Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: اتخاذ

تمثل

(تمثل) الشَّيْء تصور مِثَاله وَيُقَال تمثل الشَّيْء لَهُ وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَبَين يَدَيْهِ مثل وبالشيء ضربه مثلا وَيُقَال هَذَا الْبَيْت مثل نتمثله ونتمثل بِهِ وَمِنْه اقْتصّ
[تمثل] في ح الدجال: يجيء معه "تمثال" الجنة أي صورتها، وروى "بمثال" بحرف جر ومثال، قوله: كما أنذر نوح قومه، وجه الشبه الإنذار المقيد بمجيء المثال في صحبته، وخصص نوح لأنه أول الرسل المشرعين. وفيه: وسادة فيها "تماثيل" جمع تمثال وهو الصورة مطلقاً، والمراد صورة لاحيوان، قوله: صورة التماثيل، بإضافة العام إلى الخاص، وفي بعضها بالصفة. وفيه: أنا لا ندخل الكنائس من أجل "التماثيل" التي فيها الصورة- قاله حين دعاه رجل من النصارى لطعام، وهي أخص من الصورة، والتي صفة الكنائس لا للتماثيل لأنها هي الصور، أو منصوب على الاختصاص، وروى: الصور، بالجر فهو بدل أو بيان منها. القرطبي: كان لنا "تمثال" طائر، هذا محمول على أنه قبل تحريم اتخاذ ذي الروح، والتمثال صورة ذي روح متجسدة أو منقشة، وطمسها قطع رأسها وتغيير وجهها. ط: هو بكسر التاء الصورة. وفيه: ستر فيه "تماثيل" جمعه والمراد هنا صورة الحيوان، وإن كان غيرها يكون هتكه لحديث أن الله تعالى لم يأمرنا أن نكسو الحجارة. 

بابل

[بابل] نه فيه: نهاني أن أصلي في أرض "بابل" فإنها ملعونة، بابل هذا الصقع المعروف بالعراق. الخطابي: في إسناده مقال ولا أعلم من حرم الصلاة فيها، ولو ثبت فلعله نهى عن اتخاذه وطناً، أو النهي خاص له، ولعله إنذار منه بما لقى من المحنة بالكوفة، وهي من أرض بابل.

بابل



بَابِلِىٌّ Of, or belonging to, or relating to, بَابِل [i. e. Babel], a place [well known] in El-'Irák: it is an epithet applied to enchantment, [which is said to have been there taught by two fallen angels, Hároot and Mároot, (see the Kur ii. 96,)] and to wine. (S, K, TA.) b2: And hence, (TA,) Poison: [and, accord to the CK, wine;] as also ↓ بَابِلِيَّةٌ. (K, TA.) b3: In the original language of the place above mentioned, البَابِلِىُّ is a name of المُشْتَرِى [The planet Jupiter]. (TA.) بَابِليَّةٌ: see above.
بابل
بابِل [مفرد]: بلد قديم على نهر الفرات بالعراق من أشهر مدن الشَّرق القديم، عاصمة البابليين الذين عاشوا في بلاد ما بين النهرين (العراق) في الألفَيْن الأول والثاني ق. م " {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} " ° حدائق بابل المعلَّقة: حدائق بناها نبوخذ نصَّر في بابل في القرن السادس ق. م واعتُبرت إحدى عجائب الدنيا السَّبع. 

الإلحاق

الإلحاق: جعل مثال على مثال أزيد ليعامل معاملته، وشرطه اتخاذ الضدين.
الإلحاق:
[في الانكليزية] Annexion
[ في الفرنسية] Annexion
هو عند الصرفيين أن يزيد حرفا أو حرفين على تركيب زيادة غير مطّردة في إفادة معنى ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة مثل كلمة أخرى في عدد الحروف وحركاتها المعينة والسّكنات، كلّ واحد في مثل مكانها في الملحق بها، وفي تصاريفها من المضارع والماضي والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحق به فعلا رباعيا، ومن التصغير والتكسير إن كان الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا، وفائدة الإلحاق أنه ربما يحتاج في تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب في شعر أو سجع ولا يجب عدم تغيّر المعنى بزيادة الإلحاق، كيف وأن معنى حوقل مخالف لمعنى حقل، وشملل مخالف لشمل، بل يكفي أن لا تكون تلك الزيادة في مثل ذلك الموضع مطّردة في إفادة معنى، كما أن زيادة الهمزة في أكثر وأفضل للتفضيل وزيادة الميم في مفعل للمصدر أو الزمان أو المكان وفي مفعل للآلة، ومن ثمّ لم نقل بأنّ هذه الزيادات للإلحاق، وإن صارت الكلم بها كالرّباعي لظهور كون هذه الزيادات للمعاني، فلا نحيلها على الغرض اللّفظي مع إمكان إحالتها على الغرض المعنوي وليس لأحد أن يرتكب كون الحرف لمعنى للإلحاق أيضا، لأنه لو كان كذلك لم يدغم نحو أشدّ ومردّ لئلا ينكسر وزن جعفر، كما لم يدغم مهدد وقردد لذلك، وترك الإدغام في قردد ليس لكون أحد الدالين زائدة، وإلّا لم يدغم نحو قمد لزيادة أحدد إليه ولم يظهر نحو الندد وبلندد لأصالة داليهما، بل هو للمحافظة على وزن الملحق به، وربما لا يكون لأصل الملحق معنى في كلامهم ككوكب وزينب فإنه لا معنى لتركيب ككب وزنب.

قولنا: أن يزيد حرفا نحو كوثر قولنا أو حرفين كالندد، وأما اقعنسس واحرنسى فقالوا ليس الهمزة والنون فيهما للإلحاق بل أحد سيني اقعنسس وألف الحرنسى للإلحاق فقط وذلك لأن الهمزة والنون فيهما في مقابلة الهمزة والنون الزائدتين في الملحق به أيضا، ولا يكون الإلحاق إلّا بزيادة حرف في موضع الفاء أو العين أو اللام، هذا ما قالوا. قال الرضي وأنا لا أرى منعا من أن يزاد للإحلاق لا في مقابلة الحرف الأصلي إذا كان الملحق به ذا زيادة، فنقول: زوائد اقعنسس كلها للإلحاق باحرنجم، وقد يلحق الكلمة بكلمة ثم يزاد على الملحقة ما يزاد على الملحق بها كما ألحق شيطن وسلقى بدحرج ثم ألحق الزيادة فقيل تشيطن واسلنقى كما قيل تدحرج واحرنجم فيسمّى مثله ذا زيادة الملحق وليس اقعنسس كذلك إذ لم يستعمل قعسس ولا يلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلّا بأن يجيء في الملحقة ذلك الزائد بعينه في مثل مكانه، فلا يقال إنّ اعشوشب واجلوذّ ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما في موضع نونه؛ ولذا ضعّف قول سيبويه في نحو سودد ملحق بجندب المزيد نونه، وقوي قول الأخفش أنه ثبت جحدب وأنّ سودد ملحق به.
قولنا والمصدر يخرج نحو افعل وفعّل وفاعل فإنها ليست ملحقة بدحرج لأن مصادرها إفعال وتفعيل ومفاعلة مع أن زياداتها مطّردة لمعان ولا يكفي مساواة إفعال وفعال وفيعال كإخراج وقتال وقيتال لفعلال مصدر فعلل، لأنّ المخالفة في شيء من التصاريف تكفي في الدلالة على عدم الإلحاق لا سيما واشتهر مصدر فعلل فعللة. قولنا في التصغير والتكسير يخرج عنه نحو حمار وإن كان على وزن قمطر لأنّ جمعه قماطر ولا يجمع حمار على حمائر بل على حمر. وأمّا شمائل جمع شمال فلا يرد اعتراضا لأن فعائل غير مطّرد في جمع فعال.
قولنا لا خماسيا لأن الملحق به لا يحذف آخره في التصغير والتكسير كما يحذف في الخماسي بل يحذف الزائد منه أين كان، لأنه لمّا احتيج إلى حذف حرف واحد فالزائد أولى. قيل لا يكون حرف الإلحاق في الأول فليس أبلم ملحق ببرثن. قال الرضي ولا أرى منعا منه فإنها تقع أولا للإلحاق مع مساعد اتفاقا كما في الندود وبلندود، فما المانع أن يقع بلا مساعد. وقيل لا يقع الألف للإلحاق في الاسم حشوا أي وسطا ولا دليل على هذا الامتناع. وقال بعضهم الألف لا تكون للإلحاق أصلا ولا دليل على ما قال أيضا.
فائدة:
كل كلمة زائدة على ثلاثة أحرف، في آخرها مثلان مظهران فهي ملحقة، سواء كانا أصليين كما في الندد أو أحدهما زائدا كما في مهدد، لأن الكلمة إذن ثقيلة، وفكّ التضعيف ثقيل، فلولا قصد مماثلتهما لرباعي أو خماسي لأدغم الحرف طلبا للتخفيف. فلهذا قيل إنّ مهدد ملحق بجعفر دون معد. ولهذا قال سيبويه نحو سودد ملحق بجندب مع كون النون في جندب زائدا هكذا يستفاد مما ذكر الرضي في الشافية.

المعارك الحربية

المعارك الحربية
سجل القرآن كثيرا من المعارك الحربية التى دارت بين المسلمين وخصومهم بطريقته المصورة المؤثرة المتغلغلة إلى أعماق النفوس، وأخفى أغوار القلوب، وها هو ذا يسجل معركة بدر، أولى المعارك الكبرى التى انتصر فيها المؤمنون، على قلتهم، انتصارا مبينا على عدوهم، فيقول: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
(الأنفال 5 - 19).
تسجل الآيات الكريمة نقاشا حادّا جرى بين النبى وطائفة من المؤمنين، هو يريد أن يقنعها بأن الخير في الخروج لملاقاة العدو، وهى تريد أن تقنعه بأن الأفضل البقاء وتجنب ملاقاته، يشفع لها في اتخاذ هذا الرأى قلة عددها، ويسجل القرآن على هذه الطائفة شدة فرقها من لقاء العدو، حتى لقد دفعها ذلك إلى جدال الرسول في رأيه جدالا شديدا، وكأنما تمثلت مصارعهم أمامهم، وكأنهم يرون أنفسهم مسوقين إلى الموت سوقا، وتسجل الآيات أن الله وعد المؤمنين الظفربالعير أو بقريش، وأنهم كانوا يؤثرون أخذ العير لسهولة ذلك عليهم، ولكن الله قد دفعهم إلى الخروج لا للظفر بالغنيمة، بل ليكون ذلك تمهيدا للتمكين للدين، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
ها هو ذا جيش المسلمين يسير بقلب واجف، وفؤاد مضطرب، يستمد المعونة من الله، ويستغيث به، ويطلب منه النصر، والله يستجيب له، ويعده بأن يمده بالملائكة، ليطمئن قلبه، وتسكن نفسه، وتثبت قدمه، وها هو ذا الأمن يملأ أفئدة الجند، فيجد النوم سبيله إلى عيونهم، وتجود السماء بالماء، فلا يتسرب الخوف من العطش إلى نفوسهم، والله يلقى الأمن والسكينة في قلوبهم، فيقبلون على القتال، فى جرأة وبسالة وإقدام، يتزعزع لها قلب العدو، ويمتلئ قلبه بالرعب والذهول، والمسلمون ماضون في عنف، يضربون الأعناق، ويبترون الأكف، فلا تستطيع حمل السلاح، وذلك جزاء عناد المشركين لله ورسوله.
ويتخذ القرآن من تلك المعركة درسا، ويرى أن النصر إنما كفل بهذا الإقدام المستميت، فيحذرهم إذا لاقوا العدو أن يفروا من ميدان القتال، وينذرهم إذا هم فعلوا، بأقسى ألوان العقوبات، وشر أنواع المصير، يذكرهم بأن الله هو الذى أمدهم بهذه القوة التى استطاعوا بها هزيمة عدوهم، وكأنه ينبئهم بأنهم ليس لهم عذر بعد اليوم، إذا هم أحجموا عن الجهاد، وخافوا لقاء العدو.
ويمضى القرآن بعدئذ منذرا الكافرين، مهددا إياهم، بشر مصير إن هم فكروا فى إعادة الكرة، أو غرتهم كثرتهم، ومتجها إلى المؤمنين يأمرهم بطاعة الرسول، بعد أن تبينوا أن الخير فيما اختار، والنجح فيما أشار به وأمر.
والقرآن في حديثه عن هذه الغزوة قد اتجه أكثر ما اتجه إلى رسم نفسية المقاتلين، والتغلغل في أعماقها، لأن هذه النفسية هى التى تقود خطا المجاهدين، وتمهد الطريق إلى النصر أو الهزيمة، كما اتجه إلى ما يؤخذ منها من تجربة وعظة.
وإذا كانت غزوة بدر قد انتهت بالنصر فإن غزوة أحد قد انتهت بإخفاق بعد نصر كان محققا، وقد سجل القرآن تلك الغزوة في قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ  لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران 121 - 171).
هذا الحديث المطول مؤذن بأن المحدث عنه ذو أهمية خاصة تحتاج إلى هذا الطول، ولم لا؟ وهو حديث عن هزيمة، يريد أن يقتلع آثارها من نفوسهم، وأن يبدلهم من اليأس أملا، وأن يبين لهم الحكمة فيما حدث، ولنتتبع الآيات الكريمة نرى ما رسمته، وما توحى به، وما عالجته في نفوس القوم، وكيف مستها برفق حتى اندمل جرحها واطمأنت. صورت الآيات الكريمة الرسول في ميدان القتال، يرتب الجند، ويخص كل طائفة بمكان، ويعيّن موضع كل فريق من المعركة، وقد همّ فريقان أن يتركا ميدان القتال ويفشلا، ولعلهما كانا يريان أن يعودا وينتظرا العدو في المدينة، وربما ذكر الرسول المؤمنين بنعمة الله إذ نصرهم، وهم ضعاف أذلة يوم بدر، كما أخذ الرسول يقوى روحهم المعنوية، فيحدثهم عن تأييد الله لهم بالملائكة ليطمئن قلوبهم، ويثبت أقدامهم، وليكون ذلك وسيلة لدحر الكفار، أو لتذكيرهم فيتوبون.
ذلك رسم لما كان في بدء المعركة، وما قام به الرسول من دور هام في تنظيم قوى المؤمنين، وملء أفئدتهم بالأمل وروح الإقدام.
ويمضى القرآن بعدئذ يمس جرحهم في رفق، فينهاهم عن الوهن والحزن، ويعدهم بالفوز إذا كان الإيمان الحق يملأ قلوبهم، ويحدثهم بأنهم إن كانوا قد أصيبوا فقد أصيب عدوهم بمثل ما أصيبوا به، وكأنه يقول لهم: إن القوم برغم ما أصيبوا به، لم يهنوا ولم ييأسوا، بل جاءوا إليكم مقاتلين.
ويحدثهم عن السر في انتهاء المعركة بما انتهت به، وأن ذلك وسيلة لتبين المؤمن الحق، وتمحيصه عن طريق اختباره، فليس دخول الجنة من اليسر بحيث لا يحتاج إلى اختبار قاس، كهذا الاختبار الذى عانوه في معركة القتال، ثم ينتقل بعدئذ يقرّ في نفوسهم أن الأجل أمر مقدور لا سبيل إلى تقديمه أو تأخيره، وأن كثيرا من الأنبياء حدث لأتباعهم هزائم لم تضعف من عزيمتهم ولم تؤد بهم إلى الوهن والضعف والاستكانة، وهو بذلك يضرب لهم المثل الواجب الاقتداء، وبالصبر سيظفرون كما ظفر من سبقهم.
ويعود بعد ذلك متحدثا عن سبب الهزيمة، فيبين أنهم كانوا خلقاء بالنصر، وأن الله قد صدقهم وعده، وأراهم ما يحبون، ولكنهم فشلوا وتنازعوا في الأمر فمنهم من أراد
الظفر بالغنيمة، ومنهم من كان يريد الآخرة، فكانت النتيجة هزيمة، فرّوا على إثرها مولين، لا يلوون على شىء، والرسول يدعوهم إلى الثبات، ويصف القرآن طائفة منهم قد تغلغل الشك في نفوسهم، فمضوا يظنون بالله غير الحق، ويقولون: لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا هاهنا، فيرد عليهم القرآن في رفق بأن الأجل مقدر، وأن من كتب عليه القتل لا بدّ ملاقيه، ثم يسبغ الله عفوه على من فر في ميدان القتال، غافرا له زلة دفعه إليها الشيطان.
ويكرر القرآن مرة أخرى فكرة إصابتهم، وأن أعداءهم قد أصيبوا من قبلهم، وأن سبب هذه الهزيمة راجع إلى أنفسهم، كما سبق أن حدثهم عن فشلهم وتنازعهم، وأن هذا الاختبار ليتبين من آمن، ومن نافق، هؤلاء الذين ثبطوا عن القتال حينا، والذين زعموا أن الجهاد في سبيل الله هو الذى دنا بآجال من قتلوا، والقرآن يرد عليهم في إفحام قائلا: فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (آل عمران 168).
ويختم حديثه مسهّلا عليهم قتل من قتل في سبيل الله بأنه شهيد حى عند ربه يرزق، فرح بما أوتى من فضل الله، مستبشر بمن سيلحق به من المجاهدين، مبتهج بحياة لا خوف فيها ولا حزن.
كانت سمة هذا الحديث الطويل الرفق في الخطاب واللين في العتاب، يريد بذلك تأليف القلوب، وجمع الأفئدة، وربما جر العنف إلى أن تجمع النفوس، وتتشتت الأهواء، فى وقت كان الإسلام فيه أحوج ما يكون إلى الألفة وجمع الشمل، حتى إن الفارين أنفسهم وجدوا من عفو الله ما وسعهم بعد أن استزلهم الشيطان.
وسمة أخرى واضحة في تلك الآيات الكريمة وهى خلق الأمل في القلوب وإبعاد شبح اليأس ومرارة الهزيمة من النفوس، وقد رأينا كيف ضرب لهم الأمثلة بمن مضوا ممن قاتلوا مع النبيين، وأثار فيهم نخوة ألا يكونوا أقل قوة من أعدائهم الذين أصيبوا أشد من إصابتهم، ومع ذلك لم يهنوا ولم يضعفوا، وملأ قلبهم طمأنينة على من قتل من أحبابهم، فقد أكد لهم حياتهم حياة سعيدة، وبذلك كله مسح على قلوبهم، ومحا بعفوه آلام المنهزمين منهم، وأعد الجميع لتحمل أعباء الجهاد من جديد بنفوس مشرقة، وقلوب خالصة، يملؤها الأمل ويحدوها الرجاء في ألا تقصر في قتال، أو يدفعها زخرف الحياة الدنيا فتنصرف إليه، ناسية الهدف الرئيسى الذى تركت من أجله الوطن والأهل والولد.
وتحدث القرآن حديثا طويلا عن غزوة الأحزاب، إذ قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (الأحزاب 9 - 27).
أجملت الآيات في وصف نتيجة المعركة بانهزام الأحزاب ومن ظاهروهم، إجمالا يغنى عن كل تفصيل، ويحمل إلى النفس معنى النعمة التى أنعم الله بها على المؤمنين، فقد كفاهم القتال بقوته وعزته، ولا سيما إذا قرنت تلك النعمة بما أصاب المؤمنين من الخوف والرهبة من إحاطة الأعداء بهم، فقد جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزلوا زلزالا شديدا، ألا ترى أن هذا الوصف الدقيق لنفسية المؤمنين وقد أحيط بهم، وهذا الوصف الموحى المصور، المؤذن بأن اليأس من النجاة، كاد يستولى على النفوس، ثم رأى المحاصرون أنه قد انجلى الغم عنهم، ومضى الخوف إلى غير رجعة، وأن ذلك قد تم بقدرة الله وحده، وأنهم قد كفوا القتال، وصاروا آمنين في ديارهم- ألا ترى ذلك جديرا بشكر المنعم على تلك النعمة، التى تضؤل النعم بجوارها.
وأطالت الآيات في الحديث عن هذه العوامل التى تفت في عضد الجيش الإسلامى، والتى كانت خليقة أن تنزل به أقسى الهزائم، وتلك هى المعوقون والمنافقون، وكأنه بذلك يريد أن يتدبر هؤلاء موقفهم، وأن يروا قدرة الله التى جلبت النصر وحدها، من غير أن يشترك المسلمون في قتال، فلعل في ذلك تطهيرا لقلوبهم، وسببا لعودتهم إلى الطريق السوى، وخير السبل، وقد تحدث القرآن طويلا عما يعتلج في نفوسهم، وما يبثونه من أسباب الهزيمة في صفوف المسلمين، وحكى معتقداتهم ورد عليها في حزم. فكان حديث القرآن عن هذه الغزوة حديث المصلح الذى يضع هدف إصلاح نفوس الأفراد وتطهير الجماعة من أسباب ضعفها وخذلانها. وإلى هذا يهدف القرآن حين يتحدث عن الغزوات، يعنى بالنهوض بالفرد، فتطهر نفسه، ويؤمن بالله أعمق الإيمان وأصدقه، وبالجماعة فتتلافى وسائل نقصها، وتخلص مما يقعد بها دون الوصول إلى غايتها من النصر المؤزر والاستقرار والأمن، يرفق في سبيل ذلك حينا، ويقسو حينا آخر.

تَقْزِيمٌ

تَقْزِيمٌ
الجذر: ق ز م

مثال: لابُدَّ مِن تقزيم دوره
الرأي: مرفوضة
السبب: لعدم ورودها في المعاجم.
المعنى: تقليل حجمه والتهوين من شأنه

الصواب والرتبة: -لابُدَّ مِن تقزيم دوره [صحيحة]
التعليق: يمكن تصحيح المثال المرفوض؛ أخذًا بقرار مجمع اللغة المصري إجازة استعماله بهذا المعنى، استنادًا إلى قرار سابق له بقياسية اشتقاق «فَعّل» من «فَعَل» عند إرادة التكثير أو المبالغة أو التعدية، أو اتخاذ الفعل من الاسم.

طَرْطُور

طَرْطُور
الجذر: ط ر ط ر

مثال: رَجُلٌ طَرْطُور
الرأي: مرفوضة عند بعضهم
السبب: لأنها لم ترد بهذا الضبط في المعاجم.
المعنى: ضعيف لا يملك اتّخاذ القرارات

الصواب والرتبة: -رجلٌ طُرْطُور [فصيحة]
التعليق: وردت كلمة «طُرْطُور» في المعاجم بمعنى الوغد الضعيف من الرجال، وجمعها طَراطير.

راديكال

راديكال
راديكاليّ [مفرد]: اسم منسوب إلى راديكاليَّة: من كان على مذهب الراديكاليّة "تيار راديكاليّ". 

راديكاليَّة [مفرد]: (سة) اتّجاه سياسيّ يطالب بالإصلاح الجذريّ التامّ في إطار المجتمع القائم، ويقوم على إطلاق الحريّة في الاقتصاد وعلى التفكير العقلانيّ غير المتسرِّع قبل اتِّخاذ الخطوات المؤدِّية للإصلاح. 

سام

سام
عن العبرية بمعنى واضع ومؤسس ومقيم، وسام: أحد أبناء نوح، وأيضا بمعنى علاج وإكسير وعطر يستخدم للذكور.
سام
سامِيّة [مفرد]:
1 - مجموعة من اللُّغات كانت شائعة منذ أزمان بعيدة في بلاد آسيا وأفريقيا سواء منها ما عفت آثاره، وما لا يزال باقيًا حتى الآن، ومن أشهر لغاتها: الأكاديّة والفينيقيّة والعبريّة والآراميّة والعربيّة.
2 - سياسة مناصرة اليهود "معادٍ للساميّة".
• اللاَّساميَّة: مبدأ أو موقف من يعادون اليهود ويعملون على اتِّخاذ إجراءات تمييز عنصريّ ضدَّهم "اتُّهم بتبنِّي اللاَّساميّة والتحريض عليها". 

سامِيّون [جمع]: مف سامِيّ: مجموعة من الشعوب ترجع بأصولها إلى سام بن نوح، وتضمّ العربَ والأكاديّين والبابليِّين والآشوريِّين والكنعانيِّين والفينيقيِّين والعبرانيِّين "العرب من الساميِّين". 
سام
السَّوْمُ أصله: الذّهاب في ابتغاء الشيء، فهو لفظ لمعنى مركّب من الذّهاب والابتغاء، وأجري مجرى الذّهاب في قولهم: سَامَتِ الإبل، فهي سَائِمَةٌ، ومجرى الابتغاء في قولهم: سُمْتُ كذا، قال: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ
[إبراهيم/ 6] ، ومنه قيل: سِيمَ فلان الخسف، فهو يُسَامُ الخسف، ومنه: السَّوْمُ في البيع، فقيل:
(صاحب السّلعة أحقّ بالسّوم) ويقال: سُمْتُ الإبل في المرعى، وأَسَمْتُهَا، وسَوَّمْتُهَا، قال:
وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
[النحل/ 10] ، والسِّيمَاءُ والسِّيمِيَاءُ: العلامة، قال الشاعر:
له سيمياء لا تشق على البصر
وقال تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
[الفتح/ 29] ، وقد سَوَّمْتُهُ أي: أعلمته، وقوله عزّ وجلّ في الملائكة: مُسَوِّمِينَ
أي:
معلّمين ومُسَوِّمِينَ معلّمين لأنفسهم أو لخيولهم، أو مرسلين لها، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «تَسَوَّمُوا فإن الملائكة قد تَسَوَّمَتْ» .

أِخذ

أِخذ
أخَذَ يَأْخُذُ أخْذَاً: تَنَاوَلَ. واسْتَأْخَذَ شَعْري: طالَ حتّى احتاجَ إلى أنْ يُؤخَذَ.
والأخِيْذَةُ: كلُّ شَيْءٍ أخَذْتَه من إنسانٍ.والأخْذَةُ: رُقْيَةٌ تَأْخُذُ العَيْنَ ونحوَها.
والإِخْذُ: سِمَةٌ على البَعِير إذا خِيْفَ به مَرَضٌ كُوِيَ على جَنْبِه، يُقال: به مَوَاسِمُ الإِخْذِ. وأخَذْتَ بأَخْذِنا: أي بطَريقَتِنا. وذَهَبَ بَنُو فلانٍ ومَنْ أخَذَ إخْذَهم وأَخْذَهم: أي مَنْ أخَذَ بخَلائقهم. والإِخَاذَةُ: الضَّيْعَةُ يَتَّخِذُها الرَّجُلُ لنَفْسِه. ورَجُلٌ مُؤْخَذٌ عن النِّساء: كأنَّه حُبِسَ عنهنً. واتَّخَذْتُ الشَّيْءَ اتِّخاذاً وتَخِذْتُه تَخَذاً. وتَخِذْتُ مالاً: كَسَبْتَه، من قوله عَزَّ وجلَّ: " لَتَخِذْتَ عليه أجْراً ".
والآخِذُ من اللَّبَن - على فاعِلٍ -: الذي قد أخَذَ فيه الطَّعْمُ وقَرَصَ وطابَ شُرْبُه. والآخِذُ من الإِبل: حِينَ أخَذَ فيه السِّنُّ، وهُنَّ الأوَاخِذ. وأخِذَ البَعِيرُ يَأْخَذُ أخَذاً فهو أخِذٌ: كهَيْئة الجُنُون، وكذلك الشاء. وهو في الفَصِيل: أنْ يَشْرَبَ اللَّبَنَ حتى يَبْشَمَ ويَسْلَحَ عنه. والأُخْذَةُ: ما حَفَرْتَ كهيئة الحَوْض لنفسِك، والجميع الأُخُذُ، لِتُمْسِكَ الماءَ أيّاماً. وزُبْيَةُ السِّبَاع أيضاً، وجَمْعُها أُخَذٌ.وبعَيْنه أُخُذٌ: أي رَمَدٌ. وأصْبَحَ مُؤْتَخِذاً ومُسْتَأْخِذاً: أي مُسْتكيناً ضَعيفاً من رَمَدٍ. ويقولون: بادِرْ بزِنادِكَ أُخْذَةَ النار: وهو بَعْدَ صلاة المغرِب، وهي شَرُّ ساعةٍ يُقْتَدَح فيها. ونُجُومُ الأَخْذِ: أنْ يأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ في نَوْءٍ. والإخاذَةُ: الأرضُ يُعْطِيكَ الإِمامُ وليستْ مِلْكاً.
والأخِيْذُ: الأسِيْرُ. وفي المَثَل: " أكْذَبُ من الأخِيْذِ الصَّبْحَان ومن الأخِذِ " وهو الذي قد تَقَدَّم ذِكْرُه. والأخِيْذُ: الشَّيْخُ الغَرِيبُ.
و" أكْذَبُ من أخِيْذِ الجَيْش " لأنَّهم إِذا أخَذُوه اسْتَدَلُّوه على قَوْمِه فهو يَكْذِبُهم.

الأخُ

الأخُ واحد، وجَمْعُه إخْوَةٌ وأخْوَة وإخْوَان وآخاء - مِثْل آباء - وأخُون - مِثلُ أبون -. وبَيْني وبَيْنَه أخُوة وإخاء وخُوَي. وآخَيْتُه. وهو من آخائي. والتأخي: اتخاذُ الإخْوان. وتصغير إخْوَة: أخَيْوَة.
والتأخي: إحْكامُ الشيْءِ وجَوْدَةُ الصنْعَة. ويقولون: هو بأخي الشر: أي بخَيْرٍ. والمَوْتُ أخو الشر. وفي المَثَل: " مَنْ لك بأخِيكَ كله ".
ولفُلانٍ عندي أخِيةً، وأخيْتُ تأخِيَةً، وأصْلُه من آخِية الدابة، والجميع الأواخِي. والأخْتُ: تاؤها هاء، وأخَوَات جَمْع. وأخٍ: كلمة يُتَكَلمُ بها عند التوَجع كالاسْتِغاثة. وإخ: للشيْءِ القذِر. والتأوُّخ: القَصْدُ. والأخِيْخَةُ: دَقِيْقٌ يُصَبُّ عليه ماء وزَيْت.
ويقال للبعير إذا أرَدْتَ أنْ تُنِيخَه: أخّ أخّ وأيْخ أيْخ. وقد أيَّخْتُ به تأييخاً. والأخِيَّةُ - على فَعِيْلَةَ -: الآخِيةُ، وجَمْعُها أخَايَا. والآخِيةُ: أنْ يُدْفَنَ طَرَفَا قِطعةٍ من الحَبْل في الأرض ويُظْهَر مِثْلَ العُرْوَة يُشَد به الدابةُ.

اللفيف من اللام

بابُ اللَّفِيْف


ما أَوَّلُهُ اللاّم
لَوْ: حَرْفُ أُمْنِيَّةٍ. وتكونُ مَوْقُوْفَةً بَيْنَ نَفْيٍ وأُمْنِيَّةٍ. وتُجْعَلُ " لَوْ " مَكانَ " لَعَلَّ "؛ يقولون: لَوْ أنَّكَ مُرِيْبٌ: أي لَعَلَّكَ.
و" لا ": حَرْفٌ يُجْحَدُ ويُنفَى به. وتكونُ زائدةً. وهذه لاءٌ مَكْتُوْبَةٌ يَمُدُّوْنَها، وتَصْغِيْرُها لُيَيَّةٌ. ولَوَّيْتُ لاءً حَسَنَةً، ولاءٌ مُلَوّاةٌ. وقَوْلُهم: كَلاّ ولاَ: مَعْنَاه السُّرْعةُ. و " لا " يكُونُ بمعنى " لَمْ " نَحْو قَوْلِكَ: لا خَرَجَ زَيْدٌ: أي لم يَخْرُجْ زَيْدٌ.
و" لَنْ ": أصْلُه " لا أَنْ " وُصِلَتْ لكَثْرَتِها في الكلامِ.
و" لَوْلاَ " مَعْنَيَانِ: أحَدُهما " هَلاّ " والآخَرُ " لَوْ لَمْ يَكُنْ ". ووَقَعَ القَوْمُ في لَوْلاَءٍ شَدِيْدَةٍ: إذا تَلاَوَمُوا فقالوا: لَوْلاَ ولَوْلا.
و" لي ": حَرْفَانِ مُتَبَايِنَانِ قُرِنَا؛ واللاّمُ لاَمُ إضَافَةٍ.
و" لاتَ ": يُنْفى بها كما يُنْفَى ب " لا "؛ إلاَّ أنَّها لا تُوْقَعُ إلاَّ على الزَّمَانِ، كقَوْلِه عَزَّ وجَلَّ: " ولاتَ حِيْنَ مَنَاصٍ ".
واللَّوِيَّةُ: ما ذَخَرَتِ المَرْأَةُ من طَعَامِها مِمَّا يُؤْكَلُ في شِتَاءٍ أو غَيْرِه، والجَمِيْعُ اللَّوِيّاتُ واللَّوَايَا. ولَوَتِ المَرْأَةُ تَلْوِي لَيّاً ولَوِيّاً: ادَّخَرَتِ اللَّوِيَّةَ. وهي اللِّوَايَةُ أيضاً، وجَمْعُها لِوَايَاتٌ. وأَلْوَيْتُكَ على نَفْسي: إذا آثَرْتَه.
واللَّوِيَّةُ أيضاً: البَقِيَّةُ من الشَّيْءِ.
واللأى بوَزْنِ اللَّعَا: الثَّوْرث الوَحْشِيُّ، والجَمِيْعُ الأَلأَءُ على وَزْنِ الأَلْعَاء.
والبَقَرَةُ: لأْيٌ بوَزْنِ لَعْيٍ.
والَّلأْوَاءُ: من شَدَائِدِ الدَّهْرِ، يُجْمَعُ على فُعْلاَوَاتٍ، وكذلك اللَّوْلاَءُ.
والَّلأْيُ بوَزْنِ اللَّعْيِ: البُطْءُ والالْتِوَاءُ في الأمْرِ، يقولونَ: بَعْدَ لأْيٍ: أي بَعْدَ جَهْدٍ ومَشَقَّةٍ.
وألأَى الرَّجُلُ: بمَعْنى أفْلَسَ، فهو مُلْءٍ.
وألأَتْ عليه بِضَاعَتُه: أي ضاقَ عليه عَيْشُه.
ولأَيْتُ أَلأى: أي لَبِثْتُ بوَزْنِ لَعَيْتُ أَلْعى.
واللُّؤْلُؤُ: مَعْرُوْفٌ، وصاحِبُه اللأّلُ. واللِّئَالَةُ: حِرْفَةُ اللأّلِ وصَنْعَتُه. ولَوْنٌ لُؤْلُؤَانٌ: يُشْبِهُ اللُّؤْلُؤَ. وقَوْلُه:
يُلاَلِيْنَ الدُّمُوْعَ على عَدِيٍّ
أي يُحْدِرْنَها كالّلألي.
واللُّؤْلُؤَةُ: البَقَرَةُ الوَحْشِيَّةُ.
ولأْلأَتِ النّارُ: لأْلأَ لَهِيْبُها. واللأْلاَءُ: النُّوْرُ.
وفي المَثَلِ: " لا أُكَلِّمُكَ ما لأْلأَتِ الفُوْرُ بأذْنَابِها " يَعْني النُّفَّرَ من الوَحْشِ إذا حَرَّكَتْ أذْنَابَها.
ويقولونَ للذَّكَرِ من الكَرَوَانِ اللَّيْلُ.
واللَّيْلُ: ضِدُّ النَّهَارِ، وظَلاَمُ اللَّيْلِ، وتَصْغِيْرُها لُيَيْلَةٌ. ولَيْلَةٌ لَيْلاَءُ ولَيْلٌ أَلْيَلُ وذُوْ لَيْلٍ: شَدِيْدُ الظُّلْمَةِ؛ واللَّيْلُ: الظُّلْمَةُ. وجَمْعُ اللَّيْلَةِ: لَيَائِلُ ولَيَالٍ على القَلْبِ، ويُجْمَعُ على اللُّيُوْلِ أيضاً. ورَجُلٌ لائلٌ: يَسِيْرُ باللِّيْلِ؛ ولَيْلِيٌّ. وعامَلْتُهُ مُلاَيَلَةً. وألْبَسَ لَيْلٌ لَيْلاً: أي رَكِبَ بَعْضُه بَعْضاً. وفي المَثَلِ: " لَيْسَ لِوِلْدَانِكَ لَيْلٌ فاغْتَمِدْ " أي ارْكَبْ لَيْلَتَكَ واجْعَلْها غِمْداً، و " اللَّيْلُ أَخْفَى للوَيْلِ "، ويقولونَ: لا تُخْلِفْني كما فَعَلْتَ لَيْلَةَ ذي لَيْلَةٍ؛ ولَيْلَةَ لَيْلَةٍ، واللِّصُّ ابْنُ اللَّيْلِ.
والْتَأَتْ علينا الحاجَةُ: أي الْتَوَتْ.
ولَوَى يَلْوي لَيّاً. ولَوَيْتُ الحَبْلَ والدَّيْنَ لَيّاناً. ولأَلْوِيَنَّ دَيْنَكَ مَلْوىً شَدِيْداً.
وامْرَأَةٌ لَوّاءُ العُنُقِ ولَيّاؤها.
والألْوَى: وَتَرُ القَوْسِ المَلْوِيّ طاقَاتُه.
والإِلْوَاءُ: أنْ تَرْفَعَ بشَيْءٍ فتُشِيْرَ به، ألْوى بثَوْبِه صَرِيْخاً.
وأَلْوَتِ المَرْأَةُ بيَدِها؛ والحَرْبُ بالسَّوَامِ: أي ذَهَبَتْ بها وصاحِبُها يَنْظُرُ إليها.
والإِلْوَاءُ: أنْ تُخَالِفَ بالكَلاَمِ عن جِهَتِه.
والرَّجُلُ الأَلْوَى: المُجْتَنِبُ المُعْتَزِلُ. والذي لا يُدْرَكُ ما وَرضاءَ ظَهْرِه، " إنَّه لأَلْوى بَعِيْدُ المُسْتَمَرِّ "، والأُنْثى لَيّاءُ ونِسْوَةٌ لِيّانٌ وإنْ شِئْتَ لَيّاوَاتٌ، وقد لَوِيَ يَلْوى لَوىً، وقيل: لَوّاءُ ولُوَّةٌ كحَوّاءَ وحُوَّةٍ.
ولَوَيْتُ عن الشَّيْءِ والْتَوَي. والأَلْوَى: المُلْتَوِي.
ولَوِيَتْ عَقِبُ الخُفِّ: اعْوَجَّتْ.
ولَوَّيْتُ عليه الأمْرَ: عَوَّصْته.
ولَوَيْتُ عليه مُخَفَّفٌ: انْتَظَرْتُه وأَقَمْتُ عليه؛ لَيّاً.
ولَوَّأْتُ به: أي عَذَّبْته.
ولَوّى اللهُ به: أي شَوَّهَه.
ولَوّى بوَجْهِه: أعْرَضَ.
ولَوَّأْتُ به الأرْضَ: ضَرَبْته.
واسْتَلْوى فلانٌ بكذا: ذَهَبَ.
واللَّوَى مَقْصُوْرٌ: داءٌ يَأْخُذُ في المَعِدَةِ، لَوِيَ يَلْوَى لَوىً.
واللِّوَاءُ مَمْدُوْدٌ: لِوَاءُ الوالي. وأَلْوَى الأَمِيْرُ له لِوَاءً: عَقَدَه له.
ولِوَى الرَّمْلِ مَقْصُوْرٌ: ما يَلِي الجَلَدَ، وما كانَ من نَوَاحِي الرَّمْلِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ. وأَلْوى القَوْمُ فهم مُلْوُوْنَ: بَلَغُوا لِوَى الرَّمْلِ، وقد ألْوَيْتُم فانْزِلُوا. والأَلْوَاءُ والأَلْوِيَةُ: جَمْعُ لِوَى الرَّمْلِ.
وأَلْوَاءُ البِلاَدِ: نَوَاحِيْها. وألْوَاءُ الوادي: أحْنَاؤه.
واللِّوَى: اسْمُ وادٍ من أوْدِيَةِ بَنِي سُلَيْمٍ.
والمَلْوَاةُ: الثَّنِيَّةُ، وجَمْعُها مَلاَوٍ.
واللَّوِيُّ: اليابِسُ من البَقْلِ، أَلْوى البَقْلُ إلْوَاءً: صارَ لَوِيّاً. ولُوَيُّ بن غالِبٍ: أكْرَمُ قُرَيْشٍ.
ولاَوَى بن يَعْقُوْبَ النَّبِيّ عليهما السَّلاَمُ.
واللِّيَاءُ: شَيْءٌ أبْيَضُ شَدِيْدُ البَيَاضِ؛ يُؤْكَلُ؛ مِثْلُ الحِمّصِ، ويُقال للمَرْأَةِ البَيْضَاءِ: كأنَّها اللِّيَاءُ. وسَمَكَةٌ في البَحْرِ يُتَّخَذُ منها التِّرَسَةُ الجَيِّدَةُ.
ويقولونَ: بَعَثُوا إلينا بالهِيَاءِ واللِّيَاءِ؛ والسِّيَاءِ واللِّيَاءِ؛ والسِّوَاءِ واللِّوَاءِ: أي بَعَثُوا يَسْتَغِيْثُوْنَ. ويا لِيَاهُ: أي يا غَوْثَاه.
واللِّوَايَةُ في العِكْمِ: خَشَبَةٌ تُشَدُّ بالحَبْلِ إليه.
واللِّيَاءُ: الأرْضُ التي بَعُدَ ماؤها واشْتَدَّ السَّيْرُ فيها.
واللِّيَّةُ واللُّوَّةُ: لُغَتَانِ في الأَلُوَّةِ الذي هو العُوْدُ.
ولِيَّةُ الرَّجُلِ: مَنْ يَلِيْهِ من أهْلِه، ويُقال: لِئَةٌ بالهَمْزِ.
وأُمُّ لَيْلى: كُنْيَةُ الخَمْرِ. ولَيْلى: هي النَّشْوَةُ.


ما أوَّلُهُ الأَلِفُ
قَوْلُهم: إمَّا لا فافْعَلْ كذا: أي إنْ لم تَفْعَلْ ذاكَ فافْعَلْ ذا. والْقَ زَيْداً وإلاَّ فَلاَ: أي وإنْ لا تَلْقَ زَيْداً فَدَعْ.
و" أَلاَ " مَعْناه هَلاّ في حَالِ تَنْبِيْهٍ، وقد يُرْدَفُ ب " لا " أُخْرى فيُقال:
ألاَلاَ من سَبِيْلٍ إلى هِنْدِ
جَعَلَ " أَلاَ " تَنْبِيْهاً و " لا " نَفْياً.
و" أَلاّ ": اسْتِثْنَاءٌ. وإيْجَابٌ أيضاً.
و" إلى ": من حُرُوْفِ الصِّفَاتِ. وتكونُ بمَعْنى عَلى كَقَوْلِهم: جَزِعْتُ إليهم: أي عليهم. وقَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: " هذا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيْمٌ " أي إلَيَّ. وتَرَكْتُ الطَّعَامَ من ذي إلَيْنا: أي من ذاتِ أنْفُسِنا. ونَفِذَ ما إلَيْه: أي ما عِنْدَه.
وما سَكِرْتُ ولا إلَيه: أي ولا قَارَبْتُه أيضاً.
والألاَءُ: شَجَرٌ وَرَقُه وحَمْلُه دِبَاغٌ؛ وهو شِتَاءً وصَيْفاً أخْضَرُ، والواحِدَةُ أَلاَءَةٌ. وأرْضٌ مَأْلأَةٌ. وأَدِيْمٌ مَأْلُوْءٌ: مَدْبُوْغٌ به؛ ومَأْلِيٌّ: مِثْلُه.
والإِلَى: النِّعْمَةُ، وجَمْعُه الإِلاَءُ والآلاَءُ.
والأَلاَءُ: الخِصَالُ الصّالِحَةُ، الواحِدُ إلىً وأَلىً. وكَيْفَ أَلاَءُ فَرَسِكَ: أي ما يُوْلِيْكَ من جِرَائِه وكِفَايَتِه.
والأَلْوُ: الضَّرْبُ واللَّطْمُ. والعَطِيَّةُ أيضاً.
وعُوْدُ أَلُوَّةٍ: أجْوَدُ ما يُتَبَخَّرُ به؛ وأُلُوَّةٌ: لُغَةٌ؛ وَلِيَّةٌ ولُوَّةٌ، وأَلاَوِيَةٌ: جَمْعُ أَلُوَّةٍ، وفي الحَدِيْثِ: " مَجَامِرُهم الأَلُوَّةُ " و " الأَلِيَّةُ " و " الأَلْوَةُ " و " الأُلْوَةُ ".
والأَلِيَّةُ: اليَمِيْنُ، والأَلْيَةُ: مِثلُها. وآلَيْتُ إيْلاءً وائْتَلَيْتُ ائْتِلاَءً، وتَأَلّى تَأَلِّياً، وهو بَرُّ المُؤْتَلى. والإِيْلاَءُ: أنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ باللهِ لا يَقْرَب امْرَأَتَه أرْبَعَةَ أشْهُرٍ.
وأَلَيْتُ عن حاجَتي وأَلَّيْتُ: أي تَمَكَّثْتُ عنها حَتّى تكادَ تَفُوْتُ.
وأَلَّيْتُ تَأْلِيَةً: أَبْطَأْتُ؛ مِثْلُ أَلَوْتُ.
والمُؤْتَلِي: المُطِيْقُ.
والمُوْلِي: المُعْوِزُ.
وما أَلَوْتُ عن الجَهْدِ في حاجَتِك. وما أَلَوْتُ نُصْحاً. ومنه الإِلِيُّ والأُلِيُّ والأُلُوُّ، ولا يَأْلُو أُلِيّاً ولا يَأْتَلي.
ولا آلُوْ كذا: أي لا أسْتَطِيْعُه. ومَثَلٌ: " فَلا تَأْلُ أنْ تَتَوَدَّدَ إلى النَّاسِ ". وفي الدُّعَاء عليه: " لا دَرَيْتَ ولا ائْتَلَيْتَ ".
وآلَى الرَّجُلُ: إذا تَمَكَّثَ في الأَمْرِ.
وآلَ عليه: أشْبَل وعَطَفَ.
والأَلُّ: الطَّرْدُ، آَلَّه يَؤُلُّه.
والإِلُّ: الرُّبُوْبِيَّةُ. وقُرْبى الرَّحِمِ. والأصْلُ الجَيِّدُ. والمَعْدِنُ. وجَمْعُ إلِّ القَرَابَةِ: أُلُوْلٌ، وهي الأَلاَلُ أيضاً، وتَأَلَّلْتُ إليه: أي تَوَسَّلْتُ.
والإِلُّ: جَبَلٌ بعَرَفَاتٍ؛ مَعْرِفَةٌ.
وهو الضَّلاَلُ ابْنُ الأَلاَلِ، وهو ابْنُ ضَالٍّ: مِثْلُه، وهو ضَالٌّ أَلٌّ.
والأَلِيْلُ: الشِّدَّةُ.
والأَلِيْلَةُ: ما يَجِدُ الإِنسانُ من وَجَعِ الحُمّى ونَحْوِها في جَسَدِه دُوْنَ الأنِيْنِ، يُقال: أَلَّ يَئِلُّ أَلِيْلاً.
والأَلَلُ والأَلِيْلُ: الصَّوْتُ.
وأَلَّ الرَّجُلُ في الدُّعَاءِ: جَأَرَ فيه، وفي الحَدِيْثِ: " عَجِبَ رَبُّكُم من أَلِّكُم وقُنُوْطِكُم ". وأَلِيْلُ الماءِ: صَلِيْلُه. والأَلاّلُ: الصَّلاّلُ.
وأَلَّ الرَّجُلُ في السَّيْرِ: إذا أسْرَعَ؛ يَؤُلُّ أَلاًّ. وفَرَسٌ مِئَلٌّ: سَرِيْعٌ.
وأَلَّ لَوْنُه: إذا صَفَا وبَرَقَ؛ يَؤُلُّ ويَئِلُّ.
وأَلَّ السَّيْفُ: رَقَّتْ حَدِيْدَتُه.
وفي أسْنَانِه أَلَلٌ بالأَلِفِ: أي قِصَرٌ.
وثَوْبٌ مَأْلُوْلٌ: إذا خِيْطَ خِيَاطَتَه الأُوْلى قَبْلَ الكَفِّ، وقد أَلَلْتُه أَؤُلُّه أَلاًّ والآلَةُ: أَدَاةُ الحَرْبِ من السِّلاَحِ وغَيْرِها. وسائرُ الأَدَوَاتِ: آلَةٌ.
والأَلَّةُ: خَشَبَةٌ يُبْنى عليها، وجَمْعُها أَلاّتٌ. والحَرْبَةُ؛ وجَمْعُها إلاَلٌ، والجِنْسُ الأَلُّ، وسُمِّيَتْ أَلَّةً لدِقَّتِها. وأَلَّه يَؤُلُّه: أي طَعَنَه بها، ومنه قَوْلُهم: " ما لَهُ أُلَّ وغُلَّ ".
والتَّأْلِيْلُ: تَحْرِيْفُكَ الشَّيْءَ كما تُحَرِّفُ رَأْسَ القَلَمِ، وهو مُؤَلَّلٌ.
وأُذُنٌ مُؤَلَّلَةٌ: مُحَدَّدَةٌ؛ ومَأْلُوْلَةٌ، أُلَّتْ أُذُنُه وأُلِّلَتْ.
وفُوْقٌ مُؤَلَّلٌ: صَغِيْرٌ.
وثَوْرٌ مُؤَلَّلٌ: في لَوْنِه شَيْءٌ من سَوَادٍ وسائرُه أبْيَضُ. وفي الظَّبْيِ أَلَلٌ وأُلَلٌ، وهو جَمْعُ أُلَّةٍ. والأَلَلُ: الجُدَّةُ من السَّوَادِ في البَيَاضِ.
ورَجُلٌ مُؤَلَّلُ الوَجْهِ: مَسْنُوْنُه.
والأَلَلُ والأَلَلاَنِ: وَجْهَا السِّكِّيْنِ وغَيْرِها حَتّى القَدَح. وكُلُّ شَيْءٍ عَرِيْضٍ: له أَلَلاَنِ، والجَمِيْعُ الإِلاَلُ. وهو أيضاً: أنْ يَقَعَ التَّسَرُّرُ بَيْنَ لَحْمَةِ تِحْلِئَةِ السِّقَاءِ وأَدَمَتِه فيَفْسُد، يُقال: أَلِلَ السِّقَاءُ يَأْلَلُ، وكذلك إذا تَخَرَّقَ. وسِقَاءٌ قد مَشى أَلَلاَه.
والمِئْلاَةُ: خِرْقَةٌ تكونُ مَعَ النّادِبَةِ في المَنَاحَةِ تَخْتَصِرُ بها، والجَمِيْعُ المَآلِي، وآلَتْ إيْلاَءً: اتَّخَذَتْ مِئْلاَةً.
والمُتَأَلِّيَةُ من النِّسَاءِ: المُسَلِّبَةُ التي لَبِسَتِ السِّلاَبَ والسَّوَادَ.
وأَيْلَةُ: اسْمُ بَلْدَةٍ.
وإيْلِيَاءُ: مَدِيْنَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ.
وأَيْلُوْلُ: اسْمُ شَهْرٍ من شُهُوْرِ الرُّوْمِ.
وأَوَالُ: قَرْيَةٌ على شاطِىءِ البَحْرِ.
والأَيِّلُ: الذَّكَرُ من الأوْعَالِ، والجَمِيْعُ الأَيَايِلُ، وهو الإِيَّلُ والأُيَّلُ أيضاً، وسُمِّيَ بذاكَ لأنَّه يَؤُوْلُ إلى الجِبَالِ يَتَحَصَّنُ بها.
والأَيِّل: ألْبَانُ الأَيَايِلِ.
والإِيَالُ: وِعَاءٌ يُؤَالُ شَراباً ونَحْوَه، أُلْتُ الشَّرَابَ أَؤُوْلُ أوْلاً.
وآلَ الرَّجُلُ: فَرَّ ونَجَا، والآئِلُ: النّاجي.
ولا يَؤُوْلُ من فلانٍ شَيْءٌ: أي لَيْسَ له صَيُّوْرٌ.
وآلَ عن الشَّيْءِ: ارْتَدَّ عنه.
وآلَ عليه: أي أشْبَلَ وَعَطَفَ.
وآلَ اللَّبَنُ يَؤُوْلُ أَوْلاً وأُؤُوْلاً: إذا خَثَرَ، وكذلك البَوْلُ.
وآلَ لَحْمُ النّاقَةِ: ضَمُرَتْ وانْحَسَرَ لَحْمُها.
ورَدَدْتُه إلى إيْلَتِه: أي طَبِيْعَتِه وسُوْسِه.
وأُلْتُه: سُسْتُه. والإِيَالَةُ: السِّيَاسَةُ، آلَه يَؤُوْلُه، ومنه: آئِلُ مالٍ. وفي المَثَلِ: " أُلْنَا وإيْلَ عَلَيْنا "، وائْتَالَه ائْتِيَالاً: بمَعْنَاهُ.
وقد تكونُ الإِيْلَةُ: الأَقْرِبَاء الَّذِيْنَ يَؤُوْلُ إليهم في النَّسَبِ.
والمَوْئِلُ: المَلْجَأُ؛ مِنْ أُلْتُ، وكذلك المَآلُ.
وآلَ الشَّيْءُ: رَجَعَ، والأَوْلُ: المُرَاجَعَةُ. وأَوِّلِ الحُكْمَ: أي أَرْجِعْهُ إلى أَهْلِهِ، وفي الدُّعَاءِ: أَوَّلَ اللهُ عليكَ.
والآلُ: السَّرَابُ.
وآلُ الرَّجُلِ: قَرَابَتُه وأهْلُ بَيْتِه، وتَصْغِيْرُهُ: أُهَيْلٌ.
وآلُ البَعِيْرِ: ألْوَاحُه وما أشْرَفَ من أقْطَارِ جِسْمِهِ.
وآلُ الخَيْمَةِ: عَمَدُها، والجَبَلِ: أطْرَافُه ونَوَاحِيْه.
وقَوْلُه: يا لَبَكْرٍ: أي يا آلَ بَكْرٍ، وهذه لاَمُ الاسْتِغَاثَةِ.
وأَلِيَّةُ الرَّجُلِ الدُّنْيَا: آلُهُ الأَدْنوْنَ. ولِيْتُه: مَنْ يَلِيْه.
والآلَةُ: شَدِيْدَةق من شَدَائِدِ الدّهْرِ. والحَالَةُ، هو بآلَةِ سَوْءٍ. والطَّرِيْقَةُ. والنَّعْشُ للمَيِّتِ. وأَدَاةُ الصّانِعِ التي يَؤُوْلُ إليها ويَسُوْسُها.
والآيِلُ من النَّبَاتِ: حِيْنَ يُعْرَفُ كَثْرَتُه من قِلَّتِه، آلَ يَؤُوْلُ أُؤُوْلاً. وأَلْيَةُ الشّاةِ والإِنْسَانِ، وكَبْشٌ آلَى وأَلْيَانٌ، ونَعْجَةٌ أَلْيَانَةٌ وآلَى وأَلْيَاءُ. ورَجُلٌ أَلاّءٌ: يَبِيْعُ الأَلْيَةَ.
وأَلْيَةُ الخِنْصِرِ: اللَّحْمَةُ التي تَحْتَها.
وأَلْيَةُ الحافِرِ: مُؤَخَّرُه.
وامْرَأَةٌ أَلْيَانَةٌ؛ من نِسَاءٍ أَلاَءٍ وأَلْيَانَاتٍ.
وأَلْيَةُ الوادي: ذَنَبُه.
وأَلْيَةُ: مَاءٌ من مِيَاهِ بَني سُلَيْمٍ.
والأَوَائِلُ: من الأوَّلِ، ومنهم مَنْ يَقُوْلُ: أَوَّلُ: تَأْسِيْسُ بِنَائِه من هَمْزَةٍ وواوٍ ولامٍ، ومنهم من يقول: هو مِنْ وَاوَيْنِ بَعْدَهما لامٌ. والأَوَّلُ والأُوْلى: بمَنْزِلَةِ أفْعَلَ وفُعْلى، والجَمِيْعُ الأُوْلَيَاتُ. ورَأَيْتُه عاماً أَوَّلَ، ومَنْ نَوَّنَ حَمَلَه على النَّكِرَةِ. ولَقِيْتُه غَدَاةَ الأَوَّلِ، وأُوْلى ثَلاَثِ لَيَالٍ.
ونَاقَةٌ أَوَّلَةٌ وجَمَلٌ أَوَّلُ: إذا تَقَدَّمَ الإِبِلَ.
وافْعَلْ ذاكَ أوَّلَ ذي أَوِيْلٍ: أي أَوَّلاً.
وأَولَ الرَّجُلُ: صارَ أَوَّلاً.
والأَوَّلُ: اسْمُ يَوْمِ الأَحَدِ.
وفلانٌ أُوْلى بأُوْلى: أي قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.
والأُلُّ: لُغَةٌ في اَوَّلِ.
والتَّأَوُّلُ والتَّأْوِيْلُ: تَفْسِيْرُ الكَلاَمِ الذي تَخْتَلِفُ مَعَانِيْه. وهو أيضاً: أَنْ تَنْظُرَ في وُجُوْهِ القَوْمِ أَيُّهُم تَنْتَقِرُ لأَمْرٍ، ومنه: تَأَوَّلْتُ في فلانٍ الأَجْرَ: إذا طَلَبْتَه وتَحَرَّيْتَه.
وقيل في قَوْلِ الأَعْشى:
ولكِنَّها كانَتْ تَأَوُّلُ حُبِّها
أي مَرْجِعُه وعاقِبَتُه.
والتَّأْوِيْلَةُ: بَقْلَةٌ طَيِّبَةُ الرِّيْحِ تَنْبُتُ في أَلْوِيَةِ الرَّمْلِ.
ويُقال من الإِيْلاَءِ: تَأَلّى وائْتَلَى: إذا حَلَفَ على أمْرِ غَيْبٍ.
وأُلَى: في لُغَةٍ يُقْصَرُ، وأهْلُ الحِجَازِ يَمُدُّوْنَ: أُلاَءِ. والهاءُ في أَوَّلِهِ زِيَادَةٌ إذا قال هَأُوْلئكَ في المُخَاطَبَةِ. ويَقُوْلُونَ: أُلاَلِكَ فَعَلُوا: بمَعْنى أُوْلَئِكَ. وهُمُ اللاّئِيْنَ فَعَلُوا ذاكَ واللاّؤُوْنَ: بمَعْنى الَّذِيْنَ.
وأَوْلَى: كَلِمَةُ تَلَهُّفٍ ووَعِيْدٍ.
وأُوْلُوْ، والمُؤَنَّثُ أُوْلاَتُ، والواحِدُ: ذُو.
ويقولونَ: " لا آتيْكَ أُلْوَةَ بنَ هُبَيْرَةَ " أي أَبَداً. وأُلْوَةُ: اسْمُ رَجُلٍ.


ما أَوَّلُه اليَاءُ
اليَلَلُ: قِصَرٌ في الأسْنَانِ والْتِزَاقُها مَعَ اخْتِلاَفِ نِبْتَةٍ، رَجُلٌ أَيَلُّ وامْرَأَةٌ يَلاّءُ، وقد يَلِلْتَ، وقَوْمٌ يُلٌّ.
وقُفٌّ أَيَلُّ: أي غَلِيْظٌ مُرْتَفِعٌ.
وحافِرٌ أَيَلُّ: قَصِيْرُ الُّنْبُكِ.
ويَلْيَلُ: اسْمُ جَبَلٍ، وقيل: مَوْضِعٌ، قال جَرِيْرٌ:
قَطَعَتْ حَبَائلَها بأعْلى يَلْيَلِ


ما أوَّلُه الوَاو
وَلِيَ الوالي يَلي وِلاَيَةً، ووَلَى الشَّيْءَ يَلِيْه: بمَعْنى وَلِيَه. والوِلاَيَةُ: مَصْدَرُ المَوْلى من فَوْقُ، والمُوَالاَةُ: اتِّخَاذُ المَوْلى. والوَلاَءُ: مَصْدَرُ المَوْلى من تَحْتُ. والوُلآءُ: القَوْمُ إذا كانوا يَداً واحِدَةً. وبَنُو فُلانٍ وَلاَءٌ على بَني فلانٍ: أي يَعْضُدُوْنَهُم، و " الوَلاَءُ للكُبْرِ ". وهُمْ وَلاَيَةٌ عَلَيَّ: أي مُتَوَالُوْنَ مُجْتَمِعُوْنَ. ويُقال للوُلاَةِ: الوُلَى.
والوَلِيُّ: وَلِيُّ اليَتِيْمِ ونَحْوِه. والأَوْلِيَةُ: جَمْعُ الوَلِيِّ؛ بمَنْزِلَةِ الأَوْلِيَاءِ.
والوَلاَيَا: المَوَالي، وكذلك المُوَالِيْنَ.
والمَوْلى: ابْنُ العَمِّ. وتكونُ بمَعْنى الأُوْلى؛ كقَوْلِه عَزَّ ذِكْرُه: " هِيَ مَوْلاَكُم " أي هيَ أَوْلى بكم.
والمَوْلَى: الوَلِيُّ، واللهُ تَعالى مَوْلاَه: أي وَلِيُّه.
والمُوَالاَةُ: أنْ تُوَالِيَ بَيْنَ رَمْيَتَيْنِ أو فِعْلَيْنِ مَهْما كانَ. وأَصَبْتُه بثَلاَثَةِ أسْهُمٍ وِلاَءً: على الوِلاَءِ.
والمُوَالاَةُ: التَّمْيِيْزُ والتَّفْرِيْقُ، وهو الوِلاَءُ أيضاً. ووَالى غَنَمَه: أي عَزَلَهُنَّ، وتَوَالى بَنُو فلانٍ عن بَني فلانٍ: أي عَزَلَ كُلُّ واحِدٍ منهم إبِلَه على حِدَةٍ.
والوَلِيُّ: المَطَرُ الذي يَلي الوَسْمِيَّ، وُلِيَتِ الأرْضُ وَلْياً فهي مَوْلِيَّةٌ.
والوَلِيَّةُ: الحِلْسُ، والجَمِيْعُ الوَلاَيا.
وقيل في قَوْلِ النَّمِرِ: عَنْ ذَاتِ أَوْلِيَةٍ
إنَّه عَنى سَنَاماً شَبَّهَه بالوَلِيَّةِ وهي البَرْذَعَةُ، وقيل: جَمْعُ وَلِيٍّ للأَوْلِيَاءِ، وقيل: أكَلَتْ وَلْياً من المَطَرِ.
والوَلاَيَا: القَبَائِلُ؛ كُلُّ قَبِيْلَةٍ: وَلِيَّةٌ.
ووَلّى الرَّجُلُ: إذا أَدْبَرَ، وتَوَلَّى: أجْمَعُ.
واسْتَوْلى على الشَّيْءِ: صارَ في يَدِه.
والوَلْيُ: القُرْبُ. وأَوْلَيْتُ أنْ أفْعَلَ كذا: أي دَنَوْتُ أنْ أفْعَلَه، وأَقْرَبْتُ: مِثْلُه.
وأَوْلَى له: أي قارَبَ الهَلاَكَ والمَكْرُوهَ؛ وهو وَعِيْدٌ. ويكونُ بمَعْنى اسْمٍ للتَّفْضِيْلِ: أي أدْنى لكَ وأقْرَبُ؛ من الوَلْيِ أيضاً، ومنه قَوْلُهم: شَطَّ وَلْيُ النَّوى.
والوَلْيُ: القَصْدُ، ومنه قيل للقَرَابَةِ: الوَلاَءُ والوَلاَيَةُ.
وهُمْ وَالِيَتُنا: أي جِيْرَانُنا الذين يَلُوْنَنا.
والوَيْلُ: حُلُوْلُ الشَّرِّ.
والوَيْلَةُ: الفَضِيْحَةُ والبَلِيَّةُ، والجَمِيْعُ الوَيْلاَتُ. ووَيَّلْتُ فلاناً: أكْثَرْت له من ذِكْرِ الوَيْلِ. وهما يَتَوَايَلاَنِ. ووَيْلٌ وائلٌ: كقَوْلِهِم شُغْلٌ شاغِلٌ، ويُنْصَبُ. وقيل: الوَيْلُ بابٌ من أبْوَابِ جَهَنَّمَ.
وتَوَيَّلَ فلانٌ: قال يا وَيْلاه. ووَلْوَلَتِ المرْأةُ: قالتْ يا وَيْلَها، وتَوَلْوَلَتْ: مِثْلُه.
وقيل: الوَلْوَلُ ذَكَرُ الهامِ، وسُمِّيَ بذلك لأنَّه يُوَلْوِلُ أبَداً.
وكانَ يُقال لسَيْف عَتّاب بنِ أَسِيْدٍ: وَلْوَلٌ.
والوَأْلُ: المَلْجَأُ، وكذلك المَوْئِلُ. ووَأَلْتُ إليه: لَجَأْتُ؛ أَئِلُ. والوَائلُ: اللاّجي. وائْتَأَلْتُ على فلانٍ: أي اعْتَمَدْتُ عليه.
والمُسْتَوْئِلُ من الحُمُرِ: الذي يَلْتَجِىءُ إلى حِرْزٍ، وكذلك اسْتَوْلَى.
وذَهَبَ وَأْلي إلى كذا: أي وَهْمِي.
والوَأْلَةُ: أبْعَارُ الغَنَمِ قد اخْتَلَطَتْ بأبْوَالِها في مَرَابِضِها. والمُوْئِلُ: المَكَانُ الكَثِيْرُ الوَأْلَةِ. وأَوْأَلَ المَكَانُ.
والمُوَاءَلَةُ: مُلاَوَذَةُ الطائرِ بشَيْءٍ مَخَافَةَ الصَّيْدِ.
وإلَةُ الرَّجُلِ بوَزْنِ صِلَةٍ: هم الذين يَئِلُ إليهم ويَئِلُوْنَ إليه، وهؤلاءِ إلَتُكَ: أي الذي يَرْأَبُ الصَّدْعَ والقَدَحَ. ويُصْلِحُ بَيْنَ النّاسِ، ووَأَلَ بَيْنَهم، ومنه وائلُ بنُ بَكْرٍ؛ وقيل: بَكْرُ بنُ وائلٍ.

محمد

ذو الخصال المحمودة المشكورة أو كثيرها، والمرضيّ عنه، ونبي المسلمين. وقد ورد ذكره في القرآن باسم رسول، ورسول الله، وأحمد، والنبي، والنبي الأميّ. ورد في صحيح البخاري هذه الأسماء أيضًا: الماحي (لأنه يمحو الله به الكفر) والحاشر (لأنه يحشر الناس خلفه وعلى ملّته دون غيره) والعاقب (لأنه عَقَب من كان قبله من الأنبياء أي جاء بعدهم) والمقفَّى (المكرَّم) والشاهد (أي الشاهد على أمته بالإبلاغ والرسالة عملًا بالآية: ((إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا))، والبشر، والنذير، والضحوك، والخاتَم (خاتمة الأنبياء أي آخرهم) والمتوكل، والمصطفى، والفاتح (أي الحاكم القاضي بين الناس) والقتّال، والمتوكل، والقُتَم (أي الكثير الطاء وجامع الخير والعيال) ونبيّ الملاحم (جمع مَلحمة، موضع التحام الحرب، أي نبيّ القتال، أو نبيّ الصلاح وتأليف الناس كأنه يؤلف أمر الأمة) ونبيّ الرحمة، ونبيّ التوبة.
محمد
رسم القرآن لمحمد صورة محبّبة إلى النفوس، فيها لين ورقة، وفيها الخلق المثالى، والقلب الرءوف الرحيم، والنّفس الوادعة المطمئنة، نزل عليه روح من أمر الله، يهدى إلى الصراط المستقيم، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، يقول الله تعالى يخاطبه: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم 1 - 4). ويقول: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة 128). ويقول:
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
(آل عمران 159). ويقول: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ (الشورى 52، 53). ويقول: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (الطلاق 10، 11).
ويدعوه سراجا منيرا، فى قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (الأحزاب 45، 46). ورحمة في قوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء 107). ويأمره باستشارتهم وخفض الجناح لهم إذ يقول:
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (آل عمران 159). ويقول: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (الحجر 88 - 89).
ولكن هذه الصفات في سموّها المثالى لم ترفع محمدا عن البشرية، وهذه صفة من الصفات التى أكدها القرآن وأطال في الحديث عنها، فهو حينا يثبت هذه الصفة على لسانه، وحينا ينفى عن نفسه القدرة على ما لا يقدر عليه البشر، قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (الكهف 110). وهو لهذا لا يملك لنفسه أمرا، ولا يدرى من الغيب شيئا، قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف 188).
ولننصت إليه يتبرأ من قدرته على فعل ما ليس في طاقته، عند ما سألوه ما ليس فى طوقه، وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (الإسراء 90 - 93)، ومما يلحظ أنهم طالبوه بأمور يستحيل وجودها في الصحراء، من تفجير الأرض ينابيع وأنهارا، وانظر إليه كيف يعجب من أمرهم، وكيف يقرر في صراحة أنه ليس سوى بشر رسول. ولأنه بشر، يجوز أن يموت كما يموت سائر البشر، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران 144). ولم يتميز محمد من البشر إلا بأنه كالرسل بشير ونذير، قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (الأحقاف 9). إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (البقرة 119). وهو ليس إلا مذكّرا، لا سيطرة له على القلوب، ولا مقدرة عنده على تحويل الأفئدة، فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية 21، 22).
ومما أكده القرآن من صفات محمد الأمّية، يصفه بها في قوله: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف 158). ويبين حكمة اختياره أميا في قوله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت 48). وإذا كانت الأمية مما يعاب فهى المعجزة التى تحول بين رسالة النبى والشك فيها، ولو أنه كان يقرأ ويكتب، لكان للمبطلين مجال للرّيب في صدق رسالته.
والقرآن يعظم أمر الرسول، فيحدّثنا عن صلاة الله عليه والملائكة، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب 56). ويعظم من أمر مبايعته، حتى لكأن من يبايعه إنما يبايع الله، إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ (الفتح 10). ويشهد له القرآن بالخلق القويم كما سبق أن نقلنا، وبأنه لا ينطق عن هوى النفس، ولا يميل إلى ضلالة ولا غواية، ويقسم على ذلك: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم 1 - 4)، كما يقسم على رسالته فيقول: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (يس 2 - 5). ويعدّد القرآن نعم الله عليه فيقول: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح 1 - 4). أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (الضحى 6 - 8). ويقسم له القرآن أن الله ما تخلى عنه وما قلاه، ويؤكد أن الذين يناصبونه العداء سيكبتون ويخذلون مذلولين، إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (المجادلة 20). ويحذر المؤمنين من معصيته، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ (المجادلة 9). ويأمرهم بأن يقفوا عند الحدود التى رسمها الرسول، ولا يبطلوا أعمالهم بعصيانه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (محمد 33). وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر 7). وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (الأحزاب 36). ويؤكد لهم أنهم لن يكونوا مؤمنين حقا حتى يجدوا العدالة المطلقة في أحكامه، ولا يجدوا فيها غضاضة ولا حرجا في نفوسهم، ويقسم على ذلك قائلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء 65). ذلك أنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى.
وإذا كان محمد رسولا، فله حرمته ومنزلته الاجتماعية، ومن الواجب احترامه، فلا يليق أن ينادى باسمه، كما ينادى الناس بعضهم بعضا، ولا أن ترتفع أصواتهم فوق صوته، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(الحجرات 2 - 5). ولا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (النور 63). وفي تربية الشعب على احترام الرسول ما يدفعهم إلى طاعته، فإن الطاعة أساسها الاحترام كما وضع القرآن أساسها الثانى وهو الحب، بما وصف القرآن به محمدا من حبّ لهداية قومه، وحدب عليهم، ورحمة بهم ورأفة، وشوق ملح إلى هدايتهم، حتى صح للقرآن أن يقول: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (الكهف 6). وهكذا بنى القرآن الطاعة على أساسين من الحب والاحترام معا.
ويؤيد القرآن رسالة محمد بشهادة الله الذى لا يشهد بغير الحق، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ (المنافقون 1). وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (الرعد 43). لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (النساء 166). وبأن عيسى قد بشر به قومه، وأخبرهم برسالته، وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (الصف 6). وبأنه فيما أتى ليس بدعا، فقد أوحى الله إلى كثير من الرسل قبله، إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (النساء 163).
وبأنه أمى ما كان يتلو قبله كتابا، ولا يخطه بيمينه. كما سبق أن ذكرنا، أوليس من يشهد الله له بالرسالة، ويبشر به رسول ذو كتاب، ويجرى على سنن من سبقه من الأنبياء- جديرا بأن يصدق إذا ادعى، وأن يطاع إذا أمر؟ ويناقش من أنكر رسالته، ويدفع دعاويهم في هدوء وقوّة معا، فأخبرنا القرآن مرّة أنهم كانوا ينسبون ما يعرفه محمد من قصص وأخبار وأحكام إلى عالم فارسى يعلمه، وما كان أسهل دحض تلك الدعوى بأن لسان من يدعون أنه يعلّم محمدا- أعجمى، أما هذا الكتاب فعربى مبين، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل 103). وحينا نسبوه إلى أنه سحر أو شعر أو كهانة، بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ (الأنبياء 5)، وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (الصافات 36). فوجه القرآن أنظارهم إلى أن النظرة الصائبة تنفى عن القرآن السحر والشعر والكهانة، فللحق آياته البينات التى لا تشتبه بالسحر، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (سبأ 43). ونفى القرآن عن النبى قول الشعر والكهانة، وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (يس 69). وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (الحاقة 41، 42).
ومن أكبر ما أنكروه على الرسول أنهم وجدوه لا يمتاز على البشر في شىء فهو يأكل الطعام كما يأكلون، ويمشى في الأسواق يبيع ويشترى كما يمشون، وظنوا أنه لا يكون نبيا إلا إذا امتاز بملك ينذر الناس معه، أو أصبح غنيا غنى مطلقا عن الناس، فألقى إليه كنز، أو كانت له جنة يأكل منها، وقد حكى القرآن عنهم ذلك الحديث، وردّ عليهم ردّا رفيقا في قوله: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (الفرقان 7 - 10). فهو يشير في رفق إلى أن الحكمة إنما هى فى أن يساوى الرسول الشعب في الاحتياج، حتى لا يكون امتيازه على الناس في أمور لا تتصل بالرسالة، ولا دخل لها في النبوة، وحتى يبقى تقويم الرسول بعيدا عن زخارف الحياة وما ليس من صميم الرسالة، فقد يتهيأ الغنى الفاحش لفرد من الناس، من غير أن يجلب له ذلك رسالة ولا نبوّة ولو أراد الله لفعل للرسول ما اقترحوه وزاد عليه، ولكن الخير والحكمة فيما كان، أما ما اقترحوه من نزول الملك مع الرسول فقد رد عليه في قوله: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (الأنعام 8، 9). ألا ترى أن نزول الملك كما اقترحوا لا يدع لهم فرصة التفكير بعد نزوله، ومن الخير أن يترك لهم مجال التدبّر وتقليب الأمر على وجوهه، وإنزال الملك لن يحل المشكل، لأنه سيكون في هيئة رجل، ويلتبس الأمر كما لو كان الرسول رجلا والقرآن برغم ذلك، يوحى بأن الرسول كانت عنده رغبة ملحة في أن يحقق لهم بعض ما اقترحوه ليؤمنوا، ولتجتمع كلمتهم على الدين، حتى صحّ للقرآن أن يقول للرسول: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (الأنعام 35).
ويقول في أخرى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (هود 12).
وكانت صفة البشرية حائلة دون الايمان به، ومدعاة للهزء بالرسول والسخرية به، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (القمر 24). وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (المؤمنون 34). وقد رد الله تلك الدعوى بأن الحكمة تقضى بأن الرسول يكون من جنس المرسل إليهم، ليكون أدنى إلى نفوسهم، يألفونه ويسهل اتصالهم به، ولو أن في الأرض ملائكة يسكنونها، ما أرسل الله إليهم رسولا، سوى ملك من جنسهم، قال سبحانه: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (الإسراء 94 - 95).
وعند ما تعرّض القرآن للاستهزاء بالرسول، كان لا يعنيه كثيرا الردّ على ما يتعلق بشخص الرسول، بل ينتقل مباشرة إلى صميم الدعوى يناقشهم فيها، ويحدثهم عن مغبّة كفرهم، قال تعالى: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (الأنبياء 36 - 40). ألا تراه قد مرّ مرّ الكرام باستهزائهم بالرسول، وكأنه لغو لا يؤبه له، ولا يستحق الالتفات إليه، ولا التّنبّه لشأنه، وانتقل من ذلك إلى الحديث عما يعنى القرآن بشأنه، من الحديث عن الله واليوم الآخر، وما ينتظرهم من عذاب كان جديرا به أن يصرفهم عن التمادى في الباطل، لو أنهم فكروا في الأمر وتدبّروا العاقبة، ويقول في موضع آخر: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان 41 - 44). وهو هنا أيضا ينتقل إلى صميم الدعوى، فيتحدث عن اتخاذهم الهوى إلها، وأنهم لا يستخدمون آذانهم وعقولهم فيما خلقت لأجله، فصاروا بذلك أضل سبيلا من الأنعام.
ويهوّن القرآن على الرسول أمر الاستهزاء به وتكذيبه، فحينا يخبره بأن ذلك دأب الرّسل، يكذّبون برغم ما يجيئون به من البينات والهدى، ويؤكد له مرة بأن هؤلاء الساخرين سينالهم ما نبّئوا بنزوله بهم، وكانوا يسخرون ولا يطيعون، فيقول للرسول: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (آل عمران 184). وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (الأنعام 10).
وينذر القرآن المكذبين والمستهزئين بأن عاقبتهم كعاقبة من كذّب الرسل من قبل: أخذ شديد وعقاب أليم، وهنا يلجأ القرآن إلى غريزة المحافظة على النفس، فيصوّر رفض الدعوة والتكذيب لها معرّضا أنفسهم للتهلكة، وجالبا الوبال عليها، فماذا تكون النتيجة إذا هم أصرّوا على كفرهم؟ أضمنوا أعمارا طويلة، يصلحون فيها ما كانوا قد أفسدوه؟ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (الأعراف 185). أأمنوا مكر الله؟ أم اطمأنوا إلى أن القيامة لن تأتيهم فجأة؟ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (يوسف 107). إنهم بنهيهم عنه، ونأيهم عنه لا يضرون إلا أنفسهم ولا يهلكون غيرها، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (الأنعام 26). ولن يضرّ الرسول بكفرهم، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (النحل 82). فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ (الشورى 48).
أوليس في قصر أمر الرسول على البلاغ، ما يدفعهم إلى التفكير في أمر هذه الدعوة التى لن يحمل عبء أضرار رفضها غيرهم، والتى يتحمّل الرسول المشاق فى سبيل إذاعتها، لا يبغى من وراء ذلك أجرا، ولا يريد إلا أن تصل الهداية إلى قلوبهم، قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (سبأ 47).
وإن في تنزّه الرسول عن الغرض المادىّ، وإخلاصه في دعوتهم وإرشادهم، لبعثا لهم على تدبر أمر هذه الدعوة المبرأة من الهوى والغرض، والنفس بطبيعتها تنقاد لمثل هذه الدعوة وتؤمن بها. وقد دعاهم القرآن إلى التفكير في شأن الرسول، فرادى وجماعات، ليقلبوا أمره على وجوهه، ويتفكروا أبه جنّة أو شذوذ؟ وسوف يصلون إذا فكروا إلى أنه نذير لهم بين يدى عذاب شديد.
ويمضى القرآن محببا لهم إجابة دعوة محمد، مبينا طبيعتها، وأنها توافق الإنسانية السليمة، فهو لا يأمر إلا بما تعترف به النفوس الصحيحة ولا ينهى إلا عما تنكره، ولا يحلّ سوى الطّيب، ولا يحرّم سوى الخبيث، وأنه يعمل على تخليصهم من عادات ثقيلة على النفوس، وقيود كانت تغل حياتهم، وقد خفف الإسلام كثيرا من القيود التى كانت على أهل الكتاب، يقول الله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف 157). أما الأميون، وقد كانوا في ضلال مبين فإنه يعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الجمعة 2). ويجعل طريق حب الله ونيل رضوانه اتباع منهجه والاقتداء به، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران 31). ومن أطاعه فسيكون مع من أنعم الله عليهم من أكرم الرفقاء، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء 69). ومن آمن وعمل صالحا فسوف يورّثه الله الأرض، ويمكن له دينه، ويبدله بالخوف أمنا وطمأنينة، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (النور 55).
ولا يكتفى القرآن بالوعد المحبوب حين طلب إليهم طاعة الرسول، بل أنذرهم وأوعدهم، وأكّد لهم أن النهاية ستكون نصرا مؤزرا للرسول أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها (التوبة 63). ويقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور 63). إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً
(الأحزاب 57). ويخاطب الرسول قائلا:
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (الأنعام 34). وينزل القرآن إلى أعماق نفوسهم، فيحدثنا عن شكوكهم التى تنتابهم، فهم يقولون في أغوار قلوبهم: إذا كان محمد على صواب، ونحن على خطأ، فلم يدعنا الله أحرارا في هذه الحياة ولا يعذبنا بسبب هذه التّصرّفات، والله ينبئهم بأن جهنم مصيرهم المنتظر، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (المجادلة 8).
ويعلم القرآن ما لحوادث التاريخ من الأثر في النفوس، ولذا أكثر، فى معرض الأمر بطاعة الرسول، من توجيه أنظارهم إلى من كذّب من الماضين كيف كانت عاقبتهم، فلعلهم يتّعظون بها، فيسأل: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (غافر 21، 22). ويقصّ عليهم قصص الماضين كقوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (فصلت 13 - 18).
ولم يأل القرآن جهدا في تصوير من لا يستجيب إلى دعوة محمد في صورة ينفر منها العاقل، ويأنف من أن تكون صورته، فحينا يرسمهم أمواتا لا يعون، صما لا يسمعون، عميا لا يبصرون، فيقول: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (فاطر 22، 23).
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (يونس 42، 43).
وأكثر القرآن من أمر الرسول بالصّبر، وهو خليقة أولى العزم من الرسل فقال:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ (الأحقاف 35). وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا (الطور 48). وقال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (النحل 127). وقال: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (المزمل 10). إلى غير ذلك من كثير الآيات التى تدعو الرسول إلى الصبر، وتحثه عليه، ولا ريب أن دعوة دينية جديدة تتطلب زادا لا ينفد من الصبر على المكروه حتى تنجح وتؤتى ثمارها.
أما المنهج الذى رسمه القرآن، لكى ينهجه محمد في دعوته، فقد بينه في قوله:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل 125). وتلك هى خطة الإقناع التى تتألف القلوب وتستهوى الأفئدة.
ولكى أكمل الصورة التى رسمها القرآن لمحمد صلوات الله عليه، أضعه بين صحبه الذين أخلصوا له، فهم رحماء فيما بينهم، أشداء على أعدائهم، قد أخذ أمره بهم يشتد، كما يشتد الزرع إذا أخرج براعمه، فيصبح مرآة باعثا الزراع على الإعجاب به، فهم بين يدى الله يبتغون رضوانه، وأمام أعدائهم قوة لا يستهان بها، ترى تلك الصورة في قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الفتح 29).

مصر فى القرآن

مصر فى القرآن
أشار القرآن إلى مصر مرات عدّة، ففيها جرى معظم حوادث قصة يوسف، وإلى فرعونها أرسل موسى، وقد كررت قصته كثيرا، ولم يؤرخ القرآن لمصر، ولكنه أشار إلى النواحى التى ترتبط بهدفه من الهداية والإرشاد. وقد أثبت القرآن ما كان لمصر من عظمة ومجد وغنى، فقد قال على لسان موسى: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (يونس 88).
كما أشار إلى عظمة ما كان لها من ملك ضخم فوق سطح الأرض، ترمقه الأمم بعين الإكبار والإجلال، حين قال على لسان هذا المصرى الذى آمن بموسى: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ
(غافر 29).
أما فرعون فإنه معتز بملك مصر، وبأنهارها التى تجرى تحت قصوره، وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (الزخرف 51)، وإذا كانت مصر بهذه العظمة والجلال فلا جرم كان فرعون يشعر في نفسه بعلو لا يسامى، وجلال لا يقارب، ولذا أكثر القرآن من وصفه بالعلو في الأرض، وانتهى الأمر بالفراعنة في مصر إلى أن ادعوا الألوهية، ولهذا قال فرعون عند ما دعاه موسى إلى عبادة الله: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (الشعراء 29). وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (القصص 38). وبهذا بلغ فرعون مدى الطغيان الذى لا طغيان بعده، ولما أرسل إليه موسى وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (القصص 39).
وأثبت القرآن على فرعون وملئه أنهم قوم عالون فاسقون ظالمون، ولعل سبب وصفهم بذلك أنهم لم يؤمنوا بالله، ولم يتركوا اتخاذ فرعون إلها، فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (هود 97). ورفض فرعون وملؤه اتباع موسى لأمور:
أولها: أن موسى وهارون بشران، لا يمتازان عنهم بشيء ما، فضلا عن أقومهما يعبدون فرعون، ويتخذونه إلها، فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (المؤمنون 47). بل رأى فرعون أنه خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (الزخرف 52).
فقد كان بلسان موسى عقدة تحول بينه وبين الإفصاح في يسر، ورأى فرعون أنه مما كان يعزز دعوى موسى في الرسالة أن لو كان ملكا متوجا، أو عزّز بملائكة تؤيده، فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (الزخرف 53).
ثانيها: أنهم رأوا في اتباع موسى وهارون نزولا من مكانة الرئاسة التى كانوا يستمتعون فيها بحقوق ومزايا سوف يفقدونها إذا اتبعوهم، إذ يصبحون من السوقة والأتباع، قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (يونس 78).
ثالثها: أنهم رأوا صلة وثقى بين الأرض التى نبتوا فيها وترعرعوا عليها، وبين التقاليد والعقائد التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ورأوا في الخروج على تلك التقاليد والعقائد اغترابا عن وطن توارثوه، ووجدوا أنهم إذا آمنوا بموسى فكأنهم أخرجوا من أوطانهم، وقد كرّر القرآن فكرتهم هذه في مواضع عدّة منه، فقال على لسان فرعون يخاطب موسى: قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (طه 57).
وقال على لسانه، يخاطب الملأ حوله يريد أن يثيرهم ضد موسى: قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (الشعراء 34، 35).
وأصر المصريون تعنتا على ألا يؤمنوا بموسى وإلهه، برغم ما نزل بمصر من محن أنذرهم بها موسى، وكانوا يتطيرون به وبقومه، ويحدثنا القرآن عما نزل بمصر يومئذ من البلاء في قوله: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (الأعراف 130 - 135).
والظاهر أن موسى لم يدع الشعب المصرى إلى اتباعه، ولكنه مضى رأسا إلى فرعون يدعوه إلى دينه، مؤملا بعد هدايته أن يقتدى به قومه فيؤمنوا، ولم يوجه موسى دعوته إلى غير فرعون، وإن كان السحرة قد آمنوا به بعد أن اعتقدوا أن قوة خارقة هى التى أمدّته.

تَخْدِيم

تَخْدِيم
من (خ د م) اتخاذ الخادم، أو ربط البعير بالخدمة حبلا أو نحوه يربط به.
تَخْدِيم
الجذر: خ د م

مثال: مكتب التخديم
الرأي: مرفوضة
السبب: لعدم ورود الكلمة بهذا المعنى في المعاجم.
المعنى: المكتب الذي يؤمِّن الخدم لمن يرغب نظير عمولة

الصواب والرتبة: -مكتب الاستخدام [فصيحة]-مكتب التخديم [فصيحة]
التعليق: يمكن تصويب الاستعمال المرفوض؛ لوضوح العلاقة بين المعنى الجديد ومعاني اللفظ قديمًا، فمن معانيه: خدَّمتها: أعطيتها خادِمًا. وقد أجاز مجمع اللغة المصري صوغ الفعل على وزن «فعّل» للتكثير، أو المبالغة، أو التعدية، أو النسبة، أو اتخاذ الفعل من الاسم.

بعض صور الحياة الجاهلية

بعض صور الحياة الجاهلية
سجل القرآن بعض ألوان هذه الحياة، منددا بها حينا، وممتنا عليهم حينا آخر، أن نقلهم من تلك الحياة، إلى حياة أخرى رفيعة، وإنما عارض القرآن الحياة التى نزل ليهذبها، أو يغير من عاداتها وعقائدها، ولذا كانت الحياة الجاهلية التى يعرض بعض صورها هى تلك التى عاصرها القرآن، أما الجاهلية القديمة، فمما لم يعن القرآن بها، إلا إذا كانت آثارها لا تزال باقية.
فمن الناحية الدينية، صور القرآن العرب طوائف، فطائفة- ولعلها الغالبية الكبرى- قوم يشركون بالله، ويتخذون أصناما يعبدونها، ويتقربون إليها، والقرآن يصورهم برغم اعترافهم بأن الله هو الذى خلقهم وخلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر، وله ملك السموات والأرض، وهو الرازق المدبّر- برغم ذلك يتخذون من الأوثان آلهة، وقد سجل القرآن تلك العقيدة في قوله:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (العنكبوت 63)، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (العنكبوت 61). وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (الزخرف 87). قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (المؤمنون 84، 85). قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ (يونس 31). وقد كان من الطبيعى أن يتجهوا إلى الله وحده بعبادتهم، ما داموا يعتقدونه متصفا بتلك الصفات، ولكنهم أشركوا به غيره في العبادة،
واتخذوا من الأصنام المنحوتة آلهة يعبدون، وجعلوا لهذه الآلهة نصيبا من أرزاقهم يقدمونه قرابين إليها، وحينا يجعلون لله نصيبا من هذه القرابين، ولأوثانهم نصيبا، ثم ينسون نصيب الله ويقدمونه لهذه الأوثان. وذكر القرآن أسماء بعض هذه الأصنام إذ قال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (النجم 19، 20). وقد ندد القرآن بهذا الإشراك في العبادة، وتسوية هذه الأصنام بالله، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة 165). ذلك أنهم اتخذوا هذه الأصنام شفعاء لهم عند الله، فقالوا: إننا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر 3). ولذلك كان أكبر ما عجبوا له عند ما دعاهم الرسول إلى الإسلام، هذا التوحيد لله في العبادة، ونبذ ما عداه مما اتخذوه آلهة، فقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (ص 5). وقد حطم القرآن عقيدة الشرك، ومضى إلى الأصنام فلم يدع بابا يبين خطل الرأى في عبادتها، مما ذكرنا بعضه في الفصول الماضية.
وكانت هذه الطائفة تجعل الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (الزخرف 19).
وسموهم بنات الله، وعجب القرآن لتلك القسمة الضيزى، أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (الصافات 153، 154). قد تعجب القرآن منهم قائلا:
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (الزخرف 19). وقد نفى القرآن عن الله فكرة الوالدية إذ قال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (الإخلاص 3).
كما كان في بلاد العرب أهل كتاب من النصارى واليهود، وقد ناقش القرآن ما بدلوه من عقائدهم وشرائعهم وكتبهم، ومن أهم ما أخذه عليهم فكرة اتخاذ الله ولدا، وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (التوبة 30 - 32). وقد أطال القرآن في الرد عليهم، وادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنه لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى (البقرة 111). ويطول بى مجال القول إذا أنا فصلت هذه المناقشات وتحدثت عن عناصرها.
وكان مشركو العرب ينكرون البعث، ولا يؤمنون باليوم الآخر، وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ (الجاثية 24). وكان إثبات هذه العقيدة والرد على منكريها من أهم أغراض القرآن، كما سبق أن وضحنا.
ومن عقائد العرب في الجاهلية تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى، وقد اختلف في معنى كل واحد من هذه الأربعة.
أما البحيرة فقال الزجاج: إن أهل الجاهلية كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها وشقوها، وامتنعوا من نحرها وركوبها، ولا تطرد من ماء، ولا تمنع عن مرعى وهى البحيرة، وقيل إنها إذا نتجت خمسة أبطن نظر فى الخامس، فإن كان ذكرا ذبحوه وأكلوه، وإن كان أنثى شقوا أذنها، وتركوها ترعى، ولا يستعملها أحد في حلب وركوب ونحو ذلك، وقيل غير ذلك، ويظهر أن مذاهب العرب كانت مختلفة فيها، فاختلف لذلك أئمة اللغة في تفسيرها، وكل قول يرجع إلى مذهب.
وأما السائبة فقيل: هى الناقة تبطن عشرة أبطن إناث، فتهمل ولا تركب، ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها إلا ضيف، وقيل: هى التى تسيب للأصنام، فتعطى، ولا يطعم من لبنها إلا أبناء السبيل ونحوهم، وقيل هى البعير يدرك نتاج نتاجه، فيترك ولا يركب، وقيل غير ذلك.
وأما الوصيلة، فقال الفراء هى: الشاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين ، وإذا ولدت في آخرها عناقا وجديا، قيل وصلت أخاها، فلا يشرب لبن الأم إلا الرجال دون النساء، وتجرى مجرى السائبة، وقيل: هى الشاة تنتج سبعة أبطن، فإن كان السابع أنثى لم ينتفع النساء منها بشيء، إلا أن تموت، فيأكلها الرجال والنساء، وقال ابن قتيبة: إن كان السابع ذكرا ذبح، وأكلوا منه دون النساء، وقالوا: خالصة لذكورنا، محرمة على أزواجنا، وإن كانت أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى، قالوا: وصلت أخاها، فتترك معه، ولا ينتفع بها إلا الرجال دون النساء، وقيل غير ذلك.
وأما الحامى فقيل: هو الفحل إذا لقح ولد ولده، فيقولون: قد حمى ظهره، فيهمل، ولا يطرد عن ماء ولا مرعى، وقيل: هو الفحل، يولد من ظهره عشرة أبطن، فيقولون: حمى ظهره، فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى، وقيل غير ذلك، ولعل اختلاف التفسير راجع إلى اختلاف مذاهب العرب، كما سبق أن ذكرنا.
وقد أبطل الإسلام ذلك، فقال: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (المائدة 103). كما أبطل عقيدتهم في تحريم إناث الأنعام حينا وذكورها حينا، وقد سبق أن ذكرنا ذلك فى باب الجدل.
ومن الناحية الاجتماعية صور القرآن العرب جماعات متعادية، تعتز كل قبيلة بعصبيتها، وتزهو بنسبها، وتفتخر بنفسها، وقد هدم القرآن الوحدة القبلية، وأراد أن يضع مكانها وحدة إسلامية شاملة، لا يعتز المرء فيها بجنسه، ولكن بعمله، فقرر أن العالم مكون من شعوب وقبائل للتعارف، لا للتناحر والتنافر، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا (الحجرات 13). فلا يكون ذلك مصدر حرب وقتال، ولا سببا للتكاثر والافتخار، وقرر أخوّة المؤمنين، لا فرق بين عربى وعجمى، وأن مصدر التفاضل عند الله إنما هو التقوى فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات 10). إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات 13). وقد امتن الله على العرب بإنقاذهم من تلك الحياة التى يسودها البغض، ويملؤها العداء فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران 103). وقد حثهم القرآن على الاحتفاظ بهذه الأخوة، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا.
ونزل القرآن وكان بعض العرب يئد البنت، ويكره أن تولد له بنت، وقد نعى القرآن على هذا البعض تلك النظرة الخاطئة، منددا بها، فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (النحل 58، 59). كما عطف القلوب على هذه الموءودة تسأل يوم القيامة عما جنته من ذنوب أدت إلى وأدها، وهو بذلك يثير تفكير الوائدين ليروا حقيقة الدافع إلى وأد بناتهم، ويثير وجدانهم، حين يتمثلون قسوتهم في وأد طفلة بريئة لم تجن ذنبا، فقال وهو يصف اليوم الآخر: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير 8، 9).
كما كان بعض العرب يقتل أولاده خشية الإنفاق وخوف الفقر، وهم الفقراء من بعض قبائل العرب، وقد نزل في هؤلاء قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (الإسراء 31).
ولم يرض القرآن عن كثير من صلاتهم بالمرأة فمن ذلك أن الرجل من العرب كان إذا مات عن المرأة أو طلقها، قام أكبر بنيه فإن كان له حاجة فيها طرح ثوبه عليها، وإن لم يكن له حاجة فيها تزوجها بعض إخوته بمهر جديد، وقد أبطل الله ذلك بقوله سبحانه: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا (النساء 22).
ومن ذلك أنهم كانوا يطلقون النساء، فإذا قرب انقضاء عدتهن راجعوهن، لا عن رغبة في هذه المراجعة ولا عن محبة، ولكن ضرارا، لقصد تطويل العدة، فنهى القرآن عن ذلك فقال: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (البقرة 231). ومن ذلك أنهم كانوا يمنعون النساء أن يتزوجن من أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن، حمية جاهلية، فأنكر القرآن ذلك بقوله: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة 232).
ومن ذلك أنهم كانوا إذا مات الرجل منهم، كان أولياؤه أحق بامرأته، فإذا أراد بعضهم تزوجها، وإن رأوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، وإن أرادوا سمحوا لها بالزواج على أن يأخذوا ميراثها، أو تدفع إليهم صداقها، فنهى الله عن ذلك في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ (النساء 19). وفي هذه المعاملة إجحاف بحق المرأة وحجر على حريتها يأباه الإسلام.
وسجل القرآن على المرأة الجاهلية تبرجها ومبالغتها في التزين، ونهى الإسلام المرأة المسلمة عن التشبه بها في قوله: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب 33).
ومما سجله القرآن من عوائدهم شربهم الخمر، ولعبهم الميسر، واستقسامهم بالأزلام، ومعنى الاستقسام بالأزلام أن الرجل كان إذا أراد سفرا أو تجارة أو زواجا، أو غير ذلك مما يعنيه من الأمور- جاء إلى هبل، وهو أعظم صنم لقريش بمكة، ولدى سادن الكعبة أزلام، وهى قداح مستوية في المقدار، وطلب منه أن يجيل هذه القداح، فإذا خرج القدح الآمر مضى لطيته، وإن خرج الناهى أعرض وانتهى، وقد حرم القرآن ذلك كله فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة 90).
ومن عاداتهم التى سجلها القرآن ونهى عنها النسيء، فقد كانوا يعتقدون أن من الدين تعظيم الأشهر الحرم وهى أربعة: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، فكانوا يمتنعون فيها عن القتال، ولكن قبائل كانت تستبيح القتال في الشهر الحرام، على أن يحرموا مكانه شهرا آخر من أشهر الحل، وهذا هو النسيء، فكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد، لا هذه الأشهر بأعيانها، فحرم القرآن هذا النسيء في قوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (التوبة 36، 37). أما حياتهم الاقتصادية فقد صورهم القرآن قوما يحبون التجارة، لدرجة أنها تملك عليهم قلوبهم فينصرفون إليها، حتى عن الصلاة والعبادة، قال سبحانه:
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (الجمعة 11)، ونزلت سورة يمنّ فيها على قريش بنعمة الأمن التى بها يجوبون البلاد العربية في الشتاء والصيف من غير أن يزعجهم إغارة مغير أو قطع طريق.
هذا، وقد كان في بلاد العرب من يستحل الربا، ولا يرى فارقا بين البيع والربا، ومن هؤلاء من كان يأخذ الربا أضعافا مضاعفة، وقد نهى القرآن عن الربا فقال: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا (البقرة 275). يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران 130).
وصور القرآن حياتهم الثقافية قوما أميين، ليست لديهم معارف منظمة مكتوبة، ولذلك امتن عليهم بأن هذا الدين الجديد فاتحة عهد عرفان وهداية، فقال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الجمعة 2)، ولكنهم كانوا يعرفون القلم، وبه كان يكتب بعضهم، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (العلق 3 - 4). وبرغم هذه الأمية يقرر القرآن شدة لددهم، وقوتهم في المراء والجدل، إذ قال: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (مريم 97). ومن معارف العرب التى أشار القرآن إليها علمهم بالنجوم ومواقعها، ولذلك امتن عليهم بخلق هذه النجوم، لأنها مصباح في الظلام، يهديهم في البر والبحر، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الأنعام 97).

علم الآلات الحربية

علم الآلات الحربية
هو علم يتعرف منه كيفية اتخاذ الآلات الحربية كالمنجنيق وغيرها.
وهو من فروع علم الهندسة.
ومنفعته ظاهرة لأنه شديد العناء في دفع الأعداء وحماية المدن.
وهذا العلم: أحد أركان الدين لتوقف أمر الجهاد عليه ولبني موسى بن شاكر كتاب مفيد في هذا العلم كذا في: مفتاح السعادة و: مدينة العلوم.
وينبغي أن يضاف علم رمي القوس والبنادق إلى هذا العلم وأن ينبه على أن أمثال ذلك العلم قسمان:
علم وضعها وصنعتها.
وعلم استعمالها وفيه كتب.
علم الآلات الحربية
وهو: علم يتعرف منه: كيفية اتخاذ الآلات الحربية، كالمنجنيق وغيرها.
وهو من فروع: علم الهندسة.
ومنفعته: ظاهرة.
وهذا العلم: أحد أركان الدين، لتوقف أمر الجهاد عليه.
ولبني موسى ابن شاكر، كتاب مفيد في هذا العلم، كذا في: (مفتاح السعادة).
وينبغي أن يضاف: علم رمي القوس والبنادق، إلى هذا العلم، وأن ينبه على أن أمثال ذلك العلم قسمان:
علم: وضعها وصنعتها.
وعلم: استعمالها.
وفيه: كتب.

علم البنكامات

علم البنكامات
يعني: الصور والأشكال الموضوعة لمعرفة الساعات المستوية والزمانية فإذا هو علم يعرف به كيفية اتخاذ آلات يقدر بها الزمان.
وموضوعه: حركات مخصوصة في أجسام مخصوصة تنقضي بقطع مسافات مخصوصة.
وغايته: معرفة أوقات الصلوات وغيرها من غير ملاحظة حركات الكواكب وكذلك معرفة الأوقات المفروضة للقيام في الليل إما: للتهجد أو: للنظر في تدابير الدول والتأمل في الكتب والصكوك والخرائط المنضبط بها أحوال المملكة والرعايا ولا يخفى أن هذين الأمرين فرض كفاية - وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب - واستمداده من قسمي الحكمة الرياضي والطبيعي ومع ذلك يحتاج إلى إدراك كثير وقوة تصرف ومهارة في كثير من الصنائع وهذا العلم عظيم النفع في الدين فانقسمت البنكامات إلى: الرملية وليس فيها كثير طائل وإلى: بنكامات الماء وهي: أصناف ولا طائل فيها أيضا وإلى: بنكامات دورية معمولة بالدواليب يدير بعضها بعضا.
قال في: كشف الظنون: وهذا العلم من زياداتي على: مفتاح السعادة فإن ما ذكر صاحبه من أنه: علم بآلات الساعات ليس كما ينبغي فتأمل ومن الكتب المصنفة فيه: الكواكب الدرية و: الطرق السنية في الآلات الروحانية في بنكامات الماء وكلاهما للعلامة تقي الدين الراصد وكتاب: بديع الزمان في الآلات الروحانية. انتهى.
وفي: مدينة العلوم كتاب أرشميدس هو العمدة في هذا الفن وللمتأخرين فيه تصانيف مفيدة حسنة جدا.
علم البنكامات
يعني: الصورة والأشكال المصنوعة، لمعرفة الساعات المستوية والزمانية، فإذا هو علم: يعرف به كيفية اتخاذ آلات، يقدر بها الزمان.
وموضوعه: حركات مخصوصة، في أجسام مخصوصة، تنقضي بقطع مسافات مخصوصة.
وغايته: معرفة أوقات الصلوات، وغيرها، من غير ملاحظة حركات الكواكب، وكذلك معرفة الأوقات المفروضة، للقيام في الليل، إما للتهجد، أو للنظر في تدابير الدول، والتأمل في الكتب، والصكوك، والخرائط، المنضبط بها أحوال المملكة، والرعايا، ولا يخفى أن هذين الأمرين: فرضا كفاية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
واستمداده: من قسمي: الحكمة الرياضي، والطبيعي، ومع ذلك يحتاج إلى إدراك كثير، وقوة تصرف، ومهارة في كثير من الصنائع.
وانقسمت البنكامات: إلى الرملية، وليس فيها كثير طائل، وإلى بنكامات الماء، وهي: أصناف، ولا طائل فيها أيضا، وإلى بنكامات دورية، معمولة بالدواليب، يدير بعضها بعضا.
وهذا العلم: من زياداتي على (مفتاح السعادة)، فإن ذكره صاحبه من أنه: علم آلات الساعة، ليس كما ينبغي، فتأمل.
ومن الكتب المصنفة فيه:
(الكواكب الدرية، والطرق السنية، في الآلات الروحانية).
في بنكامات الماء.
كلاهما: للعلامة، تقي الدين الراصد.
وكتاب (بديع الزمان في الآلات الروحانية).

علم جر الأثقال

علم جر الأثقال
هو: علم يبحث عن كيفية اتخاذ آلات تجر الأشياء الثقيلة بالقوة اليسيرة.
ومنفعته: ظاهرة، وقد برهن أيرن في كتابه في هذا العلم على نقل مائة ألف رطل بقوة خمسمائة رطل.
وهو من فروع علم الهندسة.
وبرهن الإمام في آخر جامع العلوم على بعض مسائله.
ولم يذكر صاحب مفتاح السعادة كتاباً في هذا الفن.
علم جر الأثقال
هو: علم يبحث فيه عن كيفية اتخاذ آلات تجر الأشياء الثقيلة بالقوة اليسيرة.
ومنفعته: ظاهرة حتى للعوام وقد برهن إيدن في كتابه: في هذا العلم على نقل مائة ألف رطل بقوة خمسمائة وهذا أمر يستبعده العقول القاصرة.
وهو: من فروع علم الهندسة وبرهن الإمام في آخر: جامع العلوم على بعض مسائله ولم يذكر صاحب: مفتاح السعادة كتابا في هذا الفن وكذا صاحب: مدينة العلوم ولكن حدثت في هذا الزمان كتب كثيرة في هذا العلم بلسان الفرنج ولهم يد طولى في ذلك وقد أوجدوا في زماننا هذا أشياء تجر الأثقال والأحمال الكثيرة إلى مسافات شاسعة عسيرة في أزمنة قليلة يسيرة تحار منها الأفهام وتأبى عن ضبطها الأقلام منها: العجلة الدخانية تقطع مسيرة شهر في يوم وليلة.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.