Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أحادي

قُبا

قُبا:
بالضم: وأصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وألفه واو يمدّ ويقصر ويصرف ولا يصرف، قال عياض:
وأنكر البكري فيه القصر ولم يحك فيه القالي سوى المدّة، قال الخليل: هو مقصور، قلت: فمن قصر جعله جمع قبوة وهو الضمّ والجمع في لغة أهل المدينة، وقد قبوت الحرف إذا ضممته، قال النحويون: لم تجمع فعلة على فعل مما لامه حرف علة إلا بروة وبرى للتي تجعل في أنف البعير وقرية وقرى وكوّة وكوى، وقد ألحقت أنا هذا الحرف به والجامع فيه، وكأن الناس انضمّوا في هذا الموضع فسمي بذلك، والله أعلم، قال أبو حنيفة، رحمه الله، في اشتقاق قبا: إنه مأخوذ من القبو وهو الضمّ والجمع، ولم يذكر أهو جمع أو مفرد، ولا يصحّ أن يكون على قوله جمعا لأنّ فعل لا يجمع على فعل فيما علمت، وإن كان مفردا فلا أدري ما المراد بهذه البنية والتغيير على الأصل فصار ما ذكرته أنا وقسته أبين وأوضح: وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة بها أثر بنيان كثير وهناك مسجد التقوى عامر قدّامه رصيف وفضاء حسن وآبار ومياه عذبة وبها مسجد الضرار يتطوع العوامّ بهدمه، كذا قال البشاري، قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان المتقدّمون في الهجرة من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ومن نزلوا عليه من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه الصلاة سنة الى البيت المقدّس، فلما هاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وورد قباء صلى بهم فيه، وأهل قباء يقولون هو المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، وقيل إنه مسجد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وقد وسع مسجد قباء وكبّر بعد، وكان عبد الله بن عمر، رضي الله عنه، إذا دخله صلى إلى الأسطوانة المحلّقة، وكان ذلك مصلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقام لما هاجر بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب يوم الجمعة يريد المدينة فجمّع في مسجد بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج فكانت أول جمعة جمّعت في الإسلام، وقد جاء في فضائل مسجد قباء أحاديــث كثيرة، وممن ينسب إليها أفلح بن سعيد القبائي، روى عنه أبو عامر العقدي وزيد بن الحباب، وعبد الرحمن بن عباس الأنصاري القبائي، ومحمد بن سليمان المدني القبائي من أهل قباء، يروي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، روى عنه عبد العزيز الدراوردي وحاتم بن إسماعيل وعبد الرحمن ابن أبي الموالي وزيد بن الحباب وغيرهم، وقبا أيضا:
موضع بين مكة والبصرة، وقال السري بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويمر بن ساعدة الأنصاري:
ولها مربع ببرقة خاخ، ... ومصيف بالقصر قصر قباء
كفّنوني إن متّ في درع أروى، ... واغسلوني من بئر عروة مائي
سخنة في الشتاء، باردة الصّي ... ف، سراج في الليلة الظلماء
وقباء أيضا: مدينة كبيرة من ناحية فرغانة قرب الشاش، نسب إليها قوم من أهل العلم بكل فنّ، عن ابن طاهر، ونسب إليها أبو سعد أبا المكارم رزق الله بن محمد بن أبي الحسن بن عمر القبائي، كان من أهل قبا أحد بلاد فرغانة، سكن بخارى، وكان أديبا صالحا وسمعت منه، وإبراهيم بن عليّ بن الحسين أبو إسحاق القبائي الصوفي شيخ الصوفية بالثغر يرجع إلى ستر طاهر وسمت حسن وطريقة مستقيمة، كثير الدرس للقرآن طويل الصّمت لازم لما يعنيه، ولد بما وراء النهر وخرج صغيرا وتغرّب وسافر إلى خراسان والعراق والحجاز ثم نزل صور فاستوطنها إلى أن مات بها، وحدث بها كثير عنه، وكان سماعه صحيحا وأقام بصور نحو أربعين سنة، وسئل عن مولده فقال سنة 394 أو 395، وتوفي عاشر
جمادى الاخرة سنة 471، ولم يكن قد بقي بالشام شيخ لهذه الطائفة يجري مجراه.

وَبَارِ

وَبَارِ:
مبني مثل قطام وحذام، يجوز أن يكون من الوبر وهو صوف الإبل والأرانب وما أشبهها، أو من التوبير وهو محو الأثر، والنسبة إليها أباريّ على غير قياس، عن السهيلي، وقال أهل السير: هي مسمّاة بوبار بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، انتقل إليها وقت تبلبلت الألسن فابتنى بها منزلا وأقام به وهي ما بين الشّحر إلى صنعاء أرض واسعة زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها، وقال الليث: وبار أرض كانت من محالّ عاد بين رمال يبرين واليمن فلما هلكت عاد أورث الله ديارهم الجنّ فلم يبق بها أحد من الناس، وقال محمد بن إسحاق: وبار أرض يسكنها النسناس، وقيل: هي بين حضرموت والسبوب، وفي كتاب أحمد بن محمد الهمذاني: وفي اليمن أرض وبار وهي فيما بين نجران وحضرموت وما بين بلاد مهرة والشّحر، وكان وبار وصحار وجاسم بني إرم، فكانت وبار تنزل وبار وجاسم الحجاز، ووبار بلادهم المنسوبة إليهم وهي ما بين الشحر إلى تخوم صنعاء، وكانت أرض وبار أكثر الأرضين خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها مياها وشجرا وثمرا فكثرت بها القبائل حتى شحنت بها أرضهم وعظمت أموالهم فأشروا وبطروا وطغوا وكانوا قوما جبابرة ذوي أجسام فلم يعرفوا حقّ نعم الله تعالى
فبدّل الله خلقهم وجعلهم نسناسا للرجل والمرأة منهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا على وجوههم يهيمون في تلك الغياض إلى شاطئ البحر يرعون كما ترعى البهائم وصار في أرضهم كل نملة كالكلب العظيم تستلب الواحدة منها الفارس عن فرسه فتمزقه، ويقال إن ذا القرنين وجنوده دخلوا إلى هذه الأرض فاختلس النمل جماعة من أصحابه، ويروى عن أبي المنذر هشام بن محمد أنه قال: قرية وبار كانت لبني وبار وهم من الأمم الأولى منقطعة بين رمال بني سعد وبين الشّحر ومهرة، ويزعم من أتاها أنهم يهجمون على أرض ذات قصور مشيدة ونخل ومياه مطر وليس بها أحد، ويقال إن سكانها الجن لا يدخلها إنسيّ إلا ضلّ، قال الفرزدق:
ولقد ضللت أباك تطلب دارما ... كضلال ملتمس طريق وبار
لا تهتدي أبدا ولو بعثت به ... بسبيل واردة ولا آثار
ويزعم علماء العرب أن الله تعالى لما أهلك عادا وثمود أسكن الجن في منازلهم وهي أرض وبار فحمتها من كل من يريدها، وأنها أخصب بلاد الله وأكثرها شجرا ونخلا وخيرا وأعذبها عنبا وتمرا وموزا فإن دنا رجل منها عامدا أو غالطا حثا الجن في وجهه التراب وإن أبى إلا الدخول خبّلوه وربما قتلوه، وعندهم الإبل الحوشيّة وهي فيما يزعم العرب التي ضربت فيها إبل الجنّ، وقال شاعر:
كأني على حوشية أو نعامة ... لها نسب في الطير أو هي طائر
وفي كتاب أخبار العرب أن رجلا من أهل اليمن رأى في إبله ذات يوم فحلا كأنه كوكب بياضا وحسنا فأقرّه فيها حتى ضربها فلما ألقحها ذهب ولم يره حتى كان في العام المقبل فإنه جاء وقد نتج الرجل إبله وتحركت أولاده فيها فلم يزل فيها حتى ألقحها ثم انصرف، وفعل ذلك ثلاث سنين، فلما كان في الثالثة وأراد الانصراف هدر فتبعه سائر ولده ومضى فتبعه الرجل حتى وصل إلى وبار وصار إلى عين عظيمة وصادف حولها إبلا حوشية وحميرا وبقرا وظباء وغير ذلك من الحيوانات التي لا تحصى كثرة وبعضه أنس ببعض ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ولم ير أحدا، فبينما هو واقف يفكر إذ أتاه رجل من الجن فقال له: ما وقوفك ههنا؟ فقصّ عليه قصة الإبل، فقال له: لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك ولكن اذهب وإياك والمعاودة فإنّ هذا جمل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها، ثم أعطاه جملا وقال له: انج بنفسك وهذا الجمل لك، فيقال إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل، ثم جاء الرجل وحدث بعض ملوك كندة بذلك فسار يطلب الموضع فأقام مدة فلم يقدر عليه وكانت العين عين وبار، قال أبو زيد الأنصاري: يقال تركته ببلد اصمت وتركته بملاحس البقر وتركته بمحارض الثعالب وتركته بهور ذابر وتركته بوحش إضم وتركته بعين وبار وتركته بمطارح البزاة، وهذه كلّها أماكن لا يدرى أين هي، وقول النابغة:
فتحمّلوا رحلا كأن حمولهم ... دوم ببيشة أو نخيل وبار
يدلّ على أنها بلاد مسكونة معروفة ذات نخيل، وكان لدعيميص الرّمل العبدي صرمة من الإبل، فبينما هو ذات ليلة إذا أتاه بعير أزهر كأنه قرطاس
فضرب في إبله فنتجت قلاصا زهرا كالنجوم فلم يذلل منها إلا ناقة واحدة فاقتعدها، فلما مضت عليه ثلاثة أحوال إذا هو ليلة بالفحل يهدر في إبله ثم انكفأ مرتدّا في الوجه الذي أقبل منه فلم يبق من نجله شيء إلا تبعه إلا النّويقة التي اقتعدها فأسف فقال: لأموتنّ أو لأعلمنّ علمها! فحمل معه زادا وبيض نعام فكان يدفنه في الرمل بعد أن يملأه ماء ثم تبع أثر الفحل والإبل حتى انتهى إلى وبار فهتف به هاتف: انصرف فإنها ليست لك، إنها نجل فحلنا ولك الناقة التي تحتك لتحرّمك بنا، واختر أن تكون أشعر العرب أو أنسبهم أو أدلّهم فإنك تكون كما تختار، فاختار أن يكون أدلّ العرب فكان كما اختار، قال بعضهم:
وبوبار النسناس يقال إنهم من ولد النسناس بن أميم ابن عمليق بن يلمع بن لاوذ بن سام وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف أرض اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الأرض بالكلاب وينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم، وعن محمد بن إسحاق أن النسناس خلق في اليمن لأحدهم يد واحدة ورجل واحدة وكذلك العين وسائر ما في الجسد وهو يقفز برجله قفزا شديدا ويعدو عدوا منكرا، ومن أحاديــث أهل اليمن أن قوما خرجوا لاقتناص النسناس فرأوا ثلاثة منهم فأدركوا واحدا فأخذوه وذبحوه وتوارى اثنان في الشجر فلم يقفوا لهما على خبر، فقال الذي ذبحه: والله إن هذا لسمين أحمر الدم، فقال أحد المستترين في الشجر: إنه قد أكل حبّ الضّرو وهو البطم وسمن، فلما سمعوا صوته تبادروا إليه وأخذوه فقال الذي ذبح الأول:
والله ما أحسن الصمت هذا لو لم يتكلم ما عرفنا مكانه، فقال الثالث: فها أنا صامت لم أتكلم، فلما سمعوا صوته أخذوه وذبحوه وأكلوا لحومهم، وقال دغفل: أخبرني بعض العرب أنه كان في رفقة يسير في رمل عالج، قال: فأضللنا الطريق ووقفنا إلى غيضة عظيمة على شاطئ البحر فإذا نحن بشيخ طويل له نصف رأس وعين واحدة وكذلك جميع أعضائه، فلما نظر إلينا مرّ يركض كالفرس الجواد وهو يقول:
فررت من جور الشّراة شدّا ... إذ لم أجد من الفرار بدّا
قد كنت دهرا في شبابي جلدا، ... فها أنا اليوم ضعيف جدّا
وروى الحسام بن قدامة عن أبيه عن جدّه قال:
كان لي أخ فقلّ ما بيده وأنفض حتى لم يبق له شيء فكان لنا بنو عمّ بالشحر فخرج إليهم يلتمس برّهم فأحسنوا قراه وأكثروا برّه وقالوا له يوما: لو خرجت معنا إلى متصيّد لنا لتفرّجت، قال: ذاك إليكم، وخرج معهم فلما أصحروا ساروا إلى غيضة عظيمة فأوقفوه على موضع منها ودخلوها يطلبون الصيد، قال: فبينما أنا واقف إذ خرج من الغيضة شخص في صورة الإنسان له يد واحدة ورجل واحدة ونصف لحية وفرد عين وهو يقول: الغوث الغوث الطريق الطريق عافاك الله! ففزعت منه وولّيت هاربا ولم أدر أنه الصيد الذي يذكرونه، قال: فلما جازني سمعته يقول وهو يعدو:
غدا القنيص فابتكر ... بأكلب وقت السّحر
لك النجا وقت الذكر ... ووزر ولا وزر
أين من الموت المفرّ؟ ... حذرت لو يغني الحذر
هيهات لن يخطي القدر، ... من القضا أين المفرّ؟
فلما مضى إذا أنا بأصحابي قد جاءوا فقالوا: ما فعل الصيد الذي احتشناه إليك؟ فقلت لهم: أما الصيد فلم أره، ووصفت لهم صفة الذي مرّ بي، فضحكوا وقالوا: ذهبت بصيدنا! فقلت: يا سبحان الله! أتأكلون الناس؟ هذا إنسان ينطق ويقول الشعر! فقالوا: وهل أطعمناك منذ جئتنا إلا من لحمه قديدا وشواء؟ فقلت: ويحكم أيحلّ هذا؟ قالوا: نعم إن له كرشا وهو يجتر فلهذا يحل لنا، قلت: ولهذه الأخبار أشباه ونظائر في أخبارهم والله أعلم بحق ذلك من باطله.

واسِطٌ

واسِطٌ:
في عدة مواضع: نبدأ أولا بواسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ثم نتبعها الباقي، فأوّل ما نذكر لم سميت واسطا ولم صرفت: فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا، لا قول فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمّى واسط قصب، فلما عمّر الحجاج مدينته سمّاها باسمها، والله أعلم، قال المنجمون: طول واسط إحدى وسبعون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الثالث، قال أبو حاتم:
واسط التي بنجد والجزيرة يصرف ولا يصرف، وأما واسط البلد المعروف فمذكّر لأنهم أرادوا بلدا واسطا أو مكانا واسطا فهو منصرف على كل حال والدليل على ذلك قولهم واسطا بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا واسط، قالوا: وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه، وأنشد سيبويه في ترك الصرف:
منهنّ أيام صدق قد عرفت بها ... أيام واسط والأيام من هجرا
ولقائل أن يقول: إنه لم يرد واسط هذه، فيرجع إلى
ما قاله أبو حاتم، قال الأسود: وأخبرني أبو النّدى قال: إن للعرب سبعة أواسط: واسط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير حيث قال:
عفا واسط كلّاؤه فمحاضره ... إلى حيث نهيا سيله فصدائره
وواسط الحجاز، وهو الذي ذكره كثيّر فقال:
أجدّوا فأما أهل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
وواسط الجزيرة، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرّباب خيالا؟
وقال أيضا:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل ... فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل
وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى، وواسط العراق، قال: وقد نسيت اثنين، وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح ومن الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب، وقال يحيى بن مهدي بن كلال: شرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84 وفرغ منها في سنة 86 فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان، ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسمّيتها واسطا، فلذلك سمّي أهل واسط الكرشيّين، وقال الأصمعي: وجّه الحجاج الأطبّاء ليختاروا له موضعا حتى يبني فيه مدينة فذهبوا يطلبون ما بين عين التمر إلى البحر وجوّلوا العراق ورجعوا وقالوا: ما أصبنا مكانا أوفق من موضعك هذا في خفوف الريح وأنف البرّيّة، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر وحفر بها نهر الصين وجمع له الفعلة ثم بدا له فعمّر واسطا ثم نزل واحتفر النيل والزاب وسمّاه زابا لأخذه من الزاب القديم وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ومصر مدينة النيل، وقال قوم: إن الحجاج لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجل ممن يثق بعقله:
امض وابتغ لي موضعا في كرش من الأرض أبني فيه مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بيسير يقال لها واسط القصب فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها واستمرأ طعامها وشرابها فقال: كم بين هذا الموضع والكوفة؟ فقيل له: أربعون فرسخا، قال: فإلى المدائن؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فإلى الأهواز؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فللبصرة؟
قالوا: أربعون فرسخا، قال: هذا موضع متوسط، فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب إليه: اشتر لي موضعا ابني فيه مدينة، وكان موضع واسط لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه بالموضع فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير، فقال: لم؟ فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه، قال: وما هي؟ قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يثبت فيها، وهي شديدة الحرّ والسموم وإن الطائر لا يطير في الجوّ إلا ويسقط لشدّة الحر ميتا، وهي بلاد أعمار أهلها قليلة، قال: فكتب بذلك إلى الحجاج، فقال: هذا رجل يكره مجاورتنا فأعلمه أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعذو وتطيب، وأما
قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا، وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا، وأعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي ذمامه بإحساننا إليه، قال: فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة 83 واستتمه في سنة 86 ومات في سنة 95.
وحدّث عليّ بن حرب الموصلي عن أبي البختري وهب عن عمرو بن كعب بن الحارث الحارثي قال:
سمعت خالي يحيى بن الموفق يحدث عن مسعدة بن صدقة العبدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا سماك بن حرب قال: استعملني الحجاج بن يوسف على ناحية بادوريا، فبينما أنا يوما على شاطئ دجلة ومعي صاحب لي إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي، فقلت: ما تشاء؟ فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا، ليقتلنّ فيها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثم أقحم فرسه في دجلة حتى غاب في الماء، فلما كان من قابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل على فرس فصاح بي كما صاح في المرّة الأولى وقال كما قال وزاد: سيقتل من حولها ما يستقلّ الحصى لعددهم، ثم أقحم فرسه في الماء حتى غاب، قال: وكانوا يرون أنها واسط وما قتل الحجاج فيها، وقيل إنه أحصي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا تبعة ولا دين وأحصي من قتله صبرا فبلغوا مائة وعشرين ألفا، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الزند ورد والدّوقرة ودير ماسرجيس وسرابيط فضجّ أهل هذه المدن وقالوا:
قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم، قالوا: وأنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه، قال: فما نصنع؟
قال: الحروب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف درهم، قال: ولما فرغ منه وسكنه أعجبه إعجابا شديدا، فبينما هم ذات يوم في مجلسه إذ أتاه بعض خدمه فأخبره أن جارية من جواريه وقد كان مائلا إليها قد أصابها لمم فغمّه ذلك ووجّه إلى الكوفة في إشخاص عبد الله بن هلال الذي يقال له صديق إبليس، فلما قدم عليه أخبره بذلك فقال: أنا أحل السحر عنها، فقال له: افعل، فلما زال ما كان بها قال الحجاج: ويحك إني أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا! فقال له: أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى ما تكرهه، فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة فقال: أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه ما تكرهه أبدا، فقال الحجاج له: يا ابن هلال وما علامة ذلك؟ قال:
أن يأمر الأمير برجل من أصحابه بعد آخر من أشداء أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فليجهدوا أن يستقلوا بها من الأرض فإنهم لا يقدرون، فأمر الحجاج محضره بذلك فكان كما قال ابن هلال، وكان بين يدي الحجاج مخصرة فوضعها في عروة القلة ثم قال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة فوضعها ثم فكّر منكّسا رأسه ساعة ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال له: خذ قلتك والحق بأهلك، قال: ولم؟ قال:
إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله غيري ويختفر محتفر فيجد هذه القلة فيقول لعن الله الحجاج إنما كان
يبدأ أمره بالسحر، قال: فأخذها ولحق بأهله، قالوا: وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها وذرع مسجد الجامع مائتين في مائتين وصف الرحبة التي تلي صفّ الحدّادين ثلاثمائة في ثلاثمائة وذرع الرحبة التي تلي الجزّارين والحوض ثلاثمائة في مائة والرحبة التي تلي الإضمار مائتين في مائة، وكان محمد بن القاسم مقلد الهند والسند فأهدى إلى الحجاج فيلا فحمل من البطائح في سفينة فلما صار بواسط أخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل فسميت به إلى الساعة، ولما فرغ الحجاج من بناء واسط أمر بإخراج كل نبطيّ بها وقال: لا يدخلون مدينتي فإنهم مفسدة، فلما مات دخلوها عن قريب، وذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء فغضب وقال: إنما تذكرون المساوي، أوما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت يا حجاجاه فاتصل به ذلك فجعل يقول:
لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخّن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط فكانت قزوين ثغرا حينئذ. وأما قولهم تغافل واسطيّ قال المبرّد: سألت الثوري عنه فقال: إن الحجاج لما بناها قال: بنيت مدينة في كرش من الأرض، كما قدمنا، فسمي أهلها الكرشيّين، فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا يا كرشيّ فتغافل عن ذلك ويري أنه لا يسمع أو أن الخطاب ليس معه، ولقد جاءني بخوارزم أحد أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي:
قد أطلت السؤال عنه والتفتيش عن معنى قولهم: تغافل واسطي، فلم أظفر به، ولم يكن لي في ذلك الوقت به علم حتى وجدته بعد ذلك فأخبرته ثم وضعته أنا ههنا، ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيل يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجا بدرهم والسمن اثنا عشر رطلا بدرهم والخبز أربعون رطلا بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة، وممن ينسب إليها خلف بن محمد بن علي ابن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ صاحب كتاب أطراف أحاديــث صحيحي البخاري ومسلم، حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي والحسين بن أحمد المديني وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وأنشدني التنوخي للفضل الرقاشي يقول:
تركت عيادتي ونسيت برّي، ... وقدما كنت بي برّا حفيّا
فما هذا التغافل يا ابن عيسى؟ ... أظنّك صرت بعدي واسطيّا
وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن الواسطي التاجر قال:
أنشدني أبو شجاع بن دوّاس القنا لنفسه:
يا ربّ يوم مرّ بي في واسط ... جمع المسرة ليله ونهاره
مع أغيد خنث الدلال مهفهف ... قد كاد يقطع خصره زنّاره
وقميص دجلة بالنسيم مفرّك ... كسر تجرّ ذيوله أقطاره
وأنشدني أيضا لأبي الفتح المانداني الواسطي:
عرّج على غربيّ واسط إنني ... دائي الدويّ بها وفرط سقامي
وطني وما قضّيت فيه لبانتي، ... ورحلت عنه وما قضيت مرامي
وقال بشار بن برد يهجو واسطا:
على واسط من ربها ألف لعنة، ... وتسعة آلاف على أهل واسط
أيلتمس المعروف من أهل واسط ... وواسط مأوى كلّ علج وساقط؟
نبيط وأعلاج وخوز تجمّعوا ... شرار عباد الله من كل غائط
وإني لأرجو أن أنال بشتمهم ... من الله أجرا مثل أجر المرابط
وقال غيره يهجوهم:
يا واسطيين اعلموا أنني ... بذمّكم دون الورى مولع
ما فيكم كلكم واحد ... يعطي ولا واحدة تمنع
وقال محمد بن الأجلّ هبة الله بن محمد بن الوزير أبي المعالي بن المطلب يلقب بالجرد يذكر واسطا:
لله واسط ما أشهى المقام بها ... إلى فؤادي وأحلاه إذا ذكرا!
لا عيب فيها، ولله الكمال، سوى ... أنّ النسيم بها يفسو إذا خطر!
وواسط أيضا: قرية متوسطة بين بطن مرّ ووادي نخلة ذات نخيل، قال لي صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار: كنت ببطن مرّ فرأيت نخلا عن بعد فسألت عنه فقيل لي هذه قرية يقال لها واسط، وقال بعض شعراء الأعراب يذكر واسطا في بلادهم:
ألا أيها الصّمد الذي كان مرّة ... تحلّل سقّيت الأهاضيب من صمد
ومن وطن لم تسكن النفس بعده ... إلى وطن في قرب عهد ولا بعد
ومنزلتي دلقاء من بطن واسط ... ومن ذي سليل كيف حالكما بعدي
تتابع أمطار الربيع عليكما، ... أما لكما بالمالكية من عهد؟
وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ، قال إبراهيم ابن أحمد السراج: حدثنا محمد بن إبراهيم المستملي بحديث ذكره محمد بن محمد بن إبراهيم الواسطي واسط بلخ، قال أبو إسحاق المستملي في تاريخ بلخ:
نور بن محمد بن علي الواسطي واسط بلخ وبشير بن ميمون أبو صيفي من واسط بلخ عن عبيد المكتب وغيره حدث عنه قتيبة، وقال أبو عبيدة في شرح قول الأعشى:
في مجدل شيّد بنيانه ... يزلّ عنه ظفر الطائر
مجدل: حصن لبني السّمين من بني حنيفة يقال له واسط.
واسط أيضا: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط أيضا: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وإياها عنى الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل وواسط أيضا: بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال الحافظ أبو موسى: سمعت أبا عبد الله يحيى بن
أبي علي البنّاء ببغداد، حدثني القاضي أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن شاده الأصبهاني ثم الواسطي، واسط دجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، ومحمد بن عمر بن علي العطار الحربي ثم الواسطي واسط دجيل، روى عن محمد بن ناصر السلامي، روى عنه جماعة، منهم:
محمد بن عبد الغني بن نقطة.
واسط الرّقّة: كان أول من استحدثها هشام بن عبد الملك لما حفر الهنيّ والمريّ، قال أبو الفضل قال أبو علي صاحب تاريخ الرقة: سعيد بن أبي سعيد الواسطي واسم أبيه مسلمة بن ثابت خراسانيّ سكن واسط الرقة وكان شيخا صالحا، حدث أبوه مسلمة عن شريك وغيره، قال أبو علي:
سمعت الميمون يقول ذكروا أن الزهري لما قدم واسط الرقة عبر إليه سبعة من أهل الرقة، وذكر قصة، وواسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة، وقال أبو حاتم: واسط بالجزيرة فهي هذه أو التي بقرقيسيا أو غيرها، قال كثيّر عزة:
سألت حكيما أين شطّت بها النوى، ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم
أجدّوا، فأما آل عزّة غدوة ... فبانوا وأما واسط فمقيم
فما للنوى؟ لا بارك الله في النوى! ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
شهدت لئن كان الفؤاد من النوى ... معنّى سقيما إنني لسقيم
فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة ... فإني لعمري تحت ذاك كليم
وما ظعنت طوعا ولكن أزالها ... زمان بنا بالصالحين غشوم
فوا حزني لمّا تفرّق واسط ... وأهل التي أهذي بها وأحوم!
قال محمد بن حبيب: واسط هذه بناحية الرقة، قاله في شرح ديوان كثير، وأنا أرى أنه أراد واسط التي بالحجاز أو بنجد بلا شك ولكن علينا أن ننقل عن الأئمة ما يقولونه، والله أعلم، وقال ابن السكيت في قول كثير أيضا:
فإذا غشيت لها ببرقة واسط ... فلوى لبينة منزلا أبكاني
قال واسط بين العذيبة والصفراء.
وواسط أيضا: من منازل بني قشير لبني أسيدة وهم بنو مالك بن سلمة بن قشير وأسيدة وحيدة من بني سعد بن زيد مناة، وبنو أسيدة يقولون هي عربية.
وواسط أيضا: بمكة، وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة قال: واسط قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب، قال: ويقال له واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة، قال:
وقال بعض المكيين بل تلك الناحية من بركة القسري إلى العقبة تسمى واسط المقيم، ووقف عبد المجيد بن أبي روّاد بأحمد بن ميسرة على واسط في طريق منى فقال له: هذا واسط الذي يقول فيه كثير عزّة:
... وأما واسط فمقيم وقد ذكر، وقال ابن إدريس قال الحميدي: واسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى، قاله في شرح قول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في قصيدته التي أولها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
ولم يتربّع واسطا وجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ محاصر
قال السهيلي في شرح السيرة قال الفاكهي: يقال إن أول من شهده وضرب فيه قبّة خالصة مولاة الخيزران.
وواسط أيضا: بالأندلس بليدة من أعمال قبرة، قال ابن بشكوال: أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي ينسب إلى واسط قبرة، سكن قرطبة، يكنى أبا عمر، روى عن أبي محمد الأصيلي وكان يتولى القراءة عليه، حدث عنه أبو عبد الله بن ديباج ووصفه بالخير والصلاح، قال ابن حبّان: توفي الواسطي في جمادي الآخرة سنة 437 وكفّ بصره.
وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط في موضعها خرّبها الحجاج، وكانت واسط هذه تسمى واسط القصب، وقد ذكرتها مع واسط الحجاج، قال ابن الكلبي:
كان بالقرب من واسط موضع يسمى واسط القصب هي التي بناها الحجاج أولا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسماها واسطا بها.
وواسط أيضا: قرية قرب مطيراباذ قرب حلّة بني مزيد يقال لها واسط مرزاباذ، قال أبو الفضل: أنشدنا أبو عبد الله أحمد الواسطي، واسط هذه القرية، قال:
أنشدنا أبو النجم عيسى بن فاتك الواسطي من هذه القرية لنفسه من قصيدة يمدح بعض العمّال:
وما على قدره شكرت له، ... لكنّ شكري له على قدري
لأن شكري السّهى وأنعمه ال ... بدر، وأين السهى من البدر!
وواسط أيضا قال العمراني: واسط مواضع في بلاد بني تميم، وهي التي أرادها ذو الرمة بقوله:
غربيّ واسط نها ... ومجّت في الكثيب الأباطح [1]
وقال ابن دريد: واسط مواضع بنجد، ولعلها التي قبلها، والله أعلم.
وواسط أيضا: قرية في شرقي دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة.
وواسط أيضا: قرية بالفرج من نواحي الموصل بين مرق وعين الرّصد أو بين مرق والمجاهدية، فإني نسيت هذا المقدار.
وواسط أيضا: باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة التي خرج منها علي بن مهدي المستولي على اليمن.

مُوَقَّر

مُوَقَّر:
بالضم ثم الفتح، وتشديد القاف وفتحها، يجوز أن يكون مفعّلا من الوقر وهو الثقل الذي يحمل على الظهر، ويجوز أن يكون من التوقير وهو التعظيم:
اسم موضع بنواحي البلقاء من نواحي دمشق وكان يزيد بن عبد الملك ينزله، قال جرير:
أشاعت قريش للفرزدق خزية ... وتلك الوفود النازلون الموقّرا
عشيّة لاقى القين قين مجاشع ... هزبرا أبا شبلين في الغيل قسورا
وقال كثيّر:
سقى الله حيّا بالموقّر دارهم ... إلى قسطل البلقاء ذات المحارب
قال الحافظ أبو القاسم: الوليد بن محمد الموقري أبو بشير القرشي مولى يزيد بن عبد الملك من أهل الموقر حصن بالبلقاء، روى عن الزهري وعطاء الخراساني وثور بن يزيد، روى عنه الوليد بن مسلم وأبو صالح عبد الغفار بن داود الحرّاني والحكم بن موسى وسويد ابن سعيد وأبو الطاهر موسى بن عطاء المقدسي وغيرهم، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الموقري فقال:
ما أظنه ثقة، ولم يحمده، وقال إبراهيم بن يعقوب السعدي: الوليد بن محمد الموقري غير ثقة يروي عن الزهري عدة أحاديــث ليس لها أصول، وقال محمد ابن عوف الحمصي: الوليد الموقري ضعيف كذاب، وقال محمد بن المصفى: مات الوليد بن محمد الموقري سنة 282 قبل شهر رمضان، وقال عتبة بن سعيد بن الرّخس: مات الموقري سنة 281، وقد صرح الشاعر بأن الموقر من أرض الشام فقال:
أذنت عليّ اليوم إذ قلت إنني ... أحب من اهل الشام أهل الموقّر
بها ليل شهم عصمة الناس كلّهم ... إذا الناس جالوا جولة المتحير
وقال كثيّر عزّة:
أقول، إذ الحيّان كعب وعامر ... تلاقوا ولفّتنا هناك المناسك:
جزى الله حيّا بالموقّر نضرة ... وجادت عليه الرائحات الهواتك
بكلّ حثيث الوبل زهر غمامه، ... له درر بالقسطلين مواسك

مَكَّةُ

مَكَّةُ:
بيت الله الحرام، قال بطليموس: طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثلاث وعشرون درجة، وقيل إحدى وعشرون، تحت نقطة السرطان، طالعها الثريّا، بيت حياتها الثور، وهي في الإقليم الثاني، أما اشتقاقها ففيه أقوال، قال أبو بكر بن الأنباري: سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم، ويقال إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا مصه مصّا شديدا، وسميت بكة لازدحام الناس بها، قاله أبو عبيدة وأنشد:
إذا الشريب أخذته أكّه ... فخلّه حتى يبكّ بكّه
ويقال: مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا:
ما هذا بضربة لازب ولازم، وقال أبو القاسم: هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أخر نذكرها لك، قال الشرقيّ بن القطاميّ: إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكّ فيه أي نصفر صفير المكّاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها، والمكّاء، بتشديد الكاف: طائر يأوي الرياض، قال أعرابيّ ورد الحضر فرأى مكّاء يصيح فحنّ إلى بلاده فقال:
ألا أيّها المكّاء ما لك ههنا ... ألاء ولا شيح فأين تبيض
فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب ... قرى الشام لا تصبح وأنت مريض
والمكاء، بتخفيف الكاف والمد: الصفير، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا، وقال قوم: سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء، قال الأعشى:
والمكاكيّ والصّحاف من الف ... ضّة والضامرات تحت الرحال
قال وأما قولهم: إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان: يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها، ويقال أيضا: سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم: امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا، وهذا قول أهل اللغة، وقال آخرون: سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه، وقال الشرقيّ: روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى، وقال آخرون: بكة موضع البيت وما حول البيت مكة، قال: وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري، وقال عبيد الله الفقير إليه: ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه، وقيل: إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا، وقيل: سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه، وينشد قول بعضهم:
يا مكة الفاجر مكي مكّا، ... ولا تمكّي مذحجا وعكّا
وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال: بكة موضع البيت وموضع القرية مكة، وقيل: إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله، وقال زيد بن أسلم: بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح، ولها أسماء غير ذلك، وهي: مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر، والمقدسة والناسّة والباسّة، بالباء الموحدة، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم:
وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب
وسماها الله تعالى أم القرى فقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، وقال تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد، وقال تعالى: وليطّوّفوا بالبيت العتيق، وقال تعالى: جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ، 5: 97 وقال تعالى على لسان إبراهيم، عليه السّلام:
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، 14: 35 وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم، عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ 14: 37 (الآية) ، ولما خرج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من مكة وقف على الحزورة قال: إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت، وقالت عائشة، رضي الله عنها: لولا الهجرة لسكنت مكة فإني لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة، وقال ابن أم مكتوم وهو آخذ بزمام ناقة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو يطوف:
يا حبّذا مكة من وادي، ... أرض بها أهلي وعوّادي
أرض بها ترسخ أوتادي، ... أرض بها أمشي بلا هادي
ولما قدم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرئ مصبّح في أهله، ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بفخّ وعندي إذخر وجليل؟
وهل أردن يوما مياه مجنّة، ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة! ووقف رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عام الفتح على جمرة العقبة وقال:
والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إليّ ولو لم أخرج ما خرجت، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد، فقال رجل:
يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال، صلّى الله عليه وسلّم: إلا الإذخر، وقال، صلى الله عليه وسلم: من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام، ووجد على حجر فيها كتاب فيه: أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه، وقوله تعالى: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا، وقوله: لتنذر أم القرى ومن حولها، دليل على فضلها على سائر البلاد، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم:
أبوا دين الملوك فهم لقاح ... إذا هيجوا إلى حرب أجابوا
وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا:
أتدري من هجوت أبا حبيب ... سليل خضارم سكنوا البطاحا
أزاد الركب تذكر أم هشاما ... وبيت الله والبلد اللّقاحا؟
وقال حرب بن أميّة ودعا الحضرميّ إلى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب ابن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب:
أبا مطر هلمّ إلى الصلاح ... فيكفيك الندامى من قريش
وتنزل بلدة عزّت قديما، ... وتأمن أن يزورك ربّ جيش
فتأمن وسطهم وتعيش فيهم، ... أبا مطر هديت، بخير عيش
ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟ ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم، عليه السلام، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن لا يوقره دين ولا يزينه أدب، وكانوا يختنون أولادهم ويحجون البيت ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة، وتبرأوا من الهربذة وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلّقون ثلاثا ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم هو أحق بها فإن طلّقها ثنتين فهو أحق بها أيضا فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إليها، ولذلك قال الأعشى:
أيا جارتي بيني فإنك طالقه، ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وبيني فقد فارقت غير ذميمة، ... وموموقة منّا كما أنت وامقه
وبيني فإنّ البين خير من العصا ... وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه
ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم في ذلك ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه بأن يكون متحمسا على دينهم يرون أن ذلك لا يحلّ لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدين لهم وينتقل إليهم، والتّحمّس: التشدّد في الدين، ورجل أحمس أي شجاع، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم إذ كانت في الحرم وحمّسوا كنانة وجديلة قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس بن عيلان وثقيفا لأنهم سكنوا الحرم وعامر بن صعصعة وإن لم يكونوا من ساكني الحرم فإن أمّهم قرشية وهي مجد بنت تيم بن مرّة، وكان من سنّة الحمس أن لا يخرجوا أيام الموسم إلى عرفات إنما يقفون بالمزدلفة، وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة ولا يغزلون صوفا ولا وبرا ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم وأن يخلّوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك إلا أن المرأة كانت تطوف في درع مفرّج المقاديم والمآخير، قالت امرأة وهي تطوف بالبيت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه، ... وما بدا منه فلا أحلّه
أخثم مثل القعب باد ظلّه ... كأنّ حمّى خيبر تملّه
وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش، فلولا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصيّ خزاعة وخزاعة جرهما، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب، يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه، ... ورجال مكة مسنتون عجاف
حتى سمي هاشما، وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرّغو والعسل والسمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصّلت:
له داع بمكة مشمعلّ، ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد
وأول من عمل الحريرة سويد بن هرميّ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم:
وعلمتم أكل الحرير وأنتم ... أعلى عداة الدهر جدّ صلاب
والحريرة: أن تنصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك، وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم، وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة، وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدإ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلى ذلك، قال أهل الإتقان من أهل السير: إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل، عليهما السلام، إلى مكة، كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب، جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ وهما جرهم بن عامر بن سبإ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وقطوراء، فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض ابن عمرو، وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع، فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه، وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل، وسميت فعيقعان لقعقعة السلاح، ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ، قالوا: ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم، ثم إن جرهما
بغوا بمكة فاستحلّوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة فآذنوهم بالقتال فاقتتلوا فجعل الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر يقول:
لا همّ إنّ جرهما عبادك، ... الناس طرف وهم تلادك
فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربّع واسطا فجنوبه ... إلى السرّ من وادي الأراكة حاضر
بلى، نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
وأبدلنا ربي بها دار غربة ... بها الجوع باد والعدوّ المحاصر
وكنّا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بباب البيت والخير ظاهر
فأخرجنا منها المليك بقدرة، ... كذلك ما بالناس تجري المقادر
فصرنا أحاديــثا وكنا بغبطة، ... كذلك عضّتنا السنون الغوابر
وبدّلنا كعب بها دار غربة ... بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر
فسحّت دموع العين تجري لبلدة ... بها حرم أمن وفيها المشاعر
ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة حوالي الحرم إلى أن أدرك قصيّ بن كلاب بن مرّة وتزوّج حبّى بنت حليل بن حبشية وولدت بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ثم هلك حليل بن حبشيّة وأوصى إلى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت وأشرك معه غبشان الملكاني وكان إذا غاب أحجب هذا حتى هلك الملكاني، فيقال إن قصيّا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ خمر وأشهد عليه وأخرجه من البيت وتملّك حجابته وصار ربّ الحكم فيه، فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل وذلك في أيام المنذر ابن النعمان على الحيرة والملك لبهرام جور في الفرس، فجعل قصي مكة أرباعا وبنى بها دار النّدوة فلا تزوّج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلا فيها، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر فكانت قريش تؤدّي الرفادة إلى قصي وهو خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة، وفيهم يقول الشاعر:
ولا يريمون في التعريف موقعهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا
ثم أخذتها منهم خزاعة وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش ابن زيد بن عدوان، وله يقول الراجز:
خلّوا السبيل عن أبي سيّاره ... وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره
وكانت صورة الإجازة أن يتقدمّهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول: اللهمّ أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا، وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم، ثم يقول: أشرق ثبير كيما نغير، ثم ينفذ ويتبعه الناس، فلما قوي أمر قصيّ أتى أبا سيّارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلى قصيّ البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء، فلما كبر قصيّ ورقّ عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا، ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهمّوا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكّدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة، فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسمّوا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، والباقون من المطيّبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي، صلّى الله عليه وسلّم، مكة في سنة ثمان للهجرة فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فاستدعاه ورد المفاتيح إليه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلى الآن، وهذا هو كاف من هذا البحث، وأما صفتها، يعني مكة، فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة، وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجرّ كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيّضة، حارّة في الصيف إلا أن ليلها طيّب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء، وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة، وعرضها سعة الوادي، والمسجد في ثلثي البلد إلى المسفلة والكعبة في وسط المسجد، وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة، وأما المسافات فمن الكوفة إلى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إليها ونقصان يومين، ومن دمشق إلى مكة شهر، ومن عدن إلى مكة شهر، وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة، ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء العرب في بواديها ومخالفها لا يسلكها إلا الخواصّ منهم، وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التي بين عدن ومكة، والمسافة بينهم إلى الأمصار بهذه الجادة من نحو الشهر إلى الخمسين يوما، وأما طريق عمان إلى مكة فهو مثل طريق دمشق صعب السلوك من البوادي والبراري القفر القليلة السكان وإنما طريقهم في البحر إلى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم فيه.

المُصَيَّخُ

المُصَيَّخُ:
بضم الميم، وفتح الصاد المهملة، وياء مشددة، وخاء معجمة، يقال له مصيخ بني البرشاء: وهو بين حوران والقلت وكانت به وقعة هائلة لخالد على بني تغلب، فقال التغلبي:
يا ليلة ما ليلة المصيّخ ... وليلة العيش بها المديّخ
أرقص عنها عكن المشيّخ
وقد شدّد الياء ضرورة القعقاع بن عمرو فقال:
سائل بنا يوم المصيّخ تغلبا، ... وهل عالم شيئا وآخر جاهل
طرقناهم فيه طروقا فأصبحوا ... أحاديــث في أفناء تلك القبائل
وفيهم إياد والنمور وكلهم ... أصاخ لما قد عزّهم للزلازل
ومصيّخ بهراء: هو ماء آخر بالشام ورده خالد بن الوليد بعد سوى في مسيره إلى الشام وهو بالقصوانى فوجد أهله غارّين وقد ساقهم بغيهم فقال خالد:
احملوا عليهم، فقام كبيرهم فقال:
ألا يا اصبحاني قبل جيش أبي بكر، ... لعلّ منايانا قريب وما ندري
فضربت عنقه واختلط دمه بخمره وغنم أهلها وبعث بالأخماس إلى أبي بكر، رضي الله عنه، ثم سار إلى اليرموك، وقال القعقاع يذكر مصيّخ بهراء:
قطعنا أباليس البلاد بخيلنا ... نريد سوى من آبدات قراقر
فلمّا صبحنا بالمصيّخ أهله ... وطار إباري كالطيور النوافر
أفاقت به بهراء ثم تجاسرت ... بنا العيس نحو الأعجميّ القراقر

كَلْكَبُود

كَلْكَبُود:
قال شيرويه: أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن المهلّب أبو الفضل ساكن كلكبود، روى عن إبراهيم الخارجي صحيح البخاري، سمعت منه أحاديــث وكان شيخا.

فِيقُ

فِيقُ:
بالكسر ثم السكون، وآخره قاف، كأنه فعل ما لم يسمّ فاعله من فاق يفوق، قال أبو بكر الهمذاني: فيق مدينة بالشام بين دمشق وطبرية، ويقال أفيق، بالألف. وعقبة فيق لها ذكر في أحاديــث الملاحم، قلت أنا: عقبة فيق ينحدر منها إلى الغور غور الأردنّ ومنها يشرف على طبرية وبحيرتها، وقد رأيتها مرارا، قال الشاعر:
وقطعت من عافي الصّوى متحرّفا ... ما بين هيت إلى مخارم فيق
وهي قصيدة ذكرت في رحا البطريق ومصر.

الدُّورُ

الدُّورُ:
بضم أوله، وسكون ثانيه: سبعة مواضع بأرض العراق من نواحي بغداد، أحدها دور تكريت وهو بين سامرّا وتكريت، والثاني بين سامرّا وتكريت أيضا يعرف بدور عربايا، وفي عمل الدّجيل قرية تعرف بدور بني أوقر وهي المعروفة بدور الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة وفيها جامع ومنبر، وبنو أوقر كانوا مشايخها وأرباب ثروتها، وبنى الوزير بها جامعا ومنارة، وآثار الوزير حسنة، وبينها وبين بغداد خمسة فراسخ، قال هبة الله بن الحسين الإصطرلابي يهجو ابن هبيرة:
قصوى أمانيك الرجو ... ع إلى المساحي والنيّر
متربّعا وسط المزا ... بل، وسط دور بني أقر
أو قائدا جمل الزبي ... ديّ اللعين إلى سقر
والدّور أيضا: قرية قرب سميساط. والدّور أيضا:
محلّة بنيسابور، وقد نسب إلى كل واحد منها قوم من الرّواة، فأما دور سامرّا فمنها: محمد بن فرّوخان بن روزبه أبو الطيب الدوري، حدث عن أبي خليفة وغيره أحاديــث منكرة، روى عن الجنيد حكايات في التصوّف، وأما دور بغداد فينسب إليها: أبو عبد الله محمد بن مخلد الدوري والهيثم بن محمد الدوري، قال ابن المقري: حدثنا هيثم ببغداد في الدور، وبالقرب منها قرية أخرى تسمّى دور حبيب من عمل دجيل أيضا، وفي طرف بغداد قرب دير الروم محلة يقال لها الدور، خربت الآن، وأما دور نيسابور فينسب إليها: أبو عبد الله الدوري، له ذكر في حكاية أحمد بن سلمة. ودور الراسبي: قرية من الأهواز بلد مشهور، ينسب إلى دور بغداد: محمد بن عبد الباقي بن أبي الفرج محمد ابن أبي اليسري بن عبد العزيز بن إبراهيم بن إسحاق بن نجيب الدوري البغدادي أبو عبد الله، حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الملك بن بكران وأبي محمد الحسن ابن عليّ الجوهري ومحمد بن الفتح العشاري، قال ابن شافع: وكان شيخا صالحا خيّرا مولده في شعبان سنة 434، توفي سحرة يوم الأربعاء سابع عشر محرّم سنة 513، وقد خالف أبو سعد السمعاني ابن شافع في غير موضع من نسبه، والأظهر قول ابن شافع لأنه أعرف بأهل بلده.
دُورُ الرَّاسِبيِّ:
كأنه منسوب إلى بني راسب بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث: بين
الطيب وجنديسابور من أرض خوزستان، منه كان أبو الحسين عليّ بن أحمد الراسبي، ولست أدري هل الدور منسوب إليه أو هو منسوب إلى الدور، وكان من عظماء العمّال وأفراد الرجال، توفي ليلة الأربعاء لليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة 301 في أيام المقتدر ووزارة عليّ بن عيسى، ودفن بداره بدور الراسبي، وخلّف ابنة لابنة كانت له وأخا، وكان يتقلد من حدّ واسط إلى حدّ شهرزور وكورتين من كور الأهواز جنديسابور والسوس وبادرايا وباكسايا، وكان مبلغ ضمانه ألف ألف وأربعمائة ألف دينار في كل سنة، ولم يكن للسلطان معه عامل غير صاحب البريد فقط، لأن الحرث والخراج والضياع والشجر وسائر الأعمال كان داخلا في ضمانه، فكان ضابطا لأعماله شديد الحماية لها من الأكراد والأعراب واللصوص، وخلّف مالا عظيما، وورد الخبر إلى بغداد من حامد بن العباس بمنازعة وقعت بين أخي الراسبي وبين أبي عدنان زوج ابنته، وأنّ كل واحد منهما طلب الرياسة لنفسه وصار مع كلّ واحد منهما طائفة من أصحاب الراسبي من غلمانه، فتحاربا وقتل بينهما جماعة من أصحابهما وانهزم أخو الراسبي وهرب وحمل معه مالا جليلا، وأنّ رجلا اجتاز بحامد بن العباس من قبل أبي عدنان ختن الراسبي ومعه كتاب إلى المعروف بأخي أبي صخرة وأنفذ إليه عشرين ألف دينار ليصلح بها أمره عند السلطان، وأنّ حامدا أنفذ جماعة من الفرسان والرّجالة لحفظ ما خلّفه الراسبي إلى أن يوافي رسول السلطان، فأمر المقتدر بالله مؤنسا الخادم بالخروج لحفظ تركته وتدبير أمره، فشخص من بغداد وأصلح بين أبي عدنان وأخي الراسبي وحمل من تركته ما هذه نسخته:
العين أربعمائة ألف وخمسة وأربعون ألفا وخمسمائة وسبعة وأربعون دينارا، الورق ثلاثمائة ألف وعشرون ألفا ومائتان وسبعة وثلاثون درهما، وزن الأواني الذهبية ثلاثة وأربعون ألفا وتسعمائة وسبعون مثقالا، آنية الفضة ألف وتسعمائة وخمسة وسبعون رطلا، ومما وزن بالشاهين من آنية الفضة ثلاثة عشر ألفا وستمائة وخمسة وخمسون درهما، ومن الندّ المعمول سبعة آلاف وأربعمائة وعشرون مثقالا، ومن العود المطرّى أربعة آلاف وأربعمائة وعشرون مثقالا، ومن العنبر خمسة آلاف وعشرون مثقالا، ومن نوافج المسك ثمانمائة وستون نافجة، ومن المسك المنثور ألف وستمائة مثقال، ومن السّكّ ألفا ألف وستة وأربعون مثقالا، ومن الغالية ثلاثمائة وستة وستون مثقالا، ومن الثياب المنسوجة بالذهب ثمانية عشر ثوبا قيمة كل واحد ثلاثمائة دينار، ومن السروج ثلاثة عشر سرجا، ومن الجواهر حجرا ياقوت، ومن الخواتيم الياقوتية خمسة عشر خاتما، خاتم فصّه زبرجد، ومن حبّ اللؤلؤ سبعون حبّة وزنها تسعة عشر مثقالا ونصف، ومن الخيل الفحول والإناث مائة وخمسة وسبعون رأسا، ومن الخدم السودان مائة وأربعة عشر خادما، ومن الغلمان البيض مائة وثمانية وعشرون غلاما، ومن خدم الصقالبة والروم تسعة عشر خادما، ومن الغلمان الأكابر أربعون غلاما بآلاتهم وسلاحهم ودوابهم، ومن أصناف الكسوة ما قيمته عشرون ألف دينار، ومن أصناف الفرش ما قيمته عشرة آلاف دينا، ومن الدواب المهارى والبغال مائة وثمانية وعشرون رأسا، ومن الجمّاز والجمّازات تسعة وتسعون رأسا، ومن الحمير النقالة الكبار تسعون رأسا، ومن قباب الخيام الكبار مائة وخمس وعشرون خيمة، ومن الهوادج السروج أربعة عشر هودجا،
ومن الغضائر الصيني والزجاج المحكم الفاخر أربعة عشر صندوقا.
دَوْرَقُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، وراء بعدها قاف: بلد بخوزستان، وهي قصبة كورة سرّق يقال لها دورق الفرس، قال مسعر بن المهلهل في رسالته: ومن رامهرمز إلى دورق تمرّ على بيوت نار في مفازة مقفرة فيها أبنية عجيبة، والمعادن في أعمالها كثيرة، وبدورق آثار قديمة لقباذ بن دارا، وبها صيد كثير إلّا أنه يتجنب الرعي في أماكن منها لا يدخلها بوجه ولا بسبب، ويقال إنّ خاصية ذلك من طلسم عملته أمّ قباذ لأنه كان لهجا بالصيد في تلك الأماكن، فربما أخلّ بالنظر في أمور المملكة مدة فعملت هذا الطلسم ليتجنب تلك الأماكن، وفيها هوامّ قتالة لا يبرأ سليمها، وبها الكبريت الأصفر البحري، وهو يجري الليل كله، ولا يوجد هذا الكبريت في غيرها، وإن حمل منها إلى غيرها لا يسرج، وإذا أتي بالنار من غير دورق واشتعلت في ذلك الكبريت أحرقته أصلا، وأما نارها فإنها لا تحرقه، وهذا من طريق الأشياء وعجيبها لا يوقف على علّته، وفي أهلها سماحة ليست في غيرهم من أهل الأهواز، وأكثر نسائها لا يرددن كفّ لامس، وأهلها قليلو الغيرة، وهي مدينة وكورة واسعة، وقد نسب إليها قوم من الرّواة، منهم: أبو عقيل الدورقي الأزدي التاجي واسمه بشير بن عقبة يعدّ في البصريين، سمع الحسن وقتادة وغيرهما، روى عنه مسلمة بن إبراهيم الفراهيدي وهشيم ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم، وأبو الفضل الدورقي، سمع سهل بن عمارة وغيره، وهو أخو أبي عليّ الدورقي، وكان أبو عليّ أكبر منه، ومحمد بن شيرويه التاجي الدورقي أبو مسلم، روى عنه أبو بكر بن مردويه الحافظ الأصبهاني، وقد نسب قوم إلى لبس القلانس الدّورقيّة، منهم: أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح أبو عبد الله الدورقي أخو يعقوب، وكان الأصغر، وقيل: إن الإنسان كان إذا نسك في ذلك الوقت قيل له دورقيّ، وكان أبوهما قد نسك فقيل له دورقيّ فنسب ابناه إليه، وقيل: بل كان أصله من دورق، روى أحمد عن إسماعيل بن عليّة ويزيد بن هارون ووكيع وأقرانهم، روى عنه أبو يعلى الموصلي وعبد الله بن محمد البغوي، توفي في شعبان سنة 246.
والدورق: مكيال للشراب، وهو فارسيّ معرّب، وقال الأحيمر السعدي، وكان قد أتى العراق فقطع الطريق وطلبه سليمان بن عليّ وكان أميرا على البصرة فأهدر دمه، فهرب وذكر حنينه إلى وطنه فقال:
لئن طال ليلي بالعراق لربما ... أتى لي ليل، بالشآم، قصير
معي فتية بيض الوجوه كأنهم ... على الرحل، فوق الناعجات، بدور
أيا نخلات الكرم! لا زال رائحا ... عليكنّ منهلّ الغمام مطير
سقيتنّ، ما دامت بكرمان نخلة، ... عوامر تجري بينهنّ بحور
وما زالت الأيام، حتى رأيتني ... بدورق ملقى بينهنّ أدور
تذكّرني أطلالكنّ، إذا دجت ... عليّ ظلال الدّوم، وهي هجير
وقد كنت رمليّا، فأصبحت ثاويا ... بدورق ملقى بينهنّ أدور
عوى الذئب، فاستأنست بالذئب إذ عوى، ... وصوّت إنسان فكدت أطير
رأى الله أني للأنيس لشانئ، وتبغضهم لي مقلة وضمير

فِنْدَلاو

فِنْدَلاو:
أظنه موضعا بالمغرب، ينسب إليه يوسف بن درناس الفندلاوي المغربي أبو الحجاج الفقيه المالكي، قدم الشام حاجّا فسكن بانياس مدة وكان خطيبا بها ثم انتقل إلى دمشق فاستوطنها ودرّس بها على مذهب مالك، رضي الله عنه، وحدث بالموطّإ وكتاب التلخيص لأبي الحسن القابسي، علق عنه أحاديــث أبي القاسم الحافظ الدمشقي، كان صالحا فكها متعصبا للسّنّة، وكان الأفرنج قد نزلوا على دمشق يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول سنة 543 ونزلوا بأرض قتيبة إلى جانب التعديل من زقاق الحصى وارتحلوا يوم السبت سادسه، وكان خرج إليهم أهل دمشق يحاربونهم فخرج الفندلاوي فيمن خرج فلقيه الأمير المتولي لقتالهم ذلك اليوم قبل أن يتلاقوا وقد
لحقه مشقة من المشي، فقال له: أيها الشيخ الإمام ارجع فأنت معذور للشيوخية، فقال: لا أرجع، نحن بعنا واشترى منا، يريد قوله تعالى: إِنَّ الله اشْتَرى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الله 9: 111، فما انسلخ النهار حتى حصل له ما تمنى من الشهادة، قال ذلك ابن عساكر.

الغُمَيْصَاء

الغُمَيْصَاء:
تصغير الغمصاء تأنيث الأغمص، وهو ما يخرج من العين، والغميصاء من النجوم، تقول العرب في أحاديــثها: إن الشّعرى العبور قطعت المجرّة فسميت عبورا وبكت الأخرى على أثرها حتى غمصت فسميت الغميصاء، والغميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة الذين أوقع بهم خالد بن الوليد، رضي الله عنه، عام الفتح فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ووادهم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على يدي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقالت امرأة منهم:
ولولا مقال القوم للقوم أسلموا ... للاقت سليم يوم ذلك ناطحا
لماصعهم بشر وأصحاب جحدم ... ومرّة حتى يتركوا الأمر صابحا
فكائن ترى يوم الغميصاء من فتى ... أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا
ألظّت بخطّاب الأيامى وطلّقت ... غداتئذ منهنّ من كان ناكحا
وقال آخر:
وكائن تسرّى بالغميصاء من فتى ... جريحا ولم يجرح وقد كان جارحا

العَقِيقُ

العَقِيقُ:
بفتح أوله، وكسر ثانيه، وقافين بينهما ياء مثناة من تحت، قال أبو منصور: والعرب تقول لكل مسيل ماء شقه السيل في الأرض فأنهره ووسعه عقيق، قال: وفي بلاد العرب أربعة أعقّة وهي أودية عاديّة شقّتها السيول، وقال الأصمعي: الأعقّة
الأودية، قال: فمنها عقيق عارض اليمامة: وهو واد واسع مما يلي العرمة يتدفّق فيه شعاب العارض وفيه عيون عذبة الماء، قال السكوني: عقيق اليمامة لبني عقيل فيه قرى ونخل كثير ويقال له عقيق تمرة، وهو عن يمين الفرط منقطع عارض اليمامة في رمل الجزء، وهو منبر من منابر اليمامة عن يمين من يخرج من اليمامة يريد اليمن عليه أمير، وفيه يقول الشاعر:
تربّع ليلى بالمضيّح فالحمى، ... وتحفر من بطن العقيق السواقيا
ومنها عقيق بناحية المدينة وفيه عيون ونخل، وقال غيره: هما عقيقان: الأكبر وهو مما يلي الحرّة ما بين أرض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل ومما يلي الحمى ما بين قصور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى قصر المراجل ثم اذهب بالعقيق صعدا إلى منتهى البقيع، والعقيق الأصغر ما سفل عن قصر المراجل إلى منتهى العرصة، وفي عقيق المدينة يقول الشاعر:
إني مررت على العقيق، وأهله ... يشكون من مطر الربيع نزورا
ما ضرّكم إن كان جعفر جاركم ... أن لا يكون عقيقكم ممطورا؟
وإلى عقيق المدينة ينسب محمد بن جعفر بن عبد الله ابن الحسين الأصغر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالعقيقي، له عقب وفي ولده رياسة، ومن ولده أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد العقيقي أبو القاسم، كان من وجوه الأشراف بدمشق، ومدحه أبو الفرج الواوا، ومات بدمشق لأربع خلون من جمادى الأولى سنة 378 ودفن بالباب الصغير، وفي هذا العقيق قصور ودور ومنازل وقرى قد ذكرت بأسمائها في مواضعها من هذا الكتاب، وقال القاضي عياض: العقيق واد عليه أموال أهل المدينة، وهو على ثلاثة أميال أو ميلين، وقيل ستة، وقيل سبعة، وهي أعقّة أحدها عقيق المدينة عقّ عن حرّتها أي قطع، وهذا العقيق الأصغر وفيه بئر رومة، والعقيق الأكبر بعد هذا وفيه بئر عروة، وعقيق آخر أكبر من هذين وفيه بئر على مقربة منه:
وهو من بلاد مزينة، وهو الذي أقطعه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بلال بن الحارث المزني ثم أقطعه عمر الناس، فعلى هذا يحمل الخلاف في المسافات، ومنها العقيق الذي جاء فيه: إنك بواد مبارك، هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة وهو الأقرب منها، وهو الذي جاء فيه أنه مهلّ أهل العراق من ذات عرق، ومنها العقيق الذي في بلاد بني عقيل، قال أبو زياد الكلابي: عقيق بني عقيل فيه منبر من منابر اليمامة ذكره القحيف بن حميّر العقيلي حيث قال:
أأمّ ابن إدريس ألم يأتك الذي ... صبحنا ابن إدريس به فتقطّرا؟
فليتك تحت الخافقين ترينه ... وقد جعلت درعا عليها ومغفرا
يريد العقيق ابن المهير ورهطه، ... ودون العقيق الموت وردا وأحمرا
وكيف تريدون العقيق ودونه ... بنو المحصنات اللابسات السّنّورا؟
ومنها عقيق، ولا يدخلون عليه الألف واللام: قرية قرب سواكن من ساحل البحر في بلاد البجاه يجلب منها التمر هندي وغيره، ومنها العقيق: ماء لبني جعدة وجرم تخاصموا فيه إلى النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فقضى به لبني جرم، فقال معاوية بن عبد
العزّى بن ذراع الجرمي أبياتا ذكرناها في الأقيصر، ومنها عقيق البصرة: وهو واد مما يلي سفوان، قال يموت بن المزرع أنشدنا محمد بن حميد قال أنشدتني صبية من هذيل بعقيق البصرة ترثي خالها فقالت:
أسائل عن خالي مذ اليوم راكبا، ... إلى الله أشكو ما تبوح الركائب
فلو كان قرنا يا خليلي غلبته، ... ولكنه لم يلف للموت غالب
قال يموت: رأيت هذه الجارية تغنيها بالعقيق عقيق البصرة، ومنها عقيق آخر يدفع سيله في غوري تهامة، وإياه عنى فيما أحسب أبو وجزة السعدي بقوله:
يا صاحبيّ انظرا هل تؤنسان لنا ... بين العقيق وأوطاس بأحداج
وهو الذي ذكره الشافعي، رضي الله عنه، فقال:
لو أهلّوا من العقيق كان أحبّ إليّ، ومنها عقيق القنان تجري فيه سيول قلل نجد وجباله، ومنها عقيق تمرة: قرب تبالة وبيشة، وقد مرّ وصفه في زبية، وقيل: عقيق تمرة هو عقيق اليمامة، وقد ذكر، وذكر عرّام: ما حوالي تبالة زبيّة، بتقديم الباء، ثم قال: وعقيق تمرة لعقيل ومياهها بثور، والبثر يشبه الأحساء، تجري تحت الحصى مقدار ذراع وذراعين ودون ذلك وربما أثارته الدوابّ بحوافرها، وقال السكري في قول جرير:
إذا ما جعلت السّيّ بيني وبينها ... وحرّة ليلى والعقيق اليمانيا
العقيق: واد لبني كلاب نسبه إلى اليمن لأن أرض هوازن في نجد مما يلي اليمن وأرض غطفان في نجد مما يلي الشام، وإياه أيضا عنى الفرزدق بقوله:
ألم تر أني يوم جوّ سويقة ... بكيت فنادتني هنيدة ما ليا
فقلت لها: إنّ البكاء لراحة، ... به يشتفي من ظنّ أن لا تلاقيا
قفي ودّعينا يا هنيد فانني ... أرى الركب قد ساموا العقيق اليمانيا
وقال أعرابيّ:
ألا أيها الركب المحثون عرّجوا ... بأهل العقيق والمنازل من علم
فقالوا: نعم! تلك الطلول كعهدها ... تلوح، وما معنى سؤالك عن علم؟
فقلت: بلى! إنّ الفؤاد يهيجه ... تذكّر أوطان الأحبّة والخدم
وقال أعرابيّ:
أيا سروتي وادي العقيق سقيتما ... حيا غضّة الأنفاس طيّبة الورد
تروّيتما محّ الثرى وتغلغلت ... عروقكما تحت الذي في ثرى جعد
ولا تهنن ظلّاكما إن تباعدت، ... وفي الدار من يرجو ظلالكما بعدي
وقال سعيد بن سليمان المساحقي يتشوّق عقيق المدينة وهو في بغداد ويذكر غلاما له اسمه زاهر وأنه ابتلي بمحادثته بعد أحبّته فقال:
أرى زاهرا لما رآني مسهّدا، ... وأن ليس لي من اهل بغداد زائر
أقام يعاطيني الحديث، وإننا ... لمختلفان يوم تبلى السرائر
يحدّثني مما يجمّع عقله ... أحاديــث منها مستقيم وحائر
وما كنت أخشى أن أراني راضيا يعلّلني بعد الأحبّة زاهر وبعد المصلّى والعقيق وأهله، وبعد البلاط حيث يحلو التزاور إذا أعشبت قريانه وتزيّنت عراض بها نبت أنيق وزاهر وغنّى بها الذّبّان تغزو نباتها كما واقعت أيدي القيان المزاهر
وقد أكثر الشعراء من ذكر العقيق وذكروه مطلقا، ويصعب تمييز كل ما قيل في العقيق فنذكر مما قيل فيه مطلقا، قال أعرابيّ:
أيا نخلتي بطن العقيق أمانعي ... جنى النّخل والتين انتظاري جناكما؟
لقد خفت أن لا تنفعاني بطائل، ... وأن تمنعاني مجتنى ما سواكما
لو انّ أمير المؤمنين على الغنى ... يحدّث عن ظلّيكما لاصطفاكما
وزوّجت أعرابيّة ممن يسكن عقيق المدينة وحملت إلى نجد فقالت:
إذا الريح من نحو العقيق تنسّمت ... تجدّد لي شوق يضاعف من وجدي
إذا رحلوا بي نحو نجد وأهله ... فحسبي من الدنيا رجوعي إلى نجدي

عَسْقَلانُ

عَسْقَلانُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم قاف، وآخره نون، وعسقلان في الإقليم الثالث من جهة المغرب خمس وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة، وهو اسم اعجميّ فيما علمت، وقد ذكر بعضهم أن العسقلان أعلى الرأس، فان كانت عربية فمعناه أنها في أعلى الشام: وهي مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ويقال لها عروس الشام وكذلك يقال لدمشق أيضا، وقد نزلها جماعة من الصحابة والتابعين وحدّث بها خلق كثير، ولم تزل عامرة حتى استولى عليها الأفرنج، خذلهم الله، في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 548 وبقيت في أيديهم خمسا وثلاثين سنة إلى أن استنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب منهم في سنة 583، ثم قوى الأفرنج وفتحوا عكّا وساروا نحو عسقلان فخشي أن يتمّ عليها ما تمّ على عكا فخربها في شعبان سنة 587. وعسقلان أيضا: قرية من قرى بلخ أو محلة من محالها، منها عيسى بن أحمد بن عيسى بن وردان أبو يحيى العسقلاني، قال أبو عبد الرحمن النسوي:
حدثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، عسقلان بلخ، سمع عبد الله بن وهب وإسحاق بن الفرات والنضر بن شميل، روى عنه أبو حاتم الرازي وسئل عنه فقال صدوق، وروى عنه بعده الأئمة الأعلام، وكان أبو العباس السّرّاج يقول: كتب لي عيسى بن أحمد العسقلاني، ويقال: إن أصله بغداديّ نزل عسقلان بلخ فنسب إليها، وقال أبو حاتم الرازي في جمعه أسماء مشايخه: عيسى بن أحمد العسقلاني صدوق، وببلخ قرية يقال لها عسقلان، وفي عسقلان الشام قال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: أبشركم بالعروسين غزّة وعسقلان، وقال: قد افتتحها أولا معاوية بن أبي سفيان في خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد روي في عسقلان وفضائلها أحاديــث مأثورة عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وعن أصحابه، منها قول عبد الله بن عمر: لكل شيء ذروة وذروة الشام عسقلان، إلى غير ذلك فيما يطول.

عَبّادانُ

عَبّادانُ:
بتشديد ثانيه، وفتح أوله، قال بطليموس:
عبّادان في الإقليم الثالث، طولها خمس وسبعون درجة وربع، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، قال البلاذري: كانت عبادان قطيعة لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قطيعة من عبد الملك بن مروان وبعضها فيما يقال من زياد، وكان حمران من سبي عين التمر يدّعي أنه من النمر بن قاسط، فقال الحجاج يوما وعنده عبّاد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران؟
لئن انتمى إلى العرب ولم يقل إنه مولى لعثمان لأضربنّ عنقه! فخرج عبّاد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران بقوله فوهب له غربيّ النهر وحبس الشرقيّ فنسب إلى عبّاد بن الحصين، وقال ابن الكلبي:
أول من رابط بعبّادان عبّاد بن الحصين، قال:
وكان الربيع بن صبح الفقيه مولى بني سعد جمع مالا من أهل البصرة فحصّن به عبّادان ورابط فيها، والربيع يروي عن الحسن البصري: وكان خرج غازيا إلى الهند في البحر فمات فدفن في جزيرة من الجزائر سنة 160، والعبّاد: الرجل الكثير العبادة، وأما إلحاق الألف والنون فهو لغة مستعملة في البصرة ونواحيها، إنهم إذا سمّوا موضعا أو نسبوه إلى رجل أو صفة يزيدون في آخره ألفا ونونا كقولهم في قرية عندهم منسوبة إلى زياد ابن أبيه زيادان وأخرى إلى عبد الله عبد الليان وأخرى إلى بلال بن أبي بردة بلالان، وهذا الموضع فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع، وكانوا قديما في وجه ثغر، يسمّى الموضع بذلك، والله أعلم، وهو تحت البصرة قرب البحر الملح، فان دجلة إذا قاربت البحر انفرقت فرقتين عند قرية تسمّى المحرزي، ففرقة يركب فيها إلى ناحية البحرين نحو برّ العرب وهي اليمنى فأما اليسرى فيركب فيها إلى سيراف وجنّابة فارس فهي مثلثة الشكل، وعبّادان في هذه الجزيرة التي بين النهرين فيها مشاهد ورباطات، وهي موضع رديء سبخ لا خير فيه وماؤه ملح، فيه قوم منقطعون عليهم وقف في تلك الجزيرة يعطون بعضه، وأكثر موادّهم من النذور، وفيه مشهد لعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وغير ذلك، وأكثر أكلهم السمك الذي يصطادونه من البحر، ويقصدهم المجاورون في المواسم للزيارة، ويروى في فضائلها أحاديــث غير ثابتة، وينسب إليها نفر من رواة الحديث، والعجم يسمّونها ميان روذان لما ذكرنا من أنها بين نهرين، ومعنى ميان وسط وروذان الأنهر، وقد نسبوا إلى عبّادان جماعة من الزّهّاد والمحدّثين، منهم: أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب بن إسحاق بن عبدة بن الربيع العبّاداني، سكن بغداد وروى عن عليّ بن حرب الطائي وأحمد بن منصور الزيادي وهلال بن العلاء الرّقّيّ، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو عليّ ابن شاذان، ومولده في أول يوم من رجب سنة 248، والقاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العبّاداني، روى عنه السلفي وقال: هو من أولاد الدهر، درّس بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب الشافعي، رضي الله عنه، قال: ذكر لي في سنة 500 وعاش بعد ذلك ما لا أتحقّقه، وسألته عن مولده فقال: سنة 434 بالبصرة، قال: ووالدي مولده عبّادان وجدّي الأعلى أصبهان، والحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل أبو العباس العبّاداني المقرئ رحّال، سمع عليّ بن عبد الله بن عليّ بن السّقّاء ببيروت، وحدث عنه وعن أبي خليفة والحسن بن
المثنّى ومغفر الفرّياني وأبي مسلم الكجّي وزكرياء ابن يحيى الساجي، روى عنه أبو نعيم الحافظ وجماعة وافرة، قال أبو نعيم: ومات بإصطخر وكان رأسا في القرآن وحفظه عن جدّته ورأسه في لين.

الزَّابُ

الزَّابُ:
بعد الألف باء موحدة، إن جعلناه عربيّا أو حكمنا عليه بحكمه، فقد قال ابن الأعرابي: زاب الشيء إذا جرى، وقال سلمة: زاب يزوب إذا انسلّ هربا، والذي يعتمد عليه أنّ زاب ملك من قدماء ملوك الفرس، وهو زاب بن توركان بن منوشهر ابن إيرج بن أفريدون حفر عدّة أنهر بالعراق فسمّيت باسمه، وربما قيل لكل واحد زابي، والتثنية زابيان، قال أبو تمّام وكتب بها من الموصل إلى الحسن بن وهب:
قد أثقب الحسن بن وهب للندى ... نارا جلت إنسان عين المجتلي
ما أنت حين تعدّ نارا مثلها ... إلّا كتالي سورة لم تنزل
قطعت إليّ الزّابيين هباته ... والتاث مأمول السّحاب المسبل
ولقد سمعت فهل سمعت بموطن ... أرض العراق يضيف من بالموصل
وقال الأخطل وهو بزاذان:
أتاني، ودوني الزّابيان كلاهما ... ودجلة، أنباء أمرّ من الصّبر
أتاني بأن ابني نزار تناجيا، ... وتغلب أولى بالوفاء وبالعذر
وإذا جمعت قيل لها الزوابي: وهي الزاب الأعلى بين الموصل وإربل ومخرجه من بلاد مشتكهر، وهو حد ما بين أذربيجان وبابغيش، وهو ما بين قطينا والموصل من عين في رأس جبل ينحدر إلى واد، وهو شديد الحمرة ويجري في جبال وأودية وحزونة وكلّما جرى صفا قليلا حتى يصير في ضيعة كانت لزيد ابن عمران أخي خالد بن عمران الموصلي، بينها وبين مدينة الموصل مرحلتان وتعرف بباشزّا، وليست التي في طريق نصيبين، فإذا وصل إليها صفا جدّا، ثمّ يقلب في أرض حفيتون من أرض الموصل حتى يخرج في كورة المرج من كور الموصل ثمّ يمتد حتى يفيض في دجلة على فرسخ من الحديثة، وهذا هو
المسمّى بالزاب المجنون لشدّة جريه، وأمّا الزاب الأسفل فمخرجه من جبال السّلق سلق أحمد بن روح بن معاوية من بني أود ما بين شهرزور وأذربيجان ثمّ يمرّ إلى ما بين دقوقا وإربل، وبينه وبين الزاب الأعلى مسيرة يومين أو ثلاثة ثمّ يمتدّ حتى يفيض في دجلة عند السنّ، وعلى هذا الزاب كان مقتل عبيد الله بن زياد ابن أبيه، فقال يزيد بن مفرغ يهجوه:
أقول لمّا أتاني ثمّ مصرعه ... لابن الخبيثة وابن الكودن النابي:
ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة، ... ولا بكتك جياد عند أسلاب
إنّ الذي عاش ختّارا بذمّته ... ومات عبدا قتيل الله بالزّاب
العبد للعبد لا أصل ولا ورق ... ألوت به ذات أظفار وأنياب
إنّ المنايا إذا حاولن طاغية ... ولجن من دون أستار وأبواب
وبين بغداد وواسط زابان آخران أيضا ويسميان الزاب الأعلى والزاب الأسفل، أمّا الأعلى فهو عند قوسين وأظن مأخذه من الفرات ويصبّ عند زرفامية وقصبة كورته النعمانية على دجلة، وأمّا الزاب الأسفل من هذين فقصبته نهر سابس قرب مدينة واسط، وزاب النعمانية أراد الحيص بيص أبو الفوارس الشاعر بقوله:
أجأ وسلمى أم بلاد الزّاب، ... وأبو المظفّر أم غضنفر غاب؟
وعلى كلّ واحد من هذه الزوابي عدّة قرى وبلاد، وإلى أحد هذين نسب موسى الزابي له أحاديــث في القراءات، قال السلفي: سمعت الأصمّ المنورقي يقول:
الزاب الكبير منه بسكرة وتوزر وقسنطينية وطولقة وقفصة ونفزاوة ونفطة وبادس، قال:
وبقرب فاس على البحر مدينة يقال لها بادس، قال:
والزاب أيضا كورة صغيرة يقال لها ريغ، كلمة بربريّة معناها السبخة، فمن كان منها يقال له الريغي. والزاب أيضا: كورة عظيمة ونهر جرّار بأرض المغرب على البرّ الأعظم عليه بلاد واسعة وقرى متواطئة بين تلمسان وسجلماسة والنهر متسلط عليها، وقد خرج منها جماعة من أهل الفضل، وقيل: إن زرعها يحصد في السنة مرّتين، ينسب إليها محمد بن الحسن التميمي الزابي الطّبني كان في أيّام الحكم المستنصر، وقال مجاهد بن هانئ المغربي يمدح جعفر بن علي صاحب الزاب:
ألا أيّها الوادي المقدس بالنّدى ... وأهل الندى، قلبي إليك مشوق
ويا أيّها القصر المنيف قبابه ... على الزّاب لا يسدد إليك طريق
ويا ملك الزّاب الرفيع عماده، ... بقيت لجمع المجد وهو نزيق
على ملك الزّاب السّلام مردّدا، ... وريحان مسك بالسّلام فتيق
ويوم الزاب: بين مروان الحمار بن محمد وبني العباس كان على الزاب الأعلى بين الموصل وإربل.

أصول الإمام، فخر الإسلام: علي بن محمد البزدوي

أصول الإمام، فخر الإسلام: علي بن محمد البزدوي
الحنفي.
المتوفى: سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
أوله: (الحمد لله خالق النسم، ورازق القسم...).
وهو: كتاب عظيم الشان، جليل البرهان.
محتو على: لطائف الاعتبارات، بأوجز العبارات، تأبى على الطلبة مرامه، واستعصى على العلماء زمامه، قد انغلقت ألفاظه، وخفيت رموزه وألحاظه، فقام جمع من الفحول بأعباء توضيحه، وكشف خباياته وتلميحه.
منهم:
الإمام، حسام الدين: حسين بن علي الصغناقي، الحنفي.
المتوفى: سنة عشر وسبعمائة.
وسماه: (الكافي).
ذكر في آخره: أنه فرغ من تأليفه: في أواخر جمادى الأولى، سنة أربع وسبعمائة.
والشيخ، الإمام، علاء الدين: عبد العزيز بن أحمد البخاري، الحنفي.
المتوفى: سنة ثلاثين وسبعمائة.
وشرحه: أعظم الشروح، وأكثرها إفادة وبيانا.
وسماه: (كشف الأسرار).
أوله: (الحمد لله مصور النسم في شبكات الأرحام... الخ).
والشيخ، أكمل الدين: محمد بن محمد البابرتي، الحنفي.
المتوفى: سنة ست وثمانين وسبعمائة.
وسماه: (التقرير).
أوله: (الحمد لله الذي أكمل الوجود بإفاضة الحكم من آيات كلامه المجيد... الخ).
ذكر فيه: أنه كتاب مشتمل من الأصول على، أسرار ليس لها من دون الله كاشفة.
حدثني شيخي، شمس الدين الأصفهاني: أنه حضر عند الإمام، المحقق، قطب الدين الشيرازي، يوم موته، فأخرج كراريس من تحت وسادته، نحو خمسين، قال: هو فوائد جمعت على كتاب (فخر الإسلام)، تتبعت عليه زمانا كثيرا، ولم أقدر حله، فخذها لعل الله - تعالى - يفتح عليك بشرحه.
قال: فاشتغلت به سنين سرا وجهارا، ولم أزل في تأمله ليلا ونهارا، وعرضت أقيسته على قوانين أهل النظر، وتعرضت بمقدماته بأنواع التفتيش والفكر، فلم أجد ما يخالفهم إلا الإنتاج من الثاني، مع اتفاق مقدمتيه في الكيف، وذلك وما أشبهه مما يجوزه أهل الجدل، ثم لم يتهيأ لي شرحه، وتعين طرحه. انتهى.
فبدأ بشرح مختصر يبين ضمائره مهما أمكن.
ومن شروحه:
شرح: الشيخ، أبي المكارم: أحمد بن حسن الجاربردي، الشافعي.
المتوفى: سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وشرح: الشيخ: قوام الدين الأتراري، الحنفي.
المتوفى: في حدود سنة سبعمائة.
وشرح: الشيخ، أبو البقاء: محمد بن أحمد بن الضياء المكي، الحنفي.
المتوفى: سنة أربع وخمسين وثمانمائة.
وشرح: الشيخ: عمر بن عبد المحسن الأرزنجاني.
في مجلدين.
أوله: (الحمد لله الذي جعل أصول الشريعة ممهدة المباني... الخ)).
قد ذكر فيه: أنه أخذ عن الكردري، بواسطة شيخه، ظهير الدين: محمد بن عمر البخاري.
وهو شرح: بقال، أقول، وما عداه من الشروح بقوله: كذا.
ومن التعليقات المختصرة عليه:
تعليقة: الإمام، حميد الدين: علي بن محمد الضرير، الحنفي.
المتوفى: سنة ست وستين وستمائة.
وتعليقة: جلال الدين: رسولا بن أحمد التباني، الحنفي.
المتوفى: سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.
ومن الشروح الناقصة:
شرح: الشيخ، شمس الدين: محمد بن حمزة الفناري.
المتوفى: سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
وهو: على ديباجته فقط.
وشرح: علاء الدين: علي بن محمد، الشهير: بمصنفك.
المتوفى: سنة خمس وسبعين وسبعمائة.
وسماه: (التحرير).
وشرح: المولى: محمد بن فرامرز، الشهير: بملا خسرو.
المتوفى: سنة خمس وثمانين وثمانمائة.
ولو تم لفاز المسترشدون به بتمام المرام.
وللشيخ: قاسم بن قطلوبغا الحنفي.
المتوفى: سنة تسع وسبعين وثمانمائة.
تخريج أحاديــثه.

الآل

الآلات إما بحسَب الفطرة أو الخلقة أو غيرها كضعف الآلات".
الآل
هو صورة للأهل . ويطلق على العشيرة والقوم والأنصار . قال النابغة الذبياني : وقفتُ فيها سَراةَ اليومِ أسألُها ... عن آلِ نُعْمٍ أَموناً عَبرَ أسفارِ
[وقال أيضاً :
مِن آلِ مَيَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ ... عجلانَ ذَا زَادٍ وغَيرَ مُزَوَّدِ]
وقال تعالى:
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} .
وقبل ذلك:
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} . و {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} .
مرتين، ولم يذكر لفرعون أولاداً، والظاهر أنه لم يكن له ولد.
...
الآل للقوم. في سورة المؤمن:
{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} .
وفي سورة الأعراف:
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ... وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} .
وكل ما ذكر في هذه الآيات من العذاب وقع على جميع قوم فرعون. ومثله قوله تعالى:
{وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} .
وأيضاً:
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} .
أي قوم موسى وقوم هارون عليهما السلام، وحين كلّمهم صموئيل النبي عليه السلام بهذا الكلام كان بنو إسرائيل فِرَقا وأقواما، وكان قوم هارون عليه السلام مختصاً بخدمة البيت.فإن قلتَ: لِمَ لا تأخذه بمعنى أولاد موسى عليه السلام وأولاد هارون عليه السلام؟ قلتُ: آل موسى وآل هارون يحتوي موسى وهارون عليهما السلام أيضاً، كما أنه احتوى جميع بني إسرائيل. ولذلك جاء في الحديث: "أُعطِيَ [مِزماراً] من مزامير آل داود" .
فهذا يحتوي داود والمغنين معه .
أيضاً:
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} .
وفي التوراة أن بنت فرعون أرسلت أمتها، فأخذته، ودعت له بمرضعة ثم أخذته ابناً. (هذا فحواها) .
وفي القرآن -ولَهُوَ الصحيحُ- أن هذه امرأة فرعون. فإن الآية المتصلة بالتي سبقت تبين ذلك. فقال تعالى:
{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .
الآل:
[في الانكليزية] Family ،ancestors
[ في الفرنسية] Famille ،ancetres
بالمدّ أهل وعيال وأتباع يعني پس روان- بعد النفس- كما في الصراح. وفي جامع الرموز في كتاب الوصية آل الشخص أهل بيته أي بيت النّسب، وهو كلّ من يتصل به من قبل آبائه من أقصى أب له في الإسلام مسلما كان أو كافرا قريبا أو بعيدا محرما أو غيره، لأنّ الآل والأهل يستعملان استعمالا واحدا فيدخل فيه جدّه وأبوه لا الأب الأقصى لأنّه مضاف، كذا في الكرماني. ولا أولاد البنات وأولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أم ذلك الشخص إذ النسب إنما يعتبر من الآباء. ولهذا لو أوصت لأهل بيتها لم يدخل فيه ولدها إلّا أن يكون أبوه من قومها، كما في الكافي انتهى.
وأصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل.
وقيل أصله أول فإنه نقل عن الأصمعي أنه سمع من أعرابي يقول آل واويل وأهل واهيل.
وردّ بأنه لا عبرة بقول الأعرابي. وهذا مذهب الكوفيين كما أن الأول مذهب البصريين. وفي جامع الرموز: الآل في الأصل اسم جمع لذوي القربى ألفه مبدلة عن الهمزة المبدلة عن الهاء عند البصريين، وعن الواو عند الكوفيين.
والأوّل هو الحق، انتهى.
ثم لفظ الآل مختص بأولي الخطر كالأنبياء والملوك ونحوهم. يقال آل محمد عليه السلام وآل علي رضي الله عنه وآل فرعون، ولا يضاف إلى الأرذال ولا المكان والزمان ولا إلى الحق سبحانه وتعالى. فلا يقال آل الحائك وآل مصر وآل زمان وآل الله تعالى بخلاف الأهل في جميع ما ذكر.
واختلف في آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل إنه ذرية النبي عليه الصلاة والسلام.
وقيل ذريته وأزواجه. وقيل كل مؤمن تقيّ لحديث (كلّ تقيّ آلي). وقيل أتباعه. وقيل بنو هاشم وبنو المطلب قائله الشافعي. قال ابن الحجر في شرح الأربعين للنووي: وآل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عند الشافعي مؤمنو بني هاشم والمطلب كما دلّ عليه مجموع أحاديــث صحيحة، لكن بالنسبة إلى الزكاة والفيء دون مقام الدّعاء، ومن ثمّ اختار الأزهري وغيره من المحققين في مقام الدعاء أنهم كل مؤمن تقيّ مثل أن يقال اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد. وقيل بنو هاشم فقط. وقيل من يجمع بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم غالب بن فهر. وقيل آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس. وقيل عترته وهم أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنهم. وقيل أهل بيته المعصومون وهو الحق. وقيل الفقهاء العاملون على ما في جامع الرموز. وقال العلامة الدواني آله صلى الله وآله عليه وسلم من يؤول إليه بحسب النّسب أو النسبة. وكما حرّم الله تعالى على الأوّل الصدقة الصورية حرّم على الثاني الصدقة المعنوية، أعني تقليد الغير في العلوم والمعارف. فآله عليه السلام من يئول إليه إمّا بحسب نسبته عليه السلام بحياته الجسمانية، كأولاده النسبية، أو بحسب نسبته عليه السلام بحياته العقلية، كأولاده الروحانية من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين والحكماء المتألهين المقتبسين من مشكاة أنواره. وإذا اجتمع النسبتان كان نورا على نور، كما في الائمة المعصومين. وهذا الذي ذكرنا أكثره منقول من العلمي حاشية شرح هداية الحكمة وبعضه من البرجندي شرح مختصر الوقاية.

أَزر

أَزر
: (} الأَزْرُ) ، بفتحٍ فسكونٍ: (الإِحاطةُ) عَن، ابْن الأَعرابيّ.
(و) الأَزْرُ: (القُوَّةُ) والشِّدَّةُ (و) قيل: الأَزْرُ: (الضَّعْفُ، ضِدٌّ، و) الأَزْرُ: (التَّقْوِيَةُ) ، عَن الفَرّاءِ، وقرأَ ابنُ عَامر: { {فأزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} (الْفَتْح: 29) على فَعَلَه، وقرأَ سائرُ القُرّاء: {10. 003} فآزره} .
وَقد {آزَره: أَعانَه وأَسعدَه.
(و) } الأَزْرُ: (الظَّهْرُ) قَالَ البَعِيثُ:
شَدَدْتُ لَهُ! - أَزْرِي بِمِرَّةِ حازِمٍ
على مَوْقِعٍ مِن أَمْرِه مَا يُعَاجِلُهْ
قَالَ ابنُ الأَعرابِّي، فِي قَوْله تعالَى: {اشْدُدْ بِهِ {- أَزْرِي} (طه: 31) : مَن جعلَ الأَزْرَ بِمَعْنى القُوَّة قَالَ: اشْدُدْ بِهِ قُوَّتِي، ومَن جعلَه الظَّهْرَ قَالَ: شُدَّ بِهِ ظَهْرِي، ومَن جعلَه الضَّعْفَ قَالَ: شُدَّ بِهِ ضَعْفِي وقَوِّ بِهِ ضَعْفِي.
(و) } الأُزْرُ (بالضَّمِّ: مَعْقِدُ {الإِزارِ من الحَقْوَيْنِ.
(و) } الإِزْرُ (بالكَسْر: الأَصْلُ) ، عَن ابْن الأَعربيّ.
(و) {الإِزْرَةُ، (بهاءٍ: هَيْئَةُ الائْتِزار) ، مثل الجِلْسةِ والرِّكْبَةِ، يُقَال: إِنَّه لَحَسنُ الإِزْرَةِ، ولكلِّ قومٍ إِزْرَةٌ} يَأْتَزِرُونَهَا، {وائْتَزَر فلانٌ إِزْرَةً حَسَنَة، وَمِنْه الحديثُ: (} إِزْرَةُ المُؤْمِنِ إِلَى نصْفِ السّاقِ، وَلَا جُناحَ عَلَيْهِ فِيمَا بينَه وَبَين الكَعْبَيْن) . وَفِي حَدِيث عُثمانَ رضيَ اللهُ عَنهُ: (هاكذا كَانَ {إِزْرَةُ صاحِبنا) وَقَالَ ابنُ مُقْبِل:
مثلُ السِّنانِ نَكِيراً عِنْد خِلَّتِه
لكلِّ} إِزْرَةِ هَاذا الدَّهْرِ ذَا {إِزَرِ
(} والإِزارُ) ، بالكسرِ، معروفٌ، وَهُوَ (المِلْحَفَةُ) ، وفَسَّره بعضُ أَهلِ الغَرِيب بِمَا يسْتُرُ أَسفلَ البَدنِ، والرِّداءُ: مَا يَستُر بِهِ أَعلاه، وَكِلَاهُمَا غيرُ مَخِيط، وَقيل: {الإِزار: مَا تحتَ العاتِقِ فِي وَسَطِه الأَسفل، والرِّداءُ: مَا على العاتِقِ والظَّهْرِ، وَقيل: الإِزار: مَا يَستُر أَسفلَ ابدنِ وَلَا يكونُ مَخِيطاً، والكلُّ صحيحٌ، قَالَه شيخُنا. يذكَّر (ويُؤَنَّثُ) عَن اللِّحْيَانيّ، قَالَ أَبو ذُؤَيْب:
تَبَرَّأُ مِن دَمِ القَتِيلِ وبَزِّه
وَقد عَلِقَتْ دَمَ القَتِيلِ} إِزارُهَا
أَي دَمُ القَتِيلِ فِي ثَوْبِهَا، ( {كالمِئْزَر) ،} والمِئْزَرةِ، الأَخِيرَةُ عَن اللِّحْيَانيّ، وَفِي حَدِيث الِاعْتِكَاف: (كَانَ إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ أَيقظَ أَهلَه وشَدَّ! المِئْزَرَ) كَنَى بِشَدِّه عَن اعتزال النِّساءِ، وَقيل: أَرادَ تَشْمِيرَه لِلْعِبَادَةِ، يُقَال: شَدَدْتُ لهاذا الأَمْرِ {مِئزَرِي، أَي تشمَّرتُ لَهُ، (} والإِزْرِ والإِزَارةِ بكَسْرِهما) ، كَمَا قالُوا: وِسادٌ ووِسادَة، قَالَ الأَعشى:
كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ يَرْ
فُلُ فِي البَقِيرَةِ {والإِزارَهْ
(و) قد (} ائْتَزَر بِهِ {وتَأَزَّرَ بِهِ) : لَبِسَه، (وَلَا تَقُلِ اتَّزَرَ) } بالمِئْزَرِ، بإِدغامِ الهمزةِ فِي التَّاء، وَمِنْهُم مَن جَوَّزه وجعلَه مثلَ اتَّمنتُه، والأَصلُ ائْتَمنتُه، (و) فِي الحَدِيث: (كَانَ يُبَاشِرُ بعضَ نسائِه وَهِي {مُؤَتَزِرةٌ فِي حَالَة الحَيْض) ، أَي مَشْدُودَةُ الإِزارِ، قَالَ ابنُ الأَثِير:
(قد جاءَ فِي بعضِ لــأَحادِيــثِ) ، أَي الرِّواياتِ، كَمَا هُوَ نَصُّ النِّهايَة: (وَهِي مُتَّزِرَةٌ) ،
(لَعلَّه مِن تحْريفِ الرُّوَاة) قَالَ شيخُنَا: وَهُوَ رَجاءٌ باطلٌ، بل هُوَ واردٌ فِي الرِّواية الصحيحةِ، صَحَّحها الكِرمانِيُّ وغيرُه من شُرّاح البُخَاريِّ، وأَثبته الصّاغانيّ فِي مَجْمَعِ البَحْرِينِ فِي الجَمْع بَين أَحادِيــثِ الصَّحِيحَيْن.
قلتُ: وَالَّذِي فِي النِّهَايَة أَنه خطأ؛ لأَن الهمزةَ لَا تُدغَم فِي التّاء. وَقَالَ المطرّزيّ: إِنها لغةٌ عاميَّةٌ، نعمْ ذَكَر الصّغانيّ فِي التَّكْمِلَة: ويجوزُ أَن تقولَ اتَّزَرَ} بالمِئْزَرِ أَيضاً فيمَن يُدْعِمُ الهمزةَ فِي التّاءِ، كَمَا يُقَال: اتَّمَنتُه والأَصلُ ائْتَمنتُه. وَقد تقدَّم فِي أَخَذَ هاذا البحثُ، فراجِعْه.
(ج {آزِرَةٌ) مثل حِمارٍ وأَحْمِرَةٍ، (} وأُزُرٌ) مثل حِمَارٍ وحُمُرٍ، حجازيَّة، وهما جَمعانِ للقِلَّة والكَثرة، ( {وأُزْرٌ) ، بضمَ فسكونٍ، تميميّة، على مَا يُقاربُ الاطِّراد فِي هَذَا النَّحْو. وَقَالَ شيخُنا: هُوَ تخفيفٌ مهن} أُزُر، بضَمَّتَين.
(و) قيل: {الإِزارُ: (كلُّ مَا) وَارَاكَ و (سَتَرَكَ) ، عَن ثَعلب، وحُكِيَ عَن ابنُ الأَعْرَابيِّ: رأَيتُ السَّرَوِيَّ يَمْشِي فِي دارِه عُرْياناً فقلتُ لَهُ: عُرْياناً؟ فَقَالَ: دارِي} - إزارِي. (و) مِنَ المَجَازِ: الإِزارُ: (العَفَافُ) ، قَالَ عَدِيُّ بنُ زيد:
أَجْلِ أَنَّ اللهَ قد فَضَّلَكُمْ
فَوْقَ مَن أحْكَأَ صُلْباً {بإِزارِ
قَالَ أَبو عُبَيْد: فلانٌ عفِيفُ} المِئْزَرِ وعَفِيفُ {الإِزارِ، إِذا وُصِفَ بالعِفَّة عَمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ من النِّساءِ. وَمن سَجَعَاتِ الأَساس: هُوَ عفيفُ الأَزار خَفِيفُ الأَوْزار.
(و) يُكْنَى} بالإِزار عَن النَّفْس و (المرأَة) ، وَمِنْه قولُ أَبي الْمِنْهَالِ نُفَيْلَةَ الأَكبر الأَشْجَعِيِّ، كَتَب إِلى سَيِّدِنا عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنهُ:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولاً
فِدًى لكَ مِن أَخِي ثِقَةٍ {- إِزارِي
فِي الصّحاح: قَالَ أَبو عَمْرٍ والجَرْمِيّ: يُرِيدُ بالإِزار هَا هُنَا المرأَةَ، وَقيل: المرادُ بِهِ أَهْلِي ونَفْسِي، وَقَالَ أَبو عليَ الفارسيُّ: إِنه كنايةٌ عَن الأَهْل، فِي مَوضِع نَصْبٍ على الإِغراءِ، أَي احْفَظْ} - إِزارِي، وجعلَه ابنُ قُتَيْبَةَ كِنَايَة عَن النَّفْس، أَي فِدًى لَك نَفْسِي، وصَوَّبه السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْض. وَفِي حَدِيث بَيْعَة العَقَبَة: (لَنَمْنَعنَّكَ ممّا نَمنَعُ مِنْهُ {أُزُرَنا) ، أَي نسَاءَنَا وأَهلَنَا، كَنَى عنهُنّ} بالأُزُرِ، وَقيل: أَراد أَنفسَنا، وَفِي المُحْكَم: {والإِزار: المرأَةُ؛ على التَّشْبِيه، أَنشدَ الفارسيُّ:
كانَ مِنْهَا بحَيثُ تُعْكَى الإِزارُ
(و) من الْمجَاز: الإِزارُ: (النَعْجَةُ، وتُدْعَى للحَلْبِ فَيُقَال:} إِزارْ إِزارْ) ، مبنيًّا على السّكُون، وَالَّذِي فِي الأَساس: وشَاةٌ {مُؤَزَّرةٌ، كأَنَّمَا} أُزِّرَتْ بسَوادٍ، وَيُقَال لَهَا: إِزار.
( {والمُؤازَرَةُ) ، بالهَمْز: (المُسَاواةُ) ، وَفِي بعض النُّسَخ: المُوَاساة، والأَوّلُ الصحيحُ، ويَشْهَدُ للثَّانِي حديثُ أَبي بكر يومَ السَّقِيقة للأَنصار: (لقد نصرْتُم} وآزَرْتُم وآسَيْتُم) ، (والمُحَاذاةُ) ، وَقد {آزَرَ الشيءُ الشيءَ: سواهُ وحاذاه، قَالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
بِمَحْنِيَةٍ قد آزَرَ الضّالَ نَبْتُهَا
مَجَرِّ جُيوشٍ غانِمِينَ وخُيَّبِ
أَيْ ساوَى نبتُهَا الضّالَ وَهُوَ السِّدرُ البَرِّيُّ؛ لأَن النَّاسَ هابوه فَلم يَرْعَوْهُ. (و) } المُؤازَرةُ، بالهَمْز أَيضاً: (المُعَاوَنةُ) على الأَمر، تَقول: أَردتُ كَذَا {- فآزَرَنِي عَلَيْهِ فلانٌ: أَي ظاهَرَ وعاوَنَ، يُقَال:} آزَرَه (و) وازَرَه، (بالواوِ) على البَدَل من الهَمْز هُوَ (شاذٌّ) ، والأَولُ أَفصحُ، وَقَالَ الفَرّاءُ: {أَزَرْتُ فُلاناً} أَزْراً: قَوِّيتُه، {وآزَرتُه: عاوَنتُه، والعامَّةُ تَقول: وازَرْتُه. وَقَالَ الزَّجّاج:} آزرتُ الرجلَ على فلانٍ، إِذا أَعَنْتُه عَلَيْهِ وَقَوَّيتُه. (و) المُؤازرةُ (أَنْ يُقَوِّيَ الزَّرْعُ بعْضُه بَعْضًا فَيَلْتَفَّ) وَيتلاصَقَ، وَهُوَ مَجازٌ، كَمَا فِي الأَساس. وَقَالَ الزَّجّاج فِي قَوْله تعالَى: { {فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} (الْفَتْح: 29) أَي} فآزَرَ الصِّغارُ الكِبَارَ حَتَّى استَوَى بعضُه مَعَ بعضِ.
( {والتَّأْزِيرُ: التَّغْطِيَةُ) ، وَقد} أَزَرَ النَّبْتُ الأَرْضَ: غَطّاها، قل الأَعْشَى:
يُضاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ
{مُؤَزَّرٌ بعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ
(و) مِنَ المَجَازِ:} التَّأْزِيرُ، (التَّقْوِيَةُ) ، وَقد أَزَّرَ الحائِطَ، إِذا قَوّاه بتَحْوِيطٍ يَلزَقُ بِهِ.
(و) مِنَ المَجَازِ: (نَصْرٌ مُؤَزَّرٌ) ، أَي (بالغٌ شديدٌ) ، وَفِي حَدِيث المَبْعَثِ، (قَالَ لَهُ وَرَقةُ: إِنْ يُدْرِكْنِي يَومُكَ أَنْصُرْكَ نَصْراً {مُؤَزَّراً) ، أَي بَالغا شَدِيدا.
(} وآزَرُ، كهاجَرَ: ناحيةٌ بَين) سُوقِ (الأَهْوازِ ورامَهُرْمُزَ) ، ذَكَره البَكْرِيُّ وغيرُه. 5
(و) ! آزَرُ: (صَنَمٌ) كَانَ تارَحُ أَبُو إِبراهِيمَ عَلَيْهِ السلامُ سادِناً لَهُ، كَذَا قالَهُ بعضُ المُفَسِّرِين. ورُوِيَ عَن مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تعالَى: {ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً} (الْأَنْعَام: 74) قَالَ: لم يَكُن بأَبِيه، ولكنّ آزرَ اسمُ صَنَمٍ فموضِعُه نَصْبٌ على إِضمارِ الفِعْل فِي التِّلاوة، كأَنّه قَالَ: وإِذ قَالَ إِبراهيمُ (لأَبية) أَتَتَّخِذُ آزَرَ إِلاهاً، أَي أَتَّتَّخذُ أَصناماً آلِهَة. وَقَالَ الصّاغانِيُّ: التَّقّدِيرُ: أَتَتَّخِذُ آزَر إِلاهاً، وَلم ينتصبْ بأَتَتَّخِذُ الَّذِي بعدَه؛ لأَن الاستفهامَ لَا يعملُ فِيمَا قبلَه، ولأَنه قد استوفَى مفعولَيْه. (أَو) آزَرُ: (كَلمةُ ذَمَ فِي بعضِ اللغَاتِ) ، أَي يَا أَعرجُ، قَالَه السُّهَيْلِيّ، وَفِي التَّكملة: يَا أَعرجُ، أَو كأَنّه قَالَ: وإِذْ قَالَ إِبراهِيمُ لأَبِيه الخاطِيء، وَفِي التَّكْملة: يَا مُخْطِيءُ يَا خَرِفُ، وَقيل: مَعْنَاهُ يَا شَيْخُ، أَو هِيَ كلمةُ زَجْرٍ ونَهْيٍ عَن الْبَاطِل. (و) قيل: هُوَ (اسْمُ عَمِّ إِبراهِيمَ) عَلَيْهِ وعَلى محمّدٍ أَفضلُ الصّلاة والسّلام، فِي الآيةِ الْمَذْكُورَة، وإِنّمَا سُمِّيَ العَمُّ أَباً، وجَرَى عَلَيْهِ القرآنُ العَظيم، على عادةِ العربِ فِي ذالك؛ لأَنهم كثيرا مَا يُطلِقُون الأَبَ على العَمّ، (وأَمّا أَبُوه فإِنه تارَخُ) ، بالخاءِ المُعْجَمة، وَقيل بالمُهْمَلة، على وَزْن هاجَر، وهاذا باتّفاق النَّسّابِين، لَيْسَ عندَهم اختلافٌ فِي ذالك، كَذَا قالَه الزَّجَّاجُ والفَرَّاءُ، (أَو هُمَا واحدٌ) . قَالَ القُرطُبِيُّ: حُكِيَ أَنْ آزَرَ لقبُ نارَخَ، عَن مُقَاتِلٍ، أَو هُوَ اسمُه حَقِيقَة، حَكاه الحَسَنُ، فهما إسمان لَهُ، كإِسرائيلَ ويعقوبَ.
(و) عَن أَبِي عُبَيْدَةَ: (فَرَسٌ آزَرُ: أَبيضُ الفَخِذَيْنِ ولَوْن مَقَادِيمِهِ أَسودُ، أَو أَيُّ لَوْن كانَ) ، وَقَالَ غيرُه: فَرَسٌ آزَرُ: أَبيضُ العَجُزِ، وَهُوَ موضعُ الإِزارِ من الإِنسان، وَزَاد فِي الأَساس: فإِن نزَلَ البَيَاضُ بفَخِذَيْه فَمُسَرْوَلٌ، وخَيْلٌ أُزْرٌ، وَهُوَ مَجازٌ.
(و) مِنَ المَجَازِ أَيضاً: (! المُؤَزَّرَةُ، كمُعَظَّمةٍ: نَعْجَةٌ) وَفِي الأَساس: شاةٌ (كأَنَّهَا) . وَفِي الأَساس: كأَنَّمَا: ( {أُزِّرَتْ بسَوادٍ) ، وَيُقَال لَهَا: إِزارٌ، وَقد تقدَّم.
وَمِمَّا يُستَدرك عَلَيْهِ:
يُقَال؛} أَزَرْتُ فلَانا، إِذا أَلْبَسْتُ {إِزاراً فتَأَزَّر، بِهِ} تَأَزُّراً وَيُقَال: {أَزَّرتُه} تَأْزِيراً {فتَأَزَّرَ،} وتَأَزَّرَ الزَّرْعُ قَوَّى بعضُه بَعْضًا فالْتَفَّ وتلاصَقَ واشتدَّ، كآزَرَ، قَالَ الشاعرُ:
{تأَزَّرَ فِيه النَّبْتُ حتَّى تَخايَلَتْ
رُبَاهُ وَحَتَّى مَا تُرَى الشَّاءُ نُوَّمَا
وَهُوَ مَاز، وذَكَرهما الزَّمَخْشَرِيُّ.
وَفِي الأَساس: ويُسَمِّي أَهلُ الدِّيوانِ مَا يُكْتَبُ آخِرَالكتابِ مِن نُسخَةِ عَمَلٍ أَو فَصْلٍ فِي مُهِمَ: الإِزارَ،} وَأَزَّرَ الكتابَ {تَأْزِيراً كَتَبَ كتابا} مُؤَزَّراً.
{- والأُزْرِيُّ إِلى} الأُزْر جمعُ إِزارٍ هُوَ أَبو الْحسن سعدُ الله بنُ عليِّ بنِ محمّدٍ الحَنَفِيُّ.

أَكَلْتِيه

أَكَلْتِيه
الجذر: أ ك ل

مثال: أَيْنَ الطعام .. هل أَكَلْتِيه؟
الرأي: مرفوضة
السبب: لزيادة ياء بعد تاء المخاطبة.

الصواب والرتبة: -أَيْن الطعام .. هل أَكَلْتِه؟ [فصيحة]-أَيْن الطعام .. هل أَكَلْتِيه؟ [صحيحة]
التعليق: الفصيح أن يلي الضميرُ تاءَ المخاطبة مباشرة، فيقال: أَكَلْتِه، ولكن بعض العرب تشبع الكسرة، فتحوّلها إلى ياء، فيقولون: أَكَلْتِيه، وهي لغة بعض القبائل العربية، حكاها يونس. وجاء على هذه اللغة أحاديــث كثيرة، منها: «فأتت النبي- صلى الله عليه وسلَّم- فقال: » عصرتيها، قالت: نعم، قال: لو تركتيها .. «، وقوله لبريرة: » لو راجعتيه «، وقوله: » فقال عصرتيها، أعصرتيه، فقالت نعم".
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.