Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: باده

الْقدر

(الْقدر) الْمِقْدَار يُقَال هم قدر مائَة وَيُقَال جَاءَ الشَّيْء على قدر الشَّيْء وَافقه وساواه ومساوي الشَّيْء من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان يُقَال هَذَا قدر هَذَا وَالْحُرْمَة وَالْوَقار يُقَال لَهُ عِنْدِي قدر (ج) أقدار
وَسورَة الْقدر من سُورَة الْقُرْآن الْكَرِيم
وَلَيْلَة الْقدر لَيْلَة مباركة من شهر رَمَضَان أنزل فِيهَا الْقُرْآن الْكَرِيم

(الْقدر) إِنَاء يطْبخ فِيهِ (مُؤَنّثَة وَقد تذكر) وَالْقدر الكاتمة وعَاء للطبخ مُحكم الغطاء لإنضاج الطَّعَام فِي أقصر مُدَّة وَذَلِكَ بكتم البخار (مج)(ج) قدور

(الْقدر) مِقْدَار الشَّيْء وحالاته الْمقدرَة لَهُ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} وَوقت الشَّيْء أَو مَكَانَهُ الْمُقدر لَهُ وَالْقَضَاء الَّذِي يقْضِي بِهِ الله على عــباده (ج) أقدار
الْقدر: بِالْفَتْح مِقْدَار الشَّيْء ومرتبته. وبالكسر وَسُكُون الثَّانِي (ديكك) . وبالفتحتين (اندازه وآفريدن ونوشتن وتواناشدن) . وَفِي الِاصْطِلَاح تعلق الْإِرَادَة الذاتية بالأشياء فِي أَوْقَاتهَا الْخَاصَّة فَتعلق كل حَال من أَحْوَال الْأَعْيَان بِزَمَان معِين وَسبب معِين عبارَة عَن الْقدر وَيُقَال لكل شَيْء فِي الْأَزَل قَضَاء وَقدر. وَقَالَ بَعضهم بِالْفرقِ بَينهمَا بِأَن الحكم الْكُلِّي الأزلي قَضَاء. وَحكم جزئياته قدر يَعْنِي أَن الْقَضَاء فِي مرتبَة الْإِجْمَال وَالْقدر فِي مرتبَة التَّفْصِيل. وَإِن أردْت تَفْصِيل الْقدر فَانْظُر فِي الْجَبْر.
وَعند أَرْبَاب السلوك الْقَضَاء عبارَة عَن حكم كلي على أَعْيَان الموجودات بأحوال جَارِيَة وَأَحْكَام طارية عَلَيْهَا من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْقَضَاء. وَالْقدر عبارَة عَن تَفْصِيل هَذَا الحكم الْكُلِّي بِأَن يخصص إِيجَاد الْأَعْيَان بأوقات وأزمان يَقْتَضِي استعدادها وُقُوعهَا فِيهَا وَأَن يعلق كل حَال من أحوالها بِزَمَان معِين وَنسبَة مَخْصُوصَة.

اللَّطِيف

(اللَّطِيف) من أَسمَاء الله الْحسنى الْبر بعــباده الرفيق بهم والعالم بخفايا الْأُمُور ودقائقها وَمن الْكَلَام مَا غمض مَعْنَاهُ وخفي وَمن الأجرام مَا لَا جفَاء فِيهِ وَالْجِنْس اللَّطِيف كِنَايَة عَن النِّسَاء (محدثة)
اللَّطِيف: يُطلق على خَمْسَة معَان: الأول: سهل التشكل. الثَّانِي: رَقِيق القوام. الثَّالِث: قَابل الانقسام إِلَى أَجزَاء صَغِيرَة جدا. الرَّابِع: سريع التأثر عَن الملاقي. الْخَامِس: الشفاف. وَيفهم من الصِّحَاح أَنه يُطلق أَيْضا على الَّذِي يرفق فِي الْعَمَل وعَلى الْمُوفق وعَلى العاصم.

المطلع

(المطلع) مطلع القصيد أول بَيت فِيهَا وَمَكَان الطُّلُوع وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {حَتَّى إِذا بلغ مطلع الشَّمْس} وزمان الطُّلُوع وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} ومطلع الْأَمر مأتاه وَوَجهه الَّذِي يُؤْتى إِلَيْهِ والمصعد وَيُقَال هَذَا لَك مطلع الأكمة أَي حَاضر بَين (ج) مطالع ومطالع الشَّمْس مشارقها يُقَال للشمس مطالع ومغارب
المطلع:
[في الانكليزية] Rise ،place where planets rise ،manifestation
[ في الفرنسية] Lever ،endroit ou se levent les etoiles ،manifestations
بفتح الميم واللام أو كسرها لغة هو زمان الطلوع، وعند الشعراء هو المصرّع بتشديد الراء وقد سبق. ومطلع الاعتدال عند أهل الهيئة هو نقطة تقاطع المعدّل والأفق سمّيت به لأنّ الاعتدالين يطلعان منها أبدا، كذا ذكر السّيّد في شرح الملخص. والمطلع عند الصوفية هو شهود المتكلّم عند تلاوة الكلام، أو كما قال الإمام جعفر الصادق لقد تجلّى الله لعــباده في كلامه ولكن لا يبصرون، كذا نقل من عبد الرزاق الكاشي. المطالع جمع مطلع بمعنى زمان الطلوع، وكذا المغارب جمع مغرب بمعنى زمان الغروب، وقد جرت عادة أهل الهيئة بتسمية أجزاء معدّل النهار أزمانا على التجوّز بناء على أنّ الزمان مقدار حركتها وقد يسمّى جزء واحد منها مطالع توسّعا، وقس على ذلك المغارب وكذا الحال في مطالع القوس ومغاربه. اعلم أنّه لا شكّ أنّه إذا كان جزء من منطقة البروج على الأفق الشرقي في غير عرض تسعين كانت بإزائه نقطة من معدّل النهار عليه وتسمّى نقطة المطالع، فالقوس من معدّل النهار بين الاعتدال الربيعي وبين تلك النقطة تسمّى مطالع ذلك الجزء بشرط مرورها على الأفق الشرقي مع قوس من البروج من أول الحمل إلى ذلك الجزء على التوالي إن كان الطلوع مستويا، ومن ذلك الجزء إلى أول الحمل على خلاف التوالي إن كان الطلوع معكوسا. مثلا إذا طلع الثور والحمل معكوسين وبلغ أول الحمل إلى الأفق كان مطالع رأس الجوزاء قوسا من المعدّل مبتدئة من النقطة الطالعة مع رأس الجوزاء إلى أول الحمل، وإن أخذ الأفق الغربي مكان الشرقي تسمّى تلك القوس مغارب ذلك الجزء، فالمطالع أو المغارب من أول الحمل تكون على التوالي إن كان طلوع البروج وغروبه مستويا، وعلى خلافه إن كان معكوسا وكان المناسب أن يجعل مبدأ المطالع والمغارب في الآفاق الجنوبية أول الميزان، إلّا أنّ أهل العمل أخذوا مبدأهما هناك أوّل الحمل أيضا. وبعضهم يأخذ مبدأ المطالع والمغارب بخط الاستواء نظيره الانقلاب الشتوي لأنّ بعض الأعمال يسهّل بذلك كمعرفة ساعات نصف النهار وتسوية البيوت وغير ذلك مما لا يحصى. هذا الذي ذكرنا مطالع الجزء وتسمّى بمطالع البروج أيضا.
وأمّا مطالع القوس فهي قوس من معدّل النهار التي تطلع مع قوس مفروضة من فلك البروج، فإنّه إذا طلع من الأفق قوس من فلك البروج فلا بد أن يطلع معها قوس أخرى من المعدّل سواء كانت أزيد من القوس الأولى أو أنقص منها أو مساويا لها، والقوس التي تغرب معها يقال لها مغارب. ولو قيل المعدّل بتمامه أو بعض منه إذا طلع مع قوس مفروضة الخ لكان أولى ليشتمل ما إذا كان مطالع ستة بروج تمام المعدّل ومطالع ستة أخرى نقطة منه، ويقال للقوس من فلك البروج درج السواء لأنّها تحسب متساوية أولا، وينسب إليها مطالعها فتختلف بالزيادة والنقصان، فإنّ وضع المعدل والمنطقة بالنسبة إلى الأفق يختلف، فأيتهما تحسب أجزاؤها أولا متساوية يختلف أجزاء الأخرى بالنسبة إليها وتسمّى درج السواء التي بإزاء المطالع طوالع والتي بإزاء المغارب غوارب. ثم المطالع سواء كانت مطالع الجزء أو مطالع القوس كما في شرح بيست باب تختلف بحسب اختلاف الآفاق في العروض، لأنّ المعدّل تختلف أوضاعه بالنسبة إلى الآفاق المختلفة العرض انتصابا واضطجاعا، فإن كان الأفق عديم العرض يسمّى مطالع خط الاستواء ومطالع الفلك المستقيم ومطالع الكرة المنتصبة ويخصّ باسم المطالع بالقبة إذا كان مبدأها نظيرة الانقلاب الشتوي، وإن كان ذا عرض يسمّى مطالع البلد ومطالع الأفق المائل ومطالع الفلك المائل. هذا الذي ذكر إنّما هو إذا أخذ المطالع من الآفاق الغير الحادثة. وأمّا المطالع المأخوذة من الآفاق الحادثة فتسمّى مطالع مصحّحة، فهي قوس من معدّل النهار ما بين الاعتدال الربيعي وبين تقاطع المعدّل مع ربع من أرباع الأفق الحادث الذي يكون فيه الكوكب، وعلى هذا القياس المغارب. وأمّا مطالع طلوع الكوكب فقوس من معدّل النهار على التوالي من أوّل الحمل إلى الأفق الشرقي حين طلوع ذلك الكوكب، ومطالع غروب الكوكب قوس منه على التوالي من أول الحمل إلى الأفق الشرقي حين غروب ذلك الكوكب، ويسمّى بمطالع نظير درجة الغروب أيضا. والدرجة من منطقة البروج التي على الأفق الشرقي مع ذلك الكوكب تسمّى درجة طلوع الكوكب والتي معه على الأفق الغربي تسمّى درجة غروبه. ومطالع طلوع الكوكب بأفق الاستواء تسمّى مطالع الممر، كما أنّ درجة طلوع الكوكب بأفق الاستواء تسمّى درجة الممر إذ لا اختلاف هناك إذ أفق الاستواء دائرة من دوائر الميول، فمطالع الممر مطلقا هي مطالع درجة ممر الكوكب وهي قوس من معدل النهار من أول الحمل إلى نقطة منه فوق نصف النهار حين بلوغ ذلك الكوكب نصف النهار. هكذا يستفاد مما ذكره عبد العلي البرجندي في شرح التذكرة وشرح بيست باب وحاشية الجغميني.

الْفَرِيضَة

(الْفَرِيضَة) مَا أوجبه الله على عــباده من حُدُوده الَّتِي بَينهَا بِمَا أَمر بِهِ وَمَا نهى عَنهُ والحصة الْمَفْرُوضَة على إِنْسَان بِقدر مَعْلُوم وَمن الدَّوَابّ المسنة
الْفَرِيضَة: فعيلة من الْفَرْض وَهِي فِي الشَّرْع مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ. وَأَيْضًا الْفَرِيضَة مَا قدر من السِّهَام فِي الْمِيرَاث وَجَمعهَا الْفَرَائِض أَيْضا كَمَا هِيَ جمع الْفَرْض وَقد علمت من هَذَا الْبَيَان أَن الْفَرِيضَة وَالْفَرْض وَاحِد.

خَتم

خَتم

(خَتَمه يَخْتِمه خَتْماً وخِتاماً) بالكَسْر، وَهَذِه عَن اللِّحياني، أَي: (طَبَعَه) ، فَهُوَ مَخْتوم ومُخَتَّم، شُدّد للمُبالَغة، قَالَه الجَوْهَرِيّ. وَقيل الْخَتْم: إخفاءُ خَبَرِ الشَّيْء يُجْمَع أطرافِه عَلَيْهِ على وَجْه يَتَحَفَّظ بِهِ.
(و) من الْمجَاز: خَتَم (عَلَى قَلْبِه) إِذا جَعَله لَا يَفْهَم شَيْئاً، وَلَا يَخْرُج مِنْهُ شَيْء) ، كَأَنَّهُ طُبع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ختم الله على قُلُوبهم} ، وَهُوَ كَقَوْلِه: طَبَع الله على قُلوبِهم فَلَا تَعْقِل وَلَا تِعِي شَيْئا. وَقَالَ الزجّاج: مَعْنى خَتَم وطَبَع وَاحِد فِي اللّغة، وَهُوَ التَّغْطِية على الشّيء والاستِيثاق من أَن لَا يَدْخُلَه شَيْء، كَمَا قَالَ جلّ وَعلا: {أم على قُلُوب أقفالها} . (و) خَتَم (الشيءَ خَتْماً: بَلَغ آخِرَه) ، كَمَا فِي المُحْكم. وَقَالَ الرّاغب: " الخَتْم والطَّبْع يُقَال على وَجْهين: الأولُ تأثِيرُ الشيءِ بِنَقْش الخَاتَم والطَابع، وَالثَّانِي الأثرُ الْحَاصِل عَن النَّقْش، ويُتَجَوَّز بِهِ تَارَة فِي الاستِيثاق من الشَّيء والمَنْع مِنْهُ اعْتِبَارا لِمَا يَحْصُل من المَنْع بالخَتْم على الكُتُب والأبواب، وتَارةً فِي تَحْصِيل أثر شَيْء عَن شَيْء اعْتِبَارا بالنَّقْش الْحَاصِل، وَتارَة يُعْتَبر فِيهِ بُلُوغ الآخِر، وَمِنْه: خَتَمتُ الْقُرْآن أَي: انْتَهَيتُ إِلَى آخِره، فقاله تَعَالَى: {ختم الله على قُلُوبهم} إِشَارَة إِلَى مَا أَجْرَى اللهُ بِهِ الْعَادة أنَّ الْإِنْسَان إِذا تَناهَى فِي اعْتِقَاد باطلٍ، وارتكاب مَحْظور فَلَا يَكُون مِنْهُ تَلَفُّت بِوَجْهٍ إِلَى الحَقّ، يُورِثُه ذلِك هَيْئةً تُمَرِّنُه على اسْتِحْسَان المَعاصي، فَكَأَنما يُخْتَم بِذلِك على قَلْبه، وعَلى هَذَا النَّحْو استعاره لِلإِغْفالِ والكِنّ والقَساوة.
وَقَالَ الجُبَّائي: جَعَل اللهُ خَتْمًا على قُلوبِ الكُفَّارِ ليكونَ دَلالةً للملائِكة على كُفْرِهِم، فَلَا يَدْعُون لَهُم. قَالَ الرّاغبُ: ولَيْس ذَلِك بِشَيْء؛ فَإِن هَذِه الكِتابَةَ إِن كَانَت مَحْسُوسةً فَمن حَقِّها أَن يُدرِكَها أصحابُ التشريح، وَإِن كَانَت مَعْقُولَة فالمَلائِكة باطِّلاعهم على اعتِقاداتهم مُسْتَغْنِيةٌ عَن الاسْتِدلال.
(و) من المَجاز: خَتَم (الزَّرعَ) يَخْتِمه خَتْماً، (و) خَتَم (عَلَيْهِ) : إِذا (سَقَاهُ أَوَّلَ سَقْيَهُ) وَهُوَ الخَتْم. والخِتامُ اسمٌ لَهُ؛ لأنّه إِذا سُقِي خُتِم بالرَّجاء، وَقد خَتَموا على زُرُوعِهم أَي: سَقَوْها، وَهِي كِرابٌ بعد. قَالَ الطَّائِفي: " الخِتامُ: أَن تُثارَ الأرضُ بالبَذْر حَتَّى يَصِير البَذرُ تحتَها، ثمَّ يَسْقُونَها، يَقُولُونَ: خَتَموا عَلَيْهِ. قَالَ الأزهريّ: وأصل الخَتْم: التَّغْطِية، وخَتْمُ البّذْر تَغْطِيَتُه " ز
(و) الخِتامُ، (كَكِتاب: الطِّينُ يُختَم بِهِ على الشَّيْء) . يُقَال: مَا خِتامُك؟ طينٌ أم شْمعٌ؟
(والخَاتَم) بِفَتْح التَّاء: (مَا يُوضَع على الطِّينة) ، وَهُوَ اسمٌ مِثْلُ العالَم.
(و) من الْمجَاز: لَبِس الخاتَم، وَهُوَ (حَلْي للإِصْبَع كالخَاتِم) ، بِكَسْر التَّاءِ، لُغَتان.
وَفِي الحَدِيث: " آمين خاتَمُ رَبّ العَالمين على عِــبادِه الْمُؤمنِينَ ". أَي: طابعه وعَلامَتُه الَّتِي ترفَع عَنْهُم الأَعراضَ والعَاهَات؛ لأنّ خاتَم الكتابِ يَصُونه ويَمْنَع النَّاظرين عَمَّا فِي بَاطِنه.
(والخَاتامِ والخَيْتَامِ والخِيتَامِ) بالكَسْر (والخَتَم مُحَرَّكة والخَاتِيام) ، فَهِيَ لغاتٌ سَبْعَة نقلَها ابنُ سِيدَه مَا عَدَا الْأَخِيرَة، وَاقْتصر الجوهريُّ على الخَمْسَة الأُولى، وَزَاد ابنُ مَالك: الخًيْتَمَ كَحَيْدَر، وَجَمَعَها خَمْسَ لُغاتٍ فِي قَوْلِه:
(فِي الخَاتَم الخَيْتَمَ والخَيْتَامَا ... )

(يَرْوُون والخَاتِمَ والخَاتَامَا ... )

وقولُ شَيْخِنا: " وَفِي كَلَام المُصَنّف سِتٌّ فِيهِ نَظَر "، بل سَبْع، ونَظَمَها الزّينُ العِراقِيّ الْحَافِظ مُسْتَوفَاة اللُّغات، فَقَالَ:
(خُذ عدّ نَظْم لُغاتِ الْخَاتم انْتَظَمت ... ثمانِيًا مَا حَواها قَبْلُ نَظّامُ)

(خَاتَامُ خَاتَمُ خَتْمٌ خَاتِمٌ وخَتامٌ ... خاتِيامٌ وخَيْتومٌ وخَيْتامُ) وَهَمْز مَفْتوح تَاء تَاسِع وإِذا ... ساغَ القِياس أَتمَّ العشرَ خَأْتامُ)

وَلم يذكر النَّاظِم خَتَمًا مُحَرَّكة، وَقد ذَكَره المصنِّف وابنُ سِيده وابنُ هِشام فِي شَرْح الكَعْبِيَّة. قَالَ ابنُ سِيْدَه: هُوَ من الحَلْي كَأَنّه أَوَّلَ وهلةٍ خُتِم بِهِ فدَخَل بذلِك فِي بَاب الطّابع، ثمَّ كَثُر اسْتِعْمالُه لِذلك وَإِن أُعِدَّ الخاتِمُ لغَيْر الطَّبْعِ، وَأنْشد الجوهريُّ للأعشى:
(وَصَهْباءَ طَافَ يَهُودِيُّها ... وَأَبْرَزَها وَعَلَيْهَا خَتَم)

أَي: عَلَيْهَا طِينَة مَخْتُومة مثل: نَفَضَ بمَعْنى مَنْفُوض.
وَأنْشد ابنُ بَرِّيّ فِي الخَيْتام:
(يَا هِنْدُ ذاتَ الجَوْرب المُنْشَقّ ... )

(أَخَذْتِ خَيْتامِي بِغَيْر حَقّ ... )

ويروى: خَاتَامى.
قَالَ: وَقَالَ آخر:
(أَتُوعِدُنا بخَيْتَامِ الأَمير ... )

قَالَ: وشاهِدُ الخَاتَام مَا أَنْشَدَه الفَرَاء لبَعْض بني عُقَيْل:
(لئِن كانَ مَا حُدِّثْتُه الْيَوْم صادِقاً ... أَصُمْ فِي نَهارِ القَيْظ للشَّمس بادِيا)

(وأركبْ حمارا بَين سَرْجٍ وفَرْوَة ... وَأعْرِ من الخَاتَام صُغْرى شِمَالِيا)

وأنشدَ الجَوْهَرِيّ فِي (د ر هـ م) :
(لجَاز فِي آفاقِها خَاتَامي ... )
(ج: خَوَاتِمُ وخَواتِيمُ) . قَالَ سِيبَوَيه: " الَّذين قَالُوا: خَوَاتيم إِنَّمَا جَعَلوه تَكْسير فَاعَال، وَإِن لم يكن فِي كَلامهم ". وَهَذَا دَلِيل على أنَّ سِيبَوَيه لم يَعْرِف خاتاما، (وَقد تَخَتَّمَ بِهِ) ، وَمِنْه الحَدِيث: " إنّ التَّخَتُّم باليَاقُوت يَنْفِي الفَقْر "، يُرِيد أَنه إِذا ذَهب مالُه بَاعَ خاتَمه فوَجَد فِيهِ غِنًى، قَالَ ابنُ الأثيرُ: والأشبَهُ - إِن صَحّ الحَدِيث - أَن يكون لَخَاصَّة فِيهِ.
(و) الخاتَم (من كُلِّ شَيْء: عاقِبَتُه، وآخِرتُه خاتِمته) .
(و) الخَاتَم: (آخِرُ القَوْم كالخاتِم) ، وَمِنْه قَولُه تَعَالَى: {وَخَاتم النَّبِيين} أَي: آخِرهم.
وَقد قُرِئ بِضَم التّاء، وقَولُ العجّاج:
(مُبارَكٍ للأنبياءِ خَاتِمِ ... )

إِنما حَمَله على القِراءة المَشْهُورة فَكَسَر، وَقَالَ الفَرَّاء: قَرَأَ عليٌّ رَضِي الله تَعالى عَنهُ {خَاتَمُه مِسْك} ، يُرِيد آخِره.
(و) الخَاتَم (من القَفَا: نُقرتُه) .
يُقَال: احْتَجَم فِي خاتَم القَفا، وَهُوَ مجَاز.
(و) الخَاتَم: (أَقلُّ وَضَح القَوائِم، وَهُو) أَي: الفَرَس (مُخَتَّم كَمُعَظَّم) بأشاعِره بَياضٌ خَفِيّ كاللُّمَعِ دون التَّخْدِيم.
(و) الخَاتَم (من الفَرَس الأُنْثَى: الحَلْقة الدَّنْيَا من ظَبْيتها) على التَّشْبيه.
(و) من الْمجَاز: (تَخَتَّم عَنهُ) أَي: (تَغافَل وسَكَت) .
(و) تَخَتَّم (بأَمْره: كَتَمه) ، نَقله الزمخشَرِيّ.
(و) من الْمجَاز أَيْضا: تَخَتَّم الرجلُ أَي: (تَعَمَّم) ، يُقَال: جَاءَ مُتَخَتِّمًا، أَي: مُتَعَمِّمًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَخَتَّم بِعِمامَتِه، أَي: تَنَقَّب بهَا. (والاسمُ التَّخْتِمَة) ، يقالُ: مَا أَحْسَنَ تَخْتِمَتَه، عَن الزّجَّاجّي.
(و) المِخْتَم (كَمِنْبَر: الجَوْزَةُ) الَّتي (تُدْلَك لتَمْلاسَّ، وَيُنْقَدَ بهَا، فارِسِيَّتُه تِيْر) بِكَسْر التَّاء الفَوْقِيّة وَسُكُون التَّحْتِيَّة.
(و) من الْمجَاز: (الخَتْمُ: العَسَلُ) .
(و) أَيْضا: (أَفْواهُ خَلايَا النَّحْل) .
(و) أَيْضا: (أَنْ تَجْمَعَ النَّحْلُ شَيْئاً من الشَّمْع رَقيقًا أرقَّ من شَمْع القُرْص، فَتَطْلِيَه بِهِ) . كَذَا فِي المُحْكَم، وَفِي الأساس: يُقال للنَّحْل إِذا مَلأَ شُوَرَته عَسَلاً: خَتَم.
(والمَخْتومُ: الصَّاعُ) .
(و) قَالَ ابنُ الأعرابيّ: (الخُتُم بِضَمَّتَيْن: فُصوصُ مَفاصِل الخَيْل، الواحِدُ كَكِتاب وعالَم) ، هَكَذَا فِي النُّسَخ. وَالَّذِي فِي نَصّ ابنِ الأَعْرابيّ: كَكِتاب وسَحاب.
[] وَمِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
خَتَّم الشيءَ تَخْتِيماً، شُدِّد للمُبالغة، نَقله الجَوْهَرِيّ.
والخَتْمُ: المنعُ.
والخَتْمُ: حِفْظُ مَا فِي الكِتابِ بِتَعْلِيم الطّينَةِ.
وَمن لُغاتِ الخاتَم: الخَتْم بالفَتْح، والجَمْع خُتومٌ، وخَيْتومٌ وخَأْتَم بِالْهَمْز مَعَ فَتْح التَّاء. الثلاثَةُ ذكرَهُنّ الوَلِيّ العِراقيّ كَمَا تَقَدّم. وَيُقَال: " فلانٌ خَتَمَ عليكَ بابَه: إِذا أَعْرَضَ عَنْكَ، وخَتَم فلانٌ لَكَ بابَه: إِذا آثَرَك على غَيْرِك. وَهُوَ مجَاز ". واخْتَتَمْتُ الشيءَ: نقيضُ افْتَتَحْتُه، نقلَه الجوهَرِيّ.
وَفِي الأساس: " التَّحْمِيد: مُفْتَتَح القُرآن، والاستِعاذة مُخْتَتَمة "، وَبِهَذَا ظَهَر سُقوطُ قَولِ شَيْخِنا: إنّه لَا تَكاد تُوجَد المُخْتَتَم عِنْد لُغَوِيٍّ ثَبَت، وادَّعى آخرُون أَنَّهَا غَيْرُ فَصِيحة، بخِلاف المُفْتَتَح، فَإِنَّهُ فَصِيحٌ وَارِد كَثِيرٌ.
ويُقالُ: الأَعْمالُ بخَواتِيمِها، إِنَّمَا هُوَ جَمْع خَاتم على الشّذوذ، وأنشَدَ الزَّجاجّ:
(إنّ الخَلِيفة إِنَّ الله سَرْبَلَهُ ... سِرْبالَ مُلْك بِهِ تُرجَى الخَواتِيم)

وَهُوَ ضَرُورة.
وخِتام كل مشروب: آخِرُه، وقَولُه تَعالى: {ختامه مسك} ، أَي: آخر مَا يَجِدُونه رائحةُ المِسْك. وَقَالَ عَلْقَمَة: أَي: خِلطه مِسْك. وقَريبٌ من ذَلِك قَولُ مُجاهِد فِي مَعْناه: مِزاجُه مِسْك. وَقَالَ ابنُ مَسْعود: عاقِبَتُه طَعْمُ المِسْك. قَالَ الفَرّاء: والخَاتِم والخِتام مُتَقاربان فِي المَعْنى، وَمِنْه قِراءةُ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " خاتِمُه مِسْك "، قَالَ: ومثلُه قَوْلُك للرَّجل: هُوَ كَرِيم الطَّابِع والطِّباع. قالَ: وتَفْسِيرُه: أَنَّ أَحَدَهم إِذا شَرِبَ وَجَد آخر كَأْسَه رِيحَ المِسْك. وَقَالَ الرَّاغِب: " مَعْناهُ مُنْقَطَعُه وخاتِمَةُ شُرْبه، أَي: سُؤْرُه فِي الطِّيب مِسْك. قالَ: وقولُ مَنْ قَالَ: يُخْتَم بالمِسْك أَي: يُطْبَع، فَلَيْسَ بشَيْءٍ؛ لأنَّ الشَّراب يَجِب أَن يَطِيبَ فِي نَفْسِه، فأَمّا خَتْمُهُ بالطِّيب فَلَيْسَ مِمّا يُفِيدُه، وَلَا يَنْفَعُه طِيبُ خاتِمه مَا لم يَطِبْ فِي نَفْسِه " انْتهى. وخِتامُ الوَادِي: أقْصاه. وخِتامُ القَوْم: آخِرُهم. عَن اللّحياني.
وَمن أسمائِه [
] : الخاتَم والخاتِم، وَهُوَ الَّذِي خَتَم النُّبُوَّةَ بمَجِيئه. وَأَعْطانِي خَتْمِي أَي حَسْبِي، وَهُوَ مجَاز، قَالَ دُرَيْد بنُ الصِّمَّة:
(وَإِنِّي دَعَوتُ اللهَ لَمَّا كَفَرْتَني ... دُعاءً فأَعطانِي على ماقِطٍ خَتْمِي)

وَهُوَ من ذَلِك؛ لأّن حَسْب الرَّجُل آخِرُ طلبه.
وَيُقَال: زُفَّت إِلَيْك بخاتَم رَبّها وبخِتامها، وسِيقَت هَدِيَّتُهم إِلَيْهِ بخِتامها. وَهُوَ مجَاز.
والخَتْم: قريةٌ من قُرى خاكان من إِقليم فَرْغانَة، قَالَ الحافِظ: قَالَ أَبُو العَلاء الفَرَضِيُّ: أفادَنِي أَبُو عَبْدِ الله الأُوشِيُّ [الخَتْمِيُّ، نِسْبَة إِلَى خَتْم] .
والخَتْمةُ، بالفَتْح ويُكْسر: المُصْحَفُ، عامِّيَّة.
وَأَبُو العَبَّاس محمدُ بنُ جعفرٍ الخَوَاتِيمي: مُحَدِّث، عَن الحَسَن ابنِ عَرَفة، وَعنهُ الدَّارقُطْنِيُّ.
والخَتْمُ عِنْد أهل الحَقِيقة: مَنْ يُخْتَم بِهِ الوِلايةُ المُحَمَّديةُ، وثُمّ خَتْمٌ آخرُ: من يُخْتَمُ بِهِ الوِلايَةُ العامَّة.

خَزم

خَزم

(خَزَمَهُ يَخْزِمُه) خَزْمًّا: (شكَّه) .
(و) خَزَم (البَعِيرَ) يَخْزِمه خَزْماً: (جَعَلَ فِي جانِبِ مَنْخِره الخِزَامة كَكِتابة، لِلْبُرَةِ) ، وَهِي حَلَقه من شَعَر تُجعَل فِي وَتَرة أَنْفِه يُشَدّ بهَا الزِّمام. كَمَا فِي الصّحاح. وَقَالَ اللّيثُ: إِن كَانَت من صُفْر فَهِيَ بُرَةٌ، وَإِن كَانَت من شَعَر فَهِيَ خِزامَةٌ، وَقَالَ شَمِر: الخِزَامة إِذا كَانَت من عَقَب فَهِيَ ضانَةٌ، وَفِي الحَدِيث: " لَا خِزامَ وَلَا زِمامَ ". أَي: كَانَت بَنُو إِسْرائِيل تَخْزِم أنوفَها وتَخْرِق تراقِيَها ونحوَ ذَلِك من أَنواع التَّعذيب، فَوَضَعَه اللهُ عَن هَذِه الأُمَّة. وَجمع الخِزامة: خَزائِم، (كَخَزَّمَه) بالتَّشْدِيد للكَثْرة.
(وإِبل خَزْمَى) كَسَكْرى أَي: مُخَزَّمة. عَن اْبن الأعرابيّ، وَأنْشد:
(كَأَنّها خَزْمَى وَلم تُخَزَّم ... )

وَذَلِكَ أَنَّ النَّاقةَ إِذا لَقِحت رَفَعَت ذَنَبها ورَأْسَها، فَكَأَنَّ الإِبلَ إِذا فَعَلت ذَلِك خَزْمَى، أَي: مَشْدُودَة الأنوف بالخِزامَةِ وإِن لم تُخَزَّم.
وَفِي الصّحاح: يُقَال لكل مَثْقُوب مَخْزُوم والطّيْرُ.
كُلُّها مَخْزُومة) زادَ غيرُه: (ومُخَزَّمة) . قَالَ الجَوْهَرِيّ: (لأَنَّ وَتَراتِ أُنُوفِها مَثْقُوبَةٌ، وَكَذَا النَّعام) . وَفِي الصّحاح: ولذلِك يُقَال للنَّعام مَخْزُوم، وَقَالَ غيرُه: مُخَزَّم. قَالَ الشَّاعِر:
(وأرفَعُ صَوْتِي للنَّعامِ المُخَزَّم ... ) وَهُوَ من نَعْت النَّعام، قيل لَهُ ذَلِك لِثُقْب فِي مِنْقارِه.
(وخِزامَةُ النَّعْل، بالكَسْر: سَيْرٌ رَقِيق يَخْزِم بَيْن الشِّراكَيْن) ، وَقد خَزَم شِراكَ نَعْلِه إِذا ثَقَبَه وَشَدَّه. وشِراكٌ مَخْزُوم. وَهُوَ مجَاز.
(وتَخَزَّم الشَّوكُ فِي رِجْلِه: شَكَّها ودَخَل) فِيها، قَالَ القُطامِيُّ:
(سَرَى فِي جَلِيد اللَّيلِ حَتَّى كَأَنَّما ... تَخَزَّم بالأطرافِ شَوكُ العَقارِبِ)

(وخَازَمه الطَّرِيقَ: أَخَذَ فِي طَرِيق وَأَخَذَ الآخرُ فِي طَرِيق) غَيْرِه (حتّى الْتَقِيَا فِي مَكان) وَاحِد. نَقله الجوهَرِيّ، وَهِي المُخاصَرَة أَيْضا كَأَنَّهُ مُعارضةٌ فِي السّير، قَالَ اْبنُ فَسْوةَ:
(إِذا هُوَ نَحَّاها عَن القَصْد خازَمَتْ ... بِهِ الجَوْرَ حتّى يَسْتَقِيمَ ضُحَى الغَدِ)

ذكر نَاقَته أَنَّ راكِبَها إِذا جَارَ بِها عَن القَصْد ذَهَبَت بِهِ خِلافَ الجَوْر حَتَّى تَغْلِبَه، فتأخذ على القَصْد.
(ورِيحٌ خَازِمٌ) : بارِدَة، عَن كُراع، وَالَّذِي حَكَاه أَبُو عُبَيد (خَارِمٌ) بالرَّاء، وَقد ذَكَر عِلّة كُراع فَقَالَ: كأنّها تَخْزِمُ الأطرافَ أَي: تنظمها وَأنْشد:
(تُراوِحُها إِمَّا شَمالٌ مُسِفَّةٌ وإِمّا صَباً من آخرِ اللَّيلِ خَازِمُ)

(والخَزْمُ فِي الشِّعْرِ: زِيادَةٌ تكونُ فِي أَوَّل البَيْت لَا يُعْتَدّ بهَا فِي التَّقْطِيع، وتَكونُ بِحَرف) أَو حَرْفَين (إِلَى أَرْبَعَة) أَحْرُف من حُرُوفِ المَعاني نَحْو: الوَاوِ، وَهَلْ، وَبَلْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: إِنَّمَا جازَت هَذِه الزّيادَة فِي أَوائِل الأبيات كَمَا جَازَ الخَرْم، وَهُوَ النُّقْصان، فِي أوائِلها، وَإِنَّمَا احْتَمَلَت الزِّيادة والنّقصان فِي الْأَوَائِل لِأَن الوَزْن إِنَّمَا يَسْتَبِينُ فِي السَّمع، وَيظْهر عَوارُه إِذا ذَهَبْتَ فِي البَيْت. وَقَالَ مرّة: قَالَ أَصحابُ العَرُوض: جازَتِ الزِّيادة فِي أَوَّل الأبيات وَلم يُعتَدَّ بهَا كَمَا زِيدَت فِي الكَلام حُروفٌ لَا يُعتدُّ بهَا نَحْو " مَا " فِي قَوْله تَعَالَى: {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} . وَأكْثر مَا جَاءَ من الخَزْم بحُرُوف العَطْف، فَكَأَنَّك إِنَّما تَعْطِف بيْتًا على بَيْت، فَإِنَّمَا تحتسب بوَزْن البَيْت بغَيْر حُروفِ العَطْف، فالخَزْمُ بالوَاوِ كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْس:
(وكَأَنَّ ثَبِيراً فِي عرانِينِ وَبْلِهِ ... كَبِيرُ أُناسٍ فِي بِجادٍ مُزَمَّلِ)

فالواو زَائِدة:
وَقد يَأْتِي الخَزْم فِي أَوَّل المِصْراع الثَّاني: أنشدَ اْبنُ الأَعرابيّ:
(بل بُرَيْقاً بِتُّ أَرْقُبُه ... بل لَا يُرَى إِلا إِذا اعْتَلَما)

فَزَاد " بَلْ " فِي المِصْراع الثَّاني.
ورُبَّما اعْتَرَض فِي حَشْو النِّصف الثَّاني بَين سَبَبَ وَوَتِدٍ، كَقَوْل مُطَيْر بنِ الأَشْيَم:
(الفَخْر أَوَّلُه جَهْل وَآخره ... حِقْدٌ إِذا تُذُكِّرتِ الأَقوالُ والكَلِمُ)

" فَإِذا " هُنَا مُعْتَرضة بَيْنَ السَّبَب والوَتِدِ المَجْمُوع.
وَقد يَكُون الخَزمُ بالفَاءِ كَقَوْلِه:
(فنردُّ القِرْن بالقِرْنِ ... صَرِيعَيْنِ رُدافَى)

فَهَذَا من الهَزَج، وَقد زِيدَ فِي أَوَّله حَرْف.
وخزموا " بِ " بَلْ " كَقَوْلِه:
(بل لم تَجْزَعُوا يَا آلَ حُجْرٍ مَجْزَعا ... ) وبِ " هَل " كَقَوْلِه:
(هَل تَذَكَّرونَ إِذْ نُقاتِلُكمْ ... إِذْ لَا يَضُرُّ مَعدِمًا عَدَمُهْ)

و" بِنَحْن " كَقَوْلِه:
(نَحن قَتَلْنا سَيِّدَ الخَزرَجِ ... سَعْدَ بنَ عُــبَادَهْ)

(و) الخَزَمُ (بالتَّحْريك: شَجَرٌ كالدَّوْمِ) سَوَاء، وَله أَفْنانٌ وبُسْر صِغارٌ يَسْوَدُّ إِذا أيْنَعَ، مُرٌّ عَفِصٌ لَا يأكلُه النّاسُ، وَلَكِن الغِرْبان حريصة عَلَيْهِ تَنْتَابُه، قَالَه أَبُو حنيفَة. وَفِي التَّهْذِيب: الخَزَم: شَجَر، أَنْشَدَ الأصمَعِيُّ:
(فِي مِرْفَقَيْه تَقارُبٌ وَله ... بِرْكَةُ زَوْرٍ كَجَبْأَةِ الخَزَمِ)
وَفِي الصّحاح: شَجَر تُتَّخَذ من لِحائِه الحِبالُ، الْوَاحِدَة خَزَمة، وأنشدَ اْبنُ بَرِّي:
(مثل رِشاءِ الخَزَم المُبْتَلِّ ... )

(والخَزَّامُ، كَشَدَّادٍ: بَائِعُه) .
(وسُوقُ الخَزَّامِين بالمَدِينة) ، على ساكنها أَفضلُ الصّلاةِ والسّلام: (م) مَعْروفٌ، نَقَله الجوهَرِيّ.
(والخَزَمة، مُحَرَّكَة: خُوصُ المُقْلِ) تُعْمَلُ مِنْهُ أَحْفاشُ النِّساء.
(وخَزَمَةُ بنُ خَزَمَةَ) من القَواقِل، شَهِد أُحُداً. قَالَه الطَّبَرِيّ. قَالَ الحافِظٌ: وَالَّذِي فِي الإِكْمال: خُزَيْمةُ بنُ خُزَمةَ بنِ عَدِيّ بِتَصْغِير الأول. قُلتُ: وَهَكَذَا ذَكَرَه اْبنُ سَعْد واْبنُ عَبْدِ البَرّ.
(والحارِثُ بنُ خَزَمَةَ) يُكنَى أَبَا بَشِير من بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفِ بن الخَزْرج. قَالَ الطّبَرِيّ: بَدْرِيّ. (ونَهِيكُ بنُ أَوْسِ بنِ خَزَمة) شَهِد أُحُداً، وَهُوَ اْبنُ أَخي خَزَمةَ المَذْكور أَولا.
(وبالسُّكُون الحارِثُ بنُ خَزْمَة) بنِ عَدِيّ الخَزْرَجِيّ من بَنِي ساعِدَةَ، شَهِدَ بَدْراً، (وعبدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبة بنِ خَزْمةَ) اْبن أَصْرم البَلَوِيّ حَلِيف الأَنْصار بَدْرِيّ: (صَحابِيُّون) رَضِي اللهُ تَعالى عَنْهُم.
(والخُزامَى، كَحُبَارَى: نَبْت) طَيِّبُ الرِّيح، (أَو خِيرِيُّ البَرِّ) كَمَا فِي الصّحاح، وَلم يذكر المُصَنِّف الخِيرِيّ فِي مَوْضِعه، وَأنْشد الجَوْهريُّ للأَعْشَى:
(كأنّ المُدامَ وَصَوْبَ الغَمام ... ورِيحَ الخُزامَى ونَشْرَ القُطُر)

وَقَالَ أَبُو حَنِيفة: (زَهْرُه أطيَبُ الأَزْهار نَفْحَةً) . وَأَنْشَد:
(بِريحِ خُزامَى طَلَّةٍ من ثِيابِها ... وَمن أَرَجٍ من جَيِّد المِسْكِ ثاقِبِ)

(والتَّبْخِيرُ بِهِ يُذهِب كُلَّ رائِحَةٍ مُنْتِنَة، واحْتِمالُه فِي فُرْزُجَةٍ مُحبِّل، وشُربُه مُصْلِحٌ للكَبِد والطِّحالِ والدِّماغِ البَارِد) ، واحدته خزاماة.
(الخَزُومةُ: البَقَرة) بلغَة هُذَيْل. قَالَه الجوهريّ: وأَنْشَدَ لأَبي ذَرّة الهُذَلِيّ:
(إِن يَنْتَسِب يُنْسَبْ إِلَى عَرْقٍ وَرِبْ ... )

(أَهْلَ خَزوماتٍ وشَحَّاجٍ صَخِبْ ... )

(أَو) هِيَ (المُسِنَّة القَصِيرة مِنْهَا) . كَمَا فِي المُحْكَم.
(ج: خَزائِم وخَزُومٌ) ، قَالَ:
(أربابُ شَاءٍ وخَزومٍ وَنَعَمْ ... )

ويُجمعَ أَيْضا على خُزُم، أنْشَدَ لابنِ دَارَةَ:
(يَا لعنةَ اللهِ على أَهْلِ الرّقَمْ ... )

(أهلِ الوَقِير والحَمِيرِ والخُزُمْ ... ) (والأَخْزَمُ: الحَيَّةُ الذَّكَرُ) . نَقله الجوهَرِيّ.
(و) الأَخْزَمُ: (الذَّكَرُ القَصِيرُ الوَتَرة. وَكَمَرةٌ خَزْماء كَذلِك) . قَالَ الأزهريّ: الَّذِي ذَكَره اللًّيث فِي الكَمَرة الخَزْماء لَا أَعْرِفُه. قَالَ: وَلم أسمَعِ الأَخْزم فِي اسمِ الحَيَّاتِ. وَقد نَظَرت فِي كُتُب الحَيَّات فَلم أَرَ الأَخْزَم فِيهَا. وَقَالَ رَجُلٌ لشَيْءٍ أَعْجَبَه:
(شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُها من أَخْزَم ... )

أَي: قَطَران المَاءِ من ذَكر أَخْزَم.
(وأَبُو أَخْزَم الطّائِيُّ: جَدّ) أبي (حَاتِم أَو جَدُّ جَدِّه) ، كَمَا هُوَ نَصُّ ابنِ الكَلْبِيّ على مَا نَقله الجوهَرِيّ.
قُلتُ: واسمُ أبي أخزم هرومةُ وَهُوَ ابنُ رَبِيعة بن جَرْولَ بن ثُعَل بن عَمْرو، وَهُوَ الجَدُّ السَّادِس لحاتم؛ فَإِنَّهُ ابنُ عَبدِ اللهِ بنِ سَعْدِ بن الحَشْرَج بنِ امرئِ القَيْسِ بن عَدِيّ ابْن أَخْزَم بن أبي أَخْزَم، (مَاتَ ابنُه أَخْزَم) وَهُوَ أَخو النَّجد ابْنا هرومة، (وتَرَكَ بَنِين) ، مِنْهُم مُرَّةُ وَالِد حارِثَة ابنِ حَنْبل الَّذِي نزل بِهِ امْرُؤ القَيْس. وَمِنْهُم عَدِيّ، وَهُوَ والدُ امْرِئِ الْقَيْس، وعَبدُ شَمْس، فامرؤُ الْقَيْس جَدّ حاتِم الْمَذْكُور، وجدّ مِلْحان بن حَارِثَة الَّذِي رَثَاه حاتِم وَأَخِيه غُطَيْف بنِ حَارِثَة. وَولده حَلْبسُ بنُ غُطَيف، أَخُو عَدِيّ بن حَاتِم لأُمّه، وَأما عَبدُ شَمْس فَإِنَّهُ جَدُّ قَبِيصَة بنِ الهلب وَغَيره. قَالَ ابنُ الكَلبِيّ: (فوَثَبوا يَوْمًا على جَدّهم) فِي مَكان وَاحِد (فَأَدْمَوْه، فَقالَ: (إِنَّ بَنِيّ زَمَّلُوني بالدَّمِ ... )

(مَنْ يَلْقَ آسادَ الرِّجال يُكْلَمِ ... )

(وَمَنْ يَكُن دَرْء بِهِ يُقَوَّمِ ... )

(شِنْشنَة أَعرِفها من أَخْزَمِ ... )

كأَنَّه كَانَ عَاقًّا) لأَبِيه. والشِّنْشِنَةُ: الطَّبِيعة أَي أَنَّهم أَشْبَهوا أَباهم فِي طَبِيعَته وخُلُقِه.
وَنقل أَبُو عُبَيْدَة: فِيهِ نِشْنِشَة. بتَقْدِيم النُّون على الشِّين، وَقد ذُكِرَ فِي مَوْضِعه، وَهُوَ من الْأَمْثَال السائِرَة المَشْهُورَة، وَأوردهُ المَيْدانِيّ والزَّمخشريّ وضَمْرةُ والعُكْبَرِيّ وغيرُهم.
(وَأَخْزَمُ: جَبَل قُرَب المَدِينة) . قَالَ نصر: أظُنُّه بَين مَلَل والرَّوْحاء.
(و) أخزمُ: (فَحل كَرِيم، م) مَعْرُوف.
(و) خُزامٌ (كَغُرابٍ: وادٍ بِنَجْد) . قَالَ لَبيد:
(أَقوَى فَعُرِّيَ واسِطٌ فبَرَامُ ... من أَهله فصُوائِقٌ فخُزَامُ)

(والخُزَيْمِيَّةُ) بالضَّم: (مَنْزِلة للحاجّ بَيْن الأَجْفَرِ والثَّعْلَبِيَّة) .
(وخازِمُ بنُ الجِهْبِذ) ، هَكَذَا فِي النُّسَخ، والصَّوابُ: وخَازِمٌ الجِهْبِذُ، على النَّعت كَمَا هُوَ نَصّ التَّبْصِير قَالَ: وَهُوَ شَيْخ لِابْنِ مَخْلد العَطّار.
(و) خازِمُ (بن حَبَلَة) ، بحاء مِهْمَلَة وباء مُوَحَّدَة مُحَرَّكَتيْن، رَوَى عَن خَازِم بنِ خُزَيْمة النّصريّ.
(و) خازِمُ (بنُ القَاسِم) عَن أَبي عَسِيب.
(و) خازِمُ (بنُ مَرْوان) أَبُو مُحَمَّد الفتريّ، عَن عَطاءِ بنِ السَّائِب، وَعنهُ نَصْرُ الجَهْضَمِيّ، وَاهٍ، (أَو هُوَ بِحاءٍ) مُهْملَة، وَهَكَذَا قيَّده ابنُ الفَلَكِي. (و) خازِمُ (بنُ خُزَيْمَة) البَصْرِيّ، عَن مُجاهِد، وَعنهُ يَحْيَى بنُ عَبْدِ الله بنِ سَالِم.
(و) خازِمُ (بنُ مُحمَّد بنِ خَازِم القُرْطُبِيّ) ، عَن يُونُس بنِ مُغِيث.
(و) خازِمُ (بنُ مُحَمَّد) بن عَلِيّ بنِ أَبي الدِّبْس (الجُهَنِيّ) ، سَمِع مِنْهُ أُبَيُّ النِّرْسِيُّ.
(و) خازِمُ (بنُ مُحَمَّد) بن أبي بكر (الرَّحَبِي) ، عَن جَدِّه أبي بَكْرِ بنِ هبة، وَعنهُ أَبُو البَقاءِ بنُ طَبَرْزد.
(و) أما (من أَبوه خَازِم) فجماعة، مِنْهُم (سَعِيدُ) بنُ خَازِم (الكُوفِيّ. وخُزَيْمَةُ) بنُ خَازِم الأَمِير (العَباسِيّ) ، وَوَلَدَاه شُعَيْب وإبراهيمُ، لَهُما ذِكْر. (وَأَحْمَدُ) بن خَازِم (اللَّهِيعِيُّ) شيخُ ابنِ لَهِيعة.
(ومُحَمَّدُ) بنُ خَازِم (الضَّرِيرُ أَبُو مُعاوِية) البَصْرِيّ، عَن الأَعْمَشِ وَهِشَام، وَعَنْه إِسحاقُ وَأَحْمدُ وعليٌّ وابنُ معِين وخَلق، مَاتَ سنة مِائة وخَمْسٍ وتِسْعِين.
(ومَسْعَدَةُ) بنُ خَازِم شَيْخٌ للطَّحاوِيّ.
(وخَالِدُ) بنُ خَازِمٍ عَن الزُّهريّ.
(و) مَنْ جَدُّه خازِم جَماعةٌ، مِنْهُم (الحَسنُ بنُ مَخْلَد بنِ خازِمِ) عَن أحمدَ بن يُونُس، (وعَبدُ الله بن خالِدِ بنِ خَازِم) ، عَن مالِك.
(وَمَنْ كُنْيَتُه أَبُو خَازِم: جُنَيْدُ بنُ العَلاءِ) ، عَن مُجاهِد، وذَكَره البُخارِيّ، ومُسْلِم بالحَاءِ المُهْمَلَة، قَالَ الأَمير: والمَحْفُوظُ بالمُعْجَمة.
(و) أَبو خَازِم (عَبْدُ الغَفّارِ بنُ الحَسَن بنِ عَبْد الحَمِيد ابنِ القاضِي) كَذَا فِي النُّسَخ وَهُوَ غَلَط، والصَّواب: عَبْدُ الحَمِيد القَاضِي. أمَّا عبدُ الغَفَّار بنُ الحَسَن فَإِنَّهُ رَوَى عَن الثَّورِيّ. وَأَبُو خَازِم عَبدُ الحَمِيد فَهُوَ ابنُ عَبْدِ العَزِيز القاضِي فِي زمن المُعْتَضِد بِبَغْداد، كَانَ عراقِيَّ المَذْهَب عَفِيفاً وَرِعاً، قَالَه الأَمِير.
(و) أَبُو خازم (أحمدُ بنُ مُحَمَّد بنِ صُلْب) الدّلاّل، شيخٌ لأُبَيِّ النَرْسِيِّ.
(و) أَو خَازِم (عَبدُ الله) ، كَذَا فِي النُّسخ، والصَّواب عُبيدُ الله (بنُ مُحَمَّد) المُقْرِئ عَن ثابِت بن بُنْدار.
(و) أَبُو خَازِم (بنُ الفَرِّاء) الحَنْبَلِيّ أَخُو القَاضِي أبِي يَعْلَى.
(و) أَبُو خَازِم مُحَمَّدُ ابنُ القَاضِي (أبي يَعْلَى) ، مَاتَ سَنَة سَبْع وَعِشْرِين وَخَمْسِمائة.
وابنُه أَبُو يَعْلَى حَدَّث أَيْضا، وَمَات سنة سِتِّين وخَمْسِمائة.
وأَخُوه عَبْدُ الرَّحيم بنُ أَبِي خَازِم، حدَّث عَن ابنِ الحُصَين. (وكُلُّهُم مُحَدِّثُون) .
(و) أَبُو جَعْفَر (مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَر بنِ مُحَمَّد) بن خازم الجُرْجانِيّ الفَقِيه، أخذَ عَن ابنِ سُرَيْج وَغَيره، وبَرَع فِي المَذْهَب حَتَّى إِن حَمْزةَ بنَ يُوسُف الحافِظِ قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَحْمد الغِطْرِيفيّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيْج: لم يَعْبُرْ جِسْرَ نَهْروان أفقَهَ مِنْهُ، وَقَالَ الإِدْريسِيّ: أمْلى شَرْح مُخْتَصر الْمُزنِيّ عَن ظَهْر قَلْبه. مَاتَ سنةَ أربعٍ وعِشْرِين وثَلَثمائة. (و) أَبُو أَحْمَد (إِسْماعيلُ ابنُ سَعِيد بنِ العَبّاس، وَعنهُ محمدُ ابنُ عَطاء الصائِغُ، (وأحمدُ وَجَعْفَرُ ابنَا مُحَمّد) . ظاهِرُ سِياقه أنَّهما أَخَوان ولَيْس كَذلِك ولكنهما يَجْتَمِعان فِي اسْمِهِما واسمِ أبِيهما وقَبِيلَتِهما، وَيَفْتِرقان فِي اسْم الجَدّ، فأحمدُ هُوَ ابنُ مُحمّد بنِ يَحْيى الجُعْفِيّ، وجَعْفَرُ هُوَ ابنُ مُحَمَّد بن الحُسَين الجُعْفِيّ، وَقد كتب عَنْهُمَا ابنُ عُقْدَة، فتأمّل هَذِه المُناسبَة والمُشابَهَة. (والإمامُ الكَبِير) شَيْخِ هَراة أَبُو بكر (مُحمَّد بنِ عُمَر بنِ أَبي بَكْر) من كِبار مَشْيَخَة عَبِدِ القَادِر الرُّهاويّ (الخَازِميُّونَ) نِسْبَة إِلَى جَدّهم خازم، (عُلماء) مُحدِّثون.
(و) أَبُو عَبْدِ الله (الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيل) الأنصاريّ (الشَّشْدَانِقِيُّ) إِلَى شَشْدانق لَقَب جدّه مُعرَّب شَشْدانه، وشَش بالفَتْح هُوَ السِّتَّة من الْأَعْدَاد ودانه: الحَبة (الخَزَيْمِيّ من وَلَد خُزَيْمة بنِ ثَابِت) الخُوارَزْميّ الشَّشْدانِقِيّ، سَمِع من جمَاعَة، وقُتِل بِظَاهِر خُوارَزْم فِي وَقعة فِي صَفَر سنة ثَمانِ عَشْرَة وخَمْسِمائة. (والإمامُ) أَبُو مكرم (مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ بنِ خُزَيْمة) السّلميّ النِّيسابُورِيّ، وأهلُ بلَدِهِ يُسَمُّونه إمامَ الْأَئِمَّة، حدَّث عَن إِسْحَاق بن راهَوَيْه وَعَلِيّ بن حجر، وَعلي بن خَشْرم، وَعنهُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عُدَيّ وجَماعة، وحَفِيدُه أَبو طَاهر محمدُ بنُ الفَضْل ابنِ مُحمَّد بن إِسْحَاق مُحدِّثٌ مَشْهُور.
(و) أَبو بَكْر (مُحَمَّدُ بنُ عَلِيّ بنِ مُحَمَّد بنِ عَلِيّ بنِ خُزَيْمة) النَّسَويّ العَطَّار، عَن جَدّهِ أَبِي عبد الرَّحْمن ابْن خُزَيْمة، وَعند ابنهُ الحَاكِم أَبُو الفَتْح سَعْدٌ، وسَعْد عَن شُيُوخ عبدِ الرَّحِيم بن السَّمْعانِيّ، وعليّ بن مُحَمَّد الخُزَيْميّ سَمِع سَرِيًّا السَّقْطِي، وَعنهُ العَبَّاسُ بنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيّ (الخُزَيْمِيَّانِ نِسْبَةٌ إِلَى جَدِّهِما) . أما نِسْبَة إِمَام الأَئِمَّة فَإلَى جَدّه الأَعْلَى خُزَيْمة بَطْن من سليم، وخُزَيْمة بن مَالك بن عبد الله بن أهيب بن عبد الله بن قُنفُذ بن مَالِك ابنِ عَوْف بنِ امرئِ القَيْس بن بُهْثَة ابْن سليم.
(وَكَزُبَيْرٍ: إِبْراهيمُ بنُ خُزَيْم) صَاحب عَبْد بن حُمَيْد الْكشِّي. (ومُحَمَّد بنُ خُزَيْم) شَيْخٌ لمحمدِ ابنِ مُحَمَّد بن الباغندي: (الشَّاشِيَّان: مُحَدِّثان) .
(وكَشَدَّاد: مُحَمَّد بنُ خَضْرِ بنِ خَزَّام. أَو) هُوَ (ابنُ أَبِي خَزَّام، سَمِع) أَبَا الْقَاسِم (البَغَوِيّ) . (و) مُخزَّمٌ (كَمُعَظَّمٍ: اسْم) ، مِنْهُم: شَيْبانُ بنُ مُخزَّم بن عَلِي، وعُقْبَةُ بنُ مُخزَّم شاعِرٌ إِسلامِيٌّ، ويزيدُ بنُ مُخَزَّم: أحدُ قُوَّاد الأسودِ العَنْسِيّ، ذكره سيفٌ فِي الفُتُوح.
(وكَجُهَيْنَةَ) خُزَيْمةُ (بنُ أَوْس) البُخارِيّ أَخُو مَسْعُود. قَالَ مُوسَى ابنُ عُقْبةَ: بَدْرِيّ، وَهُوَ أَبُو خُزَيْمة.
(و) خُزَيْمةُ (بنُ ثَابِت) بنِ الفَاكِه بنِ ثَعْلَبة الخَطْمِيّ أَبو عِمارة ذُو الشِّهادتَيْن، شَهِد أُحُدًا وَمَا بَعْدَها، وقُتِل مَعَ عَلِي. (و) خُزَيمةُ (بنُ حَكِيم) البهزّيّ السّلميّ لَهُ حَدِيث أرْسلهُ الزّهريّ. قُلْتُ: وَهُوَ صِهْر خَدِيجةَ أُمّ الْمُؤمنِينَ. (و) خُزَيْمَةُ (ابنُ جِزِيّ) السّلميّ نَزَل البَصْرة، لَهُ حَدِيث فِي الترّمذِيّ فِي الأَطْعِمة (و) خُزَيْمةُ (بنُ جَهْم) أحدُ مَنْ حَمَله النّجاشِيّ فِي السَّفِينة مَعَ عَمْرو ابنِ أُميَّة. (و) خُزَيْمةُ (بنُ الحَارِث) مِصْرِيٌّ، رَوَى عَنهُ يَزِيدُ بنُ أبي حَبِيب قَالَه ابنُ لَهِيعَة. (و) خُزَيْمةُ (ابْن خَزْمَة) بن عَدِيّ من القَواقِلة، شَهِد أُحُدًا. (و) خُزَيْمة (بنُ عَاصِم) بنهِ قَطَن العُكْلِيّ، وَفَد بِإِسْلَام قَوْمِه وَوَلِي صَدَقاتِهم. (و) خُزَيْمةُ (بن مَعْمَر) الأَنْصارِيّ الخَطْمِيّ، رَوَى عَنهُ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِر، وَقيل: عَن المُنْكَدِر. وَكَثُمامةَ: خُزامَةُ بنُ يَعْمُر اللَّيْثي) اخْتلف على الزُّهريّ فِيهِ، فَقيل: خُزَامة عَن أَبِيه (صحابِيُّون) رَضِي الله تَعالى عَنْهُم.
وَفَاته: خُزَيْمةُ بنُ عَبْد عَمْرو العصريّ، وخُزَيْمة بنُ عَمْرو، لَهما وِفادَةٌ.
(وابنُ أَبِي خُزامَة أَو أَبُو خُزَامَة بنُ خُزَيْمة شَيْخُ الزُّهْرِيّ) ، قَالَ الذَّهَبِيّ: أَبُو خُزَامة السَّعْدِيّ، رَوَى عَن الزُّهريّ، عَن ابنِ أَبِي خُزَامة، عَن أَبِيه فِي التَّدَاوِي والرُّقَى. وَفِي كتاب الكُنَى لِابْنِ المُهَنْدِس، وَهُوَ أَحَدُ شُيوخِ الذَّهبي مَا نصّه: أَبُو خُزامَةَ السَّعْدِيّ: أحدُ بَنِي الحَارِثِ ابنِ سَعْدِ بن هْزَيْم، لَهُ صُحْبَة، روى حديثَه الزُّهْرِيُّ، فَقيل: عَن ابْن أبي خُزامَة عَن أَبِيه فِي الرُّقَى، وَقد اختُلِف فِيهِ على الزُّهَرِيّ، فَقيل عَنهُ هَكَذَا، وَقيل عَنهُ عَنْ أَبِي خُزامة عَن أَبِيه.
(وخُزامَةُ بِنتُ جَهْمَة) هَكَذَا فِي النُّسخ، والصّوابُ: بنت جَهْم العَبْدَرِيَّة، وَيُقَال فِيهَا: خُزَيْمَة أَيْضا، وَهِي (صحابِيَّة) من مُهاجِرةِ الحَبَشة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
[] وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الخَزْماءُ: الناقةُ المَشْقُوقَة المَنْخِر، وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: " المَشْقُوقَة: الخِنَّابَةُ. وَقَالَ: والزَّخْماءُ: المُنْتنَة الرَّائِحَة.
قَالَ: والخُزْم " بِضَمَّتَين " الخَرّازُونَ ".
والمُخَازمة: المُعارَضَة.
ومَخْزُوم: أَبُو حَيٍّ من قُرَيش، وَهُوَ ابنُ يَقَظة بنِ مُرَّة بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَي بنِ غَالِب، نَقَله الجوهَرِيّ. وعَجِيبٌ من المُصَنِّف إغفالُه.
وَمَخْزُوم أَيْضا: قَبِيلةٌ من عَبْس، وَهُوَ ابنُ مالِك بنِ غَالِب بن قُطَيْعَةَ بنِ عَبْس، مِنْهُم خالِد بنُ سِنانِ بنِ غَيْثِ بن مُرَيْطَةَ بنِ مَخْزُوم، قيل: إِنَّه نَبِيّ، [
] ، وعَلى نَبِيّنا أًفْضلُ الصّلاة وَالسَّلَام.
وخَزَم أنفَه، أَي: ذَلَّلَه.
وَمَا هُم إِلاّ كالأَنْعام المُخَزَّمة، أَي: حَمْقَى. وَهُوَ مَجازٌ.
وتَخازَم الجَيْشان: تَعارَضا.
ولَقِيتُه خِزاماً أَي: وِجاهاً.
وَمن المَجاز أَيْضا: أَعْطَى القرآنَ خزائِمَه، وهم من حَدِيثِ أبي الدَّرْدَاءِ: " اقرأْ عَلَيْهِم السَّلام، ومُرْهُم أَن يُعْطُوا القرآنَ بخزائِمِهِم ". قَالَ ابنُ الأَثِير: هِيَ جَمْع خِزامة، يُرِيد بهَا الانْقِيادَ لحُكْم القُران.
وكَشَدَّاد: خَزَّام مَوْلَى المُعْتَصِم، لَهُ ذِكْر فِي دَوْلَته. قَالَ الحافِظُ: هكَذا رأيتُه مَضْبُوطًا بخَطّ أبي يَعْقُوبَ النَّجِيرَمِيّ.
والخُزامُ، كَغُرابٍ: لَقَب الشَّيْخ أبِي العَبَّاس أحمدَ مُقرئِ الجَنائز، مَاتَ سنة إِحْدى وعِشْرين وسَبْعِمائة.
وَمن المُحَدِّثين خازِمُ بنُ الحُسَيْن أَبُو إِسْحَاق الحُمَيْسِيّ.
وَأَبُو خَازِم عبدُ الرَّحْمن بن خَازِم، عَن مُجاهدِ.
وعبدُ الله بنُ خَازِم النًّهْشَلِيّ الدّارِمِيّ، لَهُ ذكر.
وَأَبُو خَازِم: سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيد شَيْخٌ لِقُبَّيْطَةَ الحافِظ.
وخاَزِمُ بنُ مُرّة الإراشِيّ كُوفِيٌّ تابِعِيٌّ مُخْتَلَف فِيهِ. فيُقالُ بالحَاء أَيْضا.
وخازِمُ بنُ عبد الله بن خُزَيْمة العابِدُ، ورُبَّما نُسِب إِلَى جَدّه، عَن خُلَيْد بنِ حَسَّان.
وَأَبُو خَازِم باشِرٌ شَيْخ لمُعَلَّى بنِ أَسَد.
وَأَبُو خَازَم مَيْسَرَةُ بنُ حَبِيب.
وَأَبُو خازِم المُعَلَّى بنُ سَعِيد سَمِع مِنْهُ عَبدُ الغَنِي الأَزْدِيّ.
وهُشَيمُ بنُ أَبِي خَازِم، واسمُه بَشِير.
وعَبدُ الله بنُ خَازِم بنِ أَسْماء بنِ الصَّلْت أَبُو صَالِح السّلمي أَمِيرُ خُرَاسَان بَطَلَ مَشْهور، جَرَت لَهُ حُروبٌ كَثِيرة، يُقَال لَهُ صُحْبة.
وَوَلَدُه مُوسَى بنُ عَبد اللهُّ، وَلِي خُراسان أَيْضا، وَله شِعْر فِي أخِيه مُحَمّد لَمَّا قُتِل. وَأَخُوهُما عَنْبَسَةُ، استَخْلفَه أَبوه على مَرْوَ.
وإخوَتُهم: سُلَيْمان، وخَازِمٌ، ونُوحٌ، لَهُم ذِكْر، وسَلَمَةُ والنَّضْر وَلَدَا سُلَيْمان المَذْكُور، لَهُما ذِكْر فِي الفُتُوح أَيْضا عِنْد أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ أَبُو سَعْد المَالِينِيُّ: سَمِعتُ أَبَا عبدَ الله أحمدَ بنَ مُحَمَّد بن خَازِم اْبنِ مُحمّد بنِ حَمْدان بنِ مُحَمّد بنِ خَازِم بن عبد الله بن خازِم الحَرَقي بخَرَق يَقُول: سمعتُ أبي أَبَا قَطَن مُحَمَّد بن خازِم يَقُول عَن أَبِيه خَازِم اْبنِ مُحَمَّد الخَرَقِيّ وأحمَدَ بنِ مُحَمَّد الخَرَقِيّ كِلاهُما عَن جَدّه محمدِبن حَمْدَانَ الخَرَقِيّ، عَن أَبِيه، عَن جَدّه محمدِ بن خازِم أَنَّه سَمِع محمدَ بن قَطَن الخَرَقِيَّ - وَكَانَ وَصِيّ عبد الله اْبن خازِم - قَالَ: كانَ لعَبْدِ الله بنِ خازم عِمامةٌ سَوْداءُ، فكانَ يلبَسُها فِي الأَعْيادِ، ويَقُولُ: كَسانِيها رَسُولُ اللهِ [
] .
قُلتُ: وَأَبُو جَعْفر محمدُ بنُ جَعْفر الخَازِميّ الَّذِي ذَكَره المصنّف هُوَ من أولادِ محمدِ بنِ خازِم بن عبدِ اللهِ هَذَا.
وخازِمُ بنُ الْقَاسِم البَصْرِي.
وخازِمُ بنُ أبي خَازِم، عَن عَبدِ الرَّحْمنِ بنِ أَبي لَيْلَى، وَقيل فِيهِ: خَالِدُ بنُ الحَارِث بنِ أبي خَازِم.
وَأَبُو خُزَيْمةَ خازِمُ بن خَزِيمةَ البَصْرِيّ، عَن مُجاهِد، وَعنهُ يَحْيَى اْبنُ عَبدِ اللهِ بنِ سَالم.
وخازِمُ بن إِسْحَاق بنِ مُجاهِد الحَنْظَلِي النَّحويّ صاحبُ " إِعْرَاب القرآنِ "، سَمِع أَبَا حَنِيفة، وحَدَّث عَن أبي حَمْزة السَّكريّ. ذكره غُنْجار فِي تارِيخ بُخارى.
والحُسَينُ بنُ خَازِم المَعافِريّ شَيخٌ للواقِدِيّ.
وخازِمُ بن سِماك بنِ مُوسَى بنِ سِماك الضَّبِّيّ، عَن أَبيه، وَعنهُ القاسِمُ بن يَعْلَى.
وخازِمُ بنُ يَحْيَى الحَلَوانِي أَخُو أَحْمد، رَوَى عَن ابنِ أبي السّريّ.
وَأَبُو خَازِم: بَزيعٌ الكوفيّ، عَن الضّحّاك بنِ مُزاحِم.
وَأَبُو خازِم: خُزَيْمةُ بنُ مَيْسَرةَ، كَنّاهُ أَبُو عُرُوبَة.
وَأَبُو خَازِم: إِسْمَاعِيلُ بنُ يزيدَ البَصْرِيّ، عَن هِشام بنِ يُوسُفَ الصَّنْعانيّ.
وعِيسَى بنُ خَازِم، عَن إِبْرَاهِيم بن أَدْهَم.
وإبراهيمُ بنُ خَازِم بنِ مَسْلَمَةَ الفَرّاء، عَن مُحَمَّد بنِ النَّضْر الحارِثِيّ.
وعبدُ الله بنُ خَازِم، عَن يحيى بن زَكَرِيا بن أبي زَائِدَة، وَعنهُ محمدُ بنُ يَحْيى الذُّهْلِي.
وعبدُ الرَّحِيم بنُ خَازِم البَلْخِيّ، عَن مَكّيّ بن إِبْرَاهِيم، وَعنهُ أحمدُ بنُ عليّ الأَبَّار.
وَأَبُو طَاهِر أحمدُ بنُ نَصْر بن خازم البِيكَنْدِيّ، عَن القَعْنَبِي وطَبَقَتِه. وسُلَيْمانُ بنُ فَرِينَامَ بن خازِم البُخارِي، عَن مُقاتِل بن عتاب البُخارِيّ، وَعنهُ ابنُه أَبُو حَامِد أَحْمد، وَكَانَ أَبُو حَامِد هَذَا مُحَدِّثاً مُكْثِراً، روى عَنهُ حَفِيدُه عَبْدُ الرَّحْمن بنُ مُحَمَّد بنِ أَحْمد، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وثلثمائة.
ومحمدُ بنُ خُزَيْمةَ بنِ خَازِم بنِ مُوسَى بنِ خَازِم بنِ سُلَيْمان بن حَنْظَلة الفَقِيه الحَنْظَلِيّ، عَن حُمِ اْبنِ نُوح، وَعنهُ أحمدُ بنُ أَحْيَد البُخارِيّ شَيْخُ غُنْجَار. وإِبراهيمُ بنُ عُجَيْف بنِ خَازِم البُخارِيّ، عَن أَسْبَاط بن اليَسَع.
ومُوسَى بنُ خَازِم الأصبَهَانِيّ شَيْخٌ للطَّبرانِيّ.
ويَعْقُوبُ بنُ يُوسُف بن خازم الطّحّان البَغْدادِيّ شيخٌ لابنِ قَانِع.
وإِسماعيلُ بنُ يَحْيى بنِ خَازِم النَّيْسَابُورِي مُحَدِّث مُكْثِر، رَوَى عَنهُ اْبنُ الشّرفي، وولدُه أَبُو الفَضْل أحمدُ بنُ إِسماعيل، سَمِع مِنْهُ الحاكِمُ.
ومحمدُ بنُ عبد الله بن خَازِم الدّامَغَانِيّ، عَن محمدِ بنِ دَاودَ الضّبِّيّ.
وحاتِمُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمود بن عَفّان بنِ خازِم بن سعيد الكِنْدِيّ الصَّيْرفِي البُخارِيّ، عَن الذُّهْلِي. مَاتَ سنة أربعَ عَشْرة وَثَلثِمائة.
وأحمدُ بنُ مُحَمَّد بنِ إبراهيمَ بنِ إسحاقَ بنِ خَازِم السَّمَرْقَنْدِيّ، عَن محمدِ بنِ نَصْر المَرْوَزِيّ.
وَالْقَاضِي أَبُو تَمّام عَلِيُّ بنُ أبي خازم مُحَمَّد الواسِطِيّ، عَن أبي الحَسَن محمدِ بن المُظَفَّر.
والحَسَنُ بنُ خَازِمٍ الأَنْماطِيّ، ذكره ابنُ يُونُسَ فِي تَارِيخه.
وبِشْرُ بنُ أَبِي خَازِم: شاعرٌ مَعْروف من بَنِي أَسَد.
وَأَبُو خَازِم أحمدُ بنُ مُحَمَّد بنِ عَلِي الطَّرِيقِيّ، عَن يُوسُفَ بنِ مُحَمَّد بن خشان الرّيْحاني المُقْرِئ الوَرَّاق، وَعنهُ محمدُ بنُ عبد الرَّحْمن العَلَوِيّ.
وَأَبُو خَازِم محمدُ بنُ عَلِي بن الحَسَن الوشاء، عَن زَيْدِ بنِ مُحَمَّد اْبن جَعْفَر، وَعنهُ حَفِيدُه أَبُو الحُسَين محمدُ بنُ محمدِ بنِ محمدِ اْبنِ أبي خَازِم.
ومحمدُ ومحمدُ اْبنا مُحَمَّد بن عِيسَى بنِ خَازِم الحَذّاء، حَدَّثا عَن عَلِيّ بنِ عَبْدِ الرَّحْمن بن السَّرِيّ.
والحُسَيْنُ بنُ أَبِي خَازِم مُحَمَّد بن الحُسَين بنِ عليّ بنِ مُحَمّدِ بن الحُسَين بنِ يَزْداد العَبْدِي الواسِطِيّ، عَن أبي الحَسَن بنِ عبد السَّلامِ، وَعنهُ الدُّبَيْثِيُّ.
والخازِمِيَّة: طائِفَة من الخَوَارج يُكَفِّرون عَلِيًّا وعُثمانَ رَضِي الله تَعالى عنْهُما، ولُعِن مَنْ كَفَّرَهما. وأبوا الفَتْح مُحَمَّدُ بنُ محمدِ بنِ عَلِي الفرادي الخُزَيْمِيّ الوَاعِظ، عَن أَبِي القاسِم القُشَيْرِي، مَاتَ بالرّيّ سنة أربَعَ عَشْرة وَخَمْسِمِائة.

غَنِي

(غَنِي)
فلَان غنى وغناء كثر مَاله فَهُوَ غان وغني وَعَن الشَّيْء لم يحْتَج إِلَيْهِ وَالْمَكَان عمر وبالمكان أَقَامَ فِيهِ وَالْقَوْم فِي دِيَارهمْ طَال مقامهم فِيهَا وَيُقَال غنيت لَك مني بالمودة وَالْبر أَي بقيت وَالْمَرْأَة بزوجها غنى وغنيانا استغنت بِهِ
غَنِي
: (ي ( {الغِنَى، كإِلَى: التَّزْوِيجُ) ، وَمِنْه قوْلُهم: الغِنَى حِصْنٌ للعَزَبِ؛ نقلَهُ الأزْهرِي.
(و) الغِنَى: (ضِدُّ الفَقْرِ) ؛) وَهُوَ على ضَرْبَيْن: أَحَدُهما: ارْتِفاعُ الحاجاتِ وليسَ ذلكَ إلاَّ للهِ تَعَالَى؛ وَالثَّانِي: قلَّةُ الحاجاتِ، وَهُوَ المُشارُ إِلَيْهِ بقوْلِه تَعَالَى: {وَوَجَدَك عائِلاً} فأَغْنَى} ، (وَإِذا فُتِحَ مُدَّ) ؛) وَمِنْه قولُ الشَّاعرِ:
سَيُغْنِيني الَّذِي {أَغْناكَ عني
فَلَا فَقْرٌ يدُومُ وَلَا} غِناءُ يُرْوَى بفَتْحٍ وكسْرٍ، فَمن كَسَرَ أَرادَ مَصْدَرَ {غانَيْت} غناءٌ، ومَنْ فَتَحَ أَرادَ الغِنَى نَفْسَه، وقيلَ: إنَّما وَجْهُه وَلَا غَناءَ لأنَّ! الغَناءَ غيرُ خارِجٍ عَن مَعْنى الغِنَى؛ قالَهُ ابنُ سِيدَه.
فَلَا عبْرَة بإنْكارِ شيْخنا على المصنِّف فِي إيرادِ المَفْتوحِ المَمْدُودِ بمعْنَى المَكْسُورِ المَقْصور. ( {غَنِيَ) بِهِ، كرَضِيَ، (} غِنًى) ، بالكَسْرِ مَقْصورٌ، ( {واسْتَغْنَى} واغْتَنَى {وتغَانَى} وتَغَنَّى) :) كُلُّ ذلكَ بمعْنَى صارَ {غَنِيًّا، فَهُوَ} غَنِيٌّ {ومُسْتَغْنٍ.
وشاهِدُ} الاسْتِغْناءِ قوْلُه تَعَالَى: { {واسْتغْنَى الله؛ واللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} . وشاهِدُ} التَّغَنِّي الحديثُ: (ليسَ مِنَّا مَنْ لَمْ {يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ) .
قالَ الأزْهرِي: قالَ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَة: مَعْناه مَنْ لم} يسَتَغْنِ وَلم يَذْهَبْ بِهِ إِلَى مَعْنَى الصَّوْت.
قالَ أَبو عُبيدٍ: هُوَ فاشٍ فِي كَلامِ العَرَبِ، يَقُولُونَ: {تَغَنَّيْت} تَغَنِّياً {وتَغانَيْتُ} تَغانِياً بمعْنَى {اسْتَغْنَيْت؛ وقالَ الأعْشى:
وكُنْتُ امْرَأً زَمَناً بالعِراقِ
عَفِيفَ المُناخِ طَوِيلَ} التَّغَنْ أَي {الاسْتغْنَاء.
(واسْتَغْنَى اللهَ تَعَالَى: سَأَلَه أَنْ} يُغْنِيَه) ، وَمِنْه الدُّعاءُ: اللَّهُمَّ إِنِّي {أَسْتَغْنِيك عَن كلِّ حازِمٍ، وأَسْتَعِينُكَ.
(} وغَنَّاهُ اللهُ تَعَالَى) ؛) هُوَ بالتَّشْدِيدِ كَمَا هُوَ ضَبْطُ المُحْكم؛ ( {وأَغْناهُ) حَتَّى غَنِيَ: صارَ ذَا مالٍ؛ وَمِنْه قوْلُه تَعَالَى: {وأَنَّه هُوَ} أَغْنَى وأَقْنَى} .
وقيلَ {غَنَّاهُ فِي الدُّعاءِ} وأَغْناهُ فِي الخَبَرِ؛ (والاسْمُ {الغُنْيَةُ، بالضمِّ والكَسْر، والغُنْوَةُ) ؛) هَذِه عَن الكِسائي وَقد مَرَّ؛ (} والغُنْيانُ مَضْمُومَتينِ.
( {والغَنِيُّ) ، على فَعِيلٍ: (ذُو الوَفْرِ) ، أَي المَالِ الكَثِيرِ، والجَمْعُ} أَغْنياءُ، وَهُوَ فِي القُرْآن والسُّنَّة كَثيرٌ مُفْرداً وجَمْعاً؛ ( {كالغانِي) ؛) وَمِنْه قولُ عَقِيل بن عَلْقمة:
أَرَى المالَ يَغْشى ذَا الوُصُومِ فَلَا تُرى
ويُدْعى من الأَشْرافِ مَا كانَ} غانِيا وقالَ طَرَفَةُ:
فإنْ كنتَ عَنْهَا غانِياً {فاغْنَ وازْددِ (وَمَا لَهُ عَنهُ غِنًى) ، بالكسْر، (وَلَا} مَغْنًى وَلَا {غُنْيَةٌ وَلَا} غُنْيانٌ، مَضْمُومتينِ) ؛) أَي (بُدٌّ.
( {والغانِيَةُ) مِن النِّساءِ (المرأةُ الَّتِي تُطْلَبُ) هِيَ، أَي يَطْلُبُها النَّاسُ، (وَلَا تَطْلُبُ، أَو) هِيَ (} الغَنِيَّةُ بحُسْنِها) وجَمالِها (عَن الِّزينةِ) بالحَلْي والحُلَلِ؛ (أَو الَّتِي {غَنِيَتْ) ، أَي أَقامَتْ (ببَيْتِ أَبَوَيْها وَلم يَقَعْ عَلَيْهَا سِباءٌ) ؛) هَذِه أَغْرَبُها، وَهِي عَن ابنِ جنِّيَ (أَو) هِيَ (الشابّةُ العَفيفةُ ذاتُ زَوْجٍ ام لَا؛) هَذِه أَرْبَعةُ أَقْوالٍ، ذَكَرهنَّ ابنُ سِيدَه.
وقالَ الأزْهرِي: وقيلَ: هِيَ الَّتِي تعجبُ الرِّجالَ ويعجبُها الشُّبّانُ.
وقالَ الجَوْهرِي: هِيَ الَّتِي غَنِيَتْ بزَوْجِها؛ وأَنْشَدَ لجميلٍ:
أُحبُّ الأَيامَى إذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ
وأَحْبَبْتُ لمَّا أَن غَنِيتِ} الغَوانِيا قالَ: وَقد تكونُ الَّتِي غَنِيَتْ بحُسْنِها وجَمالِها، واقْتَصَرَ على هذَيْن القَوْلَيْن؛ (ج {غَوانٍ) ؛) وقولُ الشَّاعرِ:
وأَخُو} الغَوَانِ مَتى يَشَأْ يَصْرِمْنَهُ
ويَعُدْنَ أَعْداءً بُعَيْدَ ودادِه أَرادَ {الغَوانِي فحَذَفَ تَشْبيهاً للامِ المَعْرِفةِ بالتَّنْوينِ من حيثُ كانَتْ هَذِه الأشْياءُ من خَواصِّ الأسْماءِ.
قالَ الجَوْهرِي: وأَمَّا قولُ ابنُ الرّقَيَّات:
لَا بارَكَ اللهُ فِي الغَوانِي هَلْ
يُصْبِحْنَ إلاَّ لَهُنَّ مُطَّلَبُ؟ فإنَّما حرَّكَ الياءَ بالكَسْر للضَّرُورَةِ ورَدَّه إِلَى أَصْلِه، وجائِزٌ فِي الشِّعْرِ أَن يُرَدَّ إِلَى أصْلِه.
(وَقد غَنِيَتْ، كرَضِيَ) غِنًى. (و) يقالُ: (} أَغْنَى عَنهُ {غَناءَ فُلانٍ) ، كسَحابٍ، (} ومَغْناهُ {ومَغْناتَهُ، ويُضمَّانِ) ؛) أَي (نابَ عَنهُ) ؛) كَمَا فِي المُحْكم.
(و) فِي التَّهذيبِ والصِّحاح: أَي (أَجْزَأَ) عنْكَ (مُجْزَأَهُ) وَمَجْزَأَهُ ومُجْزَاتَه.
وقالَ الَّراغبُ: أَغْنَى عَنهُ كَذَا إِذا كَفَاهُ، وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عنِّي ماليه} ، و {لن} تُغْنِي عَنْهُم أَمْوالُهم} .
وحَكَى الأزْهرِي: مَا أَغْنَى فلَان شَيْئا بالعَيْن والغَيْن: أَي لم يَنْفَع فِي مُهمَ وَلم يكْفَ مُؤْنَةً.
وقالَ أَيْضاً: {الغَناءُ، كسَحابٍ: الإجْزاءُ. ورجُلٌ} مُغْنٍ: أَي مُجْزٍ كافٍ وسَمِعْتُ بعضَهم يُؤَنِّبُ عَبْدَه ويقولُ: أَغْنِ عنِّي وَجْهَكَ بل شَرَّكَ، أَي اكْفِنِي شَرَّكَ وكُفَّ عنِّي شَرَّك؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {شَأْنٌ! يُغْنِيه} ، أَي يَكْفِيه شُغْلُ نَفْسِه عَن شُغْلِ غيرِهِ.
(و) يقالُ: (مَا فِيهِ غَناءُ ذَاك) :) أَي (إقامَتُه، والاضْطِلاعُ بِهِ) ؛) نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
(و) غَنِيَ بالمَكانِ، (كَرَضِيَ: أَقام) بِهِ غِنًى.
وَفِي التَّهذيبِ؛ غَنِيَ القوْمُ فِي دارِهِم: إِذا طالَ مُقامُهم فِيهَا.
وقالَ الراغبُ: غَنِيَ فِي مَكانِ كَذَا، إِذا طالَ مُقامُه {مُسْتَغْنِياً بِهِ عَن غيرِهِ، وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {كأَنْ لم} يَغْنَوْا فِيهَا} ، أَي لم يُقِيموا فِيهَا.
(و) غَنِيَ: أَي (عاشَ) ، نقلَهُ الجَوْهرِي.
(و) غَنِيَ: (لَقِيَ) ، هَكَذَا فِي النُّسخِ ولعلَّه بَقِيَ وسيَأْتي قرِيباً مَا يُحقِّقُه.
( {والمَغْنَى: المَنْزِلُ الَّذِي غَنِيَ بِهِ أَهْلُه ثمَّ ظَعَنُوا) عَنهُ.
قالَ الَّراغبُ يكونُ للمَصْدرِ والمَكانِ، والجَمْعُ} المغَانِي.
(أَو عامٌّ) ، أَي فِي مُطْلقِ المَنْزلِ، وكأَنَّه اسْتِعْمالٌ ثانٍ.
( {وغَنِيتُ لكَ مِنِّي بالموَدَّةِ) والبِرِّ: أَي (بَقِيْتُ) ؛) نقلَهُ ابنُ سِيدَه؛ وَهَذَا يُحقِّقُ مَا تقدَّمَ من قوْلِه:} وغَنِيَ بَقِيَ (و) قولُ الشَّاعِرِ:
(غَنِيَتْ دارُنا تِهامَةَفي الدَّهَرِ وفيهَا بَنُو مَعَدِّ حُلُولاأَي (كانَتْ) ؛) وَمِنْه قولُ ابنِ مُقْبِل:
أَأُمَّ تَمِيمٍ إِن تَرَيْنِي عَدُوُّكُم
وبَيْتِي فقد أَغْنى الحبيبَ المُصافِياأَي أَكونُ الحَبيبَ.
وقالَ الأزْهرِي: يقالُ للشَّيْء إِذا فَنِيَ كأَنْ لم {يَغْنَ بالأمْسِ، أَي كأَنْ لم يَكُنْ.
(و) } غَنِيَتِ (المرْأَةُ بزَوْجِها {غُنْياناً) ، بالضَّمِّ، وغِنَاءً: (} اسْتَغْنَتْ) بهِ؛ وَمِنْه اشْتِقاقُ! الغانِيَةِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِي لقيْس ابْن الخَطِيم: أَجَدَّ بعَمْرة {غُنْيانُها
فتَهْجُرَ أَمْ شانُنا شانُها؟ (} والغِناءُ، ككِساءٍ؛ من الصَّوْتِ: مَا طُرِّبَ بِهِ) ؛) قالَ حُمَيْدُ بنُ ثَوْر:
وعَجِبْتُ بِهِ أَنَّى يكونُ {غِناؤُها وَفِي الصِّحاح:} الغِناءُ، بالكسْرِ، من السماعِ.
وَفِي النِّهايةِ: هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ وموالاته.
وَفِي المِصْباح: وقيِاسُه الضَّم لأنَّه صَوْتٌ.
(و) {الغَناءُ، (كسَماءٍ: رَمْلٌ) بعَيْنِه؛ هَكَذَا ضَبَطَه الأزْهرِي؛ وأَنْشَدَ لذِي الرُّمَّة:
تَنَطَّقْنَ من رمْلِ الغَناءِ وعُلِّقَتْ
بأَعْناقِ أُدْمانِ الظِّباءِ القَلائِدُأَي اتَّخَذْنَ من رَمْلِ الغَناءِ أَعْجازاً كالكُثْبانِ، وكأَنَّ أَعْناقَهُنَّ أعْناقُ الظِّباءِ. وَهُوَ فِي كتابِ المُحْكم بالكَسْر مَعَ المدِّ مَضْبوطٌ بالقَلَمِ؛ وأَنْشَدَ للرَّاعي:
لَهَا خُصُورٌ وأَعْجازٌ يَنُوءُ بهَا
رَمْلُ الغِنَاءِ وأَعْلَى مَتْنِها رُودُ (} وغَنَّاهُ الشِّعْرَ، و) {غَنَّى (بِهِ} تَغْنِيَةً) و ( {تَغَنَّى بِهِ) بمعْنًى واحِدٍ؛ قالَ الشاعرُ:
} تَغَنَّ بالشِّعْرِ إِمَّا كنتَ قائِلَه
إنَّ الغِناءَ بِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمارُأَي: إنَّ {التَّغَنِّي، فوَضَعَ الاسْمَ مَوْضِعَ المَصْدرِ. وَعَلِيهِ حُمِلَ قوْلُه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كَإِذْنِهِ لنَبيَ أَن} يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ) ، قالَ الأزْهرِي: أَخْبَرنِي عبدُ الملِكِ البَغَوي عَن الرَّبيعِ عَن الشافِعِي أَنَّ مَعْناه تَحْزِينُ القِراءَةِ وتَرْقِيقُها؛ ويَشْهَدُ لَهُ الحديثُ الآخَرُ: (زَيِّنُوا القُرْآنَ بأصْوَاتِكُم) ، وَبِه قالَ أَبو عُبيدٍ.
وقالَ أَبُو العبَّاس: الَّذِي حَصَّلْناه من حُفَّاظ اللغَةِ فِي هَذَا الحديثِ أَنَّه بمعْنَى الاسْتِغْناءِ، وبمعْنَى التَّطْرِيبِ.
وَفِي النِّهَايَة: قالَ ابنُ الأعْرابي كانتِ العَرَبُ {تَتَغَنَّى بالرُّكْبانِ إِذا رَكِبَتِ، وَإِذا جَلَسَتْ، فَأَحَبَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكونَ هِجِّيرَاهُم بالقُرآنِ مكانَ التَّغنِّي بالرُّكْبانِ.
(و) } غَنَّى (بالمرْأَةِ: تَغَزَّلَ) بهَا، أَي ذَكَرَها فِي شِعْرِه؛ قالَ الشاعرُ:
أَلا {غَنِّنا بالزَّاهِرِيَّة إنَّني
على النَّأْي ممَّا أَن أُلِمَّ بهَا ذِكْرَا (و) غَنَّى (بزَيْدٍ: مَدَحَهُ، أَو هَجَاهُ،} كتَغَنَّى فيهمَا) ، أَي فِي المدْحِ والهَجْوِ؛ ويُرْوَى أَنَّ بعضَ بَني كُلَيْب قالَ لجريرٍ: هَذَا غَسَّانُ السَّلِيطِي {يَتغَنَّى بِنَا أَي يَهْجُونا؛ قالَ جريرٌ:
غَضِبْتُم علينا أَمْ} تَغَنَّيْتُم بِنَا
أَنِ اخْضَرَّ من بَطْنِ التِّلاعِ غَمِيرُهاقالَ ابنُ سِيدَه: وعنْدِي أنَّ الغَزَلَ والمَدْحَ والهِجاءَ إنَّما يقالُ فِي كلِّ واحِدٍ مِنْهَا {غَنَّيْت} وتَغَنّيْت بَعْدَ أَن يُلَحَّنَ! فيُغَنَّى بِهِ.
(و) غَنَّى (الحَمامُ: صَوَّتَ) ، قالَ القُطامي: خلا أَنَّهَا لَيست {تغنى حمامة
على سَاقهَا إلاّ ادَّكرتَ ربابا (وبَيْنَهُم} أُغْنِيَّةٌ كأُثْفِيَّةٍ) ، وَعَلِيهِ اقْتَصَرَ الجَوْهرِي، (ويُخَفَّفُ) ، عَن ابنِ سِيدَه، قالَ: وليسَتْ بالقَوِيَّة إِذْ ليسَ فِي الكَلامِ أُفْعُله إلاَّ أُسْنُمة، فيمَنْ رَواهُ بالضمِّ.
قُلْت: الضمُّ فِي أُسْنُمة رُوِيَ عَن ثَعْلب وابنِ الأعْرابي، وَقد ذُكِرَ فِي محلِّه. (ويُكْسَرانِ) ؛) نقلَهُ الصَّاغاني عَن الفرَّاء: (نَوْعٌ من الغِناءِ) ، يَتَغَنّونَ بِهِ؛ والجمْعُ {الأغاني؛ وَبِه سَمَّى أَبو الفَرَج الأصْبَهاني كتابَهُ لاشْتِمالِه على تَلاحِين الغِناءِ، وَهُوَ كِتابٌ جليلٌ اسْتَفَدْتُ مِنْهُ كثيرا.
(} وتَغانَوْا: {اسْتَغْنَى بعضُهم عَن بعضٍ) ؛) وأَنْشَدَ الجَوْهَرِي للمُغِيرَة بنِ حَبْناء التَمِيمِي:
كِلانا} غَنِيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَه
ونَحْنُ اإذا مُتْنا أَشَدُّ {تَغانِيَا (} والأَغْناءُ) ، بالفَتْح: (إمْلاكاتُ العَرائِس) ؛) نقلَهُ الأزْهرِي.
(ومَكانُ كَذَا غَنًى من فُلانٍ) ، بالفَتْح مَقْصورٌ، ( {ومَغْنًى مِنْهُ: أَي مَئِنَّةٌ) ، مِنْهُ.
(} وغَنِيٌّ) ، على فَعِيلٍ: (حَيٌّ من غَطَفانَ) ؛) كَذَا فِي الصِّحاحِ؛ والنِّسْبَةُ إِلَيْهِ! غَنَوِيٌّ، محرَّكةً.
قالَ شيْخنا: وَقد اغْتَرَّ المصنِّفُ بالجَوْهرِي، وَالَّذِي ذكَرَه أَئِمَّة الأنْسابِ أنَّه غَنِيُّ بنُ أَعْصر، وأَعْصر هُوَ ابنُ سعْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَيْلان، وغَطَفانُ بنُ سعْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَيْلان، كَمَا قالَه الجَوْهرِي نَفْسُه، فأَعْصر أَخُو غَطَفان، وباهِلَةُ وغَنِيُّ ابْنا أَعْصر، فليسَ غَنِيٌّ حيًّا من غَطَفان كَمَا توهَّم المصنِّفُ تَقْليداً.
قُلْت: هُوَ كَمَا ذَكَر، فإنَّ سِياقَهم يدلُّ على أنَّ غَطَفانَ عَمُّ غَنِيَ، وَقد يُجابُ عَن الجَوْهرِي والمصنِّفِ أنَّه قد يُعْتَزى الرَّجُل إِلَى عَمِّه فِي النّسَبِ، وَله شواهِدُ كَثِيرَةٌ فِي النّسَبِ مَعَ تأمُّلٍ فِي ذلكَ.
(وسَمَّوْا {غُنَيَّةَ} وغُنَيًّا، كسُمَيَّةَ وسُمَيَ) .) أَمَّا الأوَّل فَلم أَجِدْ لَهُ ذِكْراً فِي الأسْماءِ، وضَبَطَه الصَّاغاني على فعِيلة. وأَمَّا الثَّاني فمُشْتركٌ بينَ أَسْماءِ الرِّجالِ والنِّساء، فَمن الرِّجال: {غُنَيُّ بنُ أَبي حازِمٍ الذُّهْلي سَمِعَ ابنَ عُمَر؛ وناصِرُ بنُ مَهْدي بنِ نَصْر بنِ غُنَيَ عَن عَبْدان الطَّائي عَن عليِّ بنِ شعيبٍ الدهَّان وَعنهُ السَّلَفي ومِن النِّساء: غُنَيُّ بنْتُ شَيْبان زوْجُ مَخْزوم بنِ يَقَظَة؛} وغُنَيُّ بنْتُ مُنْقذِ بنِ عَمْرو؛ وغُنَيُّ بِنْتُ عَمْرِو بنِ جابِرٍ؛ وغُنَيُّ بنْتُ حَرَّاق.
( {وتغَنَّيتُ:} اسْتَغْنَيْتُ) ، وَهَذَا قد تقدَّمَ فِي أَوَّلِ سِياقِه فَهُوَ تِكْرارٌ.
وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
{تَغَنَّى الحَمامُ: مثْلُ} غَنَّى؛ قالَ الشاعرُ فجَمَعَ بينَ اللغتينِ:
أَلا قاتَلَ اللهُ الحَمامَةَ غدْوَةً
على الغُصْنِ مَاذَا هَيَّجَتْ حينَ {غَنَّت ِتَغَنَّتْ بصَوْتٍ أَعْجميَ فهَيَّجَتْ
هَوايَ الَّذِي كانتْ ضُلوعي أَجَنَّت ِوقيل: سُمِّي} المُغَنَّي مُغَنِّياً لأنَّه {يَتَغَنَّن؛ وأُبْدِلَتِ النونُ الثانِيَة؛ كَذَا ذَكَرَه ابنُ هِشَام فِي النونِ المُفْردَةِ من} المُغْنِي عنِ ابنِ يَعِيش؛ ونقلَهُ شيْخُنا، وَعَلِيهِ فموْضِعُه النُّون.
{وغَنِيُّ بنُ الحارِثِ، على فَعِيلٍ، عَن حاتِمِ الأصَمّ.
} والغَنِيُّ فِي أَسْماءِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَحْتاجُ إِلَى أَحَدٍ فِي شيءٍ.
{والمُغْنِي: الَّذِي} يُغْنِي مَنْ يَشاءُ من عِــبادِه.
وَفِي حديثِ الصَّدقَةِ: (مَا كانَ عَن ظَهْرِ غِنًى) ، أَي مَا فَضَل عَن قُوتِ العِيالِ وكِفايتِهِمْ.
{وغَنِيَّةُ بنْتُ رضى الجُذاميَّةُ، على فَعِيلةٍ، رَوَتْ عَن عائِشَة، وعنها حَوْشَبُ بنُ عقيلٍ.
وحُمَيْدُ بنُ أَبي} غنيَّة عَن الشَّعْبِي، وابْنُه عبْدُ المَلِكِ وَقد يُنْسَبُ إِلَى جدِّه عَن أَبي إسْحاق السُّبَيْعي، وَعنهُ ابْنُه يَحْيى، وثَلاثَتُهم ثِقات.
وغَنِيَّةُ بنتُ أَبي إهابِ بنِ عَزيزِ بنِ قيْسِ بنِ سُويدٍ الدَّارمي.
وغَنِيَّةُ بنْتُ سمْعَان العَدَوِيَّة، عَن أمِّ حَبِيبَةَ، قَيَّدَها ابنُ نُقْطَة.

نعْبد

نعْبد: قَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي الكشكول ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وُجُوهًا عديدة للإتيان بنُون الْجمع وَالْمقَام مقَام الانكسار والمتكلم وَاحِد. وَمن جيد تِلْكَ الْوُجُوه مَا أوردهُ الإِمَام الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير الْكَبِير - وَحَاصِله أَنه قد ورد فِي الشَّرِيعَة المطهرة إِن بَاعَ أجناسا مُخْتَلفَة صَفْقَة ثمَّ خرج بَعْضهَا معيبا فَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بَين رد الْجَمِيع وإمساكه وَلَيْسَ لَهُ تبعيض الصَّفْقَة برد الْمَعِيب وإبقاء السَّلِيم وَهَا هُنَا حَيْثُ يرى العابد أَن عِبَادَته نَاقِصَة مَعِيبَة لم يعرضهَا وَحدهَا على حَضْرَة ذِي الْجلَال بل ضم إِلَيْهَا عبَادَة العابدين من الْأَنْبِيَاء والأولياء والصلحاء. وَعرض الْكل صَفْقَة وَاحِدَة راجيا قبُول عِبَادَته فِي الضمن لِأَن الْجَمِيع لَا يرد الْبَتَّةَ إِذْ بعضه مَقْبُول ورد الْمَعِيب وإبقاء السَّلِيم تبعيض للصفقة. وَقد نهى سُبْحَانَهُ عــباده عَنهُ فَكيف يَلِيق بكرمه العميم فَلم يبْق إِلَّا قبُول الْجَمِيع وَفِيه المُرَاد انْتهى.
وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن الله سُبْحَانَهُ عَالم بالمعيب والسليم قبل الْقبُول فجنابه الأقدس منزه عَن الِاطِّلَاع على الْمَعِيب بعد الصَّفْقَة الْوَاحِدَة بِقبُول الْجَمِيع فَتَأمل - وَلما قَالَ الشَّيْخ إِن الْمُفَسّرين ذكرُوا وُجُوهًا مِنْهَا هَذَا الْوَجْه الْوَجِيه صرفت عنان الْقَلَم عَن تَحْرِير مَا سمح بِهِ خاطري الفاتر وَمَا ذكره قُرَّة عَيْني غُلَام إِسْحَاق. أتم الله تَعَالَى فضائله وَحسن خصائله وَسلمهُ فِي الْآفَاق. لجَوَاز أَن يكون هَذَانِ الْوَجْهَانِ من تِلْكَ الْوُجُوه {رب نور وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} .

ذخائر الله

ذخائر الله:
[في الانكليزية] Relic ،the chosen ones (by God) ،saints ،-
[ في الفرنسية] Relique ،les elus de Dieu ،les saints
قوم من أوليائه تعالى يدفع بهم البلاء عن عــباده كما يدفع بالذخيرة بلاء الفاقة، كذا في الاصطلاحات الصوفية.

الخيّاطية

الخيّاطية:
[في الانكليزية] Al -Khayyatiyya (sect)
[ في الفرنسية] Al -Khayyatiyya (secte)
فرقة من المعتزلة أصحاب أبي الحسن بن خيّاط قالوا بالقدر وتسمية المعدوم شيئا وجوهرا وعرضا، وأنّ إرادة الله تعالى كونه قادرا غير مكره ولا كاره. وهي أي إرادته تعالى في أفعال نفسه الخلق أي كونه خالقا لها وفي أفعال عــباده الأمر بها، وكونه سميعا بصيرا معناه أنّه عالم بمتعلّقهما، وكونه يرى ذاته أو غيره معناه أنه يعلمه، كذا في شرح المواقف.

الفاصلة

الفاصلة
انظر: رؤوس الآي.
(الفاصلة) خرزة خَاصَّة تفصل بَين الخرزتين فِي العقد وَنَحْوه والعلامة فِي حِسَاب الكسور العشرية تكْتب بَين الْكسر وَالْعدَد والفاصلة (فِي علم الْعرُوض) ثَلَاثَة أحرف متحركة يَليهَا حرف سَاكن مثل كتبت وَهِي الصُّغْرَى وَأَرْبَعَة أحرف متحركة يَليهَا حرف سَاكن مثل سمعهم وَهِي الْكُبْرَى (ج) فواصل
الفاصلة:
[في الانكليزية] End of a verse of Koran ،end of a rhyme ،three or four consonants
[ في الفرنسية] Fin d'un verset du Coran ،fin d'un bout rime ،trois ou quatre consonnes
هي عند أهل العربية تطلق بالاشتراك على معان. منها ما يسمّى فاصلة صغرى، وهي كلمة رباعية أي مشتملة على أربعة أحرف، يكون جميع حروفها متحرّكا إلّا الأخير نحو حبل بالتنوين. ومنها ما يسمّى فاصلة كبرى، وهي كلمة خماسية أي مشتملة على خمسة أحرف، يكون جميع حروفها متحرّكا إلّا الأخير نحو سمكة بالتنوين، وهذان المعنيان من مصطلحات أهل العروض والتنوين عندهم حرف معتبر جزء من الكلمة السابقة. وقد أورد في عروض سيفي: الأكثرون على أنّ الفاصلة من الأصول.
الفاصلة
نعنى بها تلك الكلمة التى تختم بها الآية من القرآن، ولعلها مأخوذة من قوله سبحانه: كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (فصلت 3). وربما سميت بذلك؛ لأن بها يتم بيان المعنى، ويزداد وضوحه جلاء وقوة، وهذا لأن التفصيل فيه توضيح وجلاء وبيان، قال تعالى: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ (فصلت 44).
فمكانة الفاصلة من الآية مكانة القافية من البيت، إذ تصبح الآية لبنة متميزة فى بناء هيكل السورة. وتنزل الفاصلة من آيتها، تكمل من معناها، ويتم بها النغم الموسيقى للآية، فنراها أكثر ما تنتهى بالنون والميم وحروف المد، وتلك هى الحروف الطبيعية فى الموسيقى نفسها، قال سيبويه: إن العرب إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون، لأنهم أرادوا مد الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنموا.
وتأتى الفاصلة في القرآن مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة، يتعلق معناها بمعنى الآية كلها، تعلقا تاما، بحيث لو طرحت لاختل المعنى واضطرب الفهم، فهى تؤدى في مكانها جزءا من معنى الآية، ينقص ويختل بنقصانها، وهاك قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (البقرة 2 - 7). ترى الآية قد كمل معناها بالفاصلة، وأن الفاصلة قامت بأداء نصيبها منه.
وقد يشتد تمكن الفاصلة في مكانها، حتى لتوحى الآيات بها، قبل نطقها، كما روى عن زيد بن ثابت أنه قال: أملى على رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً (المؤمنون 13، 14). وهنا قال معاذ بن جبل: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: بها ختمت - وحتى ليأبى قبولها، والاطمئنان إليها، من له ذوق سليم، إذا غيرت وأبدل بها سواها، كما حكى أن أعرابيّا سمع قارئا يقرأ: «فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله غفور رحيم»، ولم يكن يقرأ القرآن، فقال: إن كان هذا كلام الله فلا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه ، والآية إنما ختمت بقوله تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
، وسواء أصح ذلك أم لم يصح، فإنا نشعر هنا بما بين الفاصلة والآية، من ارتباط لا ينفصم.
خذ مثلا تلك الآيات التى تنتهى بوصفه سبحانه بالحكمة، تجد فيها ما يناسب تلك الحكمة ويرتبط بها، واقرأ قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة 220). ألا ترى المقام وهو مقام تشريع وتحذير يستدعى عزة المحذر، وحكمة المشرع. وقوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة 31، 32). فالمقام هنا مقام للتعليم، ووضع هذا التعليم في موضع دون سواه، فناسب ذلك وصفه تعالى بالعلم والحكمة. وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران 6). فالتفرد بالألوهية، والتصرف المطلق في اختيار ما يشاء، ثم تصوير الجنين على صورة خاصة، كل ذلك يناسب وصفه تعالى بالعزة والحكمة. وقوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (آل عمران: 125، 126). فإمداد المؤمنين بالملائكة لتطمئن قلوبهم من نعم حكيم، يمهد للمسببات بأسبابها، والنصر لا يكون إلا من عزيز يهبه لمن يشاء. وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (الأنفال: 70، 71). فهو عليم بخيانتهم، حكيم في التمكين منهم.
وربما احتاج الأمر إلى إمعان وتدبر، لمعرفة سر اختتام الآية بهذا الوصف، ويبدو أن ختمها بسواه أولى، ومن ذلك قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة 118). فقد يبدو بادئ ذى بدء أن قوله: وإن تغفر لهم، يحتم أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم، ولكن تأملا هادئا يهدى إلى أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد، يرد عليه حكمه، فهو عزيز غالب، وحكيم يضع الشيء في موضعه، وقد يخفى وجه الحكمة على الناس فيما يفعل، فيتوهم أنه خارج عن الحكمة، وليس كذلك، فكان الوصف بالحكيم احتراسا حسنا، أى وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب، فلا اعتراض لأحد عليك فى ذلك، والحكمة فيما فعلته، ونظير ذلك قوله تعالى في سورة التوبة: أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة 71). وفي سورة الممتحنة: وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الممتحنة 5). وفي سورة غافر: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (غافر 8). وفي سورة النور: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (النور 10). فقد يكون من المناسب في بادئ الرأى أن يوصف سبحانه هنا بتواب رحيم؛ لأن الرحمة مناسبة للتوبة، لكن التعبير بالحكمة هنا، إشارة إلى حكمته سبحانه في مشروعية اللعان، الذى سن أحكامه، فى هذه السورة .
وخذ الآيات التى تنتهى بوصفه تعالى بالعلم، أو بالقدرة، أو بالحلم، أو بالغفران، تجد المناسبة في ذلك الختم واضحة جلية، واقرأ قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 115). فهو يعلم بما يجرى في المشرق والمغرب، وقوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة 127). السميع لنجوانا، والعليم بما تضمره أفئدتنا من الإخلاص لك، وقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ (البقرة 180، 181). فهو سميع بما تم من وصية وعليم بمن يبدلها. وقوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النحل 77). فالمجيء بالساعة في مثل لمح البصر أو أقرب، يستدعى القدرة الفائقة، وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الحج 6). فإحياء الموتى يحتاج كذلك إلى قدرة خارقة، وقوله تعالى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ- لا ريب- يقدر على كلّ شىء.
وربما خفى الأمر في الختم بأحد هذين الوصفين، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة 29). وفي آل عمران: قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران 29). فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة، وفي آية آل عمران الختم بالعلم، ولكن لما كانت آية البقرة عن خلق الأرض وما فيها، على حسب مصلحة أهلها ومنافعهم، وخلق السموات خلقا مستويا محكما من غير تفاوت، والخالق على هذا النسق يجب أن يكون عالما بما فعله، كليّا وجزئيّا، مجملا ومفصلا، ناسب ذلك ختمها بصفة العلم، ولما كانت آية آل عمران مسوقة للوعيد، وكان التعبير بالعلم فيها، يراد به الجزاء بالعقاب والثواب، ناسب ختمها بصفة القدرة القادرة على هذا الجزاء .
واقرأ قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (البقرة 225). تجد مناسبة الغفران والحلم لعدم المؤاخذة على اللغو في الإيمان، واضحة قوية. وقوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (البقرة 263). فالله غنى عن هذه الصدقة المتبوعة بالأذى، وحليم لا يعجل العقوبة، فربما ارتدع هذا المتصدق المؤذى. وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (البقرة 155). فالعفو عن هؤلاء الذين استزلهم الشيطان، يناسبه وصف الله بالغفور الحليم أتم مناسبة، وقد يخفى وجه الوصف بذلك في بعض الآيات، كما في قوله سبحانه: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (الإسراء 44). فختم الآية بالحلم والمغفرة عقب تسبيح الأشياء غير ظاهر في بادئ الرأى، ولكن لما كان كل شىء في السموات والأرض يسبح بحمد الله، ويشير إليه، ويدل عليه، كان من الغفلة التى تستحق العقوبة ألا نفقه دلالة هذه المخلوقات على الخالق، فناسب ذلك وصفه بالحلم والغفران، حين لم يعاجل هؤلاء الغافلين بالعقاب.
واقرأ قوله سبحانه: قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (هود 87). وصفوه بالحلم أى العقل، الذى لا يتناسب في زعمهم مع دعوته إياهم إلى ترك عبادة ما كان آباؤهم يعبدون، ووصفوه بالرشد الذى يتنافى في زعمهم كذلك، مع دعوته إياهم إلى ترك تصرفهم فى أموالهم، كما كانوا يتصرفون، فقد ناسبت الفاصلة معنى الآية كما رأيت.
وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (السجدة 26، 27). ختمت الآية الأولى ب يَسْمَعُونَ، لأن الموعظة فيها مسموعة، وهى أخبار من قبلهم من القرون، وختمت الثانية ب يُبْصِرُونَ؛ لأن الموعظة فيها مرئية من سوق الماء إلى الأرض الجرز، وإخراج الزرع وأكل النبات .
وقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام 103).
ختمت الآية باللطيف، وهو يناسب ما لا يدرك بالبصر، وبالخبير، وهو يناسب ما يدرك الأبصار .
وقد تجتمع فواصل متنوعة، بعد ما يكاد يتشابه، لحكمة في هذا التنوع، ومن ذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (النحل 10 - 12).
ختمت آية ب يَتَفَكَّرُونَ، لما أن الاستدلال بإنبات الزرع، والثمر، على وجود الله وقدرته، يحتاج إلى فضل تأمل، يرشد إلى أن حدوث هذه الأنواع، يحتاج إلى إله قادر، يحدثه، فناسب ذلك ختم الآية بما ختمت به، وانتهت الثانية ب يَعْقِلُونَ، لما أن تسخير الليل والنهار لخدمة الإنسان، فيرتاح ليلا ويعمل نهارا، وتسخير الشمس، والقمر، والنجوم، فتشرق وتغرب في دقة ونظام تامين، يحتاج إلى عقل يهدى إلى أن ذلك لا بدّ أن يكون بيد خالق مدبر، فختمت الآية ب يَعْقِلُونَ، وختمت الآية الأخيرة ب يَذْكُرُونَ؛ لأن الموقف فيها يستدعى تذكر ألوان مختلفة بثها الله في الأرض، للموازنة بين أنواعها، بل الموازنة بين أصناف نوع منها، فلا يلهيهم صنف عن سواه، ولا يشغلهم نوع عن غيره، وهذه الموازنة تفضى إلى الإيمان بقدرة الله، خالق هذه الأنواع المختلفة المتباينة.
ومن ذلك قوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام 151 - 153).
قال صاحب الإتقان : فإن الأولى ختمت بقوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، والثانية بقوله لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، والثالثة بقوله لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، لأن الوصايا التى في الآية الأولى، إنما يحمل على تركها عدم العقل، الغالب على الهوى؛ لأن الإشراك لعدم استكمال العقل، الدال على توحيده، وعظمته، وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقل، لسبق إحسانهما، إلى الولد بكل طريق، وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق، مع وجود الرازق الحى الكريم، وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل، وكذا قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل، فحسن بعد ذلك يعقلون. وأما الثانية فتعلقها بالحقوق المالية، والقولية، فإن من علم أن له أيتاما، قد يخلفه عليهم غيره من بعده، لا يليق به أن يعامل أيتام غيره، إلا بما يحب أن يعامل به أيتامه، ومن يكيل، أو يزين، أو يشهد لغيره، لو كان ذلك الأمر له، لم يحب أن يكون فيه خيانة، وكذا من وعد لو وعد، لم يحب أن يخلف، ومن أحب ذلك عامل الناس به ليعاملوه بمثله، فترك ذلك إنما يكون لغفلة عن تدبره وتأمله، فلذلك ناسب الختم بقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وأما الثالثة فلأن ترك اتباع شرائع الله الدينية مؤد إلى غضبه، وإلى عقابه، فحسن: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أى عقاب الله.
ومن ذلك قوله تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام 97 - 99). ختمت الآية الأولى بالعلم، لأن الاهتداء بالنجوم في ظلمات البر والبحر مما يختص به العلماء، فكان إدراك هذا الفضل آية يستدلون بها على وجود الله وقدرته، وختمت الآية الثانية بالفقه؛ لأن إدراك إنشاء الخلائق من نفس واحدة، وتنقلهم في الأصلاب والأرحام، مما يحتاج إلى تدبر وتفكر، ناسبه ختم الآية بيفقهون، إذ الفقه فهم الأشياء الدقيقة، وتحدثت الآية الثالثة عن النعم التى أنعم الله بها على عــباده: من إخراج النبات والثمار، وألوان الفواكه، فناسب ختمها بالإيمان، الداعى إلى شكره تعالى على نعمه.
ومن ذلك قوله تعالى: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (الحاقة 41، 42). فختم الأولى ب (تؤمنون)؛ لأن مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة واضحة، فمن قال إنه شعر كان كافرا ومعاندا عنادا محضا، فكان من المناسب ختمه بقوله: قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ؛ أما مخالفة القرآن لنظم الكهان فمما يحتاج إلى تدبر وروية، لأن كلا منها نثر، فليست مخالفته له في وضوحها لكل أحد كمخالفة الشعر، ولكنها تظهر بتدبر ما في القرآن من بلاغة رائعة ومعان أنيقة، فحسن لذلك ختمه بقوله: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ .
ومما يجمل إيراده هنا أن تختلف الفاصلتان في موضعين، والمتحدث عنه واحد فيهما، وذلك كقوله تعالى في سورة إبراهيم: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم 34). وقوله تعالى في سورة النحل: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل 17، 18).
والمتأمل يجد سر هذا الاختلاف، أن القرآن راعى مرة موقف الإنسان من نعم الله، فهو ظلوم كفار، وأخرى مقابلة الله سبحانه نكران الجميل والظلم والكفر بالنعم، بالغفران والرحمة، وكان ختام الآية الأولى بما ختمت به، لأنها كانت في معرض صلة الإنسان بالله، وكانت الثانية في معرض الحديث عن الله، فناسب ختم الآية بذكر صفاته.
ونظير ذلك قوله سبحانه في سورة الجاثية: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (الجاثية 14، 15). كررت هذه الآية في سورة فصلت، وختمت بفاصلة أخرى، إذ قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت 46). ولعل سر ذلك أن الآية الأولى جاء قبلها حديث عن منكرى البعث، فناسب ختم الآية بالحديث عنه، أما الآية الثانية فناسب ختمها معناها: من جزاء كل بما يستحق؛ ونظير هذا أيضا قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (النساء 48). وقال مرة أخرى في السورة نفسها: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (النساء 116). ونستطيع أن نلتمس سر هذا الاختلاف في أن الآية الأولى وردت في حديث عن اليهود الذين افتروا على الله الكذب، مما ناسب أن تختم الآية بالافتراء، الذى اعتاده اليهود، وهم أهل الكتاب. أما الآية الثانية فقد وردت في حديث عن المشركين، وهم في إشراكهم لا يفترون، ولكنهم ضالون ضلالا بعيدا.
وقد تكون المخالفة لتعديد الأوصاف وإثباتها، حتى تستقر في النفس، كما فى قوله سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة 44). فقد كررها قائلا: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة 45). وقال مرة ثالثة: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (المائدة 47). يريد أن يبين أن من لم يحكم بما أنزل الله ساتر لما أنزله الله، ظالم لنفسه، فاسق بهذا الستر.
وقد يتشابه المقامان في الهدف والغاية فتتحد الفاصلة فيهما كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (النور 58، 59). فالآيتان فى الاستئذان، وقد ختمتا بفاصلة متحدة. واتحدت الفاصلة في قوله سبحانه:
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (البقرة 81، 82).
للموازنة بين خلودين، أحدهما في الجنة، والآخر في السعير.
وقد تحدث العلماء عما يكون في الآية مما يشير إلى الفاصلة، ويسمون ذلك تصديرا وتوشيحا، أما التصدير فأن تكون اللفظة قد تقدمت مادتها في الآية، ودعوه رد العجز على الصدر، ومثلوا له بقوله تعالى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (النساء 166). وقوله تعالى: هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران 8). وقوله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (الأنعام 10). وقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (الإسراء 21). وقوله تعالى: قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (طه 61). وقوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (نوح 10).
وفي ذلك وشبهه ما يدل على التحام الفاصلة بالآية التحاما تاما، يستقر في النفس وتتقبله أعظم قبول. وحينا يظن أن الآية تهيئ لفاصلة بعينها، ولكن القرآن يأتى بغيرها، إيثارا لما هو ألصق بالمعنى، وأشد وفاء بالمراد.
ومن ذلك قوله سبحانه: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (البقرة 67). فربما وقع في النفس أن الفاصلة ترتبط بالاستهزاء، وتتصل به، ولكنها جاءت تبرءوا من الجهل. وفي ذلك إشارة إلى أن الاستهزاء بالناس جهل وسفه، لا يليق أن يصدر من عاقل ذى خلق.
أما ما سموه توشيحا، فهو أن يكون معنى الآية مشيرا إلى هذه الفاصلة، ومثلوا له بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (آل عمران 33). فإن الاصطفاء يكون من الجنس، وجنس هؤلاء المصطفين، هو العالمون، وبقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس 37).
هذه الفواصل لها قيمتها في إتمام المعنى، وهى مرتبطة- كما رأينا- بآياتها تمام الارتباط، ولها أثرها الموسيقى في نظم الكلام، ولهذه الموسيقية أثرها في النفس، وأسلوب القرآن فيه هذه الموسيقى المؤثرة، ومن أجلها حدث في نظم الآىما يجعل هذه المناسبة أمرا مرعيّا، وتجد بعض ذلك في كتاب الإتقان ، ومن ذلك إيثار أغرب اللفظين نحو قِسْمَةٌ ضِيزى وقد أحسن ابن الأثير توجيه هذه اللفظة إذ قال : «إنها في موضعها لا يسد غيرها مسدها؛ ألا ترى أن السورة كلها- التى هى سورة النجم- مجموعة على حرف الياء فقال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم 1، 2). وكذلك إلى آخر السورة. فلما ذكر الأصنام وقسمة الأولاد، وما كان يزعمه الكفار، قال: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (النجم 21، 22). فجاءت اللفظة على الحرف المسجوع الذى جاءت السورة جميعها عليه، وغيرها لا يسد مسدها في مكانها.
وإذا نزلنا معك أيها المعاند على ما تريد قلنا: إن غير هذه اللفظة أحسن منها، ولكنها في هذا الموضع لا ترد ملائمة لأخواتها، ولا مناسبة؛ لأنها تكون خارجة عن حروف السورة، وسأبين ذلك فأقول: إذا جئنا بلفظة في معنى هذه اللفظة، قلنا: (قسمة جائرة أو ظالمة) ولا شك أن (جائرة، أو ظالمة) أحسن من ضِيزى، إلا أنا إذا نظمنا الكلام، فقلنا: «ألكم الذكر وله الأنثى، تلك إذا قسمة جائرة، لم يكن النظم كالنظم الأول، وصار الكلام كالشيء المعوز، الذى يحتاج إلى تمام، وهذا لا يخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الكلام»، هذا وإن غرابة هذه اللفظة من أشد الأشياء ملاءمة لغرابة هذه القسمة.
وقد يشتد التقارب الموسيقى في الفواصل، حتى تتحد الفاصلتان في الوزن والقافية، كما في قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (الغاشية 13، 14). وقوله: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (الغاشية 25، 26).
وقوله: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار 13، 14). وقد تختلفان فى الوزن، ولكنهما تتقاربان في حروف السجع، كقوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (نوح 13، 14). وقد تتساوى الفاصلتان في الوزن دون التقفية، كقوله تعالى: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (الغاشية 15، 16).
وقوله: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ . (الصافات 117، 118).
وقد تختلفان وزنا وقافية، ولكنهما تتقاربان، كقوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة 3، 4). وقوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ
جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ
(ق 1، 2).
ويسمى العلماء الفواصل المتفقة في الحرف الأخير متماثلة، وما عداها متقاربة، ولا تخرج الفواصل عن هذين النوعين أبدا، وقد تنتهى السورة بفاصلة منفردة تكون كالمقطع الأخير، كقوله تعالى في ختام سورة الضحى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى 9 - 11).
وقد تتفق الفاصلتان لا في الحرف الأخير فحسب، ولكن في حرف قبله، أو أكثر، من غير أن يكون في ذلك كلفة ولا قلق، بل سلاسة ولين وجمال، مثال التزام حرف قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح 1 - 4). وقوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى 9، 10). وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ (التكوير 15، 16). وقوله تعالى: وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (الانشقاق 17، 18).
ومثال ما اتفقا في حرفين، قوله تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (الطور 1، 2).
وقوله تعالى ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (القلم 2، 3). وقوله تعالى كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ . (القيامة 26 - 28).
ومثال التزام ثلاثة أحرف قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف 201، 202).
وأنت ترى في كل ما التزم فيه حرف أو أكثر أنه طبيعى لا تكلف فيه.
هذا وإذا كانت الفاصلة في الآية كالقافية في الشعر، فقد رأينا فيما سبق بعض ما تختلف فيه الفاصلة عن القافية، حينما تتقارب الفواصل ولا تتماثل، كما أنه من المعيب في الشعر أن تتكرر القافية قبل سبعة أبيات، وليس ذلك بعيب في الفاصلة. قال تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (مريم 88 - 91).

الصّلاة

الصّلاة:
[في الانكليزية] Prayer
[ في الفرنسية] Priere
هي فعلة من صلى وإنّما كتب بالواو التي أبدل منها الألف لأنّ العرب تفخّم أي تميلها إلى مخرج الواو، ولم تكتب بها أي بالواو في غير القرآن. ثم هي اسم لمصدر غير مستعمل وهو التّصلية يقال صلّيت صلاة ولا يقال تصلية، مأخوذة من الصّلا وهو العظم الذي عليه الأليتان. وذكر الجوهري أنّ الصلاة اسم من التّصلية، وكلاهما مستعملان، بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان فإنّ مصدرها لم يستعمل انتهى. وقيل أصل الصلاة صلاة بالتحريك قلبت واوها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وتلفظ بالألف وتكتب بالواو إشارة إلى الأصل، مثل الزكاة والحياة والرّبا، كذا في كليات أبي البقاء. فقيل الصلاة حقيقية لغوية في تحريك الصّلوين أي الأليتين، مجاز لغوي في الأركان المخصوصة لتحريك الصّلوين فيها، استعارة في الدعاء تشبيها للداعي بالراكع والساجد في التخشّع وفي المغرب إنّما سمّي الدعاء صلاة لأنّه منها. والمشهور أنّ الصلاة حقيقة في الدّعاء لغة مجاز في الرحمة لأنّها مسبّبة من الدّعاء، وكذا في الأركان المخصوصة لاشتمالها على الدّعاء، وربّما رجّح لورود الصلاة بمعنى الدّعاء قبل شرعية الصلاة المشتملة على الركوع والسجود، ولورودها في كلام من لا يعرف الصلاة بالهيئة المخصوصة. وقيل الصلاة مشتركة لفظية بين الدّعاء والرّحمة [فيكون] والاستغفار، وقيل بين الدّعاء والرّحمة فيكون الاستغفار داخلا في الدّعاء. وبعض المحقّقين على أنّ الصلاة لغة هو العطف مطلقا. لكنّ العطف بالنسبة إلى الله سبحانه تعالى الرّحمة وبالنسبة إلى الملائكة الاستغفار وبالنسبة إلى المؤمنين دعاء بعضهم لبعض فعلى هذا تكون مشتركة معنوية، واندفع الإشكال من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ، ولا يحتاج في دفعه إلى أن يراد به معنى مجازي أعمّ من الحقيقي وهو إيصال النفع. فالإيصال واحد والاختلاف في طريقه.
وفي التاج الصلاة من الله الرّحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدّعاء ومن الطّير والهوام التسبيح انتهى.
اعلم أنّ معنى قولنا صلّ على محمد عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتضعيف أجره وتشفيعه في أمّته كما قال ابن الأثير. ولذا لا يجوز أن يطلق بالنسبة إلى غيره إلّا تبعا. وقيل الرحمة. وقيل معنى الصلاة على النبي الثّناء الكامل إلّا أنّ ذلك ليس في وسع العباد فأمرنا أن نوكّل ذلك إلى الله تعالى كما في شرح التأويلات. وفي المغني معناه العطف كما مر.
فائدة:
الصلاة على النبي واجب شرعا وعقلا.

أمّا شرعا فلقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ. وأمّا عقلا فلأنّ استفادة القابل من المبدأ تتوقّف على مناسبة بينهما، وهذه المقدّمة ضرورية مذكورة في براهين العلوم الحقيقية التي لا تتغيّر بتبدّل الملل والأديان وإن وقع فيها نوع خفاء بالنسبة إلى الأذهان القاصرة. ألا ترى أنّه كلما كانت المناسبة بين المعلّم والمتعلّم أقوى كانت استفادة المتعلّم منه أكثر، وكلّما كان الحطب أيبس كان أقبل للاحتراق من النار بسبب المناسبة في اليبوسة. ولذا كان الأدوية أشدّ تأثيرا في الأبدان المتسخّنة. ولهذه المقدمة أمثلة لا تكاد تنحصر. ولا شك أنّ النّفس الناطقة في الأغلب منغمسة في العلائق البدنية أي متوجّهة إلى تدبير البدن وتكميله بالكلية مكدّرة بالكدورات الطبيعية الناشئة من القوة الشهوية، وذات المفيض عزّ اسمه في غاية التّنزّه عنها فليست بينهما بسبب ذلك مناسبة يترتّب عليها فيضان كمال. فلا جرم وجب عليها الاستعانة في استفاضة الكمالات من تلك الحضرة المنزّهة بمتوسّط يكون ذا جهتين:
التجرّد والتعلّق، ويناسب بذلك كلّ واحد من طرفيه باعتبار حتى يقبل ذلك المتوسّط الفيض عن المبدأ الفيّاض بتلك الجهة الروحانية التجرّدية، وتقبل النفس منه أي من ذلك المتوسّط الفيض بهذه الجهة الجسمانية التعلّقية؛ فوجب لنا التوسّل في استحصال الكمالات العلمية والعملية إلى المؤيّد بالرئاستين الدينية والدنيوية، مالك أزمّة الأمور في الجهتين التجرّدية والتعلّقية، وإلى أتباعه الذين قاموا مقامه في ذلك بأفضل الفضائل، أعني الصلاة عليه أصالة وعليهم تبعا، والثناء عليه بما هو أهله ومستحقّه من كونه سيّد المرسلين وخاتم النبيين، وعليهم بكونهم طيّبين طاهرين عن رجس البشرية وأدناسها. فإن قيل هذا التوسّل إنّما يتصوّر إذا كانوا متعلّقين بالأبدان، وأمّا إذا تجرّدوا عنها فلا، إذ لا جهة مقتضية للمناسبة.
قلنا يكفيه أنّهم كانوا متعلّقين بها متوجّهين إلى تكميل النفوس الناطقة بهمة عالية، فإنّ أثر ذلك باق فيهم. ولذلك كانت زيارة مراقدهم معدّة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده أصحاب البصائر ويشهدون به.
وقد قال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي رحمة الله عليه في كتاب: «مدراج النبوّة» في بيان وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبل أمته: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أحسن إلينا بهدايتنا، ومنحنا الأمل بشفاعته في الآخرة. ولهذا أمرنا سبحانه وتعالى بقضاء حقّه علينا في إحسانه إلينا في الدنيا كما أمرنا بالتقرّب منه والارتباط الباطني به بسبب رجاء شفاعته في الآخرة، وقد علم الله منّا سبحانه العجز عن أداء حقّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لهدايتنا في الدنيا، وكذلك عدم قدرتنا على تحصيل وسائل القرب من النبي صلّى الله عليه وسلّم من أجل نوال شفاعته في الآخرة.
لذلك فإنّه أمرنا بالدّعاء له والاتّكال على الله والطلب إليه أن يبلّغ عنا نبيه ذلك الدّعاء، وطلب الرحمة كما هو لائق بجنابه ومقامه. وثمة اختلاف حول حكم الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم. والمختار أنّه فرض مرة واحدة في العمر بدليل أنّ صيغة الأمر التي هي للوجوب لا تقتضي التكرار.

وقال بعضهم: بل هي واجبة. والإكثار منها بلا تحديد وقت ولا تعيين عدد. وذلك لأنّه سبحانه أمر بذلك ولم يعيّن لذلك وقتا ولا عددا. وعليه فيجب علينا ما وسعنا ذلك في أيّ وقت وبأيّ قدر أن نؤدّي ذلك الأمر.

وقال بعضهم: إنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم تجب كلّما ذكر اسمه الشريف. وقال بعضهم:
هذا هو المختار.

وقال في المواهب (اللدنية): وممن يقول بهذا الطحاوي وجماعة من الحنفية وبعض الشافعية والمالكية واستدلّوا بحديث: «رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي وصحّحه الحاكم وإنّ حديث: «شقي عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». أخرجه الطبراني. وعن علي رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ». رواه الترمذي. لأنّ الوعيد على الترك من علامات الوجوب، وأيضا: إنّ فائدة الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو نوع من المكافأة على إحسانه، وإحسانه مستمر ودائم. إذن فيجب كلما ذكر. كما أنّ الصلاة شكر لله على نعمه، والنعم الإلهية هي دائمة في كلّ زمان، فعليه وجبت الصلاة في الأوقات الشريفة.
ولكن جمهور العلماء رجّحوا القول الأول وقالوا: إنّ وجوب الإكثار ووجوب التكرار للصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينقل عن أحد من الصحابة، فيكون هذا القول إذن مخترعا. وأمّا من حيث النصّ الذي يعتمد عليه في هذا الباب فهو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فهو وإنّ كان بصيغة الأمر إلا أنها لا تقتضي ولا توجب التكرار، ولا تحتمل أيضا التكرار كما هو مصرّح به في كتب الأصول. وأيضا: لا توجد عبادة في الشرع واجبة بدون تعيين وقتها وعددها ومقدارها، أضف إلى ذلك أن تكون مستمرة ودائمة مع هذه الجهالة. ولو كانت الصلاة على النبي واجبة في كلّ وقت يذكر فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم للزم من ذلك وجوبها على كل مؤذّن وسامع للأذان ومقيم للصلاة وسامع للإقامة. وكذلك على كلّ قارئ للقرآن متى ورد ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيها. ويدخل في ضمن ذلك من قال كلمات الشهادتين أو ممن سمعها وكذلك على وجه الخصوص من يدخل في الاسلام الذي لا بدّ له من النطق بالشهادتين وأمثال ذلك، بينما الواقع المنقول عن السلف والخلف خلاف ذلك. ويؤيّده أنّ الحمد والثناء على الله سبحانه ليس واجبا كلما ذكر اسم الله. فإذن كيف يصير واجبا الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كلّ وقت يذكر فيه؟
وأجابوا عن تلك الأحاديث المشار إليها بأنّها على سبيل المبالغة والتأكيد، وهي إنّما ترد بحق من لم يصلّ أبدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وقال بعضهم: تجب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في كلّ مجلس مرة واحدة ولو تكرر ذكر اسمه الشريف.

وقال بعض آخر: هو واجب في الدعاء.

وقال غيرهم: هو واجب في أثناء الصلاة.
وهذا القول منسوب لأبي جعفر محمد الباقر.

وقال آخرون: هو واجب في التشهّد.
وهذا قول الشعبي وإسحاق.

وقال بعضهم: هو واجب في آخر الصلاة قبل السلام، وهذا قول الشافعي. وقال بعض آخرون: هو واجب حينما تتلى الآية الكريمة:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، أو عند ما تسمع وخاصة عند ما يتلوها الخطيب يوم الجمعة، فتجب على السامعين أن يقولوها بقلوبهم وذلك أنّ الصمت أثناء الخطبة واجب فلا أقلّ من أن تقال سرا بالقلب.
ولكن جمهور العلماء متفقون على أنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي سنّة مؤكّدة وواجبة في العمر مرة واحدة. وأمّا في المقامات المشار إليها فليست بواجبة بل هي حينا سنّة مؤكّدة وحينا مستحبة.
والثابت المحقق أنّه بعد ذكر اسم الله تعالى وحمده والثناء عليه وتلاوة القرآن فإنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي أفضل الأذكار. ولا يمكن حصر الفوائد والفضائل والنتائج والعوائد لتلك الصلاة، وهي وراء العد والبيان وخارجة عن الحدّ. وهي تشتمل خيرات وبركات وحسنات ومثوبات الدنيا والآخرة. والدليل والحجة لهذا هو قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. فهو سبحانه وتعالى بذاته الشريفة يهتم بهذا الأمر ثم الملائكة يتابعون، وعلى سبيل الاستمرار والدوام على ذلك العمل هم قائمون، كما أنّ لفظة «يصلّون» تدلّ على ذلك إلى أن يأمر ربّ العالمين كلّ مؤمن بذلك اتّباعا واقتداء، أي كلما صلّى الإله وملائكته على النبي فعليكم أيضا أيها المؤمنون أن تصلّوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وبما أنّ حقّ النبي عليكم ثابت فواجب عليكم زيادة على الصلاة المفروضة أن تصلّوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتأكيد، وذلك هو السلام. وكيف لا يكون ذلك أفضل طالما أنّ ربّ العزّة يضاعف ثواب من يفعل ذلك عشر رحمات (مرات). أي كما روي في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه (بها) عشرا». وعن أنس رضي الله تعالى عنه: «من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيات ورفعت له عشر درجات». رواه النسائي.
كما روي عن أبي طلحة ما معناه: طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ويرى عليه أثر السرور في وجهه المبارك، فقالوا: يا رسول الله: ما السّبب في ظهور السرور على وجهك المملوء بالنور؟ فقال: أتاني جبريل وقال: أما يرضيك يا محمد بأنّ ربّك يقول: ما من أحد من أمتّك يصلّي عليك إلّا صلّيت عليه عشر صلوات وتسليمات.
وجاء في حديث آخر بما معناه كلّ من صلّى عليّ صلاة، صلّى الله عليه ما دام يصلّي علي. فليقل أحدكم أو يكثر. وفي رواية أخرى: فإنّ ملائكة الله يصلّون عليه سبعين صلاة. فليقل العبد أو يكثر.

ويقول المؤلّف: السبعون في الحديث ليست للحصر بل هي أكثر من ذلك بحسب التقوى والمحبة والإخلاص. وفي التخيير بين القلة والكثرة نوع من التهديد لأنّ التخيير بعد الإعلام بوجود الخير في الأمر المخبر به يتضمن التحذير من التفريط والتقصير فيه.
وجاء عن عبد الله بن مسعود ما ترجمته:
أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أقربكم مني يوم القيامة أكثركم صلاة علي. وجاء في حديث آخر ما معناه: أنجاكم من أحوال وشرور يوم القيامة أكثركم صلاة علي.
ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما معناه: أنّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم تخفّف الذنوب وتزيلها أكثر مما يطفئ الماء البارد النار. وبالإجمال: فإنّ الصلاة على تلك الذات الشريفة هي منبع الأنوار والبركات ومفتاح كلّ الخيرات ومصدر كمال الحسنات ومظهر السعادة. وهي لأهل السلوك مدخل لفتح الأبواب. وكثير من المشايخ قالوا: في حال فقدان الشيخ الكامل الذي يرشد ويربّي السّالكين فإنّ الالتزام بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم هي الطريق الموصل للطالب الصادق والمريد الواثق. وكلّ من أكثر من الصلاة عليه فإنّه يراه في المنام وفي اليقظة.
وقال مشايخ الشاذلية التي هي شعبة من الطريقة القادرية: إنّ طريق السلوك لتحصيل المعرفة والقرب الإلهي في زمان فقدان الولي الكامل والمرشد الهادي إنما يكون بالتزام ظاهر الشريعة وإدامة الذّكر والتفكّر وكثرة الصلاة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنّه يظهر نور من كثرة الصلاة في باطن المريد، وبه يتضح له الطريق، وتصله الإمدادات من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدون واسطة. ورجّح بعضهم وفضّلوا الصلاة على الذّكر من حيث التوسّل والاستمداد، ولو أنّ الذّكر في حدّ ذاته أشرف وأفضل.
هذا خلاصة ما في مدارج النبوة وشرح المشكاة وسفر السعادة. وفي كليات أبي البقاء وكتابة الصلاة في أوائل الكتاب قد حدثت في أثناء الدولة العباسية، ولهذا وقع كتاب البخاري وغيره من القدماء عاريا عنها. ثم الصلاة عند الفقهاء عبارة عن الأركان المخصوصة من التحريمة والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعود.
والصلاة المطلقة هي التي إذا أطلقت لفظة الصلاة ولم تقيّد شملتها، فصلاة الجنازة والصلاة الفاسدة كصلاة التطوع راكبا في المصر ليستا بصلاة مطلقة إذ لو حلف لا يصلّي لا يحنث بها. وقيل هي صلاة ذات ركوع وسجود وهذا بظاهره لا يتناول صلاة المومئ المريض والراكب في السفر كذا في البرجندي. والصلاة عند الصوفية عبارة عن واحدية الحق تعالى وإقامة الصلاة إشارة إلى إقامة ناموس الواحدية بالاتصاف بسائر الأسماء والصفات. فالوضوء عبارة عن إزالة النقائص الكونية، وكونه مشروطا بالماء إشارة إلى أنّها لا تزول إلّا بظهور آثار الصفات الإلهية التي هي حياة الوجود، لأنّ الماء سرّ الحياة وكون التيمم يقوم مقام الطهارة للضرورة إشارة إلى التزكّي بالمخالفات والمجاهدات والرياضات. فهذا ولو تزكّى عسى أن يكون فإنّه أنزل درجة ممّن جذب عن نفسه فتطّهر من نقائصها بماء حياة الأزل الإلهي وإليه أشار عليه السلام بقوله (آت نفسي تقوها وزكّها أنت خير من زكّاها)، أي الجذب الإلهي لأنّه خير من التّزكّي بالأعمال والمجاهدات. ثم استقبال القبلة إشارة إلى التوجّه في طلب الحقّ.
ثم النية إشارة إلى انعقاد القلب في ذلك التوجّه. ثم تكبيرة الإحرام إشارة إلى أنّ الجناب الإلهي أكبر وأوسع ممّا عسى أن يتجلّى به عليه فلا تعبده بمشهد بل هو أكبر من كلّ مشهد ومنظر ظهر به على عبده فلا انتهاء له.
وقراءة الفاتحة إشارة إلى وجود كماله في الإنسان لأنّ الإنسان هو فاتحة الوجود، فتح الله به أقفال الموجودات، فقراءتها إشارة إلى ظهور الأسرار الربانية تحت الأستار الإنسانية. ثم الركوع إشارة إلى شهود انعدام الموجودات الكونية تحت وجود التجلّيات الإلهية. ثم القيام عبارة عن مقام البقاء، ولذا تقول فيه سمع الله لمن حمده. وهذه كلمة لا يستحقّها العبد لأنّه أخبر عن حال إلهي. فالعبد في القيام الذي هو إشارة إلى البقاء خليفة الحقّ تعالى. وإن شئت قلت عينه ليرتفع الإشكال. فلهذا أخبر عن حال نفسه بنفسه أعني ترجم عن سماع حقّه ثناء خلقه وهو في الحالين واحد غير متعدّد. ثم السجود عبارة عن سحق آثار البشرية ومحقها باستمرار ظهور الذات المقدّسة، ثم الجلوس بين السجدتين إشارة إلى التحقّق بحقائق الأسماء والصفات لأنّ الجلوس استواء في القعدة وذلك إشارة [إلى] قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. ثم السجدة الثانية إشارة إلى مقام العبودية وهو الرجوع من الحق إلى الخلق، ثم التحيّات فيها إشارة إلى الكمال الحقيّ والخلقي لأنّه عبارة عن ثناء على الله تعالى وسلام على نبيّه وعلى عــباده الصالحين، وذلك هو مقام الكمال. فلا يكمل الولي إلّا بتحققه بالحقائق الإلهية وباتّباعه لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وبتأدّبه بسائر عباد الله الصالحين، كذا في الإنسان الكامل.

الذّمّة

الذّمّة:
[في الانكليزية] Obligation ،guarantee ،debt
[ في الفرنسية] Obligation ،garantie ،caution ،dette
بالكسر قال بعض الفقهاء إنّ الذّمة أمر لا معنى له، بل هي من مخترعات الفقهاء يعبّرون عن وجوب الحكم على المكلّف بثبوته في ذمّته، وهذا القول ليس بصحيح إذ في المغرب أنّ الذمّة في اللغة العهد ويعبّر بالأمان والضّمان، ويسمّى محلّ التزام الذمّة بها في قولهم ثبت في ذمتي كذا أي على نفسي. فالذمة في قول الفقهاء يراد به نفس المكلف. وذكر القاضي الإمام أبو زيد أنّ الذمّة شرعا وصف يصير به الإنسان أهلا لما له ولما عليه، فإنّ الله تعالى لمّا خلق الإنسان محلا للأمانة أكرمه بالعقل والذمة حتى صار أهلا لوجوب الحقوق له وعليه، وثبت له حقوق العصمة والحرّية والمالكية، كما إذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذّمّة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعــباده يوم الميثاق. ثم هذا الوصف غير العقل، إذ العقل لمجرّد فهم الخطاب فإنّ الله تعالى عند إخراج الذّرية يوم الميثاق جعلهم عقلاء، وإلّا لم يجز الخطاب والسؤال ولا الإشهاد عليهم بالجواب، ولو كان العقل كافيا للإيجاب لم يحتج إلى الإشهاد والسؤال والجواب، فعلم أنّ الإيجاب لأمر ثبت بالسؤال والجواب والإشهاد وهو العهد المعبّر عنه بالذّمّة. فلو فرض ثبوت العقل بدون الذّمّة لم يثبت الوجوب له وعليه. والحاصل أنّ هذا الوصف بمنزلة السّبب لكون الإنسان أهلا للوجوب له وعليه، والعقل بمنزلة الشّرط.
ومعنى قولهم وجب ذلك في ذمّته الوجوب على نفسه باعتبار ذلك الوصف، فلما كان الوجوب متعلقا به جعلوه بمنزلة ظرف يستقر فيه الوجوب دلالة على كمال التعلّق وإشارة إلى أنّ هذا الوجوب إنّما هو باعتبار العهد والميثاق الماضي، كما يقال وجب في العهد والمروءة أن يكون كذا وكذا. وأمّا على ما ذكره فخر الإسلام من أنّ المراد بالذّمة في الشرع نفس ورقبة لها ذمّة وعهد، فمعنى هذا القول أنّه وجب على نفسه باعتبار كونها محلا لذلك العهد. فالرّقبة تفسير للنفس، والعهد تفسير للذّمة، وهذا في التحقيق من تسمية المحل باسم الحال، والمقصود واضح. هذا كله خلاصة ما في التلويح وحاشيته للفاضل الچلپي والبرجندي في باب الكفالة. 

الرّحمة

الرّحمة:
[في الانكليزية] Mercy ،clemency
[ في الفرنسية] Misericorde clemence
بالفتح وسكون الحاء المهملة لغة رقّة القلب وانعطاف يقتضي التّفضّل والإحسان، وهي من الكيفيات التابعة للمزاج، والله سبحانه منزّه عنها، فإطلاقه عليه مجاز عمّا يترتّب عليه من إنعامه على عــباده، كالغضب فإنّه لغة ثوران النفس وهيجانها عند إرادة الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية. ولذا قيل أسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات.
وذكر بعض المحققين أنّ الرحمة من صفات الذات وهي إرادة إيصال الخير ودفع الشّر.
فالباري سبحانه رحمن ورحيم لأنّ إرادته أزلية، ومعنى ذلك أنّه تعالى أراد في الأزل أن ينعم على عبيده المؤمنين فيما لا يزال. وقال آخرون هي من صفات الفعل وهي إيصال الخير ودفع الشرّ، ونسبتها إليه سبحانه عبارة عن عطاء الله تعالى العبد ما لا يستحقّه من المثوبة ودفع ما يستوجبه من العقوبة. وقيل هي ترك عقوبة من يستحقّ العقوبة. وذكر الإمام الرازي في مفاتيح الغيب أنّ الرحمة لا تكون إلّا لله تعالى لأنّ الجود هو إفادة ما ينبغي لا لغرض، وكل أحد غير الله إنّما يعطي ليأخذ عوضا، إلّا أنّ العوض أقسام. منها جسمانية كمن أعطى دينارا ليأخذ كرباسا. ومنها روحانية وهي أقسام. أحدها إعطاء المال لطلب الخدمة. والثاني إعطاؤه لطلب الثناء الجميل. والثالث إعطاؤه لطلب الإعانة. والرابع إعطاؤه لطلب الثّواب الجزيل.
والخامس إعطاؤه لدفع الرّقة الجنسية عن القلب. والسادس إعطاؤه ليزيل حبّ المال عن قلبه، فكلّ من أعطى إنّما يعطي لغرض تحصيل الكمال، فيكون ذلك في الحقيقة معاوضة. وأمّا الحقّ سبحانه فهو كامل في نفسه فيستحيل أن يعطي ليستفيد به كمالا.
اعلم أنّ الفرق بين الرحمن والرحيم أنّ الرحمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم اسم عام بصفة خاصة، وخصوص اللفظ في الرحمن بمعنى أنّه لا يجوز أن يسمّى به لما سوى الله تعالى.
وعموم المعنى من حيث إنّه يشتمل على جميع الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. وعموم اللفظ في الرحيم من حيث اشتراك المخلوقين في التسمية به. وخصوص المعنى لأنّه يرجع إلى اللطف والتوفيق المخصوصين بالمؤمنين. وفي الرحمن مبالغة في معنى الرحمة ليست في الرحيم، هي إمّا بحسب شموله للدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما وقع في الأثر (يا رحمن الدنيا والآخرة ويا رحيم الدنيا)، وإمّا بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلتها كما ورد (يا رحمن الدنيا ويا رحيم الآخرة)، فإنّ رحمة الدنيا تعم المؤمن والكافر ورحمة الآخرة تخص المؤمن، وإما باعتبار جلالة النّعم ودقتها فيقصد بالرحمن رحمة زائدة بوجه ما. وعلى هذا يحمل في قولهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، فالمراد بالرحمن نوع من الرحمة أبعد من مقدورات العباد وهي ما يتعلّق بالسعادة الأخروية، والرحمن هو العطوف على عــباده بالإيجاد أولا والهداية ثانيا والإسعاد في الآخرة ثالثا والإنعام بالنظر إلى وجه الكريم رابعا.
والأقوال للمفسرين في الفرق بينهما كثيرة، فإن شئت الاطلاع عليها فارجع إلى أسرار الفاتحة.
وقال أبو البقاء الكفوي الحنفي في كلياته:
اعلم أنّ جميع أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام:
أسماء الذات وأسماء الأفعال وأسماء الصفات.
والبسملة مشتملة على أفضل الأقسام الثلاثة.
فلفظ الله اسم للذات المستجمع لجميع الكمالات. ولفظ الرحمن اسم لفعل الرحمة على العباد في الدنيا والآخرة شيئا فشيئا من حيث حدوث المرحومين وحدوث حاجاتهم، فمتعلّقه أثر منقطع فيشتمل المؤمن والكافر. ولفظ الرحيم اسم لصفة الرحمة الثابتة الدائمة فيختصّ في حقّ المؤمن، فمتعلّقه أثر غير منقطع. فعلى هذا الرحيم أبلغ من الرحمن انتهى.

قال الصوفية: الرحمانية هي الظهور لحقيقة الأسماء والصفات، وهي بين ما يختص به من ذاته كالأسماء الذاتية وبين ما له وجه إلى المخلوقات كالعالم والقادر ونحوهما ممّا له تعلّق إلى الحقائق الوجودية. فالرحمانية اسم جميع المراتب الحقّية دون الخلقية، فهي أخصّ من الألوهية لانفرادها بما يتفرّد الحقّ سبحانه. والألوهية جميع الأحكام الحقيّة والخلقية. فالرحمانية جمع بهذا الاعتبار أعزّ من الألوهية لأنها عبارة عن ظهور الذات في المراتب العليّة وتقدّسها عن المراتب الدنيّة، وليس للذات في مظاهرها مظهر يختصّ بالمراتب العليّة بحكم الجمع إلّا المرتبة الرحمانية، فنسبتها إلى الألوهية نسبة النبات إلى القصب، فالنبات على مرتبة توجد في القصب، والقصب توجد فيه النبات وغيره. فإن قلت بأفضلية النبات بهذا الاعتبار فالرحمانية أفضل.
وإن قلت بأفضلية القصب لعمومه وجمعه له ولغيره فالألوهية أفضل. والاسم الظاهر في المرتبة الرحمانية هو الرحمن، وهو اسم يرجع إلى الأسماء الذاتية والأوصاف النفسية وهي سبعة: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر. والأسماء الذاتية كالأحدية والواحدية والصّمدية ونحوها. واختصاص هذه المرتبة بهذا الاسم للرحمة الشاملة لكلّ المراتب الحقّية والخلقية فإنّه لظهورها في المراتب الحقّية ظهرت المراتب الخلقية، فصارت الرحمة عامة في جميع الموجودات فإن شئت الزيادة فارجع إلى الإنسان الكامل.

وفي الاصطلاحات الصوفية لكمال الدين:
الرحمن اسم للحقّ باعتبار الجمعية الأسمائية التي في الحضرة الإلهية الفائض منها الوجود وما يتبعه من الكمالات على جميع الممكنات.
والرحيم اسم له باعتبار فيضان الكمالات المعنوية على أهل الإيمان كالمعرفة والتوحيد.
والرحمة الامتنانية هي الرحمانية المقتضية للنّعم السابقة على العمل، وهي التي وسعت كلّ شيء في قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ والرحمة الوجوبية هي الرحمة الموعودة للمتّقين والمحسنين في قوله تعالى فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وفي قوله تعالى إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ انتهى.

الرّضاء

الرّضاء:
[في الانكليزية] Voluntary consent ،approval
[ في الفرنسية] Consentement volontaire ،approbation
بالكسر وبالضاد المعجمة عند المعتزلة هو الإرادة. وعند الأشاعرة ترك الاعتراض. فالكفر مراد الله تعالى وليس مرضيا عنده لأنّه يعترض عليه. وأمّا عند المعتزلة ليس مرادا له لأنّه تعالى لا يرضى لعــباده الكفر، كذا في شرح المواقف في خاتمة بحث القدرة. اعلم أنّه يجب الرّضاء والتسليم على القضاء محبوبا كان أثره أو مكروها، لأنّ القضاء صفة الرّب تعالى، ويجب الرّضاء والتسليم على صفته سواء كان القضاء قضاء الكفر والعصيان أو قضاء التوحيد والطاعة. فأمّا الرّضاء بالمقضي الذي هو أثر القضاء فإنّما يجب الرّضاء به إذا كان محبوبا كالتوحيد والطاعة دون ما هو مكروه كالكفر والعصيان، ومع هذا لا ينبغي وصف القضاء بالسّوء إلّا أن يراد به المقضي، ومنه قوله عليه السلام: «أعوذ بك من سوء القضاء»، كذا في بحر المعاني في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. وفي شرح الطوالع: الرّضاء من العباد عند الأشاعرة ترك الاعتراض والرّضاء من الله تعالى إرادة الثواب انتهى. وعند أهل السلوك الرّضاء هو التلذّذ بالبلوى، كذا في مجمع السلوك. وفي أسرار الفاتحة: الرّضا هو الخروج من رضى النّفس والدّخول في رضى الحقّ.

المحدّث

المحدّث:
[في الانكليزية] Narrator ،informed Of prophetic traditions
[ في الفرنسية] Narrateur ،instruit des traditions prophetiques
بكسر الدال المشددة على أنّه اسم فاعل من التحديث هو عند المحدّثين على ما ذكره العراقي من يكون كتب وقرأ وسمع ووعى ورحل إلى المدائن والقرى وحصّل أصولا وعلّق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف. وقيل من تحمّل الحديث رواية واعتنى به دراية كذا في شرح النخبة.
المحدّث:
[في الانكليزية] Inspired
[ في الفرنسية] Inspire
بفتح الدال المشددة على أنه اسم مفعول من التحديث عند المحدّثين هو الملهم الذي إذا رأى رأيا أو ظنّ ظنّا أصاب كأنّه حدث به والقي في روعه من عالم الملكوت، كذا ذكر القاضي في شرح المصابيح في باب مناقب عمر رضي الله عنه. وقال السّيّد الشريف في حاشية المشكاة المحدّث الصادق الظنّ كأنه الملهم من الملأ الأعلى وحدّث بالأمر وحقيقته. وقال في ترجمة المشكاة: المحدّث بمعنى الملهم كأنّه يحدّث ويخبّر بالشيء.

وقال في مجمع البحار: هو الرجل الذي ألقي في روعه كلام، ثم يخبر بذلك عن طريق الحدس والفراسة الإيمانية المخصوصة. والله سبحانه وتعالى يعطي هذه الخاصّية لمن شاء من عــباده.

وقيل: هو من يظنّ الشيء فيصدق ظنّه كأنّما ألهم بذلك

وقيل: من تكلّمه الملائكة، انتهى كلامه. والمحدّث عند النحاة ويسمّى المحدّث به أيضا هو المسند، والمحدّث عنه عندهم هو المسند إليه كما في المصباح.

المبالغة

المبالغة:
[في الانكليزية] Exaggeration ،overstatement ،hyperbole
[ في الفرنسية] exageration ،prolixite hyperbole
عند أهل العربية هي أن يدّعي المتكلّم بلوغ وصف في الشدّة أو الضعف حدا مستحيلا أو مستبعدا ليدلّ على أنّ الموصوف بالغ في ذلك الوصف إلى النهاية، وهو ضربان: أحدهما المبالغة بالصيغة. وصيغ المبالغة فعلان وفعيل وفعّال كرحمان ورحيم وتواب ونحو ذلك مما ذكر في كتب الصرف. قال الزركشي في البرهان: إنّ التحقيق أنّ صيغ المبالغة قسمان:
أحدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل والثاني بحسب تعدّد المفعولات، ولا شكّ أنّ تعدّدها لا يوجب للفعل زيادة، إذ الفعل قد يقع على جماعة متعدّدين، وعلى هذا تنزّل صفاته تعالى وإلّا فلا تتصوّر المبالغة فيها لتناهيها في الكمال في نفس الأمر لا بحسب ادّعاء المتكلّم. ولهذا قال بعضهم في حكيم: معنى المبالغة فيه تكرار حكمة بالنسبة إلى الشرائع. قال في الكشاف المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عــباده. وقد أورد بعض الفضلاء سؤالا على قوله تعالى: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وهو أنّ قديرا من صيغ المبالغة فيستلزم الزيادة على معنى قادر، والزيادة على معنى قادر محال، إذ الايجاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل باعتبار كلّ فرد فرد. وأجيب بأنّ المبالغة لمّا تعذّر حملها على كلّ فرد فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد التي دلّ السّياق عليها، فهي بالنسبة إلى كثرة المتعلّق لا الوصف. وذكر البرهان الرشيدي أنّ صفات الله تعالى التي على صيغ المبالغة كلّها مجاز لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها، واستحسنه الشيخ تقي الدين [السبكي]. والضرب الثاني المبالغة بالوصف ومنه قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ووَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ كذا في الإتقان. وفي المطول المبالغة تنحصر في ثلاثة أقسام لأنّ المدّعى إن كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقول امرئ القيس:
فعادى عداء بين ثور ونعجة دراكا ولم ينضح بماء فيغسل ادّعى أنّ هذا الفرس أدرك ثورا أي ذكرا من بقر الوحش ونعجة أي أنثى منها في مضمار واحد ولم يعرق وهذا ممكن عقلا وعادة. وإن كان ممكنا عقلا لا عادة فإغراق كقول الشاعر عمرو بن الأيهم التغلبي.
ونكرم جارنا ما دام فينا ونتبعه الكرامة حيث مالا الألف للإشباع ادّعى أنّ جاره لا يميل عنه إلى جانب إلّا وهو يرسل الكرامة والعطاء على إثره، وهذا ممكن عقلا ممتنع عادة، بل في زماننا يكاد يلحق بالممتنع عقلا. وإن لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة فغلوّ، ويمتنع أن يكون ممكنا عادة ممتنعا عقلا.
فائدة:
اختلفوا في المبالغة. فقيل إنّها مردودة مطلقا لأنّ خير الكلام ما خرج مخرج الحقّ.
وقيل إنّها مقبولة مطلقا بل الفضل مقصور عليها لأنّ أحسن الشعر أكذبه وخير الكلام ما بولغ فيه. وقيل منها مقبولة ومنها مردودة وهو الراجح. فالمقبولة منها التبليغ والإغراق وبعض أصناف الغلوّ وما سواها مردودة. والأصناف المقبولة من الغلوّ ما أدخل عليه ما يقربه إلى الصحة نحو لفظ يكاد في قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ الآية. ومنها ما تضمّن نوعا حسنا من التخييل كقول أبي الطّيّب:
عقدت سنابكها عليها عثيرا لو تبتغي عنقا عليه أمكنا ادّعى أنّ الغبار المرتفع من سنابك الخيل قد اجتمع فوق رءوسها متراكما متكاثفا بحيث صار أرضا يمكن أن تسير عليها تلك الجياد، وهذا ممتنع عقلا وعادة لكنّه تخييل حسن.
ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخداعة كقولك:
أسكر بالأمس إن عزمت على الشّر ب غدا إنّ ذا من العجب ويقول في جامع الصّنائع: المردود من الغلوّ هو المحال الذي لا يتضمّن حسنا ولا لطفا ومثاله: البيت التالي ترجمته:
حين أجريت فرس دولتك وصل قبلك بمنزلتين ويقول في مجمع الصّنائع: من عيوب المدح المبالغة والإفراط في تجاوز حدود الممدوح أو التفريط.

ومثال الأول:
يا من تفتخر الكائنات بوجودك يا من أنت أكبر من المخلوقات وأقلّ من الخالق.
لأنّ مثل هذا المدح لا يليق إلّا بنبيّنا صلى الله عليه وسلم.
وكلّ من قيل في حقّه مثل هذا الكلام فهو تجاوز لحقه. وهو ملحق بمن ترك التأدّب بحكم الشرع. كما قال الشاعر الحكيم الأنوري: الذي قال وترجمته:
إنّ عظمتك في كمال قدرتك ليست كقدرة الله لأنّه تعالى لا شريك له.

ومثال القسم الثاني البيت التالي وترجمته:
الخواجا محمد ملك أخلاقه كالملاك ملك وحيد دهره في كرم الكفّ في العالم.
وذلك لأنّ طبقة الملوك لا يمدحون بأنّهم علماء ووحيد الدهر ففي ذلك قصور. 

الزّهد

الزّهد:
[في الانكليزية] Asceticism ،piety ،abnegation
[ في الفرنسية] Ascetisme ،piete ،renoncement
بالضم وسكون الهاء وقد تفتح الزاء وهو لغة الإعراض عن الشيء احتقارا له من قولهم شيء زهيد أي قليل. وفي خبر إنّك الزهيد وفي خبر آخر أفضل الناس مؤمن مزهد أي قليل المال وزهيد الأكل قليله. وشرعا أخذ قدر الضرورة من الحلال المتيقّن الحلّ فهو أخصّ من الورع، إذ هو ترك المشتبه وهذا زهد العارفين، وأعلى منه زهد المقرّبين وهو الزهد فيما سوى الله تعالى من دنيا وجنّة وغيرهما إذ ليس لصاحب هذا الزهد مقصد إلّا الوصول إليه تعالى والقرب منه، ويندرج فيه كلّ مقصود لغيرهم كلّ الصيد في جوف الفرا. وأمّا الزهد في الحرام فواجب عام أي في حقّ العارفين والمقربين وغيرهم وفي المشتبه فمندوب عام.

وقيل واجب. قال إبراهيم بن أدهم: الزهد فرض في الحرام وفضل في ترك الحلال إن كان أزيد مما لا بدّ منه ومكرمة في ترك الشّبهات، فإنّ ترك الشّبهات سبب للكرامة. وقد قسّم كثير من السلف الزهد إلى ثلاثة أقسام: زهد فرض وهو اتقاء الشّرك الأكبر ثم اتقاء الأصغر وهو أن يراد بشيء من العمل قولا أو فعلا غير الله تعالى وهو المسمّى بالرّياء في الفعل وبالسّمعة في القول، ثم اتقاء جميع المعاصي، وهذا الزهد في الحرام فقط. وقيل يسمّى هذا المزهد زاهدا وعليه الزهري وابن عيينة وغيرهما. وقيل لا يسمّى زاهدا إلّا إن ضمّ ذلك الزهد بنوعيه الآخرين وسواهما ترك الشّبهات رأسا وفضول الحلال. ومن ثمّ قال بعضهم لا زهد اليوم لفقد المباح المحض. وقد جمع أبو سليمان الداراني أنواع الزهد كلها في كلمة فقال: هو ترك ما شغلك عن الله عز وجل. وقيل: قال العلماء الزهد قسمان: زهد مقدور وهو ترك طلب ما ليس عنده وإزالة ما عنده من الأشياء، وترك الطلب في الباطن.
وزهد غير مقدور وهو ترك أن يبرد قلبه من الدنيا بالكلية فلا يحبّها أصلا. وإذا حصل للعبد القسم الأول يحصل الثاني أيضا بفضله تعالى وكرمه. وقيل الزهد ترك الحلال من الدنيا والإعراض عنها وعن شهواتها بترك طلبها، فإنّ طالب الشيء مع الشيء. وقال الجنيد: الزهد خلوّ الأيدي من الأملاك والقلوب من التتبع أي الطلب. وقال السرّي الزهد ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا أي لا يفرح بشيء منها ولا يحزن على فقده ولا يأخذ منها إلّا ما يعينه على طاعة ربه أو ما أمر في أخذه مع دوام الذكر والمراقبة والتفكر في الآخرة، وهذا أرفع أحوال الزهد، إذ من وصل إليه إنّما هو في الدنيا بشخصه فقط. وأمّا بمعناه فهو مع الله بالمراقبة والمشاهدة لا ينفكّ عنه. وقيل الزاهد الذي شغل نفسه بما أمره مولاه وترك شغله عن كل ما سواه. وقيل من يخلو قلبه عن المراد كما يخلو يداه من الأسباب. وقيل هو من لا يأخذ من الدنيا إلّا قوتا. وجميع الأقوال متقاربة كما لا يخفى.
اعلم أنّ العلماء اختلفوا في تفسير المزهود فيه من الدنيا، فقيل: الدينار والدرهم.
وقيل المطعم والمشرب والملبس والمسكن، وقيل الحياة. والوجه كما علم مما سبق أنّه كل لذّة وشهوة ملائمة للنفس حتى الكلام بين مستمعين له ما لم يقصد به وجه الله تعالى.
وفي حديث مرفوع أخرجه الترمذي وقال غريب وفي إسناده من هو منكر الحديث وابن ماجة:
«الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله تعالى، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها، لو أنّها بقيت لك». ولا يعارض ما مرّ من تفسير الزهد لأنّ الترمذي ضعّفه ولأنّ أحمد رواه موقوفا على أبي مسلم الخولاني بزيادة «وأن يكون مادحك وذامّك في الحق سواء». وقد اشتمل ثلاثة أمور كلها من أعمال القلب دون الجوارح، ومن ثم كان أبو سليمان يقول لا نشهد لأحد بالزهد لأنّه في القلب. ومنشأ أول تلك الأمور الثلاثة من صحة اليقين وقوته فإنّه تعالى يتكفّل بأرزاق عــباده كما في آيات كثيرة. وفي حديث مرفوع: «من سرّه أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده». وقال الفضيل: أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل، والقنوع هو الزهد وهو الغنى، فمن حقّق اليقين وثق في أموره كلها بالله ورضي بتدبيره له، وغنى عن الناس، وإن لم يكن له شيء من الدنيا. ومنشأ ثانيها من كمال اليقين، ومن ثمّ روي أنّ من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك ومن اليقين ما تهون به علينا من مصائب الدنيا». وقال علي كرّم الله وجهه:
من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب. ومنشأ ثالثها من سقوط منزلة المخلوقين من القلب وامتلائه من محبة الحقّ وإيثار رضاه على رضا غيره، وأن لا يرى لنفسه قدر الوجه. ومن ثمّ كان الزاهد في الحقيقة هو الزاهد في مدح نفسه وتعظيمها. ولذا قيل: الزهد في الرئاسة أشدّ منه في الذهب والفضة. وقيل لبعض السلف من معه مال هل هو زاهد؟ فقال نعم إن لم يفرح بزيادته. وقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا بليس العباء.

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم زهدنا في الدنيا ووسّع علينا منها ولا تزوها عنا فترغبنا فيها». وقال أحمد: هو قصر الأمل واليأس مما في أيدي الناس، أي لأنّ قصره يوجب محبّة لقاء الله تعالى بالخروج من الدنيا وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض عنها. هذا كله خلاصة ما في فتح المبين شرح الأربعين في شرح الحديث الحادي والثلاثين ومجمع السلوك وخلاصة السلوك.

وأورد في الصحائف: الزهد عندنا على ثلاث مراتب:
1 - 
المرتبة الأولى: الزهد في الدنيا وهذا على ثلاثة أقسام:
أ- ذلك الذي هو في ظاهره تارك للدنيا، ولكن في الباطن ميّال إليها. وهذا ما نسمّيه المتزهّد، ومثل هذا الشخص ممقوت عند الله.
ب- هو تارك للدنيا ظاهرا وباطنا ولكنّه له شعور على الترك. ويعلن: بأني تارك، وهذا ما تقول له: ناقصا.
ح- هو من لا قدر لشيء عنده حتى يعلن بأني تارك الشيء. وهو ما نسمّيه الكامل في ترك الدنيا. ولكن تركه من أجل الآخرة ونعيمها.
2 - 
المرتبة الثانية: التارك للدنيا والآخرة إلّا نفسه، أي أنّه يريد من ذلك (رضى) مولاه فقط. وهو في ذلك ينظر إلى نفسه.
وهي درجة عالية وكاملة وقلّ من وصل إليها.
3 - 
المرتبة الثالثة: هو من ترك الدنيا والآخرة وحتى نفسه، أي أنّ نظره الكلي هو إلى ربّه فقط وهو غير مبال بنفسه وغيرها. ويعيد كلّ شيء إلى مولاه، ولا يريد نفسه إلّا من أجل ربّه، وهذا ما نسمّيه الأكمل. «ولكل درجات مما عملوا» انتهى.
والفرق بين الزهد والفقر في لفظة صوفي سيأتي بيانه.

الرّزق

الرّزق:
[في الانكليزية] Resources ،supplies ،provisions ،fortunes ،subsistence
[ في الفرنسية] Ressources ،vivres ،fortunes ،subsistance
بالكسر وسكون الزاء المعجمة عند الأشاعرة ما ساقه الله تعالى إلى الحيوان فانتفع به بالتغذّي أو غيره مباحا كان أو حراما، وهذا أولى من تفسيرهم بما انتفع به حيّ، سواء كان بالتغذّي أو بغيره، مباحا كان أو حراما، لخلوّ هذا التفسير من معنى الإضافة إلى الله تعالى مع أنّه معتبر في مفهوم الرّزق. فالتعريف الأول هو المعوّل عليه عندهم. وبالجملة فهذان التعريفان يشتملان المطعوم والمشروب والملبوس وغير ذلك. ويرد على كليهما العارية إذ لا يقال في العرف للعارية إنّه مرزوق. وقيل إنّه يصحّ أن يقال إنّ فلانا رزقه الله تعالى العواري. وقال بعضهم الرّزق ما يتربى به الحيوانات من الأغذية والأشربة لا غير، فيلزم على هذا خروج الملبوس والخلوّ عن الإضافة إلى الله تعالى.
وقيل هو ما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان فيأكله، ويلزم خروج المشروب والملبوس. وإن أريد بالأكل التناول خرج الملبوس. وأيضا يلزم على هذين القولين عدم جواز أن يأكل أحد رزق غيره مع أنّ قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يدلّ على الجواز. وأجيب بأنّ إطلاق الرزق على المنفق مجاز عندهم لأنّه بصدده، أي بصدد أن يكون رزقا قبل الإنفاق.
ولا يرد هذا على التعريفين الأولين لجواز أن ينتفع بالرزق أحد من جهة الإنفاق على الغير وينتفع به الآخر من جهة الأكل. فإطلاق الرّزق على المنفق حقيقة عندهم.
اعلم أنّ قولهم مباحا كان أو حراما في التعريفين ليس من تتمّة التعريف. ولذا لم يذكر في التعريفين الأخيرين، بل إنما ذكر للتنبيه على الرّدّ على المعتزلة القائلين بأنّ الحرام ليس برزق. فملخص التعريفين أنّ الرّزق هو ما ساقه الله تعالى إلى الحيوان فانتفع به سواء كان متصفا بالحلّة أو الحرمة أو لم يكن، فاندفع ما قيل من أنّه يلزم عدم كون حيوان لم يأكل حلالا ولا حراما مرزوقا كالدابة، فإنّه ليس في حقّها حلّ ولا حرمة كذا يسنح بخاطري.
وعند المعتزلة هو الحلال. ففسّروه تارة بمملوك يأكله المالك، والمراد بالمملوك المجعول ملكا، بمعنى الإذن في التصرّف الشّرعي، وإلّا لخلا التعريف عن معنى الإضافة إلى الله تعالى، وهو معتبر عندهم أيضا. ولا يرد خمر المسلم وخنزيره إذا أكلهما معه حرمتهما، فإنّهما مملوكان له عند أبي حنيفة، فيصدق حدّ الرّزق عليهما لأنّهما ليسا من حيث الأكل مملوكين له. فقيد الحيثية معتبر. وتارة بما لا يمنع من الانتفاع به وذلك لا يكون إلّا حلالا. ويرد على الأول أن لا يكون ما يأكله الدواب رزقا، إذ لا يتصوّر في حقّها حلّ ولا حرمة، مع أنّ قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها يعمّها. ويرد على التفسيرين أنّ من أكل الحرام طول عمره لم يرزقه الله أصلا، وهو خلاف الإجماع، هكذا يستفاد من شرح المواقف وشرح العقائد وحواشيه. وقال في مجمع السلوك في فصل أصول الأعمال في بيان التّوكّل:
وقد قسّم المشايخ الرزق إلى أربعة أقسام: وقال في مجمع السلوك في فصل أصول الأعمال في بيان التوكل: (1) - الرّزق المضمون: وهو ما يساق إليه من طعام وشراب وكلّ ما يؤمّن له حدّ الكفاف. وهذا ما يقال له الرّزق المضمون.
ذلك لأنّ الله سبحانه قد ضمنه (للعباد): وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (هود:

6). (2) - الرزق المقسوم: وهو ما قسّم في الأزل وسجّل في اللوح المحفوظ. (3) - الرزق المملوك: وهو ما اتّخذه الإنسان من مدّخرات مالية أو ملابس وأسباب مادية أخرى. (4) -

الرزق الموعود: وهو ما وعد الله عــباده الصالحين وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 15) والتوكّل إنّما يكون في الرّزق المضمون، أمّا في الأرزاق الأخرى فلا. وعليه ينبغي أن يؤمن بأنّ ما هو كفاف له فهو مقطوع بوصوله إليه فينبغي إذن عليه أن يتوكّل على الله لهذه الجهة. انتهى كلامه. وفي خلاصة السلوك، قال أهل الحقيقة الرّزق ما قسم للعبد من صنوف ما يحتاج إليه مطعوما ومشروبا وملبوسا. وقال حكيم: الرّزق ما يعطي المالك لمملوكه قدر ما يكفيه، وهو لا يزيد ولا ينقص بالترك انتهى.
والفرق بين الرّزق وبين العطيّة والكفاية مع بيان معانيه الأخر يجيء في لفظ العطية.

السّرّ

السّرّ:
[في الانكليزية] Secret ،Heart
[ في الفرنسية] Secret ،coeur

بالكسر والتشديد يطلق على مرادين:
أحدهما أمر خفي ضد العلانية والآخر القلب، وهذا من باب إطلاق لفظ الحال على المحل، كإطلاق لفظ الخاطر الموضوع لما يخطر بالبال على محله، لأنّ القلب محل السّر. يقال ظهر سرّ قلبي ووقع في سرّي كذا، كما يقال ورد لي خاطر ووقع في خاطري كذا. والسّر بالمعنى الثاني مختلف فيه. فهو عند طائفة فوق الروح والقلب. وعند طائفة فوق القلب دون الروح.
وعند المحققين إنّه هو القلب وإنّ ما زعموه فوق الروح والقلب هو عين الروح المتجلي في النهاية بوصف غريب مستعجم على الطائفة الأولى، وعين القلب المتجلّي في النهاية بوصف غريب مستعجم على الطائفة الثانية كذا في شرح قصيدة فارضية. وفي مجمع السلوك: وأمّا الصوفية فيقولون: النفس جسم لطيف كلطافة الهواء في أجزاء البدن كالزبد في اللبن والدهن في الجوز واللوز، والقلب داخل في النفس وهو ألطف وأضوأ منها. وأمّا السرّ فقال الله تعالى:
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى. والسّرّ نور روحاني آلة النفس فإنّ النفس تعجز عن العمل ولا تفيد فائدة ما لم يكن السّرّ الذي هو همّة مع النفس. فالنفس بدون إعانة السّرّ لها عاجزة.
وقال بعض الصوفية السّرّ بعد القلب وقبل الروح. وقيل بعد الروح وأعلى منه وألطف.
وقيل السّرّ محل المشاهدة والروح محل المحبة والقلب محل المعرفة. ويقول شيخ الشيوخ: إنّ ما أطلقوا عليه اسم السّرّ ليس بذاك، فذلك السّرّ للشيء مستقلّ بذاته، بل يصبح مثل النّفس الطاهرة. وهذا السّرّ يظهر من القلب ومن الروح أيضا.
وأما الروح فهو نور روحاني آلة النفس أيضا كالسّر، فإنّ الحياة إنّما تبقى في البدن بشرط وجود الروح في النفس، أجرى الله تعالى العادة بذلك. وأمّا الروح الخفي فإنّهم يسمونه أخفى والأصوب أخفى لموافقته قوله تعالى:
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى. وإنّما سمّي أخفى لأنّه أبلغ من السّر والروح والقلب في الاستتار والاختفاء عن الخواطر والفهوم، يعني إنّ ورود الفهم والوهم واحدا واحدا للسّالك العارف في مرتبة الروح الخفية لا يصل إلّا بإعانة الله وهو نور ألطف من السّر والروح، وهو أقرب إلى عالم الحقيقة فهو كالحاجب للنفس في الحضرة الصمدية إذا ذهل النفس والقلب والسّرّ والروح عن الحضرة يلتفت إليهم الأخفى شرزا بلمحة لطيفة، فينتبه الكلّ لله تعالى عقيب ذلك، فذلك التنبيه من الله تعالى بوسيلة الروح الأخفى، وهذا الذهول عن الحضرة الصمدية لعامة الأولياء أو لعامة المؤمنين. فأمّا الأنبياء وكبار الأولياء فإنّ أسرارهم قلّما يلتفت عن الأعلى إلى الأسفل، وهم الذين قال الله فيهم:
وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وفيهم أيضا: «إنّ لله عبادا لو حجبوا عن الله طرفة عين في الدنيا والآخرة لارتدّوا».
اعلم أنّ ثمة روحا آخر ألطف من هذه الأرواح كلها وهي لطيفة داعية لهذه الأطوار إلى الله، وهذا الروح لا يكون لكلّ واحد بل هو للخواص. قال الله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِــبادِهِ وهذا الروح ملازم عالم القدرة مشاهد عالم الحقيقة، لا يلتفت إلى خلقه قط. واعلم أيضا أنّ من قال هذه الأطوار من النفس إلى آخرها كلها شيء واحد لا يلتفت إلى قوله.
فائدة:
الفرق بين السّرّ والعقل أنّ العقل نور روحاني ومقامه في جانب السّر، إلّا أنّ السّر ميّال إلى الأعلى والعقل ميّال إلى الدنيا والآخرة. ومن هنا فإنّ بعضهم يقول: العقل نوعان: نوع ينظر إلى أمر الدنيا، ونوع يرى أمر الآخرة.
ويرى بعضهم بأنّ مقرّ العقل الذي ينظر إلى أمور الآخرة في القلب، وأنّ مقرّ العقل الذي ينظر إلى أمور الدنيا في الدماغ. ومكان عمل كلّ منهما في الصّدر. ويقول شيخ الشيوخ: العقل لسان الروح وترجمان البصيرة، والبصيرة للروح بمثابة القلب، والعقل بمثابة اللسان. وهذا العقل هو عقل واحد وليس على ضربين. وقد ورد في أخبار داود عليه السلام أنّه سأل ابنه سليمان عليه السلام: أين موضع العقل منك؟ قال: القلب لأنّه قالب الروح والروح قالب الحياة. انتهى ما في مجمع السلوك.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.