Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أجسام

الأحدية

الأحدية: فِي الواحدية .
الأحدية: قَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته:
الأول تعييني أما الثَّانِي فَهُوَ انتقاد الهوية وَثَانِي الْمرتبَة أَن لَا تعين، والوحدة الْخَالِصَة هِيَ أصل جَمِيع القابليات. وَقد سَاوَى بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن والمشروط والمقيد لَا يَنْفِي أَي من الاعتبارات وأثباتها. لكنه عين قابلية الذَّات. ويرتبط بالباطن وَالظَّاهِر والأزلية والأبدية وَانْتِفَاء الاعتبارات وأثباتها. وَعِنْده أَن هَذِه الْوحدَة لَهَا اعتباران: الأول: اعْتِبَاره هُوَ شَرط عدم الاعتبارات ولسقوطها بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ اعْتِبَار الأحدية. والذات بِهَذَا الِاعْتِبَار وَاحِدَة. وَيتَعَلَّق بِهَذَا الِاعْتِبَار ظُهُور الذَّات وأبديتها. إِذن الأحدية مقَام انْقِطَاع واستهلاك الْكَثْرَة النسبية والوجودية هِيَ أحدية الذَّات، وَإِذا انْتَفَت الْكَثْرَة فِي الواحدية فَإِن الْكَثْرَة النسبية فِيهِ معقولة التحقق. كَمَا هِيَ مُمكنَة التعقل فِي الْعدَد الْوَاحِد كَمثل النّصْف وَالثلث وَالرّبع، لِأَن منشأ الإعداد من عِنْده. وَجَمِيع تعيينات الوجودية غير المتناهية هِيَ مظَاهر هَذِه النِّسْبَة الْمُتَعَلّقَة فِي مرئية الأحدية وَلَفْظَة الأحدية فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب السلوك تطلق على ثَلَاثَة أَشْيَاء:
الأول: أحدية الذَّات وهوية الْغَيْب وَلَا تعْيين فِيهِ.
الثَّانِي: أحدية نفي أَو سلب الاعتبارات الَّتِي هِيَ الثُّبُوت فِي مُقَابل الواحدية.
الثَّالِث: أحدية الْجمع الَّتِي هِيَ الألوهية وَفِي هَذِه الْمرتبَة فَإِن الذَّات تكون بِالصِّفَاتِ الملحوظة كَمثل (الْحَيَاة) و (الْعلم) والادارة) وَالْقُدْرَة (والسمع) و (الْبَصَر) و (الْكَلَام) .
وأرسطو قَالَ فِي انولوجيا، اخْتَرْت الْخلْوَة والرياضة وانخلعت من بدني وَخرجت من لِبَاس الطَّبْع، فأحسست بإحساس غَرِيب وَنور عَجِيب وَرَأَيْت نَفسِي جزأ من أَجزَاء الْعَالم الروحاني وَصَاحب تَأْثِير. بعْدهَا ارتقيت إِلَى الحضرة الربوبية فَرَأَيْت نورا يعجز اللِّسَان عَن وَصفه وَلَا أذن يُمكنهَا سَماع نَعته. وَفِي غَفلَة صَار بيني وَبَين هَذَا النُّور حجاب، بقيت متحيرا كَيفَ تنزلت من هَذَا الْعَالم، وَقد نسب الشَّيْخ الْمَقْتُول فِي كتاب (التلويحات) وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا قطب الدّين الْعَلامَة فِي شرح (حِكْمَة الأشراق) هَذَا المشهد إِلَى أفلاطون.
(الأحدية) مصدر صناعي من أحد وَصفَة من صِفَات الله تَعَالَى مَعْنَاهَا أَنه أحدي الذَّات أَي لَا تركيب فِيهِ أصلا
الأحدية:
[في الانكليزية] Unicity
[ في الفرنسية] Unicite
بياء النسبة عند الحكماء عبارة عن عدم قسمة الواجب لذاته إلى الأجزاء ويجيء في لفظ الواحدية أيضا. وعند الصوفية هي المرتبة التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا، ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانيا. وهي أقدم مراتب الإلهية وإن كانت كلها في الوجود سواء، لكن العقل يحكم بتقدّم بعضها على بعض كالحياة على العلم والعلم على الإرادة. وعلى هذا القياس، كذا في شرح الفصوص. وفي الإنسان الكامل الأحدية عبارة عن مجلى ذاتي ليس للأسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثراتها فيه ظهور، فهي اسم لصرافة الذّات المجرّدة عن الاعتبارات الحقيّة والخلقية، وليس لتجلّي الأحدية في الأكوان مظهر أتمّ من ذلك إذا استغرقت في ذاتك ونسيت اعتباراتك وأخذت بك فيك عن خواطرك، لكنت أنت في أنت من غير أن تنسب إليك شيئا مما تستحقه من الأوصاف الحقيّة، أو هو لك من النعوت الخلقية. فهذه الحالة من الإنسان أتمّ مظهرا للأحدية في الأكوان، والأحدية أول ظهور ذاتي، وامتنع الاتصاف بها للمخلوق لأنها صرافة الذات المجرّدة عن الحقيّة والمخلوقية والعبد قد حكم عليه بالمخلوقية، فلا سبيل إلى ذلك. وإن شئت الزيادة فارجع إلى الإنسان الكامل. وفي التحفة المرسلة: للوجود الحق سبحانه مراتب: الأولى مرتبة اللّاتعيّن والإطلاق والذات البحت لا بمعنى أنّ قيد الإطلاق ومفهوم سلب التعيّن ثابتان في تلك المرتبة، بل بمعنى أنّ ذلك الوجود في تلك المرتبة منزّه عن إضافة جميع القيود والنعوت إليه حتى عن قيد الإطلاق أيضا، ويسمّى بالمرتبة الأحدية وهي كنه الحق سبحانه، وليس فوقها مرتبة أخرى بل كلّ المراتب تحتها. الثانية مرتبة التعيّن الأوّل وتسمّى بالوحدة والحقيقة المحمّدية وهي عبارة عن علمه تعالى لذاته وصفاته ولجميع الموجودات على وجه الإجمال من غير امتياز بعضها عن بعض. الثالثة مرتبة التعيّن الثاني وتسمّى بالواحدية والحقيقة الإنسانية وهي عبارة عن علمه تعالى لذاته وصفاته ولجميع الموجودات على التفصيل وامتياز بعضها عن بعض. فهذه ثلاث مراتب كلها قديمة والتقديم والتأخير عقلي لا زماني. الرابعة مرتبة الأرواح وهي عبارة عن الأشياء الكونية المجرّدة البسيطة التي ظهرت على ذواتها وعلى أمثالها كالعقول العالية والأرواح البشرية. الخامسة مرتبة عالم المثال وهي الأشياء الكونية المركّبة اللطيفة الغير القابلة للتجزي والتبعيض ولا الخرق والالتيام.
السادسة مرتبة عالم الــأجسام وهي الأشياء الكونية المركّبة الكثيفة القابلة للتجزي والتبعيض. السابعة المرتبة الجامعة لجميع المراتب المذكورة الجسمانية والنورانية والوحدة والواحدية، وهي الإنسان. فهذه سبع مراتب، الأولى منها هي مرتبة اللاظهور والباقية منها هي مراتب الظهور الكليّة، والأخير منها وهي الإنسان إذا عرج وظهر فيه جميع المراتب المذكورة مع انبساطها يقال له الإنسان الكامل.
والعروج والانبساط على الوجه الأكمل كان في نبينا صلى الله عليه وآله وسلم. ولهذا كان خاتم الأنبياء.
اعلم أنه لا يجوز إطلاق أسماء مرتبة الألوهية وهي الأحدية والواحدية والوحدة على مراتب الكون والخلق وهي المراتب الباقية وكذا العكس ولو في الحقيقة، كلها واحدة، لحفظ المراتب الشرعية وهذا هو الفرق بين الصديق والزنديق، انتهى كلامه. قال الشاعر
لكلّ مرتبة في الوجود شأن فإن لم تحفظ المراتب فأنت زنديق وفي كشف اللغات: إنّ هذه المراتب السّتّ الأخيرة تسمّى مراتب كلية ومظاهر كلية.

وقيل: إنّ مرتبة الوحدة هي مرتبة الصفات، والحقيقة المحمدية والمرتبة الواحدية هما مرتبة أسماء، كما يقال لآدم بأنه صاحب مقام قاب قوسين.

المزاج

المزاج: كيفية متشابهة من تفاعل عناصر متصرفة الأجزاء المماسة بحيث يكسر سورة كل منها سورة الآخر.
(المزاج) مَا يمزج بِهِ الشَّرَاب وَنَحْوه وكل نَوْعَيْنِ امتزجا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا مزاج وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {كَانَ مزاجها كافورا} واستعداد جسمي عَقْلِي خَاص كَانَ القدماء يَعْتَقِدُونَ أَنه ينشأ عَن أَن يتغلب فِي الْجِسْم أحد العناصر الْأَرْبَعَة وَهِي الدَّم والصفراء والسوداء والبلغم وَمن ثمَّ كَانُوا يَقُولُونَ بأَرْبعَة أمزجة هِيَ الدموي والصفراوي والسوداوي والبلغمي أما المحدثون من عُلَمَاء النَّفس فيوافقون القدماء على أَن الأمزجة ترجع إِلَى مؤثرات جثمانية وَلَكنهُمْ يخالفون فِي عدد الأمزجة وأسمائها إِذْ يعتدون بالإفرازات الَّتِي تفرزها الغدد الصم كالغدة الدرقية والغدة الكلوية ويجعلونها المؤثرات الأساسية فِي تكوين المزاج (ج) أمزجة
المزاج: بِكَسْر الْمِيم وَالْجِيم فِي الأَصْل عبارَة عَن اخْتِلَاط الْأَركان إِلَّا أَن ذَلِك الِاخْتِلَاط لما كَانَ سَببا لحدوث كَيْفيَّة مَخْصُوصَة سميت بِهِ تَسْمِيَة للمسبب باسم السَّبَب وَيُقَال فِي حَده أَنه كَيْفيَّة متشابهة ملموسة حَاصِلَة فِي الْجِسْم الْمركب عَن العناصر المتضادة الْكَيْفِيَّة عِنْد انكسار كَيْفيَّة كل وَاحِد مِنْهَا بطبيعة الْأُخْرَى.
وَإِن أردْت إِثْبَات المزاج بعد إِبْطَاله فاستمع لما قَالَه الْعَلامَة الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أورد على أَن القَوْل بالمزاج يسْتَلْزم أحد الْأَمريْنِ. وَهُوَ إِمَّا خلو جُزْء من الْجِسْم الْمركب عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية. أَو تدَاخل الْــأَجْسَام وَكِلَاهُمَا محَال أما الْمُلَازمَة فَلِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُوجد فِي أَجزَاء الْجِسْم الْمركب مَا يَخْلُو عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية. أَو لَا. فَإِن وجد يلْزم الأول. وَإِن لم يُوجد يلْزم الثَّانِي لِأَنَّهُ إِذا لم يخل جُزْء مَا عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة وَإِن بلغ فِي الصغر إِلَى حَيْثُ لَا يقبل الْقِسْمَة فَيكون كل جُزْء مُشْتَمِلًا على العناصر الْأَرْبَعَة فَلَا يكون جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم الْمركب خَالِيا عَن المَاء مثلا لوُجُوده فِي كل جُزْء وَكَذَا عَن كل وَاحِد من العناصر الْبَاقِيَة وعَلى هَذَا يكون كل وَاحِد من العناصر شاغلا لمَكَان الْمركب بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ عين التَّدَاخُل. وَأما بطلَان الْجُزْء الأول من الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَو خلا جُزْء من الْمركب عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية لما كَانَ المزاج كَيْفيَّة متشابهة فِي جَمِيع أَجزَاء الْجِسْم الممتزج وَاللَّازِم بَاطِل على مَا يدل حَدهمْ المزاج عَلَيْهِ - وَأما بطلَان الْجُزْء الثَّانِي بالأدلة الدَّالَّة على امْتنَاع التَّدَاخُل.
وَأجِيب عَنهُ بأنكم إِن أردتم بِجُزْء من أَجزَاء الْمركب مَا يعم البسائط وَغَيرهَا فيختار خلو جُزْء مِنْهَا عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة وَهُوَ الْجُزْء الْبَسِيط - لِأَن المزاج كَيْفيَّة قَائِمَة بالمركب وَلكُل جُزْء من أَجْزَائِهِ المركبة من البسائط الْأَرْبَعَة لَا بجزئه الْبَسِيط وَلَا بجزئين وَثَلَاثَة كَذَلِك - وَإِن أردتم بِهِ مَا عدا البسائط فيختار عدم خلو شَيْء من الْأَجْزَاء عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة. وَلَا يلْزم التَّدَاخُل على مَا لَا يخفى. وبوجه آخر - أَقُول وَلَا نسلم أَنه إِذا لم يخل جُزْء مَا عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية كَانَ كل جُزْء مُشْتَمِلًا على العناصر الْأَرْبَعَة فَإِن الْجُزْء الْبَسِيط غير خَال عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية وَغير مُشْتَمل على العناصر الْأَرْبَعَة - وَهَذَا الْجَواب أحسن من الأول يظْهر بِالتَّأَمُّلِ لمن وفْق لَهُ انْتهى.
قَالَ بعض شرَّاح الملخص الجغمني فِي الْهَيْئَة: إِن مزاج الْمركب كلما أبعد من الِاعْتِدَال كَانَ عرضه أوسع والأقسام المندرجة تَحْتَهُ أَكثر - وَقَالَ القَاضِي زَاده فِي شَرحه: وَفِي كلتا المقدمتين نظر. وَقَالَ بعض المحشين: وَالْمرَاد بالاعتدال الِاعْتِدَال الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ أحسن أَقسَام المزاج الإنساني ونهايته الَّتِي لَا مزاج أعدل مِنْهُ. وبالعرض الْحَال المعنوية الشبيهة بالامتداد المكاني سيعمل الْعرض فِيهِ حَقِيقَة وبالاتساع الْأَمر المشابه بالاتساع الْحَقِيقِيّ المكاني وَكَأَنَّهُ يشبه الأمزجة بالدوائر المحيطة بَعْضهَا بَعْضًا - وَلِهَذَا أثبت الْعرض والاتساع.
فعلى هَذَا تَصْوِيره أَن مزاج الْإِنْسَان دَائِرَة صَغِيرَة والاعتدال الْحَقِيقِيّ هُوَ مركزه وَعرضه من المركز إِلَى هَذِه الدائرة وَبَين المركز وَالْمُحِيط دوائر أُخْرَى هِيَ أَقسَام مزاج الْإِنْسَان. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج الْحَيَوَان. وَعرضه مَا بَين تِلْكَ الدائرة والدائرة الأولى الَّتِي هِيَ أولى أمزجة الْإِنْسَان وَهُوَ أول مَا يُطلق عَلَيْهِ مزاج الْحَيَوَان وأقسامه فِيهِ. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج النَّبَات وَعرضه مَا بَين هَذِه الدائرة والدائرة الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ أول أمزجة الْحَيَوَان وأقسامه فِيهِ.
ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج الْمَعْدن - وَعرضه مَا بَين هَذِه الدائرة والدائرة الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ أول أمزجة النَّبَات وَمَا بَينهمَا دوائر هِيَ أقسامه. فعلى هَذَا التَّصْوِير وَالْبَيَان ظهر أَن عرض مزاج الْمَعْدن هَا هُنَا بَين هَاتين الدائرتين المذكورتين لَا مَا بَين المركز والدائرة الْأَخِيرَة حَتَّى يلْزم أَن يكون أوسع وعَلى تَقْدِير أوسعيته اتِّفَاقًا لَا يلْزم أَن يكون أقسامه أَكثر لجَوَاز أَن يكون أقل وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْمُحَقق بِالنّظرِ فِي كلتا المقدمتين. وَقيل مآل المقدمتين وَاحِد.
وَقَالَ الْفَاضِل البرجندي قَوْله وَفِي كلتا المقدمتين نظرا مَا فِي الأولى فَلِأَن مبناها على أَن المعتدل مَا كَانَ أَجزَاء بسائطه مُتَسَاوِيَة وَمَا كَانَ أقرب إِلَيْهِ يكون أجزاؤه قريبَة من التَّسَاوِي. أما إِذا بعد عَن الِاعْتِدَال بِسَبَب اخْتِلَاف الْأَجْزَاء أمكن الْوُجُود على أنحاء مُخْتَلفَة مثلا يكون مركب جزؤه الناري وَاحِد - والهوائي اثْنَان - والمائي ثَلَاثَة - والأرضي أَرْبَعَة، والأعداد كَثِيرَة. فَعِنْدَ عدم تَسَاوِي الْأَجْزَاء أمكن التَّرْكِيب على صور غير متناهية فَيكون عرض الْأَبْعَد عَن الِاعْتِدَال أوسع. فَيرد عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزم أَن تتَحَقَّق المركبات على الْوُجُوه الْمُخْتَلفَة لجَوَاز أَن يكون لوُجُود الْمركب شُرُوط كَثِيرَة لَا يتَحَقَّق ذَلِك الْمركب بِدُونِهَا فَبعد الْمركب عَن الِاعْتِدَال لَا يسْتَلْزم وجود الْعرض الأوسع وَإِن استلزم إِمْكَانه - وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن مبناها على أَن كل مَا هُوَ عرضه أوسع يكون شُرُوط وجوده أقل بِنَاء على أَن كل مَا هُوَ شَرط لوُجُود الْمركب الْأَبْعَد عَن الِاعْتِدَال فَهُوَ شَرط لوُجُود الْمركب الْأَقْرَب إِلَيْهِ من غير عكس. وَمَا يكون شُرُوط وجوده أقل يكون أسهل وجودا فَيكون أقسامه وأفراده أَكثر. وَيرد عَلَيْهِ أَنه يُمكن أَن تتَحَقَّق شُرُوط وجود الْمركب الْأَقْرَب إِلَى الِاعْتِدَال مَعًا وَلَا تتَحَقَّق شُرُوط وجود الْأَبْعَد على انفرادها وَحِينَئِذٍ يحْتَمل أَن يكون أَفْرَاد الْمركب الْأَقْرَب أَكثر من أَفْرَاد الْمركب الْأَبْعَد كَمَا لَا يخفى - وَبِهَذَا التَّقْرِير يظْهر تغاير المقدمتين ويندفع توهم اتحادهما كَمَا وَقع لبَعض الناظرين انْتهى.
المزاج:
[في الانكليزية] Humour ،mixing
[ في الفرنسية] Humeur ،melange
بالكسر وتخفيف الزاء المعجمة هو في الأصل مصدر بمعنى الامتزاج وهو عبارة عن اختلاط أجزاء العناصر بعضها ببعض نقل في اصطلاح الحكماء إلى كيفية متشابهة متوسّطة بين الأضداد حاصلة من ذلك الامتزاج، فتلك الكيفية لا تحصل إلّا بامتزاج العناصر بعضها ببعض، وتفاعلها والتفاعل لا يحصل إلّا بمماسة السطوح. وكلّما كانت السطوح أكثر كان المماسة أتم، وكثرة السطوح بحسب تصغر الأجزاء. ثم ذلك التفاعل بحسب التقسيم العقلي منحصر في ست صور لأنّ في كلّ عنصر مادة وصورة وكيفية وكلّ منها إمّا فاعل أو منفعل، ولا يجوز أن تكون المادة فاعلة لأنّ شأنها القبول والانفعال لا الفعل والتأثير، ولا أن تكون الصورة منفعلة لأنّ شأنها الفعل والتأثير لا القبول والانفعال، فلم تبق إلّا أربع صور هي ما يكون المنفعل فيها المادة أو الكيفية، والفاعل إمّا الصورة أو الكيفية.
فمذهب الحكماء أنّ الفاعل الصورة والمنفعل المادة، قالوا العناصر المختلفة الكيفية إذا تصغّرت أجزاؤها جدا واختلطت اختلاطا تامّا حتى حصل التماس الكامل بين الأجزاء فعل صورة كلّ منها في مادة الآخر فكسرت هي صورة كيفية الآخر حتى نقص من حرّ الحار فتزول تلك الكيفية ويحصل له كيفية حرّ أقل يستبرد بالنسبة إلى الحارّ الشديدة الحرارة ويستسخن بالنسبة إلى البارد الشديدة البرودة، وكذلك ينقص من برد البارد فيحصل له برد أقلّ، فالكاسر ليس هو المادة لعدم كونها فاعلة ولا الكيفية لأنّ انكسار الكيفيتين المتضادتين إمّا معا أو على التعاقب، فإن حصل الانكساران معا والعلّة واجبة الحصول مع المعلول لزم أن يكون الكيفيتان الكاسرتان موجودتين على صرافتهما عند حصول انكساريهما وهو محال، وإن كان انكسار أحدهما مقدّما على انكسار الأخرى لزم أن يعود المكسور المغلوب كاسرا غالبا وهو أيضا محال. وأمّا المنكسر فليس أيضا الكيفية ولا الصورة، أمّا الثاني فلما مرّ من أنّ الصورة فاعلة لا منفعلة، وأمّا الأوّل فلأنّ الكيفية نفسها لا تتحرّك فلا تستحيل بل الكيفية تتبدّل ومحلّها يستحيل فيها وذلك المحلّ هو المادة. ثم الصورة إنّما تفعل في غير مادّتها بتوسّط الكيفية التي لمادّتها ذاتية كانت أو عرضية فإنّ الماء الحار إذا امتزج بالماء البارد وانفعلت مادة البارد من الحرارة كما تنفعل مادة الحار من البرودة، وإن لم تكن هناك صورة متسخّنة فالكاسر الصورة بتوسّط الكيفية والمنكسر المادة وذلك بأن تحيل مادة العنصر إلى كيفيتها فتكسر صورة كيفيته فحينئذ يحصل كيفية متشابهة في أجزاء المركّب متوسّطة بين الأضداد وهي المزاج.
قال الإمام الرازي لا شبهة في أنّ الشيء لا يوصف بكونه مشابها لنفسه، وإنّما قلنا للكيفية المزاجية إنّها متشابهة لأنّ كلّ جزء من أجزاء المركّب ممتاز بحقيقته عن الآخر فتكون الكيفية القائمة به غير الكيفية القائمة بالآخر إلّا أنّ تلك الكيفيات القائمة بتلك الأجزاء متساوية في النوع وهذا معنى تشابهها. وفي شرح حكمة العين: واعلم أنّ حصول الكيفية أعمّ مما هو بوسط أو بغيره لا الحصول الذي بغير وسط ليخرج المزاج الثاني الواقع بين اسطقسات ممتزجة قد انكسرت كيفيتها بحسب المزاج الأوّل والمراد من كونها متوسّطة أن تكون تلك الكيفية أقرب إلى كلّ واحد من الفاعلين، وكذا إلى كلّ من المنفعلين أو كيفية يستسخن بالقياس إلى البارد وتستبرد بالقياس إلى الحار، وكذا في الرطوبة واليبوسة. وعلى التفسيرين لا تدخل الألوان والطعوم والروائح في الحدّ أمّا على الثاني فظاهر لأنّ شيئا منها لا يتسخن بالنسبة إلى البارد ولا يستبرد بالنسبة إلى الحار، وأمّا على الأوّل فلأنّ المراد من كونها أقرب أن تكون مناسبتها إلى كلّ واحدة من الكيفيات أشدّ من مناسبة بعضها إلى بعض، ومثل ذلك لا تكون إلّا كيفية ملموسة، إذ الطعم ونحوه لا يكون كذلك، إذ المناسبة بين الحرارة والبرودة أشدّ من المناسبة بين الطعم وأحدهما، فلا حاجة حينئذ إلى تقييد الكيفية بالملموسة كما فعله ابن أبي صادق ولا بالأولية كما فعله الإيلاقي ليخرج الكيفيات التابعة للمزاج لعدم دخولها بدونهما على أنّ ما ذكره الإيلاقي ينتقص بالمزاج الثاني فقد أخلّ بعكسه وإن حافظ على طرده. ومذهب الأطباء أنّ الفاعل والمنفعل هو الكيفية، قالوا الفاعل الكاسر هو نفس الكيفية والمنفعل المنكسر صورة الحرارة فإنّ انكسار صورة البرودة لا تتوقّف على أن يكون ذلك بصورة الحرارة حتى يلزم المحذور المذكور بل يحصل ذلك بنفس الحرارة، فإنّ الماء الفاتر إذا مزج بالماء الشديد البرد يكسر صورة برودتها، وكذلك انكسار صورة الحرارة لا يلزم أن يكون ذلك بصورة البرودة، بل قد يحصل بنفس البرودة كالماء القليل البرد إذا مزج بالماء الشديد الحرارة فإنّه يكسر صورة حرارتها. وإذا كان كذلك فلا مانع من استناد التفاعل إلى الكيفيات. وذهب بعض المتأخّرين كالإمام الرازي وصاحب التجريد إلى أنّ الفاعل الكيفية والمنفعل المادة فتفعل الكيفية في المادة فتكسر صرافة كيفيتها وتحصل كيفية متشابهة في الكلّ متوسّطة هي المزاج.
اعلم أنّه ذهب البعض إلى أنّ البسائط إذا امتزجت وانفعل بعضها من بعض فأدّى ذلك بها إلى أن تخلع صورها فلا تبقى لواحد منها صورته المخصوصة به ويلبس الكلّ حينئذ صورة واحدة هي حالة في مادة واحدة، فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسّطا بين صورها المتضادة، ومنهم من جعل تلك الصورة صورة أخرى من الصور النوعية للمركّب، فالمزاج على الأول عبارة عن تخلّع صورة وتلبّس صورة متوسّطة، وعلى الثاني تخلّع صورة وتلبّس صورة نوعية للمركّب.

التقسيم:
المزاج ينقسم إلى معتدل وغير معتدل، ولهذا التقسيم وجهان: الأول أن يفسّر المعتدل بما يكون بسائطه متساوية كما وكيفا حتى يحصل كيفية عديمة الميل إلى الأطراف المتضادة فيكون حينئذ على حاق الوسط بينها ويسمّى معتدلا حقيقيا مشتقا من التعادل بمعنى التكافؤ هو لا يوجد في الخارج إذ أجزاؤه متساوية فلا يفسّر بعضها بعضا على الاجتماع، وطبائعها داعية إلى الافتراق قبل حصول الفعل والانفعال، وإنّما اعتبر التساوي كما وكيفا لأنّ امتناع وجوده مبني على تساوي ميول بسائطه، ولا بدّ فيه من تساوي كمياتها لأنّ الغالب في الكمّ يشبه أن يكون غالبا في الميل، وليس هذا وحده كافيا في ذلك التساوي لأنّ الميول قد تختلف باختلاف الكيفيات مع الاتحاد في الحجم كما في الماء المغلي بالنار والمبرّد بالثلج فإنّ ميل الثاني بسبب الكثافة والثّقل اللازمين من التبرّد أشدّ وأقوى من ميل الأول، وربما يكتفى في تفسير المعتدل الحقيقي باعتبار تساوي الكيفيات وحدها في قوتها وضعفها لأنّ ذلك هو الموجب لتوسط الكيفية الحادثة من تفاعلها في حاق الوسط بينها. وإذا عرفت هذا فنقول المزاج إمّا معتدل حقيقي أو غير معتدل، وغير المعتدل منحصر في ثمانية لأنّ خروجه عن الاعتدال إمّا في كيفية مفردة وهو أربعة أقسام:
الخارج عن الاعتدال في الحرارة فقط وهو الحار أو الرطوبة فقط وهو الرطب أو البرودة فقط وهو البارد أو اليبوسة فقط وهو اليابس أو في الحرارة والرطوبة وهو الحار الرطب أو في البرودة واليبوسة وهو البارد اليابس أو في الحرارة واليبوسة وهو الحار. اليابس أو في البرودة والرطوبة وهو البارد الرّطب، والأربعة الأول تسمّى أمزجة مفردة وبسيطة، والثواني مركّبة. والثاني أن يفسّر المعتدل بما يتوفّر عليه من كميات العناصر وكيفياتها القسط الذي ينبغي له وما يليق بحاله ويكون أنسب بأفعاله، مثلا شأن الأسد الجرأة والإقدام وشأن الأرنب الخوف والجبن فيليق بالأول غلبة الحرارة وبالثاني غلبة البرودة، وتسمّى معتدلا فرضيا وطبيا وهو الذي يستعمله الأطباء في مباحثهم، وهو مشتقّ من العدل في القسمة، فهو من أحد الأقسام الثمانية للخارج عن المعتدل الحقيقي لميله إلى أحد الطرفين ويقابله غير المعتدل الطبّي، وهو ما لم يتوفّر عليه من العناصر بكمياتها وكيفياتها القسط الذي ينبغي له، وهو أيضا من أحد الأقسام الثمانية للخارج عن المعتدل الحقيقي، وكلّ من القسمين ثمانية أقسام. فالمعتدل الطبّي قد يعتبر بالنسبة إلى النوع والصنف والشخص والعضو ويعتبر كلّ من هذه الأربعة بالنسبة إلى الداخل تارة وإلى الخارج أخرى فلكلّ نوع من المركّبات مزاج لا يمكن أن توجد صورته النوعية إلّا معه، وليس ذلك المزاج على حدّ واحد لا يتعدّاه وإلّا كان جميع أفراد النوع الواحد كالإنسان مثلا متوافقة في المزاج وما يتبعه من الخلق والخلق بل له عرض فيما بين الحرارة والبرودة وبين الرطوبة واليبوسة ذو طرفين إفراط وتفريط إذا خرج عنه لم يكن ذلك النوع فهو اعتداله النوعي بالنسبة إلى الأنواع الخارجة عنه. فلنفرض أنّ حرارة مزاج الإنسان مثلا لا يزيد على عشرين ولا ينقص من عشرة حتى تكون حرارته متردّدة بين عشر إلى عشرين ففي الإفراط إذا زادت على عشرين لما كان إنسانا بل فرسا مثلا وفي التفريط إذا نقصت من عشرة لم يكن إنسانا بل أرنبا مثلا، فلكلّ مزاج حدّان متى فقدهما لم يصلح ذلك أن يكون مزاجا لذلك النوع، وأيضا لكلّ نوع مزاج واقع في وسط ذلك العرض هو أليق الأمزجة به ويكون حاله فيما خلق له من صفاته وآثاره المختصّة به أجود مما يتصوّر منه، وذلك اعتداله النوعي بالنسبة إلى ما يدخل فيه من صنف أو شخص، فالاعتدال النوعي بالقياس إلى الخارج يحتاج إليه النوع في وجوده ويكون حاصلا لكلّ فرد فرد على تفاوت مراتبه وبالقياس إلى الداخل يحتاج إليه النوع في أجودية كمالاته ولا يكون حاصلا إلّا لأعدل شخص من أعدل صنف من ذلك النوع، وأمّا أعدلية ذلك النوع فغير لازم ولا يكون أيضا حاصلا له إلّا في أعدل حالاته، وقس الثلاثة الباقية عليه. فالاعتدال الصنفي بالقياس إلى الخارج هو الذي يكون لائقا بصنف من نوع مقيسا إلى أمزجة سائر أصنافه كمزاج الهندي بالنسبة إلى غيرهم وله عرض ذو طرفين هو أقل من العرض النوعي إذ هو بعض منه، وإذا خرج عنه لم يكن ذلك الصنف، وبالقياس إلى الداخل هو المزاج الواقع في حاق الوسط من هذا العرض وهو أليق الأمزجة الواقعة فيما بين طرفيه بالصنف إذ به تكون حاله أجود فيما خلق لأجله ولا يكون إلّا لأعدل شخص منه في أعدل حالاته، سواء كان هذا الصنف أعدل الأصناف أو لا، والاعتدال الشخصي بالنسبة إلى الخارج هو الذي يحتاج إليه الشخص في بقائه موجودا سليما وهو اللائق به مقيسا إلى أمزجة أشخاص أخر من صنفه، وله أيضا عرض هو بعض من العرض الصنفي وبالنسبة إلى الداخل هو الذي يكون به الشخص على أفضل حالاته والاعتدال العضوي مقيسا إلى الخارج ما يتعلّق به وجود العضو سالما وهو اللائق به دون أمزجة سائر الأعضاء، وله أيضا عرض إلّا أنّه ليس بعضا من العرض الشخصي ومقيسا إلى الداخل هو الذي يليق بالعضو حتى يكون على أحسن أحواله وأكمل أزمانه. وأمّا غير المعتدل فلأنّه إمّا أن يكون خارجا عما ينبغي في كيفية واحدة ويسمّى البسيط وهو أربعة: حار وبارد ورطب ويابس أو في كيفيتين غير متضادتين ويسمّى المركّب وهو أيضا أربعة، واعترض عليه بأنّ الخارج عن الاعتدالين لمّا لم يكن معتبرا بالقياس إلى المعتدل الحقيقي بل بالقياس إلى الفرضي جاز أن يكون خروجه عن الاعتدال بالكيفيتين المتضادتين، ولا يلزم من ذلك كون المتضادين غالبين ومغلوبين معا إذ ليس المعتبر زيادة كلّ على الأخرى بل على القدر اللائق.
وأجيب بأنّ هذا وهم منشأه عدم اعتبار عرض المزاج وإذا اعتبرناه فلا يرد شيء فإنّا نفرض معتدلا ما ينبغي له من الأجزاء الحارّة من عشرة إلى عشرين ومن الباردة من خمسة إلى عشرة مثلا فهذا المركّب إنّما يكون معتدلا ما دامت الأجزاء على نسبة التضعيف حتى لو صارت الحارة ثلاثة عشر والباردة ستة ونصفا كان معتدلا، ولو اختلفت تلك النسبة فإمّا أن تكون الباردة أقلّ من النصف فيكون المزاج أحرّ مما ينبغي أو أكثر منه فيكون أبرد فلا يتصوّر أن يصير الخارج أحر وأبرد، وقس عليه الرطوبة واليبوسة.
اعلم أنّ كلا من الأمزجة الثمانية الخارجة عن الاعتدال قد يكون ماديا بأن يغلب على البدن خلط يغلب عليه كيفية فيخرجه عن الاعتدال الذي هو حقّه إلى تلك الكيفية كأن يغلب مثلا عليه البلغم فيخرجه إلى البرودة وقد يكون ساذجا بأن يخرج عن الاعتدال لا بمجاورة بل بأسباب خارجة عنه أوجبت ذلك كالمبرّد بالثلج والمسخّن بالشمس وقد يكون جبليا وطبعيا خلق البدن عليه وعرضيا عرض له بعد اعتداله في جبليته. وأيضا ينقسم المزاج إلى أول وثان فالمزاج الأول هو الحادث عن امتزاج العناصر والمزاج الثاني هو الحادث عن امتزاج ذوي الأمزجة كالترياق فإنّ لكلّ من مفرداته مزاجا خاصا وللمجموع مزاجا آخر كذا في بحر الجواهر. وفي الآقسرائي المزاج الأول هو أول مزاج يحدث من العناصر والمزاج الثاني هو الذي يحدث عن امتزاج أشياء لها في أنفسها أمزجة، وامتزاجها ليس امتزاجا صار به الكلّ متشابها قوة وذلك لأنّه إذا كان كذلك صار مزاج ذلك الممتزج مزاجا أولا، ووجه الحصر أنّ المزاج إمّا أن لا يحصل من أشياء لها أمزجة قبل التركيب أو يحصل منها والأول هو الأول والثاني هو الثاني، انتهى. ثم المزاج الثاني قد يكون صناعيا كمزاج الترياق وقد يكون طبعيا كمزاج اللبن فهو عن مائية وجبلية ودسمية، ولكلّ مزاج خاص، وقد يكون قويا فيعسر تفريق أحد بسائطه عن الآخر لا بالطبخ ولا بالنار ويسمّى مزاجا موثقا كمزاج الذهب فإنّه مركّب من جوهر مائي يغلب عليه الرطوبة وجوهر أرضي يغلب عليه اليبوسة، وقد امتزجا امتزاجا لا يقدر النار على تفريقهما، وقد يكون رخوا لا يعسر تفريق بسائطه، فإمّا أن يحلّله النار دون الطبخ كالبابونج فإنّ فيه قوة قابضة ومحلّلة لا تفترقان بالطبخ، أو الطبخ دون الغسل كالعدس فإنّ فيه قوة محلّلة تخرج بالطبخ في مائيته ويبقى القوة الأرضية في جرمه، أو الغسل كالهندباء فإنّ جزؤها المفتّح الملطّف يزول بالغسل ويبقى الجزء المائي البارد، وقول الأطباء هذا الدواء له قوة مؤلّفة من قوى متضادة يعني بها هذا المزاج الثاني الرخو.
فائدة:
اتفقوا على أنّ أعدل أنواع المركّبات أي أقربها إلى الاعتدال الحقيقي نوع الإنسان لأنّ النفس الناطقة أشرف وأكمل ولا يخلّ في إفاضة المبدأ بل هي بحسب استعدادات القوابل، فاستعداد الإنسان بحسب مزاجه أشدّ وأقوى فيكون إلى الاعتدال الحقيقي أقرب واختلفوا في أعدل الأصناف من نوع الإنسان. فقال ابن سينا وسكان خط الاستواء تشابه أحوالهم في الحرّ والبرد لتساوي ليلهم ونهارهم أبدا. وقال الامام الرازي سكان الإقليم الرابع لأنّا نرى أهلها أحسن ألوانا وأطول قدودا وأجود أذهانا وأكرم أخلاقا، وكلّ ذلك يتبع المزاج، والتحقيق يطلب من الآقسرائي وشرح التذكرة.
فائدة:
القول بالمزاج مبني على القول بالاستحالة والكون والفساد إذ الكيفية المتشابهة لا تحصل إلّا بهما. أمّا الأول فظاهر لما عرفت، وأمّا الثاني فلأنّ النار لا تهبط عن الأثير بل يتكوّن هاهنا وكان من المتقدّمين من ينكرهما معا كانكساغورس وأصحابه القائلين بالخليط فإنّهم يزعمون أنّ الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا بل هي مختلفة من تلك الطبائع ومن سائر الطبائع النوعية كاللحم والعظم والعصب والتمر والعسل والعنب وغير ذلك، وإنّما يسمّى بالغالب الظاهر منها وعند ملاقاة الغير يعرض لها أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحسّ بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه لا على أنّه حدث بل على أنّه برز، ويكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا. فالماء إذا تسخّن لم يستحل في كيفية بل كان فيه أجزاء نارية كامنة فبرزت بملاقاة النار، وهؤلاء أصحاب الكمون والبروز. وقوم يزعمون أنّ الظاهر ليس على سبيل البروز، بل على سبيل النفوذ في غيره من خارج كالماء مثلا فإنّه إنّما يتسخّن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار المجاورة له، وهؤلاء أصحاب الفشو والنفوذ.
والمذهبان متقاربان فإنّهما مشتركان في أنّ الماء لم يستحل حارا، لكن الحار نار يخالطه فيعترفان في أنّ أحدهما يرى أنّ النار برزت من داخل الماء، والآخر يرى أنّها وردت عليه من خارجه. وإنّما دعاهم إلى ذلك الحكم لامتناع الاستحالة والكون والفساد. هكذا يستفاد من شرح حكمة العين وشرح المواقف وشرح التجريد وغيرها. والمزاج في اصطلاح أهل الرّمل نسبة شكل لليل أو للنهار كما يقولون:
في شكل الشمس إذا كان واقفا في الأول يوم الأحد وليلة الخميس فله مزاج. هكذا في بعض الرسائل.
(المزاج) رجل مزاج مخلط كَذَّاب لَا يثبت على خلق إِنَّمَا هُوَ ذُو أَخْلَاق متقلبة

الْأَحَد

الْأَحَد: بِفَتْح الْهمزَة والحاء الْمُهْملَة فِي الأَصْل وحد قلبت الْوَاو همزَة على خلاف الْقيَاس لِأَن قلب الْوَاو المضمومة أَو الْمَكْسُورَة فِي أول الْكَلِمَة بِالْألف قِيَاس شَائِع وذائع بالتبع مثل أجوه وأشاح كَانَا فِي الأَصْل وُجُوه ووشاح بِالضَّمِّ فِي الأول وَالْكَسْر فِي الثَّانِي وقلب الْوَاو الْمَفْتُوحَة فِي أول الْكَلِمَة لم يجِئ فِي كَلَامهم إِلَّا أحد وأناة وَفِي الصِّحَاح أَن لفظ أحد لَا تسْتَعْمل فِي الْإِيجَاب فَلَا يُقَال فِي الدَّار أحد بل لَا أحد فِي الدَّار لَكِن يشكل بقوله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} وَأجِيب بِأَن الْمُحَقق الرضي الاسترأبادي صرح بمجيء اسْتِعْمَاله فِي الْإِيجَاب على الْقلَّة كَذَا فِي حَاشِيَة شيخ الْإِسْلَام على التَّلْوِيح وَالْفرق بَين الْأَحَد وَالْوَاحد أَن الأول لَا يُطلق إِلَّا على غير المتعدد وَالْوَاحد يُطلق عَلَيْهِ وعَلى المتعدد إِذا كَانَ فِيهِ جِهَة الْوحدَة بِأَنَّهُ وَاحِد من الْجَمَاعَات أَو وَاحِد من المثنيات أَو وَاحِد من الْأَفْرَاد فَإِن قيل إِن لفظ الله تَعَالَى علم للجزئي الْحَقِيقِيّ وَهُوَ لَا يكون إِلَّا وَاحِدًا أحدا فَلَا فَائِدَة بعده فِي ذكر الْأَحَد فِي قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الله أحد} وَلَا حَاجَة فِي توصيفه بِالْوَاحِدِ فِي الْمَسْأَلَة الكلامية وَهِي أَن الْمُحدث للْعَالم هُوَ الله الْوَاحِد بل لَا يجوز جعلهَا من الْمسَائِل الكلامية لِأَن مَسْأَلَة الْعلم لَا بُد وَأَن تكون نظرية وَثُبُوت الْوحدَة للجزئي الْحَقِيقِيّ ضَرُورِيّ. قُلْنَا لَا نسلم إِن المُرَاد بِاللَّه الجزئي إِذْ المُرَاد بِهِ وَاجِب الْوُجُود مُطلقًا فَحِينَئِذٍ يكون الحكم بِالْوَاحِدِ أَو وَصفه بِهِ بِمَنْزِلَة الحكم بِهِ على الْوَاجِب أَو وَصفه بِهِ وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن التَّوْحِيد هُوَ عدم اعْتِقَاد الشّركَة فِي وجوب الْوُجُود على مَا قَالَه الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح الْمَقَاصِد من أَن التَّوْحِيد عدم اعْتِقَاد الشّركَة فِي الألوهية وخواصها وَأَرَادَ بالألوهية وجوب الْوُجُود وبخواصها الْأُمُور المتفرعة عَلَيْهِ من كَونه خَالِقًا للــأجسام مُدبرا للْعَالم مُسْتَحقّا لِلْعِبَادَةِ وَإِن سلمنَا أَن المُرَاد بِاللَّه الجزئي الْحَقِيقِيّ فَنَقُول المُرَاد بالأحد الْوَاحِد وحدته تَعَالَى فِي صفته أَعنِي وجوب الْوُجُود لَا فِي ذَاته. والضروري إِنَّمَا هُوَ ثُبُوت الْوحدَة للجزئي الْحَقِيقِيّ فِي ذَاته الشخصية دون صفته وَلما كَانَ الْكفَّار اعتقدوا اشْتِرَاك معبوداتهم لَهُ تَعَالَى فِي صفة الْوُجُوب وَمَا يتَفَرَّع عَلَيْهِ من اسْتِحْقَاق الْعِبَادَة وَخلق الْعَالم وتدبيره قَالَ الله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} ردا عَلَيْهِم وَجعل المتكلمون تِلْكَ مَسْأَلَة كلامية وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الْجَواب من عدم جَرَيَانه فِي قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الله أحد} ، لِأَن الأحدية لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْوحدَة فِي الذَّات لَا فِي الْوحدَة فِي الصّفة فَافْهَم. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَاشِيَته على المطول إِن هُوَ فِي {قل هُوَ الله أحد} يحْتَمل أَن يكون مُبْتَدأ وَالله خَبره وَأحد خَبرا ثَانِيًا أَو بَدَلا من الله بِنَاء على حسن إِبْدَال النكرَة الْغَيْر الموصوفة من الْمعرفَة إِذا اسْتُفِيدَ مِنْهَا مَا لم يستفد من الْمُبدل مِنْهُ كَمَا ذكره الرضي رَحمَه الله وَيحْتَمل أَن يكون ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة خَبره وَتَعْيِين الأحدية بِحَسب الْوَصْف بِمَعْنى أَنه أحد فِي وَصفه مثل الْوُجُوب وَاسْتِحْقَاق الْعِبَادَة ونظائرهما أَو بِحَسب الذَّات أَي لَا تركيب فِيهِ أصلا وعَلى الْوَجْهَيْنِ يظْهر فَائِدَة حمل الْأَحَد عَلَيْهِ تَعَالَى فَلَا يكون مثل زيد أحد انْتهى.
(الْأَحَد) الْوَاحِد وَهُوَ أول الْعدَد تَقول أحد وَاثْنَانِ وَأحد عشر وَالْمُنْفَرد وَيَوْم من أَيَّام الْأُسْبُوع (ج) آحَاد وأحدان وأحدون وَيُقَال فلَان أحد الأحدين لَا مثيل لَهُ والمؤنث إِحْدَى يُقَال فِي الْعدَد إِحْدَى عشرَة وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وَيُقَال فُلَانَة إِحْدَى الإحد لَا مثيل لَهَا وَيُقَال أَتَى بِإِحْدَى الإحد بِالْأَمر الْعَظِيم أَو بِالْأَمر الْمُنكر
(الْأَحَد) أَصله وحد وَيَقَع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَيكون مرادفا لوَاحِد فِي موضِعين سَمَاعا
أَحدهَا وصف اسْم الْبَارِي تَعَالَى فَيُقَال هُوَ الْوَاحِد وَهُوَ الْأَحَد لاختصاصه بالأحدية فَلَا يشركهُ فِيهَا غَيره وَلِهَذَا لَا ينعَت بِهِ غير الله تَعَالَى فَلَا يُقَال رجل أحد وَلَا دِرْهَم أحد وَنَحْو ذَلِك
الثَّانِي أَسمَاء الْعدَد للغلبة وَكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فَيُقَال أحد وَعِشْرُونَ وَوَاحِد وَعِشْرُونَ
وَفِي غير هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ يَقع الْفرق بَينهمَا فِي الِاسْتِعْمَال بِأَن الْأَحَد لنفي مَا يذكر مَعَه فَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْجحْد لما فِيهِ من الْعُمُوم نَحْو مَا قَامَ أحد أَو مُضَافا نَحْو مَا قَامَ أحد الثَّلَاثَة وَأما الْوَاحِد فيستعمل فِي الْإِثْبَات مُضَافا وَغير مُضَاف فَيُقَال جَاءَنِي وَاحِد من الْقَوْم
وَيكون بِمَعْنى شَيْء وَهُوَ مَوْضُوع للْعُمُوم فَيكون كَذَلِك فيستعمل لغير الْعَاقِل أَيْضا نَحْو مَا بِالدَّار من أحد أَي من شَيْء عَاقِلا كَانَ أَو غير عَاقل (ج) آحَاد وأحدان أَو لَيْسَ لَهُ جمع و (انْظُر أحد)

الشياع

(الشياع) النداء والبوق يدعى بِهِ وَمَا تشب بِهِ النَّار من الْوقُود الْخَفِيف
الشياع: الانتشار والتقوية. يقال شاع الحديث اشتهر، وقوي الشيء ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، عند سيبويه. وهو أعم العام كما أن الله أخص الخاص يجري على الــأجسام والعرض والقديم والمعدوم والمحال. وقول الأشاعرة المعدوم ليس بشيء معناه أنه غير ثابت في الأعيان.

الميل

الميل: العدول عن الوسط إلى أحد الجانبين. والمال سمي به لكونه مائلا أبدا وزائلا ولذلك سمي عرضا. وعليه دل من قال: المال قحبة تكون يوما في بيت عطار، ويوما في دار بيطار.
الميل:
فقال بطليموس في المجسطي: الميل ثلاثة آلاف ذراع بذراع الملك، والذراع ثلاثة أشبار، والشبر ست وثلاثون إصبعا، والإصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها إلى بعض.
قال: والميل جزء من ثلاثة أجزاء من الفرسخ. وقيل: الميل ألفا خطوة وثلاثمائة وثلاث وثلاثون خطوة. وأما أهل اللغة فالميل عندهم مدى البصر ومنتهاه.
قال ابن السّكيّت: وقيل للاعلام المبنية في طريق مكة أميال، لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل، ولا نعني بمدى البصر كل مرئيّ فإنّا نرى الجبل من مسيرة أيام، إنما نعني أن ينظر الصحيح البصر ما مقداره ميل، وهي بنية ارتفاعها عشر أذرع أو قريبا من ذلك، وغلظها مناسب لطولها، وهذا عندي أحسن ما قيل فيه.
الميل:
[في الانكليزية]
Mile( unity of measure for distances which varies according to epochs)
[ في الفرنسية]
Mille )unite de mesure pour les distances tres variable selon les epoques (
بالكسر وسكون المثناة الفوقانية في الأصل مقدار مدّ البصر من الأرض ثم سمّي به علم مبني في الطريق، ثم كلّ ثلث فرسخ حيث قدّر حدّه صلى الله عليه وسلم طريق البادية وبنى على كلّ ثلث ميلا، ولهذا قيل الميل الهاشمي. واختلف في مقداره على الاختلاف في مقدار الفرسخ، فقيل ثلاثة آلاف ذراع إلى أربعة آلاف. وقيل الفان وثلاثمائة وثلاث وثلاثون خطوة. وقيل ثلاث آلاف خطوة، والأول أيسر فإنّ الخطوة ذراع ونصف والذراع أربعة وعشرون إصبعا، كذا في جامع الرموز. وفي البرجندي قيل الفرسخ ثمانية عشر ألف ذراع، والمشهور أنّه اثنا عشر ألف ذراع. وفي المغرب الميل ثلاثة آلاف ذراع إلى أربعة آلاف. ولعلّ هذا إشارة إلى الخلاف الواقع بين أهل المساحة، فذهب قدماؤهم إلى أنّ الميل ثلاثة آلاف ذراع، والمتأخّرون منهم إلى أنّه أربعة آلاف. لكن الاختلاف لفظي لأنّهم صرّحوا بأنّ الذراع عند القدماء اثنان وثلاثون إصبعا. وعند المتأخّرين أربعة وعشرون إصبعا.
وعلى التقديرين كلّ ميل ستة وتسعون ألف إصبع كما لا يخفى على المحاسب انتهى. وينبغي أن ينقسم الميل على قياس الفرسخ إلى الطولي والسطحي والجسمي كما لا يخفى. 
الميل:
[في الانكليزية] Inclination ،tendency ،disposition
[ في الفرنسية] Inclination tendance ،disposition
بالفتح والسكون عند الحكماء هو الذي تسميه المتكلّمون اعتمادا. وعرّفه الشيخ بأنّه ما يوجب للجسم المدافعة لا يمنعه الحركة إلى جهة من الجهات. فعلى هذا هو علّة للمدافعة.
وقيل هو نفس المدافعة المذكورة، فعلى هذا هو من الكيفيات الملموسة. وقد اختلف في وجوده المتكلّمون فنفاه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني وأتباعه وأثبته المعتزلة وكثير من أصحابنا كالقاضي بالضرورة، ومنعه مكابرة للحسّ، فإنّ من حمل حجرا ثقيلا أحسّ منه ميلا إلى جهة السفل، ومن وضع يده على زقّ منفوخ فيه تحت الماء أحسّ ميله إلى جهة العلوّ، وهذا إذا فسّر الميل بالمدافعة. وأمّا على التفسير الأول فلأنّه لولا ذلك الأمر الموجب لم يختلف في السرعة والبطء الحجران المرميان من يد واحدة في مسافة بقوة واحدة إذا اختلف الحجران في الصغر والكبر إذ ليس فيهما مدافعة إلى خلاف جهة الحركة ولا مبدأها على ذلك التقدير فيجب أن لا يختلف حركتاهما أصلا لأنّ هذا الاختلاف لا يكون باعتبار الفاعل لأنّه متّحد فرضا، ولا باعتبار معاوق خارجي في المسافة لاتحادها فرضا، ولا باعتبار معاوق داخلي إذ ليس فيهما مدافعة، ولا مبدأها ولا معاوقا داخليا غيرهما، فوجب تساويهما في السرعة والبطء. وأجاب عنه الامام الرازي بأنّ الطبيعة مقاومة للحركة القسرية. ولا شكّ أنّ طبيعة الأكبر أقوى لأنّها قوة سارية في الجسم منقسمة بانقسامه، فلذلك كانت حركته أبطأ فلم يلزم مما ذكر أن يكون للمدافعة مبدأ مغاير الطبيعة حتى يسمّى بالميل والاعتماد. وأمّا تسميتها بهما فبعيدة جدا. واعلم أنّ المدافعة غير الحركة لأنّها توجد عند السكون فإنّا نجد في الحجر المسكن في الهواء قسرا مدافعة نازلة وفي الزّقّ المنفوخ فيه المسكن في الماء قسرا مدافعة صاعدة.

التقسيم:
الحكيم يقسم الميل إلى طبعي وقسري ونفساني، لأنّ الميل إمّا أن يكون بسبب خارج عن المحل أي بسبب ممتاز عن محل الميل في الوضع والإشارة وهو الميل القسري كميل الحجر المرمي إلى فوق، أو لا يكون بسبب خارج، فإمّا مقرون بالشعور وصادر عن الإرادة وهو الميل النفساني كميل الإنسان في حركته الإرادية أو لا، وهو الميل الطبعي كميل الحجر بطبعه إلى السفل. فالميل الصادر عن النفس الناطقة في بدنها عند القائل بتجرّدها نفساني لا قسري لأنّها ليست خارجة عن البدن ممتازة عنه في الإشارة الحسّية. والميل المقارن للشعور إذا لم يكن صادرا عن الإرادة لا يكون نفسانيا كما إذا سقط الإنسان عن السطح. أمّا الميل الطبعي فأثبتوا له حكمين الأول أنّ العادم للميل الطبعي لا يتحرّك بالطبع ولا بالقسر والإرادة، والثاني أنّ الميل الطبعي إلى جهة واحدة فإنّ الحجر المرمي إلى أسفل يكون أسرع نزولا من الذي ينزل بنفسه، ويجوز أن يقال إنّ الطبيعة وحدها تحدث مرتبة من مراتب الميل، وكذلك القاسر، فلما اجتمعا أحدثا مرتبة أشدّ مما يقتضيه كلّ واحد منهما على حدة فلا يكون هناك الأصل واحدا مستندا إلى الطبيعة والقاسر معا. وهل يجتمعان إلى جهتين؟ فالحقّ أنّه إن أريد به المدافعة نفسها فلا يجتمعان لامتناع المدافعة إلى جهتين في حالة بالضرورة، وإن أريد به مبدأها فيجوز اجتماعهما، فإنّ الحجرين المرميين إلى فوق بقوة واحدة إذا اختلفا صغرا وكبرا تفاوتا في الحركة وفيهما مبدأ المدافعة قطعا، فلولاه لما تفاوتا. وبالجملة فالميل الطبعي على هذا أعمّ سواء اقتضته الطبيعة على وتيرة واحدة أبدا كميل الحجر المسكن في الجو إلى السفل، أو اقتضته على وتيرة مختلفة كميل النبات إلى التبزر والتزيّد. ومنهم من يجعل النفساني أعم من الإرادي ومن أحد قسمي الطبعي، أعني ما لا يكون على وتيرة واحدة لاختصاصه بذوات الأنفس، وبهذا الاعتبار يسمّى ميل النبات نفسانيا ويختصّ لطبيعة بما يصدر عنه الحركات على نهج واحد دون شعور وإرادة. وأيضا الميل إمّا ذاتي أو عرضي لأنّه إن قام حقيقة بما وصف فهو ذاتي، وإن لم يقم به حقيقة بل لما يجاوره فهو عرضي على قياس الحركة الذاتية والعرضية. وأيضا الميل إمّا مستقيم وهو الذي يكون إلى جانب المركز وإمّا مستدير هو ما يكون سببا لحركة جسم حول نقطة كما في الأفلاك، ومبدأ الميل قوة في الجسم يقتضي ذلك الميل. فالميل في قولهم مبدأ الميل بمعنى نفس المدافعة.
فائدة:
أنواع الاعتماد متعدّدة بحسب أنواع الحركة، فقد يكون إلى السفل والعلو وإلى سائر الجهات. وهل أنواعه كلّها متضادة أو لا؟ فقد اختلف فيه. فمن لا يشترط غاية الخلاف بين الضدين جعل كلّ نوعين متضادين، ومن اشترطها قال إنّ كلّ نوعين بينهما غاية التنافي متضادان كميل الصاعدة والهابطة، وما ليس كذلك فلا تضاد بينهما كالميل الصاعد والميل للحركة يمنة ويسرة فهو نزاع لفظي. والقاضي جعل الاعتمادات بحسب الجهات أمرا واحدا فقال: الاختلاف في التسمية فقط وهي كيفية واحدة بالحقيقة فيسمّى بالنسبة إلى السفل ثقلا وإلى العلو خفّة، وهكذا سائر الجهات. وقد يجتمع الاعتمادات السّتّ في جسم واحد. قال الآمدي القائلون بوجود الاعتماد من أصحابنا اختلفوا. فقيل الاعتماد في كلّ جهة غير الاعتماد في جهة أخرى. فالاعتمادات إمّا متضادة أو متماثلة فلا يتصوّر اعتمادان في جسم واحد إلى جهتين لعدم اجتماع الضدين والمثلين. وقال آخرون الاعتماد في كلّ جسم واحد والتعدّد في التسمية دون المسمّى، وعلى هذا يجوز اجتماع الاعتمادات السّتّ في جسم واحد من غير تضاد، وهو اختيار القاضي أبي بكر. ثم قال: ولو قلنا بالتعدّد من غير تضاد فيكون لاعتمادات متعدّدة جائزة الاجتماع ولم يكن أبعد من القول بالاتحاد، فصارت الأقوال في الاعتمادات ثلاثة: الاتحاد والتعدّد مع التضاد وبدونه.
فائدة:
قد تقرّر أنّ الجهة الحقيقية العلو والسفل فتكون المدافعة الطبيعية نحو أحدهما، فالموجب للصاعدة الخفّة والموجب للهابطة الثّقل، وكلّ من الخفّة والثقل عرض زائد على نفس الجوهرية وبه قال القاضي وأتباعه والمعتزلة والفلاسفة أيضا، ومنعه طائفة من أصحابنا منهم الاستاذ أبو إسحاق فإنّه قال لا يتصوّر أن يكون جوهر من الجواهر الفردة ثقيلا وآخر منها خفيفا لأنّها متجانسة، بل الثّقل عائد إلى كثرة أعداد الجواهر والخفّة إلى قلتها فليس في الــأجسام عرض يسمّى ثقلا وخفة. اعلم أنّ للمعتزلة في الاعتمادات اختلافات فمنها أنّهم بعد اتفاقهم على انقسام الاعتمادات إلى لازم طبعي وهو الثّقل والخفّة وإلى مجتلب أي مفارق وهو ما عداهما كاعتماد الثقيل إلى العلوّ إذا رمي إليه، والخفيف إلى السفل، أو كاعتمادهما إلى سائر الجهات من القدّام والخلف واليمين والشمال قد اختلفوا في أنّها هل فيها تضاد أو لا؟ فقال أبو علي الجبائي نعم. وقال أبو هاشم لا تضاد للاعتمادات اللازمة مع المجتلبة. وهل يتضاد الاعتمادان اللازمان أو المجتلبان؟ تردّد فيه. فقال تارة بالتضاد وتارة بعدمه. ومنها أنّ الاعتمادات هل تبقى؟ فمنعه الجبائي ووافقه ابنه في المجتلبة دون اللازمة فإنّها باقية عنده. ومنها أنّه قال الجبائي موجب الثّقل الرطوبة وموجب الخفّة اليبوسة، ومنعه أبو هاشم وقال هما كيفيتان حقيقيتان غير معلّلتين بالرطوبة واليبوسة.
ومنها أنّه قال الجبائي الجسم الذي يطفو على الماء كالخشب إنّما يطفو عليه للهواء المتشبّث به فإنّ أجزاء الخشب متخلخلة فيدخل الهواء فيما بينها ويتعلّق بها ويمنعها من النزول، وإذا غمست صعّدها الهواء الصاعد بخلاف الحديد فإنّ أجزاءه مندمجة لم يتشبّث بها الهواء فلذلك يرسب في الماء. قال الآمدي يلزم على الجبائي أنّ بعض الأشياء يرسب في الزئبق والفضّة تطفو عليه مع أنّ أجزاءها غير متخلخلة. وقال ابنه أبو هاشم إنّه للثقل والخفة ولا أثر للهواء في ذلك أصلا. وللحكماء هاهنا كلام يناسب مذهبه وهو أنّ الجسم إن كان أثقل من الماء على تقدير تساويهما في الحجم رسب ذلك الجسم فيه إلى تحت، وإن كان مثله في الثقل ينزل فيه بحيث يماس سطحه السطح الأعلى من الماء فلا يكون طافيا ولا راسبا، وإن كان أخفّ منه في الثّقل نزل فيه بعضه وذلك بقدر ما لو ملئ مكانه ماء كان ذلك الماء موازنا في الثّقل لذلك الجسم كلّه، وتكون نسبة القدر النازل منه في الماء إلى القدر الباقي منه في خارجه كنسبة ثقل ذلك الجسم إلى فضل ثقل الماء. والحق المختار عند الأشاعرة أنّ الطّفو والرّسوب إنّما يكونان بخلق الله تعالى. ومنها أنّه قال للهواء اعتماد صاعد لازم ومنعه ابنه وقال ليس للهواء اعتماد لازم لا علوي ولا سفلي بل اعتماده مجتلب بسبب محرّك. ومنها أنّه قال لا يولد الاعتماد شيئا آخر لا حركة ولا سكونا بل المولّد لهما هو الحركة. وقال ابنه المولّد لهما الاعتماد. وقال ابن عياش بتولّدهما من الحركة تارة ومن الاعتماد أخرى. ومنها أنّه قال الحجر المرمي إلى فوق إذا عاد نازلا أنّ حركته الهابطة متولّدة من حركته الصاعدة بناء على أصله من أنّ الحركة إنّما تتولّد من الحركة لا من الاعتماد. وقال ابنه بل من الاعتماد الهابط. ومنها أنّه قال كثير من المعتزلة ليس بين الحركة الصاعدة والهابطة سكون إذ لا يوجب السكون الاعتماد لا اللازم ولا المجتلب. وقال الجبائي لا أستبعد ذلك أي أن يكون بينهما سكون وتوضيح المباحث يطلب من شرح المواقف وشرح التجريد. والميل عند الصوفية هو الرجوع إلى الأصل مع الشعور بأنّه أصله ومقصده لا الرجوع الطبيعي كما في الجمادات فإنّها تميل إلى المركز طبعا، كذا في كشف اللغات. والميل عند أهل الهيئة قوس من دائرة الميل بين معدّل النهار ودائرة البروج بشرط أن لا يقع بينهما قطب المعدّل، ودائرة الميل عظيمة تمرّ تارة بقطبي المعدّل وبجزء ما من منطقة البروج أو بكوكب من الكواكب، ويسمّى دائرة الميل الأول أيضا لأنّه يعرف بها. اعلم أنّ من دائرة الميل يعرف بعد الكوكب عن المعدّل لأنّه إن كان الخط الخارج من مركز العالم المارّ بمركز الكوكب الواصل إلى سطح الفلك الأعلى واقعا على المعدّل فحينئذ لا يكون للكوكب بعد عن المعدّل وإن وقع ذلك الخط في أحد جانبي المعدّل إما شمالا أو جنوبا، فللكوكب حينئذ بعد عنه شمالي أو جنوبي. فبعد الكوكب قوس من دائرة الميل بين موقع ذلك الخط ومعدّل النهار بشرط أن لا يقع بينهما قطب المعدّل وقد يسمّى بعد الكوكب بميل الكوكب أيضا، صرّح بذلك العلّامة كما في شرح التذكرة. ويعرف أيضا بعد أجزاء فلك البروج عن المعدّل فإنّ أجزاءه بأسرها سوى الاعتدالين مائلة عن المعدّل بعيدة عنه، وذلك البعد يسمّى ميلا أوّلا. وإذا أخذ بعد جزء من فلك البروج من الانقلاب الأقرب منه فالميل الأول لهذا الجزء حينئذ يسمّى ميلا منكوسا كما في الزيجات، وبعد الكوكب عنه يخصّ باسم البعد. ثم الميل إذا أطلق يراد به الأول، ولذا سمّاه البعض بالميل المطلق في الزيج الإيلخاني سمّي بالأول لأنّه ميل عن منطقة الحركة الأولى. والتقييد بالأول لإخراج الميل الثاني لأجزاء فلك البروج عن المعدّل، إذ الميل الثاني قوس من دائرة العرض محصورة بين المعدّل ودائرة البروج من الجانب الأقرب.
ودائرة العرض كما مرّ عظيمة تمرّ بقطبي البروج وبجزء ما من المعدّل أو بكوكب ما وتسمّى بدائرة الميل الثاني أيضا، لأنّ الميل الثاني إنّما يعرف بتلك الدائرة. وإنّما سمّي ميلا ثانيا لأنّ دائرة العرض إنّما تقاطع منطقة البروج على قوائم فالقوس المحصورة منها بين جزء من أجزاء المعدّل وبين منطقة البروج هي ميل ذلك الجزء وبعده عن منطقة البروج كما عرفت إلّا أنّ الاستقامة أي عدم الميل لمّا كانت منسوبة إلى المعدّل كأنّه الأصل في هذه الدائرة نسب هذا الميل إلى أجزاء فلك البروج عن المعدّل، وإن كان الأمر بالعكس حقيقة كما عرفت ويميّز عن الميل الأول بتقييده بالثاني. هذا ثم إنّه لمّا كان أجزاء فلك البروج متباعدة عن المعدّل في جانبي الشمال أو الجنوب إلى حدّ ما ثم متقاربة إليه فيهما فهناك غاية الميل لبعض أجزائها أعني الانقلابين، ويقال لها الميل الكلّي. والميل الأعظم وهو قوس من الدائرة المارّة بالأقطاب الأربعة محصورة بين المعدّل ودائرة البروج من الجانب الأقرب. فغاية الميل تدخل تحت حدّ الميل الأول والثاني لأنّ الدائرة المارّة بالأقطاب الأربعة يصدق عليها أنّها دائرة الميل لمرورها بقطبي العالم، وأنّها دائرة العرض لمرورها بقطبي البروج. فغاية الميل هي نهاية ميل أجزاء دائرة البروج عن المعدّل، ومقدارها عند الأكثرين ثلاثة وعشرون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وما وراها أي ما وراء غاية الميل يسمّى بالميول الجزئية. كما في شرح التذكرة للعلي البرجندي وغيره من تصانيفه. وميل الأفق الحادث وهو القوس الواقعة من أوّل السموات بين الأفق الحادث ونصف النهار من الجانب الأقرب، كذا ذكر العلي البرجندي في شرح التذكرة. وميل ذروة التدوير وحضيضه هو عرض التدوير وقد سبق. وقد يعرف بالميل كما في التذكرة. وميل الفلك المائل هو عرض مركز التدوير كما سبق هناك.

الهباء

(الهباء) التُّرَاب الَّذِي تطيره الرّيح وَيلْزق بالأشياء أَو ينبث فِي الْهَوَاء فَلَا يَبْدُو إِلَّا فِي ضوء الشَّمْس وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وبست الْجبَال بسا فَكَانَت هباء منبثا} وَمن النَّاس القليلو الْعقل (ج) أهبية وأهباء وأهباء الزوبعة مَا ارْتَفع فِي الجو فِي أَثْنَائِهَا
الهباء: هو الذي فتح الله فيه أجساد العالم مع أنه لا عين له في الوجود إلا بالصورة التي فتحت فيه، ويسمى بالعنقاء من حيث إنه يسمع بذكره ولا وجود له في عينه، وبالهيولى. ولما كان الهباء نظرا إلى ترتيب مراتب الوجود في المرتبة الرابعة بعد العقل الأول، والنفس الكلية، والطبيعة الكلية، خصه بكونه جوهرا فتحت فيه صور الــأجسام، إذ دون مرتبته مرتبة الجسم الكلي فلا تعقل هذه المرتبة الهبائية إلا كتعقل البياض والسواد في الأبيض والأسود.
الهباء:
[في الانكليزية] Dust ،ray ،external espect ،matter
[ في الفرنسية] Poussiere ،rayons solaires ،aspect exterieur ،matiere
بفتح الهاء والباء الموحدة ومد الألف الغبار وشعاع الشمس النافذ من الثّقب في النافذة. وفي اصطلاح المتصوّفة: هو مادة تظهر بها صور أجسام العالم. وقالوا لها أيضا العنقاء. والحكماء قالوا عنها: إنّها الهيولى.
وقال عنها سيّدنا علي رضي الله عنه: الهباء.
كذا في كشف اللغات. وتلك المادة من عرق النور المحمّدي المخلوقة منها جميع الموجودات العلوية والسّفلية. كذا في لطائف اللغات.

النار

النار: جوهر لطيف يفرط لشدة لطافته في ذاته المتجمد بالحر المفرط وفي تجميد المتميع بالبرد المفرط، ذكره الحرالي. وقال غيره: جسم لطيف مضيء حار من شأنه الإحراق بالطبع عن الوسط مستقر تحت فلك القمر.
النار
أما جهنم فقد أعدت لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (النبأ 22، 23). ويقال لهم وقد كبكبوا فيها: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (الطور 14، 15). وقد أجاد القرآن في تصويرها تصويرا يبعث الرهبة فى النفوس والهلع في القلوب، والخوف من أن يكون المصير إليها، فتلجأ إلى العمل تتقى به لظاها، وتتخذه ستارا بينه وبين لفحها، وإذا كان عرض الجنة عرض السموات والأرض، وكان من السعة بحيث يشعر أهلها بالطلاقة والحرية أنى ساروا، فعلى العكس من ذلك النار فإن ساكنها لا يحس بحرية ولا طلاقة، ولكنه يحس بالضيق، وكأنى بأهل النار يرصّ بعضهم رصّا إلى جوار بعض، لا يكادون يجدون متسعا للحركة ولا الانتقال، ويزيد من ضيقهم أنهم مقيدون في السلاسل، مقرنون في الأغلال، يسحبون على وجوههم ويلقون في النار، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (الفرقان 13). إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (غافر 71، 72). وليس ذلك لضيق في النار، ولكن للتضييق
على ساكنها، أما النار فتسع أكثر من داخليها، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (ق 30).
وتلتهب نيران جهنم بوقود من الناس الطغاة والحجارة، وإن الصلة لوثقى بين أهل النّار والحجارة، فإنّ أهل النار لا يميّزهم من الحجارة، ما يمتاز به الناس من العقل والإدراك والحسّ، بل لقد ألغوا عقولهم، فلم يفهموا بها الحق والصواب، ولم يفكروا بها التفكير السليم المنتج، وألغوا أعينهم، وآذانهم، فلا يهتدون بما يرون ولا بما يسمعون، وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (الأعراف 179). أو ليس الغافل أشبه شىء بالجماد، وبم يصير الإنسان إنسانا بغير عقله وإدراكه. ومن حطب جهنم كذلك جند إبليس الذين كانوا يغوون الناس ويضلونهم، فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (الشعراء 94 - 95).
كما يقذف في النار أولئك الآلهة التى كانوا يعبدون من دون الله، وهنا يوجه القرآن أنظارهم إلى أن ما يعبدونه لو كان يستحق أن يكون إلها ما صح أن يلقى فى نهار جهنم خالدا فيها، إذ يقول: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (الأنبياء 98، 99).
ويصوّر القرآن شدّة لهيب هذه النيران بضخامة ما يتطاير منها من الشرر، فهو ليس بذرات صغيرة كهذه الذّرّات التى تتصاعد من نار هذه الحياة الدنيا، ولكنه شرر كجذوع الشجر الضخم، أو الجمال الصفر، إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33). فليترك المجال للخيال، يتصوّر هذه النيران تلقى مثل هذا الشرر.
هذه النيران الملتهبة يسمع لظاها من مدى بعيد، فكأنما تبدى غيظها مما اقترفه هؤلاء الجناة، واستمع إليه يصوّر ذلك في قوله: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (الملك 6 - 8). أو لا تحس في هذا التصوير بقوة غضب النيران يملؤها، حتى لتكاد تضيق به وتنفجر، وفي هذه النيران ذات اللظى، يتنفسون لهبها لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (هود 106). وليصوّر خيالك هذا اللهب يتنفسون منه ويزفرون، ليصوّر خيالك هذه النيران تحيط بالعصاة من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت 54، 55). فهى مهادهم، ومنها غطاؤهم، وليصوّر الخيال هذه الوجوه تتقلّب في النيران، والرءوس تنزع منها شواها، وهذه الــأجسام تتخذ ثيابها من النار، فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ (الحج 19). وهذه الجلود كلما احترقت وصهرت، استبدلت بجلود أخرى، ليبدأ عذابهم من جديد، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ (النساء 56). وهكذا لا يجدون في وسط هذه النيران ظلا يحسون عنده ببرد الراحة، اللهم إلا ظلّ دخان قد تفرق وانتشر شعبا، فصار ظلا لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (المرسلات 31). وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (الواقعة 41 - 44). ويظلون في هذا العذاب خالدين، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (الزخرف 75). وعليهم حرس مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (التحريم 6).
وأمّا طعامهم فمن شجرة الزقوم، وهى شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (الصافات 64 - 66).
وهى طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (الدخان 44 - 46).
وجعل الله طعامهم في موضع آخر مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (الغاشية 6، 7). فإذا أرادوا الشراب سقوا من عين آنية ، وشربوا حميما ، وغساقا ، وإن ما يتصاعد منه من حرارة يشوى الوجوه شيّا، إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (الكهف 29). وهم يملئون بطونهم من هذا الطعام، ويقبلون على شرابهم في شراهة كشراهة الهيم، فيقطع أمعاءهم، ولا يكتفى الأمر بأن يشربوا من هذا الحميم، ولكنه يصبّ من فوق رءوسهم، يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (الحج 20).
لا عجب إذا إن حاول هؤلاء النزلاء أن يفروا من جهنم، ولكن أنى لهم الفرار، وقد أعدت وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (الحج 21، 22). أو إن تمنوا أن لو كانوا ترابا، أو دعوا الله أن ينالهم بالهلاك المبيد، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (الفرقان 14)، يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (المعارج 11 - 14). أرأيت كيف يشتد العذاب بأصحاب النار، حتى يتمنى أحدهم أن يفدى نفسه بابنه، الذى يتمنى المرء أن يفديه بنفسه، بل يتمنى أن لو هلك الناس جميعا، ونجا وحده.
فى هذا اللهب المشتعل الذى لا يموت من فيه موتة تريحه، ولا يحيا حياة يرضاها- يلعن أهل النار بعضهم بعضا، فإذا حوتهم جهنم جميعا قال الرعاع عن سادتهم: رَبَّنا هؤُلاءِ
أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ
(الأعراف 38). فيجيبهم الله بأن لكل منهم ضعفا، ويقول السادة للرّعاع: أنتم مثلنا في العذاب، ولن يخفف عنكم فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (الأعراف 39). وينادى على السيد منهم، فيقال لمعذبيه: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (الدخان 47 - 49). ويشتد الخصام بينهم وبين ما كانوا يعبدون من دون الله، ويدركون مقدار ما كانوا عليه من الخطأ والضلال قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (الشعراء 96 - 101). ويندمون على عصيان الله ورسوله، ويتمنون أن لو كانوا قد أطاعوهما، وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (الأحزاب 67، 68). وحينا يتجه هؤلاء الضعاف إلى رؤسائهم فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (غافر 47، 48). ويتجه هؤلاء العصاة إلى الله، ويصور القرآن ذلك في قوله، يوجه إليهم الأسئلة فيجيبون: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (المؤمنون 105 - 115). وحينا يصطرخون فيها قائلين: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (فاطر 37).
فيسألون: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (فاطر 37). وفي النار لا يسعهم إلا اعترافهم بذنوبهم فها هم أولاء الخزنة يسألونهم، كلما أقبل فوج منهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (الملك 8 - 11). وحينا يجيبون إجابة من يريد أن يموه، طمعا في النجاة حيث لا مطمع، فإذا قيل لهم:
أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً (غافر 73، 74). وحينا يصمتون وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (الشعراء 92، 93).
ويتجه أصحاب النار حينا إلى خازنها، ويتضرعون أن يقضى ربهم عليهم، فتكون الإجابة قاضية على آمالهم، بأنهم مخلدون لا يفترّ عنهم العذاب، وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (الزخرف 77، 78)، وحينا وقد أضناهم العذاب يتوسلون لخزنة جهنم أن ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر 49، 50). وحينا يتساءلون عن رجال مضوا إلى الجنة مع أنهم كانوا يعدونهم من الأشرار، فإذا اتجهت أبصارهم تلقاء أصحاب الجنة نادوا أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (الأعراف 50، 51).
وأكبر ما يتمنون يومئذ أن يكون لهم شفعاء، فيشفعوا لهم، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (الأعراف 53).
ذلك وصف حافل للعذاب الجسمى في جهنم، أما العذاب الروحى فشعور هؤلاء المجرمين بأنهم محجوبون عن رضوان الله الذى خلقهم، وأنعم عليهم بما قل من النعم أو كثر،
ثم قابلوا نعمه بالجحود والنكران، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ (البقرة 174). كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (المطففين 15). وفي كفران النعمة شقاء نفسى، يتعذب له الضمير، ويشقى من أجله الوجدان.

المفرد

المفرد:
[في الانكليزية] Singular ،simple ،particular
[ في الفرنسية] Simple ،singulier ،particulier
بتخفيف الراء المفتوحة من الإفراد يطلق على معان. منها مقابل المركّب وعرّفه أهل العربية بأنّه اللفظ بكلمة واحدة، واللفظ ليس بمعنى التلفظ بل بمعنى الملفوظ، أي الذي لفظ. فالمعنى أنّ المفرّد هو الذي لفظ بكلمة أي صار ملفوظا بتلفّظ كلمة واحدة، ومآله أنّه لفظ هو كلمة واحدة، فإن ما يصير ملفوظا بتلفّظ كلمة واحدة لا بدّ أن يكون كلمة واحدة.
والمراد من الكلمة اللغوية ومعنى الواحدة التي ضمّت إلى الكلمة معلوم عرفا، فإنّ ضرب مثلا كلمة واحدة في عرف اللغة بخلاف ضرب زيد فلا حاجة إلى تفسير الكلمة الواحدة لغة بما لم يشتمل على لفظين موضوعين، ولا خفاء في اعتبار قيد الوضع في الحدّ لكونه قسما من اللفظ الموضوع فلا يرد على الحدّ المهملات.
على أنّا لا نسلّم إطلاق الكلمة على المهمل في عرف اللغة فلا يرد ما أورد المحقّق التفتازاني من أنّه إن أريد الكلمة اللغوية على ما يشتمل الكلام والزائد على حرف وإن كان مهملا على ما صرّح به في المنتهى لم يطرد، وإن أريد الكلمة النحوية لزم الدور، غاية ما يقال إنّه تفسير لفظي لمن يعرف مفهوم الكلمة ولا يعرف أنّ لفظ المفرد لأيّ معنى وضع انتهى كلامه.
وعرّف المركّب بأنّه اللفظ بأكثر من كلمة واحدة ومحصّله لفظ هو أكثر من كلمة واحدة، فنحو نضرب وأخواته مفرد إذ يعدّ حرف المضارعة مع ما بعده كلمة واحدة عرفا. فعند النحويين لا يمتنع دلالة جزء الكلمة الواحدة على شيء في الجملة، وعبد الله ونحوه من المركّبات الإضافية وبعلبك ونحوه من المركّبات المزجية، وتأبّط شرا ونحوه من المركّبات الإسنادية مركّبات وإن كانت أعلاما لكونها أكثر من كلمة واحدة عرفا هكذا في العضدي وحاشية السّيّد السّند في المبادئ. وقال المحقّق التفتازاني: وهذا يشكّل بما أطبق عليه النحاة من أنّ العلم اسم وكلّ اسم كلمة وكلّ كلمة مفرد، فيلزم أن يكون عبد الله ونحوه علما مفردا. والجواب أنّ المفرد المأخوذ في حدّ الكلمة غير المفرد بهذا المعنى انتهى. وكأنّه بمعنى ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه. والذي يسنح بخاطري أنّ إطباقهم على أنّ العلم اسم كإطباقهم على أنّ الأصوات أسماء، فإنّهم لما رأوها مشاركة للكلمات في كثرة الدوران على الألسنة في المحاورات نزّلوها منزلة الأسماء المبنية وضبطوها في المبنيات، فاسمية الأعلام المركّبة تكون من هذا القبيل أيضا. وبالجملة فالعلم المفرد اسم حقيقة والمركّب اسم حكما لأنّ معناه معنى الاسم.
اعلم أنّ المفهوم مما سبق حيث اعتبرت الوحدة العرفية أنّ مثل الرجل وقائمة وبصري وسيضرب ونحوها مفردة، لكنه يخالف ما وقع في شروح الكافية والضوء حيث عرّف اللفظ المفرد بما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه حال كونه جزءا، وأخرج منه المركّبات مطلقا كلامية أو غيرها، وكذا مثل الرجل وقائمة وبصري وسيضرب وضربت وضربنا ونحوها مما يعد لشدّة الامتزاج كلمة واحدة، وكأنّ للمفرد عندهم معنيين فلا مخالفة، لكن في كون المعنيين من مصطلحات النحاة نظرا، إذ قد صرّح في العضدي أنّ المعنى الثاني للمفرد وهو ما لا يدلّ جزؤه على جزء معناه من مصطلحات المنطقيين. وقال المحقّق التفتازاني في حاشيته إنّه لا يمتنع عند النحاة دلالة جزء الكلمة الواحدة على شيء في الجملة. فنحو يضرب وأخواته مفرد عندهم ويؤيّده ما في الفوائد الضيائية حيث قال: ولا يخفى على الفطن العارف بالغرض من علم النحو أنّه لو كان الأمر بالعكس بأن يجعل نحو عبد الله علما مركّبا، ونحو قائمة وبصري مفردا لكان أنسب انتهى. وقال المولوي عبد الغفور في حاشيته: الغرض من النحو معرفة أحوال اللفظ وتصحيح إعرابه، فإهمال جانب اللفظ والميل إلى جانب المعنى لا يلائم ذلك الغرض، ولا يخفى أنّ ذلك الإهمال لا يجري في كلّ ما يعدّ لشدّة الامتزاج لفظة واحدة وأعرب بإعراب بل فيما أعرب بإعرابين كعبد الله انتهى.
قال المنطقيون المفرد هو اللفظ الموضوع الذي لا يقصد بجزء منه الدلالة على جزء معناه، سواء لم يكن له جزء كهمزة الاستفهام أو كان له جزء ولم يدلّ على معنى كزيد أو كان له جزء دالّ على معنى ولا يكون ذلك المعنى جزء المعنى المقصود كعبد الله علما، فإن العبد معناه العبودية وهو ليس جزء المعنى المقصود وهو الذات المشخّصة وكذا لفظ الله، أو كان له جزء دالّ على جزء المعنى المقصود ولم يكن دلالته مقصودة كالحيوان الناطق علما لإنسان فإنّ معناه حينئذ الماهية الإنسانية مع التشخّص والحيوان فيه مثلا دالّ على جزء الماهية الإنسانية. لكن ليست تلك الدلالة مقصودة حال العلمية، بل المقصود هو الذّات المشخّصة، ويقابله المركّب تقابل العدم والملكة وهو ما يقصد بجزء منه الدلالة على جزء معناه كرامي الحجارة وقائمة وبصري ويضرب ونحوها، وإنّما لم يجعلوا مثل عبد الله علما مركّبا كما جرت عليه كلمة النحاة لأنّ نظرهم في الألفاظ تابع للمعاني فيكون إفرادها وتركيبها تابعين لوحدة المعاني وكثرتها بخلاف النّحاة، فإنّ نظرهم إلى أحوال الألفاظ، وقد جرى على مثله علما أحكام المركّبات حيث أعرب بإعرابين كما إذا قصد بكل واحد من جزئه معنى على حدّة. لا يقال تعريف المركّب غير جامع وتعريف المفرد غير مانع لأنّ مثل الحيوان الناطق بالنظر إلى معناه البسيط التضمّني أو الالتزامي ليس جزؤه مقصود الدلالة على جزء ذلك المعنى فيدخل في حدّ المفرد، ويخرج عن حدّ المركّب لأنّا نقول المراد بالدلالة في تعريف المركّب هي الدلالة في الجملة وبعدم الدلالة في المفرد انتفاؤها من سائر الوجوه، فالمركّب ما يكون جزؤه مقصود الدلالة بأيّ دلالة كانت على جزء ذلك المعنى، وحينئذ يندفع النقض لأنّ مثل الحيوان الناطق وإن لم يدل جزؤه على جزء المعنى البسيط التضمني لكنّه يدلّ على جزء المعنى المطابقي، ويلزمهم أنّ نحو ضارب ومخرج وسكران مما لا ينحصر من الألفاظ المشتقة مركّب لأنّ جوهر الكلمة جزء منه، وما ضمّ إليه من الحروف والحركات جزء وكلّ من الجزءين يدلان على معنى مختصّ به. واعتذر الجمهور عنه بأنّ المراد بالأجزاء ألفاظ أو حروف أو مقاطع مسموعة مترتّبة متقدّم بعضها على بعض، والمادة مع الهيئة ليست كذلك، وأنت خبير بأنّ هذا إرادة ما لا يفهم من اللفظ ولا نعني بفساد الحدّ سوى هذا.

التقسيم:
المفرد عند النحاة إما اسم أو فعل أو حرف وقد سبق تحقيقه في لفظ الاسم. وقال المنطقيون المفرد إمّا اسم أو كلمة أو أداة لأنّه إمّا أن يدلّ على معنى وزمان بصيغته ووزنه وهو الكلمة، أو لا يدلّ، ولا يخلو إمّا أن يدلّ على معنى تام أي يصحّ أن يخبر به وحده عن شيء وهو الاسم وإلّا فهو الأداة، وقد علم بذلك حدّ كلّ واحد منها. وإنّما أطلق المعنى في حدّ الكلمة دون الاسم ليدخل فيه الكلمات الوجودية فإنّها لا تدلّ على معان تامة. وقيد الزمان بالصيغة ليخرج عنه الأسامي الدّالّة على الزمان بجوهرها ومادّتها كلفظ الزمان واليوم وأمس وأسماء الأفعال، وإنّما كان دلالتها على الزمان بالصيغة والوزن لاتحاد المدلولات الزمانية باتحاد الصيغة، وإن اختلفت المادة كضرب وذهب واختلافها باختلافها، وإن اتحدت المادة كضرب ويضرب، ولا يلزم حينئذ كونها مركّبة لأنّ المعنى من المركّب كما عرفت أن يكون هناك أجزاء مرتّبة مسموعة وهي ألفاظ أو حروف، والهيئة مع المادة ليست كذلك، فلا يلزم التركيب. وهاهنا نظر لأنّ الصيغة هي الهيئة الحاصلة باعتبار ترتيب الحروف وحركاتها وسكناتها، فإن أريد بالمادة مجموع الحروف فهي مختلفة باختلاف الصيغة، وإن أريد بها الحروف الأصلية فربما تتّحد والزمان مختلف كما في تكلّم يتكلّم وتغافل يتغافل على أنّه لو صحّ ذلك فإنّما يكون في اللغة العربية، ونظر المنطقي يجب أن لا يختص بلغة دون أخرى، فربما يوجد في لغات أخر ما يدلّ على الزمان باعتبار المادة. وإنّما زيد وحده في حدّ الاسم لإخراج الأداة إذ قد يصحّ أن يخبر بها مع ضميمة كقولنا زيد لا قائم. والكلمة إمّا حقيقية إن دلّت على حدث ونسبة ذلك الحدث إلى موضوع ما وزمان تلك النسبة كضرب وقعد، وإمّا وجودية إن دلّت على الأخيرين فقط يعني أنّها لا تدلّ على معنى قائم بمرفوعها بل على نسبة شيء ليس هو مدلولها إلى موضوع ما، بل ذلك الشيء خارج عن مدلولها، وهذا معنى تقرير الفاعل على صفة وعلى الزمان ككان فإنّه لا يدلّ على الكون مطلقا بل على كون الشيء شيئا لم يذكر بعد، أي لم يذكر ما دام لم يذكر كان، وهذا التقسيم عند الجمهور. وأمّا الشيخ فقد قسّم اللفظ المفرد على أربعة أقسام وهو أنّ اللفظ إمّا أن يدلّ على المعنى دلالة تامة أو لا.
فإن دلّ فلا يخلو إمّا أن يدلّ على زمان فيه معناه من الأزمنة الثلاثة وهو الكلمة أو لا يدلّ عليه وهو الاسم، وإمّا لا يدلّ على المعنى دلالة تامة، فإمّا أن يدلّ على الزمان فهي الكلمة الوجودية أو لا يدلّ فهو الأداة، فالأدوات نسبتها إلى الأسماء كنسبة الكلمات الوجودية إلى الأفعال في عدم كونها تامّات الدلالات. لا يقال من الأسماء ما لا يصحّ أن يخبر به أو عنه أصلا كبعض المضمرات المتصلة مثل غلامي وغلامك. ومنها ما لا يصحّ إلّا مع انضمام كالموصولات فانتقض بها حدّ الاسم والأداة عكسا وطردا على كلا القولين لأنّا نقول: لمّا أطلق الألفاظ فوجد بعضها يصلح لأن يصير جزءا من الأقوال التامة والتقييدية النافعة في هذا الفنّ وبعضها لا، فنظر أهل هذا الفنّ في الألفاظ من جهة المعنى. وأمّا نظر النحاة فمن جهة نفسها فلا يلزمه تطابق الاصطلاحين عند تغاير جهتي النّظرين فاندفع النقوض لأنّ الألفاظ المذكورة إن صحّ الإخبار بها أو عنها فهي أسماء وأفعال وإلّا فأدوات. غاية ما في الباب أنّ الأسماء بعضها باصطلاح النحاة أدوات باصطلاح المنطقيين ولا امتناع في ذلك.
فائدة:
كلّ كلمة عند المنطقيين فعل عند العرب بدون العكس أي ليس كلّ فعل عندهم كلمة عند المنطقيين فإنّ المضارع الغير الغائب فعل عندهم وليس كلمة لكونه مركّبا والكلمة من أقسام المفرد، وإنّما كان مركّبا لأنّ المضارع المخاطب والمتكلّم يدلّ جزء لفظه على جزء معناه، فإنّ الهمزة تدلّ على المتكلّم المفرد والنون على المتكلّم المتعدّد والتاء على المخاطب وكذا الحال في الماضي الغير الغائب هكذا قال الشيخ. وقال أيضا الاسم المعرب مركّب لدلالة الحركة الإعرابية على معنى زائد، وقد بالغ بعض المتأخّرين وقال: لا كلمة في لغة العرب إلّا أنّها مركّبة وزعم أنّ ألفاظ المضارعة مركّبة من اسمين أو اسم وحرف لأنّ ما بعد حرف المضارعة ليس حرفا ولا فعلا وإلّا لكان إمّا ماضيا أو أمرا أو مضارعا، ومن الظاهر أنّه ليس كذلك، فتعيّن أن يكون اسما وحرف المضارعة إمّا حرف أو اسم. وتحقيق ذلك من وظائف أهل العربية.
فائدة:
وجه التسمية بالأداة لأنّها آلة في تركيب الألفاظ، وأمّا بالكلمة فلأنّها من الكلم وهو الجرح لأنّها لمّا دلّت على الزمان وهو متجدّد منصرم فيكلم الخاطر بتغيّر معناها، وأمّا بالاسم فلأنّه أعلى مرتبة من سائر الألفاظ فيكون مشتملا على معنى السّموّ وهو العلوّ، وأمّا بالكلمة الوجودية فلأنّها ليس مفهومها إلّا ثبوت النسبة في زمان، هذا كلّه خلاصة ما في شرح المطالع وشرح الشمسية وحواشيهما. وأيضا ينقسم المفرد إلى مضمر وعلم مسمّى بالجزئي الحقيقي في عرف المنطقيين ومتواطئ ومشكّك ومنقول ومرتجل ومشترك ومجمل وكلّي وجزئي ومرادف ومباين. ومنها ما يقابل الجملة فيتناول المثنى والمجموع والمركّبات التقييدية أيضا. قال في العضدي ويسمّي النحويون غير الجملة مفردا أيضا بالاشتراك بينه وبين غير المركّب، انتهى.
قال المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية: هذان المعنيان للمفرد حقيقيان. ومنها ما يقابل المثنى والمجموع أعني الواحد فالتقابل بينهما تقابل التضاد إذ المفرد وجودي مفسّر باللفظ الدّال على ما يتّصف بالوحدة وليس أمرا عدميا وإلّا لكان تعريف المثنى والمجموع بما ألحق بآخر مفرده إلى آخره دوريا، وما يقال من أنّ التقابل بينهما بالعرض كالتّقابل بين الواحد والكثير فليس بشيء، وكذا ما يقال من أنّ التقابل بينهما هو التضايف لأنّه لا يمكن تعقّل كلّ واحد منهما إلّا بالقياس إلى الآخر، هكذا ذكر المولوي عبد الحكيم وأحمد جند في حاشية شرح الشمسية. والمراد أنّ التقابل لكلّ واحد معتبر في هذا الاطلاق دون التقابل بالمجموع من حيث هو مجموع، ولا يلزم منه أن يكون للمفرد معنيان أحدها ما يقابل المثنى والثاني ما يقابل المجموع، فإنّ المفرد هاهنا بمعنى الواحد كما عرفت، كذا قيل. ومنها ما يقابل المضاف أعني ما ليس بمضاف، فالتقابل بينهما تقابل الإيجاب والسّلب وشموله بهذا المعنى للمركّب التقييدي والخبري والإنشائي لا يستلزم استعماله فيها، إذ لا يجب استعمال اللفظ في جميع أفراد معناه، إنّما اللازم جواز الإطلاق وهو غير مستبعد. كيف وقد قال الشيخ ابن الحاجب: والمضاف إليه كلّ اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف الجر لفظا أو تقديرا، فأدخل مررت في قولنا مررت بزيد في المضاف، وجعل التقابل بينهما تقابل العدم والملكة باعتبار قيد عما من شأنه أن يكون مضافا مع مخالفته لظاهر العبارة لا يدفع الشمول المذكور على ما وهم لأنّ الإضافة من شأن المركّبات المذكورة باعتبار جنسه أعني اللفظ الموضوع، كذا ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية. وقال أيضا هذه المعاني الأربعة مستعملة بين أرباب العلوم والأوّلان منها حقيقيان والأخيران مجازيان انتهى. ومورد القسمة في المعنيين الاوّلين هو اللفظ الموضوع وفي الأخيرين هو الاسم إذ كلّ واحد منهما مع مقابله من خواصّ الاسم كذا ذكر أحمد جند في حاشية شرح الشمسية. أقول فعلى هذا لا يشتمل للمركّب التقييدي والخبري والإنشائي إذ المركّب ليس باسم بل اسمان أو اسم وفعل كما لا يخفى. ثم قال: وقيل المراد بما يقابل المضاف ما لا يكون مضافا ولا شبه مضاف انتهى. وفي بعض حواشي الكافية أنّ المفرد في باب النداء يستعمل في ما يقابل المضاف وشبهه انتهى. وكذا في باب لا التي لنفي الجنس كما يستفاد من الحاشية الهندية وغيرها من شروح الكافية. ومنها ما يقابل الجملة وشبهها والمضاف، ومشابه الجملة هو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة واسم التفضيل والمصدر وكلّ ما فيه معنى الفعل، وهذا المعنى هو المراد بالمفرد الواقع في قول النحاة التمييز قد يرفع الإبهام عن مفرد وقد يرفعه عن نسبة، هكذا يستفاد من الفوائد الضيائية والحاشية الهندية. وفي غاية التحقيق أنّ المفرد هاهنا بمعنى ما يقابل النسبة الواقعة في الجملة وشبهها أو المضاف انتهى، والمآل واحد. ومنها العلم الغير المشترك بين اثنين فصاعدا بأن يكون مختصا بالواحد اسما كان أو لقبا أو كنية كما صرّح في بعض الحواشي المعلّقة على شرح النخبة. وفي شرح النخبة أيضا إشارة إلى ذلك في فصل الأخير. ومنها عدد مرتبته واحدة كالثلاثة والعشرة والمائة والألف ونحوها ويقابله المركّب وهو عدد مرتبته اثنتان فصاعدا كخمسة عشر فإنّها الآحاد والعشرات وكمائة وخمسة وعشرين فإنّها ثلاث مراتب آحاد وعشرات ومئات كذا في ضابطة قواعد الحساب. وهذا المعنى من مصطلحات المحاسبين. ومنها ما يعبّر عنه باسم واحد ويقابله المركّب بمعنى ما يعبّر عنه باسمين كما في لفظ المركّب. ومنها قسم من الكسر مقابل للكسر المكرّر. ويطلق المفرد أيضا على قسم من الجسم الطبيعي وهو ما لا يتركّب من الــأجسام ويقابله المؤلّف، وعلى قسم من الأعضاء مقابل للمركّب ويسمّى بسيطا أيضا، وعلى قسم من الأمراض مقابل للمركّب، وعلى قسم من الحركة، وعلى قسم من المجاز اللغوي، وعلى قسم من التشبيه ونحو ذلك.
فإطلاقه في الأكثر على سبيل التقييد يقال تشبيه مفرد ومجاز مفرد وجسم مفرد، فتطلب معانيه من باب الموصوفات.
المفرد: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه.

التشبيه في القرآن

التشبيه في القرآن
- 1 - أرى واجبا علىّ قبل الحديث عن التشبيه في القرآن الكريم، أن أتحدث قليلا عن بعض نظرات للأقدمين في هذا الباب، لا أوافقهم عليها، ولا أرى لها قيمة في التقدير الفنى السليم.
فمما اعتمد عليه القدماء في عقد التشبيه العقل، يجعلونه رابطا بين أمرين أو مفرّقا بينهما، وأغفلوا في كثير من الأحيان وقع الشيء على النفس، وشعورها به سرورا أو ألما، وليس التشبيه في واقع الأمر سوى إدراك ما بين أمرين من صلة في وقعهما على النفس، أما تبطن الأمور، وإدراك الصلة التى يربطها العقل وحده فليس ذلك من التشبيه الفنى البليغ، وعلى الأساس الذى أقاموه استجادوا قول ابن الرومى:
بذل الوعد للأخلاء سمحا ... وأبى بعد ذاك بذل العطاء
فغدا كالخلاف، يورق للعين، ويأبى الإثمار كل الإباء
وجعلوا الجامع بين الأمرين جمال المنظر وتفاهة المخبر، وهو جامع عقلى، كما نرى، لا يقوم عليه تشبيه فنى صحيح، ذلك أن من يقف أمام شجرة الخلاف أو غيرها من
الأشجار، لا ينطبع في نفسه عند رؤيتها سوى جمالها ونضرة ورقها وحسن أزهارها، ولا يخطر بباله أن يكون لتلك الشجرة الوارفة الظلال ثمر يجنيه أو لا يكون، ولا يقلل من قيمتها لدى رائيها، ولا يحط من جمالها وجلالها، ألا يكون لها بعد ذلك ثمر شهى، فإذا كانت تفاهة المخبر تقلل من شأن الرجل ذى المنظر الأنيق، وتعكس صورته منتقصة في نفس رائيه، فإن الشجرة لا يقلل من جمالها لدى النفس عدم إثمارها، وبهذا اختلف الوقع لدى النفس بين المشبّه والمشبه به، ولذلك لا يعد من التشبيه الفنى المقبول.
وقبل الأقدمون من التشبيه ما عقدت الحواس الصلة بينهما، وإن لم تعقدها النفس، فاستجادوا مثل قول الشاعر يصف بنفسجا:
ولازورديّة تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت فليس ثمة ما يجمع بين البنفسج وعود الكبريت، وقد بدأت النار تشتعل فيه، سوى لون الزرقة التى لا تكاد تبدأ حتى تختفى في حمرة اللهب، وفضلا عن التفاوت بين اللونين، فهو في البنفسج شديد الزرقة، وفي أوائل النار ضعيفها، فضلا عن هذا التفاوت نجد الوقع النفسى للطرفين شديد التباين، فزهرة البنفسج توحى إلى النفس بالهدوء والاستسلام وفقدان المقاومة، وربما اتخذت لذلك رمزا للحب، بينما أوائل النار في أطراف الكبريت تحمل إلى النفس معنى القوة واليقظة والمهاجمة، ولا تكاد النفس تجد بينهما رابطا. كما استجادوا كذلك قول ابن المعتز:
كأنا وضوء الصبح يستعجل الدجى ... نطير غرابا ذا قوادم جون
قال صاحب الإيضاح: «شبه ظلام الليل حين يظهر فيه ضوء الصبح بأشخاص الغربان، ثم شرط قوادم ريشها بيضاء؛ لأن تلك الفرق من الظلمة تقع في حواشيها، من حيث يلى معظم الصبح وعموده، لمع نور، يتخيل منها في العين كشكل قوادم بيض». وهكذا لم ير ابن المعتز من الدجى وضوء الصباح سوى لونيها، أما هذا الجلال الذى يشعر به في الدجى، وتلك الحياة التى يوحى بها ضوء الصبح، والتى عبّر القرآن عنها بقوله: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (التكوير 18).- فمما لم يحس به شاعرنا، ولم يقدره نقادنا، وأين من جلال هذا الكون الكبير، ذرة تطير؟!
وقبلوا من التشبيه ما كان فيه المشبه به خياليّا، توجد أجزاؤه في الخارج دون صورته المركبة، ولا أتردد في وضع هذا التشبيه بعيدا عن دائرة الفن؛ لأنه لا يحقق الهدف الفنى للتشبيه، فكيف تلمح النفس صلة بين صورة ترى، وصورة يجمع العقل أجزاءها من هنا وهنا، وكيف يتخذ المتخيل مثالا لمحسوس مرئى، وقبل الأقدمون لذلك قول الشاعر:
وكأن محمرّ الشقيق ... إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد
ألا ترى أن هذه الأعلام من الياقوت المنشورة على رماح الزّبرجد، لم تزدك عمق شعور بمحمر الشقيق، بل لم ترسم لك صورته إذا كنت جاهله، فما قيمة التشبيه إذا وما هدفه؟! وسوف أتحدث عن الآية الكريمة التى فيها هذا اللون من التشبيه لندرك سره وقيمته.
هذا، ولن نقدّر التشبيه بنفاسة عناصره، بل بقدرته على التصوير والتأثير، فليس تشبيه ابن المعتز للهلال حين يقول:
انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وتلمس شبه له بهذا الزّورق الفضى المثقل بحمولة العنبر، مما يرفع من شأنه، أو ينهض بهذا التّشبيه الذى لم يزدنا شعورا بجمال الهلال، ولا أنسا برؤيته، ولم يزد على أن وضع لنا إلى جانب الهلال الجميل صورة شوهاء متخيلة، وأين الزورق الضخم من الهلال النحيل، وإن شئت فوازن بين هذه الصورة التى رسمها ابن المعتز للهلال، وتلك الصورة التى تعبر عن الإحساس البصرى والشعور النفسى معا، حينما تحدّث القرآن عن هذا الهلال، فقال: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39). فهذا العرجون القديم أقدر على تصوير القمر كما تراه العين وكما تحسّ به النفس أكثر من تصوير الزورق الفضى له، كما سنرى.
- 2 - التشبيه لمح صلة بين أمرين من حيث وقعهما النفسى، وبه يوضح الفنان شعوره نحو شىء ما، حتى يصبح واضحا وضوحا وجدانيّا، وحتى يحس السامع بما أحس المتكلم به، فهو ليس دلالة مجردة، ولكنه دلالة فنية، ذلك أنك تقول: ذاك رجل لا ينتفع بعلمه، وليس فيما تقول سوى خبر مجرد عن شعورك نحو قبح هذا الرجل، فإذا قلت إنه كالحمار يحمل أسفارا، فقد وصفت لنا شعورك نحوه، ودللت على احتقارك له وسخريتك منه.
والغرض من التشبيه هو الوضوح والتأثير، ذلك أن المتفنن يدرك ما بين الأشياء من صلات يمكن أن يستعين بها في توضيح شعوره، فهو يلمح وضاءة ونورا في شىء ما، فيضعه بجانب آخر يلقى عليه ضوءا منه، فهو مصباح يوضح هذا الإحساس الوجدانى، ويستطيع أن ينقله إلى السامع.
ليس من أغراض التشبيه إذا ما ذكره الأقدمون من «بيان أن وجود المشبه ممكن وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه» . وقد استشهدوا على هذا الغرض بقول المتنبى:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال
وليس في هذا البيت تشبيه فنّى مقبول، فليس الأثر الذى يحدثه المسك في النفس سوى الارتياح لرائحته الذكية، ولا يمر بالخاطر أنه بعض دم الغزال، بل إن هذا الخاطر إذا مرّ بالنفس قلّل من قيمة المسك ومن التّلذذ به، وهذه الصورة التى جاء بها المتنبى ليوضح إحساسه نحو سموّ فرد على الأنام، ليست قوية مضيئة، تلقى أشعتها على شعوره، فتضيئه لنا، فإن تحول بعض دم الغزال إلى مسك ليس بظاهرة قريبة مألوفة، حتى تقرب إلى النفس ظاهرة تفوق الممدوح على الأنام، كما أن ظاهرة تحول الممدوح غير واضحة، ومن ذلك كله يبدو أن الرابط هنا عقلى لا نفسى وجدانى.
وليس من أغراضه ما ذكره الأقدمون أيضا من الاستطراف، فليس تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب- تشبيها فنيّا على هذا المقياس الذى وضعناه، فإن بحر المسك ذا الموج الذهبى، ليس بهذا المصباح الوهاج الذى ينير الصورة ويهبها نورا ووضوحا.
ولما كان هدف التشبيه الإيضاح والتأثير أرى الأقدمين قد أخطئوا حينما عدّوا البليغ من التشبيه ما كان بعيدا غريبا نادرا، ولذلك عدّوا قوله:
وكأنّ أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق
أفضل من قول ذى الرمة:
كحلاء في برج، صفراء في نعج  ... كأنها فضة قد مسها ذهب
«لأن الأول مما يندر وجوده دون الثانى، فإن الناس أبدا يرون في الصياغات فضة قد موهت بذهب ولا يكاد يتفق أن يوجد درر قد نثرن على بساط أزرق» .
وذلك قلب للأوضاع، وبعد عن مجال التشبيه الفنى الذى توضع فيه صورة قوية تبعث الحياة والقوة في صورة أخرى بجوارها، وبرغم أن التشبيهين السالفين حسّيان أرى التشبيه الثانى أقوى وأرفع، ولست أرمى إلى أن يكون التشبيه مبتذلا، فإن الابتذال لا يثير النفس، فيفقد التشبيه هدفه، ولكن أن يكون في قرب التشبيه ما يجعل الصورة واضحة مؤثرة كما سنرى.
- 3 - ليس الحس وحده هو الذى يجمع بين المشبه والمشبه به في القرآن، ولكنه الحس والنفس معا، بل إن للنفس النصيب الأكبر والحظ الأوفى.
والقرآن حين يشبه محسوسا بمحسوس يرمى أحيانا إلى رسم الصورة كما تحس بها النفس، تجد ذلك في قوله سبحانه يصف سفينة نوح: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). ألا ترى الجبال تصور للعين هذه الأمواج الضخمة، وتصور في الوقت نفسه، ما كان يحس به ركاب هذه السفينة وهم يشاهدون هذه الأمواج، من رهبة وجلال معا، كما يحس بهما من يقف أمام شامخ الجبال. وقوله تعالى يصف الجبال يوم القيامة: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). فالعهن المنفوش يصور أمامك منظر هذه الجبال، وقد صارت هشة لا تتماسك أجزاؤها، ويحمل إلى نفسك معنى خفتها ولينها. وقوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس 39). فهذا القمر بهجة السماء وملك الليل، لا يزال يتنقل في منازله حتى يصبح بعد هذه الاستدارة المبهجة، وهذا الضوء الساطع الغامر، يبدد ظلمة الليل، ويحيل وحشته أنسا- يصبح بعد هذا كله دقيقا نحيلا محدودبا لا تكاد العين تنتبه إليه، وكأنما هو في السماء كوكب تائه، لا أهمية له، ولا عناية بأمره، أو لا ترى في كلمة العرجون ووصفهما بالقديم ما يصور لك هيئة الهلال في آخر الشهر، ويحمل إلى نفسك ضآلة أمره معا. وقوله تعالى يصف نيران يوم القيامة: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33)، فالقصر وهو الشجر الضخم، والجمال الصفر توحى إلى النفس بالضخامة والرهبة معا، وصور لنفسك شررا في مثل هذا الحجم من الضخامة يطير.
ويرمى أحيانا إلى اشتراك الطرفين في صفة محسوسة، ولكن للنفس كذلك نصيبها فى اختيار المشبه به الذى له تلك الصفة، وحسبى أن أورد هنا آيات ثلاث تتبين فيها هذا الذى أشرنا إليه. فالقرآن قد شبه نساء الجنة، فقال: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (الرحمن 56 - 58). وقال: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (الصافات 48). وقال: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (الواقعة 22، 23).
فليس في الياقوت والمرجان واللؤلؤ المكنون لون فحسب، وإنما هو لون صاف حىّ فيه نقاء وهدوء، وهى أحجار كريمة تصان ويحرص عليها، وللنساء نصيبهن من الصيانة والحرص، وهن يتخذن من تلك الحجارة زينتهن، فقربت بذلك الصلة واشتد الارتباط، أما الصلة التى تربطهن بالبيض المكنون، فضلا عن نقاء اللون، فهى هذا الرفق والحذر الذى يجب أن يعامل به كلاهما، أو لا ترى في هذا الكون أيضا صلة تجمع بينهما، وهكذا لا تجد الحس وحده هو الرابط والجامع، ولكن للنفس نصيب أى نصيب.
وحينا يجمع بين الطرفين المحسوسين معنى من المعانى لا يدرك بإحدى الحواس، وقلّ ذلك في القرآن الكريم الذى يعتمد في التأثير أكثر اعتماد على حاسة البصر، ومن القليل قوله سبحانه: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (الأعراف 179).
وصفة ضلال الأنعام من أبرز الصفات وأوضحها لدى النفس. وكثر في القرآن إيضاح الأمور المعنوية بالصور المرئية المحسوسة، تلقى عليها أشعة الضوء تغمرها فتصبح شديدة الأثر، وها هو ذا يمثل وهن ما اعتمد عليه المشركون من عبادتهم غير الله وهنا لن يفيدهم فائدة ما، فهم يعبدون ويبذلون جهدا يظنونه مثمرا وهو لا يجدى، فوجد في العنكبوت ذلك الحيوان الذى يتعب نفسه في البناء، ويبذل جهده في التنظيم، وهو لا يبنى سوى أوهن البيوت وأضعفها، فقرن تلك الصورة المحسوسة إلى الأمر المعنوى، فزادته وضوحا وتأثيرا قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت 41).
وها هو ذا يريد أن يحدثنا عن أعمال الكفرة، وأنها لا غناء فيها، ولا ثمرة ترجى منها، فهى كعدمها فوجد في الرماد الدقيق، لا تبقى عليه الريح العاصفة، صورة تبين ذلك المعنى أتم بيان وأوفاه، فقال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (إبراهيم 18).
وليس في القرآن سوى هذين اللونين من التشبيه: تشبيه المحسوس بالمحسوس، وتشبيه المعقول بالمحسوس، أما قوله سبحانه: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (الصافات 64، 65). فالذى سمح بأن يكون المشبه به خياليّا، هو ما تراكم على الخيال بمرور الزمن من أوهام رسمت في النفس صورة رءوس الشياطين في هيئة بشعة مرعبة، وأخذت هذه الصورة يشتد رسوخها بمرور الزمن، ويقوى فعلها في النفس، حتى كأنها محسوسة ترى بالعين وتلمس باليد، فلما كانت هذه الصورة من القوة إلى هذا الحد ساغ وضعها في موضع التصوير والإيضاح، ولا نستطيع أن ننكر ما لهذه الصورة من تأثير بالغ في النفس، ومما جرى على نسق هذه الآية قوله تعالى: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ (النمل 10). ففي الخيال صورة قوية للجان، تمثله شديد الحركة لا يكاد يهدأ ولا يستقر.
والتشبيه في القرآن تعود فائدته إلى المشبه تصويرا له وتوضيحا، ولهذا كان المشبه به دائما أقوى من المشبه وأشد وضوحا، وهنا نقف عند قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النور 35). فقد يبدو للنظرة العجلى أن المشبه وهو نور الله أقوى من مصباح هذه المشكاة، ولكن نظرة إلى الآية الكريمة ترى أن النور المراد هنا هو النور الذى يغمر القلب، ويشرق على الضمير، فيهدى إلى سواء السبيل، أو لا ترى أن القلب ليس في حاجة إلى أكثر من هذا المصباح، يلقى عليه ضوءه، فيهتدى إلى الحق، وأقوم السبل، ثم ألا ترى في اختيار هذا التشبيه إيحاء بحالة القلب وقد لفه ظلام الشك، فهو متردد قلق خائف، ثم لا يلبث نور اليقين أن يشرق عليه، فيجد الراحة والأمن والاستقرار، فهو كسارى الليل يخبط فى الظلام على غير هدى، حتى إذا أوى إلى بيته فوجد هذا المصباح في المشكاة، وجد الأمن سبيله إلى قلبه، واستقرت الطمأنينة في نفسه، وشعر بالسرور يغمر فؤاده.
وإذا تأملت الآية الكريمة رأيتها قد مضت تصف ضوء هذا المصباح وتتأنق في وصفه، بما يصور لك قوته وصفاءه، فهذا المصباح له زجاجة تكسب ضوءه قوة، تجعله يتلألأ كأنه كوكب له بريق الدر ولمعانه، أما زيت هذا المصباح فمن شجرة مباركة قد أخذت من الشمس بأوفى نصيب، فصفا لذلك زيتها حتى ليكاد يضيء ولو لم تمسسه نار. ألا ترى أن هذا المصباح جدير أن يبدد ظلمة الليل، ومثله جدير أن يبدد ظلام الشك، ويمزق دجى الكفر والنفاق. وقد ظهر بما ذكرناه جمال هذا التشبيه ودقته وبراعته.
- 4 - أول ما يسترعى النظر من خصائص التشبيه في القرآن أنه يستمد عناصره من الطبيعة، وذلك هو سر خلوده، فهو باق ما بقيت هذه الطبيعة، وسر عمومه للناس جميعا، يؤثر فيهم لأنهم يدركون عناصره، ويرونها قريبة منهم، وبين أيديهم، فلا تجد في القرآن تشبيها مصنوعا يدرك جماله فرد دون آخر، ويتأثر به إنسان دون إنسان، فليس فيه هذه التشبيهات المحلية الضيقة مثل تشبيه ابن المعتز:
كأن آذريونها ... والشمس فيه كالية
مداهن من ذهب ... فيها بقايا غالية
مما لا يستطيع أن يفهمه على وجهه، ويعرف سر حسنه، إلا من كان يعيش في مثل حياة ابن المعتز، وله من أدوات الترف مثل أدواته.
تشبيهات القرآن تستمد عناصرها من الطبيعة، انظر إليه يجد في السراب وهو ظاهرة طبيعية يراها الناس جميعا، فيغرهم مرآها، ويمضون إلى السراب يظنونه ماء، فيسعون إليه، يريدون أن يطفئوا حرارة ظمئهم، ولكنهم لا يلبثون أن تملأ الخيبة قلوبهم، حينما يصلون إليه بعد جهد جهيد، فلا يجدون شيئا مما كانوا يؤمّلون، إنه يجد في هذا السراب صورة قوية توضح أعمال الكفرة، تظن مجدية نافعة، وما هى بشيء، فيقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور 39).
ويجد في الحجارة تنبو على الجسو ولا تلين، ويشعر عندها المرء بالنبو والجسوة، يجد فيها المثال الملموس لقسوة القلوب، وبعدها عن أن تلين لجلال الحق، وقوة منطق الصدق، فيقول: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (البقرة 74). أو لا ترى أن القسوة عند ما تخطر بالذهن، يخطر إلى جوارها الحجارة الجاسية القاسية.
ويجد في هذا الذى يعالج سكرات الموت، فتدور عينه حول عواده في نظرات شاردة تائهة، صورة تخطر بالذهن لدى رؤية هؤلاء الخائفين الفزعين من المضى إلى القتال وأخذهم بنصيب من أعباء الجهاد، فيقول: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (الأحزاب 18، 19).
ويجد في الزرع وقد نبت ضئيلا ضعيفا ثمّ لا يلبث ساقه أن يقوى، بما ينبت حوله من البراعم، فيشتد بها ساعده، ويغلظ، حتى يصبح بهجة الزارع وموضع إعجابه، يجد في ذلك صورة شديدة المجاورة لصورة أصحاب محمد، فقد بدءوا قلة ضعافا ثمّ أخذوا في الكثرة والنماء، حتى اشتد ساعدهم، وقوى عضدهم، وصاروا قوة تملأ قلب محمد بهجة، وقلب الكفار حقدا وغيظا فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (الفتح 29).
ويجد في أعجاز النخل المنقعر المقتلع عن مغرسه، وفي الهشيم الضعيف الذاوى صورة قريبة من صورة هؤلاء الصرعى، قد أرسلت عليهم ريح صرصر تنزعهم عن أماكنهم، فألقوا على الأرض مصرّعين هنا وهناك، فيقول: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر 19، 20). ويقول: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (القمر 31).
فأنت في هذا تراه يتخذ الطبيعة ميدانا يقتبس منها صور تشبيهاته، من نباتها وحيوانها وجمادها، فمما اتخذ مشبها به من نبات الأرض العرجون، وأعجاز النخل والعصف المأكول، والشجرة الطيبة، والشجرة الخبيثة، والحبة تنبت سبع سنابل، وهشيم المحتظر، والزرع الذى أخرج شطأه. ومما اتخذ مشبها به من حيوانها الإنسان في أحوال مختلفة والعنكبوت والحمار، والكلب، والفراش، والجراد، والجمال، والأنعام، ومما اتخذ مشبها به من جمادها العهن المنفوش، والصيب، والجبال، والحجارة، والرماد، والياقوت، والمرجان، والخشب، ومن ذلك ترى أن القرآن لا يعنى بنفاسة المشبه به، وإنما يعنى العناية كلها باقتراب الصورتين في النفس، وشدة وضوحها وتأثيرها.
هذا ولا يعكر على ما ذكرناه من استمداد القرآن عناصر التشبيه من الطبيعة، ما جاء فيه من تشبيه نور الله بمصباح وصفه بأنه في زجاجة كأنها كوكب درىّ؛ لأن هذا المصباح قد تغير وتحول، فإن المراد تشبيه نور الله بالمصباح القوى، والمصباح باق ما بقى الإنسان في حاجة إلى نور يبدد به ظلام الليل.
ومن خصائص التشبيه القرآنى، أنه ليس عنصرا إضافيّا في الجملة، ولكنه جزء أساسى لا يتم المعنى بدونه، وإذا سقط من الجملة انهار المعنى من أساسه، فعمله في الجملة أنه يعطى الفكرة في صورة واضحة مؤثرة، فهو لا يمضى إلى التشبيه كأنما هو عمل مقصود لذاته، ولكن التشبيه يأتى ضرورة في الجملة، يتطلبه المعنى ليصبح واضحا قويّا، وتأمل قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (البقرة 18). تجد فكرة عدم سماعهم الحق وأنهم لا ينطقون به، ولا ينظرون إلى الأدلة التى تهدى إليه، إنما نقلها إليك التشبيه في صورة قوية مؤثرة، كما تدرك شدة الفزع والرهبة التى ألمت بهؤلاء الذين دعوا إلى الجهاد، فلم يدفعهم إيمانهم إليه في رضاء وتسليم، بل ملأ الخوف نفوسهم من أن يكون الموت مصيرهم، وتدرك ذلك من قوله سبحانه: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (الأنفال 6). وتفهم اضطراب المرأة وقلقها، وعدم استقرارها على حال، حتى لتصبح حياتها مليئة بالتعب والعناء- من قوله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ (النساء 129).
وتفهم مدى حب المشركين لآلهتهم من قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة 165). وهكذا تجد للتشبيه مكانه في نقل الفكرة وتصويرها، وقل أن يأتى التشبيه في القرآن بعد أن تتضح الفكرة نوع وضوح كما فى قوله تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ (الأعراف 171). وإذا أنت تأملت أسلوب الآية الكريمة وجدت هذا التعبير أقوى من أن يقال: وإذ صار الجبل كأنه ظلة، لما فى كلمة «نتق» من تصوير انتزاع الجبل من الأرض تصويرا يوحى إلى النفس بالرهبة والفزع، ولما في كلمة «فوقهم» من زيادة هذا التصوير المفزع وتأكيده فى النفس، وذلك كله يمهد للتشبيه خير تمهيد، حتى إذا جاء مكن للصورة في النفس، ووطد من أركانها. ومع ذلك ليس التشبيه في الآية عملا إضافيا، بل فيه إتمام المعنى وإكماله، فهو يوحى بالإحاطة بهم، وشمولهم، والقرب منهم قرب الظلة من المستظل بها، وفي ذلك ما يوحى بخوف سقوطه عليهم.
ومن خصائص التشبيه القرآنى دقته، فهو يصف ويقيد حتى تصبح الصورة دقيقة واضحة أخاذة، وخذ مثلا لذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة 5).
فقد يتراءى أنه يكفى في التشبيه أن يقال: مثلهم كمثل الحمار الذى لا يعقل، ولكن الصورة تزداد قوة والتصاقا والتحاما، حين يقرن بين هؤلاء وقد حملوا التوراة، فلم ينتفعوا بما فيها، وبين الحمار يحمل أسفار العلم ولا يدرى مما ضمته شيئا، فتمام الصورتين يأتى من هذا القيد الذى جعل الصلة بينهما قوية وثيقة.
وقوله تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (المدثر 49 - 51). فربما بدا أنه يكفى في تصوير إعراضهم وصفهم بأنهم كالحمير، ولكنه في دقته لا يكتفى بذلك، فهو يريد أن يصور نفرتهم من الدعوة، وإسراعهم في إبعاد أنفسهم عنها، إسراعا يمضون فيه على غير هدى، فوصف الحمر بأنها مستنفرة تحمل نفسها على الهرب، وتحثها عليه، يزيد في هربها وفرارها أسد هصور يجرى خلفها، فهى تتفرق في كل مكان، وتجرى غير مهتدية فى جريها، أو لا ترى في صورة هذه الحمر وهى تجد في هربها لا تلوى على شىء، تبغى الفرار من أسد يجرى وراءها، ما ينقل إليك صورة هؤلاء القوم معرضين عن التذكرة، فارين أمام الدعوة لا يلوون على شىء، سائرين على غير هدى، ثم ألا تبعث فيك هذه الصورة الهزء بهم والسخرية.
ومن ذلك وصفه الخشب بأنها مُسَنَّدَةٌ فى قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُــهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (المنافقون 4). فهى ليست خشبا قائمة في أشجارها لما قد يكون لها من جمال في ذلك الوضع، وليست موضوعة فى جدار؛ لأنها حينئذ تؤدى عملا، وتشعر بمدى فائدتها، وليست متخذا منها أبواب ونوافذ، لما فيها من الحسن والزخرف والجمال، ولكنها خشب مسندة قد خلت من الجمال، وتوحى بالغفلة والاستسلام والبلاهة.
ولم يكتف في تشبيه الجبال يوم القيامة بالعهن، بل وصفها بالمنفوش، إذ قال: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). للدقة في تصوير هشاشة الجبال، كما لم يكتف في تشبيه الناس يخرجون يوم القيامة بأنهم كالجراد بل وصفه بالمنتشر، فقال: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (القمر 7). حتى يكون دقيقا فى تصوير هذه الجموع الحاشدة، خارجة من أجداثها منتشرة في كل مكان تملأ الأفق، ولا يتم هذا التصوير إلا بهذا الوصف الكاشف.
ومن خصائص التشبيه القرآنى المقدرة الفائقة في اختيار ألفاظه الدقيقة المصورة الموحية، تجد ذلك في تشبيه قرآنى، وحسبى أن أشير هنا إلى بعض أمثلة لهذا الاختيار.
نجد القرآن قد شبه بالجبال في موضعين، فقال: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). وقال: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (الشورى 32). ولكنك تراه قد آثر كلمة الجبال عند الموج، لما أنها توحى بالضخامة والجلال معا، أما عند وصف السفن فقد آثر كلمة الأعلام، جمع علم بمعنى جبل، وسر إيثارها هو أن الكلمة المشتركة بين عدة معان تتداعى هذه المعانى عند ذكر هذه الكلمة، ولما كان من معانى العلم الراية التى تستخدم للزينة والتجميل، كان ذكر الأعلام محضرا إلى النفس هذا المعنى، إلى جانب إحضارها صورة الجبال، وكان إثارة هذا الخاطر ملحوظا عند ذكر السفن الجارية فوق البحر، تزين سطحه، فكأنما أريد الإشارة إلى جلالها وجمالها معا، وفي كلمة الأعلام وفاء بتأدية هذا المعنى أدق وفاء.
وشبه القرآن الموج في موضعين، فقال: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ (هود 42). وقال: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (لقمان 32). وسر هذا التنويع أن الهدف في الآية الأولى يرمى إلى تصوير الموج عاليا ضخما، مما تستطيع كلمة الجبال أن توحى به إلى النفس، أما الآية الثانية فتصف قوما يذكرون الله عند الشدة، وينسونه لدى الرخاء، ويصف موقفا من مواقفهم كانوا فيه خائفين مرتاعين، يركبون سفينة تتقاذفها الأمواج، ألا ترى أن الموج يكون أشد إرهابا وأقوى تخويفا إذا هو ارتفع حتى ظلل الرءوس، هنالك يملأ الخوف القلوب، وتذهل الرهبة النفوس، وتبلغ القلوب الحناجر، وفي تلك اللحظة يدعون الله مخلصين له الدين، فلما كان المقام مقام رهبة وخوف، كان وصف الموج بأنه كالظلل أدق في تصوير هذا المقام وأصدق.
وعلى طريقة إيثار كلمة الأعلام على الجبال التى تحدثنا عنها، آثر كلمة القصر على الشجر الضخم؛ لأن الاشتراك في هذه الكلمة بين هذا المعنى، ومعنى البيت الضخم يثير المعنيين في النفس معا فتزيد الفكرة عن ضخامة الشرر رسوخا في النفس.
وآثر القرآن كلمة بُنْيانٌ فى قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف 4). لما تثيره في النفس من معنى الالتحام والاتصال والاجتماع القوى، وغير ذلك من معان ترتبط بما ذكرناه، مما لا يثار فى النفس عند كلمة حائط أو جدار مثلا.
واختار القرآن كلمة «لباس»، فى قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (البقرة 187). لما توحى به تلك الكلمة من شدة الاحتياج، كاحتياج المرء للباس، يكون مصدر راحة، وعنوان زينة معا.
ومن مميزات التشبيه القرآنى أيضا أن المشبه قد يكون واحدا ويشبه بأمرين أو أكثر، لمحا لصلة تربط بين هذا الأمر وما يشبهه، تثبيتا للفكرة في النفس.
أو لمحا لها من عدة زوايا، ومن ذلك مثلا تصوير حيرة المنافقين واضطراب أمرهم، فإن هذه الحيرة يشتد تصورها لدى النفس، إذا هى استحضرت صورة هذا السارى قد أوقد نارا تضيء طريقه، فعرف أين يمشى ثمّ لم يلبث أن ذهب الضوء، وشمل المكان ظلام دامس، لا يدرى السائر فيه أين يضع قدمه، ولا كيف يأخذ سبيله، فهو يتخبط ولا يمشى خطوة حتى يرتد خطوات. أو إذا استحضرت صورة هذا السائر تحت صيّب من المطر قد صحبه ظلمات ورعد وبرق، أما الرعد فمتناه فى الشدة إلى درجة أنه يود اتقاءه بوضع أصابعه إذا استطاع في أذنه، وأما البرق فيكاد يخطف البصر، وأما الظلمات المتراكمة فتحول بين السائر وبين الاهتداء إلى سواء السبيل. وتجد تعدّد هذا التشبيه في قوله سبحانه: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ... أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ .... (البقرة 17 - 19).
ومن النظر إلى الفكرة من عدّة زوايا، أنه حينا ينظر إلى أعمال الكافرين من ناحية أنها لا أثر لها ولا نتيجة، فيرد إلى الذهن حينئذ هذا الرماد الدقيق لا يقوى على البقاء أمام ريح شديدة لا تهدأ حتى تبدأ؛ لأنها في يوم عاصف، ألا ترى هذه الريح كفيلة بتبديد ذرّات هذا الغبار شذر مذر، وأنها لا تبقى عليه ولا تذر، وكذلك أعمال الكافرين، لا تلبث أن تهب عليها ريح الكفر، حتى تبددها ولا تبقى عليها، وللتعبير عن ذلك جاء قوله سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي
يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ
(إبراهيم 18).
وحينا ينظر إليها من ناحية أنها تغر أصحابها فيظنونها نافعة لهم، مجدية عليهم، حتى إذا جاءوا يوم القيامة لم يجدوا شيئا، ألا ترى في السراب هذا الأمل المطمع، ذا النهاية المؤيسة، ولأداء هذا المعنى قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور 39). وحينا ينظر إليها من ناحية ما يلم بصاحبها من اضطراب وفزع، عند ما يجد آماله في أعماله قد انهارت، ألا تظلم الدنيا أمام عينيه ويتزلزل كيانه كهذا الذى اكتنفه الظلام في بحر قد تلاطمت أمواجه، وأطبقت ظلمة السحاب على ظلمة الأمواج، ألا يشعر هذا الرجل بمصيره اليائس، وهلاكه المحتوم، ألا يصور لك ذلك صورة هؤلاء الكفار عند ما يجيئون إلى أعمالهم، فلا يجدون لها ثوابا ولا نفعا، ولتصوير ذلك جاء قوله سبحانه: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (النور 40).
- 5 - ويهدف التشبيه في القرآن إلى ما يهدف إليه كلّ فنّ بلاغىّ فيه، من التأثير في العاطفة، فترغب أو ترهب، ومن أجل هذا كان للمنافقين والكافرين والمشركين نصيب وافر من التشبيه الذى يزيد نفسيتهم وضوحا، ويصور وقع الدعوة على قلوبهم، وما كانوا يقابلون به تلك الدعوة من النفور والإعراض.
يصور لنا حالهم وقد استمعوا إلى دعوة الداعى، فلم تثر فيهم تلك الدعوة رغبة فى التفكير فيها، لمعرفة ما قد تنطوى عليه من صدق، وما قد يكون فيها من صواب، بل يحول بينهم وبين ذلك الكبر والأنفة، وما أشبههم حينئذ بالرجل لم يسمع عن الدعوة شيئا، ولم يطرق أذنه عنها نبأ، بل ما أشبههم بمن في أذنه صمم، فهو لا يسمع شيئا مما يدور حوله، وبمن أصيب بالبكم، فهو لا ينطق بصواب اهتدى إليه، وبمن أصيب بالعمى، فهو لا يرى الحق الواضح، وبذلك شبههم القرآن، فقال: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (الجاثية 7، 8)، وقال: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (البقرة 171).
أما ما يشعرون به عند ما يسمعون دعوة الحق فضيق يملأ صدورهم، ويئودهم حمله، كهذا الضيق الذى يشعر به المصعد في جبل، فهو يجر نفسه ويلهث من التعب والعناء، وهكذا صور الله ضيق صدورهم بقوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (الأنعام 125).
وما دام هؤلاء القوم لا يستخدمون عقولهم فيما خلقت له، ولم تصغ آذانهم إصغاء من يسمع ليتدبر، فقد وجد القرآن في الأنعام شبيها لهم يقرنهم بها، ويعقد بينهم وبينها وثيق الصلات، فقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (الأعراف 179). وأنت ترى في هذا التشبيه كيف مهد له التمهيد الصالح، فجعل لهم قلوبا لا يفقهون بها، وأعينا لا يبصرون بها، وآذانا لا يسمعون بها، ألا ترى نفسك بعدئذ مسوقا إلى إنزالهم منزلة البهائم، فإذا ورد هذا التشبيه عليك، وجد في قلبك مكانا، ولم تجد فيه بعدا ولا غرابة، بل ينزل بهم حينا عن درجة الأنعام، فيراهم خشبا مسندة.
وحينا يريد أن يصورهم، وقد جدوا في الهرب والنفرة من تلك الدعوة الجديدة، فيقول: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (المدثر 49 - 51). وقد تحدثنا عن هذا التشبيه فيما مضى.
أما هذا الذى آمن ثمّ كفر، وانسلخ عن الإيمان واتبع هواه، فقد عاش مثال الذلة والهوان، وقد وجد القرآن في الكلب شبها يبين عن خسته وحقارته، ومما يزيد في الصلة بين الاثنين أن هذا المنسلخ يظل غير مطمئن القلب، مزعزع العقيدة، مضطرب الفؤاد، سواء أدعوته إلى الإيمان، أم أهملت أمره، كالكلب يظل لاهثا، طردته وزجرته، أم تركته وأهملته، قال: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف 175، 176).
ولم ينس القرآن تصوير حيرتهم، واضطراب نفسيتهم، ولمح في اضطرابهم صلة بينهم وبين من استوقد نارا، ثم ذهب الله بنوره وبين السائر تحت صيّب منهمر، فيه ظلمات ورعد وبرق.
وصوّر وهن ما يعتمد عليه من يتخذ من دون الله أولياء بوهن بيت العنكبوت، وحين أراد أن يتحدث عن أن هؤلاء الأولياء لن يستفيد منهم عابدوهم بشيء، رأى في هذا الذى يبسط كفه إلى الماء، يريد وهو على تلك الحال أن ينقل الماء إلى فيه، وما هو ببالغه، شبيها لهم فقال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (الرعد 14).
وتعرض لأعمال الكفرة كما سبق أن ذكرنا، ولصدقاتهم التى كان جديرا بها أن تثمر وتزهر، ويفيدوا منها لولا أن هبت عليها ريح الشرك فأبادتها، كما تهب الريح الشديدة البرد بزرع كان ينتظر إثماره فأهلكته: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (آل عمران 117).
وهناك طائفة من التشبيهات ترتبط بيوم القيامة، لجأ إليها القرآن للتصوير والتأثير معا، فإذا أراد القرآن أن يبين قدرة الله على أن يأتى بذلك اليوم، بأسرع مما يتصور المتصورون لجأ إلى أسرع ما يراه الرائى، فاتخذه مثلا يؤدى إلى الهدف المراد، فيقول: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النحل 77).
ويقرب أمر البعث إلى الأذهان بتوجيه النظر إلى بدء الإنسان، وأن هذا البعث صورة من هذا البدء، فيقول: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (الأعراف 29). وبتوجيه النظر إلى هذا السحاب الثّقال يسوقه الله لبلد ميت، حتى إذا نزل ماؤه دبت الحياة في أوصال الأرض، فخرج الثمر منها يانعا، وهكذا يخلق الله الحياة في الموتى، قال سبحانه:
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأعراف 57).
وإذا جاء يوم القيامة استيقظ الناس لا يشعرون بأنه قد مضى عليهم حين من الدهر طويل منذ فارقوا حياتهم، ويورد القرآن من التشبيه ما يصور هذه الحالة النفسية، فيقول: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (يونس 45). وإذا نظرت إلى قوة التشبيه مقترنة بقوله: يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ أدركت مدى ما يستطيع أن يحدثه في النفس من أثر. وقد كرر هذا المعنى في موضع آخر يريد أن يثبته في النفس ويؤكده فقال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (النازعات 42 - 46).
ها هم أولاء قد بعثوا، خارجين من أجداثهم في كثرة لا تدرك العين مداها، وماذا يستطيع أن يرسم لك تلك الصورة، تدل على الغزارة والحركة والانبعاث، أفضل من هذا التشبيه الذى أورده القرآن حين قال: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (القمر 7، 8).
وحينا يصوّرهم ضعافا يتهافتون مسرعين إلى الداعى كى يحاسبهم، فيجد في الفراش صورتهم، فيقول: الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (القارعة 1 - 4). ولا أخال أحدا لم ير الفراش يسرع إلى الضوء، ويتهافت عليه في ضعف وإلحاف معا، ولقد تناول القرآن إسراعهم مرة أخرى، فشبههم بهؤلاء الذين كانوا يسرعون في خطوهم، ليعبدوا أنصابا مقامة، وتماثيل منحوتة، كانوا متحمسين في عبادتها، يقبلون عليها في رغبة واشتياق، فيقول: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (المعارج 43).
ويتناول المجرمين، فيصوّر ما سوف يجدونه يومئذ من ذلة وخزى، ويرسم وجوههم، وقد علتها الكآبة: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (يونس 27). أما طعامهم فمن شجرة الزقوم، يتناولونها فيحسون بنيران تحرق أمعاءهم فكأنما طعموا نحاسا ذائبا أو زيتا ملتهبا، وإذا ما اشتد بهم الظمأ واستغاثوا قدمت إليهم مياه كهذا النحاس والزيت تشوى وجوههم، قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (الدخان 43 - 46). وقال سبحانه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ (الكهف 29). ألا ترى التشبيه يثير في النفس خوفا وانزعاجا.
ويصور آكل الربا يوم القيامة صورة منفرة منه، مزرية به، فهل رأيت ذلك الذى أصابه مس من الشيطان، فهو لا ينهض واقفا حتى يسقط، ولا يقوم إلّا ليقع، ذلك مثل آكل الربا: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا (البقرة 275).
ولعب التشبيه دورا في تصوير يوم القيامة، وما فيه من الجنة والنار، ففي ذلك الحين، تفقد الجبال تماسكها، وتكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (القارعة 5). وتفقد السماء نظام جاذبيتها، فتنشق، ويصبح الجوّ ذا لون أحمر كالورد: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (الرحمن 37). وأما جهنم فضخامتها وقوة لهبها مما لا يستطيع العقل تصوره، ومما لا يمكن أن تقاس إليها تلك النيران التى نشاهدها في حياتنا، وحسبك أن تعلم أن شررها ليس كهذا الشرر الذى يشبه الهباءة اليسيرة، وإنما هو شرر ضخم ضخامة غير معهودة، وهنا يسعف التشبيه، فيمد الخيال بالصورة، حين يجعل لك هذا الشرر كأنه أشجار ضخمة تتهاوى، أو جمال صفر تتساقط: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (المرسلات 32، 33). وأما الجنة ففي سعة لا يدرك العقل مداها، ولا يستطيع التعبير أن يحدها، أو يعرف منتهاها، ويأتى التشبيه ممدا في الخيال، كى يسبح ما يشاء أن يسبح، فيقول: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (الحديد 21).
وهكذا ترى التشبيه يعمل على تمثيل الغائب حتى يصبح حاضرا، وتقريب البعيد النائى حتى يصير قريبا دانيا. ولجأ القرآن إلى التشبيه يصور به فناء هذا العالم الذى نراه مزدهرا أمامنا، عامرا بألوان الجمال، فيخيل إلينا استمراره وخلوده، فيجد القرآن في الزرع يرتوى من الماء فيصبح بهيجا نضرا، يعجب رائيه، ولكنه لا يلبث أن يذبل ويصفر، ويصبح هشيما تذروه الرياح- يجد القرآن في ذلك شبها لهذه الحياة الدنيا، ولقد أوجز القرآن مرة في هذا التشبيه وأطنب، ليستقر معناه في النفس، ويحدث أثره في القلب، فقال مرة: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (الكهف 45). وقال مرة أخرى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً
(الحديد 20). وقال مرة ثالثة: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس 24).
ولما كان للمال أثره في الحياة الاجتماعية، لعب التشبيه دوره في التأثير في النفس، كى تسمح ببذله في سبيل تخفيف أعباء المجتمع، فقرر مضاعفة الثواب على ما يبذل في هذه الناحية، فقال في موضع: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة 265). فلهذا التشبيه أثره في دفع النفس إلى بذل المال راضية مغتبطة، كما يغتبط من له جنة قد استقرت على مرتفع من الأرض، ترتوى بما هى فى حاجة إليه من ماء المطر، وتترك ما زاد عن حاجتها، فلا يظل بها حتى يتلفها، كما يستقر في المنخفضات، فجاءت الجنة بثمرها مضاعفا، وفي مرة أخرى رأى مضاعفة جزاء الحسنة كمضاعفة الثمرة، لهذا الذى يبذر حبة قمح، فتخرج عودا يحمل سبع سنابل، فى كل سنبلة مائة حبة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة 261).
وحاط القرآن هذه المضاعفة بشرط ألا يكون الإنفاق عن رياء، وهنا نقف أمام هذا التشبيه القرآنى الذى سيق تصويرا لمن يتصدق لا عن باعث نفسى، نتبين إيحاءاته، ونتلمس وجه اختياره، إذ يقول سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (البقرة 264). أرأيت هذا الحجر الصلد قد غطته قشرة رقيقة من التراب فخاله الرائى صالحا للزرع والإنبات، ولكن وابل المطر لم يلبث أن أزال هذه القشرة فبدا الحجر على حقيقته، صلدا لا يستطيع أحد أن يجد فيه موضع خصب، ولا تربة صالحة للزراعة، ألا ترى في اختيار كلمة الصفوان هنا ما يمثل لك هذا القلب الخالى من الشعور الإنسانى النبيل، والعطف على أبناء جنسه عطفا ينبع من شعور حى صادق، ولكن الصدقة تغطيه بثوب رقيق حتى يخاله الرائى، قلبا ينبض بحب الإنسانية، ويبنى عليه كبار الآمال فيما سوف يقدمه للمجتمع من خير، ولكن الرياء والمن والأذى لا تلبث أن تزيل هذا الغشاء الرقيق، فيظهر القلب على حقيقته قاسيا صلبا لا يلين.
- 6 - وتأتى الكاف في القرآن أحيانا لا لهذا التشبيه الفنى الخالص، بل لإيقاع التساوى بين أمرين، ومن أمثلة هذا الباب قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (التوبة 68، 69). وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا (المزمل 15، 16). فهو يعقد موازنة بينهم وبين من سبقهم، ويبين لهم الوجوه التى يتفقون فيها معهم، ولا ينسى أن يذكر ما أصاب سابقيهم، وإلى هنا يقف، تاركا لهم أن يصلوا بأنفسهم إلى ما ينتظرهم من العواقب، وإنها لطريقة مؤثرة في النفس حقّا، أن تضع لها شبيها، وتتركها تصل بنفسها إلى النتيجة في سكينة وهدوء، لا أن تقذف بها في وجهها، فربما تتمرد وتثور.
ومن كاف التساوى أيضا قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (النساء 163). وقد يلمح في ذلك الرغبة في إزالة الغرابة عن نفوس السامعين، واستبعادهم نزول الوحى على الرسول، فالقرآن يقرنه بمن لا يشكّون فى رسالته، ليأنسوا بدعوة النبى، وقد يكون في هذا التساوى مثار للتهكم، كما فى قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ (الأنعام 94). أو مثار للاستنكار، كما في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ (العنكبوت 10). فسر الاستنكار كما ترى هو تسوية عذاب الناس بعذاب الله. وقد تأتى الكاف وسيلة للإيضاح، وتقوم هى وما بعدها مقام المثال للقاعدة، وغير خاف ما للمثل يضرب من التأثير والإقناع، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (آل عمران 10، 11)، فجاء بآل فرعون مثالا لأولئك الذين لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، ومن كاف الإيضاح قوله سبحانه: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ، وقوله: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي.

الرفع

الرفع: يقال تارة في الــأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها، وتارة في البناء إذا طولته، وتارة في الذكر إذا نوهته، وتارة في المنزلة إذا شرفتها، وأمثلة الكل في القرآن.
الرفع:
* حركة الضم.
* صلة ميم الجمع بواو لفظية.

المركَّبُ

المركَّبُ: يُقَابله.
المركَّبُ: مَا قصد بِجُزْء لَفظه الدّلَالَة على جُزْء مَعْنَاهُ.
المركَّبُ: جسم تألف من أجسام مُخْتَلفَة الطبائع.

البَسِيطُ الفَلَك: بِخِلَافِهِ.

المتَّصلُ

المتَّصلُ: مَا لم يسْتَقلّ بِنَفسِهِ.
المتَّصلُ: مَا من شَأْنه أَن يُوجد بَين أَجْزَائِهِ حد مُشْتَرك، وَقيل: الْقَابِل للانقسام بِغَيْر نِهَايَة.الاتحادُ: اشْتِرَاك أَشْيَاء فِي مَحْمُول وَاحِد ذاتي أَو عرضي، وَقيل: حُصُول جسم وَاحِد بِالْعدَدِ من اجْتِمَاع أجسام كَثِيرَة لبُطْلَان خاصيتها لارْتِفَاع حُدُودهَا الْمُشْتَركَة، وَبطلَان نهايتها بالاتصال.

الجِسْمُ

الجِسْمُ: متحيز قَابل للْقِسْمَة.
الجِسْمُ، (بالكسر) جماعةُ ط البَدَنِ، أو الأعْضاءُ، ومن الناسِ وسائِر الأنْواع العظيمةُ الخَلْقِ ط،
كالجُسْمانِ، بالضم
ج: أجْسامٌ وجُسومٌ. وككَرُمَ: عَظُمَ،
فهو جَسِيمٌ وجُسامٌ، كغُرابٍ، وهي: بهاءٍ.
والجَسيمُ: البَدينُ، وما ارْتَفَعَ من الأرضِ وعَلاهُ الماءُ
ج: جِسامٌ، ككِتابٍ.
وبنو جَوْسَم: حَيٌّ دَرَجوا.
وبنو جاسِمٍ: حَيٌّ قَديمٌ.
وتَجَسَّمَ الأَمْرَ والرَّمْلَ: رَكِبَ مُعْظَمَهُما،
وـ الأرضَ: أخَذَ نحوَها،
وـ فلاناً: اختارَهُ.
والأَجْسَمُ: الأَضْخَمُ.
وكصاحِبٍ: ة بالشامِ.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.