Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أنام

الرَّقْدُ

الرَّقْدُ: النومُ،
كالرُّقادِ والرُّقودِ، بضمهما،
أو الرُّقادُ: خاصٌّ بالليلِ. وقومٌ رُقودٌ ورُقَّدٌ.
ورجلٌ يَرْقودٌ: يَرْقُدُ كثيراً.
والمُرْقِدُ، بالضم: دَواءٌ يُرْقِدُ شارِبَهُ، والبَيِّنُ من الطريقِ. وكمَسْكَنٍ: المَضْجَعُ.
وأرْقَدَهُ: أنامَــهُ،
وـ المكانَ: أقامَ به.
والرَّقَدانُ، محرَّكةً: الطَّفْرُ نَشاطاً.
والارْقِدادُ: الإِسْراعُ.
ورجلٌ مِرْقِدَّى، كمِرْعِزَّى: يُسْرِعُ في أمورِهِ.
والرَّاقودُ: دَنٌّ كبيرٌ، أو طويلُ الأَسْفَلِ يُسَيَّعُ داخِلُهُ بالقارِ، وسَمَكَةٌ صغيرةٌ.
والرُّقَيْداتُ: ماءٌ لبني كَلْبٍ.
ورَقْدٌ: جَبَلٌ تُنْحَتُ منه الأَرْحِيَةُ.
وأصابَتْنا رَقْدَةٌ من حَرٍّ، أي: قَدْرُ عشرةِ أيامٍ.
والتَّرْقيدُ: ضَرْبٌ من المَشْيِ. وكغُرابٍ وصاحبٍ: اسْمانِ.

وَدَن

(وَدَن) الشَّيْء بله ونقعه وقصره
(وَدَن)
الشَّيْء (يدنه ودنا وودانا بله ونقعه والعروس وَالْفرس أحسن الْقيام عَلَيْهِمَا وَمِنْه الميدان (فِي لُغَة) لِأَن الْخَيل تودن فِيهِ وَالْجَلد ودنا دَفنه تَحت الثرى ليلين وَالشَّيْء بالعصا دقه أَو لينه كَمَا يلين الْأَدِيم وَيُقَال ودنه بالعصا ضربه وَالشَّيْء قصره ونقصه وصغره فَهُوَ مودون وودين
وَدَن
: ( {وَدَنَهُ، كوَعَدَهُ،} وَدْناً {ووِداناً، بالكسْرِ: بَلَّهُ ونَقَعَهُ) .
(وجاءَ قوْمٌ إِلَى بنْتِ الخُسِّ بحَجرٍ فَقَالُوا: أَحْذِي لنا مِن هَذَا نَعْلاً، فَقَالَت: دِنُوهُ؛ قالَ ابنُ بَرِّي: أَي رَطِّبُوه.
وَفِي حدِيثِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْر: (وَعَلِيهِ قِطْعَة نَمِرَةٍ قد وَصَلَها بإِهابٍ قد} وَدَنَهُ) ، أَي بَلَّه بماءٍ ليخْضعَ ويَلِينَ.
(فَهُوَ {وَدِينٌ} ومَوْدُونٌ) :) أَي مَبْلولٌ مَنْقوعٌ؛ قالَ الطرمَّاحُ: عَقائِل رَمْلَةٍ نازَعْنَ منهادُفُوفَ أَقاحِ مَعْهودٍ {وَدين ِقالَ الأَزْهرِيُّ: أَرادَ دُفوفَ رَمْلٍ أَو كَثِيب، أَقاحٍ مَعْهودٍ، أَي مَمْطُور؛ وقوْلُه:} وَدِين أَي {مَوْدُونٍ مَبْلول.
وقالَ فِي ترْجَمةِ دين: قالَ اللَّيْثُ: الدِّينُ مِنَ الأَمْطارِ مَا تعاهَدَ مَوْضِعاً لَا يزالُ يَرُبُّ فِيهِ ويصيبُه؛ وأَنْشَدَ: مَعْهودٍ ودِينِ.
قالَ الأزْهرِيُّ: وَهَذَا خَطَأٌ، والواوُ فِي وَدِين فَاء الفِعْل، وَهِي أَصْليَّة وليسَتْ بواوِ العَطْفِ، قالَ: وَلَا يُعْرَفُ الدِّيْن فِي بابِ الأَمْطارِ؛ قالَ: وَهَذَا تصْحِيفٌ مِن اللّيْثِ أَو ممَّنْ زادَ فِي كتابِهِ، وَقد ذَكَرْناهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ (} كوَدَّنَهُ) {تَوْدِيناً (} واتَّدَنَهُ) ، على افْتَعَلَهُ كذلِكَ، ( {فاتَّدَنَ هُوَ) إِذا (انْتَقَعَ) وابْتَلَّ، (لازِمٌ مُتَعدَ) ؛) قالَ الكُمَيْت:
وراجٍ لينَ تَغْلِبَ عَن شِظافٍ} كمُتَّدِنِ الصَّقا حَتَّى يَلِينا (و) {وَدَنَ (العَرُوسَ} وَدْناً {ووِداناً) ، بالكسْرِ: (أَحْسَنَ القِيامَ عَلَيْهَا) ؛) وكذلِكَ الفَرَس.
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: أَخَذُوا فِي} وِدَانِ العَرُوسِ إِذا عَلَّلُوها بالسَّوِيقِ والتَّرَفُّهِ للسِّمَنِ؛ وأَنْشَدَ:
بئس {الوِدانُ للفَتَى العَرُوسِضَرْبُكَ بالمِنْقارِ والفُؤُوسِ (و) } وَدَنَ (الشَّيءَ وَدْناً: قَصَدَهُ) ، هَكَذَا فِي النسخِ، والصَّوابُ قَصَرَهُ؛ ( {كوَدَّنَهُ) } تَوْدِيناً، (! وأَوْدَنَهُ) ، ذَكَرَ الأُولى والثانِيَة أَبو عُبَيْدٍ. (و) {ودَنَهُ (بالعَصَا: ضَرَبَهُ) ؛) وقيلَ: لَيَّنَهُ كَمَا} يُودَنُ الأدِيمُ.
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: دَقَّهُ بِهِ.
قالَ الزَّمَخْشريُّ: وَمِنْه المِيدانُ لأنَّ الخَيْلَ {تُودَنُ فِيهِ، أَي تُضْرَبُ.
وذَكَرَه المصنِّفُ، رحِمَه اللَّهُ تَعَالَى فِي ميد.
(} والأوْدَنُ: النَّاعِمُ.
(و) {أَوْدَنُ: (ة بينَ مَرْعَش والفُراتِ.
(و) } أَوْدَنَةُ، (بهاءٍ: ة ببُخارى) ؛) ظاهِرُ سِياقِه أنَّها بالفتْحِ، وضَبَطَه ابنُ السّمعانيّ، رحِمَه اللَّهُ تَعَالَى بالضمِّ؛ (مِنْهَا) :) أَبو سُلَيْمان (داوُدُ بنُ محمدِ) بنِ موسَى بنِ هَارُون الفَقِيهُ الحَنَفيُّ (المُحدِّثُ {الأَوْدَنِيُّ) ، رَوَى عَن أَبي عبيدِ الرَّحمنِ بنِ أَبي لَيْثٍ وصالِحِ بنِ محمدِ جزْرَةَ، وصنَّفَ عِدَّةَ تَصَانِيف؛ وابْناهُ أَبو مُسْلمٍ عبْدُ الصَّمدِ الفَقِيهُ، وأَبو سَهْلٍ عبْدُ الحميدِ الحافِظُ، حَدَّثا عَن جدِّهما.
وَمِنْهَا أَيْضاً: أَبو مَنْصورٍ أَحمدُ بنُ محمدِ بنِ نَصْر الأَوْدَنِيُّ عَن مُوسَى بنِ قُرَيْش. وأَبو بكْرٍ محمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ محمدِ بنِ نصيرِ بنِ وَرْقاء} الأَوْدَنيُّ فَقِيهُ الشافِعِيَّة، يَرْوِي عَن الهَيْثَمِ بنِ كُلَيْبٍ وعبْدِ المُؤْمِنِ بنِ خَلَف النقيّ، وعبدِ الحَلِيم والمُسْتَغْفريّ، وَهُوَ مِن أَصْحابِ الوُجُوهِ، ماتَ، رحِمَه اللَّهُ تَعَالَى، سَنَة 385.
(! وتَودَّنَ الجِلْدُ: لانَ) عنْدَ الدِّباغِ؛ عَن ابنِ الأَعْرابيِّ. ( {والمَوْدُونُ: القَصيرُ العُنُقِ والأَلْواحِ واليَدَيْنِ) ؛) كَمَا فِي التهذيبِ. وقالَ بعضُهم: القصيرُ ألْواحِ اليَدَيْنِ، (النَّاقِصُ الخَلْقِ الضَّيِّقُ المَنْكِبَيْنِ) ؛) وَمِنْه حدِيثُ ذِي الثُّدَيَّةِ: (أَنَّه كانَ} مَوْدُونَ اليَدِ) ، أَي ناقِصها مَعَ قِصَرٍ.
( {والمَوْدُونَةُ للمُؤَنَّثِ) ؛) قالَ حَسَّانُ يَذمُّ رجُلاً:
وأُمُّكَ سَوْداءُ} مَوْدُونَةٌ كأَنَّ أَنامِــلَها الحُنْظُبُ (و) {المَوْدُونَةُ: (دُخَّلَةُ) مِن الدَّخاخِيلِ (قَصيرةُ العُنُقِ صَغيرَةُ الجُثَّةِ) ، وقيلَ: دَقِيقَتُها (} ووَدِنَتِ) المرْأَةُ، (كَعَلِمَتْ: ولَدَتْ ولَداً) قصيرَ العُنُقِ واليَدَيْنِ ضَيِّقَ المَنْكِبَيْنِ، ورُبَّما كانَ مَعَ ذلِكَ (ضاوِياً؛ {كأَوْدَنَتْ، فَهُوَ} مَوْدونٌ {ومُودَنٌ) ، على اللَّفِّ والنّشْرِ المُرَتَّبِ؛ قالَ الشَّاعِرُ:
وَقد طُلِقَتْ لَيْلَة كُلَّهافجاءَتْ بِهِ} مُودَناً خَنْفَقِيقا وممَّا يُسْتدركُ عَلَيْهِ:
{وَدَنَ الجِلْدَ} وَدْناً: دَفَنَه فِي الثَّرَى ليَلِينَ، فَهُوَ {مَوْدُونٌ.
} والوِدَانُ، بالكسْرِ: مَواضِعُ النَّدَى والماءِ الَّتِي تصلحُ للغُروسِ.
{والمَوْدُونَةُ: المُرَطَّبةِ؛ قالَ الشَّاعِرُ:
وَلَقَد عَجِبتُ لكاعِبٍ} مَوْدُونةٍ أَطْرافُها بالحَلْيِ والحِنَّاءِ {والتَّوَدُّنُ: كثْرَةُ التَّدْهِين والتَّنْعِيم.
} ووَدَنَ الشيءَ وَدْناً: نَقَّصَهُ وصَغَّرَه؛ {كأَوْدنَه، فَهُوَ} مَوْدُونٌ {ومُودَنٌ؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيِّ:
لما رأَتْه} مُودَناً عِظْيَّراً قَالَت أُرِيدُ العُتْعُتَ الدِّفَرَّاو {المُودَنُ} كالمَوْدُونِ: القصيرُ الناقِصُ الخَلْقِ؛ وَبِه رُوِيَ حدِيثُ ذِي الثُّدَيَّة أَيْضاً.
قالَ الكِسائيُّ: {المُودَنُ اليَدِ: القَصيرُها.
} والمَوْدُونُ: المَدْقُوقُ. وَقد وَدَنَه {وَدْناً: إِذا دَقَّهُ.
وفَرَسٌ} مَوْدُونٌ: أَحْسَنَ القِيام عَلَيْهِ.
{ومَوْدُونٌ: فَرَسُ مِسْمَع بنِ شِهابٍ؛ قالَ ذُو الرُّمَّة:
ونَحْنُ غَدَاةَ بَطْنِ الجِزْعِ فِئْنَا} بمَوْدُونٍ وفارِسِه جِهارَا

انم

انم



الــأَنَامُ (T, M, Msb, K) and ↓ الآنَامُ (K) and ↓ الأَنِيمُ, (M, K,) the last allowable in poetry, (M,) i. q. الخَلْقُ; (M, K, and Bd and Jel in lv. 9;) i. e. [Mankind; for such is the general meaning of الخَلْقُ, or] mankind and the jinn (or genii) and others: (Jel ubi suprà:) or the jinn and mankind: (T, Msb, K:) or what are on the face of the earth of all that are termed الخَلْق [or created beings]: (Lth, T, Msb:) or all that is on the face of the earth: (K:) or everything having a رُوح [i. e. soul, or spirit]: (Bd ubi suprà:) or every one who is subject to sleep. (TA [as though it were derived from النَّوْمُ.]) الانام is not mentioned by J, though occurring in the Kurn. (TA.) الأَنِيمُ: see above.

الآنَامُ: see above.

بات

بات
الجذر: ب ي ت

مثال: بات على سريره
الرأي: مرفوضة
السبب: لأنها لم ترد بهذا المعنى في المعاجم.
المعنى: نام

الصواب والرتبة: -نام على سريره [فصيحة]-بات على سريره [صحيحة]
التعليق: معنى «بات»: أظله المبيت، وأجنّه الليل، سواء أنام أم لم ينم. والعلاقة واضحة بين البقاء على السرير وحلول الظلام وبين النوم فيكون الكلام من باب المجاز المرسل الذي علاقته اعتبار ما سيكون.

التيسير، في علم التفسير

التيسير، في علم التفسير
لمحيي الدين: محمد بن سليمان الكافيجي، الحنفي.
رسالة صغيرة.
فرغ من تأليفها: في رمضان.
سنة: 856، ست وخمسين وثمانمائة.
قيل: كان يفتخر به ظناً منه أنه لم يسبق إليه، ولعله لم ير كتاب البرهان للزركشي، ولو رآه لاستحيى منه.
أوله: (الحمد لله، الذي أنزل القرآن، رحمة للــأنام... الخ).
رتب على بابين، وخاتمة.
وذكر فيه الأمير: تمربغا الظاهري.

أَبَرشَهْر

أَبَرشَهْر:
بالفتح ثم السكون وفتح الراء والشين المعجمة معا وسكون الهاء والراء، ورواه السّكّري بسين مهملة: وهو تعريب، والأصل الإعجام، لأن شهر بالفارسية هو البلد، وأبر الغيم، وما أراهم أرادوا إلا خصبه. قال السّكّري في خبر مالك بن الرّيب:
ولّى معاوية سعيد بن عثمان بن عفّان خراسان، فأخذ على فلج وفليج، فمرّ بأبي جردية الأثيم، ومالك بن الرّيب، وكانا لصّين يقطعان الطريق، فاستصحبهما، فصحبه مالك بن الريب المازني ما شاء الله، فلم ينل منه مما وعده شيئا وأتبع ذلك بجفوة، فترك سعيدا وقفل راجعا، فلما كان بأبر شهر، وهي نيسابور، مرض، فقيل له: أي شيء تشتهي؟ فقال:
أشتهي أن أنام بين الغضا وأسمع حنينه، أو أرى سهيلا، وأخذ يرثي نفسه، وقال قصيدة جيدة مشهورة
ذكرتها في خراسان، وقال البحتري يرثي طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين:
ولله قبر في خراسان، أدركت ... نواحيه أقطار العلى والمآثر
مقيم بأدنى أبرشهر، وطوله ... على قصر آفاق البلاد الظواهر
وقد أسقط بعضهم الهمزة من أوله، فقال:
كفى حزنا أنّا جميعا ببلدة، ... ويجمعنا، في أرض برشهر، مشهد
في أبيات ذكرت في برشهر من هذا الكتاب.

الأُقَيْصِرُ

الأُقَيْصِرُ:
تصغير أقصر: اسم صنم، قال أبو المنذر:
كان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له: الأقيصر، وله يقول زهير بن أبي سلمى:
حلفت بأنصاب الأقيصر جاهدا، ... وما سحقت فيه المقاديم والقمل
وله يقول ربيع بن ضبيع الفزاري:
فإنّني، والذي نعم الــأنام له، ... حول الأقيصر تسبيح وتهليل
وله يقول الشّنفرى الأزدي حليف فهم:
وإن امرأ قد جار عمرا ورهطه ... عليّ، وأثواب الأقيصر تعنف
قال هشام: حدثني رجل يكنّى أبا بشر يقال له عامر ابن شبل من جرم، قال: كان لقضاعة ولخم وجذام وأهل الشام صنم يقال له: الأقيصر، وكانوا يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده، فكان كلّما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كل شعرة قرّة من دقيق، وهي قبضة، قال: وكانت هوازن تنتابهم في ذلك الإبّان، فإن أدركه الهوازني قبل أن يلقي القرّة على الشعر قال أعطنيه يعني الدقيق، فإني من هوازن ضارع، وإن فاته أخذ ذلك الشّعر بما فيه من القمل والدقيق فخبزه وأكله، قال: فاختصمت جرم وبنو جعدة في ماء لهم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يقال له: العقيق، فقضى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لجرم، فقال معاوية بن عبد العزّى بن ذراع الجرمي:
وإني أخو جرم، كما قد علمتم، ... إذا جمعت عند النبيّ المجامع
فإن أنتم لم تقنعوا بقضائه، ... فإني بما قال النبيّ لقانع
ألم تر جرما أنجدت، وأبوكم ... مع القمل في حفر الأقيصر شارع؟!
إذا قرّة جاءت يقول: أصب بها ... سوى القمل، إني من هوازن ضارع
فما أنتم من هؤلا الناس كلهم؟ ... بلى ذنب أنتم علينا وكارع! فإنكما كالخنصرين أخسّتا، ... وفاتتهما في طولهنّ الأصابع

إِيراياذ

إِيراياذ:
ولفظ العجم بها إيراوه: قرية بينها وبين طبس خمسة عشر فرسخا، على رأس جبل، ولها قلعة حصينة، وحولها مزارع وبساتين ونخل وأعناب
وتفاح وأصناف من الفواكه، وفيها مياه جارية عذبة وهي في غاية النزاهة والطيبة، وبها خانقاه للصوفية، عندها مشهد عليه قبة فيها قبر الشيخ أبي نصر الزاهد الإيراياذي، وكانت وفاته بعد الخمسمائة، وأهل تلك الناحية يذكرون له كرامات منها: أن أهل قريته سألوه أن يستسقي لهم في محل أصابهم، فسجد ودعا الله لهم، فنبعت عين من وسط الجبل من الصخر الصلد، وتدفّقت بماء عذب صاف وفارت فورانا شديدا، فوضع الشيخ يده على الماء وقال له: اسكن! فسكن باذن الله. أخبرني بذلك كله الحافظ أبو عبد الله محمد بن النّجار البغدادي، وقال:
شاهدت العين وشربت من مائها وزرت قبر هذا الشيخ مرارا ووجدت عنده روحا وقبولا تامّا، وعليه نور كثير، قال: وأنشدني محمد بن المؤيد الدبوسي من لفظه وكتابه بقرية إيراياذ، وذكر أنها لعيسى بن محفوظ الطّرفي:
مدح الــأنام وذمّهم فحواهما ... طمع، يردّده لسان الذاكر
لولا فضول الحرص من يروي لنا ... جرد ابن مامة، أو دناءة مادر؟

بِرَامٌ

بِرَامٌ:
يروى بكسر أوله وفتحه والفتح أكثر، قال نصر: جبل في بلاد بني سليم عند الحرّة من ناحية البقيع، وقيل: هو على عشرين فرسخا من المدينة، وذكر الزّبير أودية العقيق فقال: ثم قلعة برام، وفيها يقول المحرّق المزني وهو ابن أخت معن بن أوس المزني:
وإنّي لأهوى، من هوى بعض أهله، ... براما وأجزاعا بهنّ برام
وكان أوس بن حارثة بن لام الطائيّ قد أغار على هوازن في بلادهم فسبى منهم سبيا، فقصده أبو براء عامر بن مالك فيهم فأطلقهم له وكساهم، فقال أبو براء:
ألم ترني رحلت العيس، يوما، ... إلى أوس بن حارثة بن لام
إلى ضخم الدّسيعة مذحجيّ، ... نماه من جديلة خير نام
وفي أسرى هوازن أدركتهم ... فوارس طيّء، بلوى برام
تقرّب ما استطاع أبو بجير، ... وفكّ القوم من قبل الكلام
فما أوس بن حارثة بن لام ... بغمر، في الحروب، ولا كهام
وكان عبد الله بن الزبير قد نفى من المدينة من كان بها من بني أمية، وكان فيهم أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فلحق بالشام فحنّ إلى أوطانه فقال أشعارا بتشوّقه، منها:
ليت شعري، وأين منّي ليت، ... أعلى العهد يلبن فبرام
أم كعهدي العقيق أم غيّرته، ... بعدي، الحادثات والأيام
وبقومي بدّلت لخما وعكّا ... وجذاما، وأين منّي جذام؟
وتبدّلت من مساكن قومي ... والقصور، التي بها الآطام:
كلّ قصر مشيّد ذي أواسي، ... يتغنّى على ذراه الحمام
أقر منّي السلام إن جئت قومي، ... وقليل لهم لديّ السلام
أقطع الليل كلّه باكتئاب ... وزفير، فما أكاد أنام
نحو قومي، إذ فرّقت بيننا الدا ... ر، وحادت عن قصدها الأحلام
خشية أن يصيبهم عنت الده ... ر وحرب يشيب فيها الغلام
ولقد حان أن يكون، لهذا ال ... بعد عنّا، تباعد وانصرام
فبلغت هذه الأبيات وغيرها من شعره إلى عبد الله بن الزبير فقال: حنّ أبو قطيفة، ألا من رآه فليبلغه عنّي أني قد أمّنته فليرجع. فرجع فمات قبل أن يبلغ المدينة.

بِرْبِيطِيَاءُ

بِرْبِيطِيَاءُ:
بكسر الباء الثانية، وياء ساكنة، وكسر الطاء، وياء أخرى، وألف ممدودة: موضع، ينسب إليه الوشي، ذكره ابن مقبل في شعره فقال:
خزامى وسعدان، كأنّ رياضها ... مهدن بذي البربيطياء المهذّب
وقال أبو عمرو: البربيطياء ثياب.
البَرَّتان:
الراء مشددة مفتوحة، تثنية برّة: هضبتان في ديار بني سليم، يجوز أن يكون من البرّ ضد العقوق، كأنّ هذا الموضع يبرّ أهله بالخصب والرّيع، وقال طهمان بن عمرو الكلابي:
لقد سرّني ما جرّف السيف هانئا، ... وما لقيت من حدّ سيفي أنامــله
ومتركه بالبرّتين مجدّلا، ... تنوح عليه أمّه وحلائله
وقال ابن حبيب: البرتان جبيلان بالمطلى أرض لبني أبي بكر بن كلاب، وهي مختلطة فيها. والبرتان:
هضبتان حميراوان مقترنتان بأعلى خنثل من ديار بني كلاب. والبرتان أيضا: رابيتان بالحجاز على ستة أميال من الجار. والجار: فرضة على البحر بين ينبع وجدّة، وقال مطير بن الأشيم الأسدي يرثي قرة وعلقمة ابني عمه:
أحقّا أن قرّة لا أراه؟ ... فما أنا بعده بقرير عين!
وعلقمة، الذي قد كان عزّي، ... وإن حفل المجالس كان زيني
إذا قال الخليل تعزّ عنهم، ... ذكرت رئيس يوم البرّتين
ألا لا خلد بعدكما، ولكن ... ضحاء الورد بينكما وبيني
والبرّتان: البرّة العليا والبرّة السفلى بالعارض من أرض اليمامة، وهي التي ذكرها يحيى بن طالب في شعره، وقد ذكرنا في البرّة.

بَغْدَادُ

بَغْدَادُ:
أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري:
أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل، فباغ بستان وداد اسم رجل، وبعضهم يقول: بغ اسم للصنم، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا:
ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال:
هلدوه وروز أي خلّوها بسلام، فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات:
بغداد وبغدان، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة، وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب، قلت أنا: وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان، وحكى الخارزنجي: بغداد بدالين مهملتين، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث، وتسمى مدينة السلام أيضا، فأما الزوراء: فمدينة المنصور خاصة، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي:
كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت؟ فقال له: من بغداد، فقال:
لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى، ولكن قل مدينة السلام، فإن الله هو السلام والمدن كلها له، وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا:
بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية
الملك، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الإقليم الثالث، قال: طالعها السماك الأعزل، بيت حياتها القوس، لها شركة في الكف الخضيب ولها أربعة أجزاء من سرّة الجوزاء تحت عشر درج من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي عاشرها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، قلت أنا: ولا شك أن بغداد أحدثت بعد بطليموس بأكثر من ألف سنة ولكني أظنّ أن مفسري كلامه قاسوا وقالوا، وقال صاحب الزيج: طول بغداد سبعون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، وتعديل نهارها ست عشرة درجة وثلثا درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وخمس دقائق، وغاية ارتفاع الشمس بها ثمانون درجة وثلث، وظلّ الظهر بها درجتان، وظل العصر أربع عشرة درجة، وسمت القبلة ثلاث عشرة درجة ونصف، وجهها عن مكة مائة وسبع عشرة درجة، في الوجود ثلاثمائة درجة، هذا كله نقلته من كتب المنجمين ولا أعرفه ولا هو من صناعتي، وقال أحمد ابن حنبل: بغداد من الصّراة إلى باب التبن، وهو مشهد موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي ابن أبي طالب، ثم زيد فيها حتى بلغت كلواذى والمخرّم وقطربّل، قال أهل السير: ولما أهلك الله مهران بأرض الحيرة ومن كان معه من العجم استمكن المسلمون من الغارة على السواد وانتقضت مسالح الفرس وتشتت أمرهم واجترأ المسلمون عليهم وشنوا الغارات ما بين سورا وكسكر والصراة والفلاليج والأستانات، قال أهل الحيرة للمثنى: إن بالقرب منا قرية تقوم فيها سوق عظيمة في كل شهر مرة فيأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد، يقال لها بغداد، وكذا كانت إذ ذاك، فأخذ المثنى على البرّ حتى أتى الأنبار، فتحصّن فيها أهلها منه، فأرسل إلى سفروخ مرزبانها ليسير إليه فيكلّمه بما يريد وجعل له الأمان، فعبر المرزبان إليه، فخلا به المثنى وقال له: أريد أن أغير على سوق بغداد وأريد أن تبعث معي أدلّاء فيدلّوني الطريق وتعقد لي الجسر لأعبر عليه الفرات، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر قبل ذلك لئلا تعبر العرب عليه، فعبر المثنى مع أصحابه وبعث معه المرزبان الأدلاء، فسار حتى وافى السوق صحوة، فهرب الناس وتركوا أموالهم فأخذ المسلمون من الذهب والفضة وسائر الأمتعة ما قدروا على حمله ثم رجعوا إلى الأنبار، ووافى معسكره غانما موفورا، وذلك في سنة 13 للهجرة، فهذا خبر بغداد قبل أن يمصّرها المنصور، لم يبلغني غير ذلك.

فصل
في بدء عمارة بغداد، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء، وانتقل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعا، وقال ابن عيّاش: بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من
بارمّا، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: طيب موافق، فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة والامتعة في البرّ والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه، فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس، قال: فأتى موضع بغداد وعبر موضع قصر السلام ثم صلى العصر، وذلك في صيف وحرّ شديد، وكان في ذلك الموضع بيعة فبات أطيب مبيت وأقام يومه فلم ير إلا خيرا فقال: هذا موضع صالح للبناء، فإن المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار، ولا يحمل الجند والرعية إلا مثله، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أول لبنة بيده فقال: بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، وذكر سليمان بن مختار أن المنصور استشار دهقان بغداد، وكانت قرية في المربّعة المعروفة بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي، وما زالت داره قائمة على بنائها إلى أن خرب كثير مما يجاورها في البناء، فقال: الذي أراه يا أمير المؤمنين أن تنزل في نفس بغداد، فإنك تصير بين أربعة طساسيج: طسّوجان في الجانب الغربي وطسّوجان في الجانب الشرقي، فاللذان في الغربي قطربل وبادوريا، واللذان في الشرقي نهر بوق وكلواذى، فإن تأخرت عمارة طسوج منها كان الآخر عامرا، وأنت يا أمير المؤمنين على الصّراة ودجلة، تجيئك بالميرة من القرب وفي الفرات من الشام والجزيرة ومصر وتلك البلدان، وتحمل إليك طرائف الهند والسند والصين والبصرة وواسط في دجلة، وتجيئك ميرة أرمينية وأذربيجان وما يتصل بها في تامرّا، وتجيئك ميرة الموصل وديار بكر وربيعة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر والقنطرة لم يصل إليك عدوك، وأنت قريب من البرّ والبحر والجبل، فأعجب المنصور هذا القول وشرع في البناء، ووجه المنصور في حشر الصّنّاع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط فأحضروا، وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة، فجمعهم وتقدم إليهم أن يشرفوا على البناء، وكان ممن حضر الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة الإمام، وكان أول العمل في سنة 145، وأمر أن يجعل عرض السور من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين ذراعا، وأن يجعل في البناء جرز القصب مكان الخشب، فلما بلغ السور مقدار قامة اتّصل به خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، فقطع البناء حتى فرغ من أمره وأمر أخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن ابن حسن.
وعن علي بن يقطين قال: كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر، قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه؟ قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر، قال:
هل يلقب بشيء؟ قلت: المنصور، قال: ليس هذا الذي يبنيها، قلت: ولم؟ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني
هذا المكان رجل يقال له مقلاص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء، فقال: قل، قلت:
أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا، فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به، فقلت في نفسي: لحقه اللجاج، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد، فقلت له: أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه، فقال: لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه، وجئت إلى الداية وقلت لها:
افعلي كذا واصنعي كذا، قالت: من أين لك ما أرى؟ قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به، فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت، فلما ألحّت وأنا لا أخرج قالت: اخرج يا مقلاص، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.
قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، وعن ابن الشّروي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة:
وزنها مائة وسبعة عشر رطلا، فوزناها فوجدناها كذلك.
وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوّها ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ
الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية، قلت أنا:
هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه، والله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط، وهي أبواب الحجّاج، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود، عليه السلام، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام، وهو أضعفها، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة، وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب، فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.

فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال:
أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت: وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، قال: فتبسم وقال الحمد لله على ذلك، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
أعاينت في طول من الأرض أو عرض، ... كبغداد من دار بها مسكن الخفض
صفا العيش في بغداد واخضرّ عوده، ... وعيش سواها غير خفض ولا غضّ
تطول بها الأعمار، إنّ غذاءها ... مريء، وبعض الأرض أمرأ من بعض
قضى ربّها أن لا يموت خليفة ... بها، إنه ما شاء في خلقه يقضي
تنام بها عين الغريب، ولا ترى ... غريبا بأرض الشام يطمع في الغمض
فإن جزيت بغداد منهم بقرضها، ... فما أسلفت إلّا الجميل من القرض
وإن رميت بالهجر منهم وبالقلى، ... فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض
وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حاجّ، والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبذان بموضع يقال له الرّذّ، والهادي ابنه مات بعيساباد قرية أو محلّة بالجانب الشرقي من بغداد، والرشيد مات بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون مات بالبذندون من نواحي المصّيصة بالشام، والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاء ماتوا بسامرّا، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج، وتعطّلت مدينة المنصور منهم.
وفي مدح بغداد قال بعض الفضلاء: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدين وغرّة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فنّ، وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزّجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول: هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام، فإنّ الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عشّشتا وفرّختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما، وإنّ هواءها أغذى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء، وإنّ نسيمها أرقّ من كل نسيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد، فإن فطن بخواصّها وتنبّه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله، ثم سأله عن الجاحظ، فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرّة شادخة في أهل العلم والآداب، وإن وجده ذامّا لبغداد غفلا عما يحب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، فجعلها مثلا في الغاية في الفضل، وقال ابن زريق الكاتب الكوفي:
سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا، قد اخترت شيئا دونه الياس
هيهات بغداد، والدنيا بأجمعها ... عندي، وسكان بغداد هم الناس
وقال آخر:
بغداد يا دار الملوك ومجتنى ... صوف المنى، يا مستقرّ المنابر
ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى، ... ومنبسط الآمال عند المتاجر
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول: من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير:
ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين، ... على تقلّبها في كلّ ما حين
ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة ... تندى، ومنبت خيريّ ونسرين
تحيا النفوس بريّاها، إذا نفحت، ... وخرّشت بين أوراق الرّياحين
سقيا لتلك القصور الشاهقات وما ... تخفي من البقر الإنسيّة العين
تستنّ دجلة فيما بينها، فترى ... دهم السّفين تعالى كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتّحة، ... أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي، بأجنحة، ... بالزائرين إلى القوم المزورين
من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها، ... قصر من الساج عال ذو أساطين
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا:
أيا بغداد يا أسفي عليك! ... متى يقضى الرجوع لنا إليك؟
قنعنا سالمين بكلّ خير، ... وينعم عيشنا في جانبيك
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا:
فهل نحو بغداد مزار، فيلتقي ... مشوق ويحظى بالزيارة زائر
إلى الله أشكو، لا إلى الناس، إنه ... على كشف ما ألقى من الهمّ قادر
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه، فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم، ثم قال:
سلام على بغداد من كلّ منزل، ... وحقّ لها منّي السلام المضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها، ... وإني بشطّي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ برحبها، ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه، ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال:
أقول وقد جزنا زرود عشيّة، ... وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا
على أهل بغداد السلام، فإنني ... أزيد بسيري عن ديارهم بعدا
وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السّنّة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفّر بن طاهر الخازن:
سقى الله صوب الغاديات محلّة ... ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر
هي البلدة الحسناء، خصّت لأهلها ... بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر
هواء رقيق في اعتدال وصحّة، ... وماء له طعم ألذّ من الخمر
ودجلتها شطّان قد نظما لنا ... بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر
ثراها كمسك، والمياه كفضّة، ... وحصباؤها مثل اليواقيت والدّر
قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
على بغداد معدن كلّ طيب، ... ومغنى نزهة المتنزّهينا:
سلام كلما جرحت بلحظ ... عيون المشتهين المشتهينا
دخلنا كارهين لها، فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حبّ الديار بنا، ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
قال محمد بن عليّ بن حبيب الماوردي: كتب إليّ أخي من البصرة وأنا ببغداد:
طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قدما إليها، وإن عاقت معاذير
وكيف صبري عنها، بعد ما جمعت ... طيب الهواءين ممدود ومقصور؟
وقلّد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلما أراد الخروج قال:
أيرحل آلف ويقيم إلف، ... وتحيا لوعة ويموت قصف؟
على بغداد دار اللهو منّي ... سلام ما سجا للعين طرف
وما فارقتها لقلى، ولكن ... تناولني من الحدثان صرف
ألا روح ألا فرج قريب، ... ألا جار من الحدثان كهف
لعلّ زماننا سيعود يوما، ... فيرجع آلف ويسر إلف
فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
ولما تجاوزت المدائن سائرا، ... وأيقنت يا بغداد أني على بعد
علمت بأنّ الله بالغ أمره، وأن قضاء الله ينفذ في العبد وقلت، وقلبي فيه ما فيه من جوى، ودمعي جار كالجمان على خدّي: ترى الله يا بغداد يجمع بيننا فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني:
فدى لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض، حتى خطّتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها، ... وسيّرت خيلي بينها وركابيا
فلم أر فيها مثل بغداد منزلا، ... ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا، ... وأعذب ألفاظا، وأحلى معانيا
وقائلة: لو كان ودّك صادقا ... لبغداد لم ترحل، فقلت جوابيا:
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم، ... وترمي النوى بالمقترين المراميا

في ذمّ بغداد
قد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد، ووردت فيها أحاديث خبيثة، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
قل لمن أظهر التنسّك في النا ... س وأمسى يعدّ في الزّهّاد:
الزم الثغر والتواضع فيه، ... ليس بغداد منزل العبّاد
إن بغداد للملوك محلّ، ... ومناخ للقارئ الصياد
ومن شائع الشعر في ذلك:
بغداد أرض لأهل المال طيّبة، ... وللمفاليس دار الضّنك والضيق
أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم، ... كأنني مصحف في بيت زنديق
ويروى للطاهر بن الحسين قال:
زعم الناس أن ليلك يا بغ ... داد ليل يطيب فيه النسيم
ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا ... لفها، بالنهار، منك السّموم
وقليل الرّخاء يتّبع الش ... دة، عند الــأنام، خطب عظيم
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى، وحبيبة المثوى،
كوكبها يقظان، وجوّها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلّها من عرق، صيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، وما لهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وله من قصيدة:
كيف نومي وقد حللت ببغ ... داد، مقيما في أرضها، لا أريم
ببلاد فيها الركايا، علي ... هن أكاليل من بعوض تحوم
جوها في الشتاء والصيف دخّا ... ن كثيف، وماؤها محموم
ويح دار الملك التي تنفح المس ... ك، إذا ما جرى عليه النسيم
كيف قد أقفرت وحاربها الدّه ... ر، وعين الحياة فيها البوم
نحن كنا سكانها، فانقضى ذا ... لك عنا، وأي شيء يدوم
وقال أيضا:
أطال الهمّ في بغداد ليلي، ... وقد يشقى المسافر أو يفوز
ظللت بها، على رغمي، مقيما ... كعنّين تعانقه عجوز
وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
ودّ أهل الزوراء زور، فلا ... تغترر بالوداد من ساكنيها
هي دار السلام حسب، فلا يط ... مع منها، إلّا بما قيل فيها
وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيّء الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
ما أنت يا بغداد إلّا سلح، ... إذا اعتراك مطر أو نفح،
وإن جففت فتراب برح
وكما قال آخر:
هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، ... فأصبح لا تبدو لعيني قصورها
وميدانها المذري علينا ترابها ... إذا شحجت أبغالها وحميرها
وقال آخر:
أذمّ بغداد والمقام بها، ... من بعد ما خبرة وتجريب
ما عند سكّانها لمختبط ... خير، ولا فرجة لمكروب
يحتاج باغي المقام بينهم ... إلى ثلاث من بعد تثريب:
كنوز قارون أن تكون له، ... وعمر نوح وصبر أيوب
قوم مواعيدهم مزخرفة ... بزخرف القول والأكاذيب
خلّوا سبيل العلى لغيرهم، ... ونافسوا في الفسوق والحوب
وقال بعض الأعراب:
لقد طال في بغداد ليلي، ومن يبت ... ببغداد يصبح ليله غير راقد
بلاد، إذا ولّى النهار، تنافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد
ديازجة شهب البطون، كأنها ... بغال بريد أرسلت في مذاود
وقرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن جخجخ قال أبو العالية:
ترحّل فما بغداد دار إقامة، ... ولا عند من يرجى ببغداد طائل
محلّ ملوك سمتهم في أديمهم، ... فكلهم من حلية المجد عاطل
سوى معشر جلّوا، وجلّ قليلهم ... يضاف إلى بذل النّدى، وهو باخل
ولا غروان شلّت يد الجود والندى ... وقلّ سماح من رجال ونائل
إذا غطمط البحر الغطامط ماؤه ... فليس عجيبا أن تفيض الجداول
وقال آخر:
كفى حزنا، والحمد لله أنّني ... ببغداد قد أعيت عليّ مذاهبي
أصاحب قوما لا ألذّ صحابهم، ... وآلف قوما لست فيهم براغب
ولم أثو في بغداد حبّا لأهلها، ... ولا أنّ فيها مستفادا لطالب
سأرحل عنها قاليا لسراتها، ... وأتركها ترك الملول المجانب
فإن ألجأتني الحادثات إليهم ... فأير حمار في حرامّ النوائب
وقال بعضهم يمدح بغداد ويذمّ أهلها:
سقيا لبغداد ورعيا لها، ... ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم، ... كيف أبيحوا جنّة مثلها
وقال آخر:
اخلع ببغداد العذارا، ... ودع التنسّك والوقارا
فلقد بليت بعصبة ... ما إن يرون العار عارا
لا مسلمين ولا يهو ... د ولا مجوس ولا نصارى
وقدم بعض الهجريّين بغداد فاستوبأها وقال:
أرى الريف يدنو كل يوم وليلة، ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا
ألا إن بغدادا بلاد بغيضة ... إليّ، وإن أمست معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها مريضة، ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندى
وقال أعرابيّ مثل ذلك:
ألا يا غراب البين ما لك ثاويا ... ببغداد لا تمضي، وأنت صحيح؟
ألا إنما بغداد دار بليّة، ... هل الله من سجن البلاد مريح؟
وقال أبو يعلى بن الهبّارية أنشدني جدّي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:
إذا سقى الله أرضا صوب غادية، ... فلا سقى الله غيثا أرض بغداد
أرض بها الحرّ معدوم، كأنّ لها ... قد قيل في مثل: لا حرّ بالوادي
بل كلّ ما شئت من علق وزانية ... ومستحدّ وصفعان وقوّاد
وقال أيضا أبو يعلى بن الهبارية: أنشدني معدان التغلبي لنفسه:
بغداد دار، طيبها آخذ ... نسيمه مني بأنفاسي
تصلح للموسر لا لامرئ ... يبيت في فقر وإفلاس
لو حلّها قارون ربّ الغنى، ... أصبح ذا همّ ووسواس
هي التي توعد، لكنها ... عاجلة للطاعم الكاسي
حور وولدان ومن كلّ ما ... تطلبه فيها، سوى الناس

تَدْمُو

تَدْمُو:
بالفتح ثم السكون، وضم الميم: مدينة قديمة مشهورة في برّية الشام، بينها وبين حلب خمسة أيام قال بطليموس: مدينة تدمر طولها إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، بيت حياتها السماك الأعزل تسع درجات من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من الميزان، وقال صاحب الزيج: طول تدمر ثلاث وستون درجة وربع، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلثان قيل: سميت بتدمر بنت حسان ابن أذينة بن السّميدع بن مزيد بن عمليق بن لاوذ ابن سام بن نوح، عليه السلام، وهي من عجائب الأبنية، موضوعة على العمد الرخام، زعم قوم أنها مما بنته الجنّ لسليمان، عليه السلام ونعم الشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني:
إلا سليمان، إذ قال الإله له: ... قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيّس الجنّ، إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصّفّاح والعمد
وأهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء قبل سليمان بن داود، عليه السلام، بأكثر مما بيننا وبين سليمان، ولكن الناس إذا رأوا بناء عجيبا جهلوا بانيه أضافوه إلى سليمان وإلى الجن.
وعن إسماعيل بن محمد بن خالد بن عبد الله القسري قال: كنت مع مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية حين هدم حائط تدمر، وكانوا خالفوا عليه فقتلهم وفرّق الخيل عليهم تدوسهم وهم قتلى، فطارت لحومهم وعظامهم في سنابك الخيل، وهدم حائط المدينة، فأفضى به الهدم الى جرف عظيم، فكشفوا عنه صخرة فإذا بيت مجصص كأنّ اليد رفعت عنه تلك الساعة، وإذا فيه سرير عليه امرأة مستلقية على ظهرها وعليها سبعون حلّة، وإذا لها سبع غدائر مشدودة بخلخالها، قال: فذرعت قدمها فإذا ذراع من غير الأصابع، وإذا في بعض غدائرها صحيفة ذهب فيها مكتوب: باسمك اللهم! أنا تدمر بنت حسان، أدخل الله الذّل على من يدخل بيتي هذا.
فأمر مروان بالجرف فأعيد كما كان ولم يأخذ مما كان عليها من الحلي شيئا، قال: فو الله ما مكثنا على ذلك إلا أياما حتى أقبل عبد الله بن عليّ فقتل مروان وفرّق جيشه واستباحه وأزال الملك عنه وعن أهل بيته وكان من جملة التصاوير التي بتدمر صورة جاريتين من حجارة من بقية صور كانت هناك، فمر بهما أوس بن ثعلبة التيمي صاحب قصر أوس الذي في البصرة فنظر إلى الصورتين فاستحسنهما فقال:
فتاتي أهل تدمر خبّراني! ... ألمّا تسأما طول القيام؟
قيامكما على غير الحشايا، ... على جبل أصمّ من الرخام
فكم قد مرّ من عدد الليالي، ... لعصركما، وعام بعد عام
وإنكما، على مرّ الليالي، ... لأبقى من فروع ابني شمام
فإن أهلك، فربّ مسوّمات ... ضوامر تحت فتيان كرام
فرائصها من الإقدام فزع، ... وفي أرساغها قطع الخدام
هبطن بهنّ مجهولا مخوفا ... قليل الماء مصفرّ الجمام
فلما أن روين صدرن عنه، ... وجئن فروع كاسية العظام
قال المدائني: فقدم أوس بن ثعلبة على يزيد بن معاوية فأنشده هذه الأبيات، فقال يزيد: لله درّ أهل العراق! هاتان الصورتان فيكم يا أهل الشام لم يذكرهما أحد منكم، فمرّ بهما هذا العراقي مرّة فقال ما قال ويروى عن الحسن بن أبي سرح عن أبيه قال: دخلت مع أبي دلف إلى الشام فلما دخلنا تدمر وقف على هاتين الصورتين، فأخبرته بخبر أوس بن ثعلبة وأنشدته شعره فيهما، فأطرق قليلا ثم أنشدني:
ما صورتان بتدمر قد راعتا ... أهل الحجى وجماعة العشّاق
غبرا على طول الزمان ومرّه، ... لم يسأما من ألفة وعناق
فليرمينّ الدهر من نكباته ... شخصيهما منه بسهم فراق
وليبلينّهما الزمان بكرّه، ... وتعاقب الإظلام والإشراق
كي يعلم العلماء أن لا خالد ... غير الإله الواحد الخلّاق
وقال محمد بن الحاجب يذكرهما:
أتدمر صورتاك هما لقلبي ... غرام، ليس يشبهه غرام
أفكّر فيكما فيطير نومي، ... إذا أخذت مضاجعها النيام
أقول من التعجّب: أيّ شيء ... أقامهما، فقد طال القيام
أملّكتا قيام الدهر طبعا، ... فذلك ليس يملكه الــأنام
كأنهما معا قرنان قاما، ... ألجّهما لدى قاض خصام
يمرّ الدهر يوما بعد يوم، ... ويمضي عامه يتلوه عام
ومكثهما يزيدهما جمالا، ... جمال الدّرّ زيّنه النّظام
وما تعدوهما بكتاب دهر، ... سجيّته اصطلام واخترام
وقال أبو الحسن العجلي فيهما:
أرى بتدمر تمثالين زانهما ... تأنق الصانع المستغرق الفطن
هما اللتان يروق العين حسنهما، ... تستعطفان قلوب الخلق بالفتن
وفتحت تدمر صلحا، وذاك أن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، مرّ بهم في طريقه من العراق إلى الشام فتحصنوا منه، فأحاط بهم من كلّ وجه، فلم يقدر عليهم، فلما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل قال:
يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لاستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم، ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعنّ إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلنّ مدينتكم حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدّوه له ورضي به.

دَوْلابُ

دَوْلابُ:
بفتح أوله، وآخره باء موحدة، وأكثر المحدثين يروونه بالضم وقد روي بالفتح، وهو في عدة مواضع منها: دولاب مبارك في شرقي بغداد، ينسب إليه أبو جعفر محمد بن الصّبّاح البزاز الدولابي، سمع إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن جعفر وشريكا وغيرهم، روى عنه أحمد بن حنبل وابنه عبد الله وإبراهيم الحربي وأصله من هراة مولى لمزينة، سكن بغداد إلى أن مات، وابنه أحمد بن محمد بن الصباح الدولابي، حدث عن أبيه وغيره. ودولاب: من قرى الري، ينسب إليها قاسم الرازي من قدماء مشايخ الري، قدم مكة ومات بها، وحدث محمد ابن منصور الطوسي قال: جئت مرة إلى معروف الكرخي فعضّ أنامــله وقال: هاه لو لحقت أبا إسحاق الدولابي كان ههنا الساعة أتى يسلم عليّ، فذهبت أقوم فقال لي: اجلس لعله قد بلغ منزله باري، قال: وكان أبو إسحاق الرازي من جملة الأبدال، ذكر ذلك أبو بكر الخطيب في تاريخه. ودولاب الخازن: موضع، نسب أبو سعد السمعاني إليه أبا محمد أحمد بن محمد بن الحسن الخرقي يعرف بأحمد جنبه الدولابي، قال: وتوفي بهذا الدولاب في جمادى الأخرى سنة 546، قال: وسمعت عليه مجلسا سمعه من أبي عبد الله الدقّاق، قال أبو سعد في ترجمة الثابتي:
أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الثابتي الصوفي سمع الحديث الكثير، قتله الغز سنة 548 بدولاب الخازن على وادي مرو. ودولاب أيضا: قرية بينها وبين الأهواز أربعة فراسخ، كانت بها وقعة بين أهل البصرة وأميرهم مسلم بن عبيس بن كريز بن حبيب ابن عبد شمس وبين الخوارج، قتل فيها نافع بن الأزرق رئيس الخوارج وخلق منهم وقتل مسلم بن عبيس، فولوا عليهم ربيعة بن الأجذم وولى الخوارج عبد الله ابن الماخور فقتلا أيضا، وولى أهل البصرة الحجاج بن ثابت وولى الخوارج عثمان بن الماخور ثم التقوا فقتل الأميران، فاستعمل أهل البصرة حارثة بن بدر الغداني واستعمل الخوارج عبيد الله بن الماخور، فلما لم يقدم بهم حارثة قال لأصحابه: كرنبوا ودولبوا وحيث شئتم فاذهبوا، وكرنبا: موضع بالأهواز أيضا، وذلك في سنة 65، فقال عمرو القنّاء:
إذا قلت يسلو القلب، أو ينتهي المنى ... أبى القلب إلّا حبّ أمّ حكيم
وأول القطعة يروى لقطريّ أيضا رواها المبرّد:
لعمرك إني في الحياة لزاهد، ... وفي العيش ما لم ألق أم حكيم
من الخفرات البيض لم ير مثلها ... شفاء لذي داء، ولا لسقيم
لعمرك! إني، يوم ألطم وجهها ... على نائبات الدهر، جدّ لئيم
إذا قلت يسلو القلب، أو ينتهي المنى ... أبى القلب إلّا حبّ أم حكيم
منعّمة صفراء حلو دلالها، ... أبيت بها بعد الهدوّ أهيم
قطوف الخطى مخطوطة المتن زانها، ... مع الحسن، خلق في الجمال عميم
ولو شاهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى، في الحرب، غير ذميم
قال صاحب الأغاني: هذه الثلاثة الأبيات ليست من هذه القطعة.
غداة طفت ع الماء بكر بن وائل، ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم
فكان لعبد القيس أوّل حدّنا، ... وولّت شيوخ الأزد، وهي تعوم 
وكان لعبد القيس أوّل حدّها ... وأحلافها من يحصب وسليم
وظلّت شيوخ الأزد في حومة الوغى ... تعوم، وظلنا في الجلاد نعوم 
فلم أر يوما كان أكثر مقعصا ... يمج دما من فائظ وكليم
وضاربة خدّا كريما على فتى ... أغرّ نجيب الأمهات كريم
أصيب بدولاب، ولم تك موطنا ... له أرض دولاب ودير حميم
فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفار كل حريم
رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنات عدن عنده ونعيم
قال المبرّد: ولو شهدتنا يوم دولاب لم يصرف وإنما ذاك لأنه أراد البلد ودولاب أعجميّ معرّب، وكل ما كان من الأسماء الأعجمية نكرة بغير ألف ولام فإذا دخلته الألف واللام فقد صار معرّبا وصار على قياس الأسماء العربية لا يمنعه من الصرف إلا ما يمنع العربي، فدولاب فوعال مثل طومار وسولاف، وكل شيء لا يخص واحدا من الجنس من دون غيره فهو نكرة نحو رجل، لأن هذا الاسم يلحق كل ما كان على بنيته وكذلك جمل وجبل وما أشبهه، فإن وقع الاسم في كلام العجم معرفة فلا سبيل إلى إدخال الألف واللام عليه لأنه معرفة، ولا فائدة في إدخال تعريف آخر فيه فذلك غير منصرف نحو فرعون وهارون وإبراهيم وإسحاق.

فهرس كتب التاريخ (حرف النون)

فهرس كتب التاريخ (حرف النون)
نادرة الزمن
....
نادر المحارب
....
نباهة البلد الخامل
....
نبأ الأنبه
....
نثر الجمان
...
نثر الهميان
....
النجم الثاقب
....
النجوم الزاهرة
....
نخبة التواريخ
....
نزهة الأبرار
....
نزهة الأذهان
....
نزهة الألباء
....
نزهة الــأنام
....
نزهة الثمر
....
النزهة السنية
....
نزهة العيون
....
نزهة القلوب
....
نزهة المقلتين
....
نزهة الناظر
....
نزهة النفوس
....
نزهة النواظر
....
نزهة الورى
....
نساء الخلفاء
....
نسائم المحبة
....
نشر الخزام
....
نشر المحاسن الغالية
....
نصاب الأعيان
....
نصرة الفطرة
....
نصيحة الملوك
....
نظام التواريخ
....
نظم السلوك
....
نظم العقيان
....
نظم منثور الكلام
....
نظم الدرر
....
نفحات الأنس
....
النفحة العنبرية
....
النقط، لمعجم ما أشكل من الخطط
....
النكت العصرية
....
نوادر الأخبار
....
نور المقتبس
....
نور الخلاف
....
نور العيون
....
نور النبراس
....
نهاية الأرب
....
نهاية المرام
....

دَيرُ الرُّصافَة

دَيرُ الرُّصافَة:
هو في رصافة هشام بن عبد الملك التي بينها وبين الرقّة مرحلة للحمالين، وسنذكرها في بابها، وأما هذا الدير فأنا رأيته، وهو من عجائب الدنيا حسنا وعمارة، وأظن أنّ هشاما بنى عنده مدينته وأنه قبلها، وفيه رهبان ومعابد، وهو في وسط البلد، وقد ذكر صاحب كتاب الديرة أنه بدمشق ما أرى إلّا أنه غلط منه، وبين الرصافة هذه ودمشق ثمانية أيام، وقد اجتاز أبو نواس بهذا الدير وقال فيه:
ليس كالدير بالرّصافة دير، ... فيه ما تشتهي النفوس وتهوى
بتّه ليلة، فقضّيت أوطا ... را، ويوما ملأت قطريه لهوا
وكان المتوكل على الله في اجتيازه إلى دمشق قد وجد في حائط من حيطان الدير رقعة ملصقة مكتوب فيها هذه الأبيات:
أيا منزلا بالدير أصبح خاليا، ... تلاعب فيه شمأل ودبور
كأنك لم تسكنك بيض أوانس، ... ولم تتبختر في فنائك حور
وأبناء أملاك غياشم سادة، ... صغيرهم عند الــأنام كبير
إذا لبسوا أدراعهم فعنابس، ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور
على أنهم يوم اللقاء ضراغم، ... وأنهم يوم النّوال بحور
ولم يشهد الصهريج، والخيل حوله، ... عليه فساطيط لهم وخدور
هذا شاهد على أنّ هذا الدير ليس بدمشق لأن دمشق أكثر بلاد الله أمواها، فأي حاجة بهم إلى الصهريج وإنما الصهريج في الرصافة التي قرب الرّقة، شاهدت بها عدة صهاريج عادية محكمة البناء، ويشرب أهل البلد والدير منها، وهي في وسط السور.
وحولك رايات لهم وعساكر، ... وخيل لها بعد الصهيل شخير
ليالي هشام بالرصافة قاطن، ... وفيك ابنه، يا دير، وهو أمير
إذا العيش غضّ والخلافة لدنة، ... وأنت طرير والزمان غرير
وروضك مرتاض، ونورك نيّر، ... وعيش بني مروان فيك نضير
بلى! فسقاك الله صوب سحائب، ... عليك بها بعد الرواح بكور
تذكّرت قومي بينها فبكيتهم ... بشجو، ومثلي بالبكاء جدير
لعلّ زمانا جار يوما عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس يدور
فيفرح محزون وينعم بائس، ... ويطلق من ضيق الوثاق أسير
رويدك! إنّ اليوم يتبعه غد، ... وإن صروف الدائرات تدور
فارتاع المتوكل عند قراءتها واستدعى الديرانيّ وسأله عنها، فأنكر أن يكون علم من كتبها، فهمّ بقتله فسأله الندماء فيه وقالوا: ليس ممن يتّهم بميل إلى دولة دون دولة، فتركه، ثم بان أنّ الأبيات من شعر رجل من ولد روح بن زنباع الجذامي من أخوال ولد هشام بن عبد الملك.

دَير سُلَيمانَ

دَير سُلَيمانَ:
بالثغر قرب دلوك مطلّ على مرج العين، وهو غاية في النزاهة، قال أبو الفرج: أخبرني جعفر بن قدامة قال: ولي إبراهيم بن المدبر عقيب نكبته وزوالها عنه الثغور الجزريّة وكان أكثر مقامه بمنبج، فخرج في بعض ولايته إلى نواحي دلوك برعبان وخلّف بمنبج جارية كان يتحظاها يقال لها غادر فنزل بدلوك على جبل من جبالها بدير يعرف بدير سليمان من أحسن بلاد الله وأنزهها ودعا بطعام خفيف فأكل وشرب ثم دعا بدواة وقرطاس فكتب:
أيا ساقيينا وسط دير سليمان ... أديرا الكؤوس فانهلاني وعلّاني
وخصّا بصافيها أبا جعفر أخي، ... فذا ثقتي دون الــأنام وخلصاني
وميلا بها نحو ابن سلّام الذي ... أودّ وعودا بعد ذاك لنعمان
وعمّا بها النعمان والصحب، إنني ... تنكّرت عيشي بعد صحبي وإخواني
ولا تتركا نفسي تمت بسقامها ... لذكرى حبيب قد سقاني وغنّاني
ترحّلت عنه عن صدود وهجرة، ... فأقبل نحوي وهو باك فأبكاني
وفارقته، والله يجمع شملنا، ... بلوعة محزون وغلّة حرّان
وليلة عين المرج زار خياله ... فهيّج لي شوقا وجدّد أحزاني
فأشرفت أعلى الدير أنظر طامحا ... بألمح آماق وأنظر إنسان
لعلِّي أرى أبيات منبج رؤية ... تسكّن من وجدي وتكشف أشجاني
فقصّر طرفي واستهلّ بعبرة، ... وفدّيت من لو كان يدري لفدّاني
ومثّله شوقي إليه مقابلي، ... وناجاه عني بالضمير وناجاني

ديرُ مَرْماعُوث

ديرُ مَرْماعُوث:
على شاطئ الفرات من الجانب الغربي في موضع نزه إلا أن العمارة حوله قليلة، وللعرب عليه خفارة، وفيه جماعة من الرهبان لهم حوله مزارع ومباقل، وفي صدره صورة حسنة عجيبة، وفيه يقول الشاعر الكندي المنبجي:
يا طيب ليلة دير مرماعوث، ... فسقاه ربّ الناس صوب غيوث
وسقى حمامات هناك صوادحا ... أبدا على سدر هناك وتوث
ومورّد الوجنات من رهبانه، ... هو بينهم كالظبي بين ليوث
ذي لثغة فتانة فيسمّي الط ... اووس حين يقول بالطاووث
حاولت منه قبلة فأجابني: ... لا والمثيح وحرمة الناقوث
أتراك ما تخشى عقوبة خالق ... تعثيه بين شمامث وقثوث
حتى إذا ما الراح سهّل حثّها ... منه العسير برطلة المحثوث
نلت الرّضا وبلغت قاصية المنى ... منه برغم رقيبه الدّيّوث
ولقد سلكت مع النصارى كلّ ما ... سلكوه غير القول بالثالوث
بتناول القربان والتكفير للص ... لبان والتمسيح بالطّيبوث
ورجوت عفو الله متكلا على ... خير الــأنام نبيّه المبعوث

سِجِسْتَانُ

سِجِسْتَانُ:
بكسر أوّله وثانيه، وسين أخرى مهملة، وتاء مثناة من فوق، وآخره نون: وهي ناحية كبيرة وولاية واسعة، ذهب بعضهم إلى أن سجستان اسم للناحية وأن اسم مدينتها زرنج، وبينها وبين هراة عشرة أيّام ثمانون فرسخا، وهي جنوبي هراة، وأرضها كلّها رملة سبخة، والرياح فيها لا تسكن أبدا ولا تزال شديدة تدير رحيّهم، وطحنهم كلّه على تلك الرحى. وطول سجستان أربع وستون درجة وربع، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسدس، وهي من الإقليم الثالث. وقال حمزة في اشتقاقها واشتقاق أصبهان: إن أسباه وسك اسم للجند وللكلب مشترك وكل واحد منهما اسم للشيئين فسميت أصبهان والأصل أسباهان وسجستان والأصل سكان وسكستان لأنّهما كانتا بلدتي الجند، وقد ذكرت في أصبهان بأبسط من هذا، قال الإصطخري: أرض سجستان سبخة ورمال حارة، بها نخيل، ولا يقع بها الثلج، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وأقرب جبال منها من ناحية فره، وتشتد رياحهم وتدوم على أنّهم قد نصبوا عليها أرحية تدور بها وتنقل رمالهم من مكان إلى مكان ولولا أنّهم يحتالون فيها لطمست على المدن والقرى، وبلغني أنّهم إذا أحبوا نقل الرمل من مكان إلى مكان من غير أن يقع على الأرض التي إلى جانب الرمل جمعوا حول الرمل مثل الحائط من حطب وشوك وغيرهما بقدر ما يعلو على ذلك الرمل وفتحوا إلى أسفله بابا فتدخله الريح فتطير الرمال إلى أعلاه مثل الزّوبعة فيقع على مدّ البصر حيث لا يضرّهم، وكانت مدينة سجستان قبل زرنج يقال لها رام شهرستان، وقد ذكرت في موضعها، وبسجستان نخل كثير وتمر، وفي رجالهم عظم خلق وجلادة ويمشون في أسواقهم وبأيديهم سيوف مشهورة، ويعتمّون بثلاث عمائم وأربع كلّ واحدة لون ما بين أحمر وأصفر وأخضر وأبيض وغير ذلك من الألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكّوك ويلفونها لفّا يظهر ألوان كل واحدة منها، وأكثر ما تكون هذه العمائم إبريسم طولها ثلاثة أذرع أو أربعة وتشبه الميانبندات، وهم فرس وليس بينهم من المذاهب غير الحنفية من الفقهاء إلّا قليل نادر، ولا تخرج لهم امرأة من منزل أبدا وإن أرادت زيارة أهلها فبالليل، وبسجستان كثير من الخوارج يظهرون مذهبهم ولا يتحاشون منه ويفتخرون به عند المعاملة، حدثني رجل من التجار قال: تقدمت إلى رجل من سجستان لأشتري منه حاجة فماكسته فقال: يا أخي أنا من الخوارج لا تجد عندي إلّا الحق ولست ممن يبخسك حقك، وإن كنت لا تفهم حقيقة ما أقول فسل عنه، فمضيت وسألت عنه متعجبا، وهم يتزيون بغير زيّ الجمهور فهم معروفون مشهورون، وبها بليدة يقال لها كركويه كلّهم خوارج، وفيهم الصوم والصلاة والعبادة الزائدة، ولهم فقهاء وعلماء على حدة، قال محمد بن بحر الرّهني: سجستان إحدى بلدان المشرق ولم تزل لقاحا على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن متوحدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصح منهم معاملة ولا أقل منهم مخاتلة، ومن شأن سوقة البلدان أنّهم إذا باعهم أو اشترى منهم العبد أو الأجير أو الصبي كان أحبّ إليهم من
أن يشتري منهم الصاحب المحتاط والبالغ العارف، وهم بخلاف هذه الصفة، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة الملهوف ومداركة الضعيف، ثمّ أمرهم بالمعروف ولو كان فيه جدع الأنف، منها جرير بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر، رضي الله عنه، ومنها خليدة السجستاني صاحب تاريخ آل محمد، قال الرهني: وأجلّ من هذا كلّه أنّه لعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبرها إلّا مرّة، وامتنعوا على بني أميّة حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذا ولا سلحفاة، وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟ وبين سجستان وكرمان مائة وثلاثون فرسخا، ولها من المدن زالق وكركويه وهيسوم وزرنج وبست، وبها أثر مربط فرس رستم الشديد ونهرها المعروف بالهندمند، يقول أهل سجستان: إنّه ينصب إليه مياه ألف نهر فلا تظهر فيه زيادة وينشقّ منه ألف نهر فلا يرى فيه نقصان، وفي شرط أهل سجستان على المسلمين لما فتحوها أن لا يقتل في بلدهم قنفذ ولا يصطاد لأنّهم كثير والأفاعي والقنافذ تأكل الأفاعي، فما من بيت إلّا وفيه قنفذ، قال ابن الفقيه: ومن مدنها الرّخّج وبلاد الداور، وهي مملكة رستم الشديد، ملّكه إيّاها كيقاوس، وبينها وبين بست خمسة أيّام، وقال ابن الفقيه: بسجستان نخل كثير حول المدينة في رساتيقها وليس في جبالها منه شيء لأجل الثلج وليس بمدينة زرنج وهي قصبة سجستان لوقوع الثلج بها، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:
نضّر الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات
كان لا يحرم الخليل ولا يع ... تلّ بالنّجل طيّب العذرات
وقال بعضهم يذمّ سجستان:
يا سجستان قد بلوناك دهرا ... في حراميك من كلا طرفيك
أنت لولا الأمير فيك لقلنا: ... لعن الله من يصير إليك!
وقال آخر:
يا سجستان لا سقتك السحاب، ... وعلاك الخراب ثمّ اليباب
أنت في القرّ غصّة واكتئاب، ... أنت في الصيف حيّة وذباب
وبلاء موكّل ورياح ... ورمال كأنّهنّ سقاب
صاغك الله للــأنام عذابا، ... وقضى أن يكون فيك عذاب
وقال القاضي أبو علي المسبحي:
حلولي سجستان إحدى النّوب، ... وكوني بها من عجيب العجب
وما بسجستان من طائل ... سوى حسن مسجدها والرّطب
وذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت محمد بن أبي نصر قل هو الله أحد، خوان [1] ، يقول أبو داود السجستاني الإمام: هو من قرية بالبصرة يقال لها سجستان وليس من سجستان خراسان، وكذلك ذكر لي بعض الهرويين في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة قوله: قل هو الله أحد خوان، هو لقب محمد بن أبي نصر، ومعناه قارئ هذه السورة.
قال: سمعت محمد بن يوسف يقول أبو حاتم السجستاني من كورة بالبصرة يقال لها سجستانة وليس من سجستان خراسان. وذكر ابن أبي نصر المذكور أنّه تتبع البصريين فلم يعرفوا بالبصرة قرية يقال لها سجستان غير أن بعضهم قال: إن بقرب الأهواز قرية تسمّى بشيء من نحو ما ذكره، ودرس من كتابي هذا لا أعرف له حقيقة لأنّه ورد أن ابن أبي داود كان بنيسابور في المكتب مع ولد إسحاق بن راهويه وأنّه أوّل ما كتب كتب عند محمد بن أسلم الطوسي وله دون عشر سنين، ولم يذكر أحد من الحفاظ أنّه من غير سجستان المعروف، وينسب إليها السجزي، منهم: أبو أحمد خلف بن أحمد بن خلف ابن الليث بن فرقد السجزي، كان ملكا بسجستان وكان من أهل العلم والفضل والسياسة والملك وسمع الحديث بخراسان والعراق، روى عن أبي عبد الله محمد بن علي الماليسي وأبي بكر الشافعي، سمع منه الحاكم أبو عبد الله وغيره، توفي في بلاد الهند محبوسا، وسلب ملكه في سنة 399 في رجب، ومولده في نصف محرم سنة 326، ودعلج بن علي السجزي، ومنها إمام أهل الحديث عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود أصله من سجستان، كتب من تاريخ الخطيب هو وأبوه وزاد ابن عساكر في تاريخه بإسناد إلى أبي عليّ الحسن بن بندار الزنجاني الشيخ الصالح قال: كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم تعفّفا وتنزها ونفيا للمظنة عن نفسه، وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه، وكان له ابن أمرد يحب أن يسمع حديثه وعرف عادته في الامتناع عليه من الرواية فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليتوهم أنّه ملتح ثمّ أحضره المجلس وأسمعه جزءا، فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال له: أيّها الشيخ لا تنكر عليّ ما فعلته واجمع أمردي هذا مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه حينئذ من السماع عليك، قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ فتعرض لهم هذا الأمرد مطارحا وغلب الجميع بفهمه ولم يرو له الشيخ مع ذلك من حديثه شيئا وحصل له ذلك الجزء الأوّل وكان ليس إلّا أمرد يفتخر بروايته الجزء الأوّل.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.