نُخَيْلَةَ فِي صَفَةِ الإِبِل:

(قاظت من الخُرْمِ بِقَيْظٍ خُرَّم ... )

أَرَادَ بقَيْظ ناعم: كَثِير الخَيْر.
وَمِنْه يُقَال: كَانَ عَيشُنا بهَا خُرَّما، قَالَ ابنُ الأعرابِيّ.
(و) خُرَّمٌ (لَقب والِد) أبي عَلِيّ (الحُسَيْن بن إِدْرِيس) بنِ المُبارك بنِ الهَيْثَم بن زِيادِ بنِ عبد الرَّحْمن الهَرَوِيّ الأنصاريّ (الحافِظِ) . كَذَا ذَكَره الأَمِيرُ، روى عَن عُثْمانَ بنِ أبي شَيبةَ وطَبَقته، وَقد يُعرف بابْنِ خُرَّم كَذَلِك، وَرَوى أَيْضا عَن خَالِدِ ابنِ هِياج بن بِسْطام وعليّ بن حَجَر، تُوفِّي سنة ثَلاَثِين وَثَلثمائة، وَقَالَ الذَّهبيّ: إنّ خُرَّمًا لَقَب الحُسَيْن.
قُلتُ: وأَخُوه يُوسُف بنُ إِدْرِيس، حَدَّث أَيْضا عَنهُ محمّدُ بنُ عبد الرَّحْمَن الشامِيّ وغيرُهُ. (و) الخُرَّمةُ (بهَاءٍ: نَبْتٌ كاللُّوبِياء ج: خُرَّمٌ، وَهُوَ بَنَفْسَجِيُّ اللَّون، شَمُّه والنَّظرُ إِليه مُفرِّحٌ جِدًّا. وَمَنْ أَمْسَكَه مَعَه أَحَبَّهُ كُلُّ ناظِرٍ إِلَيْهِ، وَيُتَّخَذُ من زَهْرِه دُهْن يَنْفَع لِمَا ذُكِر) من الخاصية، وَهُوَ غَرِيب.
(و) خُرَّمَة (كَسُكَّرة: ة بفارِسَ) ، بل ناحِيَةٌ قُرْبَ إصطَخْر، قَالَه نَصْرٌ، (مِنْهَا بَابَكُ الخُرَّمِيُّ) الطاغِيَة الَّذي كادَ أَن يَسْتَوْلِي على المَمَالك زَمَن المُعْتَصِم، وَكَانَ يَرَى رَأْيَ المَزْدَكِيَّة من المَجُوس الَّذين خَرجُوا أَيَّام قُباذ، وأَباحُوا النِّساء والمُحَرَّمات وقَتْلَهم أَنوشِرْوان.
(وأُمُّ خُرَّمان أَيْضا) أَي: بالضبط السّابق، وَهُوَ ضَمّ الخَاءِ وتَشْدِيد الرَّاء المَفْتُوحة: (ع) .
وَقَالَ نَصْرٌ: أمُّ خُرّمان: مُلْتقَى حاجِّ البَصْرة والكُوفة، بركَة إِلَى جَانبهَا أكَمةٌ حَمراء على رَأْسِها مُوقَدة.
(و) من الْمجَاز: جاءَنا (فُلانٌ يَتَخَرَّم زَبَدُه أَي: يركَبُنا بالظُّلم والحُمْقِ) . عَن ابنِ الأعرابيّ.
(وتُخرَّم) الرجلُ: (دَانَ بِدِين الخُرَّمِيَّة) ، اسْم (لأَصْحابِ التَّناسُخِ) والحُلُول (والإِباحَةِ) ، وَكَانُوا فِي زَمَن المُعْتَصِم فقُتِل شَيْخُهم بَابِك، وَتَشَتَّتُوا فِي البِلاد وَقد بَقِيت مِنْهُم فِي جِبال الشّأم بَقِيَّة.
(و) المُخرِّم (كَمُحَدِّث: مَحَلَّةٌ بِبَغْدَادَ لِيَزِيدَ بنِ مُخَرِّم) الحَارِثي، نُسِبت إِلَيْهِ هذِه المَحَلّة، وَكَانَ قد نَزَلَها. وَقَالَ ابنُ الأَثيرِ: سُمِّي هَذَا المَوْضِع ببَغْداد لأنَّ يَزِيدَ بنَ مُخرِّم نَزَله. وَقَالَ غَيره: سُمِّي بمُخَرِّم بنِ شُرَيح بن مُخرِّم بن حَزن ابنِ زِياد بن الحارِث بنِ مالِك بن رَبِيعةَ بنِ كَعْب بن الْحَارِث الحارِثيّ المَذْحَجِيّ، وَمن هَذِه المَحَلّة الحافظُ أَبُو جَعْفر محمدُ بنُ عبدِ الله بن الْمُبَارك المُخرِّمِيّ قَاضِي حلوان، عَن يَحْيى القَطَّان وطَبَقَته، وَعنهُ البُخارِيّ وأَبُو دَاوُد والنَّسائِي واْبن خُزَيْمة والمَحامَليّ، مَاتَ سنة مائِتَيْن وأَرْبَعٍ وَخَمْسِين، وَأَبُو مُحَمَّد خَلَفُ اْبنُ سَالم الحافِظ، وسَعْدانُ بن نصر، وَعبد الله بن نصر المُخَرِّمِيُّون، وَآخَرُونَ.
قلتُ: وَمِنْهَا أَيْضا القَاضِي أَبُو سَعِيد المُباركُ بنُ عَليّ المُخَرِّميّ، لبس مِنْهُ الخِرْقةَ القُطّبُ الجَيْلانيّ قَدَّس اللهُ سِرِّه.
(والخُرْمانُ، كَعُثْمانَ: الكَذِبُ) .
يُقَال جَاءَ فلَان بالخُرْمان أَي: بالكَذِب.
(و) الخُرَّامُ (كَزُنَّار) : الْأَحْدَاث (المُتَخَرِّمُون فِي المَعاصِي. و) أَيْضا (جَدُّ أحمدَ بنِ عَبْدِ اللهُ) البصريّ، شَيْخٌ للمَالِيني يُوصَف بالحِفْظ، (و) أَيْضا (جَدُّ عَمْرِو بنِ حَمُّوَيةَ المُحَدِّثِين، ومُوسَى بنُ عامِر) الدّمَشْقِي رَاوِيةُ الوَلِيد بنِ مُسْلم، رَوَى عَنهُ اْبنُ جَوْصا، (و) أَبُو يَحْيى مُحَمَّد بن (سَعِيدِ بنِ عَمْرِو بنِ خُرَيْم) الدِّمَشْقِيّ، عَن رُحَيم وهِشام بنِ عَمّار، وَعنهُ أحمدُ بنُ عبد الْوَهَّاب، (و) أَبُو جَحْوَش (محمدُ بنُ مُحَمَّد) . كَذَا فِي النُّسَخ، والصَّوابُ محمدُ بنُ أَحْمَدَ (اْبن أبي جَحْوَش) الدِّمَشْقِيّ الخَطِيب بهَا، عَن أَحْمد بن أنَسِ اْبنِ مَالِك، وَعنهُ تَمّامُ بنُ مُحَمَّد الرّازي (الخُرَيْمِيُّون، بالضَّم، مُحَدِّثُون) .
(و) قَالَ أَبُو خيرة: (الخَرْوَمانَةُ) ، بِفَتْح فَسُكون، (بَقْلَةٌ تَنْبُتُ فِي القُطْنِ) كَذَا فِي النّسخ، والصوابُ فِي العَطَن (خَبِيثَةُ) الرِّيح، وَأَنْشَدَ: (إِلَى بَيْت شِقْذانٍ كأنّ سِبالَه ... ولِحْيَتَه فِي خَرْوَمانٍ مُنَوِّرِ)

(و) المُخرَّم (كَمُعَظَّم: اسمُ) رَجُل، وَهُوَ أَبُو قَتادَة عَمرُو بنُ مُخَرَّم، روى عَن اْبنِ عُيَيْنَة.
(وَكَزُبَيْر) : خُرَيْم (بنُ فَاتِك بن الأَخْرم البَدْرِيّ، و) خُرَيْم (بنُ أَيْمَن: صَحابِيَّان) رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
[] وَمِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الانْخِرامُ: التَّشْقِيقُ. يُقَال: انْخَرم ثَقّبُه أَي: انْشَقَّ.
وخُرْم الإِبرة، بالضَّم: ثُقْبُها.
والخَرْمَةُ بِمَنْزِلة الاسْمِ من نَعْت الأَخْرَمِ، وَالْجمع خَرَماتٍ. وَمِنْه حَدِيث زَيْد بنِ ثابِت: " فِي الخَرَمات الثَّلاثِ من الْأنف الدِّيَةُ "، وكأَنَّه أَراد بالخَرَمات المَخْرُومات، وَهِي الحُجُب الثَّلاثَةُ فِي الْأنف، اثْنَان خارِجَان عَن اليَمِين واليَسارِ، والثَّالِث الوَتَرَة.
وَفِي الحَدِيث: " نَهَى أَن يُضَحَّى بالمُخرَّمة الأُذُن " أَي: المَقْطُوعة الأُذُن، أَو الَّتِي فِي أُذُنِها خُرومٌ وشُقُوقٌ كَثِيرة.
والأَخرَمُ: الغَدِير، جَمْعه خُرْم؛ لأنّ بَعْضَه يَنْخَرِم إِلَى بعض، قَالَ:
(يُرجِّع بَيْن خُرْمٍ مُفَرَطَات ... صَوافٍ لم تُكدِّرها الدِّلاء)

وخَرَمه خَرْماً: أصَاب خَوْرَمَته.
وَيُقَال للرَّامِي إِذا أَصابَ بِسَهْمِهِ القِرطاسَ وَلم يَثْقُبْه قد خَرَمه.
وَمَا خَرَم الدَّلِيلُ عَن الطّريقِ، أَي: مَا عَدَل.
ومِنَ المِجازِ: يَمِينٌ ذَاتُ مخارِم، أَي: ذاتُ مَخارِج، وَيُقَال: لَا خيرَ فِي يَمِينٍ لَا مَخارِمَ لَهَا، أَي: لَا مخارج لَهَا، مَأْخوذٌ من المَخْرِم وَهُوَ الثنيَّةُ بَين الجَبَلَيْن.
وَقَالَ أَبُو زَيْد: هَذِه يَمِينٌ قد طَلَعت فِي المَخارِم، وَهِي اليَمِينُ الَّتِي تَجْعَل لصَاحِبهَا مَخْرَجاً.
وضَرْعٌ فِيهِ تَخْرِيمٌ وَتَشْرِيمٌ: إِذا وَقع فِيهِ حُزُوز.
وَيُقَال: خَرمَتْه الخَوارِمُ: إِذا ماتَ، كَمَا يُقال: شَعَبَتْه شَعُوبُ.
وانْخِرام القَرْن: ذَهابُه وانْقِضاؤُه.
وانْخِرام الكِتاب: نَقْصُه وذَهابُ بَعْضِه.
وَمَا خَرَم من الحَدِيث حَرْفاً، أَي: مَا نَقَص.
ونَقَل اْبنُ الأعرابيّ عَن اْبنِ قنان أنّه قَالَ لِرَجُل وَهُوَ يَتَوَعَّدُه: وَالله لَئِن انتَحَيْت عَلَيْك فَإِنِّي أَرَاك يَتَخَرّم زَنْدُك، وذلِك أَنَّ الزَّنَد إِذا تَخَرّم لم يُورِ القادِحُ بِهِ نَارا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أنّه لَا خيرَ فِيهِ، كَمَا أَنه لَا خير فِي الزّند المُتَخَرّمِ.
وتخرَّم زَنْدُ فلَان أَي: سَكَن غَضَبهُ. وَوَقع فِي الصّحاح: تَخرَّم زَبَدُ فلَان " بِالْبَاء الْمُوَحدَة " بِهَذَا الْمَعْنى. وَوَقع فِي الأساس: تَخرَّم أَنْفُه: سَكَن غَضَبُه. وَهُوَ مجَاز.
والخُرْمان، كعُثْمان: جَزِيرة بالصَّعِيد الأَدْنى. وَقد رأيتُها.
وَأَيْضًا موضِع آخَر فِي دِياراتِ العَرَب.
وخُرَيْم، كزبير: ثَنِيّة بَيْن الْمَدِينَة والرَّوْحاء، كَانَ عَلَيْهَا طَرِيقُ النّبيّ [
] مُنْصَرفَه من بَدْر.
والخُرَّمانُ " بضَمّ فَتَشْدِيد الرّاء المَفْتُوحة ": نَبْت.
وَقَالَ اْبنُ السِّكِّيت: يُقَال: مَا نَبَت فِيهِ خرّمان يَعْنِي بِهِ الكَذِب. ومحمدُ بنُ يَعْقوبَ بنِ الأَخْرم حافِظٌ ثِقَة، ومحمدُ بنُ العَبّاس بنِ الأَخْرم من شُيُوخ الطَّبرانِيّ، وَأَبُو يَعْقُوب إسحاقُ بنُ حَسّان بن قُوهِيّ الخُرَيْمِيّ بِالضَّمِّ: من شُعَراء الدَّوْلَة العَبَّاسِيّة، قيلَ لَهُ ذلِك لاتِّصاله بخُرَيْم بنِ عامِر بنِ الحَارِث بن خَلِيفةَ بنِ سِنانِ أَبِي حارِثَةَ بنِ مُرَّة المُرّي المَعْرُوف بالنّاعم، وَقيل: لاتِّصاله بابنِهِ عُثْمان بنِ خُرَيم، وَقيل: هُوَ مَوْلاهم.
وخُرَيْمٌ أَيْضا: بَطْنٌ من مُعاوِيةَ بنِ قُشَير، مِنْهُم حُمَيْد الخُرَيْمِيّ.
وكمُحدِّثٍ: وَرْدانُ بنُ مُخرِّم بنِ مَخْرَمَةَ بنِ قُرْط بنِ جَنَاب العَنْبَرِيّ، وَأَخُوهُ حَيْدَةُ، لهُما وِفادَة وصُحْبة.
ومَخْرَمَةُ بنُ شُرَيْح الحَضْرَمِيّ، ومَخْرَمَةُ بنُ القَاسِم بنِ مَخْرَمَة بنِ المُطَّلب، ومَخْرَمَةُ بنُ نَوْفل: صحابِيُّون.
ومَخْرَمَةُ بنُ بَكِير بن الأَشجِّ مَوْلَى بَنِي مَخْزوم، ومَخْرَمَة بنُ سُلَيْمان الأسدِيّ: مُحَدِّثان.
والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَة الزُّهْريّ، إِلَيْهِ نُسِب عبدُ الله بن جَعْفَر المَخْرَمِيّ المَدَنِيّ، من طَبَقة مالِكٍ.
ومحمدُ بنُ عبد الله المَخْرَمِيّ المَكّيّ، رَوَى عَن الشّافِعيّ.
وعبدُ الله بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيّ بنِ أَحْمد بن إبراهيمَ الشَّيْبانِيّ الحَضْرِميّ الشافِعِيّ الْمَعْرُوف بالخَرْمة، تَوَلَّى قضاءَ عَدَن، وَأَجَازَ الحافظَ السّخاويّ، تُوفِّي سنة ثَلاثٍ وتِسْعِمائة.
ورَجُلٌ أَخْرَمُ الرَّأْي، أَي: ضَعِيفُه، وَهُوَ مجَاز.
وخَوْرَم كَجَوْهَر: مَوْضِع جَاءَ ذِكرُه فِي كتاب مُحارِب بن خَصَفَة، قَالَه نصر. 

الدّين الْمُشْتَرك

الدّين الْمُشْتَرك: هُوَ الدّين الْوَاجِب لِرجلَيْنِ مثلا على آخر بِسَبَب مُتحد كَثمن الْمَبِيع صَفْقَة وَاحِدَة وكثمن المَال الْمُشْتَرك. أما الأول: فبأن جمع اثْنَان عَــبْدَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا وباعا إيَّاهُمَا صَفْقَة وَاحِدَة فَيكون ثمنهما دينا بَينهمَا على الِاشْتِرَاك. وَإِن اخْتصَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأَحَدِهِمَا. وَأما الثَّانِي: فبأن باعا عبدا مُشْتَركا بَينهمَا صَفْقَة وَاحِدَة فَيكون ثمنه مُشْتَركا بَينهمَا على المُشْتَرِي.

التّصوّف

التّصوّف:
[في الانكليزية] Soufism (mysticism)
[ في الفرنسية] Soufisme (mysticisme)
هو التخلّق بالأخلاق الإلهية. وخرقة التصوف هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته ويتوب على يده لأمور منها:
التزيي بزيّ المراد ليتلبّس باطنه بصفاته كما يتلبّس ظاهره بلباسه وهو لباس التقوى ظاهرا وباطنا. قال الله تعالى قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ومنها وصول بركة الشيخ الذي ألبسه من يده المباركة إليه. ومنها نيل ما يغلب على الشيخ في وقت الإلباس من الحال الذي يرى الشيخ ببصيرته النافذة المنوّرة بنور القدس وأنه يحتاج إليه لرفع حجبه العائقة وتصفية استعداده فإنّه إذا وقف على حال من يتوب على يده علم بنور الحق ما يحتاج إليه، فيستنزل من الله ذلك حتى يتصف قلبه به فيسري من باطنه إلى باطن المريد. ومنها المواصلة بينه وبين الشيخ به فيبقى بينهما الاتصال القلبي والمحبة دائما ويذكّره الاتباع على الأوقات في طريقته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يبلغ مبلغ الرجال، فإنّه أب حقيقي كما قال عليه الصلاة والسلام «الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علّمك وأب ربّاك»، هكذا في الاصطلاحات الصوفية.
قيل التصوّف الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا فيرى حكمها من الظاهر في الباطن، وباطنا فيرى حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للمتأدّب بالحكمين كمال. وقيل التصوّف مذهب كلّه جدّ فلا يخلطوه بشيء من الهزل. وقيل هو تصفية القلب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدّعاوي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلّق بالعلوم الحقيقية، واستعمال ما هو أولى على السرمدية، والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة، واتّباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الشريعة. وقيل ترك الاختيار وقيل بذل المجهود والأنس بالمعبود. وقيل حفظ حواشيك من مراعاة أنفاسك. وقيل الإعراض عن الاعتراض. وقيل هو صفاء المعاملة مع الله تعالى، وأصله التفرّغ عن الدنيا. وقيل الصبر تحت الأمر والنهي.
وقيل خدمة التشرّف وترك التكلّف واستعمال التطرّف. وقيل الأخذ بالحقائق والكلام بالدقائق والإياس بما في أيدي الخلائق، كذا في الجرجاني.
اعلم أنّه قيل إنّ التصوّف مأخوذ من الصّفاء وهو محمود في كل لسان، وضدّه الكدورة وهو مذموم في كل لسان. وفي الخبر ورد أنّ النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذهب صفاء الدنيا ولم يبق إلا كدرها».

إذن: الموت يعتبر اليوم تحفة لكلّ مسلم.
وقد اشتق ذلك الاسم من الصّفاء حتى صار غالبا على رجال هذه الطائفة؛ أمّا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فكان اسم الصحابة هو ما يطلق على أكابر الأمّة، ثم كانت الطبقة التالية طبقة التابعين، ثم كانت الطبقة الثالثة أتباع التابعين، ثم صار يطلق على من يعتنون بأمر الدين أكثر من غيرهم اسم الزّهاد والعبّاد، ثم بعد ظهور أهل البدع وادعائهم الزهد والعبادة انفرد أهل السّنّة بتسمية الخواصّ منهم ممن يراعون الأنفاس باسم الصوفية. وقد اشتهروا بهذا الاسم، حتى إنهم قالوا: إنّ اطلاق هذا الاسم على الأعلام إنّما عرف قبل انقضاء القرن الثاني للهجرة.

وجاء في توضيح المذاهب: أمّا التصوّف في اللغة فهو ارتداء الصوف وهو من أثر الزّهد في الدنيا وترك التنعّم. وفي اصطلاح أهل العرفان: تطهير القلب من محبة ما سوى الله، وتزيين الظاهر من حيث العمل والاعتقاد بالأوامر والابتعاد عن النواهي، والمواظبة على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء الصوفية هم أهل الحق، ولكن يوجد قسم منهم على الباطل ممّن يعدّون أنفسهم صوفية وليسوا في الحقيقة منهم، وهؤلاء عدّة من الفرق إليك بعض أسمائها: الجبية والأوليائية والشمراخية والإباحية والحالية والحلولية والحورية والواقفية والمتجاهلية والمتكاسلية والإلهامية.
وما تسمية هؤلاء بالصوفية إلا من قبيل إطلاق السّيد على غير السّيد. وأمّا مراتب الناس على اختلاف درجاتهم فعلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الواصلون الكمّل وهم الطبقة العليا.

القسم الثاني: السالكون في طريق الكمال، وهؤلاء هم الطبقة الوسطى.

والقسم الثالث: سكان الأرض والحفر (أهل المادة) «اللاصقون بالتراب» وهؤلاء هم الطبقة السفلى التي غايتها تربية البدن بتحصيل الحظوظ المادّية كالشهوات النّفسانية والمتع الشّهوانية وزينة اللباس، وليس لهم من العبادات سوى حركة الجوارح الظاهرية.
وأما القسم الأول الواصلون فهم أيضا قسمان:

الأول: وهم مشايخ الصوفية الذين حصّلوا مرتبة الوصول بسبب كمال متابعتهم واقتدائهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. ثم بعد ذلك أذن لهم بدعوة الناس إلى سلوك طريق اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء هم الكاملون والمكمّلون الذين وصلوا بالعناية الإلهية إلى ميدان البقاء بعد ما فنوا عن ذواتهم واستغرقوا في عين الجمع.
وأمّا القسم الثاني من الفئة الأولى فهم الذين بعد وصولهم إلى درجة الكمال لم يؤذن لهم بإرشاد عامّة النّاس، وصاروا غرقى في بحر الجمع، وفنوا في بطن حوت الفناء ولم يصلوا إلى ساحل البقاء.

وأمّا السالكون فهم أيضا قسمان:
1 - الطالبون لوجه الله. 2 - والطالبون للجنّة والآخرة.

فأمّا الطالبون لوجه الحقّ فهم طائفتان:
المتصوّفة الحقيقيون والملامتيّة. والمتصوفة الحقيقيون هم جماعة تنزّهوا عن نقص الصفات البشرية. واتصفوا ببعض أحوال الصوفية، واقتربوا من نهايات مقاماتهم، إلّا أنّهم ما زالوا متشبّثين ببعض أهواء النفوس، ولهذا لم يدركوا تماما نهاية الطريق كأهل القرب من الصوفية.
وأمّا الملامتية فهم قوم يسعون بكلّ جدّ في رعاية معنى الإخلاص ودون ضرورة كتم طاعاتهم وعباداتهم عن عامة النّاس. كما يكتم العاصي معصيته، فهم خوفا من شبهة الرّياء يتحرّزون عن إظهار عباداتهم وطاعاتهم. ولا يتركون شيئا من أعمال البرّ والصّلاح، ومذهبهم المبالغة في تحقيق معنى الإخلاص.

وقال بعضهم: الملامتيّة لا يظهرون فضائلهم ولا يسترون سيئاتهم، وهذه الطائفة نادرة الوجود. ومع ذلك لم يزل حجاب الوجود البشري عن قلوبهم تماما، ولهذا فهم محجوبون عن مشاهدة جمال التوحيد. لأنّهم حين يخفون أعمالهم فهم ما زالوا ينظرون إلى قلوبهم. بينما درجة الكمال أن لا يروا أنفسهم ولا يبالوا بها وأن يستغرقوا في الوحدة. قال الشاعر:
ما هو الغير؟ وأين الغير؟ واين صورة الغير؟ فلا والله ما ثمّة في الوجود سوى الله.
والفرق بين الملامتيّة والصوفية هو أنّ الصوفية جذبتهم العناية الإلهية عن وجودهم فألقوا حجاب الخلقة البشرية والأنانية عن بصيرة شهودهم فوصلوا إلى درجة غابوا منها عن أنفسهم وعن الخلق. فإذن الملامتية مخلصون بكسر اللام، والصوفية مخلصون بفتح اللام. أي أنّ الملامتيّة يخلّصون أعمالهم من شائبة الرّياء بينما الصوفية يستخلصهم الله تعالى.

وأمّا طلّاب الآخرة فهم أربعة طوائف:

الزّهاد والفقراء والخدام والعبّاد. أمّا الزهاد:
فهم الذين يشاهدون بنور الإيمان حقيقة الآخرة وجمال العقبى، ويعدّون الدنيا قبيحة ويعرضون عن مقتضيات النفس بالكلية، ويقصدون الجمال الأخروي.
والفرق بينهم وبين الصوفية هو أنّ الزاهد بسبب ميله لحظّ نفسه فهو محجوب عن الحق، وذلك لأنّ الجنة دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. بينما الصوفية لا يتعلّق نظرهم بشيء سوى الله.
وأمّا الفقراء منهم طائفة لا يميلون إلى تملّك أيّ شيء من حطام الدنيا. وذلك بسبب رغبتهم فيما عند الله. وعلّة ذلك واحد من ثلاثة أشياء: الأمل بفضل الله، أو تخفيفا للحساب أو خوفا من العقاب، لأنّ حلالها حساب وحرامها عقاب، والأمل بفضل الله ثواب ويدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام. ورغبة في جمع همتهم في طلب العبادة مع حضور القلب فيها. والفرق بين الملامتيّة والفقراء هو أنّ الفقراء طلاب للجنة وفيها حظّ للنفس، بينما الملامتية طلاب الحق. وهذا الفقر رسم أي عادة تأتي بعد درجة الفقر وهو مقام فوق مقام الملامتية والمتصوّفة، وهو وصف خاص بالصوفي لأنّه وإن تكن مرتبته وراء مرتبة الفقر لكن خلاصة مقام الفقر مندرجة فيه ذلك أنّ أي مقام يرتقي الصوفي فوقه فإنّه يحتفظ بصفاء ذلك المقام. فإذن صفة الفقر في مقام الصوفي وصف زائد. وذلك هو السبب في كون نسبة جميع الأحوال والأعمال والمقامات لغير نفسه وعدم تملّكها، بحيث لا يرى لنفسه عملا ولا حالا ولا مقاما. ولا يخصّص نفسه بشيء. بل ليس عنده خبر عن ذاته. وهذه حقيقة الفقر.
والفرق بين الفقر والزهد هو أنّ الفقر بدون وجود الزهد ممكن، وذلك مثل شخص يترك الدنيا بعزم ثابت، ولكنّه ما زال باطنا راغبا فيها. وكذلك الزّهد بدون فقر ممكن أيضا.
ومثاله شخص يملك الأسباب الدنيوية ولكنه غير راغب فيها.
أمّا الخدّام فهم طائفة اختارت خدمة الفقراء وطلاب الحق، ويشغلون أوقاتهم بعد القيام بالفرائض بمحاولة تفريغ خواطرهم من الاهتمام بأمور المعاش، والتعاون على الاستعداد للقيام بأمر المعاد. ويقدّمون هذا على النوافل سواء بالكسب أو بالسؤال.
أمّا العبّاد فهم طائفة تواظب على أداء الفرائض والنوافل والأوراد طلبا للثواب الأخروي. وهذا الوصف أيضا موجود في الصوفي ولكنّه يتنزّه عن طلب الثّواب والأغراض، لأنّ الصوفي الحق يعبد الحق لذاته.
والفرق بين العباد والزهاد هو أنّهم مع قيامهم بالعبادات فإنّ الرغبة بالدنيا يمكن أن تظل موجودة.
والفرق بين العباد والفقراء هو أنّ الغنيّ يستطيع أن يكون من العبّاد. فإذن صار معلوما أنّ الواصلين طائفتان فقط بينما السالكون هم ست طوائف ولكلّ واحد من هذه الطوائف الثماني اثنان متشبهان به، أحدهما محقّ والثاني مبطل.
أمّا المشبّه بالصوفية بحقّ فهم الصوفية الذين اطلعوا وتشوّقوا إلى نهايات أحوال الصوفية، ولكنهم بسبب القلق ببعض الصّفات منعوا من بلوغ مقصدهم وأمّا المتشبّه بالصوفية بالباطل منهم جماعة يتظاهرون بأحوال الصوفية، ولكنهم لا يعملون بأعمالهم، وهؤلاء هم الباطنيّة والإباحية والصاحبية، ويسمّون أنفسهم متصوّفة، ويقولون: إنّ التقيّد بأحكام الشرع إنما هو للعوام الذين يرون ظاهر الأمور. أمّا الخواص فليسوا مضطرّين للتقيّد برسوم الظاهر، وإنما عليهم مراعاة أحوالهم الباطنية.
وأمّا المتشبّه المحقّ بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة من أهل السلوك الذين ما زالوا يجاهدون في قطع منازل السلوك وتصفية النفوس، وما زالوا مضطربين في حرارة الطّلب وقبل ظهور كشف الذات، والاستقرار في مقام الفناء، فأحيانا تلمع ذواتهم بالكشف، ولا زال باطنهم يتشوّق لبلوغ هذا المقام.
وأمّا المتشبّه المبطل بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة تدّعي الاستغراق في بحر الفناء، ويتنصّلون من حركاتهم وسكناتهم ويقولون: إنّ تحريك الباب بدون محرّك غير ممكن. وهذا المعنى على صحته لكنه ليس موجودا عند تلك الطائفة لأنّ هدفهم هو التمهيد للاعتذار عن المعاصي والإحالة بذلك على إرادة الحقّ، ودفع اللّوم عنهم. وهؤلاء هم الزنادقة. ويقول الشيخ عبد الله التّستري: إذا قال هذا الكلام أحد وكان ممن يراعي أحكام الشريعة ويقوم بواجبات العبودية فهو صديق وأما إذا كان لا يبالي بالمحافظة على حدود الشرع فهو زنديق.
وأمّا المتشبّه المحق بالملامتيّة فهم طائفة لا يبالون بتشويش نظر الناس ومعظم سعيهم في إبطال رسوم العادات والانطلاق من قيود المجتمع، وكلّ رأسمالهم هو فراغ البال وطيب القلب، ولا يبالون برسوم وأشكال الزّهاد والعبّاد ولا يكثرون من النوافل والطاعات، ويحرصون فقط على أداء الفرائض، وينسب إليهم حبّ الاستكثار من أسباب الدنيا ويقنعون بطيب القلب ولا يطلبون على ذلك زيادة وهؤلاء هم القلندرية. وهذه الطائفة تشبه الملامتيّة بسبب اشتراكهما في صفة البعد عن الرّياء.

والفرق بين هؤلاء وبين الملامتيّة هو: أنّ الملامتيّة يؤدّون الفرائض والنوافل دون إظهارها للناس. أمّا القلندرية فلا يتجاوزون الفرائض، ولا يبالون بالناس سواء اطلعوا على أحوالهم أم لا.
وأمّا الطّائفة التي في زماننا وتحمل اسم القلندريّة وقد خلعوا الإسلام من ربقتهم، وليس لهم شيء من الأوصاف السابقة، وهذا الاسم إنّما يطلق عليهم من باب الاستعارة، والأجدر أن يسمّوا بالحشويّة. وأمّا المتشبّهون باطلا بالملامتيّة فهم طائفة من الزنادقة يدعون الإسلام والإخلاص، ولكنّهم يبالغون في إظهار فسقهم وفجورهم ومعاصيهم، ويدّعون أنّ غرضهم من ذلك هو لوم الناس لهم، وأنّ الله سبحانه غني عن طاعتهم، ولا تضرّه معصية العباد. وإنّما المعصية تضرّ الخلق فقط والطاعة هي في الإحسان إلى الناس.
وأمّا المتشبّهون بالزّهاد بحق فهم طائفة لا تزال رغبتها في الدنيا قائمة يحاولون الخلاص من هذه الآفة دفعة واحدة، وهؤلاء هم المتزهدون. وأمّا المتشبّهون باطلا بالزّهاد فهم طائفة يتركون زينة الدنيا من أجل الناس لينالوا بذلك الجاه والصّيت لديهم، وتجوز هذه الخدعة على بعضهم فيظنونهم معرضين عن الدنيا.
وحتّى إنّهم يخدعون أنفسهم بأنّ خواطرهم غير مشغولة بطلب الدنيا، بدليل إعراضهم عنها وهؤلاء هم المراءون.
وأمّا المتشبّهون بالفقراء بحقّ فهم الذين يبدو عليهم ظاهر وسيماء أهل الفقر، وفي باطنهم يطلبون حقيقة الفقر، إلّا أنّهم لم يتخلّصوا تماما من الميل للدنيا وزينتها ويتحمّلون مرارة الفقر بتكلّف، بينما الفقير الحقيقي يرى الفقر نعمة إلهية، لذلك فهو يشكر هذه النعمة على الدوام.
وأمّا المتشبّه بالباطل بالفقراء فهو ذلك الذي ظاهره ظاهر أهل الفقر وأمّا باطنه فغير مدرك لحقيقة الفقر، وغرضه القبول لدى الناس لكي ينتفع منهم بشيء من الدنيا، وهذه الطائفة هي مرائية أيضا وأمّا المتشبّهون بالخدام بحق فهم الذين يقومون دائما بخدمة الخلق، ويأملون أن ينالوا بذلك سببا في النجاة يوم القيامة. وفي تخليصهم من شوائب الميل والهوى والرّياء.
ولكنّهم لمّا يصلوا بعد إلى حقيقة ذلك. فحين تقع بعض خدماتهم في مكانها فبسبب غلبة نور الإيمان وإخفاء النفس فإنّهم يتوقّعون المحمدة والثّناء مع ذلك، وقد يمتنعون عن أداء بعض الخدمات لبعض المستحقّين، ويقال لمثل هذا الشخص متخادم.
وأمّا المتشبّهون بالخدام باطلا فهم الذين لا يخدمون بنيّة الثّواب الأخروي، بل إنّ خدمتهم من أجل الدنيا فقط، لكي يستجلبوا الأقوات والأسباب، فإن لم تنفعهم الخدمة في تحصيل مرادهم تركوها.
إذن فخدمة أحدهم مقصورة على طلب الجاه والجلال وكثرة الأتباع، وإنّما نظره في الخدمة العامّة فمن أجل حظّ نفسه، ومثل هذا يسمّى مستخدما.
وأمّا المتشبّه بالعابد حقيقة فهو الرجل الذي ملأ أوقاته بالعبادة حتى استغرق فيها، ولكنه بسبب عدم تزكية نفسه فإنّ طبيعته البشرية تغلبه أحيانا، فيقع بعض الفتور في أعماله وطاعاته، ويقال لمن لم يجد بعد لذّة العبادة وما زال يجاهد نفسه في أدائها إنّه متعبّد.
وأمّا المتشبّه المبطل بالعابد فهو من جمل المرائين، لأنّ هدفه من العبادة هو السّمعة بين الناس، وليس في قلبه إيمان بالآخرة، وما لم ير الناس منه أعماله فلا يؤدّي منها شيئا. ويقال أيضا لهذا وأمثاله متعبّد. انتهى ما في توضيح المذاهب.

ويقول في مرآة الأسرار: إنّ طبقات الصوفية سبعة: الطالبون والمريدون والسالكون والسائرون والطائرون والواصلون، وسابعهم القطب الذي قلبه على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو وارث العلم اللّدني من النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وهو صاحب لطيفة الحق الصحيحة ما عدا النبي الأمّي.
والواصل هو الشخص الذي أصبحت قواه اللطيفة مزكّاة على لطيفة الحق.
والطائر هو الذي وصل إلى اللطيفة الروحية.
والسائر هو الذي يكون صاحب قوى مزكية للّطيفة السرية.
والسالك هو من يكون صاحب قوى مزكية للطيفة القلبية.
والمريد هو صاحب قوى مزكية للطيفته النفسية.
والطالب هو صاحب قوى مزكية للطيفته الخفية الجسمية.
وتبلغ عدّة أفراد هذه الطائفة 360 شخصا مثل أيام السنة الشمسية.

ويقولون: إنّ رجال الله هم الأقطاب والغوث والإمامان اللذان هما وزيرا القطب والأوتاد والأبدال والأخيار والأبرار والنّقباء والنّجباء والعمدة والمكتومون والأفراد أي المحبوبون.
والنّقباء ثلاثمائة شخص واسم كلّ منهم علي.
والنّجباء سبعون واسم كل واحد منهم حسن.
والأخيار سبعة واسم كلّ منهم حسين.
والعمدة أربعة واسم كلّ منهم محمد.
والواحد هو الغوث واسمه عبد الله. وإذا مات الغوث حلّ محله أحد العمدة الأربعة، ثم يحلّ محلّ العمدة واحد من الأخيار، وهكذا يحلّ واحد من النجباء محلّ واحد من الأخيار ويحلّ محلّ أحد النقباء الذي يحلّ محله واحد من الناس.
وأمّا مكان إقامة النّقباء في أرض المغرب أي السويداء واليوم هناك من الصبح إلى الضحى وبقية اليوم ليل. أمّا صلاتهم فحين يصل الوقت فإنّهم يرون الشمس بعد طي الأرض لهم فيؤدّون الصلاة لوقتها.
وأمّا النجباء فمسكنهم مصر. وأمّا الأخيار فهم سيّاحون دائما ولا يقرون في مكان. وأمّا العمدة الأربعة ففي زوايا الأرض. وأمّا الغوث فمسكنه مكة، هذا غير صحيح. ذلك لأنّ حضرة السيّد عبد القادر الجيلاني رحمه الله وكان غوثا إنّما أقام في بغداد. هذا وتفصيل أحوال الباقي فسيأتي في مواضعه. ويقول في توضيح المذاهب، المكتومون أربعة آلاف رجل ويبقون مستورين وليسوا من أهل التصرّف. أمّا الذين هم من أهل الحلّ والعقد والتصرّف وتصدر عنهم الأمور وهم مقرّبون من الله فهم ثلاثمائة. وفي رواية خلاصة المناقب سبعة. ويقال لهم أيضا أخيار وسيّاح ومقامهم في مصر. وقد أمرهم الحقّ سبحانه بالسّياحة لإرشاد الطالبين والعابدين. وثمّة سبعون آخرون يقال لهم النّجباء، وهؤلاء في المغرب، وأربعون آخرون هم الأبدال ومقرّهم في الشام، وثمّة سبعة هم الأبرار وهم في الحجاز. وثمّة خمسة رجال يقال لهم العمدة لأنّهم كالأعمدة للبناء والعالم يقوم عليهم كما يقوم المنزل على الأعمدة. وهؤلاء في أطراف العالم. وثمّة أربعون آخرون هم الأوتاد الذين مدار استحكام العالم بهم. كما الطناب بالوتد.
وثلاثة آخرون يقال لهم النّقباء أي نقباء هذه الأمّة. وثمة رجل واحد هو القطب والغوث الذي يغيث كلّ العالم. ومتى انتقل القطب إلى الآخرة حلّ مكانه آخر من المرتبة التي قبله بالتسلسل إلى أن يحلّ رجل من الصلحاء والأولياء محل أحد الأربعة.

وفي كشف اللغات يقول: الأولياء عدة أقسام: ثلاثمائة منهم يقال لهم أخيار وأبرار، وأربعون: يقال لهم الأبدال وأربعة يسمّون بالأوتاد، وثلاثة يسمّون النقباء، وواحد هو المسمّى بالقطب انتهى.

ويقول أيضا في كشف اللغات: النّجباء أربعون رجلا من رجال الغيب القائمون بإصلاح أعمال الناس. ويتحمّلون مشاكل الناس ويتصرّفون في أعمالهم. ويقول في شرح الفصوص: النّجباء سبعة رجال، يقال لهم رجال الغيب، والنقباء ثلاثمائة ويقال لهم الأبرار.
وأقلّ مراتب الأولياء هي مرتبة النقباء.
وأورد في مجمع السلوك أنّ الأولياء أربعون رجلا هم الأبدال، وأربعون هم النقباء، وأربعون هم النجباء، وأربعة هم الأوتاد، وسبعة هم الأمناء، وثلاثة هم الخلفاء.
سادات الخلق). وقال أبو عثمان المغربي: البدلاء أربعون والأمناء سبعة والخلفاء من الأئمة ثلاثة، والواحد هو القطب: فالقطب عارف بهم جميعا ومشرق عليهم ولم يعرفه أحد ولا يتشرق عليه، وهو إمام الأولياء والثلاثة الذين هم الخلفاء من الأئمة يعرفون السبعة ويعرفون الأربعين وهم البدلاء، والأربعون يعرفون سائر الأولياء من الأئمة ولا يعرفهم من الأولياء أحد، فإذا نقص واحد من الأربعين أبدل مكانه من الأولياء، وكذا في السبع والثلاث والواحد إلّا أن يأتي بقيام الساعة انتهى.
وفي الإنسان الكامل أمّا أجناس رجال الغيب فمنهم من بني آدم ومنهم من هو من أرواح العالم وهم ستة أقسام مختلفون في المقام. القسم الأول هم الصنف الأفضل والقوم الكمّل أفراد الأولياء المقتفون آثار الأولياء غابوا من عالم الأكوان في الغيب المسمّى بمستوى الرحمن فلا يعرفون ولا يوصفون وهم آدميون.
والقسم الثاني هم أهل المعاني وأرواح الأداني يتنوّر الولي بصورهم فيكلّم الناس في الظاهر والباطن ويخبرهم فهم أرواح كأنّهم أشباح للقوة الممكنة في التصوير في الذين سافروا من عالم الشهود ووصلوا إلى فضاء غيب الوجود فصار عينهم شهادة وأنفاسهم عبادة، هؤلاء هم أوتاد الأرض القائمون لله بالسّنة والفرض. القسم الثالث ملائكة الإلهام والبواعث يطرقون الأولياء ويكلّمون الأصفياء لا يبرزون إلى عالم الأجسام ولا يعرفون بعوام الناس. القسم الرابع رجال المفاجأة في المواقع وإنّما يخرجون عن عالمهم ولا يوجدون في غير عالمهم، ولا يوجدون في غير معالمهم يتصوّرون بسائر الناس في عالم الأجسام، وقد يدخل أجل الصفا إلى ذلك الكوى فيخبرونهم بالمغيبات والمكتومات.
القسم الخامس رجال البسابس هم أهل الخطوة في العالم وهم من أجناس بني آدم يظهرون ويكلمونهم فيجيبون أكثرهم، وسكنى هؤلاء في الجبال والقفار والأودية وأطراف الأنهار إلّا من كان منهم متمكنا فإنّه يأخذ من المدن مسكنا غير متشوّق إليه ولا معوّل عليه. القسم السادس يشبهون الخواطر لا الوساوس هم المولّدون من أب التفكّر وأم التصوّر لا يعبأ بأقوالهم ولا يتشوّق إلى أمثالهم فهم بين الخطأ والصواب وهم أهل الكشف والحجاب.

شركَة الْمُفَاوضَة

شركَة الْمُفَاوضَة: أقدم الْأَصْنَاف رُتْبَة وَأَعْظَمهَا بركَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فاوضوا فَإِنَّهَا أعظم للبركة. والمفاوضة فِي اللُّغَة الْمُسَاوَاة والمشاركة مفاعلة من التَّفْوِيض كَأَن كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ رد مَا عِنْده إِلَى صَاحبه كَذَا ذكره ابْن الْأَثِير وَفِيه إِشْعَار بِأَن الْمَزِيد قد يشتق من الْمَزِيد إِذا كَانَ أشهر. وَفِي الشَّرْع شركَة متساويين أَو أَكثر مَالا وحرية كَامِلَة وبلوغا ودينا بِأَن تَضَمَّنت وكَالَة وكفالة فَلَا تصح. بَين من كَانَ عِنْده مائَة دِرْهَم وَمن كَانَ عِنْده خمسين درهما. وَبَين حر وَعبد أَو عَــبْدَيْنِ وَلَو مكاتبين. وَبَين بَالغ وَصبي أَو بَين صبيين. وَبَين مُسلم وذمي. وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يجوز وَيكرهُ على مَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَة.

العقد

العقد: بِالْفَتْح بِالْفَارِسِيَّةِ (كره بستن) وَفِي الشَّرْع ربط أَجزَاء التَّصَرُّف أَي الْإِيجَاب وَالْقَبُول وبالكسر (رشة مر واريد) وَالْعقد الَّذِي مِمَّا يتَّصل بالسرقات الشعرية أَن ينظم نثرا قُرْآنًا كَانَ أَو حَدِيثا أَو مثلا أَو غير ذَلِك لَا على طَرِيق الاقتباس كَقَوْلِه:
(مَا بَال من أَوله نُطْفَة ... وجيفة آخِره يفخر)

وَهَذَا الشَّاعِر عقد قَول عَليّ كرم الله وَجهه وَمَا لِابْنِ آدم وَالْفَخْر وَإِنَّمَا أَوله نُطْفَة وَآخره جيفة، وَقَوله كرم الله وَجهه وَالْفَخْر على تَقْدِير النصب يكون الْوَاو فِيهِ بِمَعْنى مَعَ وَاعْلَم أَن مُحَصل مَفْهُوم الْقَضِيَّة يرجع إِلَى عقدين. أَحدهمَا:
(العقد) مَا عقد من الْبناء والعهد واتفاق بَين طرفين يلْتَزم بِمُقْتَضَاهُ كل مِنْهُمَا تَنْفِيذ مَا اتفقَا عَلَيْهِ كعقد البيع والزواج وَعقد الْعَمَل (فِي الاقتصاد السياسي) عقد يلْتَزم بِمُوجبِه شخص أَن يعْمل فِي خدمَة شخص آخر لِقَاء أجر (مج) وَمن الْأَعْدَاد الْعشْرَة وَالْعشْرُونَ إِلَى التسعين (ج) عُقُود وصيغ الْعُقُود جمل ينشأ بهَا العقد كَقَوْلِهِم زَوجتك وبعتك

(العقد) خيط ينظم فِيهِ الخرز وَنَحْوه بحيط بالعنق (ج) عُقُود
العقد:
[في الانكليزية] Contract ،pact
[ في الفرنسية] Contrat ،pacte
بالفتح وسكون القاف في الأصل الجمع بين أطراف الجسم. وشرعا الإيجاب والقبول مع الارتباط المعتبر شرعا كذا في جامع الرموز، فهو شامل لأمور ثلاثة: الإيجاب والقبول والارتباط كما في العارفية حاشية شرح الوقاية في كتاب النكاح. وعند البلغاء أنّ ينظم نثر قرآنا كان أو حديثا أو مثلا أو غير ذلك لا على طريق الاقتباس. فالنثر الذي قصد نظمه إن كان غير القرآن أو الحديث فنظمه عقد على أيّ طريق كان إذ لا دخل فيه للاقتباس، وإن كان قرآنا أو حديثا فإنّما يكون عقدا إذا غيّر تغييرا كثيرا لا يتحمل مثله في الاقتباس، أو لم يغيّر تغييرا كثيرا ولكن أشير إلى أنّه من القرآن أو الحديث وحينئذ يكون لا على طريق الاقتباس. فمثال العقد من القرآن قوله:
أنلني بالذي استقرضت خطأ وأشهد معشرا قد شاهدوه فإنّ الله خلّاق البرايا عنت لجلال هيبته الوجوه يقول إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّى فاكتبوه ومثال العقد من الحديث قول الإمام الشافعيّ:
عمدة الخير عندنا كلمات قالهن خير البريّة اتّق الشّبهات وازهد ودع ما ليس يعنيك واعملن بنيّة
عقد قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات)، وقوله عليه السلام: (ازهد في الدنيا يحبّك الله)، وقوله عليه السلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وقوله عليه السلام: (إنّما الأعمال بالنيات). ومثال العقد من غير القرآن والحديث قول أبي العتاهية.
ما بال من أوّله نطفة وجيفة آخره يفخر عقد قول عليّ رضي الله عنه: وما لابن آدم والفخر وإنّما أوله نطفة وآخره جيفة.

قرب النَّوَافِل

قرب النَّوَافِل: قرب يكون الْحق فِيهِ بَاطِنا وَالْعَبْد ظَاهرا. وَقَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي (قرب نوافل انرا كويند كه بنده سالك وفاعل ومدرك باشد وَحقّ تَعَالَى اله وى. واين حَدِيث شرِيف اشاره بدين مرتبه است كه) لَا يزَال العَبْد يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت لَهُ سمعا وبصرا وَلِسَانًا ويدا فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي ينْطق وَبِي يبطش.

الصّفقة

الصّفقة:
[في الانكليزية] Deal
[ في الفرنسية] Transaction
بالفتح وسكون الفاء في اللغة ضرب اليد على اليد عند البيع أو البيعة. وفي الشريعة هي العقد نفسه. قالوا لا يجوز تفريق الصّفقة أي العقد الواحد قبل التّمام. فلو اشترى عــبدين صفقة بأن لم يتكرّر لفظ ووجد المشتري في أحدهما عيبا لا يردّ المعيب خاصة قبل القبض، بل إمّا أن يردّهما معا أو أخذهما معا لئلّا يلزم تفريق الصّفقة قبل التّمام، هكذا في جامع الرموز والبرجندي.

اللّعان

اللّعان:
[في الانكليزية] oath ending by a malediction
[ في الفرنسية] serment se terminant par La maLediction
شرعا شهادات مؤكّدة بالأيمان من الجانبين أى الزوج والزوجة موثّقة باللّعن في جانبه أي جانب الزوج وبالغضب في جانبها أي جانب الزوجة. وإنّما سمّي به مع أنّه ليس اللّعن إلّا في آخر كلامه تغليبا أو لأنّ الغضب قائم مقام اللّعن، وهو في جانبه يقوم مقام حدّ القذف وفي جانبها مقام حدّ الزنا كذا في جامع الرموز.
(اللّعان) (فِي الشَّرِيعَة) أَن يقسم الزَّوْج أَربع مَرَّات على صدقه فِي قذف زَوجته بالزنى وَالْخَامِسَة باستحقاقه لعنة الله إِن كَانَ كَاذِبًا وبذا يبرأ من حد الْقَذْف ثمَّ تقسم الزَّوْجَة أَربع مَرَّات على كذبه وَالْخَامِسَة باستحقاقها غضب الله إِن كَانَ صَادِقا فتبرأ من حد الزِّنَى
اللّعان: فِي اللُّغَة الطَّرْد والإبعاد مصدر لَاعن يُلَاعن ملاعنة. وَفِي الشَّرْع أَربع شَهَادَات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن فِي الْخَامِسَة قَائِمَة مقَام حد الْقَذْف فِي حَقه ومقام حد الزِّنَا فِي حَقّهَا وَسمي الْكل لعانا لشروع اللَّعْن فِيهَا كَالصَّلَاةِ يُسمى رُكُوعًا وسجودا لسرعتهما فيهمَا وَصفته أَن يَبْتَدِئ القَاضِي بِالزَّوْجِ فَيشْهد أَربع مَرَّات بِأَن يَقُول فِي كل مرّة {أشهد بِاللَّه أَنِّي لمن الصَّادِقين} فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَيَقُول فِي {الْخَامِسَة لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين} فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا يُشِير إِلَيْهَا فِي جَمِيع ذَلِك ثمَّ تشهد الْمَرْأَة أَربع مَرَّات بِأَن تَقول فِي كل مرّة أشهد بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا وَتقول فِي الْخَامِسَة {غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين} فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا. وَذكر فِي النَّوَادِر وَهِي أَن تَقول أَنْت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتني بِهِ من الزِّنَا فَإِنَّهُ أقطع للاحتمال.
فَإِن قيل إِن اللّعان على مَا قُلْتُمْ من بَاب المفاعلة فَإِنَّمَا يكون بَين اثْنَيْنِ واللعن هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي كَلَام الزَّوْج وَإِمَّا فِي كَلَام الزَّوْجَة فَذكر الْغَضَب فَقَط. قُلْنَا هَذَا من بَاب التغليب كالقمرين على أَن الْغَضَب يسْتَلْزم اللَّعْن وَفِيه مَا فِيهِ وَاللّعان إِنَّمَا يجب بِقَذْف زَوجته وَبِمَا يُوجب قَذفهَا وصلحا شَاهِدين وَهِي مِمَّن يحد قاذفها بِأَن كَانَت مُحصنَة لِأَنَّهَا إِن كَانَت أمة أَو كَافِرَة بِأَن كَانَت كِتَابِيَّة أَو صبية أَو مَجْنُونَة أَو زَانِيَة فَلَا حد وَلَا لعان. وَقيل إِذا كَانَ مَعهَا ولد وَلَيْسَ لَهُ أَب مَعْرُوف لَا يجب اللّعان وَإِن كَانَت من أهل الشَّهَادَة. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِذا كَانَا صالحين لأَدَاء الشَّهَادَة إِذْ لَو كَانَا صبيين أَو عَــبْدَيْنِ أَو مجنونين أَو محدودين فِي الْقَذْف أَو كَافِرين فَلَا لعان. فَإِن قيل يشكل على هَذَا سريان اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ الأعميين أَو الْفَاسِقين قُلْنَا هما من أهل الشَّهَادَة وَلِهَذَا لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة هَؤُلَاءِ جَازَ وَإِنَّمَا يجب اللّعان لقَوْله تَعَالَى: (وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين. ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين} {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين} . فَإِن الْوَاجِب للزِّنَا أَرْبَعَة شَوَاهِد فَإِذا لم يكن للزَّوْج هَؤُلَاءِ إِلَّا نَفسه فَوَجَبَ أَربع شَهَادَات وَالْخَامِسَة مقرونة باللعن وَبَاقِي تفاصيل هَذَا الْبَاب فِي كتب الْفِقْه.

مريم

مريم: مريم: يقال للذي فعل شيئا غريبا يا مريم إشارة لما ورد في القرآن الكريم (يا مريم لقد جئت شيئا فريا) (الحريري 94).
أبو مريم: الشرطي، الدركي (الحريري 94).
مريم

{مَرْيَمُ، كَمَقْعَدٍ، غَيرُ عَرَبِيَّةٍ: اسْمٌ، فَلَا تَكونُ مُشْتَقَّةَ من شَيْءٍ، وَهُوَ اسمُ أُمِّ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وأَبُو مَرْيَمَ: مِنْ كُنَاهُم، وذِكْرُ المُصَنِّفِ إِيِّاهُ فِي " ر ي م " غَيْرُ وَجِيهٍ. [] ومِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَيْهِ:
مريم
مَرْيَم [مفرد]:
1 - القدِّيسة العذراء، والدة النَّبيّ عيسى عليه السَّلام، وردت في القرآن باسم مريم ابنة عمران " {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} ".
2 - اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 19 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها ثمانٌ وتسعون آية. 
مريم
مريم: اسم أعجميّ، اسم أمّ عيسى عليه السلام.
مريم
عن السريانية بمعنى سيدة وفي العبرية مريام بمعنى بدينــة وسمينة. يستخدم للإناث.

عدرس

عدرس
وممَّا يسْتَدْرَك عَلَيْهِ: عَدْرَس، بتقدِيم الدّال عَلَى الرّاءِ، يُقَال: عَدْرَسَهُ عَدْرَسَةً، إِذا صَرَعَه، كعَرْدَسَه، وَمِنْه العَيْدَرُوس، بفَتْح العيْن، ويقَال: إِنّ الدّالَ مقلوبَةٌ عَن التَّاءِ. والعَدْرَسةُ مثْلُ العَتْرَسة: الأَخْذُ بالجَفَاءِ والشِّدَّة، وَبِه سُمِّيَ الأَسَدُ عَيْدَرُوساً. لأَخْذِه القَلْبِ علاَّمةُ اليَمَن محَمَّد بنُ عُمَرَ بن المُبَارَك الحَضْرَمِيُّ الشهير ببَحْرَق، وَبِه لُقِّبَ قُطْبُ اليَمَن محْيِى الدّينِ أَبو محَمَّدٍ عَبْد الله بنُ القُطْب أَبِي بَكْر بن عِمَاد الدِّين أَبي الغَوْث عَبْد الرّحْمن ابْن الفَقِيه مَوْلَى الدُّوَيْلَة محمّد بن شَيخ الشُّيوخ عَليِّ بن القُطْبِ ابنِ عَبْدِ الله عَلَوِيِّ بنِ الغَوْثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدٍ، مُقَدَّم التُّرْبَة بتَرِيمَ، الحُسَيْنِيُّ الجَعْفَرِيُّ، وُلِدَ رَضِيَ الله عَنهُ فِي ذِي الحِجَّةِ سنة وتُوفِّي سنة. وَهُوَ جَدُّ السَّادَةِ آلِ العَيْدَرُوسِ باليَمَنِ. أَعْقَبَ من أَرْبَعَةٍ، أَبِي بَكْرٍ والحُسَيْنِ والعَلَوِيِّ وشَيْخ، وَمن وَلَدِ الأَخِيرِ شَيْخُنَا أُعْجُوبَةُ العَصْرِ والأَوَان، عَنْدَلِيبُ الفَصَاحَةِ والإِتْقَان، رَبِيبُ مَهْدِ السَّعادَةِ، نَسِيبُ الأَصْلِ والسيادةِ، السُّلالةُ النَّبَوِيَّةُ رِدَاؤُه، والأَصَالَةُ العَلَوِيَّةُ انْتِهَاؤُه، مَن اجْتَمَع فِيهِ من المَحَاسِنِ الكَثِيرُ، وارْتَفَعَ ذِكْرُه بينَ الكَبِير والصَّغِير، سيَّدنا ومَولانا، مَن بلَطَائفِ عُلُومِه غَذانَا وأَرْوَانا، السَّيِّدُ الأَنْوَهُ الأَجَلُّ قُطْب المِلَّة والدِّين، الوَجِيهُ عبدُ الرّحمنِ بنُ الشَّرِيف العَلاّمةِ مُصْطَفى بن الإِمامِ المحُدِّثِ المُعَمَّرِ القُطْب شَيْخ بن القُطْب السَّيد مصْطَفَى بن قُطْب الأَقْطَاب عليّ زَيْن العابدينَ بن قُْب الأَقْطَاب السيِّد عبْد الله بن قُطْب الأَقْطَاب السيِّد شَيْخ، هُوَ صَاحب أَحْمد أَباد ابْن القُطْب سَيّدي عبد الله بن وَحِيد عَصْره سَيِّدِي شَيْخِ البانِي بن القُطْب الأَعْظَم السَّيِّد عبدِ الله العَيْدرُوس، أطَالَ الله تَعَالَى فِي بقَائه، فِي نعْمةٍ سابغَةٍ علَيْه، وإِحْسانٍ من ربِّنا إِليه، فجَدُّه الأَعْلَى السَّيِّد شَيْخٌ تُوفِّي سنة. أَخَذَ عَن أَبِيه وعمِّه القُطْب عَليّ بن أَبي)
بكْرٍ، وَبِه تَخَرَّجَ، ووَلَدُه السَّيدُ عبد الله وُلِدَ سنة، وتُوفِّي سنة، لبِس عَن وَالده وعَمّه القُطْبِ أَبي بَكْر بن عَبْد الله، وأَخَذَ الحديثَ عَن الشِّهاب أَحْمد بن عبْد الغَفَّار المَكِّيّ ومحمَّدٍ الحَطّاب وإِسْحاقَ بن جَمْعان، والمُحِبِّ بن ظَهِيرةَ، والقَاضي تاجِ الدِّين المالكيّ، والكُلُّ لَبِسوا مِنْهُ تَبرُّكاً بمكَّةَ. وولَدُه السَّيِّد شَيْخٌ وُلِد سنة وتُوفِّي بأَحْمد أَباد سنة، أَخذ عَن الْجمال محمَّد ابْن محمّد الحطّاب، وأَولادُه: شِهاب الدِّين أَحْمدُ، تُوفِّي ببَرْوَجَ سنة، ومُحْي الدِّنِ أَبُو بَكْرٍ عبدُ القادِرِ صاحبُ الزَّهْرِ الباسِمِ وغيرِه، وعَفِيفُ الدِّين ِ أَبُو محمَّدٍ عبدُ اللهِ تُوفِيَّ سنة. وحَفِيدُه القُطْبُ السَّيِّدُ شَيْخُ بنُ مُصْطَفَى، مِمَّن أَجازَه الشَّيْخُ المُعمَّرُ حسنُ بنُ عليٍّ العَجَمِيُّ وغيرُه، وَهُوَ الجَدُّ الأَدْنَى لشَيْخِنا المُشَارِ إِليهِ، نَظَرَ اللهُ بعينِ العِنايَةِ إِليه. ومَناقِبُهُم كثيرةٌ، وأَوصافهُم شَهِيرة، وَلَو أَعَرْتُ طَرَفَ القَلمِ إِلى اسْتقْصَائِها لَطَالَ، وحَسْبِي أَن أُعَدَّ مِن خَدَمِهم فِي المَجَال، كَمَا قالَ القائِلُ وأَحْسَنَ فِي المَقَال:
(مَا إِنْ مَدَحْتُ محمَّداً بمَقَالَتِي ... لكِنْ مَدَحْتُ مَقَالَتِي بمُحَمَّدِ)

نعْبد

نعْبد: قَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي الكشكول ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وُجُوهًا عديدة للإتيان بنُون الْجمع وَالْمقَام مقَام الانكسار والمتكلم وَاحِد. وَمن جيد تِلْكَ الْوُجُوه مَا أوردهُ الإِمَام الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير الْكَبِير - وَحَاصِله أَنه قد ورد فِي الشَّرِيعَة المطهرة إِن بَاعَ أجناسا مُخْتَلفَة صَفْقَة ثمَّ خرج بَعْضهَا معيبا فَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بَين رد الْجَمِيع وإمساكه وَلَيْسَ لَهُ تبعيض الصَّفْقَة برد الْمَعِيب وإبقاء السَّلِيم وَهَا هُنَا حَيْثُ يرى العابد أَن عِبَادَته نَاقِصَة مَعِيبَة لم يعرضهَا وَحدهَا على حَضْرَة ذِي الْجلَال بل ضم إِلَيْهَا عبَادَة العابدين من الْأَنْبِيَاء والأولياء والصلحاء. وَعرض الْكل صَفْقَة وَاحِدَة راجيا قبُول عِبَادَته فِي الضمن لِأَن الْجَمِيع لَا يرد الْبَتَّةَ إِذْ بعضه مَقْبُول ورد الْمَعِيب وإبقاء السَّلِيم تبعيض للصفقة. وَقد نهى سُبْحَانَهُ عباده عَنهُ فَكيف يَلِيق بكرمه العميم فَلم يبْق إِلَّا قبُول الْجَمِيع وَفِيه المُرَاد انْتهى.
وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن الله سُبْحَانَهُ عَالم بالمعيب والسليم قبل الْقبُول فجنابه الأقدس منزه عَن الِاطِّلَاع على الْمَعِيب بعد الصَّفْقَة الْوَاحِدَة بِقبُول الْجَمِيع فَتَأمل - وَلما قَالَ الشَّيْخ إِن الْمُفَسّرين ذكرُوا وُجُوهًا مِنْهَا هَذَا الْوَجْه الْوَجِيه صرفت عنان الْقَلَم عَن تَحْرِير مَا سمح بِهِ خاطري الفاتر وَمَا ذكره قُرَّة عَيْني غُلَام إِسْحَاق. أتم الله تَعَالَى فضائله وَحسن خصائله وَسلمهُ فِي الْآفَاق. لجَوَاز أَن يكون هَذَانِ الْوَجْهَانِ من تِلْكَ الْوُجُوه {رب نور وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} .

الصّبائي

الصّبائي:
[في الانكليزية] Sabaean
[ في الفرنسية] Sabeen .Sabeisme
بالموحدة واحد الصّابئة، وتلك فرقة تعبد الملائكة ويقرءون الزّبور ويتّجهون نحو القبلة كما في كنز اللغات. وفي جامع الرموز في كتاب النّكاح الصّبائية فرقة من النصارى يعظّمون الكواكب كتعظيم المسلمين الكعبة. وفي الغرر الصبائية عابدو كوكب لا كتاب لهم. وفي شرحه الدّرر اختلف في تفسير الصبائية، فعندهما هم عبدة الأوثان لأنّهم يعبدون النجوم.
وعند أبي حنيفة ليسوا بعبدة الأوثان وإنّما يعظّمون النّجوم كتعظيم المسلمين الكعبة انتهى.
وفي فتح القدير إنهم عند أبي حنيفة قوم يؤمنون بدين نبي ويقرّون بكتاب ويعظمون الكواكب كتعظيم المسلم الكعبة.

أحمدنكر

الأحمد: قد ذكر فِي أول الْكتاب تيمنا وتبركا، قيل إِن عَلَاء الدّين سُلْطَان دلهي كتب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد سُلْطَان الكجرات يَقُول:
(أَنا الْعَلَاء وعَلى حرف جر ... فَهَل يُمكن أَن يجر عَليّ)
لما وصل الْمَكْتُوب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد كتب فِي الْجَواب:
(اسْم أَحْمد مَمْنُوع من الصّرْف ... وَلَيْسَ مُمكنا أَن يجر عَليّ)
أَحْمد نكر بَلْدَة طيبَة فِي (الدكن) من مضافات (اورنك) عامرة الْبُنيان حفظهما الله تَعَالَى عَن الْآفَات وَالشَّر وعمرهما مدى الْأَيَّام والشهور، وَبِمَا أَن الْبَلدة الْمَذْكُورَة هِيَ مَوضِع ولادَة العَبْد الْفَقِير، وَبِمَا أنني فِي قَضَائهَا وعشت فِيهَا مُدَّة الْعُمر فِي رخاء وَيسر ونشأة وترعرعت فِيهَا فَكَانَ من حَقّهَا عَليّ أَن أسرد بَعْضًا أَو نفحات من تاريخها الَّذِي استنبطه أَو وصل لي من خلال الرِّوَايَات المتواترة المحققة.
هَذِه الْبَلدة بناها أَحْمد نظام شاه البحري عَلَيْهِ شآبيب سَحَاب الرَّحْمَة والغفران وَأحمد نظام شاه البحري هُوَ ابْن ملك نَائِب بحري، وَهُوَ من أَوْلَاد برهمنان بيجانكر واسْمه الْأَصْلِيّ تيمابهت وَاسم وَالِده بهريون، زمن سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني من أَوْلَاد بهمن بن اسفنديار الَّذِي كَانَ يحكم منْطقَة (مُحَمَّد آباد بيدر) وَقع أَسِيرًا أَيَّام ملك بيجانكر وَعرف بِملك حسن وَدخل فِي سلك غلْمَان المملكة، وعندما رأى السُّلْطَان أَحْمد مَا لَدَى ملك حسن من علم وَمَعْرِفَة واطلاع وعقل ورأي أهداه إِلَى وَلَده الْأَكْبَر مُحَمَّد شاه بهمني وأرسله إِلَى الْكتاب لتعلم الْخط والعلوم الفارسية الَّتِي برع فِيهَا ملك حسن بِسُرْعَة وَفِي مُدَّة قَصِيرَة واشتهر بعْدهَا ب (ملك حسن بهريور) فأغدق عَلَيْهِ العطايا والمراكز الْعَالِيَة والممتازة وَتَوَلَّى قيادة الحرس الْخَاص للقصر واصطفاه وقربه مِنْهُ واستبدل كلمة (بهريور) بِكَلِمَة (بحري) وخلع عَلَيْهِ لقب (نظام أشرف هايون الْملك بحري) بِمُوجب فرمان همايوني شرِيف مِمَّا عَاد على أَوْلَاده بالشرف الرفيع وعلو الْقيمَة وَالْقدر، وَبعد وَفَاة أَحْمد شاه بهمني، تحول الْملك إِلَى أكبر أَوْلَاده مُحَمَّد شاه بهمني، فَأصْبح (أشرف همايون نظام الْملك بحري) وَكيلا للسلطنة بِنَاء لوَصِيَّة أَحْمد شاه بهمني، فعين وَلَده (ملك أَحْمد) قائدا للجيش وأقطعه (ويركنات) مِمَّا يَلِي قلعة (دولت آباد) وفوضه أمرهَا.
ووصلت سلطة ملك أَحْمد إِلَى حُدُود (جنير) واهتم بإدارتها وضبطها غير أَن قلعة (سنير) الْوَاقِعَة على بعد ميل من (جنير) لجِهَة الغرب وقلعة (جوند) و (هرسل) وَغَيرهَا من القلاع وَالَّتِي كَانَت أَيَّام سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني تَحت سيطرة (مرهته هاي) ، لم تدخل تَحت نُفُوذه على الرغم من الفرمانات والقرارات الَّتِي اصدرها وَكيل السلطنة وَالَّتِي تقضي بِوُجُوب تَسْلِيم القلاع إِلَى ملك أَحْمد، لَكِن (مرهته هاي) اعتذر عَن ذَلِك مَا دَامَ مُحَمَّد شاه بهمني لم يبلغ سنّ الرشد والتمييز وَيُصْبِح صاحبا لملكه وقادرا على ادارته، عِنْد ذَلِك يُطِيع الْأَوَامِر وَيسلم القلاع. غير أَن ملك أَحْمد كَانَ صَاحب قَرَار وعزم فقرر الِاسْتِيلَاء على قلعة (سنير) فَعمد إِلَى محاصرتها لمُدَّة سِتَّة أشهر بعْدهَا خرج آمُر القلعة وَسلم مَفَاتِيح القلعة إِلَى ملك أَحْمد، فاستولى على جَمِيع الْأَمْوَال والأشياء الَّتِي كَانَت تحويها القلعة وَالَّتِي كَانَت كَثِيرَة وَلَا تحصى وافتخر بذلك أَيّمَا افتخار وطارت أخباره بذلك، مِمَّا دفع القلاع الْأُخْرَى (جوند) و (هرسل) و (جيودهن) وَغَيرهَا إِلَى التَّسْلِيم لَهُ قهرا فسيطر بذلك على ملك (كوكن) وَعَن قلعة (سنير) يَقُول مُحَمَّد قَاسم فرشته واصفا، أَنَّهَا تقع على رَأس قمة جبل شَاهِق تعانق السَّحَاب وَلَا يصلها النسْر فِي تحليقه.
وَقد زار الْكَاتِب قلعة ((سنير)) فِي الفترة الَّتِي كَانَ حَاكما عَلَيْهَا ابْن عبد الْعَزِيز الَّذِي كَانَ يتحلى بِصِفَات الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْوَفَاء. وَالَّذِي أصبح قائدا لقلعة ((سنير)) بعد وَفَاة مَحْمُود عَالم خَان، وَفِي عهد مُحَمَّد فرخ سير قَائِد دلهي عقد اتِّفَاق بَينه وَبَين أَمِير الْأُمَرَاء سيد حُسَيْن عَليّ خَان المشرف على (دكن) بعد تدخل من سنكراجي ملها رزناردار 1129 وَكَانَ من شُرُوطه عدم الانقلاب والثورة على الْملك وَعدم التَّعَرُّض إِلَى سبل النَّقْل (الطّرق) والاحتفاظ بِخَمْسَة عشر ألف رَاكب تَحت إمرة المسؤول عَن (الدكن) وَأسْندَ إِلَيْهِ أَو جوتهه وسرد بسمكى النواحي السِّتَّة من (الدكن) وَتفرد غنيم بِملك (كوكن) وَمَا حولهَا من الْمَوَاشِي والأبقار وقصبات وأمصار وبلاد وبقاع. وَأصْبح كَذَلِك مسيطرا على ملك كجرات ومالوة وفنديس وَمَا وَرَاء الدكن وأغلب أَرَاضِي الْهِنْد والبنغال. وبسبب ضعف جيوش الْإِسْلَام بلغ الْأَمر إِزَالَة الشعارات والعلامات الإسلامية من الْقرى والامصار الَّتِي سيطر عَلَيْهَا وهدمت الْمَسَاجِد وَمنع ذبح الأبقار. وَبلغ الْأَمر أَنهم قطعُوا أَيدي القصابين فِي بَلْدَة برهَان بوركو وأخرجوهم مِنْهَا ... وَبعد انتصار غنيم حاصر قلعة ((سنير)) الَّتِي كَانَت لمحمود عَالم خَان الَّذِي رأى أَن الْأَصْحَاب والأتباع وَمن يُؤَيّد مُحَمَّد حُسَيْن نويته الَّذِي كَانَ صَاحب الرَّأْي لَدَى مَحْمُود عَالم خَان قد تفَرقُوا بعد أَن وصلوا إِلَى الْهَلَاك وَلم تصلهم امدادات جيوش الْإِسْلَام قرر وبشكل مزاجي أَن يفضل الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة على الشَّهَادَة والحياة الأبدية فَاخْتَارَ مَا يلطخ الجبين إِلَى الْأَبَد فقرر فِي السَّادِس عشر من شهر جُمَادَى الأولى سنة 1170 تَسْلِيم القلعة إِلَى غنيم فَخرجت السيطرة عَن القلعة بذلك من يَد الْمُسلمين وَمَات بعْدهَا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
وصلنا إِلَى أصل الْمَوْضُوع ذَلِك أَن أشرف همايون نظام الْملك بحري قد توفّي فتسمى ابْنه الْملك أَحْمد بِأَحْمَد نظام الْملك شاه بحري وَبسط لِوَاء سلطته، وعندما وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى مسامع السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بهمني وَجه إِلَيْهِ جَيْشًا جرارا بقيادة جهانكير خَان، الَّذِي وصل إِلَى قَصَبَة (بهنكار) عابرا من ((تلِي كانون)) فَتوجه أَحْمد نظام الْملك شاه بحري من قَصَبَة (جيور) إِلَى ملاقاته، فَنزل الجيشان تفصل بَينهمَا مَسَافَة سِتَّة فراسخ لمُدَّة شهر تَقْرِيبًا، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء علم جهانكير خَان أَن جَيش أَحْمد نظام شاه بحري لَا يملك التنظيم وَلَيْسَ لَهُ قدرَة على المواجهة، وَكَانَت الْأَيَّام تِلْكَ مُنَاسبَة لإِقَامَة الملذات ومجالس الطَّرب وَالشرَاب فَعمد إِلَى إِقَامَتهَا. وصلت أَخْبَار هَذِه الْمجَالِس الَّتِي يقيمها جهانكير خَان إِلَى مسامع أَحْمد نظام شاه بحري الَّذِي اغتنم الفرصة وتحرك بجيشه الَّذِي يَقُودهُ أعظم خَان لَيْلَة الثَّالِث من رَجَب المرجب سنة 895 عبر جبال قَصَبَة (جيور) فوصل مَعَ الصُّبْح إِلَى قَصَبَة (بهنكار) وَنزل كالصواعق على جَيش جهانكير خَان فَقَتلهُمْ وَأسر من بَقِي مِنْهُم فأركبهم أَحْمد نظام شاه بحري على ظُهُور الأبقار وأطلقهم وسط عسكره مشهرا بهم، وَأعْطى الْأمان لمن بَقِي بِالْقربِ من (مُحَمَّد آباد بيدر) ، وَأما الْمَكَان الَّذِي جرت فِيهِ المعركة وَفتح الله لَهُ فِيهَا فقد أَقَامَ حديقة وسماها حديقة نظام وَلذَلِك فَإِن هَذِه المعركة عرفت بمعركة (الحديقة) . وحول هَذِه الحديقة زرعت الغابات والأزهار وبنيت العمارات الشاهقة وَسميت ((نكينه مَحل)) و ((سون مَحل)) وجر إِلَيْهَا نَهرا من السوَاد فِي محلّة (كافور باري) تنبع من بِئْر مَشْهُور باسم (ناكابائين) وَمَعَ الْوَقْت أَصبَحت هَذِه الحديقة تعرف ((بروضة الرضْوَان)) .
بعد ذَلِك وَمن بَاب الشُّكْر لله على فتح قَصَبَة (جيور) وَمَعَهَا قَرْيَة (إِمَام بور) عمد أَحْمد نظام الشاه بحري إِلَى جعل هَذِه النَّاحِيَة وَقفا على الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء، وغادر بعْدهَا منصورا مظفرا إِلَى (بجنير) . ثمَّ أَزَال اسْم السُّلْطَان مَحْمُود شاه بهمن من الْخطْبَة بعد أَن أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك يُوسُف عَادل خَان واستبدله باسمه وَركب جملا أَبيض وَهَذَا الرَّسْم كَانَ من خصوصيات سُلْطَان دلهي وكجرات، بعد ذَلِك راوده حلم السيطرة على قلعة (دولت آباد) ، وأرقه وجود أَفْوَاج السلاطين فِي (بيجابور) و (حيدر آباد) و (بيدر) فَخرج من (جنير) لمواجهتهم ولصعوبة هَذِه المهمة ومقتضيات الْأُمُور عمد إِلَى بِنَاء مَدِينَة فِي الْوسط مَا بَين (دولت آباد) و (جنير) وسماها (دَار السلطنة) والعاصمة وَذَلِكَ فِي شهور سنة (900) فِي الْمُقَابل من (حديقة نظام) إِلَى الْجَانِب الغربي على نهر (السِّين) . وَكَانَ يُرِيد أَن يُطلق عَلَيْهَا اسْم (أَحْمد آباد) وَلكنه بعد أَن علم أَن عَاصِمَة ملك كجرات سُلْطَان أَحْمد شاه كجرات كَائِن على هَذَا الِاسْم نَفسه، وَهِي مستمدة من اسْمه وَهُوَ اسْم يُوَافق اسْم وزيره الْقَدِير وقاضيه الْعَادِل، فَعدل عَن ذَلِك، إِلَى اسْم (أَحْمد نكر) الَّذِي يتوافق مَعَ اسْمه وَالِاسْم الْأَصْلِيّ لنصير الْملك ووزير الممالك وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر، وأصدر أوامره إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء وَالْأَصْحَاب والقادة الْكِبَار وَأَصْحَاب الخدمات بِبِنَاء العمائر الْكَبِيرَة والضخمة، فبنوها على النمط الْمصْرِيّ والبغدادي وارفقوها بالعديد من الْمَسَاجِد والحمامات وجروا إِلَيْهَا عدَّة أنهر وزرعوا عدَّة حدائق جميلَة ورائعة تخلب الأنظار والقلوب مَعًا فَأَصْبَحت (أَحْمد نكر) خضراء أَكثر وَأفضل من (كشمير) وهواها ألطف وأرق من سَائِر الْبِلَاد.
وَبعد وَفَاة ملك أشرف صَاحب قلعة (دولت آباد) ضم أَحْمد نظام شاه بحري هَذِه القلعة إِلَى سلطته فَبنى مَا تهدم مِنْهَا وترفق بِالنَّاسِ ثمَّ قفل إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) منصورا مظفرا. فِي هَذِه الفترة مَاتَ وزيره نصير الْملك كجراتي فعين مَكَانَهُ كَمَال خَان دكهني، بعْدهَا مرض أَحْمد نظام شاه بحري وَاسْتمرّ مَرضه مُدَّة ثَلَاثَة أشهر، فَجمع أَرْكَان دولته إِلَيْهِ وأعلن ابْنه الْأَمِير وليا لعهده الْبَالِغ من الْعُمر سبع سنوات. حكم أَحْمد نظام شاه مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَتُوفِّي سنة (904) . فارتعدت السَّمَاء وَالْأَرْض عِنْد مَوته وَحمل نعشه الطَّاهِر السَّادة والفضلاء والأمراء بِجلَال ووقار السلطنة إِلَى الْقرب من نهر (السِّين) حَيْثُ دفن هُنَاكَ:
(أَيهَا الْمَوْت لقد دمرت آلَاف الْبيُوت ... وخطفت الْأَرْوَاح من عَالم الْوُجُود)
(وكل درة نفيسة أَتَت إِلَى هَذِه الدُّنْيَا ... أَخَذتهَا ووضعتها تَحت التُّرَاب)
بني على قبر أَحْمد نظام شاه بحري قبَّة عالية وأحيط بسور كَبِير ووسيع أطلق عَلَيْهِ اسْم (حديقة الرَّوْضَة) وَفِي دَاخل هَذَا السُّور هُنَاكَ قُبُور عديدة وعدة قبب صَغِيرَة، أما الأَرْض خَارج السُّور فَهِيَ مليئة بالقبور لمساحة رمية سَهْمَيْنِ أَو أَكثر لجِهَة الْجنُوب حَتَّى يُمكن القَوْل أَن لَيْسَ فِيهَا وجبا وَاحِدًا خَالِيا من قبر.
لقد تحولت هَذِه الْمقْبرَة إِلَى مقصد للْعُلَمَاء لطلاب الْعلم الَّذين يَجْلِسُونَ تَحت قبَّة قبر أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى الْمِحْرَاب الْوَاقِع لجِهَة الشمَال حَيْثُ يعقدون الحلقات، وأبرز هَؤُلَاءِ الْعلمَاء المرحوم مير عنايت الله ولد مير طَاهِر جنيري الَّذِي قبل الانتساب إِلَى بيُوت الْفقر من أجل تَحْصِيل الْعلم فَقضى مُعظم أوقاته فِي تِلْكَ الْمقْبرَة.
وَلَقَد اسميت هَذَا الْمُحب السعيد بالشهيد لِأَنَّهُ فِي شهر رَمَضَان الْمُبَارك من هَذِه السّنة جَاءَ إِلَى منزلي وَقَالَ إِنَّه إِذا ربح بطيخة فَأولى لَهُ أَن يربح أَو يكْسب الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فَقبلت مَعَه فَقضيت مَعَه شهر رَمَضَان فِي تكْرَار درس ((شرح الْوِقَايَة)) بحاشية ((الْجبلي)) فِي ذَلِك الْمِحْرَاب.
وَكنت فِي بعض الأحيان اذْهَبْ إِلَى ((حديقة الرَّوْضَة)) لزيارة الْقُبُور وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة على العظماء المدفونين فِيهَا وأجلس إِلَى قبر حَافظ مُحَمَّد عبد الله التلميذ النجيب لوالد المرحوم المدفونين دَاخل سور الحديقة. الَّذِي كَانَ لَهُ الِاطِّلَاع الْوَاسِع والمعرفة الْحجَّة والبصيرة الواسعة والفكر الصائب، وَقَالَ كلَاما مجيدا وَوَجهه إِلَى الْمُلُوك الْمُخْتَلِفين وَكَانَ لَهُ اطلَاع وَاسع على علم الْقِرَاءَة وصنف رِسَالَة فِي التجويد شعرًا ونثرا. وَقد اسْتَفَدْت مِنْهُ فِي دراسة ((شرح الملا)) وَبَعض أَبْوَاب ((كنز الْفَوَائِد)) اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وَأَنت الْغفار الرَّحِيم.
وَظهر يَوْم الْأَحَد من سنة 1164 اسْتشْهد محبي لله مير عنايت الله فِي المعركة الَّتِي نشبت بَين هدايت محيي الدّين خَان ((وفاغنة)) والقصة أَن مكمل خَان انفق جهدا كَبِيرا فِي تربية وَتَعْلِيم وتأديب برهَان نظام شاه ولمدة عشرَة سنوات الَّتِي كَانَت كَافِيَة وجيدة لاتقان الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة بِخَط جميل بشكل جيد.
وَكتب ((مُحَمَّد قَاسم)) يَقُول إِن برهَان نظام شاه كتب رِسَالَة فِي علم الْأَخْلَاق وسلوك الْمُلُوك ووصلت إِلَيْهِ وَقد كتب فِي آخرهَا هَذِه الْجُمْلَة ((كَاتبه الشَّيْخ برهَان بن أَحْمد الملقب بنظام الْملك بحري)) . وَقد كَانَ برهَان نظام شاه مَعْرُوفا بالشجاعة وَالتَّقوى وَالصَّلَاح وَالْكَرم وفريدا فِي عصره. وَيُقَال إِنَّه كَانَ عِنْدَمَا يركب فرسه وَيخرج إِلَى السُّوق فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَعَ أَصْحَابه، فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا يسارا، وعندما سَأَلَهُ أحد المقربين عَن عدم التفاتة إِلَى الْأَطْرَاف والجوانب قَالَ لَهُ: عِنْدَمَا أعبر فَإِن كثيرا من الرِّجَال وَالنِّسَاء يقفون لمشاهدة هَذَا الفاني، وَأَنا أَخَاف. أَن تلفت أَن تقع عَيْني على شَيْء حرَام فَينزل عَليّ وبال ذَلِك. وَلما كَانَ هَذَا الْملك الْعَظِيم شَابًّا ومغامرا فِي أَوَائِل سلطنته أَرَادَ أَن يسيطر على قلعة (كاويل) ، فَخرج من أجل ذَلِك من دَار السلطنة فِي (أَحْمد نكر) باتجاه تِلْكَ القلعة وسيطر عَلَيْهَا، وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين وَقَعُوا فِي يَد قَائِد جَيْشه جَارِيَة بَالِغَة الْحسن وَالْجمال تشابه الْقَمَر أَو المُشْتَرِي، فَلَمَّا وَقع نظره على وَجه الْملاك هَذَا فشاهد الْمُسْتَقْبل فِي مرْآة وَجههَا تملكه الوله والحيرة وَلم يملك سَبِيلا إِلَّا أَن يحملهَا إِلَى السُّلْطَان وَيرى أَثَرهَا عَلَيْهِ، وَفِي خلْوَة بَينهمَا قَالَ نصير الْملك للسُّلْطَان دَامَ ضله أَنه قد حجب عَن بَاقِي الْعَسْكَر وَالنَّاس فاتنه من بَين الأسرى لَا مثيل لَهَا وَلَا تلِيق إِلَّا بالسلطان فَإِذا أَمر السُّلْطَان فَإِنَّهُ يبْعَث بهَا إِلَى الْجنَاح الليلي، فتملك شهريار حَالَة من الانشراح والفرح فَاسْتحْسن نصير الْملك ذَلِك وَلما ذهبت هَذِه الْجَارِيَة إِلَى الْجنَاح الليلي كَانَت تضع على رَأسهَا شادورا كحليا مقصبا بِالذَّهَب وَكَأَنَّهَا ملاك يسير باتجاه برهَان نظام شاه، وَلما تمّ اللِّقَاء بَينهمَا، شرفها الشاه بِالْحَدِيثِ مَعهَا فَسَأَلَهَا من أَي قوم هِيَ وَإِلَى من تنْسب وَمن يتَّصل بهَا بِالْقَرَابَةِ أيتها الوردة الجميلة الخالية من الشوك. فأجابت، روحي فدَاء للعلي الْقَدِير أَنا من قَبيلَة (فلَان) وَأبي وَأمي وَزَوْجي هم فعلا فِي قَبْضَة السُّلْطَان. فَلَمَّا سمع الْملك اسْم زَوجهَا سيطرت عَلَيْهِ الحمية وَاجْتنَاب الْمعاصِي فذوت شَهْوَته وَقَالَ لَهَا مطيبا خاطرها سَوف أطلق سراح والدك ووالدتك وزوجك وأهبك إيَّاهُم. عِنْدهَا ركعت الْجَارِيَة وَقبلت الأَرْض بَين يَدَيْهِ وشرعت بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ. وَفِي الصَّباح عِنْدَمَا دخل عَلَيْهِ نصير الْملك يُرِيد تهنئته بِهَذِهِ اللَّيْلَة الجميلة، فَضَحِك ((يُوسُف زَمَانه)) وَقَالَ: لقد سترنا عَورَة هَذَا الشّرف الْكَرِيم وأعطيتها وَعدا أَن أعيدها إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أحضر لي والدها ووالدتها وَزوجهَا إِلَى هَذَا الْمجْلس فأنعم عَلَيْهِم وأغدق ووهبهم لَهَا.
وَفِي عهد برهَان نظام شاه ازدهرت مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَأخذت رونقا جَدِيدا فَاجْتمع فِيهَا الْعلمَاء والسادات والأكابر وَالشعرَاء أَصْحَاب الْفُنُون والحرف والفقراء.
التقى الملا بير مُحَمَّد الشيرواني من كبار عُلَمَاء الْمَذْهَب السّني وأستاذ الْملك الْمُعظم عَن طَرِيق الِاتِّفَاق بالشاه طَاهِر دكنهي عِنْد جهان كاوان الَّذِي كَانَ ركن السلطنة لَدَى مُحَمَّد شاه بهمني فِي قلعة (بريندا) ، ودرس عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) فِي علم الْهَيْئَة لمُدَّة سنة وعندما عَاد إِلَى (أَحْمد نكر) سَأَلَهُ برهَان نظام شاه عَن سَبَب توقفه هُنَاكَ. فَقَالَ لَهُ الملا بير مُحَمَّد ظَاهر أَنه كَانَ طول هَذِه الْمدَّة برفقة عَالم محلق فِي الْفَهم الإنساني، وَلَيْسَ من طَرِيق إِلَى إِدْرَاك سر كَمَاله وعقله يزن عقول أهل زَمَانه وَلَا أحد يبلغ شرف مرتبَة علمه، فاعتبرت ذَلِك فوزا عَظِيما أَن أَقرَأ عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) الَّذِي يعْتَبر محك امتحان الْفُضَلَاء لَا بل ميزَان معركة حكماء اليونان وَالْعراق وَأنْشد فِي وصف شاه طَاهِر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: (لقد حَار الْعُقَلَاء فِي وصف كَمَاله ... فَلَا يُدْرِكهُ لَا بقراط الْحَكِيم وَلَا أَبُو عَليّ)
(مَعَ علمهمْ وحكمتهم وفضلهم وكمالهم ... فَإِنَّهُم جَمِيعًا يدرسون علم الْألف فِي صفه)
لقد رغب برهَان نظام شاه بمصاحبة الْعلمَاء والفضلاء، وخصوصا صُحْبَة شاه طَاهِر فَأرْسل لَهُ رِسَالَة حملهَا شوقه وحبه واحترام مَعَ الملا بير مُحَمَّد، وعندما وصلت الرسَالَة إِلَى شاه طَاهِر فِي (بريندا) فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن اطلع (خواجه جهان) على الرسَالَة الَّذِي لم ير بدا من مركب السّفر لشاه طَاهِر وَيبْعَث بِهِ إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) ، فَخرج أَعْيَان وأمراء وأقرباء الْملك من الْمَدِينَة لمسافة أَرْبَعَة فراسخ لاستقباله بِكُل اعزاز وإكرام وأدخلوه الْمَدِينَة. وَبعد أَن التقاه برهَان نظام شاه وَكَرمه وعظمه اعترافا بِقَدرِهِ ومنزلته، الَّتِي ادركها شاه طَاهِر من بَين جَمِيع المقربين، وَبعد أَن فرغ من مراسم الِاسْتِقْبَال والمهمات مَعَ السُّلْطَان (بهادر الكجراتي) ، اتخذ لَهُ مَكَانا فِي أَسْفَل قلعة (أَحْمد نكر) للدرس الَّذِي تحول فِيمَا بعد إِلَى مَسْجِد جَامع فَجَلَسَ للدرس يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع يدرس الْعلمَاء الْكِبَار ويطلعهم على الْكتب الدراسية. وَقد حضر دروسه كل من السَّيِّد جَعْفَر أَخ الشاه طَاهِر، وشاه حسن الْجواد، والملا مُحَمَّد النيشابوري، والملا حيدر الاسترآبادي، وَالسَّيِّد حسن المشهدي، والملا عَليّ كلمش الاسترآبادي، والملا ولي مُحَمَّد، والملا رستم الْجِرْجَانِيّ، والملا عَليّ المازندراني، وَأَبُو الْبركَة والملا عَزِيز الله الكيلاني، والملا مُحَمَّد الأسترآبادي، وَالْقَاضِي زين العابدين وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر وَالسَّيِّد عبد الْحق (كَاتب بركنه ((انبر)) ) وَالشَّيْخ جَعْفَر، ومولانا عبد الأول وَالْقَاضِي مُحَمَّد نور الْمُخَاطب بِأَفْضَل خَان وَالشَّيْخ عبد الله القَاضِي، وَآخَرين من الْفُضَلَاء وطلاب الْعلم وَقد جلس إِلَيْهِ فِي درسه كَذَلِك كل من برهَان نظام شاه واستاذه الملا بير مُحَمَّد الشرواني فَكَانَ يجلس من أول الدَّرْس إِلَى آخِره وَيسْأل ويجيب ويناقش ويعارض.
وَلما كَانَ شاه طَاهِر على مَذْهَب الإمامية، فَإِن برهَان نظام شاه قد اخْتَار مَذْهَب الإمامية هُوَ وَجَمِيع أَهله وَعِيَاله والمقربين لَهُ، وَبعد النقاش الَّذِي دَار بَين شاه طَاهِر وَجمع من الْفُضَلَاء حول هَذَا الْمَذْهَب عمد برهَان نظام شاه إِلَى قتل قَاضِي (انبر) ، وَلَيْسَ هُنَا مقَام الْكَلَام على هَذَا الْمَوْضُوع.
لقد توفّي الشاه طَاهِر فِي زمن سلطنة برهَان نظام شاه سنة 956 وَدفن دَاخل سور حديقة الرَّوْضَة خَارج قبَّة نظام شاه بحري إِلَى الْجَانِب الشمالي. وَقد عمد هاني نظام شاه بعد مُدَّة إِلَى نقل رفاة شاه طَاهِر إِلَى كربلاء المعظمة. وَخلف شاه طَاهِر وَرَاءه أَرْبَعَة أَبنَاء هم: شاه حيدر وشاه رفيع الدّين حُسَيْن وشاه أَبُو الْحسن وشاه أَبُو طَالب وَثَلَاثَة بَنَات بقيت اسماميهن مستورة كَمَا كن هن مستورات. وَبَقِي أَوْلَاد شاه طَاهِر حَتَّى زمن كِتَابَة هَذِه الْكَلِمَات يسكنون فِي عمارات عامرة فِي مَكَان اقامة شاه طَاهِر فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) ويتولون تصريفها وادارتها، وَالْحَال أَن الْكَاتِب قد اشْترى منزلا من وَرَثَة شاه طَاهِر فِي منطقته، وَقد عمد برهَان نظام شاه بعد جُلُوسه على عرش السلطة سنة (908) إِلَى بِنَاء قلعة من الْحجر الْمَطْبُوخ فِي أَرَاضِي (حديقة نظام) وَبنى فِيهَا أَرْبَعَة أبراج وَأعْطى كل برج وتوابعه إِلَى أحد الْأُمَرَاء المرموقين، وَمَعَ مُرُور وَقت قصير أَصبَحت قلعة (أَحْمد نكر) من القلاع النادرة وَبلا نَظِير وشيرازة (نِسْبَة إِلَى شيراز) ملك الدكن، فَكَانَت فِي بنائها وصقل أحجارها وتدويرها وأسلوب أَحْكَامهَا فريدة بَين قلاع الأَرْض وأصبحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَدِينَة مَشْهُورَة بِطيب هوائها ومائها ومناخها بَين جَمِيع الْخلق من الْخَاصَّة والعامة فِي جَمِيع الْبِلَاد والأمصار.
وَقد بنى أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى جَانب الشمالي من مَدِينَة (أَحْمد نكر) حديقة سميت بحديقة (فيض نجش) والمشهورة بحديقة (الْجنَّة) وَبنى دَاخل الحديقة حوضا ضخما مثمن الاضلاع، وَفِي دَاخل الْحَوْض بنى عمَارَة كمنزل لَهُ مثمن الاضلاع، وَإِلَى جَانب الْحَوْض بنى إيوانه وحماما جميلا ومترفا. وَفِي أَيَّام التعطيل نَذْهَب مَعَ الطّلبَة الرفقاء إِلَى تِلْكَ الحديقة لصيد السّمك والتفرج والنزهة، لَكِن النَّهر خرب هَذَا الْحَوْض وأصبحت الحديقة تعاني من قلَّة المَاء فآلت إِلَى الخراب، فأصبحنا عِنْدَمَا نعبر هَذِه الحديقة تتملكنا الْحَسْرَة والندم عَلَيْهَا.
أما برهَان نظام شاه فقد بنى حديقة إِلَى الْجَانِب الجنوبي من (أَحْمد نكر) وأسماها حديقة (فَرح نجش) وَبنى دَاخل الحديقة (حوضا) مربع وَبنى وسط هَذَا الْحَوْض (جبوتره) مثمنة وواسعة، وَبنى فَوق (جبوتره) بِنَاء عَالِيا ومثمن من طبقتين بطراز غَرِيب وَعَجِيب يعجز الْقَلَم وَاللِّسَان عَن وَصفه ويحتار بِهِ، وَلَا يَسْتَطِيع عقل المهندسين ادراك عَظمَة تصميمه، وَكم حاول وسعى شاه طَاهِر لوصفه وتكلف الْمَشَقَّة غير أَنه لم يصل إِلَى إيفائه حَقه، وَمِمَّا قَالَه قصيدة طَوِيلَة فِي سِتَّة وَعشْرين بَيْتا يصف فِيهَا عَظمَة الْبناء وعظمة الْبَانِي وَالْقُدْرَة على تصميمه وَأَن لَا أحد من الْمُلُوك العظماء من سبق يَسْتَطِيع انجاز مَا أنْجز فِي هَذَا الْبناء حَتَّى أَن ديوَان كسْرَى وكلستان خسرو لَا يُمكن لَهما أَن يصلا إِلَى مستوى هَذَا الْبناء.
وَفِي حديقة (فَرح نجش) نهر عَظِيم يصل إِلَيْهَا من السوَاد من مَوضِع يُقَال لَهُ (كافور باري) ويدخلها من تَحت السُّور ويصل إِلَى خزان للمياه عَظِيم، وَقد خطّ تأريخ لهَذِهِ الحديقة على لوح رُخَام قرب خزان المَاء كتب عَلَيْهِ مَا مَعْنَاهُ. اسْمهَا (فَرح نجش) اشتق من طيب هوائها ومائها فاشتهرت بذلك:
(لتكن النِّعْمَة مرافقة للساعي ببنائها ... فَجَمِيع سَعْيه مشكور)
(أردْت أَن أأرخ لهَذَا الْكَبِير والحكيم ... فَقلت يَا رب لتكن عامرة إِلَى الْأَبَد) وَبِمَا أَن شاه طَاهِر كَانَ مَعَ نعمت خَان كدورتي فقد أنْشد حول الحديقة بَيْتَيْنِ من الشّعْر قَالَ فِيمَا مَعْنَاهُ:
(مر على حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه ... وَانْظُر إِلَى أصل النشاط)
(فقد بنى نعمت خَان وَمن فضل التَّارِيخ ... فَخَرجُوا أقمارا من حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه)
وَبعدهَا أنْشد شاه نور المتخلص بنزهت من قَصَبَة (جمار كونده قلندرانه) شعرًا بِوَصْف هَذِه الحديقة، وشاه نور كَانَ على علاقَة بشاه مُسَافر النقشبندي وَصَاحب بَاعَ فِي الخطابة وخطب مرّة فِي حَضْرَة شاه مُسَافر خطْبَة تقَارب الاعجاز وشعره رفيع بمقام شعر ميرزا صائب رَحمَه الله صَاحب الدِّيوَان والقصائد الغراء. وَقد التقاه الْكَاتِب وتباحث مَعَه مطولا لمرتين، ولنزهت حَاجِب ديوَان للشعر يُقَلّد فِي كَثِيره نسق ميرزا صائب.
ونعمت خَان كَانَ فِي عهد برهَان نظام شاه ذَا سليقة شعرية وسلوك حسن ورفيع وَصَاحب حَسَنَات فريدة. ومكانة نعمت خَان فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) أظهر من الشَّمْس فَكَانَ صَاحب عمارات وَمَسْجِد وبركة مَاء خلف الْمَسْجِد ودكاكين رفيعة الشَّأْن ووقف دكاكين السُّوق وخراجها وَبنى خلف الْمَسْجِد حَماما لَا مثيل لَهُ فِي سَائِر الْبِلَاد وَقد كتب شاه ظَاهر فِي تَارِيخ بِنَاء هَذَا الْحمام (وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا) (سنة 925) .
وَكَانَ ل (نعمت خَان) ولد وَاحِد كَانَ اسْمه (الملا نادري) توفّي فِي حَيَاة وَالِده فدفنه تَحت دكان فِي شمال السُّوق، أما قبر نعمت خَان وزوجه فقد دفنا فِي دَاخل سرداب إِلَى جَانب الْمَسْجِد فِي الْجِهَة الشمالية، وَلَا ولد لَهُ. وَتلك الدكاكين والعمارات الَّتِي كَانَ يملكهَا وصلت إِلَى الخراب وَقد بيع ترابها وحجارتها، فَإِذا كَانَ تعاقب الْأَيَّام على هَذَا المنوال فَلَنْ يبْقى لَهُ بعد أَيَّام أَي ذكر أَو أَكثر فسبحان الله. لقد كَانَ يعرف بحاتم زَمَانه.
الْقِصَّة من زمن برهَان نظام شاه راج مَذْهَب الإمامية وحينها أَصبَحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) ذَات رونق جَدِيد بِفضل العمارات والدكاكين والحدائق والحمامات المتعددة والأنهر الْكَثِيرَة ... وَلما شرع برهَان نظام شاه بترويج هَذَا الْمَذْهَب مُعْتَمدًا على شاه طَاهِر فقد اسند المناصب والوظائف الَّتِي قررها أَحْمد نظام شاه بحري لأهل السّنة إِلَى أَتبَاع الْمَذْهَب الشيعي وَبنى لَهُم سورا ومسجدا عَظِيما وبركة وغرفا كَثِيرَة فِي الْجِهَة الْمُقَابلَة لقلعة (أَحْمد نكر) وأصبحت مدرسة لَهُم.
وَسمي هَذَا الْمَكَان ب (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) ووقف لَهُم قصبات (جيور) و (سيور) و (راسيابور) وَبَعض الْقرى الْأُخْرَى لنفقات السَّادة والطلبة والفضلاء من الشِّيعَة، جعل لَهُم طَعَاما يوزع عَلَيْهِم يوميا لمرتين.
أما أَسمَاء الْأُمَرَاء المعروفين فِي ذَلِك الْعَهْد فهم: مير أَحْمد الْمُخَاطب بمير مرتضى خَان تكتي، وجنكيز خَان، وشرزه خَان، واعتماد خَان، وفرهاد خَان يُوسُف، وزمرد فرهاد خَان، ونعمت خَان، ورومي خَان، وصلابت خَان كرجي، وَحَكِيم كاشي، وَصدر جهان، وَاخْتِيَار خَان، وابهنك خَان، وفولاد خَان حبشِي، وبساط خَان، وغالب خَان شَهِيد، وآتش خَان، وَسيد منتجب الدّين، وعالم خَان ميواتي، وشمشير خَان جبشي، وَسيد الهداد خَان، وَسُهيْل خَان، وَسيد جلال الدّين، وخواجه سُهَيْل، وقاسم خَان، وميرزا خَان سبزواري، وجمشيد خَان، وبهائي خَان، وجمال خَان، وبحري خَان، وَأسد خَان الرُّومِي، وبهادر خَان الكيلاني كور، وموثي خَان وَغَيرهم.
وَالِدَة برهَان نظام شاه ابْنة أحد أكَابِر استرآباد توفيت فِي (جنير) ودفنت هُنَاكَ، أما قبَّة غَالب خَان الشَّهِيد تقع على مَسَافَة رميتي سهم من مَقْبرَة قدوة الواصلين وزبدة السالكين وجامع الكمالات الصورية والمعنوية حَضْرَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الجشتي من أَتبَاع ومريدي حَضْرَة شاه نظام نارنولي، الَّتِي تتصل سلسلة بيعَته بالشيخ نصير الدّين مَحْمُود مَنَارَة دلهي قدس الله تَعَالَى أسرارهم.
وَقد توفّي برهَان نظام شاه سنة 961 وَدفن تَحت الْقبَّة فِي حديقة الرَّوْضَة إِلَى جَانب أَحْمد نظام شاه بحري، وَبعد مُدَّة نقلت رفاتهما إِلَى كربلاء ودفنت على مَسَافَة درع وَاحِدَة من الْقبَّة الْخَاص بآل الْعَبَّاس. وَكَانَ عمر برهَان نظام شاه 54 سنة حكم مِنْهَا 47 سنة. خَلفه على سَرِير الْملك وَلَده حُسَيْن نظام الْملك وَكَانَ شجاعا وكريما وحاتميا وَقَامَ بأعمال جلة وفتوحات عديدة. وَكَانَ فِي زَمَانه (رامراج) وَكَانَ لَدَيْهِ فرقة من الفرسان وتسع فرق من المشاة ويسيطر على (بيجانكر) ويتسلط على من فِيهَا وتحالف مَعَ الْكَفَرَة السامريين فِي قَصَبَة (بهنكار) وَفِي أحد الْأَيَّام فِي السُّوق وأثناء الازدحام أَخذ يتداخل بَين النَّاس ويستعطيهم، وَلما كَانَ (راجه ساهو) فِي يَد (عالمكير بادشاه) فقد نجاه من قَيده مُحَمَّد أعظم شاه ابْن عالمكير بادشاه بِالْقربِ من منْطقَة (فردابور) بِنَاء على توصية ذُو الفقار خَان ابْن وَزِير الممالك اسد خَان، وعندما رَجَعَ إِلَى الْقَوْم الْكَفَرَة اجْتَمعُوا حوله فوصل إِلَى (أَحْمد نكر) وأغار على قَصَبَة (بهنكار) وأحرق الْبيُوت، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء وَقعت على رَأسه صَاعِقَة حارقة فَاحْتَرَقَ.
أما حُسَيْن نظام الْملك فقد بنى مَسْجِدا عَظِيما سَمَّاهُ الْمَسْجِد الْجَامِع دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) فِي مَكَان مدرسة شاه طَاهِر الْمَوْقُوفَة لسَائِر الْعلمَاء وَقد حكم حُسَيْن نظام الْملك مُدَّة 13 سنة وَمَات، فخلفه وبحكم الْوَصِيَّة وَلَده مرتضى نظام الْملك بن حُسَيْن نظم الْملك وَبعد عدَّة أَيَّام أَصَابَهُ مس فِي دماغه فانزوى فِي (رَوْضَة الْجنَّة - بَاغ بهشت) فَعمد ميرزا خَان السبزواري إِلَى ربطه فِي حمام رَوْضَة الْجنَّة حَتَّى مَاتَ من حرارة الْحمام، استمرت حكومته مُدَّة سِتَّة سنوات وعدة أشهر، وَيُقَال إِن أفضل شَيْء فعله فِي حكمه هُوَ مَوته. وَفِي عَهده تولى الْخطْبَة الملا ملك القمي وَكَانَ إِلَى جَانب ذَلِك شَاعِرًا عالي الدرجَة، وَفِي عَهده كَذَلِك وصلت الخطابة إِلَى أقْصَى الدَّرَجَات فِي (أَحْمد نكر) وَكَانَ لنسق الملا ظهوري فِي النّظم والنثر طرز خَاص وَألف (ساقي نامه) (رِسَالَة الساقي) على اسْم النامي برهَان نظام شاه وَكَانَ لَهَا صفاء وطلاوة وحلاوة خَاصَّة بهَا تنم عَن ذائقة رفيعة، وعندما رأى الملا ملك القمي هَذَا التمايز وَهَذِه القابلية والكمال من الملا ظهوري زوجه ابْنَته لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَبعد سنة من وَفَاة الملا ملك القمي، انْتقل الملا ظهوري إِلَى رَحْمَة الله وَالدَّار الْبَاقِيَة فَأشْعلَ نَار فِي قُلُوب الخطباء. وعندما مَاتَ أفلاطون قَالَ هَذِه الْكَلِمَات (من الحيف أَن يَمُوت الْعلمَاءأُصِيب فِيهَا بِسَهْم الْهَلَاك وَمَات، فَأَرَادَ بعض الْأُمَرَاء تنصيب (أَحْمد) ابْن (خوابنده بكلاني) وَبَعْضهمْ أَرَادَ تنصيب (موتِي شاه) ابْن (قَاسم شاه بن برهَان نظام شاه) مِمَّا أصَاب مملكة (أَحْمد نكر) بالفتور الْعَظِيم فتحول الْأَمر وعصمة المآب وعفت الإياب إِلَى (ملكة زماني جاند بِي بِي) ابْنة حُسَيْن نظام شاه بن برهَان نظام شاه بن أَحْمد نظام شاه بن أشرف همايون نظام الْملك بحري الَّتِي فاقت أقرانها من الشجعان والمقدامين فِي قدرتها واستيعابها للمراحل الْمَاضِيَة من تواريخ السلاطين، وأصبحت سيدة على (أَحْمد نكر) واستعملت الْأُمَرَاء الأجلاء مثل عنبر جنكيز خاني الْمَعْرُوف بعدله وأمانته وتدينه وَقدرته على تَدْبِير أُمُور المملكة فَكَانَ بِلَا نَظِير وشبيه وَكَذَلِكَ استعانت ب (اعْتِمَاد خَان الثَّانِي) وَغَيره من الْأُمَرَاء. وَمَعَ تحين أول فرْصَة أصبح عنبر غُلَام جنكيز خَان وَكيلا للسلطنة وَتسَمى بِالْملكِ عنبر وَبسط سلطته مُعْلنا بَدْء دولة الْملك عنبر وَجلسَ على كرْسِي الحكم وَقد قَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك:
(لم يكن للرسول غير بِلَال ذَاك ... )
(وَبعد ألف سنة جَاءَ ملك عنبر ... )
وَلما مَاتَ الْملك عنبر دفن فِي رَوْضَة (خلد آباد) بِالْقربِ من (دولت آباد) بِالْقربِ من قبَّة قدوة الواصلين وزبدة العارفين السَّيِّد يُوسُف بن السَّيِّد عَليّ بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الدهلوي الدولت آبادي الْمَشْهُور ب (سدراجا) وَالْمَعْرُوف فِي هَذَا الْوَقْت ب (شاه راجو قتال) ، وَالِد الْمَاجِد حَضْرَة السَّيِّد مُحَمَّد كيسو دراز قدس الله تَعَالَى أسرارهم وَبني فَوق قَبره قبَّة عَظِيمَة الشَّأْن.
وعندما وصلت أَخْبَار الإفراط والتفريط بسلطنة (أَحْمد نكر) إِلَى أكبر شاه، جرد الْأَمِير الشاه مُرَاد عسكرا جرارا يرافقه الْأُمَرَاء المعروفين قَاصِدا السيطرة على (أَحْمد نكر) ، وعندما علمت (جاند بِي بِي) بِهَذَا الْخَبَر سارعت إِلَى تنصيب بهادر نظام شاه ابْن إِبْرَاهِيم نظام شاه بن برهَان نظام شاه على عرش (أَحْمد نكر) وتفرغت للاستعداد إِلَى الْحَرْب والقتال وإدارة الدولة، وَبعد عدَّة أشهر حاصر شاه مُرَاد قلعة (أَحْمد نكر) وَهزمَ فَعَاد إِلَى دلهي فَتوفي فِي أثْنَاء عودته، فَأَرَادَ الْأَمِير دانيال معاودة فتح (أَحْمد نكر) والسيطرة على ملك (الدكن) فَاسْتَأْذن لذَلِك الْخَانَات وكل من ميرزا شاه رخ وميرزا يُوسُف خَان، فحاصر الشاه دانيال (أَحْمد نكر) لمُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَفتحهَا فِي النِّهَايَة بِوَاسِطَة حِيلَة مُحرمَة سنة (1008) وَقبض على بهادر نظام الْملك، أما (جاند بِي بِي) الَّتِي كَانَت رائعة الْجمال بحسنها وشديدة العفاف فخافت أَن تقع فِي يَد عَسَاكِر دلهي الَّتِي سَمِعت عَنْهُم أَنهم سَوف يهتكون سترهَا، فرمت بِنَفسِهَا فِي حَوْض من (مَاء النَّار) فتحولت فِي طرفَة عين إِلَى أثر بعد عين فَكَانَ مَوتهَا سترا لَهَا من يَد الْعَسْكَر والمحارم عَنْهَا. و (جاند بِي بِي) هَذِه كَانَت مخطوبة لأحد أَبنَاء سلاطين (بيجابور) وَكَانَ والدها قد أرسلها بوفير التَّجْهِيز وَركب عَظِيم إِلَى زَوجهَا فِي (بيجابور) فَكَانَ برفقة الْأُمَرَاء وَأَصْحَاب السلطة فِي استقبالها، وَلكنهَا وَفِي لَيْلَة الزفاف رَأَتْ من زَوجهَا مَا كدرها، وَأَنه لَا يَلِيق بهَا فاعتزلته، حَتَّى آخر اللَّيْل وَفِي الصَّباح خرجت من (بيجابور) راكبة حصانها عَائِدَة إِلَى (أَحْمد نكر) . فلحقتها أَفْوَاج عديدة من (بيجابور) ولمسافة أَرْبَعِينَ فرسخا ساعين إِلَى اعادتها لكِنهمْ لم يوفقوا إِلَى ذَلِك فَعَادَت ظافرة غانمة إِلَى دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) أما اعْتِمَاد خَان الثَّانِي وبسبب من وسواس كَانَ فِي باله فَإِنَّهُ ذهب إِلَى (بجنير) وعندما حوصرت (جاند بِي بِي) من قبل الْأَمِير دانيال ارسلت لَهُ رِسَالَة تعهد مختومة بخاتمها الْخَاص ونقشت عَلَيْهَا كف يَدهَا المضمخة بالزعفران والصندل ورسالة التعهد هَذِه مَوْجُود لَدَى أَوْلَاد اعْتِمَاد خَان، وبرأي الْكَاتِب فَإِن أَصَابِع تِلْكَ الْيَد العفيفة طَوِيلَة وضعيفة وراحة يَدهَا صَغِيرَة وَكَانَت تلبس خَاتمًا فِي خنصرها، وَقد تملك كل من كَانَ حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَشَاهد هَذَا التعهد وَنقش الْيَد عَلَيْهِ وانتبه إِلَى البلاغة والفصاحة والعبارة الَّتِي يتحلى بهَا هَذَا التعهد ومعانيه المتنوعة والمتينة تغلب عَلَيْهِ الْحَسْرَة ويسيل الدمع أسفا عَلَيْهَا وَيضْرب أَخْمَاسًا بأسداس.
إِن بَلْدَة (أَحْمد نكر) وَحَتَّى كِتَابَة هَذِه السطور قد تعرضت ثَلَاثَة مَرَّات للغارات:
الْمرة الأولى: عِنْدَمَا هاجمها الْكَافِر الشقي (رامراج) حَاكم (بيجانكرد) فِي عهد حُسَيْن نظام شاه بأفواجه الجرارة من الفرسان والمشاة الكثر واحتل (أَحْمد نكر) وذبحوا الْخَنَازِير فِي مَسْجِد (لنكرد) الْأَئِمَّة الاثنا عشر عَلَيْهِم وعَلى جدهم الأمجد الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَقِي فِي الْمَدِينَة مُدَّة تِسْعَة أشهر محاصرا قلعتها غير أَنه انهزم فِي النِّهَايَة وهرب مهزوما خائبا وخاسرا.
الْمرة الثَّانِيَة: حِين استغل (بابونا) ابْن الْملك عنبر جنكيز خَان اضْطِرَاب العلاقة بَين السلطة النظامية والأمراء فَأَغَارَ على (أَحْمد نكر) واحرق عمارات الْأُمَرَاء المبنية من الْخشب، وَكَذَلِكَ الْبيُوت الْوَاقِعَة فِي أَعلَى بوابة (كلان) فِي محلّة شاه طَاهِر وَأبقى على أبنية أهل الْحَرْف والغرباء وَالَّذين عاونوه.
الْمرة الثَّالِثَة: كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة فِي عهد مُحَمَّد فرخ سير حَاكم (دلهي) فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي زمن أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان الْمُتَوَلِي على (الدكن) وَكَانَ يتَوَلَّى امرة القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان (كهندو دبهارية) من طرف عَسَاكِر (غنيم) الْبَالِغَة أَرْبَعِينَ ألف خيال وراجل الَّذين انحدروا إِلَيْهَا من نَاحيَة (كنجاله) و (نيبه دهيره) وحاصروها (أَي أَحْمد نَكِير) ، وَلم يسْتَطع مُحَمَّد إِبْرَاهِيم مُتَوَلِّي القلعة من قبل آمرها الصمود بِوَجْهِهِ هَؤُلَاءِ لقلَّة الْعدَد الَّذِي كَانَ مَعَه فَخرج من القلعة فَارًّا مِنْهَا قبل سُقُوطهَا بساعات فَدَخلَهَا المغيرون وَعمِلُوا بالنهب وَالسَّلب طوال اللَّيْل وَبَعض النَّهَار التَّالِي واحرقوا كثيرا من الْأَبْنِيَة والدكاكين، وَلما سمع المغيرون أَن سيف الدّين عَليّ خَان شَقِيق أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان قد وصل إِلَى مشارف (كنجاله) وَمَعَهُ خَمْسُونَ ألف فَارس قَاصِدا النّيل من (غنيم) عَمدُوا إِلَى الْفِرَار. حينها لم يسْتَطع أَكثر السَّادة والفقراء الْوُصُول إِلَى القلعة فلجأوا بأهلهم وعيالهم إِلَى (تاراجى) وَالْكَاتِب حينها لم يكن قد بلغ سنّ الْبلُوغ بعد فَذهب مَعَ وَالِده الْمَاجِد المرحوم بعد صَلَاة الظّهْر إِلَى القلعة وَقَالَ للشَّيْخ فتح مُحَمَّد الملا من قَصَبَة (جيور) وَكَانَ من الْفُقَهَاء القدماء لَدَى وَالِده طَالبا مِنْهُ أَن يُوصل الْأَشْيَاء المهمة والمستورات إِلَى القلعة وَكَذَلِكَ إِيصَال مَا تحويه المكتبات من كتب الَّتِي كَانَ يعدها هَذَا الشَّيْخ أهم من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْجَامِع. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أَمر بتحميل جَمِيع الْكتب الَّتِي كَانَت فِي (بالكي وبهل) وأرسلها إِلَى القلعة أما مَا بَقِي من أثاث الْبَيْت والماشية فقد نهب وسرق، وَيَقُول الشَّيْخ عصمت الله ابْن الشَّيْخ تَاج مُحَمَّد أَنه قضى اللَّيْل كُله على سطح منزله الْوَاقِع فِي محلّة شاه طَاهِر دكهني خوفًا من أَن يَنَالهُ أَذَى جمَاعَة غنيم، وَأَنه شَاهد هَؤُلَاءِ المغيرين يخرجُون من منزل (شعريعت بناه) اثْنَا عشر جملا محملًا بالفرش والأواني وَغَيرهَا من الْمَتَاع وَأَن كثيرا من أرزاق وَأَسْبَاب معاش الْفُقَرَاء وَأهل الْحَرْف والشرف والغرباء ذهب نهبا وأحرقت مَنَازِلهمْ وَتَفَرَّقُوا فِي جَمِيع الأنحاء. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي كَانَت (أَحْمد نكر) تحترق فِيهَا، كَانَت النَّار ترى على مَسَافَة سِتَّة فراسخ من جَمِيع الْجِهَات، ويحضر فِي بالي أنني فِي حينها شَكَوْت إِلَى والدتي الماجدة المرحومة الْجُوع فَلم يكن لَدَيْهَا شَيْء، وَفِي منتصف الْيَوْم الثَّانِي أرسل صَاحب القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان طَعَاما، فَمَا كَانَ من وَالِدي إِلَّا أَن قسمه على التَّابِعين والأقرباء. وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاء جَاءَ الشَّيْخ عبد الْملك قريب وَالِدي بِخَبَر مفاده أَن جَمِيع دكاكين السُّوق ومنازل النَّاس، وَمَا أخرجناه من غلَّة قد احْتَرَقَ، كَمَا احْتَرَقَ منزلنا ومحلنا وديوانيتنا، وَمَا بَقِي لنا هُوَ السَّلامَة، فَشكر وَالِدي الله على هَذِه النِّعْمَة.
وَقَالَ راجي مُحَمَّد وَهُوَ شخص ورع وشريف وكهاران بالكي أَنه يجب إرْسَال بعض الْغلَّة إِلَى القلعة وتوزيعها على أَتبَاع شاه أَبُو تُرَاب وشاه قَاسم وَغَيرهم من أَبنَاء شاه طَاهِر دكهني وَكَذَلِكَ الأتباع من السَّادة الْأَشْرَاف وَأهل الْمعرفَة والحقيقة فالسيد بخش الْكرْمَانِي الخيرآبادي قدس سره الَّذِي حزت شرف خدمته وقرأت عَلَيْهِ بعض
رسائل الْمنطق وكل من يسْتَحق من الْجِيرَان فَمَا كَانَ مِنْهُم إِلَّا أَن أوصلوا ذَلِك إِلَى القلعة ووزعوه من سَاعَته على الْجَمِيع وَهَذَا مَا يشْهد لوالدي بِتِلْكَ الهمة الْعَالِيَة فِي فعل الْخَيْر وخدمة الْفُقَرَاء والسادة وَهِي صِحَة أظهر من الشَّمْس وَأبين من الأمس. فقد كَانَ يوزع الطَّعَام على الْفُقَرَاء مطبوخا ونيئا، وَقد وضع عدَّة قطع من الأَرْض فِي تصرف الْقَضَاء من جُمْلَتهَا (يكجاور وبنجاه بيكه) من الأَرْض من أجل سد حاجات الْكِبَار وَهِي بَاقِيَة حَتَّى الْآن وَقد أضفت عَلَيْهَا بعض الْأَرَاضِي وفقا على حاجات السَّادة. وَقد تلقى وَالِدي المرحوم هَذِه الْخِصَال الحميدة والعقيدة والتربية من الْعَارِف بِاللَّه الغواص فِي بحار معرفَة الله حَضْرَة الشاه عبد الْمَاجِد نبيره قدوة الواصلين وزبدة السالكين حَضْرَة الشاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله تَعَالَى أسرارهما، وَكَذَلِكَ من حَضْرَة الشاه نصير الدّين خلف الصدْق شاه عبد الْمَاجِد وَكَذَلِكَ الملا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مشاهير عُلَمَاء (أَحْمد آباد) صَاحب التصانيف أنار الله برهانهم ودرس عَلَيْهِ الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة المطولة ودرس التجويد على فريد الْعَصْر الشَّيْخ فريد رَحْمَة الله عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ الْحَوَاشِي والمعروفة عَليّ الْمولى زَاده وَكتب دراسية أُخْرَى مَشْهُورَة ومعروفة، واتصل فِي (بيران بتن) بِخِدْمَة الفاضلي العارفي الَّذِي كَانَ يجلس مُنْفَردا فِي مَسْجِد (آدينه) ونال مَعَه الْبركَة والسعادة والتوفيق، وبأمر مِنْهُ ذهب إِلَى (شاه جهان آياد) وَتَوَلَّى قَضَاء (دهولقه) من تَوَابِع (أَحْمد آباد) فَقضى فِيهَا خمس سِنِين ثمَّ استعفى من ذَلِك وَعَاد إِلَى (أَحْمد آباد) واتصل بِخِدْمَة المرشد لعدة سنوات حظي فِيهَا بالتوفيق وَلما كَانَ المرشد يُرِيد الالتحاق بِجَيْش مُحَمَّد اورنك زيب عالمكير المعسكر فِي قَرْيَة (كلكله) ، فقد عزم الْأَمر على الرحيل، وَلما صَادف مُرُور الْعَسْكَر بِجَانِب (أَحْمد نكر) وَكَانَ فِيهَا آنذاك شاه عَسْكَر قدس سره الَّذِي وصلت إِلَيْهِ شهرة الْوَاحِد فَأَرَادَ الِاتِّصَال بِهِ وَكَانَ حينها يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشرَة) ، وَبِمَا أَن المرحوم وَالِدي كَانَ قد سمع عَن كمالاته فَأحب أَن يلازمه، وَلكنه وَهُوَ فِي الطَّرِيق أَخذ يفكر فِي مَاهِيَّة مَذْهَب شاه عَسْكَر فِي حِين أَنه يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) وَهُوَ مَعْرُوف أَنه لأتباع الْمَذْهَب الإمامية، ولكنهما عِنْدَمَا التقيا وتباحثا فِي الْمسَائِل والقضايا، وَبَان الِاتِّفَاق بَينهمَا، فَقَامَ وَالِدي بتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، فَأَجَازَهُ، فالتحق وَالِدي بالعسكر وَأمره بِقَضَاء (أَحْمد نكر) ، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء زَارَهُ طَائِر الْمَوْت فَتوفي وَجعل قَبره مَا بَين (أَحْمد نكر) و (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) خَارج بوابة (شاه كنج) ، بعد ذَلِك وبسبب من ظلم مُتَوَلِّي (أَحْمد نكر) الَّذِي كَانَ يحمي الْكفَّار وَيظْلم النَّاس قرر المرحوم وَالِدي السكن فِي قلعة (أَحْمد نكر) ، فَلم يبْق أحد من أكَابِر والسادات وَجَمَاعَة الْمُسلمين إِلَّا وأتى إِلَى قلعة (أَحْمد نكر) طَالبا مِنْهُ أَن يعود للسكن فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَلكنه لم يقبل. وَفِي سنة (1130) وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس التَّاسِع عشر من شهر شَوَّال فِي الهزيع الْأَخير من اللَّيْل فَارق الدُّنْيَا إِلَى الدَّار الْآخِرَة، وَدفن فِي مَقْبرَة حَضْرَة شاه
بنكالي قدس سره الْوَاقِعَة فِي مُقَابل القلعة وَقد كَانَ عثماني النّسَب يَعْنِي أَنه من أَوْلَاد جَامع الْقُرْآن كَامِل الْحَيَاة وَالْإِيمَان حَضْرَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجده الْأَعْلَى صَاحب الْفَضَائِل والكمالات الْوَاصِل إِلَى منزلَة الْحَقَائِق والمعارف قدوة العارفين حَضْرَة مَوْلَانَا حسام الدّين قدس سره وَنور مرقده. وينتسب إِلَيْهِ عَن طَرِيق الشَّيْخ عبد الرَّسُول ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْوَارِث ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْملك ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ حسام الدّين العثماني قدس الله تَعَالَى أسرارهم ومرقده الشريف يَقع فِي (كلكشت) من نَاحيَة (كبيرنبج) الْوَاقِع على بعد سِتَّة فراسخ من (أَحْمد آباد) إِلَى الْجِهَة الغربية وَهُوَ مقصد للزائرين. والناحية الْمَذْكُورَة تعْتَبر موطن وَمَكَان ولادَة المرحوم وَالِدي وأجداده. وَقد توَلّوا فِيهَا الْقَضَاء والخطابة مُنْذُ الْقَدِيم، أما جده لأمه فَهُوَ الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فِي بحار معرفَة الله (مخدوم شيخو) قدس الله سره الْعَزِيز وَهُوَ فيض من جناب قدوة الواصلين وزبدة العارفين أستاذ الْجَمِيع حَضْرَة شاه (وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين) الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله سرهما وَنور مرقدهما. وَقد أنْشد الشَّاعِر (بزركي) قصيدة فِي شمائل هَذَا الشَّيْخ تقع فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بَيْتا تحدث فِيهَا عَن فَضَائِل وأخلاق وَعلم ودرجة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل ومكانته العلمية والأدبية والاجتماعية وموقعه الديني فِي زَمَانه.

الْمَوْضُوع

(الْمَوْضُوع) الْمَادَّة الَّتِي يبْنى عَلَيْهَا الْمُتَكَلّم أَو الْكَاتِب كَلَامه وَمن الْأَحَادِيث المختلق و (فِي الفلسفة) الْمدْرك ويقابل الذَّات وَالْمقول عَنهُ (فِي الْمنطق) ويقابل الْمَحْمُول (مج)
الْمَوْضُوع: من الْوَضع وَهُوَ فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ نهادن. وَفِي الِاصْطِلَاح تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بِحَيْثُ مَتى أطلق أَو أحس الشَّيْء الأول فهم مِنْهُ الشَّيْء الثَّانِي يُقَال لفظ مَوْضُوع أَي مَوْضُوع للمعنى. وموضوع الْعلم مَا يبْحَث فِيهِ عَن أعراضه الذاتية - وَفِي عرف المنطقيين الْمَوْضُوع هُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وضع لِأَن يحكم عَلَيْهِ كَمَا أَن الْمَحْمُول عِنْدهم الْمَحْكُوم بِهِ لِأَنَّهُ يحمل على الْمَوْضُوع.
وَاعْلَم أَنه قد جرت عَادَتهم بِأَنَّهُم يعبرون عَن الْمَوْضُوع فِي الْقَضِيَّة (بج) . وَعَن الْمَحْمُول (بب) . واختاروا هذَيْن الحرفين لِأَن الْألف الساكنة لَا يُمكن التَّلَفُّظ بهَا والمتحركة لَيست لَهَا صُورَة فِي الْخط فاعتبروا الْحَرْف الأول أَعنِي الْبَاء ثمَّ الْحَرْف الثَّانِي الَّذِي يُمَيّز عَن (ب) فِي الْخط وَهُوَ (ج) . وعكسوا التَّرْتِيب فَلم يَقُولُوا (ب ج) للإشعار بِأَنَّهُمَا خارجان عَن أَصلهمَا وَهُوَ أَن يُرَاد بهما أَنفسهمَا.
وَعند الْحُكَمَاء الْمَوْضُوع هُوَ الْمحل الْمُقَوّم للعرض أَي مَا بِهِ قوام الْعرض. والموضوع فِي أصُول الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الطعْن بكذب الرَّاوِي وَالْحكم على الحَدِيث بِالْوَضْعِ إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الظَّن الْغَالِب لَا بِالْقطعِ إِذْ قد يصدق الكذوب لَكِن لأهل الْعلم بِالْحَدِيثِ ملكة قَوِيَّة يميزون بهَا ذَلِك وَإِنَّمَا يقوم بذلك مِنْهُم من يكون اطِّلَاعه تَاما وذهنه ثاقبا وفهمه قَوِيا ومعرفته بالقرائن الدَّالَّة على ذَلِك متمكنة.

قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم: إِن للْحَدِيث ضوءا كضوء النَّهَار معرفَة وظلمة اللَّيْل منكره - وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِن الحَدِيث الْمُنكر يقشعر لَهُ جلد الطَّالِب للْعلم وينكسر مِنْهُ قلبه فِي الْغَالِب. وَقد يعرف الْوَضع بِإِقْرَار وَاضع الحَدِيث المتفرد بِهِ كَقَوْل عمر بن الصُّبْح أَنا وضعت خطْبَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. أَي نسبتها إِلَيْهِ. وكالحديث عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي فَضَائِل سور الْقُرْآن اعْترف بِالْوَضْعِ رَاوِيه وَهُوَ أَبُو عصمَة. أَو يعرف بِمَا ينزل منزلَة الْإِقْرَار بِأَن يعين الْمُنْفَرد بِهِ تَارِيخ مولده بِمَا لَا يُمكن مَعَه الْأَخْذ عَن شَيْخه. وَبَعض المتعــبدين اللَّذين ينسبون إِلَى الزّهْد وَالصَّلَاح وضعُوا فِي الْفَضَائِل والرغائب ويتدينون بذلك فِي زعمهم وجهلهم وهم أعظم الْأَصْنَاف لأَنهم يحتسبون بذلك ويرونه قربَة فَلَا يُمكن تَركهم لذَلِك وَالنَّاس يثقون بهم ويركنون إِلَيْهِم لما نسبوا إِلَيْهِ من الزّهْد وَالصَّلَاح فينقلونها عَنْهُم. وَمِثَال ذَلِك مَا رُوِيَ عَن أبي عصمَة نوح بن أبي مَرْيَم الْجَامِع الْمروزِي قَاضِي مرو فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى أبي عمار الْمروزِي أَنه قيل لأبي عصمَة وَقد كَانَ يروي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن مَالك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة وَلَيْسَ عِنْد أَصْحَاب عِكْرِمَة هَذَا. فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت النَّاس قد أَعرضُوا عَن الْقُرْآن وَاشْتَغلُوا بِفقه أبي حنيفَة وَمَغَازِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَوضعت حسبَة لله.
وأقسام الْمَوْضُوع كَثِيرَة فِي كتب الْأُصُول مَرْدُودَة غير مَقْبُولَة - والوضع حرَام بِإِجْمَاع من يعْتد بِهِ كالمجتهدين مِمَّن لَيْسَ من أهل الْبِدْعَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". إِلَّا أَن بعض الكرامية وَبَعض المتصوفة نقل عَنْهُم إِبَاحَة الْوَضع فِي التَّرْغِيب والترهيب أَي فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ حكم من الثَّوَاب وَالْعِقَاب ترغيبا للنَّاس فِي الطَّاعَة وزجرا لَهُم عَن الْمعْصِيَة.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ فِي بعض الحَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا ليضل بِهِ النَّاس فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار سَمِعت أَن المقعد هَا هُنَا بِمَعْنى الدبر وَالْوَاجِب على من يترجم هَذَا الحَدِيث الشريف أَن يترجم المقعد بأفحش لغاته فَإِن كَانَ مترجما بِالْفَارِسِيَّةِ فَالْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يترجم المقعد بالفارسي وَكَذَا حَال من يترجمه بالهندي أَو التركي أَو غير ذَلِك. وَحمل بَعضهم من كذب عَليّ على أَنه سَاحر أَو مَجْنُون وَهُوَ خطأ من فَاعله نَشأ عَن جهل لما ذكرنَا من الحَدِيث. وَمَا ذَكرُوهُ من التأويلات الْفَاسِدَة وَلِأَن التَّرْغِيب والترهيب من جملَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَاتَّفَقُوا على أَن تعمد الْكَذِب على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْكَبَائِر - وَبَالغ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فَكفر من تعمد الْكَذِب على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم رِوَايَة الْمَوْضُوع مَعَ الْعلم بِحَالهِ بِسَنَد أَو غَيره فِي أَي معنى كَانَ من الْأَحْكَام والقصص وَالتَّرْغِيب وَغَيرهَا إِلَّا مَقْرُونا بِبَيَان أَنه مَوْضُوع لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين ". أخرجه مُسلم بِخِلَاف غَيره من الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي يحْتَمل صدقهَا فَإِنَّهُ يجوز رِوَايَتهَا فِي التَّرْغِيب والترهيب والفضائل من غير بَيَان. وَيرى فِي الحَدِيث بِضَم أَوله أَي يظنّ أَو بفتحه أَي يعلم والكاذبين بِصِيغَة التَّثْنِيَة أَو الْجمع.
ثمَّ اعْلَم أَنه ذكر الواحدي حَدِيث أبي بن كَعْب الطَّوِيل فِي فَضَائِل السُّور سُورَة سُورَة وقلده غَيره فِي ذكرهَا فِي التَّفْسِير كالزمخشري وَالْقَاضِي الْبَيْضَاوِيّ وَكلهمْ أخطأوا وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا ورد فِي فَضَائِل كثير من السُّور بِمَا هُوَ صَحِيح أَو أحسن أَو ضَعِيف.

الباقر

(الباقر) المتوسع فِي الْعلم وَبِه سمي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن الباقر وعرق فِي موق الْعين وَجَمَاعَة الْبَقر مَعَ رعاتها
(الباقر) ج: البُقُر: البَقَرُ، جمعُ باقِرٍ، كصابرٍ وصُبُر، وقرأَ عِكْرِمَةُ وابنُ أبي لَيْلَى، وابنُ أَبي عَبْلَةَ، ويحْيَى بنُ يَعْمَر، ومُحَمّدٌ ذُو الشَّامةِ القُرَشِيُّ من آلِ أبي مُعَيْطٍ (إنَّ الباقِرَ تَشابَهَ عَلَيْنَا) .
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.