Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: الفرات

فُرْضَةُ نُعْمٍ

فُرْضَةُ نُعْمٍ:
بشط الفرات، قال ابن الكلبي: سميت بأم ولد لتبّع ذي معاهر، وهو حسان بن تبّع أسعد أبي كرب الحميري، يقال لها نعم وكان أنزلها على الفرضة وبنى لها بها قصرا فسميت بها.

فِرَاضٌ

فِرَاضٌ:
بكسر أوله، وآخره ضاد معجمة، جمع الفرضة مثل برمة وبرم وصحبة وصحاب، وهي المشرعة، والأصل في الفرضة الثّلمة في النهر، والفراض: موضع بين البصرة واليمامة قرب فليج من ديار بكر بن وائل، وفي كتاب الفتوح: لما قصد خالد بن الوليد، رضي الله عنه، بغتة بني غالب
إلى الفراض، والفراض: تخوم الشام والعراق والجزيرة في شرقي الفرات، واجتمعت عليه الروم والعرب والفرس فأوقع بهم وقعة عظيمة، قال سيف: قتل فيها مائة ألف، ثم رجع خالد إلى الحيرة لعشر بقين من ذي الحجّة سنة 12، قال القعقاع:
لقينا بالفراض جموع روم ... وفرس غمّها طول السلام
أبدنا جمعهم لما التقينا، ... وبيّتنا بجمع بني رزام
فما فتئت جنود السّلم حتى ... رأينا القوم كالغنم السّوام
وفي ذكر الفراض خبر استحسنته فأثبتّه ههنا، قال أبو محمد الأسود: كان أبو شافع العامري شيخا كبيرا فتزوّج امرأة من قومه شابّة فمكثت عنده حينا ثم دبّ إليها بعض الغواة وقال لها: إنك تبلين شبابك مع هذا الشيخ، وراودها عن نفسها، فزجرته وقالت له: لولا أني أعرف أمّك وعفّتها لظننتك لغير أبيك، ويحك أتزني الحرّة! فانصرف عنها ثم تلطّف لمعاودتها واستمالتها فقالت: أمّا فجورا فلا ولكني إن ملكت يوما نفسي كنت لك، قال: فان احتلت لأبي شافع حتى يصيّر أمرك بيدك أتختارين نفسك؟ قالت: نعم، قال: فخلا به يوما وقال: يا أبا شافع ما أظنّ للنساء عندك طائلا ولا لك فيهنّ خيرا، فقال: كيف تظن ذاك يا ابن أخي وما خلق الله خلقا أشدّ من إعجاب أمّ شافع بي؟ قال: فهل لك أن تخاطرني في عشرين من الإبل على أن تخيّرها نفسها فان اختارتك فهي لك وإلا كانت لي؟ قال: انتظرني أعد إليك، ثم أتى أمّ شافع فقصّ عليها أمره وما دعاه إليه، فقالت: يا أبا شافع أو تشكّ في حبّي لك واختياري؟ فرجع إليه وراهنه وأشهد بذلك على نفسه عدّة من قومه ثم خيّرها فاختارت نفسها، فلما انقضت عدّتها تزوّجها الفتى، فأنشد أبو شافع يقول:
حننت ولم تحنن أوان حنين، ... وقلّبت نحو الركب طرف حزين
جرى بيننا الواشون يا أمّ شافع ... ففاضت دما بعد الدموع شؤوني
كأن لم يكن منها الفراض محلّة، ... ولم يمس يوما ملكها بيميني
ولم أتبطّنها حلالا ولم تبت ... معاصمها دون الوساد تليني
بلى ثم لم أملك سوابق عبرتي، ... فوا حسدا من أنفس وعيون!
فلا يثقن بعدي امرؤ بملاطف، ... فما كلّ من لاطفته بأمين
وما زادني الواشون، يا أمّ شافع، ... بكم وتراخي الدار غير حنين
يشوق الحمى أهل الحمى ويشوقني ... حمى بين أفخاذ وبين بطون

فارِسُ

فارِسُ:
ولاية واسعة وإقليم فسيح، أول حدودها من جهة العراق أرّجان ومن جهة كرمان السّيرجان ومن جهة ساحل بحر الهند سيراف ومن جهة السند مكران، قال أبو علي في القصريات: فارس اسم البلد وليس باسم الرجل ولا ينصرف لأنه غلب عليه التأنيث كنعمان وليس أصله بعربي بل هو فارسيّ معرّب أصله بارس وهو غير مرتضى فعرّب فقيل فارس، قال بطليموس في كتاب ملحمة البلاد: مدينة فارس طولها ثلاث وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة، طالعها الحوت تسع درجات منه تحت عشر درج من السرطان من الإقليم الرابع، لها شركة في سرّة الجوزاء، يقابلها عشر درج من الجدي، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، بيت ملكها مثلها من الحمل، وهي في هذه الولاية من أمهات المدن المشهورة غير قليل، وقد ذكرت في مواضعها، وقصبتها الآن شيراز، سميت بفارس بن علم بن سام بن نوح، عليه السلام، وقال ابن الكلبي: فارس بن ماسور بن سام ابن نوح، وقال أبو بكر أحمد بن أبي سهل الحلواني:
الذي أحفظ فارس بن مدين بن إرم بن سام بن نوح، وقيل: بل سميت بفارس بن طهمورث وإليه ينسب الفرس لأنهم من ولده، وكان ملكا عادلا قديما قريب العهد من الطوفان، وكان له عشرة بنين، وهم: جم وشيراز وإصطخر وفسا وجنّابة وكسكر وكلواذى وقرقيسيا وعقرقوف، فأقطع كل واحد منهم البلد الذي سمّي به، ووافق من العربية أن يقال: رجل فارس بيّن الفروسية والفراسة من ركوب الفرس، وفارس بيّن الفراسة إذا كان جيّد النظر والحدس، هذا مصدره بالكسر، ويقال: إنه لفارس بهذا الأمر إذا كان عالما به، والفارس: الحاذق بما يمارس، والعجم لا يقولون لهذا البلد إلا بارس، بالباء الموحدة، وقال الإصطخري: فارس على التربيع إلا من الزاوية التي تلي أصبهان والزاوية التي تلي كرمان مما يلي المفازة وفي الحد الذي يلي البحر تقويس قليل من أوله إلى آخره، وإنما قلنا إن في زاويتها مما يلي كرمان وأصبهان زنقة لأن من شيراز وهي وسط فارس إليهما من المسافة نحوا من نصف ما بين شيراز وخوزستان وبين شيراز وجروم كرمان، وليس بفارس بلد إلا وبه جبل أو يكون الجبل بحيث لا تراه إلا اليسير، وكورها المشهورة خمس، فأوسعها كورة إصطخر ثم أردشير خرّه ثم كورة دارابجرد ثم كورة سابور ثم قباذ خرّه، ونحن نصف كل كورة من هذه في موضعها، وبها خمسة رموم: أكبرها رمّ جيلويه ثم رمّ أحمد ابن الليث ثم رمّ أحمد بن الصالح ثم رمّ شهريار ثم رمّ أحمد بن الحسن، فالرم منزل الأكراد ومحلتهم، وقد روي في فارس فضائل كثيرة، منها
قال ابن لهيعة: فارس والروم قريش العجم، وقد روي عن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال:
أبعد الناس إلى الإسلام الروم ولو كان الإسلام معلقا بالثريّا لتناولته فارس، وكانت أرض فارس قديما قبل الإسلام ما بين نهر بلخ إلى منقطع أذربيجان وأرمينية الفارسية إلى الفرات إلى برّية العرب إلى عمان ومكران وإلى كابل وطخارستان وهذا صفوة الأرض وأعدلها فيما زعموا، وفارس خمس كور: إصطخر وسابور وأردشير خرّه ودارابجرد وأرّجان، قالوا:
وهي مائة وخمسون فرسخا طولا ومثلها عرضا، وأما فتح فارس فكان بدؤه أن العلاء الحضرمي عامل أبي بكر ثم عامل عمر على البحرين وجّه عرفجة بن هرثمة البارقي في البحر فعبره إلى أرض فارس ففتح جزيرة مما يلي فارس فأنكر عمر ذلك لأنه لم يستأذنه وقال: غررت المسلمين، وأمره أن يلحق بسعد بن أبي وقاص بالكوفة لأنه كان واحدا على سعد فأراد قمعه بتوجهه إليه على أكره الوجوه، فسار نحوه، فلما بلغ ذا قار مات العلاء الحضرمي وأمر عمر عرفجة بن هرثمة أن يلحق بعتبة بن فرقد السلمي بناحية الجزيرة ففتح الموصل وولّى عمر، رضي الله عنه، عثمان بن أبي العاصي الثقفي على البحرين وعمان فدوّخها واتسقت له طاعة أهلها، فوجّه أخاه الحكم بن أبي العاصي في البحر إلى فارس في جيش عظيم ففتح جزيرة لافت وهي جزيرة بركاوان ثم سار إلى توّج، ففتحها كما نذكره في توج، واتسق فتح فارس كلها في أيام عثمان بن عفان كما نذكره متفرقا عند كل مدينة نذكرها، وكان المستولي على فارس مرزبان يقال له سهرك فجمع جموعه والتقى المسلمين بريشهر فانهزم جيشه وقتل، كما نذكره في ريشهر، فضعفت فارس بعده، وكتب عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، إلى عثمان بن أبي العاصي أن يعبر إلى فارس بنفسه، فاستخلف أخاه المغيرة، وقيل: إنه جاءه حفص بالبحرين وعمان وعبر إلى فارس ومدينة توج وجعل يغير على بلاد فارس وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بمظاهرة عثمان بن أبي العاصي على أرض فارس، فتتابعت إليه الجيوش حتى فتحت، وكان أبو موسى يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها، وخراج فارس ثلاثة وثلاثون ألف ألف درهم بالكفاية، وذكر أن الفضل بن مروان وزير المتوكل قبلها بخمسة وثلاثين ألف ألف درهم بالكفاية على أنه لا مؤونة على السلطان، وجباها الحجّاج بن يوسف مع الأهواز ثمانية عشر ألف ألف درهم، وقال بعض شعراء الفرس يمدح هذه البلاد:
في بلدة لم تصل عكل بها طنبا ... ولا خباء ولا عكّ وهمدان
ولا لجرم ولا الأتلاد من يمن، ... لكنها لبني الأحرار أوطان
أرض يبنّي بها كسرى مساكنه، ... فما بها من بني اللّخناء إنسان
وبنواحي فارس من أحياء الأكراد ما يزيد على خمسمائة ألف بيت شعر ينتجعون المراعي في الشتاء والصيف على مذاهب العرب، وبفارس من الأنهار الكبار التي تحمل السفن نهر طاب ونهر سيرين ونهر الشاذكان ونهر درخيد ونهر الخوبذان ونهر سكان ونهر جرسق ونهر الإخشين ونهر كرّ ونهر فرواب ونهر بيرده، ولها من البحار بحر فارس وبحيرة البجكان وبحيرة دشت أرزن وبحيرة التوز وبحيرة الجوذان وبحيرة جنكان، قال: وأما القلاع فانه يقال فيما بلغني إن لفارس زيادة على خمسة آلاف قلعة مفردة في الجبال
وبقرب المدن وفي المدن ولا يتهيأ تقصّيها إلا من الدواوين، ومنها قلاع لا يمكن فتحها البتة بوجه من الوجوه، منها قلعة ابن عمارة، وهي قلعة الديكدان، وقلعة الكاريان وقلعة سعيدآباذ وقلعة جوذرز وقلعة الجصّ وغير ذلك، ونحن نصفها في مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

الغُوَيرُ

الغُوَيرُ:
هو تصغير الغور، وقد تقدم اشتقاقه، قيل:
هو ماء لكلب بأرض السماوة بين العراق والشام، وقال أبو عبيد السكوني: الغوير ماء بين العقبة والقاع في طريق مكة فيه بركة وقباب لأم جعفر تعرف بالزبيدية. والغوير: موضع على الفرات فيه قالت الزباء: عسى الغوير أبؤسا، قال القصري:
قلت لأبي علي الوشاني قوله عسى الغوير أبؤسا حال؟
قال: نعم كأنه قال: عسى الغوير مهلكا. والغوير:
واد، قال ابن الخشّاب: إن الغوير تصغير الغار وأبؤس جمع بأس، والمعنى: أنه كان للزباء سرب تلجأ إليه إذا حزبها أمر، فلما لجأت إليه في قصة قصير ارتابت واستشعرت فقالت: عسى الغوير أبؤسا، وفيه من الشذوذ أنها تجيز خبر عسى اسما، والمستعمل أن يقال: عسى الغوير أن يهلك وما أشبه ذلك، أخرجته على الأصل المرفوض لكنها أخرجته مخرج المثل، والأمثال كثيرا ما تخرج على أصولها المرفوضة.

المَذَارُ

المَذَارُ:
بالفتح، وآخره راء، وهي عجمية ولها مخرج في العربية أن يكون اسم مكان من قولهم ذره وهو يذره ولا يقال وذرته، أماتت العرب ماضيه، أي دعه وهو يدعه، فميمه على هذا زائدة، ويجوز أن تكون الميم أصلية فيكون من مذرت البيضة إذا فسدت، ومذرت نفسه أي خبثت وغثّت، والمذار: في ميسان بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان، بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام، وبها مشهد عامر كبير جليل عظيم قد أنفق على عمارته الأموال الجليلة وعليه الوقوف وتساق إليه النذور، وهو قبر عبد الله بن علي بن أبي طالب، ويقال إن الحريري أبا محمد القاسم بن علي صاحب المقامات قد مات بها، وأهلها كلهم شيعة غلاة طغام أشبه شيء بالأنعام، وفيه قال الشاعر:
أيها الصّلصل المغذّ إلى المد ... فع من نهر معقل فالمذار
وكان قد فتحها عتبة بن غزوان في أيام عمر بن الخطاب بعد البصرة، قال البلاذري: ولما فتح عتبة بن غزوان الأبلّة سار إلى الفرات فلما فرغ منها سار إلى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه الله وغرق عامّة من معه وأخذ مرزبانها فضرب عنقه ثم سار إلى دستميسان، وكانت بالمذار وقعة لمصعب بن الزبير على أحمد بن سميط النخلي، ينسب إليها جماعة، منهم: محمد بن أحمد بن زيد المذاري، حدث عن عمرو بن عاصم الكلابي، روى عنه أحمد بن يحيى ابن زهير التستري ومحمد بن محمد بن سليمان الباغندي وغيرهما، وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عثمان المذاري، سكن والده بغداد وبها ولد أبو الحسن، وسمع الحديث من أبي طالب علي ابن طالب المكي مولى يعلى بن الفراء، وحدث عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن موسى بن حمزة بن أبي يعلى وغيرهم، ومات سنة 585، روى عنه أبو المعمّر الأنصاري ويحيى بن أسعد بن نوش، ومولده سنة 516، وأخوه أبو المعالي أحمد، سمع من أبي علي البنّاء وأبي القاسم علي بن أحمد الميسري في ثاني عشر جمادى الأولى سنة 546، وأخوهما أبو السعود عبد الرحمن بن محمد، حدث عن عاصم بن الحسن ومطهّر ابن أحمد بن البانياسية.

المَضِبيقُ

المَضِبيقُ:
قرية في لحف آرة بين مكة والمدينة، أغارت بنو عامر ورئيسهم علقمة بن علاثة على زيد الخيل الطائي فالتقوا بالمضيق فأسرهم زيد الخيل عن آخرهم وكان فيهم الحطيئة فشكا إليه الضايقة فمنّ عليه، فقال الحطيئة:
إلّا يكن مالي ثوابا فإنه ... سيأتي شيائي زيدا ابن مهلهل
فما نلتنا غدرا ولكن صبحتنا ... غداة التقينا في المضيق بأخيل
كريم تفادى الخيل من وقعاته ... تفادي خشاش الطير من وقع أجدل
والمضيق فيما قيل: موضع مدينة الزّبّاء بنت عمرو ابن ظرب بن حسّان بن أذينة السميدع بن هوير العمليقي قاتلة جذيمة، قالوا: وهي بين بلاد الخانوقة وقرقيسيا على الفرات.

عَيْنُ أُبَاغَ

عَيْنُ أُبَاغَ:
بضم الهمزة، وبعدها باء موحدة، وآخره غين معجمة، إن كان عربيّا فهو من بغى يبغي بغيا، وباغ فلان على فلان إذا بغى، وفلان ما يباغ عليه، ويقال: إنه لكريم لا يباغ، وأنشد:
إمّا تكرّم إن أصبت كريمة ... فلقد أراك، ولا تباغ، لئيما
وهذا من تباغ أنت وأباغ أنا كأنه لم يسمّ فاعله، وقد ذكرت في أباغ أيضا، وقال أبو الحسين التميمي النّسّابة: وكانت منازل إياد بن نزار بعين أباغ، وأباغ: رجل من العمالقة نزل ذلك الماء فنسب إليه، وفي كتاب الكلبي: يباغ بن اسليجا الجرمقاني، قال أبو بكر بن أبي سهل الحلواني: وفيه لغات يقال عين باغ ويباغ وأباغ، وقيل في قول أبي نواس:
فما نجدت بالماء حتى رأيتها ... مع الشمس، في عيني أباغ، تغور
حكي عن أبي نواس أنه قال: جهدت على أن تقع في الشعر عين أباغ فامتنعت عليّ فقلت عيني أباغ ليستوي الشعر، عين أباغ: ليست بعين ماء وإنما هو واد وراء الأنبار على طريق الفرات إلى الشام، وقوله تغور أي تغرب فيها الشمس لأنها لما كانت تلقاء غروب الشمس جعلها تغور فيها.

نَعْمَانُ

نَعْمَانُ:
بالفتح ثم السكون، وآخره نون، هو فعلان من نعمة العيش وهو غضارته وحسنه، وهو نعمان الأراك: وهو واد ينبته ويصب إلى ودّان، بلد غزاه النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، وهو بين مكة والطائف، وقيل: واد لهذيل على ليلتين من عرفات، وقال الأصمعي: نعمان واد يسكنه بنو عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، بين أدناه ومكة نصف ليلة، به جبل يقال له المدراء، وبنعمان من بلاد هذيل وأجبالها الأصدار، وهي صدور الوادي التي يجيء منها العسل إلى مكة، وقول بعض الأعراب فيه دليل على أنه واد، وهو:
ألا أيّها الركب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أضحى هوانا يمانيا
نسائلكم هل سال نعمان بعدنا ... وحبّ إلينا بطن نعمان واديا
عهدنا به صيدا كثيرا ومشربا ... به ننقع القلب الذي كان صاديا
ونعمان أيضا: واد قريب من الفرات على أرض
الشام قريب من الرحبة، قال أبو العميثل في نعمان الأراك:
أما والراقصات بذات عرق، ... ومن صلّى بنعمان الأراك
لقد أضمرت حبّك في فؤادي، ... وما أضمرت حبّا من سواك
أطعت الآمريك بصرم حبلي، ... مريهم في أحبّتهم بذاك
فإن هم طاوعوك فطاوعيهم، ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
أما تجزين من أيام مرء ... إذا خدرت له رجل دعاك؟
قتلت بفاحم وبذي غروب ... أخا قوم وما قتلوا أخاك
ونعمان: قرب الكوفة من ناحية البادية، قال سيف:
كان أول من قدم أرض العراق لقتال أهل فارس حرملة بن مريطة وسلمى بن القين فنزلا أطد ونعمان والجعرانة حتى غلبا على الوركاء. ونعمان:
حصن من حصون زبيد، ونعمان: حصن في جبل وصاب باليمن من أعمال زبيد أيضا. ونعمان الصّدر:
حصن آخر في ناحية النّجاد باليمن، وفي كتاب الأترجة: نعمان بلد في بلاد الحجاز.

هِرَقْلَةُ

هِرَقْلَةُ:
بالكسر ثم الفتح: مدينة ببلاد الروم سمّيت بهرقلة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح، عليه السّلام، وكان الرشيد غزاها بنفسه ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمي بالنار والنفط حتى غلب أهلها، فلذلك قال المكيّ الشاعر:
هوت هرقلة لما أن رأت عجبا ... جوّ السّما ترتمي بالنفظ والنار
كأنّ نيراننا في جنب قلعتهم ... مصبّغات على أرسان قصّار
ثم قدم الرّقّة في شهر رمضان، فلمّا عيّد جلس للشعراء فدخلوا عليه وفيهم أشجع السّلمي فبدر فأنشد:
لا زلت تنشر أعيادا وتطويها، ... تمضي لها بك أيّام وتمضيها
ولا تقضّت بك الدنيا ولا برحت ... يطوي بك الدهر أياما وتطويها
ليهنك الفتح والأيّام مقبلة ... إليك بالنصر معقودا نواصيها
أمست هرقلة تهوي من جوانبها، ... وناصر الله والإسلام يرميها
ملكتها وقتلت الناكثين بها ... بنصر من يملك الدنيا وما فيها
ما روعي الدين والدنيا على قدم ... بمثل هارون راعيه وراعيها
فأمر له بعشرة آلاف دينار وقال: لا ينشدني أحد بعده بشيء، فقال أشجع: والله لأمره ألّا ينشده أحد من بعدي أحبّ إليّ من صلته! وكان في السبي الذي سبي من هرقلة ابنة بطريقها، وكانت ذات حسن وجمال، فنودي عليها في المغانم فزاد عليها صاحب الرشيد فصادفت منه محلّ عظيما فنقلها معه إلى الرّقّة وبنى لها حصنا بين الرافقة وبالس على الفرات وسماه هرقلة يحكي بذلك هرقلة التي ببلاد الروم، وبقي الحصن عامرا مدّة حتى خرب وآثاره إلى وقتنا ذا باقية وفيه آثار عمارة وأبنية عجيبة، وهو قرب صفّين من الجانب الغربي.

الوَلَجَةُ

الوَلَجَةُ:
بأرض كسكر موضع مما يلي البرّ واقع فيه خالد بن الوليد جيش الفرس فهزمهم، ذكره في الفتوح، في صفر سنة 12، وقال القعقاع بن عمرو:
ولم أر قوما مثل قوم رأيتهم ... على ولجات البرّ أحمى وأنجبا
وأقتل للرّوّاس في كل مجمع ... إذا صعصع الدهر الجموع وكبكبا
والولجة: ناحية بالمغرب من أعمال تاهرت، نسب إليها السلفي أبا محمد عبد الله بن منصور التاهرتي، قال: وكان من الفضلاء في الأدب والفقه وله شعر وكتب عني من الحديث كثيرا سنة 527 ورجع إلى المغرب وروى بها، ومات سنة 553. والولجة:
موضع بأرض العراق عن يسار القاصد إلى مكة من القادسية، وكان بين الولجة والقادسية فيض من فيوض مياه الفرات.

واسِطٌ

واسِطٌ:
في عدة مواضع: نبدأ أولا بواسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ثم نتبعها الباقي، فأوّل ما نذكر لم سميت واسطا ولم صرفت: فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا، لا قول فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمّى واسط قصب، فلما عمّر الحجاج مدينته سمّاها باسمها، والله أعلم، قال المنجمون: طول واسط إحدى وسبعون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الثالث، قال أبو حاتم:
واسط التي بنجد والجزيرة يصرف ولا يصرف، وأما واسط البلد المعروف فمذكّر لأنهم أرادوا بلدا واسطا أو مكانا واسطا فهو منصرف على كل حال والدليل على ذلك قولهم واسطا بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا واسط، قالوا: وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه، وأنشد سيبويه في ترك الصرف:
منهنّ أيام صدق قد عرفت بها ... أيام واسط والأيام من هجرا
ولقائل أن يقول: إنه لم يرد واسط هذه، فيرجع إلى
ما قاله أبو حاتم، قال الأسود: وأخبرني أبو النّدى قال: إن للعرب سبعة أواسط: واسط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير حيث قال:
عفا واسط كلّاؤه فمحاضره ... إلى حيث نهيا سيله فصدائره
وواسط الحجاز، وهو الذي ذكره كثيّر فقال:
أجدّوا فأما أهل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
وواسط الجزيرة، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرّباب خيالا؟
وقال أيضا:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل ... فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل
وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى، وواسط العراق، قال: وقد نسيت اثنين، وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح ومن الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب، وقال يحيى بن مهدي بن كلال: شرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84 وفرغ منها في سنة 86 فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان، ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسمّيتها واسطا، فلذلك سمّي أهل واسط الكرشيّين، وقال الأصمعي: وجّه الحجاج الأطبّاء ليختاروا له موضعا حتى يبني فيه مدينة فذهبوا يطلبون ما بين عين التمر إلى البحر وجوّلوا العراق ورجعوا وقالوا: ما أصبنا مكانا أوفق من موضعك هذا في خفوف الريح وأنف البرّيّة، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر وحفر بها نهر الصين وجمع له الفعلة ثم بدا له فعمّر واسطا ثم نزل واحتفر النيل والزاب وسمّاه زابا لأخذه من الزاب القديم وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ومصر مدينة النيل، وقال قوم: إن الحجاج لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجل ممن يثق بعقله:
امض وابتغ لي موضعا في كرش من الأرض أبني فيه مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بيسير يقال لها واسط القصب فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها واستمرأ طعامها وشرابها فقال: كم بين هذا الموضع والكوفة؟ فقيل له: أربعون فرسخا، قال: فإلى المدائن؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فإلى الأهواز؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فللبصرة؟
قالوا: أربعون فرسخا، قال: هذا موضع متوسط، فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب إليه: اشتر لي موضعا ابني فيه مدينة، وكان موضع واسط لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه بالموضع فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير، فقال: لم؟ فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه، قال: وما هي؟ قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يثبت فيها، وهي شديدة الحرّ والسموم وإن الطائر لا يطير في الجوّ إلا ويسقط لشدّة الحر ميتا، وهي بلاد أعمار أهلها قليلة، قال: فكتب بذلك إلى الحجاج، فقال: هذا رجل يكره مجاورتنا فأعلمه أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعذو وتطيب، وأما
قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا، وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا، وأعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي ذمامه بإحساننا إليه، قال: فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة 83 واستتمه في سنة 86 ومات في سنة 95.
وحدّث عليّ بن حرب الموصلي عن أبي البختري وهب عن عمرو بن كعب بن الحارث الحارثي قال:
سمعت خالي يحيى بن الموفق يحدث عن مسعدة بن صدقة العبدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا سماك بن حرب قال: استعملني الحجاج بن يوسف على ناحية بادوريا، فبينما أنا يوما على شاطئ دجلة ومعي صاحب لي إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي، فقلت: ما تشاء؟ فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا، ليقتلنّ فيها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثم أقحم فرسه في دجلة حتى غاب في الماء، فلما كان من قابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل على فرس فصاح بي كما صاح في المرّة الأولى وقال كما قال وزاد: سيقتل من حولها ما يستقلّ الحصى لعددهم، ثم أقحم فرسه في الماء حتى غاب، قال: وكانوا يرون أنها واسط وما قتل الحجاج فيها، وقيل إنه أحصي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا تبعة ولا دين وأحصي من قتله صبرا فبلغوا مائة وعشرين ألفا، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الزند ورد والدّوقرة ودير ماسرجيس وسرابيط فضجّ أهل هذه المدن وقالوا:
قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم، قالوا: وأنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه، قال: فما نصنع؟
قال: الحروب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف درهم، قال: ولما فرغ منه وسكنه أعجبه إعجابا شديدا، فبينما هم ذات يوم في مجلسه إذ أتاه بعض خدمه فأخبره أن جارية من جواريه وقد كان مائلا إليها قد أصابها لمم فغمّه ذلك ووجّه إلى الكوفة في إشخاص عبد الله بن هلال الذي يقال له صديق إبليس، فلما قدم عليه أخبره بذلك فقال: أنا أحل السحر عنها، فقال له: افعل، فلما زال ما كان بها قال الحجاج: ويحك إني أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا! فقال له: أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى ما تكرهه، فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة فقال: أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه ما تكرهه أبدا، فقال الحجاج له: يا ابن هلال وما علامة ذلك؟ قال:
أن يأمر الأمير برجل من أصحابه بعد آخر من أشداء أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فليجهدوا أن يستقلوا بها من الأرض فإنهم لا يقدرون، فأمر الحجاج محضره بذلك فكان كما قال ابن هلال، وكان بين يدي الحجاج مخصرة فوضعها في عروة القلة ثم قال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة فوضعها ثم فكّر منكّسا رأسه ساعة ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال له: خذ قلتك والحق بأهلك، قال: ولم؟ قال:
إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله غيري ويختفر محتفر فيجد هذه القلة فيقول لعن الله الحجاج إنما كان
يبدأ أمره بالسحر، قال: فأخذها ولحق بأهله، قالوا: وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها وذرع مسجد الجامع مائتين في مائتين وصف الرحبة التي تلي صفّ الحدّادين ثلاثمائة في ثلاثمائة وذرع الرحبة التي تلي الجزّارين والحوض ثلاثمائة في مائة والرحبة التي تلي الإضمار مائتين في مائة، وكان محمد بن القاسم مقلد الهند والسند فأهدى إلى الحجاج فيلا فحمل من البطائح في سفينة فلما صار بواسط أخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل فسميت به إلى الساعة، ولما فرغ الحجاج من بناء واسط أمر بإخراج كل نبطيّ بها وقال: لا يدخلون مدينتي فإنهم مفسدة، فلما مات دخلوها عن قريب، وذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء فغضب وقال: إنما تذكرون المساوي، أوما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت يا حجاجاه فاتصل به ذلك فجعل يقول:
لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخّن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط فكانت قزوين ثغرا حينئذ. وأما قولهم تغافل واسطيّ قال المبرّد: سألت الثوري عنه فقال: إن الحجاج لما بناها قال: بنيت مدينة في كرش من الأرض، كما قدمنا، فسمي أهلها الكرشيّين، فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا يا كرشيّ فتغافل عن ذلك ويري أنه لا يسمع أو أن الخطاب ليس معه، ولقد جاءني بخوارزم أحد أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي:
قد أطلت السؤال عنه والتفتيش عن معنى قولهم: تغافل واسطي، فلم أظفر به، ولم يكن لي في ذلك الوقت به علم حتى وجدته بعد ذلك فأخبرته ثم وضعته أنا ههنا، ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيل يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجا بدرهم والسمن اثنا عشر رطلا بدرهم والخبز أربعون رطلا بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة، وممن ينسب إليها خلف بن محمد بن علي ابن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ صاحب كتاب أطراف أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي والحسين بن أحمد المديني وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وأنشدني التنوخي للفضل الرقاشي يقول:
تركت عيادتي ونسيت برّي، ... وقدما كنت بي برّا حفيّا
فما هذا التغافل يا ابن عيسى؟ ... أظنّك صرت بعدي واسطيّا
وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن الواسطي التاجر قال:
أنشدني أبو شجاع بن دوّاس القنا لنفسه:
يا ربّ يوم مرّ بي في واسط ... جمع المسرة ليله ونهاره
مع أغيد خنث الدلال مهفهف ... قد كاد يقطع خصره زنّاره
وقميص دجلة بالنسيم مفرّك ... كسر تجرّ ذيوله أقطاره
وأنشدني أيضا لأبي الفتح المانداني الواسطي:
عرّج على غربيّ واسط إنني ... دائي الدويّ بها وفرط سقامي
وطني وما قضّيت فيه لبانتي، ... ورحلت عنه وما قضيت مرامي
وقال بشار بن برد يهجو واسطا:
على واسط من ربها ألف لعنة، ... وتسعة آلاف على أهل واسط
أيلتمس المعروف من أهل واسط ... وواسط مأوى كلّ علج وساقط؟
نبيط وأعلاج وخوز تجمّعوا ... شرار عباد الله من كل غائط
وإني لأرجو أن أنال بشتمهم ... من الله أجرا مثل أجر المرابط
وقال غيره يهجوهم:
يا واسطيين اعلموا أنني ... بذمّكم دون الورى مولع
ما فيكم كلكم واحد ... يعطي ولا واحدة تمنع
وقال محمد بن الأجلّ هبة الله بن محمد بن الوزير أبي المعالي بن المطلب يلقب بالجرد يذكر واسطا:
لله واسط ما أشهى المقام بها ... إلى فؤادي وأحلاه إذا ذكرا!
لا عيب فيها، ولله الكمال، سوى ... أنّ النسيم بها يفسو إذا خطر!
وواسط أيضا: قرية متوسطة بين بطن مرّ ووادي نخلة ذات نخيل، قال لي صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار: كنت ببطن مرّ فرأيت نخلا عن بعد فسألت عنه فقيل لي هذه قرية يقال لها واسط، وقال بعض شعراء الأعراب يذكر واسطا في بلادهم:
ألا أيها الصّمد الذي كان مرّة ... تحلّل سقّيت الأهاضيب من صمد
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد ولا بعد
ومنزلتي دلقاء من بطن واسط ... ومن ذي سليل كيف حالكما بعدي
تتابع أمطار الربيع عليكما، ... أما لكما بالمالكية من عهد؟
وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ، قال إبراهيم ابن أحمد السراج: حدثنا محمد بن إبراهيم المستملي بحديث ذكره محمد بن محمد بن إبراهيم الواسطي واسط بلخ، قال أبو إسحاق المستملي في تاريخ بلخ:
نور بن محمد بن علي الواسطي واسط بلخ وبشير بن ميمون أبو صيفي من واسط بلخ عن عبيد المكتب وغيره حدث عنه قتيبة، وقال أبو عبيدة في شرح قول الأعشى:
في مجدل شيّد بنيانه ... يزلّ عنه ظفر الطائر
مجدل: حصن لبني السّمين من بني حنيفة يقال له واسط.
واسط أيضا: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط أيضا: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وإياها عنى الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل وواسط أيضا: بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال الحافظ أبو موسى: سمعت أبا عبد الله يحيى بن
أبي علي البنّاء ببغداد، حدثني القاضي أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن شاده الأصبهاني ثم الواسطي، واسط دجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، ومحمد بن عمر بن علي العطار الحربي ثم الواسطي واسط دجيل، روى عن محمد بن ناصر السلامي، روى عنه جماعة، منهم:
محمد بن عبد الغني بن نقطة.
واسط الرّقّة: كان أول من استحدثها هشام بن عبد الملك لما حفر الهنيّ والمريّ، قال أبو الفضل قال أبو علي صاحب تاريخ الرقة: سعيد بن أبي سعيد الواسطي واسم أبيه مسلمة بن ثابت خراسانيّ سكن واسط الرقة وكان شيخا صالحا، حدث أبوه مسلمة عن شريك وغيره، قال أبو علي:
سمعت الميمون يقول ذكروا أن الزهري لما قدم واسط الرقة عبر إليه سبعة من أهل الرقة، وذكر قصة، وواسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة، وقال أبو حاتم: واسط بالجزيرة فهي هذه أو التي بقرقيسيا أو غيرها، قال كثيّر عزة:
سألت حكيما أين شطّت بها النوى، ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم
أجدّوا، فأما آل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
فما للنوى؟ لا بارك الله في النوى! ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
شهدت لئن كان الفؤاد من النوى ... معنّى سقيما إنني لسقيم
فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة ... فإني لعمري تحت ذاك كليم
وما ظعنت طوعا ولكن أزالها ... زمان بنا بالصالحين غشوم
فوا حزني لمّا تفرّق واسط ... وأهل التي أهذي بها وأحوم!
قال محمد بن حبيب: واسط هذه بناحية الرقة، قاله في شرح ديوان كثير، وأنا أرى أنه أراد واسط التي بالحجاز أو بنجد بلا شك ولكن علينا أن ننقل عن الأئمة ما يقولونه، والله أعلم، وقال ابن السكيت في قول كثير أيضا:
فإذا غشيت لها ببرقة واسط ... فلوى لبينة منزلا أبكاني
قال واسط بين العذيبة والصفراء.
وواسط أيضا: من منازل بني قشير لبني أسيدة وهم بنو مالك بن سلمة بن قشير وأسيدة وحيدة من بني سعد بن زيد مناة، وبنو أسيدة يقولون هي عربية.
وواسط أيضا: بمكة، وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة قال: واسط قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب، قال: ويقال له واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة، قال:
وقال بعض المكيين بل تلك الناحية من بركة القسري إلى العقبة تسمى واسط المقيم، ووقف عبد المجيد بن أبي روّاد بأحمد بن ميسرة على واسط في طريق منى فقال له: هذا واسط الذي يقول فيه كثير عزّة:
... وأما واسط فمقيم وقد ذكر، وقال ابن إدريس قال الحميدي: واسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى، قاله في شرح قول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في قصيدته التي أولها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
ولم يتربّع واسطا وجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ محاصر
قال السهيلي في شرح السيرة قال الفاكهي: يقال إن أول من شهده وضرب فيه قبّة خالصة مولاة الخيزران.
وواسط أيضا: بالأندلس بليدة من أعمال قبرة، قال ابن بشكوال: أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي ينسب إلى واسط قبرة، سكن قرطبة، يكنى أبا عمر، روى عن أبي محمد الأصيلي وكان يتولى القراءة عليه، حدث عنه أبو عبد الله بن ديباج ووصفه بالخير والصلاح، قال ابن حبّان: توفي الواسطي في جمادي الآخرة سنة 437 وكفّ بصره.
وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط في موضعها خرّبها الحجاج، وكانت واسط هذه تسمى واسط القصب، وقد ذكرتها مع واسط الحجاج، قال ابن الكلبي:
كان بالقرب من واسط موضع يسمى واسط القصب هي التي بناها الحجاج أولا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسماها واسطا بها.
وواسط أيضا: قرية قرب مطيراباذ قرب حلّة بني مزيد يقال لها واسط مرزاباذ، قال أبو الفضل: أنشدنا أبو عبد الله أحمد الواسطي، واسط هذه القرية، قال:
أنشدنا أبو النجم عيسى بن فاتك الواسطي من هذه القرية لنفسه من قصيدة يمدح بعض العمّال:
وما على قدره شكرت له، ... لكنّ شكري له على قدري
لأن شكري السّهى وأنعمه ال ... بدر، وأين السهى من البدر!
وواسط أيضا قال العمراني: واسط مواضع في بلاد بني تميم، وهي التي أرادها ذو الرمة بقوله:
غربيّ واسط نها ... ومجّت في الكثيب الأباطح [1]
وقال ابن دريد: واسط مواضع بنجد، ولعلها التي قبلها، والله أعلم.
وواسط أيضا: قرية في شرقي دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة.
وواسط أيضا: قرية بالفرج من نواحي الموصل بين مرق وعين الرّصد أو بين مرق والمجاهدية، فإني نسيت هذا المقدار.
وواسط أيضا: باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة التي خرج منها علي بن مهدي المستولي على اليمن.

النِّيلُ

النِّيلُ:
بكسر أوله، بلفظ النيل الذي تصبغ به الثياب، في مواضع: أحدها بليدة في سواد الكوفة قرب حلّة بني مزيد يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير حفره الحجاج بن يوسف وسماه بنيل مصر، وقيل:
إنّ النيل هذا يستمد من صراة جاماسب، ينسب إليه خالد بن دينار النيلي أبو الوليد الشيباني، كان يسكن النيل، حدث عن الحسن العكلي وسالم بن عبد الله ومعاوية بن قرّة، روى عنه الثوري وغيره، وقال محمد بن خليفة السّنبسي شاعر بني مزيد يمدح دبيسا بقصيدة مطلعها:
قالوا هجرت بلاد النيل وانقطعت ... حبال وصلك عنها بعد إعلاق
فقلت: إني وقد أقوت منازلها ... بعد ابن مزيد من وفد وطرّاق
فمن يكن تائقا يهوى زيارتها ... على البعاد فإني غير مشتاق
وكيف أشتاق أرضا لا صديق بها ... إلا رسوم عظام تحت أطباق؟
وإياه عنى أيضا مرجا بن نباه بقوله:
قصدتكم أرجو نوال أكفّكم، ... فعدت وكفّي من نوالكم صفر
فلما أتيت النيل أيقنت بالغنى ... ونيل المنى منكم فلاحقني الفقر
والنيل أيضا: نهر من أنهار الرّقة حفره الرشيد على ضفّة نيل الرّقة، والبليخ: نهر دير زكّى، ولذلك قال الصّنوبري:
كأنّ عناق نهري دير زكّى، ... إذا اعتنقا، عناق متيّمين
وقت ذاك البليخ يد الليالي ... وذاك النيل من متجاورين
وأما نيل مصر فقال حمزة: هو تعريب نيلوس من الرومية، قال القضاعي: ومن عجائب مصر النيل جعله الله لها سقيا يزرع عليه ويستغنى به عن مياه المطر في أيام القيظ إذا نضبت المياه من سائر الأنهار فيبعث الله في أيام المدّ الريح الشمال فيغلب عليه البحر الملح فيصير كالسّكر له حتى يربو ويعم الرّبى والعوالي ويجري في الخلج والمساقي فإذا بلغ الحدّ الذي هو تمام الريّ وحضر زمان الحرث والزراعة بعث الله الريح الجنوب فكبسته وأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بالزراعة مما يروى من الأرض، وأجمع أهل العلم أنه ليس في الدنيا نهر أطول من النيل لأن مسيرته شهر في الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب حيث لا عمارة فيها إلى أن يخرج في بلاد القمر خلف خطّ الاستواء، وليس في الدنيا نهر يصبّ من الجنوب إلى الشمال إلا هو، ويمتد في أشدّ ما يكون من الحرّ حين تنقص أنهار الدنيا، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب بخلاف سائر الأنهار، فإذا زادت الأنهار في سائر الدنيا نقص وإذا نقصت زاد نهاية وزيادة، وزيادته في أيام نقص غيره، وليس في الدنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل ولا يجيء من خراج نهر ما يجيء من خراج ما يسقيه النيل، وقد روي عن عمرو بن العاص أنه قال: إن نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب أن يمدّ له وذلّله له فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله تعالى كلّ نهر أن يمدّه بمائه وفجّر الله تعالى له الأرض عيونا وانتهى جريه إلى ما أراد
الله تعالى، فإذا بلغ النيل نهايته أمر الله تعالى كلّ ماء أن يرجع إلى عنصره ولذلك جميع مياه الأرض تقلّ أيام زيادته، وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: لما فتح المسلمون مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونه من شهور القبط فقالوا: أيها الأمير إن لبلدنا هذا سنّة لا يجري النيل إلا بها وذلك أنه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونه وأبيب ومسرى لا يجري النيل قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر:
قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي هذا، وإذا في كتابه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القّهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، قال: فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل وذلك قبل عيد الصليب بيوم وكان أهل مصر قد تأهبوا للخروج منها والجلاء لأنهم لا تقوم مصلحتهم إلا بالنيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد جرى النيل بقدرة الله تعالى وزاد ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وانقطعت تلك السنّة السيئة عن أهل مصر، وكان للنيل سبعة خلجان: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج المنهي، وخليج الفيوم، وخليج عرشي، وخليج سردوس، وهي متصلة الجريان لا ينقطع منها شيء، والزروع بين هذه الخلجان متّصلة من أول مصر إلى آخرها، وزروع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا بما قدّروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها، فإذا استوى الماء كما ذكرناه في المقياس من هذا الكتاب أطلق حتى يملأ أرض مصر فتبقى تلك الأراضي كالبحر الذي لم يفارقه الماء قط والقرى بينه يمشى إليها على سكور مهيأة والسفن تخترق ذلك، فإذا استوفت المياه ورويت الأرضون أخذ ينقص في أول الخريف وقد برد الهواء وانكسر الحرّ فكلما نقص الماء عن أرض زرعت أصناف الزروع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخّر الوقت برد الجوّ فلا تنشف الأرض إلى أن يستكمل الزرع فإذا استكمل عاد الوقت يأخذ في الحرّ والصيف حتى ينضج الزروع وينشفها ويكمّلها، فلا يأتي الصيف إلا وقد استقام أمرها فأخذوا في حصادها، وفي ذلك عبرة وآية ودليل على قدرة العزيز الحكيم الذي خلق الأشياء في أحسن تقويم، وقد قال عزّ من قائل:
ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، وفي النيل عجائب كثيرة وله خصائص لا توجد في غيره من الأنهار، وأما أصل مجراه فيذكر أنه يأتي من بلاد الزنج فيمر بأرض الحبشة مسامتا لبحر اليمن من جهة أرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة من جانبها الغربي والبجه من جانبها الشرقي فلا يزال جاريا بين جبلين بينهما قرى وبلدان والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله وهو بينهما بإزاء الصعيد حتى يصب في البحر، وأما سبب زيادته في الصيف فإن المطر يكثر بأرض الزنجبار وتلك البلاد في هذه الأوقات بحيث ينزل الغيث عندهم كأفواه القرب وتنصبّ المدود إلى هذا النهر من سائر الجهات فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووجه
الحاجة إليه كما دبره الخالق عز وجل، وقد ذكر الليث بن سعد وغيره قصة رجل من ولد العيص بن إسحاق النبي، عليه السّلام، وتطلّبه مجراه أذكرها بعد إن شاء الله تعالى، قال أميّة: نيل مصر ينبوعه من وراء خط الاستواء من جبل هناك يقال له جبل القمر فإنه يبتدئ في التزيّد في شهر أبيب وهو في الرومية يوليه، والمصريون يقولون: إذا دخل أبيب شرع الماء في الدبيب، وعند ابتدائه في التزيّد تتغير جميع كيفياته ويفسد، والسبب في ذلك مروره بنقائع مياه أجنة يخالطها فيحيلها ويستخرجها معه ويستصحبها إلى غير ذلك مما يحيله، فلا يزال على هذه الحال كما وصفه الأمير تميم بن المعزّ بن إسماعيل فقال:
أما ترى الرعد بكى واشتك ... والبرق قد أومض واستضحكا؟
فاشرب على غيم كصبغ الدُّجى ... أضحك وجه الأرض لما بكى
وانظر لماء النيل في مدّه ... كأنه صندل أو مسّكا
أو كما قال أمية بن أبي الصلت المغربي:
ولله مجرى النيل منها إذا الصّبا ... أرتنا به في مرّها عسكرا مجرا
بشطّ يهزّ السّمهريّة ذبّلا، ... وموج يهزّ البيض هنديّة بترا
ولتميم بن المعز أيضا:
يوم لنا بالنيل مختصر، ... ولكل وقت مسرة قصر
والسّفن تصعد كالخيول بنا ... فيه وجيش الماء منحدر
فكأنما أمواجه عكن، ... وكأنما داراته سرر
وقال الحافظ أبو الحسين محمد بن الوزير في تدرج زيادة النيل إصبعا إصبعا وعظم منفعة ذلك التدرج:
أرى أبدا كثيرا من قليل، ... وبدرا في الحقيقة من هلال
فلا تعجب فكلّ خليج ماء ... بمصر مسبّب لخليج مال
زيادة إصبع في كل يوم ... زيادة أذرع في حسن حال
فإذا بلغ الماء خمسة عشر ذراعا وزاد من السادس عشر إصبعا واحدا كسر الخليج ولكسره يوم معهود فيجتمع الخاصّ والعامّ بحضرة القاضي وإذا كسر فتحت التّرع وهي فوهات الخلجان ففاض الماء وساح وعمّ الغيطان والبطاح وانضمّ أهل القرى إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل بحيث لا ينتهي إليهم الماء فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحرا عامّا غامر الماء بين جبليها المكتنفين لها وتثبت على هذه الحال حسبما تبلغ الحدّ المحدود في مشيئة الله، وأكثر ذلك يحول حول ثمانية عشر ذراعا ثم يأخذ عائدا في صبّه إلى مجرى النيل ومشربه فينقص عما كان مشرفا عاليا من الأراضي ويستقر في المنخفض منها فيترك كل قرارة كالدرهم ويعمّ الرّبى بالزهر المؤنق والروض المشرق، وفي هذا الوقت تكون أرض مصر أحسن شيء منظرا وأبهاها مخبرا، وقد جوّد أبو الحسن عليّ بن أبي بشر الكاتب فقال:
شربنا مع غروب الشمس شَمْساً ... مشعشعة إلى وقت الطلوع
وضوء الشمس فوق النيل باد ... كأطراف الأسنّة في الدروع
ومن عجائب النيل السمكة الرعّادة وهي سمكة لطيفة مسيّرة من مسّها بيده أو بعود يتصل بيده إليها أو بشبكة هي فيها اعترته رعدة وانتفاض ما دامت في يده أو في شبكته، وهذا أمر مستفيض رأيت جماعة من أهل التحصيل يذكرونه، ويقال إن بمصر بقلة من مسّها ومسّ الرعّادة لم ترتعد يده، والله أعلم، ومن عجائبه التمساح ولا يوجد في بلد من البلدان إلا في النيل، ويقال إنه أيضا بنهر السند إلا أنه ليس في عظم المصري فإذا عضّ اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلص الذي وقع فيها حتى يقطعه، وحنك التمساح الأعلى يتحرّك والأسفل لا يتحرك، وليس ذلك في غيره من الدواب، ولا يعمل الحديد في جلده، وليس له فقار بل عظم ظهره من رأسه إلى ذنبه عظم واحد ولا يقدر أن يلتوي أو ينقبض لأنه ليس في ظهره خرز، وهو إذا انقلب لم يستطع أن يتحرك، وإذا أراد الذكر أن يسفد أنثاه أخرجها من النيل وألقاها على ظهرها كما يأتي الرجل المرأة فإذا قضى منها وطره قلبها فإن تركها على ظهرها صيدت لأنها لا تقدر أن تنقلب، وذنب التمساح حادّ طويل وهو يضرب به فربما قتل من تناله ضربته، وربما جرّ بذنبه الثور من الشريعة حتى يلجج به في البحر فيأكله، ويبيض مثل بيض الإوزّ فإذا فقص عن فراخه كان الواحد كالحرذون في جسمه وخلقته ثم يعظم حتى يصير عشرة أذرع وأكثر وهو يبيض وكلما عاش يزيد، وتبيض الأنثى ستين بيضة، وله في فيه ستون سنّا، ويقال إنه إذا أخذ أول سن من جانب حنكه الأيسر ثم علّق على من به حمّى نافض تركته من ساعته، وربما دخل لحم ما يأكله بين أسنانه فيتأذّى به فيخرج من الماء إلى البرّ ويفتح فاه فيجيئه طائر مثل الطّيطوى فيسقط على حنكه فيلتقط بمنقاره ذلك اللحم بأسره فيكون ذلك اللحم طعاما لذلك الطائر وراحة بأكله إياه للتمساح، ولا يزال هذا الطائر حارسا له ما دام ينقي أسنانه، فإذا رأى إنسانا أو صيادا يريده رفرف عليه وزعق ليؤذنه بذلك ويحذره حتى يلقي نفسه في الماء إلى أن يستوفي جميع ما في أسنانه، فإذا أحسّ التمساح بأنه لم يبق في أسنانه شيء يؤذيه أطبق فمه على ذلك الطائر ليأكله فلذلك خلق الله في رأس ذلك الطائر عظما أحدّ من الإبرة فيقيمه في وسط رأسه فيضرب حنك التمساح، ويحكى عنه ما هو أعجب من ذلك، وهو أن ابن عرس من أشد أعدائه، فيقال إن ابن عرس إذا رأى التمساح نائما على شاطئ النيل ألقى نفسه في الماء حتى يبتل ثم يتمرغ في التراب ثم يقيم شعره ويثب حتى يدخل في جوف التمساح فيأكل ما في جوفه وليس للتمساح يد تدفع عنه ذلك، فإذا أراد الخروج بقر بطنه وخرج، وعجائب الدنيا كثيرة وإنما نذكر منها ما نجرّبه عادة ولهذا أمثال ليس كتابنا بصدد شرحها، وقال الشاعر:
أضمرت للنيل هجرانا ومقلية ... مذ قيل لي إنما التمساح في النيل
فمن رأى النيل رأي العين من كشب ... فما رأى النيل إلا في البواقيل
والبواقيل: كيزان يشرب منها أهل مصر، وقال عمرو بن معدي كرب:
فالنيل أصبح زاخرا بمدوده، ... وجرت له ريح الصّبا فجرى لها
عوّدت كندة عادة فاصبر لها، ... اغفر لجانبها وردّ سجالها
وحدّث الليث بن سعد قال: زعموا، والله أعلم،
أن رجلا من ولد العيص يقال له حائذ بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، عليهما السلام، خرج هاربا من ملك من ملوكهم إلى أرض مصر فأقام بها سنين، فلما رأى عجائب نيلها وما يأتي به جعل الله نذرا أن لا يفارق ساحله حتى يرى منتهاه أو ينظر من أين مخرجه أو يموت قبل ذلك، فسار عليه ثلاثين سنة في العمران ومثلها في غير العمران، وبعضهم يقول خمس عشرة كذا وخمس عشرة كذا، حتى انتهى إلى بحر أخضر فنظر إلى النيل يشقه مقبلا فوقف ينظر إلى ذلك فإذا هو برجل قائم يصلّي تحت شجرة تفّاح، فلما رآه استأنس به فسلم عليه فسأله صاحب الشجرة عن اسمه وخبره وما يطلب، فقال له: أنا حائذ بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، فمن أنت؟ قال: أنا عمران بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، فما الذي جاء بك إلى ههنا يا حائذ؟ قال:
أردت علم أمر النيل، فما الذي جاء بك أنت؟ قال:
جاء بي الذي جاء بك، فلما انتهيت إلى هذا الموضع أوحى الله تعالى إليّ أن قف بمكانك حتى يأتيك أمري، قال: فأخبرني يا عمران أي شيء انتهى إليك من أمر هذا النيل وهل بلغك أن أحدا من بني آدم يبلغه؟ قال: نعم بلغني أن رجلا من بني العيص يبلغه ولا أظنه غيرك يا حائذ، فقال له: يا عمران كيف الطريق إليه؟ قال له عمران: لست أخبرك بشيء حتى تجعل بيننا ما أسألك، قال: وما ذاك؟ قال: إذا رجعت وأنا حيّ أقمت عندي حتى يأتي ما أوحى الله لي أن يتوفاني فتدفني وتمضي، قال: لك ذلك عليّ، قال: سر كما أنت سائر فإنه ستأتي دابة ترى أولها ولا ترى آخرها فلا يهولنّك أمرها فإنها دابة معادية للشمس إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها فاركبها فإنها تذهب بك إلى ذلك الجانب من البحر فسر عليه فإنك ستبلغ أرضا من حديد جبالها وشجرها وجميع ما فيها حديد، فإذا جزتها وقعت في أرض من فضة جبالها وشجرها وجميع ما فيها فضة، فإذا تجاوزتها وقعت في أرض من ذهب جميع ما فيها ذهب ففيها ينتهي إليك علم النيل، قال: فودعه ومضى وجرى الأمر على ما ذكر له حتى انتهى إلى أرض الذهب فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب وعليه قبّة لها أربعة أبواب وإذا ماء كالفضة ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقرّ في القبة ثم يتفرق في الأبواب وينصبّ إلى الأرض، فأما ثلثاه فيغيض وأما واحد فيجري على وجه الأرض وهو النيل، فشرب منه واستراح ثم حاول أن يصعد السور فأتاه ملك وقال: يا حائذ قف مكانك فقد انتهى إليك علم ما أردته من علم النيل وهذا الماء الذي تراه ينزل من الجنة وهذه القبة بابها، فقال:
أريد أن أنظر إلى ما في الجنة، فقال: إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حائذ، قال: فأي شيء هذا الذي أرى؟ قال: هذا الفلك الذي تدور فيه الشمس والقمر وهو شبه الرحا، قال: أريد أن أركبه فأدور فيه، فقال له الملك: إنك لن تستطيع اليوم ذلك، ثم قال: إنه سيأتيك رزق من الجنة فلا تؤثر عليه شيئا من الدنيا فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر عليه شيء من الدنيا، فبينما هو واقف إذ أنزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف: صنف كالزبرجد الأخضر وصنف كالياقوت الأحمر وصنف كاللؤلؤ الأبيض، ثم قال: يا حائذ هذا من حصرم الجنة ليس من يانع عنبها فارجع فقد انتهى إليك علم النيل، فرجع حتى انتهى إلى الدابة فركبها فلما أهوت الشمس إلى الغروب أهوت إليها لتلتقمها فقذفت به إلى جانب البحر الآخر فأقبل حتى انتهى إلى عمران فوجده قد مات في يومه ذلك فدفنه وأقام
على قبره، فلما كان في اليوم الثالث أقبل شيخ كبير كأنه بعض العبّاد فبكى على عمران طويلا وصلى على قبره وترحم عليه ثم قال: يا حائذ ما الذي انتهى إليك من علم النيل؟ فأخبره، فقال: هكذا نجده في الكتاب، ثم التفت إلى شجرة تفاح هناك فأقبل يحدّثه ويطري تفاحها في عينيه، فقال له: يا حائذ ألا تأكل؟ قال: معي رزقي من الجنة ونهيت أن أوثر عليه شيئا من الدنيا، فقال الشيخ: هل رأيت في الدنيا شيئا مثل هذا التفاح؟ إنما هذه شجرة أنزلها الله لعمران من الجنة ليأكل منها وما تركها إلا لك ولو أكلت منها وانصرفت لرفعت، فلم يزل يحسّنها في عينه ويصفها له حتى أخذ منها تفاحة فعضها ليأكل منها فلما عضها عضّ يده ونودي: هل تعرف الشيخ؟
قال: لا! قيل: هذا الذي أخرج أباك آدم من الجنة، أما إنك لو سلمت بهذا الذي معك لأكل منه أهل الدنيا فلم ينفد، فلما وقف حائذ على ذلك وعلم أنه إبليس أقبل حتى دخل مصر فأخبرهم بخبر النيل ومات بعد ذلك بمصر، قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف الكتاب: هذا خبر شبيه بالخرافة وهو مستفيض ووجوده في كتب الناس كثير، والله أعلم بصحته، وإنما كتبت ما وجدت.

نهرُ عيسى

نهرُ عيسى:
بن عليّ بن عبد الله بن العباس: وهي 21- 5 معجم البلدان دار صادر
كورة وقرى كثيرة وعمل واسع في غربي بغداد يعرف بهذا الاسم ومأخذه من الفرات عند قنطرة دممّا ثم يمرّ فيسقي طسوج فيروز سابور حتى ينتهي إلى المحوّل ثم تتفرع منه أنهار تتخرق مدينة السلام ثم يمر بالياسرية ثم قنطرة الرومية وقنطرة الزياتين وقنطرة الأشنان وقنطرة الشوك وقنطرة الرّمّان وقنطرة المغيض عند الأرحاء ثم قنطرة البستان ثم قنطرة المعبدي ثم قنطرة بني زريق ثم يصب في دجلة عند قصر عيسى بن علي، وكان عند كل قنطرة سوق يعرف بها، والآن ليس من ذلك كله غير قنطرة الزياتين وقنطرة البستان وتعرف بقنطرة المحدّثين، وهو نهر على متنزهات وبساتين كثيرة، وقد قالت فيه الشعراء فأكثروا، فمن ذلك قال الحسن بن علي الشاتاني الموصلي: قال لي القاضي نجم الدين ابن السّهروردي قاضي الموصل: دخل عليّ شابّ من أهل بغداد وأنشدني:
في نهر عيسى والهواء معنبر، ... والماء فضّيّ القميص صقيل
والطير إما هاتف بقرينه، ... أو نادب يشكو الفراق ثكول
وعرائس السرّ التحفن بسندس، ... ورقصن فارتفعت لهن ذيول
ثم قال لي: اعمل على وزنها ما يشاكلها، فعملت:
والغصن مهزوز القوام كأنها ... دارت عليه من الشّمال شمول
والدهر كالليل البهيم وأنتم ... غرر تنير ظلامه وحجول
نبّه بني اللذّات واهتف فيهم ... بتيقظ: إن المقام قليل
وقال أبو الحسن علي بن معمّر الواسطي متأخر مات في رمضان سنة 609:
يا نهر عيسى إلى عيسى نسبت وما ... نسبت إلا بتحقيق وإيضاح
فإنه بك إحياء القلوب كما ... عيسى المسيح به إحياء أرواح

النَّمَارِقُ

النَّمَارِقُ:
موضع قرب الكوفة من أرض العراق نزله عسكر المسلمين في أول ورودهم العراق، فقال المثنى ابن حارثة الشيباني:
غلبنا على خفّان بيدا مشيحة ... إلى النخلات السّمر فوق النمارق
وإنّا لنرجو أن تجول خيولنا ... بشاطي الفرات بالسيوف البوارق

نُعْمُ

نُعْمُ:
بالضم ثم السكون، وهو من النّعمة واللّين، وأظنه نعمة لين، وقد ذكرت في فرضة، ونعم أيضا: من حصون اليمن بيد عبد عليّ بن عوّاض، وموضع برحبة مالك بن طوق على شاطئ الفرات.
ودير نعم: موضع آخر، قال بعضهم:
قضت وطرا من دير نعم وطالما
أو يكون مضافا إلى نعم المقدم عليه.

النَّظِيمَةُ

النَّظِيمَةُ:
تأنيث الذي قبله: موضع في شعر عدي:
وعدن يباكرن النظيمة مربعا ... جزأن فلا يشربن إلا النقائعا
تصيّفنه حتى جهدن يبيسه، ... وآض الفرات قانطا ليس جامعا

مَطَارَةُ

مَطَارَةُ:
يجوز أن تكون الميم زائدة فيكون من طار يطير أي البقعة التي يطار منها: وهو اسم جبل ويضاف إليه ذو، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ... على وعل من ذي مطارة عاقل
قال الأصمعي: يقول قد خفت حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي، فلم يمكنه فقلب. ومطارة أيضا:
من قرى البصرة على ضفة دجلة والفرات في ملتقاهما بين المذار والبصرة.

نَصِيبِين

نَصِيبِين:
بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح، ومن العرب من يجعلها بمنزلة الجمع فيعربها في الرفع بالواو وفي الجر والنصب بالياء، والأكثر يقولون نصيبين ويجعلونها بمنزلة ما لا ينصرف من الأسماء، والنسبة إليها نصيبيّ ونصيبينيّ، فمن قال نصيبينيّ أجراه مجرى ما لا ينصرف وألزمه الطريقة الواحدة مما ذكرنا، ومن قال نصيبيّ جعله بمنزلة الجمع ثم ردّه إلى واحده ونسب إليه: وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان، بينها وبين سنجار تسعة فراسخ، وبينها وبين الموصل ستة أيام، وبين دنيسر يومان عشرة فراسخ، وعليها سور كانت الروم بنته وأتمه أنوشروان الملك عند فتحه إياها، وقالوا: كان سبب فتحه إياها أنه حاصرها وما قدر على فتحها فأمر أن تجمع إليه العقارب فحملوا العقارب من قرية تعرف بطيرانشاه من عمل شهرزور بينها وبين سمرداذ مدينة شهرزور فرسخ، فرماهم بها في العرّادات والقوارير وكان يملأ القارورة من العقارب ويضعها في العرّادة وهي على هيئة المنجنيق فتقع القارورة وتنكسر وتخرج تلك العقارب، ولا زال يرميهم بالعقارب حتى ضجّ أهلها وفتحوا له البلد وأخذها عنوة، وذلك أصل عقارب نصيبين، وأكثر العقارب جبل صغير داخل السور في ناحية من المدينة ومنه تنتشر العقارب في المدينة كلها، ذكر ذلك كله أحمد بن الطيب السرخسي في بعض كتبه، وطول مدينة نصيبين خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة، في الإقليم الرابع، طالعها سعد الأخبية، بيت حياتها إحدى عشرة درجة من الثور تحت اثنتي عشرة درجة وثمان وأربعين دقيقة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، وقال صاحب الزيج: طول نصيبين سبع وعشرون درجة ونصف، ونصيبين مدينة وبئة لكثرة بساتينها ومياهها، وقد روي في بعض الآثار
أن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، قال: رفعت ليلة أسري بي فرأيت مدينة فأعجبتني فقلت: يا جبرائيل ما هذه المدينة؟ قال: هذه نصيبين، فقلت: اللهم عجّل فتحها واجعل فيها بركة للمسلمين! وسار عياض بن غنم إلى نصيبين فامتنعت عليه فنازلها حتى فتحها على مثل صلح أهل الرّها، قال: كتب عامل نصيبين إلى معاوية وهو عامل عثمان على الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة من المسلمين الذين معه أصيبوا بالعقارب، فكتب إليه يأمره أن يوظف على كل حيز من أهل المدينة عدّة من العقارب مسمّاة في كل ليلة، ففعل فكانوا يأتون بها فيأمر بقتلها حتى قلّت، وقال سيف:
بعث سعد بن أبي وقّاص سنة 17 من الكوفة عياض ابن غنم لفتح الجزيرة، وغير سيف يقول: إنما بعث أبو عبيدة من الشام فقدم عبد الله بن عبد الله بن عتبان فسلك على دجلة حتى إذا انتهى إلى الموصل عبر إلى بلد وهي بلط حتى إذا انتهى إلى نصيبين أتوه بالصلح فكتب بذلك إلى عياض فقبله فعقد لهم عبد الله بن عبد الله بن عتبان وأخذوا ما أخذوا عنوة ثم أجروا مجرى أهل الذمة، قال عند ذلك ابن عتبان:
ألا من مبلغ عني بجيرا: ... فما بيني وبينك من تعادي
فإن تقبل تلاق العدل فينا ... فأنسى ما لقيت من الجهاد
وإن تدبر فما لك من نصيب ... نصيبين فتلحق بالعباد
وقد ألقت نصيبين إلينا ... سواد البطن بالخرج الشداد
لقد لقيت نصيبين الدواهي ... بدهم الخيل والجرد الوراد
وقال بعضهم يذكر نصيبين: وظاهرها مليح المنظر وباطنها قبيح المخبر، وقال آخر يذم نصيبين فقال:
نصيب نصيبين من ربها ... ولاية كل ظلوم غشوم
فباطنها منهم، في لظى، ... وظاهرها من جنان النعيم
وينسب إلى نصيبين جماعة من العلماء والأعيان، منهم: الحسن بن علي بن الوثاق بن الصلب بن أبان بن زريق بن إبراهيم بن عبد الله أبو القاسم النصيبي الحافظ، قدم دمشق وحدث بها في سنة 344 عن عبد الله بن محمد بن ناجية البغدادي وأبي يحيى عبّاد بن علي بن مرزوق البصري وإسحاق بن إبراهيم الصوّاف ومحمد ابن خالد الراسبي البصري وعبدان الجواليقي وأبي يعلى الموصلي وأبي خليفة الجمحي وغيرهم، روى عنه تمام بن محمد وأبو العباس بن السمسار وأبو عبد الله بن مندة وأبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ ولم يذكر وفاته، ونصيبين أيضا: قرية من قرى حلب، وتلّ نصيبين أيضا: من نواحي حلب. ونصيبين أيضا: مدينة على شاطئ الفرات كبيرة تعرف بنصيبين الروم، بينها وبين آمد أربعة أيام أو ثلاثة ومثلها بينها وبين حرّان، ومن قصد بلاد الروم من حرّان مرّ بها.

النَّبِيّ

النَّبِيّ:
بالفتح، وتشديد الياء، بلفظ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في اشتقاقه فقال ابن السكيت: هو من أنبأ عن الله فترك همزه، قال:
وإن اتخذته من النّبوة أو النّباوة وهو الارتفاع من الأرض أي أنه شرف على سائر الخلق فأصله غير الهمز، وقال في قول أوس بن حجر:
لأصبح رتما دقاق الحصى ... مكان النبيّ من الكاثب
قال: النبيّ المكان المرتفع، والكاثب الرمل المجتمع، وقيل: النبيّ ما نبا من الحجارة إذا نجلتها الحوافر، وقال الكسائي: النبيّ الطريق، والأنبياء طرق الهدى، وقال الزجّاج: القراءة المجتمع عليها في النبيين والأنبياء طرح الهمزة وقد همز جماعة من أهل المدينة جميع ما جاء في القرآن من هذا واشتقاقه من نبّأ وأنبأ أي أخبر، قال: والأجود ترك الهمزة لأن الاستعمال يوجب أن ما كان مهموزا من فعيل فجمعه فعلاء مثل ظريف وظرفاء، فإذا كان من ذوات الياء فجمعه أفعلاء نحو غنيّ وأغنياء ونبيّ وأنبياء بغير همز، فإذا همزت قلت نبيء وأنباء كما تقول في الصحيح، قال: وقد جاء أفعلاء في الصحيح وهو قليل، قالوا: خميس وأخمساء ونصيب وأنصباء، فيجوز أن يكون نبيّ من أنبأت فما ترك همزه إلا لكثرة الاستعمال، ويجوز أن يكون من نبا ينبو إذا ارتفع فيكون فعيلا من الرفعة، وقال أبو بكر بن الأنباري في الزاهر في قول القطامي:
لمّا وردن نبيّا واستتبّ بنا ... مسحنفر كخطوط الشّيح منسحل
إن النبيّ في هذا البيت هو الطريق، وقد ردّ عليه ذلك أبو القاسم الزجّاج فقال: كيف يكون ذلك من أسماء الطريق وهو يقول لمّا وردن نبيّا وقد كانت قبل وروده على طريق فكأنه قال لما وردن طريقا وهذا لا معنى له إلا أن يكون أراد طريقا بعينه في مكان مخصوص فيرجع إلى أنه اسم مكان بعينه، وقيل هو رمل بعينه، وقيل هو اسم جبل، قلت: يقوّي ما ذهب إليه الزجاجي قول عدي بن زيد العبادي:
سقى بطن العقيق إلى أفاق ... ففاثور إلى لبب الكثيب
فروّى قلّة الأدحال وبلا ... ففلجا فالنبيّ فذا كريب
وفي كتاب نصر: النبيّ، بنون مفتوحة وكسر الباء وتشديد الياء، ماء بالجزيرة من ديار تغلب والنمر بن قاسط، وقيل: بضم النون وفتح الباء، قال: والنبيّ أيضا موضع من وادي ظبي على القبلة منه إلى الهيل واد يأخذ مصعدا من قرب الفرات إلى الأردنّ وناحية حمص وواد أيضا بنجد، كذا في كتابه وهو عندي مظلم لا يهتدى لقوله ولكن سطرناه كما وجدناه.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.