Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: المتقدم

حسن الابتداء

حسن الابتداء:
[في الانكليزية] Exordium ،introduction ،peroration
[ في الفرنسية] Exorde peroraison
والتخلّص والانتهاء. قال أهل البيان ينبغي للمتكلّم شاعرا كان أو كاتبا أن يتأنّق في ثلاثة مواضع من كلامه حتى يكون أعذب لفظا وأحسن سبكا وأصح معنى. أحدها الابتداء لأنّه أول ما يقرع السّمع، فإن كان محررا أقبل السامع على الكلام وإلّا أعرض عنه. ولو كان الباقي في نهاية الحسن فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب اللفظ وأجزله وأحسنه نظاما وسبكا وأصحه معنى، ويسمّى حسن الابتداء وأحسنه ما ناسب المقصود ويسمّى براعة الاستهلال.
وثانيها التخلّص وهو الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود مع رعاية المناسبة. وأحسنه أن يكون الانتقال على وجه سهل يختلسه اختلاسا دقيق المعنى، بحيث لا يشعر السّامع بالانتقال من المعنى الأول إلّا وقد وقع الثاني لشدّة الالتئام بينهما ويجيء في محله. وثالثها الانتهاء فيجب أن يختم كلامه شعرا كان أو خطبة أو رسالة بأحسن خاتمة حتى لا يبقى معه للنفس تشوق إلى ما يذكر بعد. وقد قلّت عناية المتقدمــين بهذا النوع. والمتأخرون يجهدون في رعايته ويسمّونه حسن المقطع [وبراعة المقطع]، وجميع فواتح السور وخواتمها على أحسن الوجوه وأكملها كما يشهد به التأمّل الصادق، هكذا في المطول والإتقان. 

الحذف

الحذف:
إلغاء الحرف دون خَلَفٍ له، وبُعبَّر عنه بـ (الإسقاط)، وأكثر ما يكون في الهمز، ويشمل الحذف ما ثبت رسماً، كما في قراءة من وقف بالياء على: {وَكَأَيِّنْ}، كما يشمل الحذف ما ثبت لفظاً، وهو كثير مثل حذف صلة ميم الجمع وقفاً عند من قرأ بصلتها وصلاً.
الحذف:
[في الانكليزية] Omission ،ellipsis
[ في الفرنسية] Omission ،retranchement ،ellipse
بالفتح وسكون الذال المعجمة في اللغة هو الإسقاط. وفي اصطلاحات العلوم العربية يطلق على إسقاط خاص. فعند أهل العروض يطلق على إسقاط السبب الخفيف من آخر الجزء، فبقي من مفاعيلن مثلا فعولن لأن مفاعي لما كان غير مستعمل وضع موضعه فعولن، هكذا في رسالة قطب الدين السرخسي وجامع الصنائع وغيرهما.
وعند أهل البديع يطلق على بعض المحسّنات الخطية. وبهذا المعنى ليس من علم البديع حقيقة وإن ذكره البعض فيه أي في علم البديع، ولعله جعله من الملحقات وهو إسقاط الكاتب أو الشاعر بعض الحروف المعجم من رسالته أو خطبته أو قصيدته كذا في المطول.

وأورد في مجمع الصنائع: الحذف هو أن يلتزم الكاتب أو الشاعر بأن لا يستعمل كلاما فيه حرف معيّن أو أكثر، سواء كان الحرف معربا أو معجما. مثاله: صنعت صدر مسند دستور من برد زينت بهشت برين. ومعناه صنعة الصدر المسند (آخذ الأمر) هي زينة الجنة العليا. وقد تخلّى عن استخدام حرف الألف في جميع الكلمات. والحذف المعتبر في هذه الصناعة هو قسمان: تعطيل ومنقوط ... وقد ذكر صاحب جامع الصنائع أنّ الطّرح بمعنى الحذف. والأنسب باصطلاح الصرفيين أنّ الحذف هو إسقاط حرف أو أكثر أو حركة من كلمة.
وسمي إسقاط الحركة بالإسكان كما لا يخفى.

قال الرضي في شرح الشافية: قد اشتهر في اصطلاحهم الحذف الإعلالي للحذف الذي يكون لعلة موجبة على سبل الاطراد كحذف ألف عصا وياء قاض. والحذف الترخيمي والحذف لا لعلة للحذف الغير المطرد كحذف لام يد ودم انتهى. والأنسب باصطلاح النحاة وأهل المعاني والبيان أنّه إسقاط حركة أو كلمة أكثر أو أقل، وقد يصير به الكلام المساوي موجزا، وسمّاه أي الحذف ابن جنّي سجاعة العربية، وهذا المعنى أعمّ من معنى الصرفيين. في الإتقان وهو أنواع الاقتطاع والاكتفاء والاحتباك ويسمّيه البعض بالحذف المقابلي أيضا. والرابع الاختزال فالاقتطاع حذف بعض الكلمة، والاكتفاء هو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى بأحدهما لنكتة، والاحتباك هو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول، ويجيء تحقيق كل في موضعه.
والاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق، وهو أقسام، لأنّ المحذوف إمّا كلمة اسم أو فعل أو حرف، وإمّا أكثر من كلمة انتهى. فمنه أي من الاختزال حذف المضاف سواء أعطي للمضاف إليه إعرابه نحو وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ أي أهل القرية، أو أبقي على إعرابه عند مضي إضافة أخرى مثلها نحو تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ بالجرّ في قراءة. أي عرض الآخرة. وإذا احتاج الكلام إلى حذف يمكن تقديره مع أول الجزءين ومع آخره، فتقديره مع الثاني أولى لأنّ الحذف من آخر الجملة أولى نحو الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أي الحجّ حج أشهر لا أشهر حج، ويجوز حذف مضافين نحو فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أي من [أثر] حافر فرس الرسول، أو ثلاثة نحو فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب. ومنه حذف المضاف إليه. وهو يكثر في الغايات نحو قبل وبعد، وفي المنادى المضاف إلى ياء المتكلم نحو ربّ اغفر لي، وفي أيّ وكل وبعض، وجاء في غيرها كقراءة فلا خوف عليهم بضم خوف بلا تنوين، أي فلا خوف شيء عليهم. ومنه حذف المبتدأ ويكثر في جوانب الاستفهام نحو وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ أي هي نار الله، وبعد فاء الجواب نحو مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ أي فعمله لنفسه، وبعد القول نحو إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أي هو ساحر، وبعد ما يكون الخبر صفة له في المعنى نحو التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ أي هم العابدون، ونحو صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع ووقع في غير ذلك. ومنه حذف الخبر نحو فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي فأمري صبر. ومنه حذف الموصوف نحو وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي حور قاصرات. ومنه حذف الصفة نحو يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ أي صالحة. ومنه حذف المعطوف عليه نحو أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فانفلق أي فضرب فانفلق.
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان: أحدهما أن يكون تعليلا معلّله محذوف كقوله تعالى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً فالمعنى وللإحسان إلى مؤمنين فعل ذلك. وثانيهما أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحّة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي الخ. ومنه حذف المعطوف مع العاطف نحو لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ أي ومن أنفق بعده. ومنه حذف حرف العطف وبابه الشعر وقد خرّج على ذلك قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ أي ووجوه عطفا على وجوه يومئذ خاشعة. وقيل أكلت خبزا لحما تمرا من هذا الباب. وقيل من باب بدل الإضراب. وأمّا حذف المعطوف بدون حرف العطف فغير جائز فيجب معه حذف العاطف. ومنه حذف المبدل منه خرّج عليه وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ أي لم تصفه والكذب بدل من الهاء. ومنه حذف المؤكّد وبقاء التوكيد، فسيبويه والخليل أجازاه وأبو الحسن ومن تبعه منعوه. ومنه حذف الفاعل وهو لا يجوز إلّا في فاعل المصدر نحو لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي من دعائه الخير. ومنه حذف المفعول وهو كثير في مفعول المشيئة والإرادة، ويرد في غيرهما أيضا، لكن حذف المقول وبقاء القول غريب نحو قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أي هو سحر بدليل أسحر هذا. ومنه حذف الحال يكثر إذا كان قولا أغنى عنه المقول نحو وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي قائلين [ذلك]. ومنه حذف واو الحال نحو قول الشاعر:
نصف النهار الماء غامره أي انتصف النهار، والحال أنّ الماء غامر هذا الغائص. ومنه حذف المنادى نحو «ألا يا اسجدوا» أي ألا يا قوم اسجدوا. ومنه حذف حرف النداء نحو قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ ومنه حذف العائد ويقع في أربعة أبواب: الصلة نحو أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا أي بعثه. والصفة نحو وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ أي فيه. والخبر نحو وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي وعده، والحال. ومنه حذف المخصوص بالمدح أو الذم نحو نِعْمَ الْعَبْدُ أي أيوب. ومنه حذف الموصول الاسمي أجازه الكوفيون والأخفش وتبعهم ابن مالك، وشرط في بعض كتبه كونه معطوفا على موصول آخر، ومن حجتهم آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أي والذي أنزل إليكم لأنّ الذي أنزل إلينا ليس هو الذي نزل من قبلنا، ولهذا أعيدت ما في قوله قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وهو الذي أنزل من قبلنا. ومنه حذف الموصول الحرفي، قال ابن مالك لا يجوز إلّا في أن نحو وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ أي أن يريكم، ونحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. قال في المغني وهو مطرد في مواضع معروفة وشاذ في غيرها. ومنه حذف الصلة وهو جائز قليلا لدلالة صلة أخرى أو دلالة غيرها. ومنه حذف الفعل وحده أو مع مضمر مرفوع أو منصوب أو معهما. ومنه حذف التمييز نحو كم صمت أي كم يوما صمت. وقال الله تعالى عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وقوله إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ، وهو شاذ في باب نعم نحو من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، أي فبالرخصة أخذ ونعمت رخصة. ومنه حذف الاستثناء أي المستثنى وذلك بعد إلّا وغير المسبوقين بليس.
يقال قبضت عشرة ليس إلّا وليس غير أي لي إلّا عشرة. وأجاز البعض ذلك بعد لم يكن وهو ليس بمسموع.
وأما حذف أداة الاستثناء فلم يجزه أحد إلّا أنّ السهيلي قال في قوله تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أنّ التقدير إلّا قائلا إلّا أن يشاء الله، فتضمّن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا، والصواب أن يقال الاستثناء مفرّغ وأنّ المستثنى مصدر أو حال أي إلّا قولا مصحوبا بأن يشاء الله، أو إلّا ملتبسا بأن يشاء الله. وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلّا مع حرف الاستثناء فطوي ذكره لذلك فالباء محذوفة من أن.
ومنه حذف فاء الجواب وهو مختصّ بالضرورة وقد خرّج عليه الأخفش قوله تعالى إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ أي فالوصية. وقال غيره الوصية فاعل ترك. ومنه حذف قد في الحال الماضي نحو أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أي قد حصرت. ومنه حذف لا التبرئة، حكى الأخفش لا رجل وامرأة بالفتح وأصله ولا امرأة. ومنه حذف لا النافية يطّرد ذلك في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفتأ ويقل مع الماضي ويسهله تقدّم لا على القسم كقول الشاعر:
فلا والله نادى الحي قومي وسمع بدون القسم وقد قيل به في قوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أي لئلا تضلّوا. وقيل المضاف محذوف أي كراهة أن تضلّوا، ومنه: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ أي لا يطيقونه. ومنه حذف لام الأمر وهو مطّرد عند بعضهم في نحو قل له يفعل وجعل منه وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا وقيل هو جواب شرط محذوف أو جواب الطلب. والحقّ أنّ حذفها مختص بالشعر. ومنه حذف لام التوطئة نحو وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي لئن لم ينتهوا. ومنه حذف لام لقد وهو لام جواب القسم ويحسن مع طول الكلام نحو قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. ومنه حذف الجار وهو يكثر مع أنّ وإنّ وقد يحذف مع بقاء الجر نحو الله لأفعلن كذا، وأما حذفه مع المجرور فكثير. ومنه حذف ما النافية جوّزه ابن معط في جواب القسم خلافا لابن الخباز. ومنه حذف ما المصدرية قاله أبو الفتح في قوله: يأتيه تقدمون الخيل شعثا. ومنه حذف كي المصدرية أجازه السيرافي في نحو جئت لتكرمني، وإنّما يقدّر الجمهور هنا أن لأنها أمّ الباب فهي أولى بالتجوز. ومنه همزة الاستفهام خرّج عليه هذا ربي. ومنه حذف نون التأكيد يجوز في لافعلن للضرورة، ويجب في الخفيفة إذا لقيها ساكن نحو اضرب الغلام بفتح الباء والأصل اضربن وفي غيره ضرورة. وقيل جاء في النثر أيضا كقراءة ألم نشرح بالفتح.
ومنه حذف نوني التثنية والجمع يجب عند الإضافة وشبهها نحو لا غلامي لزيد إذا لم يقدّر اللام مقحمة وعند تقصير الصّلة نحو الضاربا زيدا والضاربو عمروا وعند اللام الساكنة قليلا نحو لذائقو العذاب فيمن قرأ بالنصب وعند الضرورة. ومنه حذف التنوين يحذف لزوما لدخول أل، وللإضافة وشبهها، ولمنع الصرف، وللوقف في غير النصب، ولاتصال الضمير، ولكون الاسم علما موصوفا بما اتصل به وأضيف إلى علم آخر من ابن او ابنة اتفاقا أو بنت عند قوم. ويحذف لالتقاء الساكنين قليلا وعليه قرئ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ بترك تنوين أحد. ولا يحذف تنوين مضاف بغير مذكور باطراد إلّا أن أشبه في اللفظ المضاف نحو قطع الله يد ورجل من قالها. ومنه حذف أل التعريف تحذف للإضافة المعنوية والنداء.
وسمع سلام عليكم بغير تنوين. ومنه حذف لام الجواب وذلك ثلاثة: حذف لام جواب لو نحو لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً، وحذف لام لأفعلن وهو مختص بالضرورة، وحذف لام جواب القسم كما سبق. ومنه حذف حركة الإعراب والبناء كقراءة فتوبوا إلى بارئكم ويأمركم وبعولتهن أحق بسكون الثلاثة. ومنه حذف الكلام في الجملة ويقع ذلك باطراد في مواضع: أحدها بعد حرف الجواب يقال أقام زيد فنقول نعم. وثانيها بعد نعم وبئس إذا حذف المخصوص. وقيل إنّ الكلام جملتان. وثالثها بعد حرف النداء في مثل يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ إذ قيل إنه على حذف المنادى أي يا هؤلاء، ورابعها بعد إن الشرطية كقوله: [لرؤبة بن العجاج]
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن كان عيا معدما قالت وإن أي وإن كان كذلك رضيته أيضا. وخامسها في قولهم افعل هذا أمّا لا أي إن كنت لا تفعل غيره فافعله. ومنه حذف أكثر من جملة نحو فارسلون يوسف أي فارسلون إلى يوسف لاستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف.
ومنه حذف جملة القسم وهو كثير جدا وهو لازم مع غير الباء. وحيث قيل لأفعلن أو لقد فعل أو لئن فعل ولم يقدم جملة قسم يكون القسم مقدرا نحو لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً. واختلف في نحو لزيد قائم وإنّ زيدا قائم أو لقائم هل يجب كونه جوابا للقسم أو لا. ومنه حذف جواب القسم، يجب إذا تقدّم عليه أو اكتنفه ما يغني عن الجواب. فالأول نحو زيد قائم والله.
والثاني نحو زيد والله قائم. فإن قلت زيد والله إنّه قائم أو لقائم احتمل كون المتأخّر عنه خبرا عن المتقدّم أو جوابا وجملة القسم وجوابه الخبر، ويجوز في غير ذلك نحو وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً الآية لنبعثن بدليل ما بعده. ومنه حذف جملة الشرط وهو مطّرد بعد الطلب نحو فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ. وحذف جملة الشرط بدون الأداة كثير. ومنه حذف جواب الشرط نحو فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي لعذّبكم، وهو واجب في مثل: هو ظالم إن فعل، ومثل: هو إن فعل ظالم، أي فعليه لعنة الله. ومنه حذف جملة مبيّنة عن المذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل أي فعل ما فعل. هذا كله خلاصة ما في الإتقان والمطوّل.
فائدة:
الحذف الذي يلزم النحوي النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة وذلك كأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس أو معطوفا بدون معطوف عليه أو بالعكس أو معمولا بدون عامل. وأما قولهم سرابيل تقيكم الحرّ على كون التقدير والبرد فضول في علم النحو، وإنما ذلك للمفسّر.
وكذا قولهم يحذف الفاعل لعظمته أو حقارته ونحو ذلك فإنه تطفّل منهم على صناعة البيان. فائدة:
في ذكر شروط الحذف وهي ثمانية.
الأول وجود دليل حالي أو مقالي إذا كان المحذوف جملة بأسرها نحو قالُوا سَلاماً أي سلمنا سلاما، ونحو وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً. أو أحد ركنيها نحو قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون، فحذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية. أو لفظا يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو تالله تفتؤا. وأما إذا كان المحذوف فضلة فلا يشترط لحذفه وجدان الدليل ولكن يشترط أن لا يكون في حذفه ضرر معنوي كما في قولك ما ضربت إلّا زيدا، أو صناعي كما في قولك زيدا ضربته وقولك ضربني وضربت زيد.
ولاشتراط الدليل امتنع حذف الموصوف في نحو رأيت رجلا أبيض بخلاف رأيت رجلا كاتبا.
وحذف المضاف في نحو غلام زيد بخلاف جاء ربك. وحذف المبتدأ إذا كان ضمير الشأن.

موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج 1 637 فائدة: ..... ص: 637

حذف المضاف في نحو غلام زيد بخلاف جاء ربك. وحذف المبتدأ إذا كان ضمير الشأن.
ومن الأدلة ما هو صناعي أي تختصّ بمعرفة النحو فإنه إنما عرف من جهة الصناعة وإعطاء القواعد وإن كان المعنى مفهوما كقولهم في لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ أنّ التقدير لأنا أقسم وذلك لأنّ فعل الحال لا يقسم عليه. ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف فلا يجوز زيد ضارب وعمرو أي ضارب، ويراد بالمحذوف معنى يخالف المذكور. ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلّا بتقدير محذوف، ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالته على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخر نحو حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ فإنّه لمّا لم تصح إضافته إلى الإحرام دلّ العقل على حذف شيء، وأمّا تعيينه وهو التناول فمستفاد من قوله عليه السلام والصلاة «إنّما حرم أكلها». وتارة يدل على التعيين أيضا نحو وَجاءَ رَبُّكَ أي أمر ربك بمعنى عذابه لأنّ العقل دلّ على استحالة مجيء الربّ تعالى، وعلى أنّ الجائي أمره. وتارة يدلّ على التعيين عادة نحو فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ دلّ العقل على الحذف لأنّ يوسف لا يصلح ظرفا للّوم. ثم يحتمل أن يقدّر لمتنني في حبه لقوله تعالى قَدْ شَغَفَها حُبًّا وفي مراودته لقوله تعالى تُراوِدُ فَتاها، والعادة دلّت على الثاني لأنّ الحبّ المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة. وتارة يدلّ عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أي من عند الله بدليل وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ومن الأدلة علي أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع عن إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ أي مكان قتال. والمراد مكانا صالحا للقتال لأنّهم كانوا أخبروا الناس بالقتال ويتغيّرون بأن يتفوّهوا بأنهم لا يعرفونه، فالعادة تمنع إرادة حقيقة القتال. ومن الأدلة الشروع في الفعل نحو: بسم الله الرحمن الرحيم، فيقدّر ما جعلت التسمية مبدأ له قراءة كان أو فعلا. الثاني أن لا يكون المحذوف كالجزء، فلا يحذف الفاعل ولا نائبه ولا شبهه كاسم إنّ وأخواتها. الثالث أن لا يكون مؤكّدا لأنّ الحذف مناف للتأكيد لأنه مبني على الاختصار والتأكيد مبني على الطّول، ومن ثمّ ردّ الفارسي على الزّجاج في قوله تعالى قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ أي إن هذان لهما ساحران، فقال الحذف والتأكيد باللام متنافيان.
وأما حذف الشيء لدليل وتأكيده فلا تنافي بينهما لأنّ المحذوف بالدليل كالثابت. ولذا قال ابن مالك: لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكّد.
الرابع أن لا يؤدّي حذفه إلى اختصار المختصر فلا يحذف اسم الفعل دون معموله لأنه اختصار الفعل. الخامس أن لا يكون عاملا ضعيفا كالجار والناصب للفعل والجازم إلّا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها الاستعمال لتلك العوامل ولا يجوز القياس عليها. السادس أن لا يكون عوضا عن شيء فلا يحذف ما في أمّا أنت منطلقا انطلقت، ولا كلمة لا في قولهم افعل هذا أمّا لا، ولا التاء من عدة. السابع والثامن أن لا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، ولا إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل القوي.
وللأمر الأول منع البصريون حذف مفعول الفعل الثاني من نحو ضربني وضربته زيد لئلّا يتسلّط على زيد ثم يقطع عنه برفعه بالفعل الأول.
ولاجتماع الأمرين امتنع عندهم أيضا حذف المفعول من زيد ضربته لأنّ في حذفه تسليط ضرب على العمل في زيد مع قطعه عنه وإعمال الابتداء مع التمكّن من إعمال الفعل، ثم حملوا على ذلك زيدا ضربته أو هل زيدا ضربته، فمنعوا الحذف وإن لم يؤدّ إلى ذلك.
فائدة:
اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن. ولهذا قال في قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ أنّ الأصل لا تجزئ فيه، فحذف حرف الجر ثم الضمير، وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا.
فائدة:
الأصل أن يقدّر الشيء في مكانه الأصلي لئلّا يخالف الأصل من وجهين: الحذف ووضع الشيء في غير محله، فيجب أن يقدّر المفسّر في زيدا رأيته مقدما عليه. وجوز البيانيون تقديره مؤخرا لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة إذا منع منه مانع نحو وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فإنّ النحاة على أنه يقدّر مؤخرا هاهنا إذ لا يلي أمّا فعل.
فائدة:
ينبغي تقليل المقدّر مهما أمكن لتقلّ مخالفة الأصل، ولذلك كان تقدير الأخفش في ضربي زيدا قائما ضربه قائما أولى. من تقدير باقي البصريين، وهو حاصل إذا كان قائما. قال الشيخ عز الدين ولا يقدّر من المحذوفات إلّا أشدها موافقة للغرض وأفصحها. ومهما تردّد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن في التنزيل لأنّ الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث.
فائدة:
إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وبين كونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأنّ المبتدأ عين الخبر، فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف. فأمّا الفعل فإنه غير الفاعل، اللهم إلّا أن يعتضد الأول برد آية أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه. وإذا دار بين كونه مبتدأ وخبرا فقال الواسطي كونه مبتدأ أولى لأنّ الخبر محط الفائدة. وقال العبدي الأولى الخبر لأنّ التجوّز في آخر الجملة أسهل. وإذا دار الأمر بين كونه أولا وثانيا فالثاني أولى، ومن ثمّ رجّح أنّ المحذوف في نحو أتحاجّونّي نون الوقاية لا نون الرفع.
فائدة:
في حذف المفعول اختصارا واقتصارا جرت عادة النحاة أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف بدليل، وبالاقتصار الحذف بغير دليل، ويمثلونه بنحو كلوا واشربوا أي أوقعوا هذين الفعلين.
والتحقيق أن يقال كما قال أهل البيان تارة يتعلّق الغرض بالإعلام بمجرّد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام، فيقال: حصل حريق أو نهب، وتارة يتعلّق بالإعلام بمجرّد إيقاع الفاعل للفعل فيقتصر عليه، ولا يذكر المفعول ولا ينوى لأنّ المنوي كالثابت، ولا يسمّى محذوفا لأنّ الفعل ينزّل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له، ومنه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران. وهذا النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل إنه محذوف. وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا.
وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ قد يتوهّم أنّ معناه نادوا فلا حذف، أو سمّوا فالحذف واقع.
فائدة:
اختلف في الحذف فالمشهور أنه من المجاز وأنكره البعض لأنّ المجاز استعمال اللفظ في غير موضعه والحذف ليس كذلك.
وقال ابن عطية حذف المضاف وهو عين المجاز ومعظمه وليس كل حذف مجازا. وقال الفراء في الحذف أربعة أقسام. قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ أي أهلها إذ لا يصح إسناد السؤال إليها. وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أي فافطر فعدة. وقسم يتوقّف عليه عادة لا شرعا نحو أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فضربه فانفلق. وقسم يدلّ عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة نحو فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ دلّ الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول وليس في هذه الأقسام مجاز إلّا الأول. وقال الزنجاني في المعيار إنّما يكون مجازا إذا تغيّر حكم، فأمّا إذا لم يتغيّر كحذف خبر المبتدأ فليس مجازا، إذ لم يتغيّر حكم ما بقي من الكلام. وقال القزويني في الإيضاح متى تغيّر إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فمجاز وإلّا فلا. وقد سبق في لفظ المجاز.
فائدة:
للحذف فوائد كالاختصار والاحتراز عن العبث بظهوره وكالتنبيه على ضيق الوقت كما في التحذير والإغراء وكالتفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام وكالتخفيف لكثرته في الكلام، كما في حذف حرف النداء وغير ذلك، مما بيّن في كتب البيان. وإن شئت توضيح تلك المباحث فارجع إلى المغني والإتقان.

التّوقّف

التّوقّف:
[في الانكليزية] Dependence ،interdependence
[ في الفرنسية] Dependance ،interdependance
في عرف العلماء يطلق على معنيين.
الأول توقف المعيّة وهو أن لا يوجد أحد الشيئين إلّا مع الآخر وهو جائز بل واقع كما في المتضايفين، ففسد ما ظنّ بعض العلماء من أنه لا يتصوّر توقف المعيّة، واحتج بأنّ كل واحد منهما إن استغنى عن الآخر فيصحّ وجوده دونه وإن كان لكلّ واحد منهما مدخل في وجود الآخر فيتوقف كل منهما على الآخر، وإن كان لأحدهما مدخل في وجود الآخر فيتقدم عليه فلا معية. وردّ احتجاجه بأنه لا نسلم أنّه لا معية على التقدير الثاني لأنّ توقف كل منهما على الآخر لا ينافي المعيّة لأنّ الشيئين إذا كانا لهما علّة خارجة يجوز أن يقوم كلّ واحد منهما مع الآخر ضرورة كلبنتين منحتتين مثلا قد يقع أن يقام كل منهما مع الآخر ضرورة، ولا يقوم إحداهما إلّا مع قيام الأخرى. الثاني توقّف التقدّم وهو أن لا يوجد أحدهما إلّا بالآخر، وهذا التوقّف من الطرفين ممتنع إذ يلزم حينئذ تقدّم كلّ واحد منهما على نفسه وعلى المتقدّم عليه، كذا في شرح إشراق الحكمة في بحث المغالطة.

التّعريف

التّعريف:
[في الانكليزية] Definite article ،definition
[ في الفرنسية] Article defini ،definition
عند أهل العربية هو جعل الذات مشارا بها إلى خارج إشارة وضعية ويقابلها التنكير وسيأتي في لفظ المعرفة. وعند المنطقيين والمتكلّمين هو الطريق الموصل إلى المطلوب التصوّري ويسمّى معرّفا بكسر الراء المشددة وقولا شارحا أيضا، ويسمّى حدّا أيضا عند الأصوليين وأهل العربية، كما سيأتي في لفظ الحد. وذلك المطلوب التصوّري يسمّى معرّفا بفتح الراء المشددة ومحدودا، والطريق ما يمكن التوصل فيه بصحيح النظر إلى المطلوب كما سيأتي أيضا. وبالجملة فالمعرّف ما يكتسب به التصوّر فخرج ما يحصل بطريق الحدس وما يحصل من الملزومات البيّنة من العلم باللوازم، فإنّ الاكتساب إنّما هو بالنظر. قال المنطقيون لا بد في المعرّف من مميّز فإن كان المميز ذاتيا سمّي المعرف حدّا، وإن كان عرضيا سمّي المعرّف رسما، وإذا اجتمع المميزان سمّي رسما أكمل من الحدّ، وكل من الحدّ والرسم إن ذكر فيه تمام الذاتي المشترك بينه وبين غيره المسمّى بالجنس القريب فتام، وإلّا فناقص.
فالمركّب من الجنس والفصل القريبين حدّ تام كالحيوان الناطق في تعريف الإنسان، والمركّب من الخاصة والجنس القريب رسم تام كالحيوان الضاحك في تعريف الإنسان، والتعريف بالفصل وحده، أو مع الجنس البعيد أو العرض العام عند من يجوز أخذه في الحد حد ناقص، والتعريف بالخاصة وحدها أو مع الجنس البعيد أو العرض العام عند من يجوز أخذه في الرسم رسم ناقص.
أعلم أنّ التعريف بالمثال سواء كان جزئيا للمعرّف كقولك الاسم كزيد والفعل كضرب أو لا يكون جزئيا له كقولك العلم كالنور والجهل كالظلمة، هو بالحقيقة تعريف بالمشابهة التي بين ذلك المعرّف وبين المثال، فإن كانت تلك المشابهة مفيدة للتمييز فهي خاصة لذلك المعرّف فيكون التعريف بها رسما ناقصا داخلا في أقسام المعرّف الحقيقي، وإلّا لم يصح التعريف بها، فليس التعريف بالمثال قسما على حدة. ولما كان استئناس العقول القاصرة بالأمثلة أكثر لكون الجزئي أوّل المدركات شاع في مخاطبات المتعلّمين التعريف به.
واعلم أيضا أنّ التعريف يطلق بالاشتراك على معنيين: أحدهما التعريف الحقيقي وهو الذي يقصد به تحصيل ما ليس بحاصل من التصوّرات وهو الذي ذكر سابقا وهو ينقسم إلى قسمين. الأول ما يقصد به تصوّر مفهومات غير معلومة الوجود في الخارج سواء كانت موجودة أو لا ويسمّى تعريفا بحسب الاسم وتعريفا اسميا، فإذا علم مفهوم الجنس مثلا إجمالا وأريد تصوّره بوجه أكمل فإن قصد نفس مفهومه بأجزائه كان ذلك حدا له اسميا، وإن ذكر في تعريفه عوارضه كان ذلك رسما له اسميا.
والثاني ما يقصد به تصوّر حقائق موجودة أي معلومة الوجود في الخارج بقرينة المقابلة ويسمّى تعريفا بحسب الحقيقة، إمّا حدا أو رسما. ثم الظاهر من عباراتهم أنّ المعتبر في كونه تعريفا بحسب الاسم أو بحسب الحقيقة الوجود الخارجي، فالأمور الاعتبارية التي لها حقائق في نفس الأمر، كالوجود والوجوب والإمكان يكون لها تعريفات بحسب الاسم فقط، لكن لا شبهة في أن لها حقائق في نفس الأمر، وألفاظها يجوز أن تكون موضوعة بإزائها وأن تكون موضوعة بإزاء لوازمها، فيكون لها تعريفات بحسب الاسم وبحسب الحقيقة إمّا حدودا أو رسوما كالحقائق الخارجية، فالصواب عدم التخصيص بالموجودات الخارجية وأن يراد بالوجود في الخارج الوجود في نفس الأمر، وبه صرّح المحقّق التفتازاني في التلويح. فعلى هذا، الماهيات الحقيقية أي الثابتة في نفس الأمر لها تعريفات بحسب الاسم وبحسب الحقيقة بخلاف الماهيات الاعتبارية أي الكائنة بحسب اعتبار العقل كالمعدومات والمفهومات المصطلحة، فإنّها تعرف بحسب الاسم لا بحسب الحقيقة.
وثانيهما التعريف اللفظي وهو الذي يقصد به الإشارة إلى صورة حاصلة وتعيينها من بين الصور الحاصلة ليعلم أنّ اللفظ المذكور موضوع بإزاء الصورة المشار إليها. فمعنى قولنا الغضنفر الأسد إنّ ما وضع له الغضنفر هو ما وضع له الأسد، فالمستفاد منه تعيين ما وضع له لفظ الغضنفر من بين سائر المعاني والعلم بوضعه له، فمآله إلى التصديق أي التصديق بالوضع فهو في الحقيقة من مطالب هل المركّبة، وإن كان يسأل عنه بما نظرا إلى استلزامه لإحضار المعنى بعد العلم بالوضع، فيقال ما الغضنفر؟ وهو طريقة أهل اللغة وخارج عن المعرّف الحقيقي وأقسامه المذكورة. فإن التعريف الحقيقي ما يكون تصوّره سببا لتصور شيء آخر. ولمّا لم يكن في التعريف اللفظي المغايرة إلّا من حيث اللفظ لا يتحقق هاهنا تصوّران متغايران بالذات أو بالاعتبار، فضلا عن كون أحدهما سببا للآخر. وما قيل من أنّ المفهوم من حيث إنه مدلول اللفظ الأول مغاير لنفسه من حيث إنّه مدلول اللفظ الثاني فبالحيثية الثانية سبب، وبالحيثية الأولى مسبب، ففيه أنّ المفاد من التعريف اللفظي إحضار ذات مفهوم اللفظ الأول بتوسّط اللفظ الثاني لا إحضاره مقيدا بكونه مدلول اللفظ الأول بتوسّط إحضاره مقيدا بكونه مدلول اللفظ الثاني، فظهر من هذا فساد ما ذهب إليه المحقق التفتازاني، من أنّ التعريف اللفظي من المطالب التصوّرية، وبالنظر إلى هذا ذهب صاحب السلم إلى أنّ الاشتراك بين المعنيين معنوي حيث قال: معرّف الشيء ما يحمل عليه تصويرا وتحصيلا أو تفسيرا، والثاني اللفظي والأول الحقيقي، ففيه تحصيل صورة غير حاصلة. فإن علم وجودها فهو بحسب الحقيقة، وإلّا فبحسب الاسم. ثم قال:
التعريف اللفظي من المطالب التصوّرية فإنه جواب ما، وكلّما هو جواب ما فهو تصوّر. ألا ترى إذا قلنا الغضنفر موجود فقال المخاطب ما الغضنفر؟ ففسّره بالأسد، فليس هناك حكم.

وهكذا ذكر المحقق الدواني حيث قال: وأنت خبير بأنه إذا كان الغرض منه معرفة حال اللفظ وأنه موضوع لذلك المعنى كان بحثا لغويا خارجا عن المطالب التصوّرية، وأمّا إذا كان الغرض منه تصوير معنى اللفظ أي إحضاره فليس كذلك كما إذا قلنا الغضنفر موجود، فلم يفهم السامع منه معنى، ففسرناه بالأسد فيحصل له تصوّر معناه فذلك من المطالب التصورية انتهى. وفيه أنّ هذا التفسير لإحضار صورة حاصلة للحكم عليه بموجود وليس كل ما يفيد إحضار صورة حاصلة تعريفا لفظيا وإلّا لكان جميع الألفاظ المعلومة أوضاعها تعريفات لفظية لكونها مفيدة لإحضار صورة حاصلة بل هو أي التعريف اللفظي ما يفيد إحضار صورة حاصلة، ويعلم بأنّ اللفظ موضوع بإزائها كقولنا الغضنفر الأسد، على أنه يرد على قوله ففسرناه بالأسد ليحصل معناه أنه إن أراد به أنّ التفسير يفيد حصول المعنى ابتداء فممنوع. وإن أراد أنه يفيده بتوسط إفادته العلم بأنه موضوع فمسلّم.
لكن حينئذ يكون التفسير المذكور للعلم بالوضع وحصول المعنى بتبعه فتدبر.
فائدة:
من حق التعريف اللفظي أن يكون بألفاظ مفردة مرادفة فإن لم توجد ذكر مركّب يقصد به تعيين المعنى لا تفصيله ويجري في الحروف والأفعال أيضا.
فائدة:
يجب معرفة المعرّف قبل معرفة المعرّف قبلية زمانية وذاتية، فإنّ كونه طريقا لتلك المعرفة يثبت القبلية الزمانية، وكونه سببا لها يثبت القبلية الذاتية، فيكون غير المعرّف ويكون أيضا أجلى منه، ولا بدّ أن يساويه في العموم والخصوص ليحصل به التمييز إذ لولاه لدخل فيه غير المعرّف على تقدير كونه أعمّ مطلقا أو من وجه، فلم يكن مانعا مطردا أو خرج عنه بعض أفراده على تقدير كونه أخص، إمّا مطلقا أو من وجه فلم يكن جامعا ومنعكسا. وهذا مذهب المتأخرين. وأمّا المتقدمــون فقد قالوا الرّسم منه تام يميز المرسوم عن كل ما يغايره ومنه، وناقص يميزه عن بعض ما يغايره. وصرّحوا بأنّ المساواة شرط لجودة الرسم وجوّزوا الرسم بالأعم والأخص، وأيّد ذلك بأنّ المعرّف لا بدّ أنّ يفيد التمييز عن بعض الأغيار كما يقتضيه تعريفهم للمعرّف بما يستلزم معرفته معرفته، فإن المعرفة تقتضي التمييز في الجملة. وأمّا التمييز عن جميعها فليس بشرط أنّ التصورات المكتسبة كما قد تكون بوجه خاص بالشيء إمّا ذاتي أو عرضي، كذاك يكون بوجه عام ذاتي أو عرضي، فيجب أن يكون كاسب كل منهما معرفا.
فالمساواة شرط للمعرّف التام دون غيره حدا كان أو رسما.
فائدة:
كلّ من قسمي التعريف الحقيقي لا يتجه عليه منع لأنّ المتصدّي لهما بمنزلة نقاش ينقش لك في ذهنك صورة مفهوم أو موجود، فإنّه إذا قال الإنسان حيوان ناطق لم يقصد به أن يحكم عليه بكونه حيوانا ناطقا وإلّا لكان مصدقا لا مصوّرا، بل أراد بذكر الإنسان أن يتوجه ذهنك إلى ما عرفته بوجه ما، ثم شرع في تصويره بوجه أكمل. فليس بين الحدّ والمحدود حكم حتى يمنع، فلا يصح أن يقال للكاتب: لا أسلم كتابتك. نعم يصح أن يقال لا نسلم أنّ هذا حدّ للإنسان أو أنّ الحيوان جنس له ونحو ذلك، فإنّ هذه الدعاوي صادرة عنه ضمنا وقابلة للمنع، فإذا أريد دفعه صعب جدا في المفهومات الحقيقية وإن سهل في المفهومات الاعتبارية. وكذا لا يتجه على الحدّ النقض والمعارضة. أمّا إذا قيل الإنسان حيوان ناطق وأريد أنّ هذا مدلوله لغة أو اصطلاحا كان هذا تعريفا لفظيا قابلا للمنع الذي يدفع بمجرد نقل أو وجه استعمال. هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته لمولانا عبد الحكيم.
فائدة:
يحترز في التعريف عن الألفاظ الغريبة الوحشية وعن المشترك والمجاز بلا قرينة ظاهرة. وبالجملة فعن كلّ لفظ غير ظاهر الدلالة على المقصود.
فائدة:
المركب إذا لم يكن بديهي التصوّر يحدّ بأجزائه حدا تاما أو ناقصا دون البسيط فإنه لا يمكن تحديده أصلا، إذ لا جزء له. فإن تركّب عنهما أي عن المركّب والبسيط غيرهما ولا يكون ذلك الغير بديهي التصوّر حدّ بهما، وإلّا فلا، إذ لم يقعا جزأ للشيء. وكل متصوّر كسبي مركّب أو بسيط له خاصة شاملة لازمة بيّنة بحيث يكون تصورها مستلزما لتصوره يرسم، وإلّا فلا. فإن كان ذلك الكسبي الذي له تلك الخاصة مركّبا أمكن رسمه التام بتركيب جنسه القريب مع خاصته وإلّا فالناقص. ثم إنّه يقدم في التعريف الاسم. ثم المشهور أنّ الشخص لا يحدّ بل طريق إدراكه الحواس إنما الحدّ لكليّات المرتسمة في العقل دون الجزئيات المنطبعة في الآلات لأنّ معرفة الشخص لا تحصل إلا بتعيين مشخصاته بالإشارة ونحوها، والحدّ لا يفيد ذلك لأن غايته الحدّ التام وهو إنما يشتمل على مقومات الشيء دون مشخصاته. ولقائل أن يقول إنّ الشخص مركّب اعتباري هو مجموع الماهية والتشخّص، فلم لا يجوز أن يحدّ بما يفيد معرفة الأمرين؟
والحقّ أنّ الشخص يمكن أن يحدّ بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه، بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين في العقل، فإنّ ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير. هكذا في العضدي وحواشيه.

المكاتبة

المكاتبة:
[في الانكليزية] Correspondance
[ في الفرنسية] Correspondance
هي عند المحدّثين أن يكتب الشيخ مسموعه لغائب أو حاضر بخطّه أو بخطّ غيره بإذنه، فهي كالمناولة، إمّا مقترنة بالإجازة كأن يكتب إليه أجزت لك ما كتبته إليك، أو مجرّدة عنها كأن يكتب حدّثنا فلان بهذا. والصحيح جواز الرواية بهما جميعا، وهي في الصحة والقوة كالمناولة ويكفي معرفة خطّ الكاتب، كذا في خلاصة الخلاصة. وفي شرح النخبة أطلق المتأخّرون المكاتبة في الإجازة المكتوب بها بخلاف المتقدّمــين فإنّهم إنّما يطلقونها فيما كتبه الشيخ من الحديث إلى الطالب سواء أذن له في روايته أم لا.

النّفس

النّفس:
[في الانكليزية] Blood ،diversion
[ في الفرنسية] Sang ،divertissement
بفتحتين في اللغة الفارسية دم. وفي اصطلاح الصّوفية هو التّرويح عن القلب بمطالب الغيوب النّازلة من حضرة المحبوب تبارك وتعالى. كذا في لطائف اللغات.
النّفس:
[في الانكليزية] Soul ،spirit ،water
[ في الفرنسية] Ame ،eau ،espri
بالفتح وسكون الفاء عند أهل الرمل اسم للجماعة وأهل الرّمل يسمّون النفس والنفس الكلّية: الجماعة. ويطلقون النفس على عنصر الماء. والماء الأول هو النفس الأولى كما يقولون. والماء الثاني هو النفس الثانية. إذا فالماء هو عتبة داخل النفس السّابقة. وقد مرّ ذلك في جدول أدوار الطالب والمطلوب بالتفصيل من دائرة أبدح وسكن. والنفس يطلق عند الحكماء بالاشتراك اللفظي على الجوهر المفارق عن المادة في ذاته دون فعله، وهو على قسمين: نفس فلكية ونفس إنسانية، وعلى ما ليس بمجرّد بل قوة مادية وهو على قسمين أيضا نفس نباتية ونفس حيوانية، هكذا يستفاد من تهذيب الكلام ويجعل النفس الأرضية اسما للنفس النباتية والحيوانية والإنسانية، والنفس الفلكية تسمّى بالنفس السماوية أيضا.
فالنفس النباتية كمال أول لجسم طبيعي آليّ من حيث يتولّد ويتغذّى وينمو، فالكمال جنس بمعنى ما يتمّ به الشيء وقد سبق في محلّه، وبقيد أول خرج الكمالات الثانية كالعلم والقدرة وغيرها من توابع الكمال الأول، وبقيد الجسم خرج كمالات المجرّدات وبقيد طبيعي خرج صور الجسم الصناعي كصور السرير والكرسي وبقيد آليّ خرج صور العناصر إذ لا يصدر عنها أفعال بواسطة الآلات، وكذا الصور المعدنية.
فالآلي صفة الكمال أي كمال أول آليّ، أي ذو آلة. ويجوز جرّه على أنّه صفة لجسم أي جسم مشتمل على الآلة بأن يكون له آلات مختلفة يصدر عنها هذه الأفعال من التغذية والتنمية وتوليد المثل وهذا أظهر لعدم الفصل بين الصفة والموصوف على التقديرين، فليس المراد بالآلي أنّ الجسم ذو أجزاء متخالفة فقط بل يكون أيضا ذا قوى مختلفة كالغاذية والنامية، فإنّ آلات النفس بالذات هي القوى وبتوسطها الأعضاء. وقيل الأولى أن لا يراد بالطبيعي ما يقابل الصناعي فقط بل يراد به ما يقابل الجسم التعليمي والصناعي معا لئلّا يفتقر إلى إخراج الكمال الأول للجسم التعليمي إلى قيد آخر.
ومنهم من رفع طبيعيا صفة للكمال احترازا عن الكمال الصناعي فإنّ الكمال الأول قد يكون صناعيا يحصل بصنع الحيوان كما في السرير والصندوق ووكر الطير وقد يكون طبيعيا لا مدخل لصنعه فيه، لكن الظاهر حينئذ أن يقال كمال أول طبيعي لجسم آليّ الخ. وبقيد الحيثية خرج كلّ كمال لا يلحق من هاتين الحيثيتين كالنفس الحيوانية والانسانية والفلكية. اعلم أنّهم اختلفوا فذهب بعضهم إلى أنّ الشيء إذا صار حيوانا تكون نفسه النباتية باقية فيه وتلك الأفعال صادرة عنها لا عن النفس الحيوانية والأفعال الحيوانية من الحسّ والحركة الإرادية صادرة عن النفس الحيوانية. والمحقّقون على أنّ الأفعال المذكورة في النفس النباتية صادرة في الحيوان عن النفس الحيوانية وتبطل النفس النباتية عند فيضان النفس الحيوانية، فعلى هذا بعض أفعال النفس الحيوانية بالاختيار وبعضها بلا اختيار، ولا يخفى ما فيه من التأمّل. فعلى المذهب الأول لا حاجة إلى زيادة قيد فقط وعلى المذهب الثاني لا بد من زيادته. ولذا قال البعض هي كمال أول لجسم طبيعي آليّ من جهة ما يتولّد ويزيد ويغتذي فقط، والحصر إضافي بالنسبة إلى ما يحسّ ويتحرّك بالإرادة، فلا يرد أنّ أفعال النفس النباتية غير منحصرة فيما ذكر، بل لا بد مع ذلك أيضا من جهة ما يتصوّر ويجذب ويضم ويمسك ويدفع. لكن بقي هاهنا بحث من وجوه: الأول أنّ التعريف صادق على صورة النطفة التي بها تصير سببا للتغذية والتنمية، وكذا على الصورة اللحمية والعظمية وغيرها مع أنه لا يقال لها نفس نباتية وإلّا يلزم أن تكون هذه الأشياء نباتا. والجواب أنّ عدم إطلاق النفس النباتية عليها إنّما هو في عرف العام وأمّا في عرف الخاص فيجوز إطلاقها عليها وإطلاق النبات على تلك الأجسام أيضا جائز اصطلاحا. الثاني أنّه صادق على الصور النوعية للبسائط الموجودة في المركّبات النباتية.
والجواب أنّ تلك الصور ليست كمالات أولية بالنسبة إلى المركّبات إذ الكمال الأول ما يتمّ به النوع في ذاته بأن يكون سببا قريبا لحصول النوع وجزءا أخيرا له، وما هو بمنزلته، وتلك الصور ليست كذلك بالنسبة إلى المركّبات.
الثالث أنّه يكفي أن يقال كمال أول من حيث يتغذّى وينمو ويتولّد بل يكفي أن يقال كمال من حيث ينمو وباقي القيود مستدرك إذ الكمال الثاني وكمال الجسم الصناعي وغير الآلي ليس من جهة ما ينمو. والجواب أنّ قيود التعريف قد تكون للاحتراز وقد تكون للتحقيق وبعض هذه القيود للاحتراز وبعضها للتحقيق. والنفس الحيوانية كمال أول لجسم طبيعي آليّ من جهة ما يدرك الجزئيات الجسمانية ويتحرّك بالإرادة والقيد الأخير لإخراج النفس النباتية والإنسانية والفلكية. أقول والمراد أن يكون منشأ تمييز ذلك الكمال عن الكمالات الأخر هو هذين الأمرين أعني إدراك الجزئيات الجسمانية والحركة الإرادية لا غير فينطبق التعريف على المذهبين المذكورين. ولا يرد ما قيل من أنّه إن أريد الآلي من جهة هذين الأمرين فقط فلا يصدق التعريف على النفس الحيوانية على مذهب المحقّقين لأنّها آليّة من جهة الأفعال النباتية أيضا، وإن أريد الآلي من جهتهما مطلقا فينتقض التعريف بالنفس الناطقة. وأورد عليه أنّه غير جامع لعدم صدقه على النفس الحيوانية في الإنسان لأنّها ليست مدركة عند المحقّقين بل المدرك للكلّيات والجزئيات مطلقا هو النفس الناطقة. وأجيب بأنّ المراد بالمدرك أعمّ من أن يكون مدركا بالحقيقة أو يكون وسيلة للإدراك والنفس الحيوانية وسيلة لإدراك النفس الناطقة للجزئيات الجسمانية، ولا يرد القوى المدركة الظاهرة والباطنة لأنّ هذه القوى ليست من قبيل الكمال الأول لأنّها كما مرّ عبارة عن الجزء الأخير للنوع أو ما هو بمنزلته. والنفس الإنسانية وتسمّى بالنفس الناطقة والروح أيضا كمال أول لجسم طبيعي آليّ من جهة ما يدرك الأمور الكلّية والجزئية المجرّدة ويفعل الأفعال الفكرية والحدسية، وقد سبق أنّ المراد بالكمال الأول ما يتمّ به النوع في ذاته بأن يكون سببا قريبا لتحقّقه وجزءا أخيرا له وما هو بمنزلته، والنفس الناطقة بالنسبة إلى بدن الإنسان من قبيل الثاني. ثم قولهم كمال أول لجسم طبيعي آليّ مشترك بين النفوس الثلاثة وباقي القيود في التعريفات لإخراج بعضها عن بعض. وأمّا النفوس الفلكية فخارجة عن هذا لأنّ السماويات لا تفعل بواسطة الآلات على ما هو المشهور من أنّ لكلّ فلك من الخارج المركز والحوامل والتداوير والممثلات نفسا على حدة على سبيل الاستقلال، وأمّا على رأي من يقول إنّ الكواكب والتداوير والخارج المركز هي الأعضاء والآلات للنفس المدبّرة للفلك الكلّي فالنفوس للأفلاك الكلّية فقط فداخلة فيه، إلّا أنّه لا يشتمل القدر المذكور لنفس الفلك الأعظم عندهم أيضا. فاخراجها عن تعريف النفس النباتية على رأيهم بقيد الحيثية المذكورة في تعريف النفس النباتية، وعن تعريف النفس الناطقة بقيد وبفعل الأفعال الفكرية. وأمّا إخراجها عن تعريف النفس الحيوانية فبقيد ما يدرك الجزئيات الجسمانية لأنّ النفوس الفلكية مجرّدة والمجرّد لا يدرك الجزئي المادي.
والنفس الفلكية كمال أول لجسم طبيعي ذي إدراك وحركة دائمين يتبعان تعقلا كلّيا حاصلا بالفعل وهذا مبني على المذهب المشهور، وعليك بالتأمّل فيما سبق حتى يحصل تعريف النفس الفلكية على المذهب الغير المشهور أيضا. اعلم أنّهم قالوا إنّ النفس الفلكية مجرّدة عن المادة وتوابعها مدركة للكلّيات والجزئيات المجرّدة، وقالوا حركات الأفلاك إرادية، وكلّ ما يصدر عنه الحركة الجزئية الإرادية فيرتسم فيه الصغير والكبير، ولا شيء من المجرّدات كذلك، فليس المباشر القريب لتحريك الفلك جوهرا مجرّدا، بل لا بدّ هاهنا من قوة جسمانية أخرى فائضة عن المحرّكات العاقلة المجرّدة على أجرام الأفلاك وتسمّى تلك القوة الفائضة نفسا منطبعة ونسبتها إلى الفلك كنسبة الخيال إلينا في أنّ كلا منهما محلّ ارتسام الصورة الجزئية، إلّا أنّ الخيال مختصّ بالدماغ والنفس المنطبعة سارية في الفلك كلّه لبساطته وعدم رجحان بعض أجزائه على بعض في المحلية.
وإلى هذا ذهب الإمام الرازي. وقال المحقّق الطوسي: ذلك شيء لم يذهب إليه أحد قبله فإنّ الجسم الواحد يمتنع أن يكون ذا نفسين أعني ذا ذاتين هو آله لهما. والحقّ أنّ له نفسا مجرّدة وقوة خيالية وهذا مراد الإمام. غاية ما في الباب أنّه عبّر عن القوة الخيالية بالنفس المنطبعة، والمشّاءون على أنّ للفلك نفسا منطبعة لا غير، فإنّ الظاهر من مذهبهم أنّ المباشر لتحريك الفلك قوة جسمانية هي صورته المنطبعة في مادته وأنّ الجوهر المجرّد الذي يستكمل به نفسه عقل غير مباشر للتحريك.
والشيخ الرئيس على أنّ له نفسا مجرّدة لا غير.
وقال إنّ النفس الكلّي هي ذات إرادة عقلية وذات إرادة جزئية. وقال إنّ لكل فلك نفسا مجرّدة يفيض عنها صورة جسمانية على مادة الفلك فتقوم بها، وهي تدرك المعقولات بالذات وتدرك الجزئيات بجسم الفلك، وتحريك الفلك بواسطة تلك الصورة التي هي باعتبار تحريكاته كالخيال بالنسبة إلى نفوسنا وأبداننا، فإنّ المدرك حقيقة هو النفس والخيال آلة وواسطة لإدراكه، فالمباشر على هذا هو النفس إلّا أنّها بواسطة الآلة وتحقيقه في شرح الإشارات. ثم اعلم أنّ عدد النفوس الفلكية المحرّكة للأفلاك على المذهب المشهور هو عدد الأفلاك والكواكب جميعا، وعلى المذهب الغير المشهور تسعة بعدد الأفلاك الكلّية فإنّهم قالوا: كلّ كوكب منها ينزّل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة تتعلّق تلك النفس بالكوكب أولا وبأفلاكه ثانيا كما تتعلّق نفس الحيوان بقلبه أولا وبأعضائه بعد ذلك بتوسطه. وقيل لجميع الأفلاك نفس واحدة تتعلّق بالمحيط وبالباقية بالواسطة.
فائدة:
في المباحث المشرقية الشيء قد يكون له في ذاته وجوهره اسم يخصه وباعتبار إضافته إلى غيره اسم آخر كالفاعل والمنفعل والأب والابن وقد لا يكون له اسم إلّا باعتبار الإضافة كالرأس واليد والجناح، فمتى أردنا أن نعطيها حدودها من جهة أسمائها بما هي مضافة أخذنا الأشياء الخارجة عن جواهرها في حدودها لأنّها ذاتيات لها بحسب الأسماء التي لها تلك الحدود والنفس في بعض الأشياء كالإنسان قد تتجرّد عن البدن ولا تتعلّق به لكن لا يتناوله اسم النفس إلّا باعتبار تعلّقها به حتى إذا انقطع ذلك التعلّق أو قطع النظر عنه لم يتناوله اسم النفس إلّا باشتراك اللفظ، بل الاسم الخاص بها حينئذ هو العقل. فما ذكر في تعريف النفس ليس تعريفا لها من حيث ماهيتها وجوهرها بل من حيث إضافتها إلى الجسم الذي هي نفس، له إذ لفظ النفس إنّما يطلق عليها من جهة تلك الإضافة فوجب أن يؤخذ الجسم في تعريفها كما يؤخذ البناء في تعريف الباني من حيث إنّه بان وإن لم يجز أخذه في حدّه من حيث إنّه إنسان.
فائدة:
قيل إطلاق النفس على النفوس الأرضية والسماوية ليس بحسب اشتراك اللفظ فإنّ الأفعال الصادرة عن صور أنواع الأجسام منها ما يصدر من إرادة وإدراك وينقسم إلى ما يكون الفعل الصادر عنه على وتيرة واحدة كما للأفلاك، وإلى ما لا يكون على وتيرة واحدة بل على جهات مختلفة كما للإنسان والحيوانات.
ومنها ما لا يصدر عن إرادة وإدراك وينقسم إلى ما يكون على وتيرة واحدة وهي القوة السخرية كما يكون للبسائط العنصرية من الميل إلى المركز أو المحيط وإلى ما لا يكون على وتيرة واحدة بل على جهات مختلفة كما يكون للنبات والحيوان من أفاعيل القوة التي توجب الزيادة في الأقطار المختلفة والقوة السخرية خصّت باسم الطبيعة والبواقي باسم النفس وإطلاق اسم النفس عليها لا يمكن إلّا بالاشتراك لأنّه لو اقتصر على أنّها مبدأ فعل ما أو قوة يصدر منها أمر ما يصير كلّ قوة طبيعية نفسانية وليس كذلك، وإن فسرناها بأنّها التي تكون مع ذلك فاعلة بالقصد خرجت النفس النباتية وأن نفرض وقوع الأفعال على جهات مختلفة فيخرج النفس الفلكية، وكذا لا يشتمل للجميع قولهم النفس كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي ما يمكن أن يصدر عن الأحياء ولا يكون الصدور عنهم دائما بل قد يكون بالقوة لأنّه يخرج بقيد آلي النفوس الفلكية لأنّ أفعالها لا تصدر بواسطة الآلة على المذهب المشهور، وعلى المذهب الغير المشهور بالقيد الأخير لأنّ النفوس الفلكية وإن كانت كمالات أولية لأجسام طبيعية آلية على هذا المذهب لكنها ليس يصدر عنها أفاعيل الحياة بالقوة أصلا، بل يصدر منها أفاعيل الحياة كالحركة الإرادية مثلا دائما.
واعترض عليه أيضا بأنّه إن أريد بما يصدر عن الأحياء ما يتوقّف على الحياة فيخرج النفس النباتية. وإن أريد أعمّ من ذلك فإن أريد جميعها خرج النفس النباتية والحيوانية. وإن أريد بعضها دخل فيه صور البسائط والمعدنيات إذ يصدر عنها بعض ما يصدر عن الأحياء.
وأجيب بأنّ المراد البعض وصور المعدنيات والبسائط خارجة بقيد الآلي فإنّها تفعل أفعالها بلا توسّط آلة بينها وبين آثارها. هذا لكن الشيخ ذكر في الشفاء أنّ النفس اسم لمبدإ صدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة ولا خفاء في أنّه معنى شامل للنفوس كلّها على المذهبين لأنّ ما يكون مبدأ لأفاعيل موصوفة بما ذكر، إمّا أن يكون مبدأ لأفاعيل مختلفة وهو النفس الأرضية أو يكون مبدأ لأفاعيل لا على وتيرة واحدة عادمة للإرادة، بل يكون مختلفة ومع الإرادة على رأي وعلى وتيرة واحدة ومع الإرادة على الصحيح.
فائدة:
النفس لها اعتبارات ثلاثة وأسماء بحسبها، فإنّها من حيث هي مبدأ الآثار قوة وبالقياس إلى المادة التي تحملها صورة وبالقياس إلى طبيعة الجنس التي بها تتحصّل وتتكمل كمال، وتعريف النفس بالكمال أولى من الصورة إذ الصورة هي الحالة في المادة والنفس الناطقة ليست كذلك لأنّها مجرّدة فلا يتناولها اسم الصورة إلّا مجازا من حيث إنّها متعلّقة بالبدن لكنها مع تجرّدها كمال للبدن كما أنّ الملك كمال للمدينة باعتبار التدبير والتصرّف وإن لم يكن فيها وكذا تعريفها بالكمال أولى من القوة لأن القوة اسم لها من حيث هي مبدأ الآثار وهو بعض جهات المعرّف والكمال اسم لها من حيث يتمّ بها الحقيقة النوعية المستتبعة لآثارها، فتعريفها به تعريف من جميع جهاتها.
فائدة:
للنفس النباتية قوى منها مخدومة ومنها خادمة وتسمّى بالقوى الطبيعية، وكذا للنفس الحيوانية قوى وتسمّى قواها التي لا توجد في النبات نفسانية ومنها مدركة وغير مدركة، وكذا للنفس الناطقة وتسمّى قواها المختصة بها قوة عقلية. فباعتبار إدراكها للكلّيات تسمّى قوة نظرية وعقلا نظريا، وباعتبار استنباطها لها تسمّى قوة عملية وعقلا عمليا، ولكلّ من القوة النظرية والعملية مراتب سبق ذكرها في لفظ العقل.
فائدة:
النفوس الإنسانية مجرّدة أي ليست قوة جسمانية حالة في المادة ولا جسما بل هي لإمكانية لا تقبل الإشارة الحسّية وإنّما تعلّقها بالبدن تعلّق التدبير والتصرّف من غير أن تكون داخلة فيه بالجزئية أو الحلول، وهذا مذهب الفلاسفة المشهورين من المتقدمــين والمتأخّرين، ووافقهم على ذلك من المسلمين الغزالي والراغب وجمع من الصوفية المكاشفة، وتعلّقها بالبدن تعلّق العاشق بالمعشوق عشقا جبلّيا لا يتمكّن العاشق بسببه من مفارقة معشوقه ما دامت مصاحبته ممكنة. ألا ترى أنّها تحبه ولا تكرهه مع طول الصحبة وتكره مفارقته، وسبب التعلّق توقّف كمالاتها ولذّاتها الحسّيتين والعقليتين على البدن، فإنّ النفس في مبدأ الفطرة عارية عن العلوم قابلة لها متمكّنة من تحصيلها بالآلات والقوى البدنية. قال تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ وهي تتعلّق بالروح الحيواني أولا أي بالجسم اللطيف البخاري المنبعث عن القلب المتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية، فيفيض من النفس على الروح قوة تسري بسريان الروح إلى أجزاء البدن وأعماقه فتثير تلك القوة في كلّ عضو من أعضاء البدن ظاهرة وباطنة قوى تليق بذلك العضو ويكمل بالقوى المثارة في ذلك العضو نفعه كل ذلك بإرادة العليم الحكيم، وخالفهم فيه جمهور المتكلمين بناء على ما تقرّر عندهم من نفي المجرّدات على الإطلاق عقولا كانت أو نفوسا.
واحتج المثبتون للتجرّد عقلا بوجوه منها أنّها تعقل المفهوم الكلّي فتكون مجرّدة لأنّ النفس إذا كانت ذا وضع كان المعنى الكلّي حالا في ذي وضع، والحال في ذي الوضع يختص بمقدار مخصوص ووضع معيّن ثابتين لمحلّه فلا يكون ذلك الحال مطابقا لكثيرين مختلفين بالمقدار والوضع، بل لا يكون مطابقا إلّا لما له ذلك المقدار والوضع فلا يكون كلّيّا، هذا خلف وردّ بأنّا لا نسلّم أنّ عاقل الكلّي محلّ له لابتنائه على الوجود الذهني، وأيضا الحال فيما له مقدار وشكل ووضع معيّن لا يلزم أن يكون متصفا به لجواز أن لا يكون الحلول سريانيا.
وأمّا نقلا فمن وجوه أيضا. الأول قوله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ الآية، ولا شكّ أنّ البدن ميت فالحيّ شيء آخر مغاير له هو النفس. والثاني قوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا والمعروض عليها ليس البدن الميّت فإنّ تعذيب الجماد محال. والثالث قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ الآية، والبدن الميت غير راجع ولا مخاطب. والرابع قوله عليه السلام: (إذا حمل الميت على نعشه يرفرف روحه فوق النعش ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حلّه ومن غير حلّه ثم تركته لغيري) الحديث، فالمرفرف غير المرفرف فوقه. والجواب أنّ الأدلة تدلّ على المغايرة بينها وبين البدن لا على تجرّدها. واحتج النافون للتجرّد أيضا بوجوه. منها أنّ المشار إليه بأنا وهو معنى النفس يوصف بأوصاف الجسم فكيف تكون مجرّدة. وإن شئت التوضيح فارجع إلى شرح المواقف وشرح التجريد وغيرهما. ثم المنكرون للتجرّد اختلفوا في النفس الناطقة على أقوال سبقت في لفظ الروح ولفظ الإنسان ولفظ السّر.

اعلم أنّ صاحب الإنسان الكامل قال:
النفس في اصطلاح الصوفية خمسة أضرب حيوانية وأمّارة وملهمة ولوّامة ومطمئنّة وكلّها أسماء الروح إذ ليس حقيقة النفس إلّا الروح وليس حقيقة الروح إلّا الحق فافهم. فالنفس الحيوانية تسمّى بالروح باعتبار تدبيرها للبدن فقط. وأمّا الفلسفيون فالنفس الحيوانية عندهم هو الدم الجاري في العروق وليس هذا بمذهبنا.
ثم النفس الأمّارة تسمّى بها باعتبار ما يأتيها من المقتضيات الطبيعية الشهوانية للانهماك في اللذات الحيوانية وعدم المبالاة بالأوامر والنواهي. ثم النفس الملهمة تسمّى بها لاعتبار ما يلهمها الله من الخير، فكلّ ما تفعله من الخير هو بالإلهام الإلهي، وكلّ ما تفعله من الشّر هو بالاقتضاء الطبيعي وذلك الاقتضاء منها بمثابة الأمر لها بالفعل، فكأنّها هي الأمّارة لنفسها يفعل تلك المقتضيات فلذا سمّيت أمّارة، وللإلهام الإلهي سمّيت ملهمة. ثم النفس اللّوّامة سمّيت بها لاعتبار أخذها في الرجوع والإقلاع فكأنّها تلوم نفسها عن الخوض في تلك المهالك ولذا سمّيت لوّامة. ثم النفس المطمئنّة سمّيت بها لاعتبار سكونها إلى الحقّ واطمئنانها به وذلك إذا قطع الأفعال المذمومة والخواطر المذمومة مطلقا، فإنّه متى لم ينقطع عنها الخواطر المذمومة لا تسمّى مطمئنّة بل هي لوّامة، ثم إذا ظهر على جسدها الآثار الروحية من طيّ الأرض وعلم الغيب وأمثال ذلك فليس لها إلّا اسم الروح. ثم إذا انقطعت الخواطر المحمودة كما انقطعت المذمومة واتصفت بالأوصاف الإلهية وتحقّقت بالحقائق الذاتية فاسم العارف اسم معروفه وصفاته صفاته وذاته ذاته انتهى. وقال في مجمع السّلوك: النفس اللّوّامة عند بعضهم هي الكافرة التي تلوم ذاتها وتقول: يا ليتني قدّمت لحياتي. ويقول بعضهم:
هي نفس الكافر والمؤمن، لأنّه ورد في الحديث: في يوم القيامة كلّ نفس تكون لوّامة لذاتها، فالفسّاق يقولون: لماذا ارتكبنا أعمال الفسوق، والصّالحون يقولون: لماذا لم نزد من أعمال الصّلاح. انتهى. وقد سبق أيضا في لفظ الخلق.
معنى النفس الأمّارة واللّوّامة والمطمئنّة ناقلا من التلويح.
فائدة:
النفس الناطقة حادثة اتفق عليه الملّيّون إذ لا قديم عندهم إلّا الله وصفاته عند من أثبتها زائدة على ذاته، لكنهم اختلفوا في أنّها هل تحدث مع حدوث البدن أو قبله؟ فذهب بعضهم إلى أنّها تحدث معه لقوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ والمراد بالإنشاء إفاضة النفس على البدن. وقال بعضهم بل قبله لقوله عليه الصلاة والسلام: (خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام)، وغاية هذه الأدلة الظّنّ أما الآية فلجواز أن يكون المراد بالإنشاء جعل النفس متعلّقة به فيلزم حدوث تعلّقها لا حدوث ذاتها.
وأمّا الحديث فلأنّه خبر واحد فيعارضه الآية وهي مقطوعة المتن مظنونة الدلالة والحديث بالعكس، فلكلّ رجحان فيتقاومان. وأمّا الحكماء فإنّهم قد اختلفوا في حدوثها فقال به أرسطو ومن تبعه، وقال شرط حدوثها حدوث البدن، ومنعه من قبله وقالوا بقدمها. ثم القائلون بحدوثها يقولون إنّ عدد النفوس مساو لعدد الأبدان لا يزيد أحدهما على الآخر فلا تتعلّق نفس واحدة إلّا ببدن واحد وهذا بخلاف مذهب القائلين بالتناسخ.
فائدة:
اتفق القائلون بمغايرة النفس للبدن على أنّها لا تفنى بفناء البدن، أمّا عند أهل الشرع فبدلالات النصوص، وأمّا عند الحكماء فبناء على استنادها إلى القديم استقلالا أو بشرط حادث في الحدوث دون البقاء وعلى أنّها غير مادية، وكلّ ما يقبل العدم فهو مادي فالنفس لا تقبل العدم.
فائدة:
مدرك الجزئيات عند الأشاعرة هو النفس لأنها الحاكمة بها وعليها ولها السمع والإبصار، وعند الفلاسفة الحواس للقطع بأنّ الإبصار للباصرة وآفتها آفة له، والقول بأنّها لا تدرك الجزئيات إلّا بالآلات يرفع النزاع، إلّا أنّه يقتضي أن لا يبقى إدراك الجزئيات عند فقد الآلات، والشريعة بخلافه وقد سبق في لفظ الإدراك.
فائدة:
ذهب جمع من الحكماء كأرسطو وأتباعه إلى أنّ النفوس البشرية متّحدة بالنوع وإنّما تختلف بالصفات والملكات لاختلاف الأمزجة والأدوات. وذهب بعضهم إلى أنّها مختلفة بالماهية بمعنى أنّها جنس تحته أنواع مختلفة، تحت كلّ نوع أفراد متحدة بالماهية. قيل يشبه أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) وقوله (الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) إشارة إلى هذا. قال الإمام: إنّ هذا المذهب هو المختار عندنا.
وأما بمعنى أن يكون كلّ فرد منها مخالفا بالماهية لسائر الأفراد حتى لا يشترك منهم اثنان في الماهية فالظاهر أنّه لم يقل به أحد، كذا في شرح التجريد وأكثر هذه موضّحة فيه.

التّحديث

التّحديث:
[في الانكليزية] Information ،narration ،bringing back the words of others
[ في الفرنسية] Information ،narration ،rapporter les propos d'un autre
لغة الإخبار. وعند المحدّثين إخبار خاص بما سمع من لفظ الشيخ، أي إخبار خاص بحديث سمع الراوي بلفظه من الشيخ وهو الشائع عند المشارقة ومن تبعهم. وأمّا غالب المغاربة فلم يستعملوا هذا الاصطلاح، بل الإخبار والتحديث عندهم بمعنى واحد. فعلى القول الشائع يحمل ما إذا قال: حدّثنا على السماع من الشيخ، وفيما إذا قال أخبرنا على سماع الشيخ، وكلاهما أي التحديث والإخبار عندهم من صيغ الأداء، هكذا في شرح النخبة وشرحه. وقال الحافظ في فتح الباري في كتاب العلم: التحديث والإخبار والإنباء سواء عند أهل العلم بلا خلاف بالنسبة إلى اللغة. وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف. فمنهم من استمرّ على أصل اللغة وهذا رأي الزّهري ومالك وابن عيينة ويحيي القطان وأكثر الحجازيين والكوفيين، وعليه استمر عمل المغاربة ورجّحه ابن الحاجب في مختصره ونقل عن الحاكم أنّه مذهب الأئمة الأربعة. ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده حيث يقرأ عليه وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن مندة وغيرهم. ومنهم من رأى التفرقة بين الصّيغ بحسب افتراق التحمّل، فيخصّون التحديث بما تلفّظ به الشيخ والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق. ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدثني، ومن سمع من غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني، وهذا مستحسن وليس بواجب عندهم.
وإنّما أرادوا التمييز بين أحوال التحمّل. وظنّ بعضهم أنّ ذلك على سبيل الوجوب فتكلّفوا في الاحتجاج عليه وله بما لا طائل تحته. نعم يحتاج المتأخّرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلّا يختلط لأنّه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوّز عنها احتاج إلى الإتيان بقرينة تدلّ على مراده وإلّا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمــين على محمل واحد بخلاف المتأخرين، انتهى كلامه.

مصَع

مصَع
مَصَعَ البَرْقُ، كمَنَعَ: لمَعَ وأوْمَضَ، قالَ ابنُ الأعْرَابِيّ وسُئلَ أعْرَابِيُّ عَن البَرْقِ، فقالَ: مَصْعَةُ مَلَكٍ، أَي: يَضْرِبُ السَّحابَ ضَرْبَةً، فتَرَى النِّيرانَ، وَفِي حديثِ مُجَاهِدٍ: البَرْقُ مَصْعُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحَابَ وقِيلَ: مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: التَّحْريكُ والضَّرْبُ.
ومَصَعَتِ الدَّابَّةُ بِذَنَبِها: حَرَّكَتْهُ منْ غَيْرِ عَدْوٍ، وضَرَبَتْ بهِ، وأنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لرُؤْبَةَ يَصِفُ الحَمِيرَ: يَمْصَعْنَ بالأذْنَابِ منْ لَوْحٍ وبَقّْ ومَصَعَ فُلاناً: ضَرَبَه بالسَّيْفِ، أَو ساقَهُ بالسَّوْطِ، أَو ضَرَبَه بهِ ضَرَباتٍ قَلِيلَةً، ثَلَاثًا أَو أرْبَعاً، وَفِي حَدِيثِ أنسٍ: أنَّ الْبَراء بنَ مالِكٍ رَضِي الله عَنْهُمَا حَضَّ النّاسَ على القِتالِ، ثُمَّ مَصَعَ فَرَسَه مَصَعاتٍ فكأنّي أنْظُرُ إلَيْهَا تَمْصَعُ بِذَنَبَهَا أَي: ضرَبَهَا بسَوْطِه.
ومَصَعَتِ المَرْأةُ بالوَلدِ، والطّائِرُ بذَرْقِه: رَمَيَا بِهِ، الثانِي قَوْلُ أبي لَيْلَى، والأوَّلُ قولُ ابنِ الأعرابِيِّ، وأنْشَدَ:
(فبِاسْتِ امْرِئٍ واسْتِ الّتِي مَصَعَتْ بهِ ... إِذا زَبَنَتْه الحَرْبُ لَمْ يَترَمْرَمِ)
كأمْصَعَ فيهِمَا، كأكْرَمَ، هَكَذَا هُوَ فِي العُبَابِ، ووُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: كانَّصَعَ بتَشْدِيدِ النُّونِ، والأُولَى الصّوابُ، قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أمْصَعَتِ المَرْأَةُ بوَلَدِها أَي: رَمَتْ بهِ، وقالَ الأصْمَعِيُّ: مَصَعَتِ الأُمُّ بوَلَدِهَا، وأمْصَعَت بهِ، بالألِفِ، وأخْفَدَتْ بِهِ، وحَطَأتْ بهِ، وزَكَبَتْ بهِ.
ومَصَعَ فُلانٌ بسَلْحِه على عَقِيبَيْهِ: إِذا سَبَقَهُ منْ فَرَقٍ، أَو عَجَلَةٍ، أَو أمْرٍ.
ومَصَعَ فِي مُرُورِهِ: أسْرَعَ، يُقَالُ: مَرَّ يَمْصَعُ ويَمْزَعُ، أَي: يُسْرِعُ، وأنْشَدَ أَبُو عَمْروٍ: يَمْصَعُ فِي قِطْعَةِ طَيْلَسانِ) مَصْعاً كمَصْعِ ذَكَرِ الوِرْلانِ وكذلكَ البَعِيرُ يَمْصَعُ، أَي: يُسْرِعُ.
أَو مَصَعَ البَعيرُ، وَكَذَا الفَرَسُ مَصْعاً: عَدَا عَدْواً شَدِيداً مُحَرِّكاً ذَنَبَه، ومنْهُ حَدِيثُ أنَسٍ المُتَقَدِّمُ ذِكْرُه: فكأنِّي أنْظُرُ إليْهَا تَمْصَعُ بِذَنَبَهَا. ومَصَعَ الفَرَسُ مَصْعاً: ذَهَبَ والّذِي فِي الصِّحاحِ: مَصَعَ الرَّجُلُ فِي الأرْضِ، كامْتَصَعَ: ذَهَبَ فِيهَا، وأنْشَدَ للأغْلَبِ العِجْلِيِّ: وهُنَّ يَمْصَعْنَ امْتِصاعَ الأظْبِ مُتَّسِقاتٍ كاتِّساقِ الجَنْبِ وَفِي التَّكْمِلَةِ: الّذِي فِي رَجَزِ الأغْلَبِ: جَوَانِحٌ يَمْحَصْنَ مَحْصَ الأظْبِ ومَصَعَ فُؤادُهُ مُصُوعاً: زالَ منْ فَرَقٍ أَو عَجَلَةٍ.
ومَصَعَ ضَرْعَ النَّاقَةِ مَصْعاً: ضَرَبَهُ بالماءِ البارِدِ لِيَتَرادَّ اللَّبَن.
ومَصَعَ البَرْقُ: أوْمَضَ، وَهَذَا تَكْرارٌ، فإنَّه سَبَقَ لهُ فِي أوّلِ المادَّةِ: مَصَعَ البَرْقُ، كمَنَعَ: لَمَعَ والإيْماضُ واللَّمْعُ كِلاهُمَا واحِدٌ، فتَأمَّلْ.
ومَصَعَ الحَوْضَ بماءٍ قَلِيلٍ: بَلَّهُ ونَضَحَهُ.
ويُقَالُ: مَصَعَ الحَوْضُ: إِذا نَشِفَ ماؤُه.
وقالَ أَبُو عَمْروٍ: مَصَعَ لَبَنُ النّاقَةِ مُصُوعاً: وَلَّى، فَهِيَ ماصِعَة الدَّرِّ، وكُلُّ شَيءٍ وَلَّى وذهَبَ فقَدْ مَصَعَ، كَمَا فِي الصِّحاحِ والعُبابِ.
ويُقَالُ: مَصَعَ البَرْدُ وغَيْرُه: ذهَبَ ووَلَّى.
ومَصَعَ فِي الأرْضِ: ذَهَبَ، كامْتَصَعَ، وَهَذَا بعَيْنِه قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ قَرِيباً، ونَقَلْنا عَن الجَوْهَرِيُّ هُناكَ، ونَبَّهْنا أنَّ الصَّوابَ الرَّجُلُ بَدَلَ الفَرَسِ ولمْ يُحَرِّرِ المُصَنِّف هَذِه المادَّةِ تَحْريراً على شَرْطِهِ، فتأمَّلْ.
وانْمَصَعَ الرَّجُلُ: ذهَبَ فِي الأرْضِ، ورَجُلٌ مَصْعٌ، بالفَتْحِ، ومَصِعٌ ككَتِفٍ: ضارِبٌ بالسَيفِ، وَقد مَصَعَ بالسَّيفِ، قالَ تأبَّطَ شَرّاً ويُرْوَى لِخَلَفٍ الأحْمَرِ، وهوَ الصّوابُ: (وَرَاءَ الثَّأْرِ منْهُ ابنُ أخْتٍ ... مَصِعٌ عُقْدَتُه مَا تُحَلُّ)
وأنْشَدَ اللَّيْثُ لأبي كَبيرٍ الهُذَلِيِّ:)
(أزُهَيْرَ إنْ يَشِبِ القَذالُ فإنَّهُ ... رُبْ هَيْضَلٍ مَصِعٍ لَفَفْتُ بهَيْضَلِ)
ويُرْوَى: هَيْضَلٍ لَجِبٍ ومَرِسٍ وهاتانِ أصَحُّ الرِّواياتِ.
أَو رَجُلٌ مَصِعٌ: شدِيدٌ وبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ تأبَّطَ شَرّاً السّابِقُ.
أَو مَصِعٌ: شَيْخٌ زَحّارٌ، عَن ابنِ الأعْرابِيِّ، قالَ الأزْهَرِيُّ: وَمن هَذَا قَوْلُهُمْ: قَبَّحَهُ اللهُ وأمَّاً مَصَعَتْ بهِ، وهُوَأنْ تُلْقِي المَرْأَةُ وَلَدَها بِزَحْرَةٍ واحِدَةٍ، وتَرْمِيهُ.
أَو مَصِعٌ: غُلامٌ لاعِبٌ بالمِخْرَاقِ عنِ ابنِ الأعرابِيِّ.
قالَ: والمَصُوعُ، كصَبورٍ: الرَّجُل الفَرِقُ المَنْخُوبِ الفُؤادِ، وقَدْ مَصَعَ فُؤادهُ، كَمَا تَقَدَّم.
والماصِعُ: الماءُ المِلْحُ عَن ابنِ عَبّادٍ.
وقالَ أَبُو عمروٍ: الماصِعُ: الماءُ القَلِيلُ الكَدِرُ وأنْشَدَ:
(عَبَّتْ بمِشْفَرِهَا وفَضْلِ زِمَامِها ... فِي فَضْلَةٍ مِنْ ماصِعٍ مُتَكَدِّرِ)
وقيلَ الماصِعُ: البَرّاقُ، وبهِ فُسِّرَ قَوْلُ ابنِ مُقْبِلٍ:
(فأفْرَغْتُ منْ ماصِعٍ لَوْنُه ... على قُلُصٍ يَنْتَهِبْنَ السِّجالا)
أَي: سَقَيْتُها منْ ماءٍ خالِصٍ أبْيَضَ، لهُ لَمَعانٌ كلَمَعانِ البَرْقِ منْ صَفائِه، وَهُوَ ضِدٌّ.
وقيلَ: الماصِعُ فِي قَوْلِ ابنِ مُقْبِلٍ هَذَا: المُتَغَيِّرُ، قالَ الصّاغَانِيُّ وهُوَ أصَحُّ، ويُرْوَى: منْ ماصِحٍ ورَوَى التَّمِيمِيُّ: منْ ناصِعٍ أَي: أخْضَرَ، وقالَ شَمِرٌ: ماصِعٌ: يُرِيدُ ناصِع، صَيَّرَ النُّونَ مِيماً.
والمُصَعَةُ، كهُمَزَةٍ وغُرْفَةٍ، وعَلى الأُولَى اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ والثانِيَةُ نَقَلَها ابنُ دُرَيْدٍ: ثَمَرَةُ العَوْسَجِ وحَمْلُه، وهوَ أحمَرُ قَدْرَ الحِمّصَةِ، حُلْوٌ طَيِّبٌ يُؤْكَلُ، ومنْه قَوْلُهُمْ: هُوَ أحْمَرُ كالمُصَعَةِ، ومنْهُ أسْوَدُ لَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ أرْدَأُ العَوْسَجِ وأخْبَثُه شَوْكاً، ج: كصُرَدٍ وقُفْلٍ.
قالَ ابنُ بَرِّ: شاهِدُ المُصَعِ قَوْلُ الضَّبِّيِّ:
(أكانَ كَرِّي وإقْدَامِي بفِي جُرَذٍ ... بَيْنَ العَوَاسِجِ أحْنَى حَوْلَه المُصَعُ)
والمُصَعَةُ كهُمَزَةٍ، كَمَا فِي الصِّحاحِ ومِثَالُ غُرْفَةٍ، عَن كُراعٍ: طائِرٌ صَغِيرٌ أخْضَرُ يأخُذُه الفَخُّ، قَالَ أَبُو حاتِمٍ: يَمْصَعُ بذَنَبِهِ.
ومُصَعُ العُصْفُورِ كصُرَدٍ: ذَكَرَهُ عَن ابنِ عَبّادٍ.
وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أمْصَعَ العَوْسَجُ: خَرَجَ مُصَعُهُ.
وقالَ غَيرُه: أمْصَعَ القَوْمُ: ذهَبَتْ ألبَانُ إبِلِهِمْ، وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أمْصَعَ الرَّجُلُ: ذَهَبَ لَبَنُ إبِلِهِ، كَمَا)
فِي الصِّحاحِ.
وَفِي نَوَادِرِ الأعْرَابِ: أمْصَعَ لَهُ بحَقِّهِ: أقَرَّ، وأعْطَاهُ عَفْواً، وكذلكَ أنْصَعَ لهُ، وعجَّرَ وعنَّقَ.
والتَّمْصِيعُ فِي قَوْلِ الشَّمّاخِ يَصِفُ نَبْعَةً:
(فمَصَّعَها عامَيْنِ ماءَ لِحائِها ... ويَنْظُرُ فِيهَا أيُّهَا هُوَ غامِزُ)
هُوَ: أنْ يُتْرَكَ على القَضِيبِ قِشْرُه حَتَّى يَجِفَّ عليهِ ليِطُه والرِّوايَةُ المَشْهُورَةُ: فمَظَّعَهَا بالظّاءِ، كَمَا سيأتِي، والمَعْنَى واحِدٌ، أَي: شَرَّبَها ماءَ لِحائِها. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: تَمَاصَعُوا فِي الحَرْبِ: تَعَالَجُوا.
وماصَعُوا مُماصَعَةً ومِصَاعاً: قاتَلُوا وجالَدُوا بالسُّيُوفِ، قالَ القُطامِيُّ:
(تَرَاهُمْ يَغْمِزُونَ من اسْتَرَكُّوا ... ويَجْتَنِبُونَ منْ صَدَقَ المِصَاعا)
وأنْشَدَ سِيبَويْهِ للزِّربْرِقانِ:
(يَهْدِي الخَميسَ نِجَاداً فِي مَطالعِها ... إمّا المِصاعَُ وإمّا ضَرْبَةٌ رُغُبُ)
وَفِي حديثِ ثَقيفٍ: تَرَكُوا المِصَاعَ أَي: الجِلادَ والضِّرَابَ، وقدْ تَقَدَّم ذِكْرُه فِي رصَع.
وانْمَصَعَ الحِمارُ: صَرَّ أُذُنَيْهِ قالَ سُوَيْدٌ اليَشْكُرِيُّ يَصِفُ ثَوْراً:
(ساكِنُ القَفْرِ أخُو دَوِّيَّةٍ ... فَإِذا مَا آنسَ الصَّوْتَ انْمَصَعَ)
ويُرْوَى: مَصَعْ أَي: ذهَبَ.
وممّا يُسْتَدْرَكُ عليهِ: مَصَعَه مَصْعاً: عَرَكَه، وقِيلَ: فَرَكه.
وبَطَلٌ مُمَاصِعٌ: شَدِيدٌ مُجَالدٌ.
والآلُ يَمْصَعُ بالمَفَازَةِ: يَبْرُقُ.
وَهُوَ يُماصِعُ بلِسانِه، أَي: يُقَاتِلُ وَهُوَ مجازٌ.
ومَصَعَ الفَرَسُ مَصْعاً: مَرَّ خَفِيفاً.
ومَصَعَتِ النّاقَةُ هُزَالاً.
ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عَن أبي عُبَيْدَةَ: مَصَعَت إبِلُه: ذَهَبَتْ ألْبَانُهَا، واسْتَعارَهُ بَعْضُهُم للماءِ فقالَ: أنْشَدَهُ اللِّحْيَانِيِّ: أصْبَحَ حَوْضاكَ لِمَنْ يَراهُمَا) مُسَمَّليْنِ ماصِعاً قِراهُمَا يُقَالُ: مَصَعَ ماءُ الحَوْضِ، أَي: قَلَّ، وكُلُّ مُوَلٍّ: ماصِعٌ.
والمَصْعُ: السَّوق، وأنْشَدَ ثَعْلبٌ: (تَرَى أثَرَ الحَيّاتِ فِيهَا كأنَّها ... مَماصِعُ وِلْدانٍ بقُضْبنانِ إسْحَلِ)
وَلم يُفَسِّرْه، وقالَ ابنُ سِيدَه: وعِنْدِي أنَّهَا المَرَامِي، أَو المَلاعِبُ، أوْ مَا أشْبَهَ ذلكَ.
وأمْصَعَتِ المَرْأَةُ وَلَدَها: أرْضَعَتْهُ قَليلاً، وَهَذَا عَن ابنِ القَطّاعِ.
ومَصَعَ الخَشَبَةَ مَصْعاً: مَلَّسَها، وكذلكَ الوَتَرَ، نَقَلَه ابنُ القَطّاعِ أيْضاً.

مذاهب الإسلام

مذاهب الإسلام: أربعة: الحَنَفي والشافعي والمالكي والحنبلي.
المَذْهب: الدين، المعتقَد الذي يذهب إليه ويبنى منه وراجع الدِّين. ومعنى قول الفقهاء: "على المذهب" أي على ظاهر الرواية، ومذاهبُ السلف المراد به مذاهبُ المتقدمــين من فقهاء الإسلام.

الرب

الرَّبُّ: هو المالك أصله التربية وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام. والربُّ مطلقاً لا يطلق إلى على الله سبحانه وتعالى، وعلى غيره بالإضافة نحو ربِّ الدار.
الرب
التحقيق اللغوي
مادة كلمة (الرب) : الراء والباء المضعَّفة
قال ابن فارس في (مقاييس اللغة) 2/381: - 382 مادة (رب) : "الراء والياء يدل على أصول، فالأول: إصلاح الشيء والقيام عليه، فالرب: المالك، والخالق، والصاحب، والرب: المصلح للشيء..
والأصل الآخر: لزوم الشيء والإقامة عليه، وهو مناسب للأصل الأول..،
والأصل الثالث: ضم الشيء للشيء وهو أيضاً مناسب لما قبله: ومتى أنعم النظر كان الباب كله قياساً واحداً.." اهـ، ومعناها الأصلي الأساسي: التربية، ثم تتشعب عنه معاني التصرف والتعهد والاستصلاح والإتمام والتكميل، ومن ذلك كله تنشأ في الكلمة معاني العلو والرئاسة والتملك والسيادة. ودونك أمثلة لاستعمال الكلمة في لغة العرب بتلك المعاني المختلفة: (1)
(1) التربية والتنشئة والإنماء:
يقولون (ربَّ الولد) أي ربّاه حتى أدرك فـ (الرّبيب) هو الصبي الذي تربيه و (الربيبة) الصبية. وكذلك تطلق الكلمتان على الطفل الذي يربى في بيت زوج أمه و (الربيبة) أيضاً الحاضنة ويقال (الرّابة) لامرأة الأب غير الأم، فإنها وإن لم تكن أم الولد، تقوم بتربيته وتنشئته. و (الراب) كذلك زوج الأم. (المربب) أو (المربى) هو الدواء الذي يختزن ويدّخر. و (رَبَّ يُربُّ ربَّاً) من باب نصر معناه الإضافة والزيادة والإتمام، فيقولون (ربَّ النعمة) : أي زاد في الإحسان وأمعن فيه.
(2) الجمع والحشد والتهيئة:
يقولون: (فلان يرب الناس) أي يجمعهم أو يجتمع عليه الناس، ويسمون مكان جمعهم (بالمرّبّ) و (التربُّب) هو الانضمام والتجمّع.
(3) التعهد والاستصلاح والرعاية والكفالة:
يقولون (رب ضيعة) أي تعهدّها وراقب أمرها. قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، أي يكفلني ويجعلني تحت رعايته وعنايته. وقال علقمة بن عبدة:
وكنت امرءاً أفضت إليك ربابتي ... ... وقبلك ربتني فضيعت ربوب (2)
أي انتهى إليك الآن أمر ربابتي وكفالتي بعد أن رباني قبلك ربوب فلم يتعهدوني ولم يصلحوا شأني. ويقول الفرزدق:
كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت ... ... سلاءها في أديم غير مربوب (3) أي الأديم الذي لم يليّن ولم يدبغ. ويقال (فلان يربب صنعته عند فلان) أي يشتغل عنده بصناعته ويتمرن عليها ويكسب على يده المهارة فيها.
(4) العلاء والسيادة والرئاسة وتنفيذ الأمر والتصرف:
يقولون (قد ربّ فلان قومه) : أي ساسهم وجعلهم ينقادون له. و (ربيت القوم) أي حكمتهم وسدتهم، ويقول لبيد بن ربيعة:
وأهلكن يوماً رب كندة وابنه ... وربَّ معد بين خبث وعرعر (1)
والمراد برب كندة ههنا سيد كندة ورئيسهم. وفي هذا المعنى يقول النابغة الذبياني:
تخُبٌّ إلى لانعمان حتى تناله ... فدىً لك من ربٍ تليدي وطارفي (2)
(5) التملك:
قد جاء في الحديث أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً "أرب غنم أم رب ابل؟، أي أمالك غنم أنت أم مالك ابل؟ وفي هذا المعنى يقال لصاحب البيت (رب الدار) وصاحب الناقة: (رب الناقة) ومالك الضيعة: (رب الضيعة) وتأتي كلمة الرب بمعنى السيد أيضاً فتستعمل بمعنى ضد العبد أو الخادم.
هذا بيان ما يتشعب من كلمة (الرب) من المعاني. وقد أخطأوا لعمر الله حين حصروا هذه الكلمة في معنى المربي والمنشئ، ورددوا في تفسير (الربوبية) هذه الجملة (هو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام) . والحق أن ذلك إنما هو معنى واحد من معاني الكلمة المتعددة الواسعة. وبإنعام النظر في سعة هذه الكلمة واستعراض معانيها المتشعبة يتبين أن كلمة (الرب) مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني:
المربي الكفيل بقضاء الحاجات، والقائم بأمر التربية والتنشئة.
الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال.
السيد الرئيس الذي يكون في قومه كالقطب يجتمعون حوله. السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالعلاء والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف.
الملك والسيد.



استعمال كلمة (الرب) في القرآن
وقد جاءت كلمة (الرب) في القرآن بجميع ما ذكرناه آنفاً من معانيها. ففي بعض المواضع أريد بها معنى أو معنيان من تلك المعاني. وفي الأخرى أريد بها أكثر من ذلك. وفي الثالثة جاءت الكلمة مشتملة على المعاني الخمسة بأجمعها في آن واحد. وها نحن نبين ذلك بأمثلة من آي الذكر الحكيم.

بالمعنى الأول
(قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) (1) (يوسف: 23)

بالمعنى الثاني وباشتراك شيء من تصور المعنى الأول.
(فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين. الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين) (الشعراء: 77-80)
(وما بكم من نعمة فمن الله، ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) (النحل: 53-54)
(قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء) (الأنعام: 164)
(ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً) (المزمل: 9)

بالمعنى الثالث (هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
(ثم إلى ربكم مرجعكم) (الزمر: 7)
(قل يجمع بيننا ربنا) (سبأ: 26)
(وما من دابةً في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربّهم يُحشرون) (الأنعام: 38)
(ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون) (يس: 51)

بالمعنى الرابع وباشتراك بعض تصور المعنى الثالث.
(اتّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة: 31)
(ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
والمراد بالأرباب في كلتا الآيتين الذين تتخذهم الأمم والطوائف هداتها ومرشديها على الإطلاق. فتذعن لأمرهم ونهيهم، وتتبع شرعهم وقانونهم، وتؤمن بما يحلون وما يحرمون بغير أن يكون قد أنزل الله تعالى به من سلطان، وتحسبهم فوق ذلك أحقاء بأن يأمروا وينهوا من عند أنفسهم.
(أما أحدكما فيسقي ربه خمراً) .. (وقال للذي ظنّ أنه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) .. (فلما جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ إنّ ربي بكيدهنّ عليم) (يوسف: 41، 42، 50)
قد كرر يوسف عليه السلام في خطابه لأهل مصر في هذه الآيات تسمية عزيز مصر بكلمة (ربهم) فذلك لأن أهل مصر بما كانوا يؤمنون بمكانته المركزية وبسلطته العليا، ويعتقدون أنه مالك الأمر والنهي، فقد كان هو ربهم في واقع الأمر، وبخلاف ذلك لم يُرد يوسف عليه السلام بكلمة (الرب) عندما تكلم بها بالنسبة لنفسه إلا الله تعالى فإنه لم يكن يعتقد فرعون، بل الله وحده المسيطر القاهر ومالك الأمر والنهي.

بالمعنى الخامس:
(فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ) (قريش: 3-4)
(سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون) (الصافات: 180)
(فسبحان الله ربِّ العرش عما يصفون) (الأنبياء: 22)
(قل من ربُّ السماوات السبع وربُّ العرش العظيم) (المؤمنون: 86) (رب السماوات والأرض وما بينهما وربُّ المشارق) (الصافات: 5)
(وأنه هو رب الشِّعرى) (النجم: 49)



تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية
ومما تقدم من شواهد آيات القرآن، تتجلى معاني كلمة (الرب) كالشمس ليس دونهما غمام. فالآن يجمل بنا أن ننظر ماذا كانت تصورات الأمم الضالة في باب الربوبية، ولماذا جاء القرآن ينقضها ويرفضها، وما الذي يدعو إليه القرآن الكريم؟ ولعل من الأجدر بنا في هذا الصدد أن نتناول كل أمة من الأمم الضالة التي ذكرها القرآن منفصلة بعضها عن بعض، فنبحث في عقائدها وأفكارها حتى يستبين الأمر ويخلص من كل لبس أو إبهام.

قوم نوح عليه السلام
إن أقدم أمة في التاريخ يذكرها القرآن هي أمة نوح عليه السلام، ويتضح مما جاء فيه عن هؤلاء القوم أنهم لم يكونوا جاحدين بوجود الله تعالى، فقد روى القرآن نفسه قولهم الآتي في ردّهم على دعوة نوح عليه السلام:
(ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يريدُ أن يتفضل عليكم، ولو شاء الله لأنزل ملائكة) ... (المؤمنون: 24)
وكذلك لم يكونوا يجحدون كون الله تعالى خالق هذا العالم، وبكونه رباً بالمعنى الأول والثاني، فإنه لما قال لهم نوح عليه السلام
(هو ربكم وإليه ترجعون) (هود: 34)
و (استغفروا ربكم إنه، كان غفاراً) و (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً والله أنبتكم من الأرض نباتاً) (نوح: 10، 15، 16، 17)
لم يقم أحد منهم يرد على نوح قوله ويقول: ليس الله بربنا، أوليس الله بخالق الأرض والسماء ولا بخالقنا نحن، أو ليس هو الذي يقوم بتدبير الأمر في السماوات والأرض.
ثم إنهم لم يكونوا جاحدين أن الله إلهٌ لهم. ولذلك دعاهم نوح عليه السلام بقوله: (ما لكم من إله غيره) فإن القوم لو كانوا كافرين بألوهية الله تعالى، إذاً لكانت دعوة نوح إياهم غير تلك الدعوة وكان قوله عليه السلام حينئذ من مثل "يا قوم! اتخذوا الله إلهاً) . فالسؤال الذي يخالج نفس الباحث في هذا المقام هو: أي شيء كان إذاً موضوع النزاع بينهم وبين نبيهم نوح عليه السلام. وإننا إذاً أرسلنا النظر لأجل ذلك في آيات القرآن وتتبعناها، تبين لنا أنه لم يكن موضوع النزاع بين الجانبين إلا أمرين اثنين: أولهما أن نوحاً عليه السلام كان يقول لقومه: إن الله الذي هو رب العالمين والذي تؤمنون بأنه هو الذي قد خلقكم وخلق هذا العالم جميعاً، وهو الذي يقضي حاجاتكم، هو في الحقيقة إلهكم الواحد الأحد ولا إله إلا هو، وليس لأحد من دونه أن يقضي لكم الحاجات ويكشف عنكم الضر ويسمع دعواكم ويغيثكم، ومن ثم يجب عليكم ألا تعبدوا إلا إياه ولا تخضعوا إلا له وحده.
(يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 59)
(ولكني رسولٌ من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي) (الأعراف: 61-62)
وكان قومه بخلاف ذلك مصرين على قولهم بأن الله هو رب العالمين دون ريب. إلا أن هناك آلهة أخرى لها أيضاً بعض الدخل في تدبير نظام هذا العالم، وتتعلق بهم حاجاتنا، فلا بد أن نؤمن بهم كذلك آلهة لنا مع الله:
(وقالوا لا تذرنُّ آلهتكم ولا تذرنّ وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) (نوح: 23) وثانيهما أن القوم لم يكونوا يؤمنون بربوبية الله تعالى إلا من حيث إنه خالقهم، جميعاً ومالك الأرض والسماوات، ومدبر أمر هذا العالم، ولم يكونوا يقولون بأنه وحده هو الحقيق – كذلك- بأن يكون له الحكم والسلطة القاهرة في أمور الأخلاق والاجتماع والمدنية والسياسة وسائر شؤون الحياة الإنسانية، وبأنه وحده أيضاً هادي السبيل وواضع الشرع ومالك الأمر والنهي، وبأنه وحده يجب كذلك أن يتبع. بل كانوا قد اتخذوا رؤساءهم وأحبارهم أرباباً من دون اله في جميع تلك الشؤون. وكان يدعوهم نوح عليه السلام – بخلاف ذلك إلى ألا يجعلوا الربوبية يتقسمها أرباب متفرقة بل عليهم أن يتخذوا الله تعالى وحده رباً بجميع ما تشتمل عليه كلمة (الرب) من المعاني وأن يتبعوه ويطيعوه فيما يبلغهم من أوامر الله تعالى وشيعته نائباً عنهن فكان يقول لهم:
(إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله واطيعون) (الشعراء: 107- 108)

عاد قوم هود
ويذكر القرآن بعد قوم نوح عاداً قوم هود عليه السلام. ومعلوم أن هذه الأمة أيضاً لم تكن جاحدة بوجود الله تعالى، وكذلك لم تكن تكفر بكونه إلهاً. بل كانت تؤمن بربوبية الله تعالى بالمعاني التي كان يؤمن بها قوم نوح عليه السلام. أما النزاع بينها وبين نبيها هود عله السلام فلم يكن إلا حول الأمرين الاثنين اللذين كان حولهما نزاع بين نوح عليه السلام وقومه يدل على ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية دلالة واضحة:
(وإلى عادٍ أخاهم هوداً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف: 65)
(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا) (الأعراف: 70)
(قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكةً) ... (فصلت: 11)
(وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمرَ كل جبّارٍ عنيد) (هود: 59)

ثمود قوم صالح ويأتي بعد ذلك ثمود الذين كانوا أطغى الأمم وأعصاها بعد عاد وهذه الأمة أيضاً كان ضلالها كضلال قومي نوح وهود من حيث الأصل والمبدأ فما كانوا جاحدين بوجود الله تعالى ولا كافرين بكونه إلهاً ورباً للخلق أجمعين. وكذلك ما كانوا يستنكفون عن عبادته والخضوع بين يديه، بل الذي كانوا يجحدونه هو أن الله تعالى هو الإله الواحد، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو، وأن الربوبية خاصة له دون غيره بجميع معانيها. فإنهم كانوا مصرين على إيمانهم بآلهة أخرى مع الله وعلى اعتقادهم أن أولئك يسمعون الدعاء، ويكشفون الضر ويقضون الحاجات، وكانوا يأبون إلا أن يتبعوا رؤساءهم وأحبارهم في حياتهم الخلقية والمدنية، ويستمدوا منهم بدلاً من الله تعالى شرعهم وقانون حياتهم. وهذا هو الذي أفضى بهم في آخر الأمر إلى أن يصبحوا أمة مفسدة، فأخذهم من الله عذاب أليم ويبين كل ذلك ما يأتي من آيات القرآن الحكيم.
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون) (حم: السجدة 13-14)
(وإلى ثمود أخاهم صالحاً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (هود: 61)
(قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا)
(إذ قال لهم أخوهم صالحٌ ألا تتقون. إني لكم رسولٌ أمين. فاتقوا الله وأطيعون) (الشعراء: 151-144)
(ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (الشعراء: 151-152)

قوم إبراهيم ونمورد ويتلو ثمود قوم إبراهيم عليه السلام. ومما يجعل أمر هذه الأمة أخطر وأجدر بالبحث، أن قد شاع خطأ بين الناس عن ملكها نمرود، أنه كان يكفر بالله تعالى ويدعي الألوهية. والحق أنه كان يؤمن بوجود الله تعالى ويعتقد بأنه خالق هذا العالم ومدبر أمره، ولم يكن يدعي الربوبية إلا بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وكذلك قد فشا بين الناس خطأ أن قوم إبراهيم عليه السلام هؤلاء ما كانوا يعرفون الله ولا يؤمنون بألوهيته وربوبيته. إنما الواقع أن أمر هؤلاء القوم لم يكن يختلف في شيء عن أمر قوم نوح وعاد وثمود. فقد كانوا يؤمنون بالله ويعرفون أنه هو الرب وخالق الأرض والسماوات ومدبر أمر هذا العالم، وما كانوا يستنكفون عن عبادته كذلك. وأما غيّهم وضلالهم فهو أنهم كانوا يعتقدون أن الأجرام الفلكية شريكة مع الله في الربوبية بالمعنى الأول والثاني ولذلك كانوا يشركونها بالله تعالى في الألوهية. وأما الربوبية بالمعنى الثالث والرابع والخامس فكانوا قد جعلوها خاصة لملوكهم وجبابرتهم. وقد جاءت نصوص القرآن في ذلك من الوضوح والجلاء بحيث يتعجب المرء: كيف لم يدرك الناس هذه الحقيقة وقصروا عن فهمها؟. وهيا بنا ننظر قبل كل شيء في الحادث الذي حدث لإبراهيم – عليه السلام- عند أول ما بلغ الرشد؛ والذي يصف فيه القرآن كيفية سعي إبراهيم وراء الوصول إلى الحق:
(فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي؛ فلما أفل، قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً، قال هذا ربي، فلما أفلَ قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة، قال هذا ربي، هذا أكبر؛ فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (الأنعام: 76-79)
فيتبين واضحاً من الآيات المخطوط تحتها أن المجتمع الذي نشأ فيه إبراهيم عليه السلام، كان يوجد عنده تصور فاطر السماوات والأرض وتصوُّر كونه رباً منفصلاً عن تصوّر ربوبية السيارات السماوية. ولا عجب في ذلك، فقد كان القوم من ذرية المسلمين الذين كانوا قد آمنوا بنوح عليه السلام، وكان الدين الإسلامي لم يزل يحيا وُيجدد فيمن داناهم في القرب والقرابة من أمم عاد وثمود، على أيدي الرسل الكرام الذين توالوا عليها كما قال عزّ وجل: (جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم) . فعلى ذلك كان إبراهيم عليه السلام أخذ تصور كون الله رباً وفاطراً للسماوات والأرض عن بيئته التي نشأ فيها. وأما التساؤل الذي كان يخالج نفسه فهو عن مبلغ الحق والصحة فيما شاع بين قومه من تصوّر كون الشمس والقمر والسيارات الأخرى شريكة مع الله في نظام الربوبية حتى أشركوها بالله تعالى في العبادة (1) .فجدّ إبراهيم عليه السلام في البحث عن جوابه قبل أن يصطفيه الله تعالى للنبوة، حتى أصبح نظام طلوع السيارات السماوية وأفولها هادياً له إلى الحق الواقع وهو أنه لا رب إلا فاطر السماوات والأرض. ولأجل ذلك تراه يقول عند أفول القمر: لئن لم يهدني ربي لأخافنَّ أن أبقى عاجزاً عن الوصول إلى الحق وانخدع بهذه المظاهر التي لا يزال ينخدع بها ملايين من الناس من حولي. ثم لما اصطفاه الله تعالى لمنصب النبوة
أخذ في دعوة قومه إلى الله، فإنك ترى بالتأمل في الكلمات التي كان يعرض بها دعوته على قومه أن ما قلناه آنفاً يزداد وضوحاً وتبياناً:
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً) (الأنعام – 81)
(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) (مريم – 48)
(قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهنّ) (الأنبياء – 56)
(قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم) (الأنبياء – 66)
(إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون. أأفكاً آلهةً دون الله تريدون. فما ظنّكم بربِّ العالمين) (الصافات: 85- 87)
(إنّا بُرآءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) (الممتحنة: 4)
فيتجلى من جميع الأقوال لإبراهيم عليه السلام أنه ما كان يخاطب بها قوماً لا يعرفون الله تعالى ويجحدون بكونه إله الناس ورب العالمين أو أذهانهم خالية من كل ذلك، بل كان بين يديه قوم يشركون بالله تعالى آلهة أخرى في الربوبية بمعناها الأول والثاني وفي الألوهية. ولذلك لا ترى في القرآن الكريم قولاً واحداً لإبراهيم عليه السلام قد قصد به إقناع أمته بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً للعالمين، بل الذي تراه يدعو أمته إليه في كل ما يقول هو أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الرب والإله.
ثم لنستعرض أمر نمرود. فالذي جرى بينه وبين إبراهيم عليه السلام من الحوار، قصه القرآن في ما يأتي من الآيات:
(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) (البقرة – 258)
أنه ليتضح جلياً من هذا الحوار بين النبي وبين نمرود أنه لم يكن النزاع بينهما في وجود الله تعالى أو عدمه وإنما كان في أنه من ذا يعتقده إبراهيم عليه السلام رباً؟ كان نمرود من أمة كانت تؤمن بوجود لله تعالى، ثم لم يكن مصاباً بالجنون واختلال العقل حتى يقول هذا القول السخيف البين الحمق: "إني فاطر السماوات والأرض ومدبر سير الشمس والقمر" فالحق أنه لم تكن دعواه أنه هو الله ورب السماوات والأرض وغنما كانت أنه رب المملكة التي كان إبراهيم –عليه السلام- أحد أفراد رعيتها. ثم أنه لم يكن يدعي الربوبية لتلك المملكة بمعناها الأول والثاني، فإنه كان يعتقد بربوبية الشمس والقمر وسائر السيارات بهذين المعنيين، بل كان يدعي الربوبية لمملكته بالمعنى الثالث والرابع والخامس. وبعبارة أخرى كانت دعواه أنه مالك تلك المملكة، وأن جميع أهاليها عبيد له، وأن سلطته المركزية أساس لاجتماعهم، وأمره قانون حياتهم. وتدل كلمات (أن آتاه الله الملك) دلالة صريحة على أن دعواه للربوبية كان أساسها التبجح بالملكية. فلما بلغه أن قد ظهر بين رعيته رجل يقال له إبراهيم، لا يقول بربوبية الشمس والقمر ولا السيارات الأخرى في دائرة ما فوق الطبيعة، ولا هو يؤمن بربوبية صاحب العرش في دائرة السياسة والمدنية، استغرب الأمر جداً فدعا إبراهيم عليه السلام فسأله: من ذا الذي تعتقده رباً؟ فقال إبراهيم عليه السلام بادئ ذي بدء: "ربي الذي يحيي ويميت يقدر على إماتة الناس وإحيائهم! " فلم يدرك نمرود غور الأمر فحاول أن يبرهن على ربوبيته بقوله: "وأنا أيضاً أملك الموت والحياة، فأقتل من أشاء وأحقن دم من أريد! .." هنالك بين له إبراهيم عليه السلام أنه لا رب عنده إلا الله الذي لا رب سواه بجميع معاني الكلمة، وأنى يكون لأحد غيره شرك في الربوبية وهو لا سلطان له على الشمس في طلوعها وغروبها؟! وكان نمرود رجلاً فطناً، فما أن سمع من إبراهيم عليه السلام هذا الدليل القاطع
حتى تجلت له الحقيقة، وتفطن لأن دعواه للربوبية في ملكوت الله تعالى بين السموات والأرض إن هي إلا زعم باطل وادعاء فارغ فبهت ولم ينبس ببنت شفة. إلا انه قد كان بلغ منه حب الذات واتباع هوى النفس وإيثار مصالح العشيرة، مبلغاً لم يسمح له بأن ينزل عن ملكيته المستبدة ويئوب إلى طاعة الله ورسوله، مع أنه قد تبين له الحق والرشد. فعلى ذلك قد أعقب الله تعالى هذا الحوار بين النبي ونمرود بقوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين) والمراد أن نمرود لما لم يرض أن يتخذ الطريق الذي كان ينبغي له أن يتخذه بعدما تبين له الحق، بل آثر أن يظلم الخلق ويظلم نفسه معهم، بالإصرار على ملكيته المستبدة الغاشمة لم يؤته الله تعالى نوراً من هدايته، ولم يكن من سنة الله أن يهدي إلى سبيل الرشد من كان لا يطلب الهداية من تلقاء نفسه.

قوم لوط عليه السلام
ويعقب قوم إبراهيم في القرآن قوم لوط، الذين بعث لهدايتهم وإصلاح فسادهم لوط بن أخي إبراهيم عليهما السلام -. ويدلنا القرآن الكريم أن هؤلاء أيضاً ما كانوا متنكرين لوجود الله تعالى ولا كانوا يجحدون بأنه هو الخالق والرب بالمعنى الأول والثاني. أما الذي كانوا يأبونه ولا يقبلونه فهو الاعتقاد بأن الله هو الرب المعنى الثالث والرابع والخامس، والإذعان لسلطة النبي من حيث كونه نائباً من عند الله أميناً. ذلك بأنهم كانوا يبتغون أن يكونوا أحراراً مطلقي الحرية يتبعون ما يشاؤون من أهوائهم ورغباتهم وتلك كانت جريمتهم الكبيرة التي ذاقوا من جرائها أليم العذاب. ويؤيد ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية:
(إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمينٌ. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إنْ أجري إلا على رب العالمين. أتأتون الذُّكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون) (الشعراء: 161 – 166) وبديهي أن مثل هذا القول لم يكن ليخاطب به إلا قوم لا يجدون بوجود الله تعالى وبكونه خالقاً ورباً لهذا العالم؟ فأنت ترى أنهم لا يجيبون لوطاً عليه السلام بقول من مثل: "ما الله؟ " من أين له أن يكون خالقاً للعالم؟ " أو "أنى له أن يكون ربنا ورب الخلق أجمعين؟ " بل تراهم يقولون:
(لئن لم تنته يا لوط لتكوننّ من المخرجين) (الشعراء: 167)
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الحديث في موضع آخر بالكلمات الآتية:
(ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) (العنكبوت: 28-29)
أفيجوز أن يكون هذا جواب قوم ينكرون وجود الله تعالى؟. لا والله ومن ذلك يتبين أن جريمتهم الحقيقية لم تكن إنكار ألوهية الله تعالى وربوبيته، بل كانت جريمتهم أنهم على إيمانهم بالله تعالى إلهاً ورباً فيما فوق العالم الطبيعي، كانوا يأبون أن يطيعوه ويتبعوا قانونه في شؤونه الخلقية والمدنية والاجتماعية، يمتنعون من أن يهتدوا بهدي نبيه لوط عليه السلام.

قوم شعيب عليه السلام ولنذكر في الكتاب بعد ذلك أهل مدين وأصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب عليه السلام. ومما نعرف عن أمرهم أنهم كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلام. إذن لا حاجة إلى أن نبحث فيهم: هل كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى وبكونه إلهاً ورباً أم لا؟ إنهم كانوا في حقيقة الأمر أمة نشأت على الإسلام في بداية أمرها، ثم أخذت بالفساد بما أصاب عقائدها من الانحلال وأعمالها من السوء. ويبدو مما جاء عنهم في القرآن كأن القوم كانوا بعد ذلك كله يدّعون لأنفسهم الإيمان، فإنك ترى شعيباً عليه السلام يكرر لهم القول: يا قوم اعملوا كذا وكذا إن كنتم مؤمنين وفي خطاب شعيب عليه السلام لقومه وأجوبة القوم له دلالة واضحة على أنهم كانوا قوماً يؤمنون بالله وينزلونه منزلة الرب والمعبود. ولكنهم كانوا قد تورطوا في نوعين من الضلال: أحدهما أنهم كانوا أصبحوا يعتقدون الألوهية والربوبية في آلهة أخرى مع الله تعالى، فلم تعد عبادتهم خالصة لوجه الله، والآخر أنهم كانوا يعتقدون أن ربوبية الله لا مدخل لها في شؤون الحياة الإنسانية من الأخلاق والاجتماع والاقتصاد والمدنية والسياسة، وعلى ذلك كانوا يزعمون أنهم مطلقوا العنان في حياتهم المدنية ولم أن يتصرفوا في شؤونهم كيف يشاؤون، ويصدق ذلك ما يأتي من الآيات:
(وإلى مدين أخاهم شعيباً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين) (الأعراف: 85)
(وإنْ كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفةٌ لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خيرُ الحاكمين) (الأعراف: 87) (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاءُ إنكَ لأنت الحليم الرشيد) (هود: 85-87)
والعبارات الأخيرة المخطوط تحتها خصوصية الدلالة على ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية والألوهية.

فرعون وآله
وهيا بنا ننظر الآن في قصة فرعون وآله، فمن قد شاع عنهم في الناس من الأخطاء والأكاذيب أكثر مما شاع فيهم عن نمرود وقومه. فالظن الشائع أن فرعون لم يكن منكراً لوجود الله تعالى فحسب، بل كان يدعي الألوهية لنفسه أيضاً. ومعناه أن قد بلغت منه السفاهة أنه كان يجاهر على رؤوس الناس بدعوى أنه فاطر السماوات والأرض، وكانت أمته من البله والحماقة أنها كانت تؤمن بدعواه تلك. والحق الواقع الذي يشهد به القرآن والتاريخ هو أن فرعون لم يكن يختلف ضلاله في باب الألوهية والربوبية عن ضلال نمرود، ولا كان يختلف ضلال آله عن ضلال قوم نمرود. وإنما الفرق بين هؤلاء وأولئك أنه قد كان نشأ في آل فرعون لبعض الأسباب السياسية عناد وتعصب وطني شديد على بني إسرائيل، فكانوا لمجرد هذا العناد يمتنعون من الإيمان بألوهية الله وربوبيته، وإن كانت قلوبهم تعترف بها شأن أكثر الملحدين الماديين في عصرنا هذا.
وبيان هذا الإجمال أنه لما استتبت ليوسف عليه السلام السلطة على مصر، استفرغ جهده في نشر الإسلام وتعاليمه بينهم. ورسم على أرضه من ذلك أثراً محكماً لم يقدر على محوه أحد إلى القرون. وأهل مصر وإن لم يكونوا إذ ذاك قد آمنوا بدين الله عن بكرة أبيهم، إلا أنه لا يمكن أن يكون قد بقي فيهم من لم يعرف وجود الله تعالى ولم يعلم أنه هو فاطر السماوات والأرض. وليس الأمر يقف عند هذا بل الحق أن كان تم للتعاليم الإسلامية من النفوذ والتأثير في كل مصري ما جعله – على الأقل – يعتقد بأن الله إله الآلهة رب الأرباب فيما فوق العالم الطبيعي ولم يبق في تلك الأرض من يكفر بألوهية الله تعالى. وأما الذين كانوا قد أقاموا على الكفر، فكانوا يجعلون مع الله شركاء في الألوهية والربوبية. وكانت تأثيرات الإسلام المختلفة هذه في نفوس أهل مصر باقية إلى الزمن الذي بعث فيه موسى عليه السلام (1) . والدليل على ذلك تلك الخطبة التي ألقاها أمير من الأقباط في مجلس فرعون. وذلك أن
فرعون حينما أبدى إرادته في قتل موسى عليه السلام، لم يصبر عليه هذا الأمير القبطي من أمراء مجلسه، وكان قد أسلم وأخفى إسلامه، ولم يلبث أن قام يخطب:
(أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرفٌ كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا) .
(يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل داب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم) .
(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً) .. (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) . (غافر – 28 – 31 – 34 – 41- 42)
وتشهد هذه الخطبة من أولها إلى آخرها بأنه لم يزل أثر شخصية النبي يوسف عليه السلام باقياً في نفوس القوم إلى ذلك الحين، وقد مضت على عهده قرون متعددة. وبفضل ما علمهم هذا النبي الجليل، لم يكونوا قد بلغوا من الجهالة ألا يعلموا شيئاً عن وجود الله تعالى، أو ألا يعرفوا أنه الرب والإله، وأن سيطرته وسلطته غالبة على قوى الطبية في هذا العالم، وأن غضبه مما يخاف ويتقى. ويتضح أيضاً من آخر هذه الخطبة أن أمة فرعون لم تكن تجحد بألوهية الله وربوبيته جحوداً باتاً، وإنما كان ضلالها كضلال الأمم الأخرى مما ذكرناه آنفاً – أي كانت هذه الأمة أيضاً تشرك بالله تعالى في صفتي الألوهية والربوبية وتجعل له فيهما أنداداً.
أما مثار الشبهة في أمر فرعون فهو سؤاله لموسى عليه السلام (وما رب العالمين) حينما سمع منه: (إنا رسول رب العالمين!) ثم قوله لصاحبه هامان: (ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) ووعيده لموسى عليه السلام: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين) ، وإعلانه لقومه: (أنا ربكم الأعلى) وقوله لملئه: (لا أعلم لكم من إله غيري) . – فمثل هذه الكلمات التي قالها فرعون قد خيلت إلى الناس أنه كان ينكر وجود الله تعالى وكان فارغ الذهن من تصور رب العالمين، ويزعم لنفسه أنه الإله الواحد، ولكن الواقع الحق أنه لم يكن يدعي ذلك كله إلا بدافع من العصبية الوطنية. وذلك أنه لم يكن الأمر في زمن النبي يوسف عليه السلام قد وقف على أن شاعت تعاليم الإسلام في ربوع مصر بفضل شخصيته القوية الجليلة، بل جاوز ذلك إلى أن تمكن لبني إسرائيل نفوذ بالغ في الأرض مصر تبعاً لما تهيأ ليوسف عليه السلام من السلطة والكلمة النافذة في حكومة مصر. فبقيت سلطة بني إسرائيل مخيمة على القطر المصري إلى ثلاثمائة سنة أو أربعمائة. ثم أخذ يخالج صدور المصريين من العواطف الوطنية والقومية ما جعلهم يتعصبون على بني إسرائيل، واشتد الأمر حتى الغوا سلطة الإسرائيليين ونفوذهم إلغاء. فتولى الأمر بعدهم الأسر المصرية الوطنية وتتابعت في الحكم. وهؤلاء الملوك الجدد لما أمسكوا زمام الأمر لم يقتصروا على إخضاع بني إسرائيل وكسر شوكتهم، بل تعدوه إلى أن حاولوا محو كل أثر من آثار العهد اليوسفي في مصر وإحياء تقاليد ديانتهم الجاهلية. فلما بعث إليهم في تلك الآونة موسى عليه السلام، خافوا على غلبتهم وسلطتهم أن تنتقل من أيديهم إلى أيدي بني إسرائيل مرة أخرى. فلم يكن يبعث فرعون إلا هذا العناد واللجاج على أن يسأل موسى عليه السلام ساخطاً متبرماً: وما رب العالمين؟ ومن يمكن أن يكون إلهاً غيري؟ وهو في الحقيقة لم يكن جاهلاً وجود رب العالمين. وتتضح هذه
الحقيقة كأوضح ما يكون مما جاء في القرآن الكريم من أحاديثه وأحاديث ملئه وخطب موسى عليه السلام. فيقول فرعون – مثلا – تأكيداً لقوله إن موسى عليه السلام ليس برسول الله.
(فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (الزخرف: 53)
أفكان لرجل فارغ الذهن من وجود الله تعالى والملائكة أن يقول هذا القول وفي موضع آخر يقص القرآن الحوار الآتي بين فرعون وبين النبي موسى عليه السلام:
(فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً. قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مبثوراً) (بني إسرائيل: 101-102)
وفي محل آخر يظهر الله تعالى ما في صدور قوم فرعون بقوله:
(فلما جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ وجحدوا واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) (النمل: 13-14)
ويصور لنا القرآن نادياً آخر جمع موسى عليه السلام وآل فرعون بهذه الآية:
(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذابٍ وقد خاب من افترى. فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما بطريقتكم المثلى) (طه: 61-63)
والظاهر أنه لم يكن قام النزاع ونشأ الأخذ والرد بينهم وبين نبيهم موسى عليه السلام حين أنذرهم عذاب الله ونبههم على سوء مآل ما كانوا يفترون، إلا لأنهم قد كان في قلوبهم ولاشك بقية من أثر عظمة الله تعالى وجلاله وهيبته ولكن حاكمهم الوطنيين لما أنذروهم بخطر الانقلاب السياسي العظيم، وحذروهم عاقبة اتباعهم لموسى وهارون، وهي عودة غلبة الإسرائيليين على أبناء مصر، قست قلوبهم واتفقوا جميعاً على مقاومة النبيين. وبعد ما قد تبين لنا من هذه الحقيقة، من السهل علينا أن نبحث: ماذا كان مثار النزاع بين موسى عليه السلام وفرعون، وماذا كانت حقيقة ضلاله وضلال قومهن وبأي معاني كلمة (الرب) كان فرعون يدعي لنفسه الألوهية والربوبية. فتعال نتأمل لهذا الغرض ما يأتي من الآيات بالتدريج.
1- إن الذين كانوا يلحون من ملأ فرعون على حسم دعوة موسى عليه الصلاة والسلام واستئصالها من أرض مصر، يخاطبون فرعون لبعض المناسبات ويسألونه:
(أتذرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذركم وآلهتكَ) (الأعراف: 127)
وبخلاف ذلك يناديهم الذي كان قد آمن بموسى عليه السلام:
(تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ) (المؤمن: 42)
فإذا نظرنا في هاتين الآيتين وأضفنا إليهما ما قد زودنا به التاريخ وآثار الأمم القديمة أخيراً من المعلومات عن أهالي مصر زمن فرعون، يتجلى لنا أن كلاً من فرعون وآله كانوا يشركون بالله تعالى في المعنى الأول والثاني لكلمة (الرب) ويجعلون معه شركاء من الأصنام ويعبدونها. والظاهر أن فرعون لو كان يدعي لنفسه الربوبية فيما فوق العالم الطبيعي، أي لو كان يدعي أنه هو الغالب المتصرف في نظام الأسباب في هذا العالم، وأنه لا إله ولا رب غيره في السماوات والأرض، ولم يعبد الآلهة الأخرى أبداً (1)
(2) أما كلمات فرعون هذه التي قد وردت في القرآن:
(يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إله غيري) (القصص: 38)
(لئن اتّخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 29)
فليس المراد بذلك أن فرعون كان ينفي جميع ما سواه من الآلهة. وإنما كان غرضه الحقيقي من ذلك رد دعوة موسى عليها لسلام وإبطالها. ولما كان موسى عليه السلام – يدعو إلى إله لا تنحصر ربوبيته في دائرة ما فوق الطبيعة فحسب، بل هو كذلك مالك الأمر والنهي، وذو القوة والسلطة القاهرة بالمعاني السياسية والمدنية، قال فرعون لقومه: يا قوم لا أعلم لكم مثل ذلك الإله غيري، وتهدد موسى عليه السلام، أنه إن اتخذ من دونه إلهاً ليلقينّه في السجن.
ومما يعلم كذلك من هذه الآيات، وتؤيده شواهد التاريخ وآثار الأمم القديمة، أن فراعنة مصر لم يكونوا يدعون لأنفسهم مجرد الحاكمية المطلقة، بل كانوا يدعون كذلك نوعاً من القداسة والتنزه بانتسابهم إلى الآلهة والأصنام، حرصاً منهم على أن يتغلغل نفوذهم في نفوس الرعية ويستحكم استيلاؤهم على أرواحهم. ولم تكن الفراعنة منفردة بهذا الادعاء، بل الحق أن الأسر الملكية ما زالت في أكثر أقطار العالم تحاول الشركة – قليلاً أو كثيراً – في الألوهية والربوبية في دائرة ما فوق الطبيعة، علاوة على ما كانت تتولاه من الحاكمية السياسية، وما زالت لأجل ذلك تفرض على الرعية أن تقوم بين يديها بشيء من شعائر العبودية، على أن دعواهم تلك للألوهية السماوية لم تكن هي المقصودة بذاتها في الحقيقة، وإنما كانوا يتذرعون بها إلى تأثيل حاكميتهم السياسية. ومن ذلك نرى أنه ما زالت الأسر الملكية في مصر وغيرها من الأقطار الجاهلية تذهب ألوهيتها بذهاب سلطانها السياسي، وقد بقيت الألوهية تتبع العرش في تنقله من أيد إلى أخرى. (3) ولم تكن دعوى فرعون الأصلية الغالبة المتصرفة في نظام السنن الطبيعية، بل بالألوهية السياسية! فكان يزعم أنه الرب الأعلى لأرض مصر ومن فيها بالمعنى الثالث والرابع والخامس لكلمة (الرَّب) ويقول إني أنا مالك القطر المصري وما فيه من الغنى والثروة وأنا الحقيق بالحاكمية المطلقة فيه، وشخصيتي المركزية هي الأساس لمدينة مصر واجتماعها، وإذن لا يجرينَّ فيها إلاّ شريعتي وقانوني. وكان أساس دعوى فرعون بعبارة القرآن:
(ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) (الزخرف – 51)
وهذا الأساس نفسه هو الذي كانت تقوم عليه دعوى نمرود للربوبية.
و (حاجَّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك) (البقرة: 258)
وهو كذلك الأساس الذي رفع عليه فرعون المعاصر ليوسف عليه السلام بنيان ربوبيته على أهل مملكته.
(4) أمّا دعوة موسى عليه السلام التي كانت سبب النزاع بينه وبين فرعون وآله، فهي في الحقيقة أنه لا إله ولا ربَّ بجميع معاني كلمة (الرب) إلا الله رب العالمين، وهو وحده الإله والرّب فيما فوق العالم الطبيعي، كما أنه هو الإله والرب بالمعاني السياسية والاجتماعية، لأجل ذلك يجب ألا نخلص العبادة إلا له، ولا نتبع في شؤون الحياة المختلفة إلا شرعه وقانونه، وانه – أي موسى عليه السلام – قد بعثه الله تعالى بالآيات البينات وسيُنزل الله تعالى أمره ونهيه لعباده بما يوحي إليه؛ لذلك يجب أن تكون أزمّة أمور عباده بيده، لا بيد فرعون. ومن هنا كان فرعون ورؤساء حكومته يُعلون أصواتهم المرّة بعد المرّة بأن موسى وهارون – عليهما السلام – قد جاءا يسلبان أرض مصر. وأرادا أن يذهبا بنظمنا الدينية والمدنية ليستبدلا بها ما يشاءان من النظم والقواعد.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) (هود: 96-97) (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريم. أن أدُّوا إليَّ عبادَ الله إني لكم رسول أمين. وان لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين) (الدخان: 17-19)
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأذناه أخذاً وبيلاً) (المزملَّ: 15-16)
(قال فمن ربكما يا موسى. قال ربّنا الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى) (طه: 49-50)
(قال فرعون وما رب العالمين. قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين. قال لمنّ حوله ألا تستمعون. قال ربكم ورب آبائكم الأولين. قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين) (الشعراء: 23-29)
(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) (طه: 57)
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (غافر: 26)
(قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) ... (طه – 63)
وبإنعام النظر في هذه الآيات بالتدريج الذي قد سردناها به، يتجلى أن الضلال الذي تعاقبت فيه الأمم المختلفة من أقدم العصور، كان هو عينه قد غشت وادي النيل ظلماته، وأن الدعوة التي قام بها جميع الأنبياء منذ الأبد، كانت هي نفسها يدعو بها موسى وهارون عليهما السلام.

اليهود والنصارى وتطلع علينا بعد آل فرعون بنو إسرائيل والأمم الأخرى التي دانت باليهودية والنصرانية. وهؤلاء لا مجال للظن فيهم أن يكونوا منكرين لوجود إله العالم، أو يكونوا لا يعتقدون بألوهيته وربوبيّته فإن القرآن نفسه يشهد بكونهم أهل الكتاب. وأما السؤال الذي ينشأ في ذهن الباحث عن أمرهم فهو أنه ما هو على التحديد الخطأ في عقيدتهم ومنهج عملهم في باب الربوبية – الذي قد عدهم القرآن من أجله من القوم الضالين؟ والجواب المجمل على السؤال تجده في القرآن نفسه في آيته الكريمة:
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبلُ وأضلوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل) (المائدة – 77)
فيعلم من هذه الآية أن ضلال اليهود والنصارى هو من حيث الأصل والأساس نفس الضلال الذي ارتطمت فيه الأمم المتقدمــة، وتدلنا هذه الآية أيضاً أن ضلالهم هذا كان آتياً من غلوّهم في الدين. وها نحن نرى بعد ذلك كيف يفصل القرآن هذا الإجمال:
(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) (التوبة: 30)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم) (المائدة – 72)
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) . (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) (المائدة: 73، 116)
(ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلِّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمرَكم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (آل عمران: 79-80) فكان ضلال أهل الكتاب حسب ما تجل عليه هذه الآيات: أولاً أنهم بالغوا في تعظيم النفوس المقدسة كالأنبياء والأولياء والملائكة التي تستحق التكريم والتعظيم لمكانتها الدينية، فرفعوها من مكانتها الحقيقية إلى مقام الألوهية وجعلوها شركاء مع الله ودخلاء في تدبير أمر هذا العالم، ثم عبدوها واستغاثوا بها واعتقدوا أن لها نصيباً في الألوهية والربوبية الميمنتين على ما فوق العالم الطبيعي، وزعموا أنها تملك لهم المغفرة والإعانة والحفظ. وثانياً أنهم:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة – 31)
أي أن الذين لم تكن وظيفتهم في الدين سوى أن يعلموا الناس أحكام الشريعة الإلهية، ويزكوهم حسب مرضاة الله، تدرج بهم هؤلاء حتى أنزلوهم بحيث يحلون لهم ما يشاؤون ويحرمون عليهم ما يشاؤون، ويأمرونهم وينهونهم حسب ما تشاء أهواؤهم بدون سند من كتاب الله، ويسنون لهم من السنن ما تشتهي أنفسهم. كذلك وقع هؤلاء في نفس النوعين من الضلال الأساسي الخطير اللذين قد وقع فيهما قبلهم أمم نوح وإبراهيم وعاد وثمود وأهل مدين وغيرهم من الأمم، فأشركوا بالله الملائكة وعبادة المقربين – كما أشرك أولئك – في الربوبية المهيمنة على ما فوق العالم الطبيعي، وجعلوا الربوبية بمعانيها السياسية والمدنية – كما جعل أولئك – للإنسان بدلاً من الله رب السماوات. وراحوا يستمدون مبادئ المدنية والاجتماع والأخلاق والسياسة وأحكامها جميعاً من بني آدم، مستغنيين في ذلك عن السلطان المنزل من عند الله تعالى. وأفضى بهم الغي إلى أن قال فيهم القرآن:
(ألم تر إلى الذين أتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) (النساء: 51)
(قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنهُ الله وغضبَ عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. أولئك شرٌّ مكاناً وأضل عن سواء السبيل) (المائدة: 60) (الجبتُ) كلمة جامعة شاملة لجميع أنواع الأوهام والخرافات من السحر والتمائم والشعوذة والتكهّن واستكشاف الغيب والتشاؤم والتفاؤل والتأثيرات الخارجة عن القوانين الطبيعية. والمراد من (الطاغوت) كل فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على الله، وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها الألوهية والربوبية. فلما وقعت اليهود والنصارى في ما تقدم ذكره من النوعين من الضلال، كانت نتيجة أولها أن أخذت جميع أنواع الأوهام مأخذها من قلوبهم وعقولهم، وأما الثاني فاستدرجهم من عبادة العلماء والمشايخ والصوفية والزهاد إلى عبادة الجبابرة وطاعة الظالمين الذين كانوا قد بغوا على الله علانية!

المشركون العرب
هذا ولنبحث الآن في المشركين العرب الذين بعث فيهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، والذين كانوا أول من خاطبهم القرآن، من أي نوع كان ضلالهم في باب الألوهية والربوبية، هل كانوا يجهلون الله رب العالمين، أو كانوا ينكرون وجوده، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليبث في قلوبهم الإيمان بوجود الذات الإلهية! وهل كانوا لا يعتقدون الله عز وجل إلهاً للعالمين ورباً، فأنزل الله القرآن ليقنعهم بألوهيته وربوبيته؟ وهل كانوا يأبون عبادة الله والخضوع له؟ أو كانوا لا يعتقدونه سميع الدعاء وقاضي الحاجة؟ وهل كانوا يزعمون أن اللات والعزّى ومناة وهبل والآلهة الأخرى هي في الحقيقة فاطرة هذا الكون ومالكته والرازقة فيه والقائمة على تدبيره وإدارته؟ أو كانوا يؤمنون بأن آلهتهم تلك مرجع القانون ومصدر الهداية والإرشاد في شؤون المدنية والأخلاق؟ كل واحد من هذه الأسئلة إذا راجعنا فيه القرآن فإنه يجيب عليه بالنفي؛ ويبين لنا أن المشركين العرب لم يكونوا قائلين بوجود الله تعالى فحسب، بل كانوا يعتقدونه مع ذلك خالق هذا العالم كله – حتى آلهتهم – ومالكه وربه الأعلى، وكانوا يذعنون له بالألوهية والربوبية. وكان الله هو الجناب الأعلى الأرفع الذي كانوا يدعونه ويبتهلون إليه في مآل الأمر عندما يمسهم الضر أو تصيبهم المصائب، ثم كانوا لا يمتنعون عن عبادته والخضوع له، ولم تكن عقيدتهم في آلهتهم وأصنامهم أنها قد خلقتهم وخلقت هذا الكون، وترزقهم جميعاً، ولا أنها تهديهم وترشدهم في شؤون حياتهم الخلقية والمدنية، فالآيات الآتية تشهد بما تقول:
(قلن لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل أفلا تذكرون. قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولن الله، قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله، قل فأنى تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون) (المؤمنون: 84-90)
(هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصفٌ وجاءهم الموج من كل مكانٍ وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين. فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) (يونس: 22-23)
(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً) (الإسراء: 67)
ويروي القرآن عقائدهم في آلهتهم بعبارتهم أنفسهم فيما يأتي:
(والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: 3)
(ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18) ثم إنهم لم يكونوا يزعمون لآلهتهم شيئاً من مثل أنها تهديهم في شؤون حياتهم، فالله تعالى يأمر رسوله صلى الله لعيه وسلم في سورة يونس (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) الآية: 35 فيرميهم سؤاله هذا بالسكات، ولا يجيب أحد منهم عليه بنعم! عن اللات والعزى ومناة والآلهة الأخرى تهدينا سواء السبيل في العقيدة والعمل، وتعلمنا مبادئ العدالة والأمن والسلام في حياتنا الدنيا، وإننا نستمد من منبع علمها معرفة حقائق الكون الأساسية، فعند ذلك يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
(قل الله يهدي للحق. أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون) (يونس: 35)
ويبقى بعد هذه النصوص القرآنية أن نطلب جواب هذا السؤال: ماذا كان ضلالهم الحقيقي في باب الربوبية الذي بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم نرده إلى الصواب، وأنزل كتابه المجيد ليخرجهم من ظلماته إلى نور الهداية؟ وإذا تأملنا القرآن للتحقيق في هذه المسألة، نقف في عقائدهم وأعمالهم كذلك على النوعين من الضلال اللذين مازالا يلازمان الأمم الضالة منذ القدم.
فكانوا بجانب يشركون بالله آلهة وأرباباً من دونه في الألوهية والربوبية فيما فوق الطبيعة، ويعتقدون بأن الملائكة والنفوس الإنسانية المقدسة والسيارات السماوية – كل أولئك دخيلة بوجه من الوجوه في صلاحيات الحكم القائم فوق نظام العلل والأسباب. ولذلك لم يكونوا يرجعون إلى الله تعالى وحده في الدعاء والاستعانة وأداء شعائر العبودية، بل كانوا يرجعون كذلك في تلك الأمور كلها إلى آلهتهم المصنوعة الملفقة. وكانوا بجانب آخر يكادون لا يتصورون في باب الربوبية المدنية والسياسية أن الله تعالى هو الرب بهذه المعاني أيضاً. فكانوا قد اتخذوا أئمتهم الدينيين ورؤساءهم وكبراء عشائرهم أرباباً بتلك المعاني، ومنهم كانوا يتلقون القوانين لحياتهم.
أما النوع الأول من ضلالهم فيشهد به القرآن فيما يلي من الآيات: (ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فان أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) (الحج: 11-13) ...
(ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في (1) ، سبحانه وتعالى عما يشركون) (يونس: 18)
(قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً) (حم السجدة: 9)
(قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) (المائدة: 76)
(وإذا مسَّ الإنسان ضرٌ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً (2) ليضل عنه سبيله) (الزمر: 8)
(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسّكم الضرّ فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضرّ عنكم إذا فريقٌ منكم بربهم يشركون. ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون. ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً (3) مما رزقناهم، تالله لتسئلنّ عما كنتم تفترون) (النحل: 53 –56)
وأما الآخر فشهادة القرآن ما يأتي:
(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم) (الأنعام: 137)
ومن الظاهر أنه ليس المراد بـ (شركاء) في هذه الآية: الآلهة والأصنام، بل المراد بهم أولئك القادة والزعماء الذين زينوا للعرب قتل أولادهم وجعلوه في أعينهم مكرمة. فأدخلوا تلك البدعة الشنعاء على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وظاهر كذلك أن أولئك الزعماء لم يكن القوم قد اتخذوهم شركاء من حيث كانوا يعتقدون أن لهم السلطان فوق نظام الأسباب في هذا العالم، أو كانوا يعبدونهم ويدعونهم، بل كانوا قد جعلوهم شركاء مع الله في الألوهية والربوبية من حيث كانوا يسلمون بحقهم في أن يشرعوا لهم ما يشاؤون من النظم والقوانين لشؤونهم المدنية والاجتماعية، وأمورهم الخلقية والدينية.
(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (الشورى: 21)
وسيأتي تفصيل معاني كلمة (الدين) في موضعه من هذه الرسالة، وهناك سنتبين سعة معاني هذه الآية وشمولها. على أنه يتضح في هذا المقام أن ما كان يتولاه أولئك الزعماء والرؤساء من وضع الحدود والقواعد التي هي بمثابة الدين بغير إذن من الله تعالى، وأن اعتقاد العرب بكونها مما يجب اتباعه والعمل به، كان هو عينه شركة مع الله من أولئك في ألوهيته وربوبيته، وإيماناً من هؤلاء بشركتهم تلك!

دعوة القرآن: أن هذا البحث الذي قد خضنا غماره في الصفحات السابقة بصدد تصورات الأمم الضالة وعقائدها، ليكشف القناع عن حقيقة أن جميع الأمم التي قد وصمها القرآن بالظلم والضلال وفساد العقيدة من لدن أعرق العصور في القدم إلى زمن نزول القرآن، لم تكن منها جاحدة بوجود الله تعالى ولا كانت تنكر كون الله رباً وإلهاً بالإطلاق. بل كان ضلالها الأصلي المشترك بين جميعها أنها كانت قد قسمت المعاني الخمسة لكلمة (الرب) التي قد حددناها في بداية هذا الباب – مستشهدين باللغة والقرآن – قسمين متباينين:
فأما المعاني التي تدل على أن (الرب) هو الكفيل بتربية الخلق وتعهده وقضاء حاجته وحفظه ورعايته بالطرق الخارجة عن النظام الطبيعي، فكانت لها عندهم دلالة أخرى مختلفة، وهم وإن كانوا لا يعتقدون إلا الله تعالى ربهم الأعلى بموجبها، إلا أنهم كانوا يشركون به في الربوبية الملائكة والجن والقوى الغيبية والنجوم والسيارات والأنبياء والأولياء والأئمة الروحانيين.
وأما المعنى الذي يدل على أن (الرب) هو مالك الأمر والنهي وصاحب السلطة العليا، ومصدر الهداية والإرشاد، ومرجع القانون والتشريع، وحاكم الدولة والمملكة وقطب الاجتماع والمدنية، فكانت له عندهم دلالة أخرى متباينة: وبموجب هذا المفهوم كانوا إما يعتقدون أن النفوس الإنسانية وحدهم رباً من دون الله، وإما يستسلمون لربوبية تلك النفوس في شؤون الأخلاق والمدنية والسياسة مع كونهم يؤمنون إيماناً نظرياً بأن الله هو الرب، هذا هو الضلال الذي مازالت تبعث لحسمه الرسل عليهم اللام من لدن فجر التاريخ، ولأجل ذلك بعث الله أخيراً محمداً صلى الله عليه وسلم. وكانت دعوتهم جميعاً أن الرب بجميع معاني الكلمة واحد ليس غير، وهو الله تقدست أسماؤه. والربوبية ما كانت لتقبل التجزئة ولم يكن جزء من أجزائها ليرجع إلى أحد من دون الله بوجه من الوجوه، وأن نظام هذا الكون مرتبط بأصله ومركزه وثيق الارتباط، قد خلفه الله الواحد الأحد، ويحكمه الفرد الصمد، ويملك كل السلطة والصلاحيات فيه الإله الفذّ الموحد! فلا يد لأحد غير الله في خلق هذا النظام ولا شريك مع الله في إدارته وتدبيره ولا قسيم له في ملكوته. وبما أن الله تعالى هو مالك السلطة المركزية، فإنه هو وحده ربكم في دائرة ما فوق الطبيعة، وربكم في شؤون المدنية والسياسة والأخلاق، ومعبودكم ووجهة ركوعكم وسجودكم، ومرجع دعائكم وعماد توكلكم، والمتكفل بقضاء حاجاتكم، وكذلك هو الملك، ومالك الملك، وهو الشارع والمقنن، وهو الآمر والناهي. وكل هاتين الدلالتين للربوبية اللتين قد فصلتم إحداهما عن الأخرى لجاهليتكم، هي في حقيقة الأمر قوام الألوهية وعمادها وخاصة إلهية الإله. لذلك لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى، كما لا يجوز أن يشرك مع الله أحد من خلقه باعتبار أيهما. وأما الأسلوب الذي يدعو به القرآن دعوته هذه فها هو ذا بعبارته:
(إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين) ... (الأعراف: 54)
(قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله، فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق، فما بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) ... (يونس: 31-32)
(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) .. (ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون) (الزمر: 5،6)
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً)
(ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) … (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات، ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين. هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين) (غافر: 61، 62، 64، 65)
(والله خلقكم من تراب) … (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى، ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم) (فاطر: 11 و 13-14)
(وله من في السماوات والأرض كل له قانتون) ..
(ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يعقلون. بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) ..
(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) (الروم: 26 و 28 – 29،30) (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يُشركون) (الزمر: 67)
(فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. وله الكبرياءُ في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الجاثية: 36-37)
(رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا) (مريم: 65)
(ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه) (هود: 123)
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) (المزمل: 9)
(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون) (الأنبياء: 92-93)
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) (الأعراف: 3)
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (آل عمران: 64)
(قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس) (الناس: 1-3)
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) (الكهف:110)
فبقراءة هذه الآيات بالترتيب الذي سردناها به، يتبين للقارئ أن القرآن يجعل (الربوبية) مترادفة مع الحاكمية والملكية (Sovereignty) ويصف لنا (الرب) بأنه الحاكم المطلق لهذا الكون ومالكه وآمره الوحيد لا شريك له.
وبهذا الاعتبار هو ربنا ورب العالم بأجمعه ومريبنا وقاضي حاجاتنا.
وبهذا الاعتبار هو كفيلنا وحافظنا ووكلينا.
وطاعته بهذا الاعتبار هي الأساس الفطري الصحيح الذي يقوم عليه بنيان حياتنا الاجتماعية على الوجه الصحيح المرضي، والصلة بشخصيته المركزية تسلك شتى الأفراد والجماعات في نظام الأمة.
وبهذا الاعتبار هو حري بأن نعبده نحن وجميع خلائفه، ونطيعه ونقنت له.
وبهذا الاعتبار هو مالكنا ومالك كل شيء وسيدنا وحاكمنا. لقد كان العرب والشعوب الجاهلية في كل زمان اخطأوا - ولا يزالون يخطئون إلى هذا اليوم - بأنهم وزعوا هذا المفهوم الجامع الشامل للربوبية على خمسة أنواع من الربوبية، ثم ذهب بهم الظن والوهم أن تلك الأنواع المختلفة للربوبية قد ترجع إلى ذوات مختلفة ونفوس شتى، بل ذهبوا إلى أنها راجعة إليها بالفعل. فجاء القرآن فأثبت باستدلاله القوي المقنع أنه لا مجال أبداً في هذا النظام المركزي لأن يكون أمر من أمور الربوبية راجعاً - في قليل أو كثير- إلى غير من بيده السلطة العليا، وأن مركزية هذا النظام نفسها هي الدليل البيّن على أن جميع أنواع الربوبية مختصة بالله الواحد الأحد الذي أعطى هذا النظام خلقه.
ولذلك فإن من يظن جزءاً من أجزاء الربوبية راجعاً إلى أحد من دون الله، أو يرجعه إليه، بأي وجه من الوجوه، وهو يعيش في هذا النظام، فإنه يحارب الحقيقة ويصدف عن المواقع ويبغي على الحق، وباقي بيديه إلى التهلكة والخسران بما يتعب نفسه في مقاومة الحق الواقع.
(الرب) اسْم الله تَعَالَى وَلَا يُقَال الرب فِي غير الله إِلَّا بِالْإِضَافَة وَالْمَالِك وَالسَّيِّد والمربي والقيم والمنعم وَالْمُدبر والمصلح (ج) أَرْبَاب وربوب

(الرب) عصارة التَّمْر المطبوخة وَمَا يطْبخ من التَّمْر وَالْعِنَب وَرب السّمن وَالزَّيْت ثفله الْأسود (ج) ربوب ورباب

أَي

(أَي)
حرف نِدَاء أَي مُحَمَّد وحرف تَفْسِير عِنْدِي عسجد أَي ذهب وَرَأَيْت غضنفرا أَي أسدا
(أَي)
تكون شَرْطِيَّة نَحْو {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ} واستفهامية نَحْو {أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا} وموصولة نَحْو {ثمَّ لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا} ووصفا للدلالة على الْكَمَال مُحَمَّد رجل أَي رجل
أَي
: ( {أَيُّ) . كَتَبَه بالحُمْرةِ، وَهُوَ فِي الصِّحاحِ، فالأَوْلى كتبه بالسَّوادِ: (حَرْفُ اسْتِفْهامٍ عمَّا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ) .
(هَكَذَا هُوَ فِي المحْكَم.
وقالَ شيْخُنا: لَا قَائِل بحَرْفِيَّتها بَلْ هِيَ اسمٌ تُسْتَعْملُ فِي كلامِ العَرَبِ على وُجُوهٍ مَبْسوطَةٍ فِي المُغْني وشُرُوحِه، وكَلامُ المصنِّفِ فِيهَا كُلّه غَيْر مُحَرَّر.
ثمَّ قالَ ابنُ سِيدَه: وقَوْلُ الشاعِرِ:
وأَسْماءُ مَا أَسْماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْإليَّ وأَصْحابي} بأَيِّ وأَيْنَما فإنَّه جعلَ أَيَّ اسْماً للجهَةِ، فلمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ التَّعْريفُ والتأْنِيثُ مَنَعَه الصَّرْف.
وَقَالُوا: لأَضْرِبَنَّ أَيُّهم أَفْضَلُ؛ أَيِّ (مَبْنِيَّةٌ) عنْدَ سِيْبَوَيْه، فلذلِكَ لم يَعْمل فِيهَا الفِعْلُ؛ كَمَا فِي المُحْكَم وَفِي الصِّحاحِ.
وقالَ الكِسائيّ: تقولُ: لأَضْرِبَنَّ أَيَّهم فِي الدارِ، وَلَا يَجوزُ أَن تقولَ ضَرَبْت أَيُّهم فِي الدارِ، فَفرق بينَ الوَاقِعِ والمُنْتَظَرِ. وقالَ شَيْخُنا: أَيّ لَا تُبْنى إلاَّ فِي حالَةٍ مِن أَحْوالِ المَوْصولِ، أَو إِذا كانتْ مُنادَاة، وَفِي أَحْوالِ الاسْتِفهامِ كُلّها مُعْرَبَة، وكَذلِكَ حالُ الشَّرْطِيّة وغَيْر ذلِكَ، وَلَا يعْتَمد على شيءٍ مِن كَلامِ المصنِّف انتَهَى.
قُلْتُ: وَقد عَرَفْت أنَّه قَوْلُ سِيْبَوَيْه على مَا نَقَلَه ابنُ سِيدَه. فقوْل شيْخنا أنَّه لَا يُعْتَمد إِلَى آخِرِه مَحلُّ نَظَرٍ.
ثمَّ قالَ بعضٌ: لعلَّ قَوْله مَبْنِيَّة مُحَرَّفَة عَن مُبَيِّنَة بتقْدِيم التّحْتِيَّة على النونِ مِن البَيَانِ، {أَي مُعْرَبَة، وقيلَ: أرادَ بالبِناءِ التَّشْديد وكُلّه خِلافُ الظاهِرِ، انتَهى.
قُلْتُ: وَهُوَ مِثْل مَا ذكرَ وحيثُ ثبتَ أَنه قَوْلُ سِيْبَوَيْه فَلَا يحتاجُ إِلَى هَذِه التَّكْلِفاتِ البَعِيدَةِ وَمن حفظ حجَّة على مَنْ لم يَحْفظ.
(وَقد تُخَفَّفُ) لضَرُورَةِ الشِّعْرِ، (كقَوْلهِ) ، أَي الفَرَزْدَق:
(تَنَظَّرْتُ نَسْراً والسِّماكَيْنِ} أَيْهُما (عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْإنما أَرادَ {أَيُّهما، فاضْطَرَّ فحذَفَ.
(ووَقَعَ فِي كتابِ المُحْتَسب لابنِ جنِّي تَنَظَّرْتُ نَصْراً، وقالَ: اضْطَرَّ إِلَى تَخْفِيفِ الحَرْفِ فحذَفَ الياءَ الثانِيَة وكانَ يَنْبَغِي أَن يردَّ الْيَاء الأُولى إِلَى الواوِ لأنَّ أَصْلَها الْوَاو.
(وَقد تَدْخُلُه الكافُ فيُنْقَلُ إِلَى تكْثيرِ العددِ بمعْنَى كمِ الخَبَرِيَّةِ ويُكْتَبُ تَنْوِينه نوناً، وفيهَا؛) كَذَا فِي النّسخ، والأَوْلى وَفِيه، (لُغاتٌ) يقالُ: (} كأَيَّنْ) ، مِثَالُ كعَيِّن، (وكَيْيِنْ) ، بفتْحِ الكافِ وسكونِ الياءِ، الأُوْلى وكسْرِ الياءِ الثانِيَةِ، (وكائِنْ) ، مثَالُ كَاعِنٍ، ( {وكأَيَ) بوزْنِ رَمَي، (وكَاءٍ) ، مثلُ كَاعٍ، كَذَا فِي النّسخ والصَّوابُ بوزْنِ عَمٍ.
قالَ ابنُ جنِّي: حَكَى ذلِكَ ثَعْلَب. اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ مِنْهَا على الأُوْلى والثالثَةِ؛ وَمَا عَدَاهُما عَن ابنِ جنِّي، قالَ: تَصَرَّفتِ العَرَبُ فِي هَذِه الكَلِمَةِ لكثْرَةِ اسْتِعْمالِها إيَّاها فقَّدَّمَتِ الياءَ المُشَدَّدَة وأَخَّرَتِ الهَمْزَةَ، كَمَا فَعَلَتْ ذلِكَ فِي عدَّةِ مَوَاضِع، فصارَ التَّقْديرُ كَيِّىءٌ، ثمَّ إنَّهم حَذَفُوا الياءَ الثانِيَةَ تَخْفِيفاً كَمَا حَذَفُوها فِي مَيِّت وهَيِّن، فصارَ التَّقْدير كَيْىءٌ، ثمَّ إنَّهم قَلَبُوا الياءَ أَلِفاً لانْفِتاحِ مَا قَبْلها، فصارَتْ كائِنْ: فمَنْ قالَ:} كأَيِّنْ فَهِيَ أَيُّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا الكافُ، ومَنْ قالَ: كائِنْ فقد بيَّنَّا أَمْرَه، ومَنْ قالَ: {كأْي بوزْنِ رَمْي فأَشْبَه مَا فِيهِ أنَّه لما أَصارَه التَّغَير على مَا ذَكَرْنا إِلَى كَيْىءٍ قدَّمَ الهَمْزَةَ وأَخّر الياءَ وَلم يَقْلبِ الياءَ أَلِفاً، ومَنْ قالَ: كيءٍ بوزْنِ عَمٍ فإنَّه حذَفَ الياءَ مِن كَيْىءٍ تَخْفِيفاً أَيضاً.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: (تقولُ كأَيِّنْ رجُلاً) لَقِيتَ، تَنْصبُ مَا بَعْد كأَيِّنْ على التَّمْييزِ؛ (و) تقولُ أَيْضاً كأَيِّنْ (من رجُلٍ) لَقِيتَ، وإدْخال مِن بَعْد كأَيِّنْ أَكْثَر مِنَ النَّصْبِ بهَا وأَجْوَد؛ وتقولُ:} بكأَيِّنْ تَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ؟ أَي بكَم تَبِيع؛ قالَ ذُو الرُّمَّة:
وكائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهَاةٍ ورامِحٍ
بِلادُ العِدَا لَيْسَتْ لَهُ ببِلادِهذا نَصُّ الجَوْهرِيِّ.
قالَ سِيْبَوَيْه: وَقَالُوا كأَيِّنْ رجُلاً قد رأَيت، زَعَمَ ذلِكَ يونُس،! وكأَيِّنْ قد أَتاني رجُلاً، إلاَّ أنَّ أَكْثَر العَرَبِ إنَّما يتَكَّلمُونَ مَعَ مِنْ قالَ: ومعْنَى كأَيِّنْ رُبَّ.
وقالَ الخَلِيلُ: إِن جَرَّها أَحدٌ مِنَ العَرَبِ فَعَسى أَن يجرَّها بإضْمارِ مِن، كَمَا جازَ ذلِكَ فِي كَمْ؛ وقالَ أَيْضاً: كأَيِّنْ عَمِلَتْ فيمَا بَعْدَها كعَمَلِ أَفْضَلَ فِي رجُلٍ فصارَ أَيّ بمنْزِلَةِ التَّنْوين، كَمَا كانَ هم مِنَ قَوْلِهم أَفْضَلهم بمنْزِلَةِ التَّنْوين. قالَ: وإنَّما يَجِيءُ الكافُ للتَّشبيهِ فتَصيِر هِيَ وَمَا بَعْدَها بمنْزِلَةِ شَيْء واحِدٍ.
( {وأَيٌّ أَيْضاً اسمٌ صِيغَ ليُتَوَصَّلُ بهَا؛) كَذَا فِي النّسخ والصَّوابُ بِهِ؛ (إِلَى نداءِ مَا دَخَلَتْه أَلْ كَيَا أَيُّها الرَّجُلُ) وَيَا} أَيُّها الرَّجُلانِ وَيَا أَيُّها الرِّجال، وَيَا {أَيَّتُها المَرْأَةُ وَيَا} أَيَّتُها المَرْأَتانِ وَيَا أَيَّتُها النِّسْوَةُ، وَيَا أَيُّها المَرْأَة وَيَا أَيُّها المَرْأَتانِ وَيَا أَيُّها النِّسْوة. وأَمَّا قَوْلُه، عزَّ وجلَّ: {يَا أَيها النَّمْلُ ادْخلُوا مَسَاكِنَكم} ، فقد يكونُ على قَوْلِكَ يَا {أَيُّتها المَرْأَة وَيَا أَيّها النِّسْوة.
وأَمَّا ثَعْلَب فقالَ: إنَّما خاطَبَ النَّمْلَ بيا أَيّها لأنَّه جَعَلَهم كالنَّاسِ، وَلم يَقُل ادْخُلي لأنَّها كالناسِ فِي المُخاطَبَةِ، وأَمَّا قَوْلُه: {يَا أَيُّها الذينَ آمَنُوا} ، فيأْتي بنِداءٍ مُفْردٍ مُبْهِمِ، وَالَّذين فِي مَوْضِع رَفْعِ صفَةٍ} لأيّها، هَذَا مَذْهَبُ الخَلِيلِ وسِيْبَوَيْه وأَمَّا مَذْهَبُ الأَخْفَش: فَالَّذِينَ صفَةٌ! لأيّ، ومَوْضِعُ الَّذين رَفْع بإضْمارِ الذَّكَرِ العائِدِ على أَيَّ، كأَنّه على مَذْهَبِ الأَخْفَش بمنْزِلَةِ قَوْلِكَ: يَا مَنْ الَّذين أَي يَا من هم الَّذين، وَهَا لازِمَةٌ لأيِّ عِوَضاً ممَّا حُذِفَ مِنْهَا للإضافَةِ وزِيادَةً فِي التَّنْبِيهِ. وَفِي الصِّحاح، وَإِذا نادَيْتَ اسْماً فِيهِ الأَلِفُ والَّلامُ أَدْخَلْتَ بَيْنه وبينَ حَرْفِ النِّداءِ أَيّها فتَقولُ: يَا أَيّها الرَّجُلُ وَيَا أَيَّتُها المَرْأَة، {فأَيّ اسمٌ مُفْردٌ مُبْهم مَعْرِفَة بالنِّداءِ مَبْنِيٌّ على الضمِّ، وَهَا حَرْفُ تَنْبيهٍ، وَهِي عِوَض ممَّا كانتْ أَيّ تُضَافُ إِلَيْهِ، وتَرْفَع الرَّجُل لأنَّه صفَةٌ أَيّ؛ انتَهَى.
وقالَ ابنُ بَرِّي: أَيّ وُصْلَة إِلَى نِدَاء مَا فِيهِ الألِف وَاللَّام فِي قَوْلِكَ يَا أَيُّها الرَّجُل، كَمَا كانتْ} إِيّاً وُصْلَةَ المُضْمَرِ فِي {إيّاه} وإيّاك فِي قَوْلِ مَنْ جَعَل إيَّا اسْماً ظاهِراً مُضَافا على نَحْو مَا سمعَ مِنْ قَوْلِ العَرَبِ: إِذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّيْن {فإيَّاه} وإِيَّا الشَّوابِّ، انتَهَى.
وقالَ الزجَّاجُ: أَيّ اسمٌ مُبْهمٌ مَبْنِيٌّ على الضمِّ مِن أَيُّها الرَّجُل، لأنَّه مُنادَى مُفْرَد، والرَّجُل صِفَة {لأَيّ لازِمَه، تقولُ: أَيّها الرَّجُل أَقْبِل، وَلَا يجوزُ يَا الرَّجُل؛ لأنَّ يَا تَنْبِيهٌ بمنْزِلَةِ التَّعْريفِ فِي الرَّجُل فَلَا يجمعُ بينَ يَا وبينَ الأَلفِ واللامِ، وَهَا لازِمَةٌ لأيّ للتَّنْبيهِ، وَهِي عِوَضٌ مِن الإِضافَةِ فِي أَيّ، لأنَّ أَصْلَ أَيّ أَن تكونَ مُضافَةً إِلَى الاسْتِفْهامِ والخَبَرِ، والمُنادَى فِي الحَقيقَةِ الرَّجُلُ،} وأَيّ وُصْلَة إِلَيْهِ؛ وقالَ الكُوفِيّون: إِذا قُلْتَ يَا أَيّها الرَّجُل، فيا نِدَاء، وأَيّ اسمٌ مُنادَى، وَهَا تَنْبيه، والرَّجُل صِفَة، قَالُوا: ووُصِلَتْ أَيّ بالتَّنْبِيه فصارَ اسْماً تامّاً لأنَّ! أَيا وَمَا وَمن وَالَّذِي أَسْماءٌ ناقِصَةٌ لَا تتمُّ إلاَّ بالصِّلاتِ، ويقالُ: الرَّجُل تَفْسِير لمَنْ نُودِي.
(وأُجِيزَ نَصْبُ صِفَةِ أَيَ فتَقولُ: يَا أَيُّها الرَّجُلَ أَقْبِلْ؛) أَجازَهُ المازِنيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْروفٍ. ( {وأَيْ، كَكَيْ: حَرْفٌ لنداءِ القرِيبِ) دونَ البَعِيدِ، تقولُ: أَيْ زيدُ أَقْبِلْ. (و) هِيَ أَيْضاً كَلمةٌ تتقدَّمُ التَّفْسيرَ (بمعْنَى العبارَةِ) ، تقولُ: أَي كَذَا، بمعْنَى يُريدُ كَذَا؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ أَبو عَمْروٍ: سَأَلْتُ المبرِّدَ عَن أَيْ مَفْتُوحَة ساكِنَة الآخرِ مَا يكونُ بَعْدَها فقالَ: يكونُ الَّذِي بَعْدها بَدَلاً، ويكونُ مُسْتأْنفاً، ويكونُ مَنْصوباً؛ قالَ: وسَأَلْتُ أَحمدَ بن يَحْيَى فقالَ: يكونُ مَا بَعْدَها مُتَرْجِماً، ويكونُ نصبا بفعْلٍ مُضْمَرٍ، تقولُ: جاءَني أَخُوكَ أَي زيدٌ، ورأَيْتُ أَخَاكَ أَي زيدا، ومَرَرْتُ بأَخِيكَ أَي زيدٍ، وتقولُ: جاءَني أَخُوكَ فيجوزُ فِيهِ أَي زيدٌ وأَي زيدا، ومَرَرْتُ بأَخِيكَ فيجوزُ فِيهِ أَي زيدٍ، أَي زيدا، أَي زيدٌ، ويقالُ: رأَيْتُ أَخَاك أَي زيدا، ويَجوزُ أَي زيدٌ.
(} وإِيْ، بالكسْرِ، بمعْنَى نَعَم، وتُوصَلُ باليَمِينَ) .) فيُقالُ:! إِي وَالله، (و) تُبْدَلُ مِنْهَا هاءٌ ف (يُقالُ هِي) ، كَمَا فِي المُحْكَم.
وَفِي الصِّحاحِ: إيْ كلمةٌ تتقدَّمُ القَسَمَ مَعْناها بلَى، تقُولُ: إِي ورَبِّي، وإي وَالله.
وقالَ اللّيْثُ: إيْ يمينٌ؛ وَمِنْه قَوْلُه تَعَالَى {قُلْ إِي ورَبِّي} ، والمعْنَى إِي وَالله.
وقالَ الزجَّاجُ: المعْنَى نَعْم ورَبِّي.
وقالَ الأزْهرِيُّ: وَهَذَا هُوَ القَوْلُ الصَّحِيحُ، وَقد تكرَّرَ فِي الحدِيثِ إِي واللَّهِ وَهِي بمعْنَى نَعَم، إلاَّ أَنّها تَخْتصُّ بالمجيءِ مَعَ القَسَم إِيجَابا لمَا سَبَقَه مِنَ الاسْتِعْلامِ. (وابنُ {أَيَّا، كَرَيَّا مُحدِّثٌ) .
(قُلْتُ: الصَّوابُ فِيهِ التَّخْفيفُ كَمَا ضَبَطَه الحافِظُ قالَ: وَهُوَ عليُّ بنُ محمدِ بنِ الحُسَيْن بنِ عَبْدوس بنِ إِسْماعيل بنِ} أَيَّا بنِ سَيْبُخت، شيخٌ ليَحْيَى الحَضْرميّ.
( {وأَيَا، مُخَفَّفاً: حَرْفُ نداءٍ) للقَرِيبِ والبَعِيدِ؛ تقولُ: أَيا زيْد أَقْبِلْ، كَمَا فِي الصِّحاحِ؛ (كَهَيَا) بقَلْبِ الهَمْزَةِ هَاء، قالَ الشاعِرُ:
فانْصَرَفَتْ وَهِي حَصانٌ مُغْضَيَهْ
ورَفَعَتْ بصوتِها هَيَا أَيَهْقالَ ابنُ السِّكِّيت: أَرادَ أَيا أَيَهْ، ثمَّ أَبْدَلَ الهَمْزَة هَاء، قالَ: وَهَذَا صَحيحٌ لأنَّ أَيا فِي النداءِ أَكْثَر مِن هَيَا.
تَذْنيب
وَفِي هَذَا الحَرْفِ فَوائِدُ أَخل عَنْهَا المصنِّف وَلَا بأْسَ أَن نَلُمَّ ببعضِها: قالَ سَيْبَوَيْه: سَأَلْتُ الخَلِيلَ عَن قَوْلِهم:} أَيِّي {وأَيُّك كانَ شرّاً فأَخْزاهُ اللَّهُ، فقالَ: هَذَا كقَوْلِكَ أخزَى اللَّهُ الكاذِبَ منِّي ومنْكَ، إنَّما يُريدُ منَّا، فإنَّما أَرادَ} أيُّنا كانَ شرّاً، إِلاَّ أنَّهما لم يَشْتركَا فِي أَيَ، ولكنَّهما أَخْلَصاهُ لكلِّ وَاحِد مِنْهُمَا. وَفِي التهْذِيبِ: قالَ سِيْبَوَيْه: سألْتُ الخَليلَ عَن قوْله:
! فأَيِّي مَا وأَيُّكَ كانَ شرّاً
فسِيقَ إِلَى المقامَةِ لَا يَراهافقالَ: هَذَا بمنْزِلَةِ قَوْل: الرَّجلُ: الكاذِبُ منِّي ومنْكَ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ.
وقالَ غيرُهُ: إنَّما يُريدُ أنَّك شرٌّ ولكنَّه دَعا عَلَيْهِ بلَفْظٍ هُوَ أَحْسَن من التَّصْريحِ كَمَا قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وأَنَا أَو {إيَّاكم لعلى هُدىً أَو فِي ضلالٍ مُبِين} .
وقَوْلُه:} فأيّي مَا، أَيّ مَوْضِعُ رَفْع لأنَّه اسمُ كَانَ، وأيك نسق عَلَيْهِ، وشرّاً خَبَرُهما.
وقالَ أَبو زَيْدٍ: يقالُ: صَحِبَه اللَّهُ أَيَّامَّاً تَوَجَّه، يُريدُ أَيْنَما تَوَجَّه.
وَفِي الصِّحاحِ: وأَيٌّ اسمٌ مُعْرَبٌ يُسْتَفْهمُ بهَا ويُجازَى فيمنْ يَعْقِل وفيمَا لَا يَعْقِل، تقولُ: {أَيُّهم أَخُوك،} وأَيُّهم يكْرِمْني أُكْرِمْه، وَهُوَ مَعْرفَة للإضاَفَةِ، وَقد تتْرك الإِضَافَة وَفِيه مَعْناها، وَقد تكونُ بمنْزِلَةِ الَّذِي فتَحْتاج إِلَى صِلَةٍ تقولُ: أَيُّهم فِي الدارِ أَخُوك؛ وَقد تكونُ نَعْتاً للنّكِرَةِ تقولُ: مَرَرْتُ برَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، ومَرَرْتُ بامْرأَةٍ أَيَّةِ امْرأَةٍ وبامْرأَتَيْن أَيَّتُما امْرَأَتَيْن، وَهَذِه امْرأَةٌ {أَيَّةُ امْرأَةٍ وامْرَأَتانِ} أَيَّتُما امْرَأَتَيْنِ، وَمَا زَائِدَة. وتقولُ فِي المَعْرفَةِ: هَذَا زَيْدٌ {أَيَّما رجلٍ، فتَنْصب أيّاً على الحالِ، وَهَذِه أَمَةُ اللَّهِ} أَيَّتُما جارِيَةٍ، وتقولُ: أَيُّ امْرأَةٍ جاءَك، {وأَيَّةُ امْرأَةٍ جاءَتْكَ، ومَرَرْت بجارِيَةٍ أَيِّ جارِيَةٍ، وجِئْتُك بمُلاءَةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ وأيَّةِ مُلاءَةٍ، كُلُّ جائِزٌ. قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ} بأَيِّ أرضٍ تَمُوتُ} ،! وأَيُّ قَدْ يُتَعَجَّبُ بهَا، قالَ جميلٌ:
بُثَيْنَ الْزَمِي لَا إنَّ لَا إنْ لَزِمْتِهِ
على كَثْرَةِ الواشِينَ أَيُّ مَعُونِوقالَ الفرَّاءُ: أَيُّ يعْمَلُ فِيهِ مَا بَعْده وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْله، كقَوْلِه تَعَالَى: {لنَعْلَم أَيُّ الحِزْبَيْن أَحْصَى} ، فرَفَعَ، وَمِنْه أَيْضاً: {وسيَعْلَمُ الَّذين ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فَنَصَبَه بِمَا بَعْدِه؛ وأَمَّا قَوْلُ الشاعِر:
تَصِيحُ بِنَا حَنِيفَةُ إذْ رأَتْنَا
وأَيَّ الأَرْضِ نَذْهَبُ للصِّياحِفإنَّما نَصَبَه لنَزْعِ الخافِضِ، يُريدُ إِلَى أَيِّ الأَرضِ، انتَهَى نَصُّ الجَوْهرِيّ.
وَفِي التَّهْذِيبِ: رُوِي عَن أَحمدِ بنِ يَحْيَى والمبرِّدِ قَالَا:! لأَيّ ثلاثَةُ أَحْوالٍ: تكونُ اسْتِفْهاماً، وتكونُ تعجُّباً، وتكونُ شَرْطاً:
وَإِذا كانتِ اسْتِفْهاماً لم يَعْمَل فيهاالفِعْلُ الَّذِي قَبْلها، وإنَّما يَرْفَعها أَو يَنْصِبُها مَا بَعْدَها، كقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لنَعْلَم أَيُّ الحِزْبَيْن أَحْصَى} ، قَالَا: عَمِلَ الفِعْلُ فِي المعْنَى لَا فِي اللّفْظِ كأَنَّه قالَ: لنَعْلَم أَيّاً مِن أَيَ، وَسَيعْلَمُ أَحَد هذَيْن، قَالَا: وأَمَّا المَنْصوبَةُ بِمَا بَعْدها فكقَوْله تَعَالَى: {سَيَعْلَم الذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقلِبُونَ} وقالَ الفرَّاءُ: أَيُّ إِذا أَوْقَعْتَ الفِعْلَ المُتَقَدِّم عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِن مَعْنى الاسْتِفهامِ، وذلكَ إِن أَرَدْته جائِز، يقولونَ: لأَضْرِبَنّ أَيُّهم يقولُ ذَلِك. وقالَ الفرَّاءُ: وأَيّ إِذا كانتْ جَزاءً فَهُوَ على مَذْهبِ الَّذِي قالَ: وَإِذا كانتْ تعجُّباً لم يُجازَ بهَا، لأنَّ التَّعجُّبَ لَا يُجازَى بِهِ، وَهُوَ كقَوْلِكَ: أَيُّ رجلٍ زيدٌ وأَيُّ جارِيَةٍ زينبُ، قالَ: والعَرَبُ تقولُ: أَيّ {وأيّانِ} وأَيُّونَ، إِذا أَفْرَدُوا أَيَّاً ثَنَّوْها وجَمَعُوها وأَنَّثُوها فَقَالُوا أَيَّة وأَيَّتان وأَيَّاتٌ، وَإِذا أَضافُوا إِلَى ظاهِرٍ أَفرَدُوها وذكَّرُوها فَقَالُوا أَيّ الرَّجُلَيْن وأَيُّ المَرْأَتَيْن. وأَيّ الرِّجال وأَيّ النِّساءِ، وَإِذا أَضافُوا إِلَى المَكْنِيِّ المُوءَنَّثِ ذكَّرُوا وأَنَّثُوا فَقَالُوا {أَيّهما} وأَيَّتُهُما للمرْأَتَيْن؛ وقالَ زهيرٌ فِي لُغَةِ مَنْ أَنَّثَ:
وزَوَّدُوكَ اشْتِياقاً أَيَّةً سَلَكوا أَرادَ أَيَّةَ وُجْهَةٍ سَلَكُوا، فأنَّثها حينَ لم يصفْها.
وَفِي الصِّحاحِ: وَقد يُحْكَى بأَيَ النكراتُ مَا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، ويُسْتَفْهمُ بهَا، وَإِذا اسْتَفْهَمتَ بهَا عَن نَكِرَةٍ أَعْرَبْتها بإعْرابِ الاسمِ الَّذِي هُوَ اسْتِثْباتٌ عَنهُ، فَإِذا قيلَ لكَ: مَرَّ بِي رجُلٌ، قُلْتَ: أَيٌّ يافتى؟ تَعْربها فِي الوَصْل وتُشِيرُ إِلَى الإعْرابِ فِي الوقْفِ، فَإِن قالَ: رأَيْت رجلا، قلْتَ: أَيّاً يافتى؟ تعربُ وتنوِّنُ إِذا وَصَلْتَ وتَقِفُ على الألفِ فتقولُ أَيّاً، وَإِذا قالَ: مَرَرْتُ برجُلٍ قلْتَ: أَيَ يافتى؟ تحكِي كَلامَه فِي الرفْعِ والنَّصْبِ والجرِّ فِي حالِ الوَصْلِ والوَقْف، وتقولُ فِي التَّثْنيةِ والجَمْعِ والتأْنِيثِ كَمَا قُلْناه فِي من، إِذا قالَ: جاءَني رِجالٌ، قلْتَ: {أيُّونْ، ساكِنَةَ النونِ،} وأَيِّيِن فِي النصْبِ والجرِّ، وأَيَّة للمُؤَنَّثِ: فإنْ وَصَلْتَ وقلْتَ: أَيَّة يَا هَذَا،! وآيَّات يَا هَذَا نوَّنْتَ، فَإِن كانَ الاسْتِثْباتُ عَن مَعْرِفَةٍ رَفَعْتَ أَيّاً لَا غَيْر على كلِّ حالٍ، وَلَا تحكي فِي المَعْرفَة فليسَ فِي أَيَ مَعَ المَعْرفَةِ إلاَّ الرَّفْع، انتَهَى.
قالَ ابنُ بَرِّي عنْدَ قَوْل الجَوْهرِيّ فِي حالِ الوَصْلِ والوَقْفِ: صَوابُه فِي الوَصْلِ فَقَط، فأَمَّا فِي الوَقفِ فإنَّه يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الرَّفْعِ والجرِّ بالسكونِ لَا غَيْر، وإنَّما يَتْبَعُه فِي الوَصْلِ والوَقْفِ إِذا ثَنَّاه وجَمَعَه؛ وقالَ أَيْضاً عنْدَ قَوْلِه: ساكِنَة النونِ الخ: صَوابُه أَيُّونَ بفتْحِ النونِ، وأَيَّينَ بفتْحِ النونِ أَيْضاً، وَلَا يَجوزُ سُكُون النونِ إلاَّ فِي الوَقْفِ خاصَّة، وإنَّما يَجوزُ ذلِكَ فِي مَنْ خاصّةً، تقولُ: مَنُونُ ومَنِينْ بالإِسْكانِ لَا غَيْر، انتَهَى.
وقالَ اللَّيْثُ: {أَيَّان هِيَ بمْنزِلَةِ مَتَى، ويُخْتَلَفُ فِي نونِها فيُقالُ أَصْلِيَّةٌ، ويقالُ زائِدَةٌ.
وقالَ ابنُ جنِّي فِي المُحْتسب، يَنْبَغي أَنْ يكونَ أَيَّان من لَفْظِ أَيّ لَا مِن لَفْظِ أَيْنَ لوَجْهَيْن: أَحَدُهما: إنَّ أَيْن مَكانٌ وأَيَّان زَمان، وَالْآخر قلَّةُ فعال فِي الأسْماءِ مَعَ كَثْرَةِ فعلان، فَلَو سَمَّيْتَ رجُلاً} بأيّان لم تَصْرفْه لأنَّه كحمدان؛ ثمَّ قالَ: ومعْنَى أَيّ أنَّها بعضٌ مِن كلَ، فَهِيَ تَصْلحُ للأَزْمِنَةِ صَلاحها لغَيرِها إِذْ كانَ التَّبْعيضُ شامِلاً لذلِكَ كُلِّه؛ قالَ أُمَيَّة:
والناسُ راثَ عَلَيْهِم أَمْرُ يَومَهم
فَكُلُّهم قائلٌ للدينِ! أَيَّانا فَإِن سَمّيت بأَيَّان سَقَطَ الكَلامُ فِي حسنِ تَصْرِيفها للحاقِها بالتّسْمِيةِ ببَقِيَّةِ الأَسْماءِ المُتَصَرِّفَةِ، انتَهَى.
وقالَ الفرَّاءُ: أَصْلُ أَيَّان أَيَّ أَوانٍ، حَكَاه عَن الكِسائي، وَقد ذُكِرَ فِي أَيْن بأَبْسطَ من هَذَا.
وقالَ ابنُ بَرِّي: ويقالُ لَا يَعْرِفُ أَيّاً مِن أَيَ إِذا كانَ أَحْمَقَ.
وَفِي حدِيثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ: (فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثَّلاثَة) ، هَذِه اللَّفْظَةُ تُقالُ فِي الاخْتِصاصِ وتَخْتصُّ بالمُخْبرِ عَن نَفْسِه وبالمُخَاطَبِ، تقولُ: أَمَّا أَنَا فأَفْعَل كَذَا أَيُّها الرَّجُلُ يَعْنِي نَفْسَه، فمعْنَى قَوْلِ كَعْب أَيَّتُها الثَّلاثَة، أَي المَخْصُوصِين بالتَّخلّفِ.

خَضم

خَضم
(الخَضْم: الأَكْلُ) عَامَّة، (أَو بِأَقْصَى الأَضْراسِ) ، والقَضْم بأَدْناها، قَالَ ابْن خُرَيْم يَذْكُر أَهلَ العِراق:
(رَجَوْا بالشِّقاق الأَكلَ خَضْمًا فَقَدْ رَضُوا ... أَخِيراَ مِنَ أكل الخَضْم أَن يَأْكُلُوا قَضْما)

(أَو) هُوَ (مَلْءُ الفمِ بالمَأكُول) ، وَنَقَل الجوهَرِيُّ عَن الأَصْمَعِيّ: هُوَ الأَكْلُ بِجَمِيع الفَمِ، (أَو) هُوَ (خاصٌّ بالشَّيْء الرَّطْب كالقِثَّاءِ) ونحوهِ، وَقيل: كُلُّ أَكْل فِي سَعَة ورَغَد فَهُوَ خَضْم، وقِيل: الخَضْمُ للْإنْسَان بمنْزِلة القَضْم من الدّابّة، (والفِعْل) خَضِم (كَسَمِع، وَضَرَبَ) ، واقتَصَر الجوهرِيُّ على الأُولَى.
(والخُضَامَةُ، كَثُمامَةَ) : اسمُ (مَا خُضِم) أَي: أُكِل.
(والخَضِيمَةُ) كَسَفِينَةٍ: (النًّبْتُ الأَخْضَر الرَّطب) ، قَالَ أَبُو حَنِيفَة: وَأَحْسَبُه سُمّي خَصِيمَة لأنّ الرَّاعِية تَخْضِمه كَيفَ شَاءَت.
(و) الخَضِيمَةُ أَيْضا: (الأَرضُ النَّاعِمَةُ المِنْباتُ) ، وَهِي الخُضُلَّة أَيْضا.
(و) الخَضِيمَةُ: (حِنْطَةٌ تُعالَج بالطَّبْخِ) ، وَذَلِكَ أنَّها تُؤْخَذ وتُنَقَّى وتُطَيَّب، ثمَّ تُجْعَل فِي القِدْر، ويُصَبّ عَلَيْهَا مَاءٌ، فَتُطْبخ حَتَّى تُنْضَج. (وَخَضَمه يَخْضِمه) خَضْماً من حَدِّ ضَرَب: (قَطَعه، فاخْتَضَمه) .
(و) خَضَم (لَهُ من مَالِه: أَعْطاه) ، عَن اْبنِ الأعرابيّ، ورَدّ ذلِك ثَعْلب، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ هَضَم، قَالَ أَبُو تُراب: قَالَ زِائَدَةُ القَيْسيّ: خَضَفَ بهَا، (و) خَضَم (بِهَا) : إِذا (حَبَق) ، وَأنْشد عَرَّام للأَغْلب:
(إِن قابَلَ العِرْسَ تَشَكَّى وخَضَمْ ... )

قَالَ الأزهريُّ: وحَصَم مِثْله بالحَاءِ والصَّاد. وَقد تقدّم.
(والمُخْضِمُ، كَمُحْسِنٍ: الماءُ) الَّذِي (لاَ يَبْلُغ أَن يَكُون أُجاجاً يَشْرَبُه المَالُ) ، و (لَا) يشربُه (النَّاسُ) .
(و) المُخَضَّمُ (كمُعَظَّمٍ ومُكْرمٍ: المُوسَّع عَلَيْهِ فِي الدُّنْيا) . وَفِي الْمُحكم: من الدُّنْيا، وأقتصر على الضَّبْطِ الأول.
(والخُضُمَّةُ، كَحُزُقَّة: الوَسَط) ز يُقالُ: طَعَنْتُه فِي خُضُمَّته أَي: فِي وَسَطه.
(و) خُضُمَّةُ الذِّراع: مُعْظَمُها، وَقيل الخُضُمَّةُ: (مُعْظَم كُلِّ أَمْر) ، نَقله الجوهَرِيّ.
(و) قَالَ الأصمَعِيُّ: الخُضُمَّة: (مُسْتَغْلَظ الذِّراع) ، قَالَ العَجَّاج:
(خُضُمَّةُ الذِّراع هَذّ المختلي ... )

(و) يُقَال: (هُوَ فِي خُضُمَّةِ قَوْمِه) أَي: (فِي مُاصِهِم) وأوساطِهِم.
(و) الخِضَمُّ (كَخِدَبّ: السَّيِّد الحَمولُ) الجَوادُ (المِعْطَاءُ) الكَثِيرُ المَعْرُوفِ (خَاصٌّ بالرِّجالِ) ، وَلَا تُوصَفُ بِهِ المرأةُ، وَهُوَ مجَاز (ج: خِضَمُّون) ، وَلَا يُكَسَّر.
(و) الخِضَمُّ: (البَحْرُ) لكَثْرة مائِه وخَيْرِه. وَيُقَال: بَحْرٌ خِضَمٌّ، قَالَ الشاعِرُ:
(روافِدُه أكرمُ الرَّافِدَاتِ ... بَخٍ لَك بَخٍّ لبَحْرٍ خِضَمّ)

(و) الخِضَمُّ أَيْضا: (الجَمْعُ الكَثِير) ، قَالَ العَجَّاج:
(فاْجْتَمَع الخِضَمُّ والخِضَمُّ ... )

(فَخَطَموا أَمْرَهُم وَزَمُّوا ... )

(و) الخِضَمُّ أَيْضا: (الفَرسُ الضَّخْم) العَظِيم الوَسَط، وَهُوَ مجَاز، وَقيل: فَرسٌ خِضَمٌّ: ذُو جَرْي.
(و) الخِضَمُّ أَيْضا: (السَّيْفُ القَاطِع) ، وَهُوَ مجَاز، وَقيل: ذُو الجَوْهَرِ والمَاءِ، وَيُقَال: سَيْفٌ خِضَمٌّ.
(و) الخِضَمُّ أَيْضا: (المِسَنُّ) الَّذِي يُسَنّ عَلَيْهِ الحَدِيد، قَالَه اْبنُ بَرّيّ. قَالَ: وَكَذَلِكَ حَكَاهُ أبُو عُبَيْد عَن الأُمَوِيّ؛ (لأَنَّه إِذْ شَحَذ الحَدِيد قَطَع. وغَلِط الجَوْهَرِيُّ فَقالَ: هُوَ المُسِنُّ من الْإِبِل) . قَالَ ياقُوت: ناسِخُ الصّحاح هَكَذَا وجد فِي نُسَخٍ مقروءةٍ على مَشايخ مُتَّصِلَة الرِّواية بالمُصَنَّف وَهُوَ غَلَط، ثمَّ قَالَ: (فِي قَوْلِ أَبِي وَجْزة) وَلم يَذْكُر البَيْت: (والبَيْت الَّذي أَشارَ إِلَيْهِ هُوَ) هَذَا:

(شاكَتْ رُغامي قَذُوفِ الطَّرفِ خَائِفَةٍ ... هَوْلَ الجَنانِ نَزُورٍ غَيرِ مِخْداجِ)

(حَرَّى مُوقَّعَةٌ ماجَ البَنانُ بِهَا ... على خِضَمٍّ يُسَقَّ الماءِ عَجَّاجِ) تَفْسِير هَذَا الْبَيْت: (حَرَّى: فاعِلُ شَاكَت، أَي: دَخَلَت فِي كَبِدِها حَدِيدَةٌ عَطْشَى إِلَى دم الوَحْشِ وَقد وَقَّعَها الحَدَّادُ، واضْطَرب البَنانُ بتَحْدِيدها على مِسَنٍّ مَسْقِيٍّ) . وأوردَه اْبنُ سِيدَه وغَيْرُهُ وَفَسَّره، فَقَالَ: شَبَّهَها بسَهْمٍ مُوقَّع قد ماجَتِ الْأَصَابِع فِي سَنِّه على حَجَر خَضِمّ يأكُلُ الحَديد، عَجَّاج أَي: بِصَوْته عَجِيج، والحَرَّى: المَرْماة العَطْشى.
قُلتُ: وَقد ذَكَره اْبنُ فَارِس فِي المُجْمَل على الصَّوَاب. ونَبَّه على خطأ الجَوْهَرِي غَيرُ وَاحِد من الأَئِمَّة كابْنِ بَرِّيّ والصَّفَدي والصَّاغانيّ ويَاقُوت وغَيْر هؤُلاء.
(وخَضَّمٌ، كَبقَّم: الجَمْعُ الكَثِيرُ من النَّاسِ) . وَمِنْه قَولُ طَرِيفِ بنِ مَالِك العَنْبَرِيّ:
(حَوْلِي فَوارِسُ من أُسَيِّدَ شَجْعَةٌ ... وإِذا نَزَلتُ فَحَوْلَ بَيْتِي خَضَّمُ)

هَكَذَا أنشدَه اْبنُ بَرّيّ، ورِواية غَيْره:
(حَوْلِي أُسَيِّدُ والهُجَيْم ومَازِنٌ ... وَإِذا حَلَلْتُ فَحَوْلَ بَيْتِيَ خَضَّمُ)

(و) خَضَّم: (د) وَفِي بَعْضِ النُّسَخ إِشَارَة المَوْضِع، (و) أَيْضا اسمُ (ماءٍ) . زَاد الأَزْهَرِيُّ: لِبَنِي تَمِيم، وأنشدَ الجَوْهَرِيّ:
(لَوْلَا الإلهُ مَا سَكَنَّا خَضَّمَا ... )

(وَلَا ظَلِلْنَا بالمَشائِي قُيِّمَا ... )

(و) خَضَّم: اسْم (رَجُل، أَو) هُوَ (اْسمُ العَنْبر بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيم) كَمَا فِي الصِّحَاح. وَقَالَ أَبُو زَكَرِيا: خَضَّم: لَقَبه، واسْمه العَنْبَر، (وَقد غُلِّبَت) ، وَنَصّ الصِّحَاح: وَقد غُلِّب (عَلَى القَبِيلة) ، يَزْعمُونَ أَنَّهم إِنَّما سُمُّوا بِذلِك (لكَثْرة أَكْلِهم) ومَضْغِهم بالأَضراس؛ لأنَّه من أبْنِيَة الأَفْعال دُونَ الْأَسْمَاء. وَبِه فَسَّر اْبنُ بَرّيّ قَولَ طَرِيفِ بنِ مَالك السَّابق، قَالَ الجَوهريُّ: وَهُوَ شَاذٌّ على مَا ذَكَرناه فِي بَقّم.
(والخُضُمَّان من القَمِيص، كالجُرُبَّان زِنَةً ومَعْنًى) .
(واخْتَضَم الطَّرِيقَ) إِذا (قَطَعَه) . قَالَ فِي صِفَة إبل ضُمَّر:
(ضَوابِعٌ مِثْلُ قِسِيِّ القَضْبِ ... )

(تَخْتَضِم البِيدَ بِغَيْر تَعْبِ ... )

(والسَّيفُ يَخْتَضِم) العَظْمَ إِذا قَطَعه، وَمِنْه قَولُه:
(إِنَّ القُسَاسِيَّ الَّذِي يُعصَى بِهِ ... يَخْتَضِمُ الدَّارعَ فِي أَثْوابه)

ويَخْتَضِم (جَفْنَه أَي: يَقْطَعُه ويَأْكُلُه) لحِدَّتِه، وَقد ذَكَره الجَوْهَرِيُّ فِي التَّركيب الَّذِي قَبْلَه وَتَقدَّمت الإشارةُ إِلَيْهِ.
(والخَضْمَةُ) لُغَة فِي (الخَصْمَةُ) : وهِي الخرزة المتقدّم ذِكْرُها.
[] ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:
الخُضامُ، كَغُرابٍ: مَا خُضِم.
والخُضَمَةُ، كَهُمَزة: الشَّدِيدُ الضَّخْمُ. وخُضْمُ الفِراش: جانِبُه، هَكَذَا ضَبَطه أَبُو مُوسَى، قَالَ اْبنُ الأَثِير: والصَّحِيحُ بالصَّاد المُهْمَلَة. وَقد تَقَدَّم.
ونَقِيعُ الخَضِمات بالتَّحْرِيك كَمَا ضَبَطه الجَلال، أَو كفَرِحات كَمَا ضَبَطَه السَّيِّد السَّمْهُودِي أَو بالكَسْر كَمَا ضَبَطه المُصَنّف فِي تَارِيخ المَدِينة لَهُ: وَهُوَ مَوْضِع بنَواحِي المَدِينة، وَقد جَاءَ ذِكرُهُ فِي حَدِيث كَعْبِ بن مالِك. والخُضُمَّان: مَوْضِع.

خَدم

خَدم

(خَدَمَه يَخْدِمُه ويَخدُمه) من حَدّي ضَرَب ونَصَر، الأُولَى عَن اللِّحيانيّ (خَدْمَةً) بالكَسْر (ويُفْتَح) ، وَهَذِه عَن اللِّحياني أَي: مَهَنَه، وَقيل: بالفَتْح المَصْدَر، وبالكَسْر الاسْمُ، (فَهُوَ خَادِم ج: خُدَّامٌ) كَكَاتِب وكُتَّاب (وخَدَم) مُحَرَّكة، اسمٌ للجَمْع كالرَّوَح ونظائِره، قَالَ الشَّاعِر:
(مُخَدَّمون ثِقالٌ فِي مَجالِسهم ... وَفِي الرِّحال إِذا رافَقْتَهم خَدَمُ)

(وَهِي خادِمٌ وخادِمَة) ، عَربيَّتان فَصِيحَتانِ، يَقَع على الذَّكَر والأُنْثى لإجْرائِه مُجْرَى الأسَماء غير المَأْخُوذَةِ من الأَفْعال، كحَائِض وعَاتِق، وَفِي حَدِيثِ فاطِمَةَ وعَلِيٍّ رَضِي الله تَعالَى عَنْهُمَا: " اسأَلِي أَباكِ خادٍ مَا تَقِيكِ حَرَّ مَا أَنتِ فِيهِ "، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمن: " أَنَّه طَلَّقَ امرَأَتَه فَمَتَّعَها بخَادِم سَوْدَاء "، أَي: جَارِيَة.
(واخْتَدَم: خَدَم نَفْسَه) . حَكَى اللّحياني قَالَ: لَا بُدَّ لمَنْ لم تَكُن لَهُ خَادِم أَن يَخْتَدِم، أَي: يَخْدِم نَفسَه.
(واسْتَخْدَمه واخْتَدَمه فَأَخْذَمَه: اسْتَوْهَبه خادِماً فَوَهَبَه لَهُ) ، وَيُقَال: استَخدمتُ فُلاناً واخْتَدَمتُه سألتُه أَن يَخْدُمِني. وَزعم القُطْب الرّاوندي فِي شَرْح نَهْج البلاغة أَنه يُقال: استَخْدَمْتُه لِنَفْسي ولَغَيْرِي، وَأَخْدَمْته لِنَفْسي خاصَّة، قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيد: وَهَذَا مِمّا لم أَعْرِفْه.
(والخَدَمَة مُحَرَّكة: السَّيرُ الغَلِيظ المُحْكَمُ مِثلُ الحَلْقة تُشَدُّ فِي رُسْغِ 
البَعِيرِ، فيُشَدُّ إِلَيْهَا سَرائِحُ نَعْلِها) ، وَهُوَ مجَاز.
(و) مِنْهُ أَخْذُ الخَدَمة بِمَعْنى (حَلْقة القَوْم) المُسْتَدِيرة المُحْكَمَة على التَّشْبِيه فِي الاجْتِماع.
قَالَ الجوهَرِيّ: (و) مِنْهُ سُمِّي (الخَلْخالُ) خَدَمةً، لأَنَّه رُبّما كَانَ من سُيور يُرَكَّب فِيهِ الذَّهَب والفِضّة.
(و) قد يُسَمَّى (السَّاقُ) خَدَمةً حَمْلاً على الخَلْخال لكَوْنِها مَوْضِعَه، وَمِنْه حديثُ سَلْمان: " أَنه كَانَ على حِمارٍ وَعَلِيهِ سَرَاوِيلُ وخَدَمَتاه تَذَبْذَبان ". أَرَادَ بهما ساقَيْه؛ لأَنَّهما مَوْضِع الخَدَمَتَيْن وهما الخَلْخَالان. (ج: خَدَمٌ) مُحَرَّكة (وخِدامٌ كَكِتاب) ، وَفِي الحَدِيث:
لَا يَحُول بَينَنا وَبَين خَدَم نِسائكم شَيْء "، جمع خَدَمة، يَعْنِي: الخَلْخَال، وَفِي حَدِيث: " كُنَّ يَدْلِحْنَ بالقِرَب على ظُهُورِهنّ، ويَسْقِينَ أَصحابَه بادِيَةً خِدَامُهُنّ "، وَقَالَ الشَّاعر:
(كَيفَ نَومِي على الفِراش ولَمَّا ... تَشْمِل الشّأمَ غَارةٌ شَعْواءُ)

(تُذْهِلُ الشَّيخَ عَن بَنِيه وتُبْدِي ... عَن خِدامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ)

أَيْ: عَن خِدامها، أَي: تَكْشِف وَهُوَ مجَاز.
يُقَال: أبدَت الحَرْبُ عَن خِدام المُخَدَّرات أَي: اشْتَدَّت كَمَا فِي الأساس، وأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْد:
(كَانَ مِنَّا المُطارِدُون على الأُخْرى ... إِذا أَبْدَتِ العَذَارَى الخِدَامَا)

(و) المُخَدَّم (كَمُعَظَّم: مَوْضِعُ الخَلْخال) من سَاقِ المَرْأَةَ، قَالَ طُفَيْل: (وَفِي الظَّاعِنِين القَلْبُ قد ذَهَبَتْ بِهِ ... أَسِيلَةُ مَجْرَى الدَّمْع رَيّا المُخَدَّمِ)

(و) المُخَدَّم أَيْضا: مَوضِع (السَّيْر) من البَعِير، وَهُوَ مَا فَوْقَ الكَعْب، (كالمُخَدَّمَة) بهاء. نَقله الجوهَرِيّ.
(و) من الْمجَاز: المُخَدَّم (رِباطُ السَّراوِيل عِنْد أَسْفل رِجْل المَرْأَة) . ونَصّ المُحْكَم: عِنْد أسفَلِ رِجْل السَّراويل. فَأطلق، وَكَذَا ظَاهر سِياقِ الأساس. ومُخَدَّم سَرَاوِيله يَتَذَبْذَب. وَكَأن المصنّف قَيِّد رِجلَ المرأةِ لأنّ فِي الْغَالِب هنّ يَرْبِطْن أَرْجُلَ سَراوِيلِهِن فِي وَسَط السّاق، ثمَّ يُرْخِين عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُشاهَد بِخِلاف الرّجال. فَتَأَمَّل.
(و) من الْمجَاز: المُخَدَّم (كُلّ فَرَسٍ تَحْجِيلُه مُسْتَدِيرٌ فوقَ أَشاعِرِه كالأَخْدَم. أَو) إِذا (جَاوَز البَياضُ أرساغَه أَو بَعْضَها) . وَفِي الصّحاح: التَّخْدِيمُ: أَن يَقْصُر بَياضُ التَّحْجِيل عَن الوَظِيف، فَيَسْتَدِير بِأَرْساغِ رِجْلَيِ الفَرَس دون يَدَيْه فَوْقَ الأَشاعر، فَإِن كَانَ بِرِجْل وَاحِدَة فَهُوَ أَرْجَل.
(و) من الْمجَاز: (فَضَّ اللهُ خَدَمَتَهم مُحَرَّكَة) ، أَي: (جَمْعَهُم) ، إِشَارَة إِلَى حَدِيثِ خَالِد بن الوَلِيد أَنَّه كَتَبَ إِلَى مَرازِبَة فارِس: " الحمدُ لِلَّه الَّذي فَضَّ خَدَمتكم "، أَي: فَرَّق جَماعَتكم، والخَدَمة فِي الأَصل: سَيْرٌ غَلِيظٌ مَضْفُورٌ مِثلُ الحَلْقة يُشَدّ فِي رُسْغ البَعِير، ثمَّ تُشَدُّ إِلَيْهَا سَرائِحُ نَعْلِه، فَإِذا انفَضَّت الخَدَمةُ انحَلَّت السَّرائح وسَقَطت النَّعْل، فَضَرَب ذَلِك مَثَلاً لذَهاب مَا كَانُوا عَلَيْهِ وتَفَرُّقِهِ، قَالَه اْبنُ الأَثِير: ومِثلُه قَوْلُ أبي عُبَيْد.
(و) من المَجاز: (الخَدْماءُ: الشَّاةُ البَيْضاء الأَوْظِفَة) مثل الحَجْلاء، نَقله الجَوْهَرِيُّ، وَهُوَ قَولُ أَبِي زَيْد. (أَو) هِيَ البَيْضاءُ (الوَظِيفِ الوَاحِد وسَائِرُها أَسْوَدُ) .
(أَو) هِيَ (الَّتِي فِي ساقِها عِنْد الرُّسْغِ بَياضٌ) كالخَدَمَة (فِي سَوادٍ، أَو سَوادٌ فِي بَياضٍ) .
(وَكَذَلِكَ الوُعولُ) تشبه بالخَدَم من الخَلاخِيل، وإيّاه عَنَى الأَعْشَى بِقَوْله:
(وَلَو أنّ عِزَّ النَّاسِ فِي رَأس صَخْرةٍ ... مُلَمْلَمَةٍ تُعْيِي الأَرحَّ المُخَدَّمَا)

(لأَعْطاكَ رَبُّ النَّاسِ مِفْتاحَ بابِها ... وَلَو لَمْ يَكُن بابٌ لأَعْطَاكَ سُلَّمَا)

يُرِيد: وَعْلاً ابيَضَّتْ أوظِفَتُه، (والاسمُ: الخُدْمَةُ بالضَّمّ) كالحُمْرة، وَهِي بَياض فِي الأَوْظِفَة.
(والخَدْمَةُ بالفَتْح: السّاعةُ من لَيْلٍ أَو نَهارٍ) ، والذّال لُغَة فِيهِ.
(و) الخِدَمة (كَعِنَبة: السَّيْر) المَضْفور.
(ورَجُلٌ مَخْدُومٌ: لَهُ تابِعَةٌ من الجِنّ) . كَذَا فِي الصّحاح.
(وَقوم مُخَدَّمُونَ كَمُعَظَّمون) . مَخْدومُون يُرادُ بِهِ (كَثِيرُو الخَدَم والحَشَم) .
(واْبنُ خِدام، كَكِتاب: شاعِرٌ) . قَدِيم، (أَو هُوَ بالذَّالِ) الْمُعْجَمَة كَمَا فِي المُحْكَم، وَقَالَ امْرُؤ القَيْس:
(عُوجَا على الطَّلَل المُحِيل لأَننا ... نَبْكِي الدِّيارَ كَمَا بَكَى اْبنُ خِدامِ)

وَسَيَأْتِي.
(وأَبُو إِسْحاق إبراهيمُ بنُ مُحمَّد) اْبن إبراهِيمَ (الخُدَامِيُّ بالضَّم، قَيَّدَه أَبُو الفَرَج) بنُ الجَوْزِيّ، هَكَذَا، أَي: بالدّال المُهْمَلَة، (ولَعَلَّه وَهَم، وإِنَّما هُوَ بالذَّالِ) المُعْجَمَة.
قلتُ: بل الصَّوابُ فِيهِ كَسْر الخَاءَ. المُعْجَمَة، وإِهْمالُ الدَّال كَمَا صَرَّح بِهِ اْبنُ الأَثير واْبنُ السَّمعانِيّ واْبنُ نُقْطة والحافِظُ الذَّهَبِيّ شَيْخُ المُصَنَّف، وَهُوَ الَّذي قَيَّده الحافِظُ أَبُو الفَرَج، وإِنما الوَاهِمُ اْبنُ أختِ خَالةِ المُصَنّف، فَإِنِّي لم أَرَ مَنْ ضَبَطه بالضَّمّ وَلَا بإعْجام الذّال وإِنّما هُوَ من عِندِيّاته، ثمَّ إِن فِي سِياقِه قُصوراً بالِغاً، فإنّه رُبَّما أَوْهَم أَنَّه مَنْسوب إِلَى جدّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ مَنْسوب إِلَى سِكّة خِدام، كَكِتاب، بِنَيْسَابور. والمَذْكُور فَقِيهٌ من أَعْيان أهل الرِّي الحَنَفِيّة، وَأَخُوه أَبُو بِشْرٍ الخِدامِيُّ: مُحَدِّثٌ رَحّال، سَمِع عُمرَ بنَ سِنان المَنْبِجِيَّ، وأحمَدَ بنَ نَصْر اللَّبّاد، وَعنهُ محمدُ بنُ أَحْمَدَ اْبنِ شُعَيْبٍ السُّغْدِيُّ.
[] وَمِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الخَدَّام، كشَدَّاد: الكَثِير الخِدْمةِ، ويُطْلق على الخَادِم أَيْضا.
والمَخْدُوم: الرَّئِيس، وَالْجمع مَخادِيم.
واخْتَدَمه: جَعَله خادِماً، وَفِي المَثَل: " كالمَمْهُورَة إِحْدَى خَدَمَتَيْها ".
وخَدَّمَها زَوْجُها: أَلْبَسَها الخَدَمة.
واْمْرأةٌ مُخَدَّمةٌ، كَمُعَظَّمةٍ من الخَدَمة والخِدْمة، كَمَا فِي الأساس.
وخَدَمه خَدْمةً، كَعَظْمةٍ، أَي: أَشْغَلَه بهَا.
والخَدَمةُ مُحَركةً: مَخْرَجُ الرِّجْلَيْنِ من السَّراويل، وَبِه فُسّر أَيْضا حَدِيثُ سَلْمان الْمُتَقَدّم، وَأَيْضًا جَمْعُ خَادِم، كَكَاتِب، وكَتَبَة.
والخُدْمانُ بالضّم جمع خَادِم، هَكَذَا تَقوله الْعَامَّة، وكأنَّهم تَصَوَّروا فِيهِ أَنه جَمْع خَدِيم كَكَثِيب وكُثْبان.
وَيَقُولُونَ: هَذَا القَمِيص يَخْدُم سَنَة، وثوبٌ سَخِيف لَا يَخْدُم، وَهُوَ مجَاز.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الخِدامُ بالكَسْر: القُيودُ.
وَقَالَ ابنُ الأَثير: خِدام بنُ غَالب السَّرخَسِيّ، كَكِتاب من وَلَده: أَبُو نَصْرٍ زُهَيْرُ بنُ الحَسَن بنِ عَلِيّ بنِ مُحَمَّد بن يحيى بن خِدَام الخِداميّ الفَقيه الشافعيّ، رَوَى عَن أَبي إِسحاقَ الهاشِمِيّ وَأبي طَاهِر المخلص، تُوفِّي سنة أَرْبعمائة وَأَرْبَع وَخَمْسين، وحَفِيدُه أَبُو نَصْرٍ زُهَيْرُ بنُ عَلِيّ بنِ زُهَيرٍ الخِداميّ من شُيُوخ اْبن السَّمْعانيّ، سَمِع مِنْهُ بِمَهِيْنَةَ، مَاتَ بعد الثّلاثين وخَمْسِمائة، وَمن هَذَا الْبَيْت بِبُخارَى أَبُو الحَسَن عليّ بنُ محمدِ بنِ الحسينِ بنِ خِدامٍ الخِداميُّ، حَدَّث عَن جَدِّه لأُمّه أَبي عليّ الحَسَنِ بنِ الخضرِ النّسِفِيّ، وَمَات سنة أربعِمائة وثَلاثٍ وتِسْعين، وَقَالَ الحافِظُ فِي التَّبْصير: هُوَ مَنْسوب إِلَى جَدّ لَهُ اْسمُه خِدام، وَلم يَجْعَله من هَذَا البَيْت.
قَالَ: ومُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ سِباعٍ الأَنْصارِيّ الخِدامِيّ الصائِغ الشّاعر، شَيْخُ الأَدَباء بدِمَشْقَ، حدّث عَن إِسماعيلَ بنِ أَبي اليُسْر، وَله شِعْر كَثِير وفَضائِل.

أشم

أشم

(! أَشِمَ بِي عَلَى فُلانٍ، كَفَرِحَ) ، أَهْمَلَه الجوهريُّ وصاحبُ اللِّسان، وَفِي الْمُحِيط: أَي: (أَلَمَّ) بِي عَلَيْهِ، (لُغةٌ فِي أَزِمَ) . ( {وأُشْمُومُ، بالضَّمّ: قَرْيَتان بِمِصْرَ) يُقَال لإحْداهُما أُشْمُوم طَنّاح، وَهِي قُرْبُ دِمْياط، وَهِي مَدِينَة الدَّقَهْلِيَّة، والأُخْرَى} أُشْمُوم الجُرَيْسات بالمُنوفِيّة. قلتُ: من الأُولَى شِهابُ الدِّين أحمدُ {الأُشْمُومِيُّ النَّحْوِيُّ، مَاتَ سنة بِضْعٍ وثَمانِمائة. قَالَ الحافِظُ: ونُسِبَ إِلَيْها من المتقدِّمــينَ} الشُّمُومِيّ، بِلَا أَلِف.
[] وَمِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: {آشام، بالمَدِّ: صُقْعٌ فِي آخر بلادِ الهِنْد، بَينه وَبَين دهْلِي مَسَافَة ثمانيةِ أَشْهُرٍ تَقْرِيبًا، أَسلَمُوا فِي آخر التِّسْعِمائة، رأيتُ مِنْهُم رجلا بِمَكَّةَ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَني، والعُهْدَة عَلَيْهِ.

خَرق

خَرق
خَرَقَه أَي: السَّبْسَبَ والثَّوْبَ يَخْرُقُه ويَخْرِقُه منِّ حَدَي نَصَر، وضَرَّب: جابَهُ ومَزقَه لَف ونشرٌ مرَيب. وَمن المَجازِ: خرَقَ الرَجُلُ: إِذا كَذَبَ. وَمن الْمجَاز أَيضاً: خرَقَ: إِذا قطع المَفازَةَ حَتى بلغ أَقْصَاها، وقولُه تَعالى: إِنَّكَ لَنْ تَخرِقَ الأَرْضَ أَي: لن تَبْلُغَ أّطْرافَها، وقَرَأَ الجَرّاحُ ابْن عبد الله بن تخرق بِضَم الرَّاء وَهِي لُغَة وَالْكَسْر أَعلَى وَقَالَ الْأَزْهَرِي مَعْنَاهُ لن تقطعها طولا وعرضاً وَقيل لن تثقب الأَرْض. وخرق الثَّوْب خرقاً شقَّه. وَمن الْمجَاز خرق الْكَذِب واختلقه إِذا صنعه واشتقه. وخرق فِي الْبَيْت خروقاً إِذا أَقَامَ فَلم يبرح كخرق كفرح وَهَذِه عَن اللَّيْث.
وخرق بالشَّيْء ككرم إِذا جَهله وَلم يحسن عمله. والخرق الْبعيد مستوياً كَانَ أَو غير مستو.
وَأَيْضًا الأَرْض الواسعة تتخرق فِيهَا الرِّيَاح نَقله الْجَوْهَرِي وَقَالَ المؤرج كل بلد وَاسع تتخرق بِهِ الرِّيَاح فَهُوَ خرق وَقَالَ ابْن شُمَيْل يعد مَا بَين الْبَصْرَة وحفر أبي مُوسَى خرقاً وَمَا بَين النباح وضرية خرقاً قَالَ أَبُو دؤاد الْإِيَادِي:
(وخرق سبسب يجْرِي ... عَلَيْهِ موره سهب)
كالخرقاء وَيُقَال مفازة خرقاء حوقاء أَي بعيدَة ج: خروق قَالَ معقل بن خويلد الْهُذلِيّ:
(وإنهما لجوابا خروق ... وشرابان بالنطف الطوامي)
وَيُقَال قَطعنَا إِلَيْكُم أَرضًا خرقاً وخروقاً. وَقَالَ ابْن عباد الْخرق نبت كالقسط لَهُ أوراق وخرق ع: بنيسابور. والخرق بِالْكَسْرِ والخريق كسكيت الرجل السخي الْكَرِيم الْجواد يتخرق فِي السخاء يَتَّسِع فِيهِ وَهُوَ مجَاز أَو قَالَ. الظَّرِيف فِي سَخاوَةٍ والصّوابُ: فِي سماحة، كَمَا هُوَ نَص اللَيثِ، زادَ: ونَجدة. وقِيلَ: هُوَ الفَتَى الحَسَن الكَرِيمُ الخَلِيقَةِ وأَنْشد اللَّيث:
(وخِرقٍ يَرَى الكَأْس أُكْرُومَةً ... يُهِين اللّجَيْنَ لَهَا النُّضارَا)
وَقَالَ البُرْج بنُ مُسْهر:
(فَلما أَن تَنشأَ قامَ خِرْقٌ ... من الفِتيانٍ مُخْتَلَق هَضومُ)
وأَنْشَدَ الجَوهَرِي لأَبِي ذُؤَيبٍ يَصِف رَجُلاً صَحِبَهُ رجلٌ كَريم:)
(أتِيحَ لَهُ مِن الفِتْيانِ خِرق ... أَخُو ثِقَةٍ وخِرِّيقٌ خَشوفُ)
قالَ ابنُ الأَعرابِي: لَا جَمْعَ للخِرْقِ، وقالَ ابْن دُرَيْدِ: ج: أَخْراق كسِرْبٍ وأسراب. وقالَ ابنُ عَبّادٍ: خُراق كغُرابٍ. وقالَ غَيْرُهُما: جَمعُ الخِرْق: خُرُوقٌ وجمعُ الخِرِّيقِ: خِريقُونَ، قالَ الأَزْهرِيُّ: وَلم نَسمَعْهم كَسَّرُوه، لأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكادُ يُكَسَّرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. والمَخْرَقُ كمَقعَد: الفَلاة الواسِعَةُ تَتَخَرَّقُ فِيهَا الرًّياحُ، قَالَ أَبُو قَحْفانَ العَنْبَرِيّ: قَدْ أَقْبَلَتْ ظَوامِئاً م المَشْرِقِ قادِحَةً أَعْيُنَها فِي مَخْرَقِ والمَخْرَقُ من الحَوْضِ: حَجَرٌ يكونُ فِي عُقْرِه، ليُخْرِجُوا مِنْهُ الماءَ إِذا شَاءُوا قَالَ أَبُو دُؤادٍ الإِيادِيّ:
(والماءُ يَجْرِي وَلَا نِظامَ لَهُ ... لَو وَجَدَ الماءُ مَخْرَقاً خَرَقَهْ)
وقالَ ابنُ الأَعرابِيِّ: المَخْرُوقُ: المَحْرُوم الَّذِي لَا يَقَع فِي كَفِّهِ غِنىً وَهُوَ مَجازٌ. والخِرْقَةُ، بالكسرِ، من الجَرادِ دُونَ الرِّجْلِ، وَهُوَ مَجاز. وَكَذَا الحِزْقَة، وأَنْشد ابنُ دُرَيد: قد نَزَلَتْ بساحَةِ ابْن وَاصل خرقَة رِجلٍ من جَراد نازلِ وَفِي حَدِيثِ مَريمَ عَلَيْهَا السَّلَام: فَجَاءَت خرْقَة من جَرادِ، فاصطادت وشَوَت. والخِرْقَةُ من الثوبِ: القعطةُ مِنْهُ وقِيلَ: المزْقَة مِنْهُ ج: خِرق، كعِنَب. وأبُو القاسِم عُمَر بنُ الْحُسَيْن ابنِ عَبْدِ الله بنِ أَحْمَدَ الخرَقِي: شَيخ الحَنابِلَةِ ببَغْدادَ، صَاحب المُخْتَصرٍ فِي فِقْهِ الإِمام أَحْمَدَ بنِ حَنبل، كانَ فَقِيهاً سدِيداً ورِعاً، قالَ القَاضِي أَبُو يَعلَى: كَانَت لَهُ مُصَنَّفات وتَخْرِيجات على المَذهب لم تَظهَرْ، لأَنه خَرَج من بَغْدادَ، وأَوْدَعً كُتبَهُ فِي دربِ سُلَيْمَان، فاحْتَرَقَت، وماتَ هُوَ بدمَشْقَ سنة، وَأَبُو الحُسَيْنيِ بنُ عَبدِ اللهِ بن أَحْمَد وَالِد صَاحب الْمُخْتَصر هَكَذَا فِي سَائِر النّسخ وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب وَأَبوهُ الْحُسَيْن عَبْدُ الله بن أَحْمد وَهَذَا يَعْنِي عَن قَوْله وَالِد صَاحب الْمُخْتَصر وكنيته أَبُو عَليّ حدث عَن أبي عمر الدوري وَالْمُنْذر بن الْوَلِيد الجارودي وَمُحَمّد بن مرادس الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم وَعنهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي وَأَبُو عَليّ بن الصَّواف وَعبد الْعَزِيز بن جَعْفَر الْحَنْبَلِيّ وَغَيرهم. وَأَبُو الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الحميد الْمَعْرُوف بِابْن حمدي من أهل بَغْدَاد سمع أَبُو الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا الْمُطَرز وَمُحَمّد بن طَاهِر بن أبي الدميك،)
وَعنهُ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو بكر البرقاني، وَأَبُو الْقَاسِم التنوخي وَكَانَ ثِقَة أَمينا توفّي سنة،. وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ وَإِبْرَاهِيم ابْن عَمْرو هَكَذَا ي سَائِر النّسخ وَلم أجدهما فِي كتاب ابْن السَّمْعَانِيّ وَلَا الذَّهَبِيّ وَلَا الرشاطي. وَقَالَ الذَّهَبِيّ مُسْند أَصْبَهَان أَبُو الْفَتْح عبد الله بن أَحْمد بن أبي الْفَتْح القاسمي مَاتَ سنة، وبلدَيِاهُ: أَبُو طاهِر عُمَرُ بنُ محمَّدِ ابنِ عَليّ بن عمَرَ بن يوسفَ الدَّلالُ روَى عَن أَبي بكرِ بنِ الْمُقْرِئ نسخةَ جوَيرِيَةَ بنت أَسماء، ونسْخَةَ وَرَقَة، وَعنهُ أبُو عبدِ الله الْخلال، توفّي سنة، وأَبو العَباسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ ابنِ أحْمَد بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَ عَن أَبِي عَليّ الحَسَنِ بن عمَرَ بنِ يُونسَ الحافِظِ الْأَصْبَهَانِيّ، الخِرَقِيّونَ إِلى بَيع خِرَقِ وَالثيَاب أَئِمَّة مُحَدِّثُونَ. وَذُو الرَقِ: النُّعْمانُ بنُ رَاشد ابْن مُعاوِيَةَ بنِ عَمْرو بن وهب بنِ مُرَةَ ابنِ عَبْد الأَشهل بنِ عَوْفِ بنِ إِياس بنْ ثَعلَبَةَ بنِ عَمرو بنِ عَبْلةَ. ابْن أَنْمارِ بَنِ مبشَر بن عُمَيرَةَ بنِ أَسَدِ بنِ رَبيعة ابْن نزار لإعلامه نَفْسَهُ بخرق حمر وصفر فِي الْحَرْب.وَذُو الخِرَق: خليقُة بن حَملَ ابْن عامرِ بنِ حميري بنِ وَقْدَانَ ابنِ سُبَيعِ بنِ عَوْفِ بنِ مَالك بنِ حَنْظَلَة الطُّهَوِيّ، لقِّبَ بِهِ لَقْولهِ:
(مَا بالُ أُمِّ حُبَيْش لَا تُكَلِّمُنا ... لمّا افْترَقْنَا وقَدْ نثرِى فنَتَّفقُ)

(تقطعُ الطَّرْفَ دُونِي وَهْي عابِسَةٌ ... كَمَا تَشاوَسَ فيكَ الثّائِرُ الحَنِقُ)

(لمّا رَأَتْ إِبِلِي جاءتْ حُمُولَتُها ... غَرْثَى عِجافاً عَلَيْها الرِّيشُ والخِرَقُ)

(قالَتْ: أَلا تَبْتَغِي مَالا تَعِيشُ بِهِ ... عَمّا تُلاقِي، وشَرُّ العِيشَةِ الرَّنَق)

(فِيئَي إِلَيكِ، فإِنَّا مَعْشَرٌ صُبُرٌ ... فِي الجَدْبِ، لَا خِفَّةٌ فِينَا وَلَا مَلقُ)

(إنّا إِذا حطْمَةٌ حَتتْ لنا وَرَقاً ... نُمارِس العَيْشَ حَتى يَنبُتَ الوَرَقُ)
وذُو الخرَقِ: قُراط، أَو هُو: ذُو الخرَقِ بنُ قُرْطٍ الطهَوِيُّ أَخو بنِي سعِيدةَ بنِ عَوْفِ بنِ مالِكِ بنِ حَنْظَلَةَ وأَمُّ أَبِي سُودٍ وعَوْفٍ ابْنَي مالِكِ بنِ حَنْظَلَة طُهَيَّةُ بنت عَبْدِ شَمْسِ بنِ سَعْدِ ابنِ زَيْدِ مَناةَ بنِ تَمِيمٍ الشاعِرُ الفارِسُ القَدِيم أَي: جاهِلِيّ. وذُو الخِرَق: فَرَسُ عَبّادِ بنِ الحارِثِ بنِ عَدِيًّ بنِ الأَسْوَدِ بنِ أَصْرَم، كَانَ يُقاتِلُ عَلَيْهِ يومَ اليَمامَةِ. وخِرْقَةُ، بالكسرِ: فرسُ الأسوَدِ بنِ قِرْدَةَ السَّلُولِيِّ، وَهُوَ القائِلُ فِيها:
(ثَأَرتُ يَزِيدَ مِن ابْنِ الجُنَيْ ... دِ فاشْكُرْ يَزيدُ وَلَا تَكْفُرِ) (ذبَحْتُ يَزِيدَ رَئِيسَ الخَمِي ... س ذَبْحاً وخِرْقَةُ بِي تَحْضُرُ)

(وعَمراً طَعَنتُ فأَطلَعْتُه ... نَقِيباً بنَجْلاءَ لَا تسْتَرُ)
وخِرْقَةُ: فَرَش مُعَتِّبٍ الغَنَوِيِّ. وخِرْقَةُ: اسمُ ابْن شعاثَ الشّاعِر كغُرابٍ وشعاث أُمه، وأَبوه بُنانَةُ كثُمامَةٍ، وَفِي التَّكْمِلَةِ نُباتَةُ. والمِخْراقُ بِالْكَسْرِ: الرَّجُلُ الحَسَنُ الجِسْم، طالَ أَو لم يَطُلْ. وأَيْضاً: المُتَصَرِّفُ فِي الأمُورِ وقالَ شَمِرٌ: هُوَ الّذِي لَا يَقَعُ فِي أَمْرٍ إِلاّ خَرَج مِنْهُ. قالَ: والثَّوْرُ البَرِّيُّ يُسَمَّى مِخْراقاً، لأَنَّ الكِلاب تَطْلُبُه فيُفْلِتُ مِنْها، وَفِي الأَساسِ: يُسمَى مِخْراقَ المَفازَةِ، وَهُوَ مَجازٌ، قالَ الأَصْمَعِيُّ: لقَطْعِه البِلادَ البعِيدَةَ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ لَهُ: ناشطٌ، وَمِنْه قَوْل عَدِيِّ بنِ زَيدٍ العِبادِيِّ:
(ولَهُ النَّعجَةُ المَرِيُّ تُجاهَ الرَّ ... كْبِ عِدْلاً كالنّابِئ المِخراقِ)
والمِخْراقُ: السَّيِّدُ هكَذا فِي النُّسَخ، والصَّوابُ السَّيْفُ، كَمَا فِي العُبابِ واللِّسان والأَساسِ، وَهُوَ مَجازٌ، وقَدْ ذَكَوه كُثَيِّرٌ فِي شِعْرِه، وجُمِعَ على المخارِيقِ، قالَ:
(عَلَيْهِنَّ شُعْثٌ كالمَخارِيقِ كُلُّهُم ... يُعَدُّ كَرِيماً لَا جَباناً وَلَا وَغْلا)
والمِخْراقُ أَيضاً: السَّخِي الجَوادُ. والمِخْراقُ: اسمٌ لَهُم. والمِخْراقُ: المِنْدِيلُ أَو نحوُه يُلَفُّ ليُضْرَبَ بهِ أَو يُفَزَّع، عَن ابنِ الأَعْرابيِّ، وأنْشَدَ:
(أُجالِدُهُم يومَ الحَدِيقَةِ حاسِراً ... كأَنَّ يَدِي بالسَّيْفِ مِخْراقُ لاعِبِ)
وَقَالَ غيرُه: المَخارِيقُ واحِدُها مِخْراقٌ: مَا يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيانُ من الخِرَقِ المَفتُولَةِ، قَالَ عَمْرُو بنُ كُلثُوم:
(كأَنَّ سُيُوفَنا مِنّا ومِنهُم ... مَخارِيقٌ بأَيْدِي لاعِبينَا)
وَفِي حديثِ عَليّ رضِي اللهُ عَنهُ: البَرْقُ مَخارِيقَ الملائِكَة أَي: آلَة يزْجى بهَا المَلائِكَةُ السَّحابَ وتَسوقه. وهُوَ مِخْراق حَرْب أَي: صاحِب حرُوب يخِفَ فِيها، نَقلَه الجَوهَرِي، وأَنْشَدَ.
(وأَكْثرَ ناشئاً مِخْراقَ حَرْبٍ ... يُعِين على السِّيادَةِ أَو يَسودُ)
وَيَقُول لم أَر مَعْشراً أَكثر فِتيانَ حَرْب مِنهم. والخَرِيقُ كأَمِير: المُطْمَئِن من الأَرْضِ، وَفِيه نَبات وقالَ الفَرِّاءُ: يُقَال: مَررْت بخَرِيق من الأَرضِ بَين مسحاوَين، والخَرِيقُ: الَّذِي تَوَسطَ بينَ مَسحاويْنِ بالنبات، والمَسْحاءُ: أَرض لَا نَباتَ بهَا ج: خرُقٌ ككُتاب وأَنْشَدَ الفَرّاء لأبِي محَمد الفَقعسِيِّ: تَرعى سمِيراء إِلى أَهضامِها) إِلى الطُّرَيفاتِ إِلَى أَرمامِها فِي خُرقٍ تَشبع من رمْرامِها والخَرِيقُ أَيضاً: الرِّيح البارِدَةُ الشدِيدَة الهَبّابَةُ وَفِي العُبابِ: الشَّدِيدَة الهبُوبِ، وَمثله نصُّ الصِّحاح، وأَنشَدَ للشّاعِر، وَهُوَ الأَعْلَم الهذَلِيًّ:
(كأَنِّ هُوِيها خَفقان رِيح ... خَريق بينَ أَعلام طِوالِ)
قَالَ الجَوهَرِي: وَهُوَ شَاذ، وقياسُه خَرِيقَة، قَالَ ابْن بَريّ: والَّذِي فِي شِعْره: كأَنَ جناحَه خفقان رِيح يَصِف ظَلِيماً، وأَولُه:
(كأَن ملاءتي عَلَى هِجِف ... يَعن معَ العَشِيَّةِ للرِّئالِ)كفَرِحَ: إِذا دَهِشَ فَهُوَ خَرِقٌ ككَتِفِ وَهِي خَرِقَةٌ وَقد خالفَ اصْطِلاَحَه هُنَا، وَفِي حَدِيثِ تَزوِيج فاطِمةَ عَلِيّاً رضِي اللهُ عَنْهُمَا: فلمّا أَصْبَحَ دَعاهَا فجاءتْ خَرِقَة من الحَياءَ أَي: خَجِلَةً مَدْهُوشة، ويُرْوَى) أَنّها: أَتَتْهُ تَعْثُر فِي مِرْطِها من الحَياءَ وقالَ أَبُو دُوادٍ الإِيادِيُّ:
(فاخْلَوْلَقَتْ للحَيَاءَ مُقْبِلَة ... وطَيْرُها فِي حافاتِها خَرِقَهْ)
وخَرَقُ بِلَا لَام: ة، بمَرْوَ على بَريدَيْنِ مِنْهَا، بهَا سُوقٌ قائِمَةٌ، وجامع كَبِيرٌ حَسَن مُعَرَّب خَرَه، مِنْها: أَبُو بَكَرٍ مُحمَّد بن أَحْمَدَ بنِ أبِي بِشر المُتَكَلِّمُ سَمعَ أَبا بَكْرِ بنَ خَلَفٍ الشِّيرازِيّ، وأَبا الحَسَنِ المَدِينِي توفّي سنة. وَأَبُو قابُوس محَمَّدُ بنُ مُوسى سَمعَ ابنَ الفقْرِي وأَبو مَذْعُور مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بن خَشْرَم المُحَدِّثُونَ. وفاتَه: عبدُ الرَّحْمنِ بنُ بَشِير الخَرَقِيُّ، لَقَبُه مَرْدانَةُ، شيخ لأحْمَدَ ابنِ سَيّارٍ الإِمَام، وأبُو محمدٍ عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرّحمنِ بنِ مُحمَّدِ بنِ ثَابت الخَرَقِيًّ، قاضِيها، سمِع أَبَاهُ وَأبا المُظَفَّرِ بنَ السَّمْعانِيِّ، وَعنهُ أَبُو سَعدٍ، وقالَ: ماتَ فِي حُدودِ الأرْبَعِينَ وخَمْسِمائةِ،. وَقَالَ أَبو سَعْد المالِينِي: سَمِعْت أَباَ عَبْدِ اللهِ أَحمدَ بنَ مُحمد يَقُولُ عَن أَبيه حازِم بنِ مُحَمّدِ بنِ حمْدانَ بنِ محمَّدِ بنِ حازِمٍ بنِ عبدِ اللهِ ابْن حازِم الخَرَقِيِّ، بخَرَق، يقولُ: سَمِعْتُ أَبِيَّ أَبا قَطَنٍ مُحَمَّدَ بنَ حازِم الخَرَقِيَّ بخَرَق، يَقُول عَن أَبِيهِ حَازِم ابنِ مُحَمَّد الخَرَقِيِّ، وأَحْمَدَ بنِ مُحَمد الخَرَقِيّ، كلاهُما عَن جَدِّه مُحَمدِ بن حَمْدانَ الخَرَقِيِّ، عَن أبِيهِ، عَن جَدِّه محَمدِ بنِ حازِم أَنّه سَمعَ مُحَمدَ بنَ قَطَنٍ الخَرَقِيَّ، وكانَ وَصًّى عَبْدَ اللهِ بنَ حَازِم قالَ: كانَ لعَبْدِ اللهِ بن حَازِم عمامَةٌ سَوْداءُ، فكانَ يَلْبَسها فِي الأعْيادِ، ويَقُولُ: كَسانِيها رَسول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلم.
قلتُ: وأَبو مُحَمَّد عَبدُ اللهِ بنُ محمَّد ابْن قَطَنٍ الخَرَقِيُّ، كانَ عالِماً بالعَرَبيةِ ومَسائِل مالِكِ، من قَرْيَة خَرَق، هكَذا ذَكَره أَبو زُرْعَةَ السِّنجي. وأَمّا زُهَيْر بن محمَد التَّمِيمِي الخَرَقِيُّ، قِيلَ: إِنَّه من أهْلِ هَراةَ، وقِيلَ: من أَهْلِ نيسابُور، رَوَى عَن مُوسَى بنِ عقْبَةَ، وَعنهُ رَوْح بنُ عُبادَةَ.
والخُرْقُ، بالضمَ وبضَمَّتَيْن والحرَقُ بالتَّحْرِيكِ المَصْدر، وَهُوَ: ضِدُّ الرِّفقِ وَمِنْه الحَدِيث: مَا كَانَ الرِّفْق فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا زانَهُ، وَمَا كانَ الخرْقُ فِي شَيْء قَط إِلاّ شانَهُ. والخرْقُ أَيضاً: أَن لَا يُحْسِنَ الرَّجل العَمَلَ والتَّصرُّفَ فِي الأمورِ. والخُرقُ: الحمْق، كالخُرْقَةِ بالهاءَ، خَرِقَ فَهُوَ أَخرَقُ. والخُرْقُ أَيضاً: جَمعُ الأخْرَقِ، والخَرْقاء وَمِنْه قَول ذِي الرُّمةِ: بَيْت أَطافتْ بهِ خَرْقاءُ مَهْجُومُ قالَ المازِنِيًّ: امْرْأَة غير صَناعٍ وَلَا لَها رفْقٌ، فإِذا بَنَتْ بَيتْاً انهَدَم سَرِيعاً. وَقد خَرِق، كفَرحَ، وكرم الأَخيرَةُ عَن ابنِ عَبّاد، قَالَ الكِسائي: كُل شَيْء من بَاب أَفعَل وفَعلاءَ سوى الألوانِ فإنَّهُ يُقالُ فِيهِ: فَعل يفعل، مثل: عَرجَ يعرَج، وَمَا أشبه، إلاّ سِتةَ أحرف، فإِنها جاءَتْ على فعلَ)
مِنْهَا: الأَخرَق والأَحْمق والأرْعَن والأَعْجَفُ، والأسْمَن يقالُ: خرقَ الرَجُلُ يَخْرُق، فهوَ أَخْرق، وكذلِك أَخواته. وخَرقان، كسَحبان: ة، ببِسْطامَ على طَرِيقِ أَستراباذِّ وتَحْرِيكه لَحنٌ من قُرَى سَمَرْقَندَ، مِنْهَا الأَدِيبُ أَبُو الفَتْح أَحمَدُ بنُ الحُسَينوالأخْرَقُ: البَعِيرُ يَقَع مَنسِمه على الأرْضِ قَبلَ خُفِّه، يَعْتَرِيه ذلِكَ من النَّجابَةِ نَقَلَهُ ابنُ عَبّاد وصاحبُ اللَسانِ. وخَرْقاءُ: امْرَأَة سَوْداء كانَتْ تَقُم مَسْجِدَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ورَضِي عَنْها نَقَلَهُ الصّاغانِي، وَهُوَ اسْمُها، كَمَا فِي المُعجَم. وخرقاءُ: امرأَة من بَني البَكّاءَ اسْمهَا مَيةُ شَببًّ بهَا ذُو الرُّمًّةِ الشاعِرُ فأكْثَرَ، وقِصتُها مَشْهورةٌ فِي اسْتطْعام ذِي الرُّمَّةِ كَلامَها، وأَنّه قَدًّمَ إِليها دَلْواً، أَو إِداوَة فقالَ: اخْرُزيها لي، فقالَتْ: إِنِّي خَرْقاءُ، أَي: لَا أحْسِن الخَرْزَ، وقِيلَ: إِنَّها غيرُ مَيَّةَ، بل هِيَ امْرَأَةٌ من بَنِى عامِرِ بنِ رَبيعَةَ بنِ عامِرِ بنِ) صَعْصَعَةَ، رَآهَا، فاسْتقاها مَاء، فخَجِلَتْ، وأَبَتْ أَنْ تَسْقِيَهُ، فقالَ لأمِّها: قُولِي لَها فلتَسْقنِي، فقالَتْ لَهَا أمهَا: اسْقِيهِ يَا خَرْقاءُ. والخَرقاءُ: من الغَنَم: الَّتِي فِي أذنها خَرق مُستَديرٌ، وَقد نَهَى النَّبيُّ صَلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يضَحَّى بشَرْقاء أَو خَرْقاء أَو مُقابَلَةٍ أَو مُدابَرةٍ أَو جَدْعاءَ. وَمن المَجازِ: الخَرْقاءُ من الرِّيح: الشَّدِيدَةِ الهبُوب، وقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَدُومُ على جِهَتِها فِي هُبُوبها، وَهُوَ مَجازٌ، قَالَ الزمَخْشرِي: وصِفَتْ بالخَرَقِ، كَمَا وُصِفَتْ بالهَوَج، وَبِه فُسِّرَ قولُ ذِي الرمةِ السّابِق: بَيْت أطافَتْ بِهِ خَرقاءُ مَهْجومُ والخَرْقاءُ من النوق: الَّتِي لَا تَتَعاهَدُ وَفِي اللِّسانِ لَا تَتَعَهدُ مواضِع قَوائِمِها من الأرْضِ، نَقَلَه ابنُ عَبّاد والزَّمَخْشَريّ. والخَرْقاءُ: ع قالَ أبُو سهم الهُذَلِي:
(غَداةَ الرُّعْنِ والخَرْقاءَ تَدْعُو ... وصَرَّحَ باطِلُ الظنِّ الكَذوبِ) وعذار بنُ خَرْقاءَ الكُوفِيّ: مُحدَث. ومالِكُ بنُ أَبِي الخرقاءَ: عُقيْلِي وبنْتهُ كَرِيمَةُ بنت مالِكٍ، امرأَةُ عبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ المَدانِ. وَفِي المَثَل: لَا تعْدَمُ الخَرْقاءُ عِلَّةً يُضْرَبُ فِي النَّهْى عَن المعاذِيرِ، أَي: إِنَّ العِلَل كَثِيرَةٌ تُحْسِنها الخَرْقاءُ فَضلاً عَن الكَيِّسِ والكَيِّسَةِ فَلَا تتشَبَّثُوا بِها، وَلَا تَرْضَوْا بهَا لأَنْفسكم. وأَخْرَقَه: أَدْهشَه نَقَله الجَوْهَريُّ. والتَّخْرِيقُ: التَّمْزِيقُ يكون فِي الثَّوْبِ وغيرِه. وَمن المَجاز: التَّخْرِيقُ: المُبالَغَةُ فِي الخرْقِ، أَي: كَثرَة الكَذِبِ وقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ونافِع: وخَرَّقُوا لَهُ بَنِينَ وبَناتٍ بالتَّشدِيدِ. والتَّخَرُّقُ: خَلْقُ الكَذِبِ واشْتِقاقُه، وَهُوَ مجَاز أَيْضا.
والتَّخرق: فطاوِعُ التخرِيقِ، كالانْخِراقِ يُقال: خَرَقَه فانخَرَقَ، وتَخَرَّقَ، وَمِنْه الحَدِيثُ: إِنَّ رَجُلاً أَتاهُ فقالَ: يَا رَسولَ اللهِ تَخَرَّقَتْ عَنّا الخنف، وأحرق بطوننا التَّمْر وَقَول رؤبة: يَكِلُّ وَفدُ الرِّيح من حَيْث انْخَرَقْ أَي: من حَيثُ صارَ خرْقاً، أَي: متَّسَعاً. وَمن المَجازِ: التَّخَرق: التَّوَسعُ فِي السَّخاءَ يُقال: هُوَ مُتَخرَقُ الكَفِّ بالنوال، وأنشدَ ابنُ برِّي للأبَيْرِدِ اليَرْبُوعِيًّ:
(فَتى إِن هُوَ اسْتَغْنَى تَخَرقَ فِي الغِنَى ... وإِن عَضَّ دَهْرٌ لم يَضَع مَتْنَهُ الفَقْرُ)
وَيُقَال: رَجلٌ مُتَخَرِّقُ السِّرْبالِ، ومُنْخَرِقُه: إِذا طالَ سَفَره فتَشَقَّقَتْ ثِيابه. واخرورَق: تخرقَ.
قالَ ابْن بَرِّيّ عَن أَبِي عَمروٍ الشَّيباني والمُخْرَورقُ: من يَدُور عَلَى الإبلِ فيحملها على مَكْروهها، نَقله الصاغانِي عَن ابنِ عَباد، وفيهِ: ويَخِف ويَتَصَرّف وأَنشد أَبو عَمْرو:) خْلف المَطِي رجُلاً مُخرَوْرِقَا لم يَعْدُ صَوْبَ دِرْعِه المنَطَّقَا وَمن الْمجَاز: اختَرَقَ الأَرضَ: إِذا مَر فِيهَا عَرْضاً على غيرِ طَرِيقٍ. وَمن المَجاز: اختَرقَ الكَذِبَ: مثل اختلقه. ومُختَرق الرياحَ: مهبها ومَمَرها، قَالَ رؤبة: وقاتِم الأعْماقِ خاوِي المختَرَق مُشْتَبِهِ الْأَعْلَام لماع الخَفَق وأَبو أمَيةَ عبد الكَريمِ بنُ أَبِي المُخارقِ قَيْس البَصْري المُعَلم: مُحَدِّث من أتباعِ التابِعِين لين وَقَالَ ابْن الجَوْزي فِي كتاب الضْعَفاءَ: رَوَى عَن نافِع والحّسَنِ ومجاهِدِ وعِكرِمَةَ، رَمَاه أيوبُ السِّختياني بالكَذب، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِشَيْء، وَهُوَ شَبِيه المَتروك، وَقَالَ السَّعْدِيّ: غير ثقَة.
وَمِمَّا يستَدرك عَلَيْهِ: الخَرقُ: الفرجَة، وجمعُه: خُرُوق خَرَقَه يَخرقه، وخرقَه، واحترَقَه، فتخرق، وانْخَرقَ، واخرَوْرَقَ. وَفِي التَّهْذِيب: الْخرق يكون فِي الحائطِ أَيضاً، وَيُقَال: فِي ثَوْبِه خَرق، وَهُوَ فِي الأَصْل مَصدو، وَمِنْه قَوْلهم: اتسَعَ الخَرق على الراقع. والخَرْقُ أَيضاً: مَا انْخَرَق من الشيءَ وبانَ مِنْهُ. وَسيف خارق: قاطِع، وجمعُه: خرُقٌ، بضمَتَينِ، وانخَرَقَتِ الرّيح: هَبَّتْ على غيرِ اسْتقامَةِ، وَهُوَ مَجاز. والخِرقُ، بالكسرِ: الكَريم من الرِّماح، قَالَ ساعِدَةُ بنُ جؤَيَّةَ:
(خِرق من الخَطِّىِّ أغْمِض حَدُّهُ ... مِثل الشِّهابِ رَفَعْتَه يَتَلَهّبُ)
وأُذُن خَوقاءُ: فِيهَا خَرْقٌ نافِذٌ. ومُنخَرَقُ الرِّياح: هَهَبُّها. واخْترَق الدّارَ: جَعَلَها طَرِيقاً لحاجَتِه، وَمِنْه قَوْلهم: لَا تَخْتَرِقِ المَسْجِدَ أَي: لَا تَجْعَلْهُ طَرِيقاً، وَهِي مَجازْ. والخَيْل تَخْتَرِقُ مَا بيْنَ القُرَى وَالْأَرْض، أَي: تَتَخَلَّلها. والخرق، بضَمتَيْنِ: لُغَة فِي الخُرْقِ، بالضمْ: بِمَعْنى الجَهْلِ والحمْقِ.
قالَ شَمِر: وأَقْرَأَنِي ابنُ الْأَعرَابِي لبَعض الهذَلِيِّينَ يصف طَرِيقاً:
(وأَبيضَ يهدِينِي وإِن لم أنادِه ... كفَرقِ العَرُوسِ طَوْلُه غيرُ فخْرِقِ)
فقالَ: غير مُخْرِقٍ، أَي: لَا أَخْرَقُ فِيهِ وَلَا أَحار، وإِن طالَ عليَّ وبَعُدَ، وَفِي حَدِيثِ مَكْحُولٍ: فَوَقع فخَرِقَ أرادَ أَنَّه وَقَع مَيِّتاً. وخَرِقَ الرَّجُلُ: إَذا بَقي متحَيِّراً من هَم أَو شِدة. وقالَ أَبو عَدْنان: المخَارق الملاص الّذِينَ يَتَخَرَّقُونَ الأرضَ، بَينا هم بأرْضٍ إِذا هُمْ بأخرَى، وَقَالَ الأصمَعِي: هم الّذِين يَتَخَرَّقُون ويتصرفون فِي وجُوهِ الخَيرِ. وَقد سَمَّوْا مخارِقاً. وَيُقَال. بَلَدٌ بَعيدُ)
المُخترقٍ. واخْتَرَقْتُ القوْمَ: مضيت وسطَهم. وهم مَخْروقُ الكَفِّ بالنَّوال، أَي: سخِي، وَهُوَ مَجاز. والمُخَرِّق، كمُحَدِّث: لقَبُ عَبّادِ ابْن المُخَرِّقِ الحَضْرَمِي الشاعِرِ ابْن الشاعِر، وَهُوَ القائِل:
(أَنا المُخَرَقُ أَعراضَ اللَئام كَمَا ... كانَ المُمَزِّق أَعراضَ اللئاَم أبِي) وبابُ الخَرْقِ: أحد أَبوابِ مِصْرَ حَرَسها اللهُ تَعالَى. وعِمامَةٌ خُرْقانِيَّةٌ، بالضَّمِّ، أَي: مُكَوَّرَةٌ، كعِمامَةِ أَهْلِ الرّساتِيقِ، قالَ ابنُ الأثِير: هكَذَا جاءَ فِي رِوَايَة، وَقد رُويَت بالحاءَ وبالضَّمِّ، وبالفَتْح، وغيرِ ذَلِك وَقد تَقَدَّم. والخَرَقانِيَّة، مُحَركَة: قَرْيةٌ بالقُرْبِ من مصر، كَذَا على لِسانِ العامَّةِ، والصوابُ خاقانِيّة، وَهِي من أَعمالِ الشَّرْقية. وخَرَّق، بِالْفَتْح مشدَّدَ الرّاءَ: محلَّةٌ ببَيْلقَانَ، مِنْهَا: شَمْسُ الدّينِ زَكِيُّ ابنُ الحَسَنِ بنِ عِمْرانَ البَيْلقاِنيُّ الخَرَّقِي قَرَأَ على فَخْرِ الدّينِ الرازِي، وعاشَ بعدَه مُدّةً طَوِيلَة، وحَدَّث عَن المُؤَيَّدِ الطُّوسيِّ، ودَخَلَ اليَمَنَ، فقَطَعها، وَمَات سنة، قَالَ الحافِظُ: وسمعَ مِنْهُ أَبو الحَسَن عليًّ بنُ جابِرٍ الهاشِمِيُّ، شيخُ شيوخِنا. وخَرَقانَة: مَوضِع.
والخَرْقُ، بِالْفَتْح: نَبتٌ كالقُسْطِ لَهُ أوْراقٌ.

أُفٍّق

أُفٍّق
} الأفْقُ، بالضَّمِّ، وبضَمَّتَيْنِ كعُسْرِ وعسر: الناحِية، ج: {آفَاق قَالَ الله تَعالى: وهوَ} بالأفقِ الأَعْلَى وَقَالَ عز وجلَ: سَنرِيهِم آياتِنا فِي {الآفاقِ، وَقد جَمعَ رُؤبة بينَ اللغتَيْنِ: ويغتَزي مِنْ بعْدِ} أفْق {أفُقَا قَالَ شَيخنَا: وذَكَرُوا فِي الْأُفق بالضمَ أَنه استُعمِلَ مفرَداً وجَمْعا، كالفُلك، كَمَا فِي النِّهَايَة، قلت: وَبِه فُسِّر بَيتُ الْعَبَّاس رضِي اللهُ عنهُ يمدح النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(وأنتَ لما ولِدتَ أَشرَقَتِ ال ... أَرض وضاءت بنورِكَ الأفقُ)
وَيُقَال: إِنَّه إِنَّمَا أَنثَ} الأفُقَ ذَهاباً إِلَى الناحِيَةِ، كَمَا أَنِّثَ جَرِير السُّورَ فِي قولِه:
(لما أَتَى خبرُ الزبيرِ تَضَعضَعَتْ ... سور المَدِينَة والجِبالُ الخُشَّعُ)
أَو الأفُقُ: مَا ظَهَرَ من نَواحِي الفَلك وأَطْراف الأرْضِ. أَو الْأُفق: مَهَبُّ الرِّياح الأرْبَعَة: الجنوبِ، والشّمالِ والدَبَورِ، والصِّبا. والأفق: مَا بَيْن الزِّرَّينِ المقَدمَين فِي رُواقِ البَيتِ. {وأفق البَيت من بُيوتِ الأعْراب: نَواحِيه مَا دُونَ سَمْكِه. وَهُوَ} - أَفَقِيّ بفَتْحَتَينِ لمن كانَ من {آفَاق الأَرضِ، حَكَاهُ أَبو نَصر، كَمَا فِي الصّحاح، قالَ الأَزْهَرِي: وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِياسٍ وقالَ الجَوهَرِي: بعضُهم يَقولُ:} - أفُقيٌّ بضَمَّتَيْنِ وَهُوَ القِياس، قالَ شَيخنَا: النسَبُ للفرد هُوَ الأصلُ فِي القَواعِدِ، وَبَقِي قَول الفقهَاء فِي الحَج وَنَحْوه! - آفاقي هَل يصِحّ قِياساً على أَنْصَارِي ونحوِه، أَولا يَصِح بِنَاء عَليّ أَصلِ القاعِدَةِ. والنسْبَةُ إِلى الجمعَ مُنكرَةٌ أَطالَ البحثُ فِيهِ ابْن كَمال باشا فِي الفَرائِدِ، وأَورَدَ الوَجهيْنِ، ومالَ إِلى تَصْحِيح قَول الفقَهاءَ، وذَهَبَ النَّوَويُّ إِلَى إِنْكارِ ذلِك وتَلْحِينِ الفُقَهاءَ، وَالْأول عندِي صَواب وَلَا سِيَّما وهُناكَ مواضِعُ تُسَمَّى أفقاً تَلْتَبِسُ النَسْبَةُ إِلَيْها، واللهُ أَعلمُ. ورَجُلٌ {أَفاّقٌ كشَدّادِ: يَضْرِبُ فِي} الْآفَاق: أَي نَواحِي الأَرْضِ مُكْتَسِباً وَمِنْه حَدِيثُ لُقْمانَ بنِ عادٍ: صفاّقٌ {أَفّاقٌ. وفَرَس} أُفُقٌ، بضَمَتَيْنِ: أَي رائع يُقالُ للذَّكَرِ والأنثَى كَمَا فِي الصِّحاح، وأَنْشَدَ للشاّعِرِ المُرادِي، هُوَ عَمْرو بنُ قِنْعاس:
(وكُنْت إِذا أَرَى زِقّاً مَرِيضاً ... يُناح على جِنازتِه بَكَيتُ)

(أرَجِّلُ لِمَّتِي وأَجُرُّ ذَيْلِي ... وتَحْمِلُ شكَّتِي {أفُقٌ كُمَيتُ)
} وأفِقَ الرَّجُلُ كفَرِح {يأفقَ} أَفَقاً: بَلَغَ النِّهايَةَ فِي الكَرَم كَما فِي الصِّحَاح والعُبابِ أَو فِي العِلم، أَو فِي الفَصاحَةِ وَغَيرهَا من الخَيرِ من جَمِيع الفَضائلِ، فَهُوَ {آفِق على فاعلٍ، وَمِنْه قولُ الأَعشَى) يَمدَح إِياسَ ى ابنَ قَبيصَة:
(} آفِقاً يُجْبى إِليهِ خَرجه ... كُل مِمَّا بَينَ عمانِ وملح)
وَكَذَلِكَ {أفِيقٌ.
وقالَ ابْن بَرِّى: ذكَر االقزَّاز أَنّ} الآفِقَ فِعْله {أَفَقَ} يَأفِقُ، أَي: من حَدِّ ضَرَبَ، وَكَذَا حُكِىَ عَن كُراعّ، واستَدَلَّ القَزاز علَى أنَّه {آفِق على زنةِ فاعِل بكونِ فِعْلِه على فعَلَ، أَنشدَ أَبو زِيَاد شَاهدا على} آفق بالمَدِّ لسِراج ابنِ قَرةَ الكِلابي:
(وَهِي تصَدى لرِفَل آفِقِ ... ضخْم الحُدولِ بائِنِ المَرافِقِ) وأَنشَد غَيْرُه لأَبِى النَّجْمَ:
(كم بيْنَ أَبٍ ضَخْمٍ وخالٍ آفِق ... بَيْنَ المُصَلِّى والجَوادِ السّابِقِ)
وأَنشَدَ أَبو زَيْدٍ:
(تَعْرِفُ فِي أَوْجُهِهَا البَشائِرِ ... آسانَ كُلِّ آفِقٍ مشاجِرِ)
قالَ عَليّ بنُ حَمْزَةَ: أَفِقٍ مشاجرِ بالقصرِ لَا غيرُ، قَالَ: والأبْياتُ المُتَقدِّمــةُ تَشْهَدُ بفسادِ قولِه.
وَهِي بهاءَ عَن ابنِ فارِسٍ، وَقَالَ غَيره: لَا يُقال فِي المُؤَنَّثِ على الَقياسِ. {والآفِقُ: فَرَسٌ كَانَ لفُقَيم بن جَرِيرِ بنِ دارِمً، قَالَ دُكَيْنُ بنُ رَجاءً الفقَيْمِيّ:
(بَينَ الخُبَاسياّتِ} والأَوافِقِ ... وَبَين آلِ ساطِعً وناعِقِ)
كُلُّها أَسامِي خُيُولِ فُقَيْم. {وأَفقَ فلانٌ} يَأفِقُ من حَدِّ ضَرَبَ: إِذا رَكِبَ رَأسَه، وذَهَب فِي {الْآفَاق وَفِي الصِّحاحَ: أَفَقَ فُلانٌ: إِذا ذَهَب فِي الأَرْضِ، وَالَّذِي ذَكَرَه المُصَنِّفُ هُوَ قولُ اللَّيْثِ. (و) } أَفَقَ فِي العَطاءَ {أفْقاً، أَي: فَضَّلَ، وأَعْطَى بَعْضاً أَكثَرَ من بَعْضٍ نَقله الجَوْهَرِي، وأنشَدَ للأعْشَى يَمْدَح النُّعْمانَ:
(وَلَا المَلِكُ النُّعْمانُ يَومَ لقِيتُه ... بنِعْمَتِه يُعْطِى القطُوطَ} ويَأفِقُ)
ويُرْوَى: بغِبْطَتِه وأرادَ بالقُطُوطِ: كُتُبَ الجَوائِزِ، قيل: مَعْنَى {يَأفِقُ: يُفَضِّلُ، وقِيلَ: يَأخُذُ من} الآفاقِ. (و) {أَفَقَ الأدِيمَ} يَأفِقُه {أَفْقاً: إِذَا دَبَغَه إِلىَ أنْ صارَ} أَفِيقاً نَقَلَه الجَوهَريُّ. وأفَقَ: أَي كَذَبَ كأفك، عَن ابنِ عَبّادٍ. (و) {أَفَقَ} يَأفِقُ {أَفْقاً: إِذا غَلَبَ عَن كُراع، وابنِ عَباد. وأفَقَ أفْقاً: خَتَنَ عَن ابنِ عَبادٍ. وأفَقُ الطرِيق، مُحَرَّكَةً: سَنَنُهُ، وَعَن ابنِ الأعرابِيًّ: وَجهُه، ج:} آفاقٌ كسَبَبٍ وأسبابٍ، وَمِنْه قولُهم: قَعَدَ فلَان على {أَفَقِ الطَّرِيقِ. (و) } الأفيقُ كأمِيرِ: الفاضِلَةُ من الدِّلاءَ قَالَه أَبو عَمرو،)
ونَصه عَلَى الدِّلاء. (و) {أَفِيقٌ: ة، بينَ حَورانَ والغَوْرِ وَهُوَ الأرْدُنُّ وَمِنْه عَقَبَةُ أفِيقٍ، وَلَا تَقُلْ: فِيقٍ فإنهّا عامِّيَّةٌ، وَهِي عَقَبَةٌ طوِيلَةٌ نحوَ مِيلَيْنِ، قَالَ حَسّانُ بنُ ثابِت:
(لِمَن الدّارُ أَقْفَرَتْ بمَعان ... بَين أَعلى اليَرموكِ فالصَّمَّانِ)

(فقَفا جاسِم فدَارِ خُلَيدٍ ... } فأفِيقٍ فجانِبَي تَرفُلانِ)
(و) ! أُفَيق، بلَفْظِ التصغِيرِ، عَلَيْهِ السَّلَام لبَنِى يَربوع قالَ أبُو دؤاد الإِيادي:
(وأَرانَا بالجَزْع جَزْع أفَيْقِ ... نَتَمَشَّى كمِشيَةِ الناقلاتِ)
أَو أفِيق: ة بنَواحي ذَمارِ وَقد أغفله ياقُوتُ والصّاغانيُّ. والأفِيقُ: الجِلْدُ الَّذِي لم يَتِم دِباغه وَفِي الصِّحَاح: لم تَتِم دِباغتُه، وقالَ ثَعلب: الذِي لَهُ يُدبغ. أَو الأفِيقُ: الأدِيمُ دُبغَ قَبلوَقَالَ ابنُ عَباد: {الأفْقَةُ، بالضمِّ: القُلفةُ. قَالَ: ورَجُل} آفَق، على أَفْعَلَ: إِذا لم يُختن. (و) {الأفاقة ككُنَاسةٍ: ع ب البَحْرَينِ، قُرْبَ الكُوفَةِ ذَكَرَه لَبِيد فَقالَ:
(وشهِدْتُ أَنْجِيةَ} الأفاقَةِ عالِياً ... كَعبِي، وأَردافُ الملُوك شهودُ)
وأَنْشد ابنُ بَرِّي للجَعْدِي:
(ونحْنُ رَهَنَّا {بالأُفاقَة عامِراً ... بِمَا كانَ فِي الدَّرْداءَ رَهْناً فأبْسلاً)
) أَو هُو: إماءٌ لبَنِى يَرْبوعً قالَه المُفُضَّل، وَله يَوْمٌ مَعْروف، قَالَ العَوّامُ ابنُ شَوْذَب:
(قَبَحَ الإِلهُ عِصابَةً من وَائِل ... يومَ} الأفاقَة أَسلموا بِسطاما)
وكانَت الأفاقَة من مَنازِلٍ أَهلِ المنذِرِ، وَقَالَ ياقُوت: وربمّا صحفه قومٌ فقالُوا: الأَفاقِهُ، بِفَتْح الهَمزة وإِظْهارِ الْهَاء، مثل جَمعَ فقِيهٍ. (و) {أفاقٌ كغُرابٍ عَلَيْهِ السَّلَام: قَالَ عدي ابنُ زَيْدٍ العِباديّ:
(سقَى بَطْنَ العَقِيقِ إِلى} أُفاقِ ... فَفاثُورٍ إِلى لَبَبِ الكثِيبِ)
وَقَالَ نَهشلُ بنُ حَرِّى:
(يجرونَ الفصالَ إِلى النَّدامَى ... برَوضِ الحَزنِ من كَنَفيْ أُفقِ)
(و) {الأَفِيقَةُ ككَنِيسَةِ: الأَفِيكَة، أَو هيَ الداهِيَةُ المُنْكَرةَ. وَقَالَ الأَصْمَعِيُ. يقالُ:} تَأَفقَ بنَا فلانٌ: أَي أَتانَا من {أُفُقٍ قَالَ أَبُو وَجْزةَ:
(أَلاَ طَرَقَتْ سُعدَى فَكيف} تأفقت ... بِنَا وَهِي مِيسانُ اللَّيالِي كَسولها) وقِيلَ: {تَأَفَّقَتْ: أَلمَّتْ بِنَا، وأَتَتْنَا.
وَمِمَّا يسْتَدرَك عَلَيْهِ:} أَفَقَه {يَأفِقُه: إِذا سَبَقَه فِي الفَضْلِ، وكَذا} أفَقَ عليهِ، قَالَ الكُمَيْتُ:
(الفاتِقونَ الرّاتِقُونَ ... {الآفِقُونَ على المَعاشِرْ)
} وأَفَقَ {يأفِقُ: أَخَذَ مِن} الآفاقِ. وقالَ الأصْمَعِيُ: بَعِيرٌ {آفِقٌ، وفَرَسٌ} آفِقٌ: إِذا كانَ رائِعاً كَرِيماً، والبَعِيرُ عَتِيقاً كَرِيماً. وفَرَس آفِقٌ، قُوبِلَ من آفِقٍ {وآفِقَة: إِذا كانَ كَرِيمَ الطَّرفيْنِ، كَمَا فِي الصِّحَاح. قَالَ ابنُ بَرِّيّ:} والأفِيقُ من الإِنْسانِ، وَمن كُلِّ بَهِيمَةٍ: جِلْدُه، قَالَ رُؤبةُ يصِفُ سَهْماً: يَشْقَى بهِ صَفْحُ الفَرِيصِ والأَفَقْ وَفِي نَوادِرِ الأَعْرابِ: تَأَفَّقَ بهِ، وتَلَفَّقَ: لَحِقَه.

مضط

مضط
الكسائي: المُضْطُ: المُشْطُ، قال: يجعلون الشين ضاداً بين السين والضاد؛ ليست بضادٍ صحيحةٍ ولا شينٍ صحيحةٍ، وهي لُغةٌ في ربيعةَ واليمنِ؛ يقولون: اضتر لي: في معنى اشترِ لي لفظاً ومعنىً.
مضط
المُضْطُ، بالضَّمِّ، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيّ وصاحِبُ اللّسَان. وَقَالَ الكِسَائِيُّ: هِيَ لُغَةٌ فِي المُشْط، وتَأْتِي فِيهِ اللُّغَاتُ المُتَقَدِّمَــةُ من التَّثْلِيثِ وَمَا بَعْدَهُ. قَالَ الكِسَائيّ: هِيَ لُغَةٌ لرَبِيعَةَ واليَمَنِ، يَجْعَلُون الشِّينَ ضاداً بَيْنَ الشِّين والضّادِ غَيْرَ خالِصَةٍ. أَي لَيْسَتْ بضادٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا شِينٍ صَحِيحَة. ويَقُولُون أَيْضاً: اضْطَرِ لي، مثل اشْتَرِ لي، لَفْظاً وَمعنى، نَقله الصّاغَانِيّ هكَذَا. 

أَوب

(أَوب) رَجَعَ وَرجع الصَّوْت وَسَار النَّهَار كُله إِلَى اللَّيْل وَالْقَوْم تباروا فِي السّير
أَوب
: ( {الأَوْبُ} والإِيَابُ) كَكِتَابٍ، (ويُشَدَّدُ) وَبِه قُرِىءَ فِي التَّنْزِيل: {ان الينا {إِيَابَهُمْ} (الغاشية: 25) بالتَّشْدِيدِ، قَالَهُ الزَّجَّاج، وَهُوَ فِيعَالٌ، مِنْ} أَيَّبَ فَيْعَلَ مِنْ {آبَ} يَؤُوبُ، والأَصل إِيواباً، فأُدْغِمَتِ اليَاءُ فِي الوَاوِ وانْقَلَبَتِ الواوُ إِلى اليَاءِ، لأَنها سُبِقتْ بسُكُونِ، وَقَالَ الفرّاءُ: هُوَ بتَخْفِيف الْيَاء، والتشديدُ فِيهِ، وَقَالَ الأَزهَرِيّ: لاَ أَدْرِي مَنْ قَرَأَ {إِيَّابَهُمْ بالتَّشْدِيدِ، والقُرَّاءُ علَى (} إِيَابَهُمْ) بالتَّخْفِيف، قُلْتُ التَّشْدِيدُ نَقَلَه الزَّجَّاج عَن أَبِي جَعْفر، وَقَالَ الفراءُ: التَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَلٌ، نَقله الصاغانيُّ.
( {والأَوْبَةُ} والأَيْبَةُ) ، على المُعَاقَبَةِ، ( {والإِيبَةُ) بِالْكَسْرِ، عَن اللحيانيّ. (} والتَّأْوِيبُ {والتَّأْيِيبُ} والتَّأَوُّبُ) {والإئْتِيابُ من الافْتِعَال كَمَا يأْتِي (: الرُّجُوعُ) ، وآبَ إِلى الشَّيءِ رَجَعَ،} وَأَوَّبَ {وتَأَوَّبَ} وأَيَّبَ كُلُّه: رَجَع، وآبَ الغَائِبُ {يَؤُوبُ} مَآباً: رَجَعَ، وَيُقَال: ليَهْنِكَ {أَوْبَةُ الغَائِب، أَيْ إِيَابُه، وَفِي الحَدِيث: (} آيِبُونَ تَائِبُون) هُوَ جَمْعُ سَلاَمَة! لآِيبٍ، وَفِي التَّنْزِيل: {وان لَهُ عندنَا. . مآب} (ص: 25) أَيْ حُسْنَ المَرْجِعِ الَّذِي يَصِيرُ إِليه فِي الآخِرَةِ، قَالَ شَمِرٌ: كلُّ شيءٍ رَجَع إِلى مَكَانِه فقد آبَ يَؤُوب فَهُوَ آيِبٌ، وقَالَ تَعَالى: {يَا جبال {- أَوِّبِي مَعَه} (سبأَ: 10) أَي رَجِّعِي التَّسْبِيحَ مَعَه وقرِىءَ (} - أُوبِي) أَي عُودِي مَعَهُ فِي التَّسْبِيح كُلَّمَا عَادَ فِيهِ.
( {والأَوْبُ السحَابُ) ، نَقله الصاغانيُّ (: الرِّيحُ) نَقله الصاغانيّ أَيضاً (: السُّرْعَةُ) . وَفِي الأَسَاس: يُقَال للمُسْرِع فِي سَيْرِه: الأَوْب} الأَوْب.
(و) الأَوْبُ (: رَجْعُ القوَائِمِ) ، يُقَال: مَا أَحْسَنَ أَوْبَ ذِرَاعَيْ هذِه النَّاقَةِ، وَهُوَ رَجْعُهَا قَوَائِمَهَا (فِي السَّيْرِ) ، وَمَا أَحْسَنَ أَوْبَ يَدَيْهَا، وَمِنْه نَاقَةٌ {أَوُوبٌ، على فَعُول، والأَوْبُ: تَرْجِيعُ الأَيدِي والقَوَائِمِ، قَالَ كعبُ بنُ زُهَيْر:
كَأَنَّ أَوْبَ ذرَاعَيْهَا وَقَد عَرِقَتْ
وقَدْ تَلَفَّعَ القُورِ العَسَاقِيلُ
أَوْبُ يَدَيْ فَاقد شَمْطَاءَ مُعْولَةٍ
نَاحَتْ وَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ
(و) الأَوْبُ (: القَصْدُ والعَادَة والاسْتِقَامَةُ) ومَا زَالَ ذَلِك} أَوْبَهُ، أَي عَادَتَه وهِجيِّراه (و) {الأَوْبُ: جَمَاعَةُ (النَّحْلِ) وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ، كَأَنَّ الوَاحِدَ} آيِبٌ قَالَ الهُذَلِيُّ:
رَبَّاءُ شَمَّاءُ لاَ يَدْنُو لِقُلَّتِهَا
إِلاَّ السَّحَابُ وإِلاَّ الأَوْبُ والسَّبَلُ
وَقَالَ أَبُو حُنَيفَةَ: سُمِّيَتْ أَوْباً لإِيَابِهَا إِلى المَبَاءَة، قَالَ: وَهِي لَا تَزَالُ فِي مَسَارِحِهَا ذَاهِبَةً ورَاجِعَةً، حَتَّى، إِذا جَنَحَ الليلُ آبَتْ كُلُّهَا حَتَّى لَا يتَخَلَّفَ مِنْهَا شيءٌ.
(و) الأَوْبُ (: الطَّريقُ والجِهةُ) والنَّاحيَةُ، وجاءُوا مِنْ كُلِّ أَوْب أَيْ مِنْ كُلِّ طَرِيق وَوَجْه ونَاحِيَةِ، وَقيل، أَيْ مِنْ كُلّ مَآب ومَسْتَقَرَ، وَفِي حَدِيث أَنَس (! فآبَ إِلَيْهِ نَاسٌ) أَي جَاءُوا إِليه من كُلِّ ناحِيَةِ. والأَوْبُ) : الطَّريقَةُ، وكُنْت عَلَى صَوْبِ فلانٍ وأَوْبِه أَيْ عَلَى طَرِيقَتِه، كَذَا فِي الأَسَاسِ. ومَا أَدْري فِي أَيِّ أَوْب، أَي طَرِيقٍ أَو جِهَةٍ أَو نَاحِيَة أَو طَرِيقة، وَقَالَ ذُو الرُّمّة يَصِفُ صَائِداً رَمَى الوَحْشَ:
طَوَى شَخْصَه حَتَّى إِذا مَا تَوَدَّقَتْ
عَلَى هِيلَةٍ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ تُهَالُهَا
عَلَى هِيلَة أَيْ فَزَعٍ من كُلِّ أَوْبٍ أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْه، ورَمَى أَوْباً أَوْ أَوْبَيْنِ، أَيْ وَجْهاً أَوْ وَجْهَيْنِ، وَرَمَيْنَا {أَوْباً أَوْ} أَوْبَيْنِ، أَيْ رَشْقاً أَوْ رَشْقَيْنِ، وسيأْتِي فِي نَدَبَ.
(و) الأَوْبُ (: وُرُودُ المَاءِ لَيْلاً) {أُبْتُ الماءَ} وتَأْوَّبْتُهُ، إِذَا وَرَدْتَهُ لَيْلاً، {والآيِبَةُ: أَنْ تَرِدَ الإِبلُ المَاءَ كُلَّ لَيْلَةٍ، أَنشد ابنُ الأَعْرَابيّ:
لاَ تَرِدِنَّ المَاءَ إِلاَّ آيِبَهْ
أَخَشَى علَيك معْشَراً قَرَاضِبَهْ
سُودَ الوُجُوهِ يَأْكُلُونَ الآهِبَهْ
(و) قِيلَ: الأَوْبُ (جَمْعُ آيِب) يُقَال: رَجُلٌ آيِبٌ مِنْ قَوْمٍ أَوْبٍ، وَيُقَال: إِنه اسمٌ للجَمْع، (} كالأُوَّاب {والأُيَّابِ) بالضَّمِّ والتَّشْدِيدِ فيهِما.
وَرَجُلٌ} أَوَّابٌ: كَثِيرُ الرُّجُوع إِلى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَنْبِهِ. {والأَوَّابُ: التَّائِبُ. فِي (لِسَان الْعَرَب) : قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي قَوْلهم رَجُلٌ أَوَّابٌ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ، تَقَدَّمَ مِنْهَا اثْنَانِ، والثَّالِثُ المُسَبِّحُ قَالَه سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، والرَّابِعُ المُطِيعُ، قالَه قَتَادَةُ، والخَامِسُ: الذِي يَذْكُر ذَنْبَه فِي الخَلاءِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ، والسَّادِسُ الحَفِيظُ، قَالَهُمَا عُبَيْدُ بنُ عُميْرٍ، وَالسَّابِع الَّذِي يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوب ثمَّ يُذْنِبُ ثمَّ يَتُوبُ، قُلْتُ: ويُرِيدُ بالمُسبِّح: صلاَةَ الضُّحَى عنْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ وشِدَّةِ الحرِّ، وَمِنْه صَلاَةُ} الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ.
( {وآبَهُ اللَّهُ: أَبْعَدَهُ) ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إِذا أَمرْتَه بِخُطَّة فَعصَاكَ ثُمَّ وَقَعَ فِيمَا يَكْرَهُ فأَتَاكَ فأَخْبَرَكَ بذلكَ، فعنْدَ ذَلِك تَقُولُ لَهُ:} آبَكَ اللَّه، وأَنشد:
! فَآبَكَ هَلاَّ واللَّيَالِي بِغِرَّةٍ
تُلِمُّ وفِي الأَيَّام عَنْكَ غُفُولُ (و) يُقَالُ لِمَنْ تَنْصَحُهُ وَلاَ يَقْبَلُ ثمَّ يَقَعُ فِيمَا حَذَّرْتَه مِنْهُ: ( {آبَكَ، و) كَذَلِك (} آبَ لَكَ، مِثْل وَيْلَكَ) .
{وائْتَابَ مِثْلُ آبَ، فَعَلَ وافْتَعلَ بمعْنًى قَالَ الشَّاعِر:
ومَنْ يَتَّقْ فإِنَّ الله مَعْهُ
وَرِزْقُ اللَّهِ} مُؤْتَابٌ وغَادى
وقَال سَاعِدَةُ بنُ العَجْلاَنِ:
أَلاَ يَا لَهْفَ أَفْلَتَنِي حُصَيْبُ
فَقَلْبِي منْ تَذَكُّرهِ بَليدُ
فَلَوْ أَنِّي عَرَفْتُكَ حِينَ أَرْمِي
{لآبَكَ مُرْهَفٌ مِنْهَا حَدِيدُ
يَجُوزُ أَنْ يكونَ آبَكَ مُتَعَدِّياً بِنَفْسِه أَي جَاءَكَ مُرْهَفٌ، ويجوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ آبَ إِلَيْكَ، فَحَذَفَ وَأَوْصَلَ.
(} وَآبَتِ الشَّمْسُ) {تَؤُوبُ (} إِيَاباً {وأُيُوباً، الأَخِيرةُ عَن سيبويهِ، أَيْ (غَابَتْ) فِي} مَآبِهَا أَيْ فِي مَغِيبِهَا كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إِلى مَبْدَئِهَا، قَالَ تُبَّعٌ:
فَرَأَى مَغِيبَ الشَّمْسِ عِنْدَ {مَآبهَا
فِي عَيْنِ ذِي خُلُبٍ وثَأْطٍ حَرْمَدِ
وَقَالَ آخر:
يُبَادِرُ الجَوْنَةَ أَنْ} تَؤُوبَا
وَفِي الحَدِيثِ: (شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى حَتّى {آبَتِ الشَّمْسُ، مَلأَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ نَاراً أَي غَرَبَتْ، مِنَ} الأَوْبِ: الرُّجُوعِ، لأَنَّهَا تَرْجِعِ بالغُرُوبِ إِلى المَوْضِع الَّذِي طَلَعَتْ مِنْهُ وَفِي (لِسَان الْعَرَب) وَلَو استُعْمل ذَلِك فِي طُلُوعها لَكَانَ وَجْهاً، لكنه لم يُسْتَعْمَل.
( {وتَأَوَّبَه} وَتَأَيَّبَهُ) ، على المُعَاقَبَةِ (: أَتَاهُ لَيْلاَ، والمَصْدَرُ) المِيميّ القِيَاسِيُّ ( {المُتَأَوَّبُ} والمُتَأَيَّبُ) كِلاَهُمَا على صيغَة المَفْعُولِ.
وفُلانٌ سَرِيعُ الأَوْبَةِ، وقَوْمٌ يُحَوِّلُونَ الوَاوَ يَاءً فيقُولُون سَرِيعُ {الأَيْبَةِ، وأُبْتُ إِلى بَنِي فلَان} وتَأَوَّبْتُهُم إِذا أَتَيْتَهُمْ لَيْلاَ، كَذَا فِي (الصِّحَاح) ، {وتَأَوَّبْتُ، إِذا جِئْتُ أَوَّلَ اللَّيْل فأَنَا} مُتَأَوِّبٌ! ومُتَأَيِّبٌ. ( {وائْتَيَبْتُ المَاءَ) ، من بَابِ الافْتِعَالِ مثل} أُبْتُه {وتَأَوَّبْتُه (: وَرَدْتُه لَيْلا) قَالَ الهُذَلِيّ:
أَقَبَّ رَبَاع بِنُزْهِ الفَلاَ
ةِ لاَ يَرِد المَاءَ إِلاَّ} ائْتيَابَا
وَمَنْ رَوَاهُ (انْتِيَابَا) فَقَدْ صحَّفَهُ.
( {وأَوِبَ كفَرِحَ: غضِب،} وأَوْأَبْته) مثالُ أَفْعَلْتُه، نَقله الصَّاغانيّ.
( {والتّأْوِيبُ) فِي السَّيْرِ نَهَاراً نَظِيرُ الإِسَآد لَيْلا، أَو هُوَ (السَّيْرُ جَميعَ النَّهَارِ) والنُّزُولُ باللَّيْلِ، قَالَ سَلامةُ بن جنْدَل:
يوْمَان يوْمُ مقامَات وأَنْدِيَة
وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأَعْدَاءِ} تَأْوِيبِ
قَالَ ابنُ المُكَرَّم: التَّأْوِيبُ عنْدَ العرَبِ سَيْرُ النَّهَارِ كُلِّه إِلى اللَّيْلِ، يُقَالُ: أَوَّبَ القَوْمُ تَأْوِيباً، أَيْ سَارُوا بالنَّهارِ. وأَسْأَدُوا، إِذَا سَارُوا باللَّيل، (أَوْ) هُوَ (تَبَارِى الرِّكَابِ فِي السَّيْرِ) . قَالَ شيخُنَا: غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الدَّوَاوِين والمعروفُ الأَوَّلُ، قُلْت: هُوَ فِي لِسَان الْعَرَب والأَساس والتَّكْمِلَة ( {كالمُآوَبَةِ مُفَاعَلَةٌ، رَاجِعٌ للْمَعْنَى الأَخيرِ، كَما هُوَ عَادَتُه قَالَ:
وإِنْ} تُؤَاوبْهُ تَجِدْهُ مِئوَبا
(ورِيحٌ {مُؤَوِّبَةٌ: تَهُبُّ النَّهارَ كُلَّهُ) وَالَّذِي قالَهُ ابنُ بَرِّيّ: مُؤَوِّبةٌ فِي قَول الشَّاعِر:
قَدْ حَالَ بَيْنَ دَرِيسَيْه} مُؤَوِّبَةٌ
مَسْعٌ لَهَا بِعَضَاهِ الأَرْضِ تَهْزِيزُ
وَهُوَ رِيحٌ تَأْتِي عنْد اللَّيْل.
(والآيِبةُ) بالمدِّ (: شَرْبَةُ القَائلَةِ) ، نَقَلَه الصاغَانِيّ.
( {وآبَةُ) قَرَأْتُ فِي (مُعْجم الْبلدَانِ) قَالَ أَبُو سَعْدٍ: قَالَ الحافظُ أَبُو بَكْر أَحْمَدُ بنُ مُوسَى بن مِرْدُوَيْه: هيَ مِن قُرَى أَصْبَهَانَ، قَالَ: وقَالَ غَيْرُه: إِنها (: د) ويُقَالُ: قَرْيَةٌ (مِن ساوةَ) منْها جرِيرُ بنُ عَبْدِ الحمِيدِ} - الآبِيُّ، سَكن الرَّيّ، قَالَ: قُلْتُ أَنَا: أَمَّا آبَةُ بُلَيْدَةٌ تُقَابِلُ ساوَةَ، تُعْرَفُ بَيْنَ العَامَّة بِآوَةَ فَلاَ شَكَّ فِيهَا، وأَهْلِهَا شِيعَة، وأَهْلُ سَاوَةَ سُنَّةٌ، ولاَ تَزَالُ الحُرُوبُ بَيْنَهُمَا قَائمَةً على المَذْهَبِ، قَالَ أَبُو طاهِر السِّلَفيّ: أَنْشَدَنِي القاضِي أَبُو نَصْرِ بنُ العَلاَءِ الميمَنْدِيّ بِأَهْرَ مِنْ مُدُن أَذْرَبِيجَانَ لنَفْسِه:
وَقَائلَة أَتُبْغِضُ أَهْلَ {آبَهْ
وهُمْ أَعْلاَمُ نَظْمٍ والكتَابَهْ
فَقُلْتُ إِلَيْك عنِّي إِنَّ مِثْلِي
يُعَادِي كُلَّ مَنْ عَادَى الصَّحَابَهْ
وإِلَيْهَا فِيمَا أَحْسَبُ يُنْسَبُ الوَزِيرُ أَبُو سَعْد منْصُورُ بنُ الحسيْنِ الآبِيُّ، صَحِبَ الصَّاحِبَ بنَ عَبَّاد، ثُمَّ وزَرَ لمَجْد الدَّوْلَةِ رُسْتمَ بنِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ بن (رُكن الدولة بن) بُوَيْهِ، وكَانَ أَدِيباً شَاعِراً مُصنِّفاً، وهُو مُؤَلفُ كتاب (نثر الدُّرَر) وتارِيخ الرَّيِّ، وأَخُوه أَبُو منْصُور مُحَمَّدٌ كَانَ مِنْ عُظَمَاءِ الكُتَّابِ، وَزَرَ لملِكِ طَبَرِسْتَانَ، انْتهى، ورأَيتُ فِي بعضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ جَرِيرَ بنَ عَبْدِ الحَمِيدِ المُتَقَدِّمَ ذِكْرُه نسْبَتُهُ إِلى قَرْيَةٍ بِأَصْبَهَان، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلاً، وَهُوَ القَاضي أَبُو عَبُدِ اللَّه الرَّازِيُّ الضَّبِّيُّ، نَسَبَهُ الدارَقُطْنِي.
(و) آبَةُ (: د بإِفْرِيقِيَّةَ) نقل الصاغانيّ، ومَا رَأَيْتُهُ فِي (المُعْجم) ، وإِنما قَالَ فِيهِ، وآبَةُ أَيْضاً: قَرْيَةٌ منْ قُرَى البَهْنَسَا مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ: أَخْبَرَنِي بذلك القَاضِي المُفَضَّلُ قَاضي الجُيُوشِ بمصْرَ قُلْتُ وكَذَا رأَيْتُها فِي كِتَاب القَوَانِينِ لابنِ الجَيْعَانِ وذَكَر أَنَّها مُشْتَمِلَةٌ على 1434 فَدَّاناً وعبْرَتُهَا 9600 دِينَار وتُذْكَرُ مَعَ بَسْقَنُونَ، وهُمَا الآنَ وَقْفٌ عَلَى الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ تَصَحَّفَ ذلكَ علَى الصَّاغانيّ وتَبِعَه المُصَنِّفِ، فإِنَّمَا هِيَ أُبّه بضَمَ فَشَدِّ مُوَحَّدَة، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُها فِي أَبب.
(} وَمآبُ: د) وَفِي (لِسَان الْعَرَب) : مَوْضِعٌ (بالبَلْقَاءِ) مِن أَرْضِ الشَّأْمِ، قَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ:
فَلاَ وأَبِى مَآبَ لَنَأْتِبَنْهَا
وإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ ورُومُ
وَفِي المراصد: هِيَ مدينَةٌ فِي طَرَفِ الشَّأْمِ مِنْ أَرْضِ البَلْقَاء.
( {والمُؤَوَّبُ) هُوَ (المُدَوَّرُ والمُقَوّرُ) ، بالقَافِ، كَذَا فِي النّسخ، وَفِي بَعْضهَا بالغَيْنِ المُعْجَمَةِ، (المُلَمْلَمُ) ،} وَأَوَّبَ الأَديمَ: قَوَّرَهُ، عَنْ ثَعْلَبٍ (ومِنْهُ) المَثَلُ: (أَنَا حُجَيْرُهَا) بتَقْدِيم الحَاءِ المُهْمَلَةِ عَلَى الجِيمِ تَصْغِيرُ حِجْر، وهُوَ الغَارَ (المُؤَوَّبُ) ، المُقَوَّرُ، (وعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ) ، عَن ابْن الأَعرابيّ.
( {وآبُ شَهْرٌ) عَجَمِيٌّ (مُعَرَّبٌ) مِنَ الشُّهُورِ الرُّوميَّةِ، وَقد جاءَ ذِكرُهُ فِي أَشْعَارِ العَرَبِ كثيرا.
(} والمَآبُ) فِي قَوْله تَعَالَى: {2. 004 طُوبَى لَهُم وَحسن {مَآب} (الرَّعْد: 29) أَيْ حُسْنُ (المَرْجع و) حُسْنُ (المُنْقَلَبِ) والمُسْتَقرّ.
(و) قولُهُم (بَيْنَهُمَا ثَلاَثُ} مَآوِبَ) أَي (ثَلاَثُ رَحَلاَت بالنَّهَارِ) نقلَهُ الصاغانيّ.
( {والأَوْبَاتُ) هِيَ مِنَ الدَّابَّةِ (القَوَائِمُ واحِدَتُهَا: أَوْبَةٌ) .
} ومَآبَةُ البِئرِ: مِثْلُ مَبَاءَتهَا حَيْثُ يَجُتَمعُ أُليه المَاءُ فِيهَا.
وقِيلَ: لاَ يَكُونُ الإِيَابُ إِلاَّ الرُّجُوعَ إِلى أَهْلِهِ لَيْلاً.
وَفِي التَّهْذِيب يُقَالُ للرَّجُل يَرْجعُ باللَّيْلِ إِلَى أَهْلِهِ: قَدْ {تَأَوَّبَهُمْ،} وائْتَابَهمْ فَهُوَ {مُؤْتَابٌ} ومُتَأَوِّبٌ.
(ومُخَيِّسٌ) كمُحَدِّث ابنُ ظَبْيَانَ ( {الأَوَّابِيُّ، تَابِعِيٌّ) رَوَى عَن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ وغَيْرِه (نِسْبَةٌ إِلى بَنِي} أَوَّاب: قَبِيلَةٍ) مِنْ تُجِيبَ، ذَكَره ابنُ يُونُسَ.
واستَدْرَكَ شيخُنَا عَلَى المُصَنِّفِ:
! أَيُّوبُ، قيلَ هُوَ فَيْعُول مِنَ الأَوْب كقَيُّوم، وقِيلَ: هُوَ فَعُّول كسَفُّود، قَالَ البَيْضَاوِيُّ: كَانَ أَيُّوبَ رُوميًّا مِنْ أَوْلاَدِ عيص بنِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ، وأَوَّلُ منْ سُمِّيَ بهذَا الاسْمِ منَ العربِ جدُّ عَديِّ بنِ زَيْدِ بنِ حِمَّانَ بن زَيْد بن أَيَّوب، من بَنِي امرىء القَيْس بن زَيْدِ مَنَاةَ بن تَميم، قَالَهُ أَبُو الفَرَج الأَصْبَهَانِيُّ فِي الأَغاني. اه.
قُلْتُ: وأَيُّوبُ الَّذِي ذَكَره: بَطْنٌ بالكُوفَةِ، وَهُوَ ابنُ مَجْرُوفِ بنِ عامرِ بنِ العصَبَةِ بنِ امْرِىءِ القَيْسِ بنِ زيْدِ مَنَاةَ، فَوَلَدُ أَيُّوبَ إِبْرَاهيمُ وسَلْمٌ وثَعْلَبَةُ وزَيْد، مِنْهُم عدِيُّ بنُ زَيْدِ بنِ حِمَّانَ بنِ زَيْدِ بنِ مَجْرُوف الشَّاعِرُ وَمِنْهُم مُقَاتِلُ بنُ حَسَّانَ بنِ ثَعْلَبةَ بنِ أَوْسِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَيُّوبع الَّذِي نُسِبَ إِليهِ قَصْرُ مُقَاتِل، وَقَالَ ابنُ الكَلْبيِّ. لاَ أَعرِفُ فِي الجاهِلِيَّة مِنَ العَرَبِ أَيُّوب وإِبْراهيمَ غَيْرَ هاذَيْن، وإِنَّمَا سُمِّيَا بهذَينِ الاسْمَيْنِ للنَّصْرَانِيَّةِ، كَذَا قَالَ البلاَذُرِيُّ.

جخَرط

جخَرط
الجِخْرِطُ بالخاءِ المُعْجَمَةِ، أَهْمَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وَنَقله الصَّاغَانِيُّ فِي كتابَيْهِ عَن ابنِ السِّكِّيتِ، وَهُوَ مِثْلُه وَزْناً وَمعنى، ويُروى الإِنْشادُ المُتَقَدِّمُ بالوَجْهَيْنِ. واقْتَصَرَ ابنُ فارِسٍ عَلَى رِوايَةِ الخاءِ فَقَط.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.