Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: أجسام

الحقيقة

الحقيقة:
[في الانكليزية] Truth ،true meaning
[ في الفرنسية] Verite ،sens propre
بالفتح تطلق بالاشتراك في عرف العلماء على معان. منها قسم من الاستعارة ويقابلها المجاز وهذا اصطلاح أهل الفرس. ومنها ما هو مصطلح أهل الشرع والبيانيين من أهل العرب، قالوا كلّ من الحقيقة والمجاز تطلق بالاشتراك على نوعين لأنّ كلّا منهما إمّا في المفرد ويسمّيان بالحقيقة والمجاز اللغويين، وإمّا في الجملة ويسمّيان بالحقيقة والمجاز العقليين، وسيأتي في لفظ المجاز.
قال الأصوليون الحقيقة الشرعية واقعة خلافا للقاضي أبي بكر وهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في عرف الشرع أي وضعه الشارع لمعنى بحيث يدلّ عليه بلا قرينة، سواء كان ذلك لمناسبة بينه وبين المعنى اللغوي فيكون منقولا أو لا فيكون موضوعا مبتدأ. وأثبت المعتزلة الحقيقة الدينيّة أيضا وقالوا بوقوعها، وهي اسم لنوع خاص من الحقيقة الشرعية، وهو ما وضعه الشارع لمعناه ابتداء بأن لا يعرف أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما، وزعموا أنّ أسماء الذوات أي ما هي من أصول الدين أو ما يتعلّق بالقلب كالمؤمن والكافر والإيمان والكفر من قبيل الدينيّة دون أسماء الأفعال أي ما هي من فروع الدين، أو ما يتعلّق بالجوارح كالمصلّي والمزكّي والصلاة والزكاة. والظاهر أنّ الواقع هو القسم الثاني من الحقيقة الدينيّة فقط أعني ما لم يعرف أهل اللغة معناه.
ولا نزاع في أنّ الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة في غير معانيها اللغوية قد صارت حقائق فيها، بل النزاع في أنّ ذلك بوضع الشارع وتعيينه إياها بحيث تدلّ على تلك المعاني بلا قرينة لتكون حقائق شرعية كما هو مذهبنا، أو بغلبتها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع. والشارع إنّما استعملها فيها مجازا بمعونة القرائن فتكون حقائق عرفية خاصّة لا شرعية كما هو مذهب القاضي. فإذا وقعت مجرّدة عن القرائن في كلام أهل الكلام والفقه والأصول ومن يخاطب باصطلاحهم تحمل على المعاني الشرعية وفاقا.
وأمّا في كلام الشارع فعندنا تحمل عليها إذ الظاهر أن يتكلّم باصطلاحه، وهذه المعاني هي الحقائق بالقياس إليه. وعند القاضي تحمل على معانيها اللغوية لأنّها غير موضوعة من جهة الشارع، فهو يتكلّم على قانون اللغة، فإنّ القاضي ينفي كونها حقائق شرعية زاعما أنّها مجازات لغوية. والحق أنّه لا ثالث لهما فإنّه ليس النزاع في أنّها هل هي بوضع من الشارع على أحد الوجهين وهو مذهب المعتزلة والفقهاء أو لا فيكون مجازات لغوية، وهو مذهب القاضي فلا ثالث لها حينئذ. ومنهم من زعم أنّ مذهب القاضي أنّها مبقاة على حقائقها اللغوية فتصير المذاهب ثلاثة، كونها حقائق لغوية وكونها مجازات لغوية وكونها حقائق شرعية. وإن شئت الزيادة على هذا القدر فارجع إلى العضدي وحواشيه.
ومنها المفهوم المستقل الملحوظ بالذات كمفهوم الاسم وهذا المعنى من اصطلاحات أهل العربية أيضا. قال السيّد السّند قد تستعمل الحقيقة بهذا المعنى في بعض استعمالاتهم كذا في الأطول في بحث الاستعارة التبعية.
ومنها الماهية بمعنى ما به الشيء هو هو وتسمّى بالذات أيضا. والحقيقة بهذا المعنى أعمّ من الكلية والجزئية والموجودة والمعدومة.
وأيضا إنّ الباء في به للسببية والضميران للشيء، فالمعنى الأمر الذي بسببه الشيء ذلك الشيء، ولو قيل ما به الشيء هو لكان أخصر. إن قلت هذا صادق على العلّة الفاعلية فإنّ الإنسان مثلا إنّما يصير إنسانا متمايزا عمّا عداه بسبب الفاعل وإيجاده ضرورة أنّ المعدوم لا يكون إنسانا بل لا يكون ممتازا عن غيره. قلت الفاعل ما بسببه الشيء موجود في الخارج لا ما به الشيء ذلك الشيء، فإنّ أثر الفاعل إمّا نفس ماهية ذلك الشيء مستتبعا له استتباع الضوء للشمس، والعقل ينتزع عنها الوجود ويصفها به على ما قال الإشراقيون وغيرهم القائلون بأنّ الماهية مجعولة، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الماهية هي الأثر المترتّب على تأثير الفاعل. ومعنى التأثير الاستتباع ثم العقل ينتزع منها الوجود ويصفها به. مثلا ماهية زيد يستتبعها الفاعل في الخارج ثم يصفها العقل بالوجود والوجود ليس إلّا اعتباريا عقليّا انتزاعيّا، كما أنّه يحصل من الشمس أثر في مقابلتها من الضوء المخصوص، وليس هاهنا ضوء منفرد في نفسه يجعل متصفا بالوجود، لكن العقل يعتبر الوجود ويصفه به فيقال وجد الضوء بسبب الشمس. وأمّا الماهية باعتبار الوجود لا من حيث نفسها ولا من حيث كونها تلك الماهية على ما ذهب إليه المشّائيون وغيرهم القائلون بأنّ الماهية ليست مجعولة، فإنّهم قالوا أثر الفاعل ثبوت الماهية في الخارج ووجودها فيه بمعنى أنّه يجعل الماهية متصفة به في الخارج، وأمّا الماهية فهي أثر له باعتبار الوجود لا من حيث هي، بأن يكون نفس الماهية صادرة عنه، ولا من حيث كونها تلك الماهية ماهية. فعلى كلا التقديرين أثر الفاعل الشيء الموجود في الخارج إمّا بنفسه وإمّا باعتبار الوجود لا كون الشيء ذلك الشيء ضرورة أنّه لا مغايرة بين الشيء ونفسه. فإن قلت الشيء بمعنى الموجود فيرد الإشكال المذكور. قلت لا نسلم ذلك بل هو بالمعنى اللغوي، أعني ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه ولو مجازا. وإن سلّمنا بناء على أنّ الأصل في التعريفات الحقيقة والاحتراز عن المجاز وإن كان مشهورا ففرق بين ما به الموجود موجود فإنّه فاعل وبين ما به الموجود ذلك الموجود فإنه الماهية، إذ لا مدخل للفاعل في كون هذا الموجود الممتاز بهذا الموجود الممتاز، بل تأثيره إمّا في نفسه أو في اتصافه بالوجود على ما عرفت. فإن قلت لا مغايرة بين الشيء وماهيته حتى يتصوّر بينهما سببية. قلت هذا من ضيق العبارة والمقصود أنه لا يحتاج الشيء في كونه ذلك الشيء إلى غيرها. وهذا كما قالوا الجوهر ما يقوم بنفسه إذ لا مغايرة بين الشيء ونفسه حتى يتصوّر القيام بينهما. وقد يجعل الضمير الثاني للموصول فالمعنى الأمر الذي بسببه الشيء هو ذلك الأمر بمعنى أنّه لا يحتاج في ثبوت ذلك الأمر له إلى غير ذلك الأمر، فلا يرد الإشكال بالفاعل، لكن ينتقض ظاهر التعريف بالعرضي، إذ الضاحك ما به الإنسان ضاحك. لكن لما كان مآل التعريف على ما قلنا هو أن لا يحتاج في كونه ذلك الأمر إلى غير ذلك الأمر فلا نقض بالحقيقة، لكن بقي الانتقاض بالذاتي بمعنى الجزء ظاهرا وباطنا لأنّ الإنسان في كونه ناطقا لا يحتاج إلى أمر غير الناطق، لأنّ ثبوته له غير معلّل بشيء.
ويمكن أن يقال المقصود تعريف الماهية بحيث يمتاز عن العرضي. ولذا ذكر بعض الفضلاء من أنه جرت عادة القوم في ابتداء مبحث الأمور العامّة ببيان الفرق بين الماهية وعوارضها دون ذاتياتها، لأنه قد تشتبه الماهية بالعوارض فيما إذا عرض الشيء لنفسه كالكلّي للكلّي، بخلاف الذاتيات فإنه لا اشتباه بين الكلّ والجزء فتدبر. هذا كله خلاصة ما حققه المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي.
وقال المولوي عصام الدين في حاشية شرح العقائد إنّ الضمير الأول ضمير فصل لإفادة أنّ ما به الشيء ليس إلّا الشيء وليس راجعا إلى الشيء. فالمعنى ما به الشيء هو الشيء أعني أمر باعتباره مع الشيء يكون الشيء هو الشيء ولا يثبت بإثباته للشيء إلّا نفسه بخلاف الجزء والعارض، فإنّه باعتباره مع الشيء وإثباته للشيء يكون الشيء غيره، فإنّك إذا اعتبرت مع الإنسان الإنسان لا يكون الإنسان إلّا إنسانا، ولو اعتبرت معه الناطق يكون الإنسان الناطق، ولو اعتبرت معه الضاحك يكون الإنسان الضاحك. وبهذا التحقيق سهل عليك ما صعب على كل ناظر فيه من التمييز بين ماهية الشيء وعلّته بهذا التعريف ونجوت عن تكلفات. واندفع أيضا أنّ أحد الضميرين زائد، ويكفي ما به الشيء هو، وأنه يرد بالذاتي، وأنّ كلمة الباء الدالة على السببية تقتضي الاثنينية، انتهى وهذا حسن جدّا.
اعلم أنّ الحقيقة بهذا المعنى يستعملها الحكماء والمتكلمون والصوفية.
التقسيم
قال المولوي عبد الرحمن الجامي في شرح الفصوص في الفص الأول: إنّ الحقائق عند الصوفية ثلاث. الأولى حقيقة مطلقة فعّالة واحدة عالية واجبة وجودها بذاتها وهي حقيقة الله سبحانه. والثانية حقيقة مقيّدة منفعلة سافلة قابلة للوجود من الحقيقة الواجبة بالفيض والتجلّي وهي حقيقة العالم. والثالثة حقيقة أحدية جامعة بين الإطلاق والتقييد والفعل والانفعال والتأثير والتأثر فهي مطلقة من وجه مقيدة من آخر، فعّالة من جهة منفعلة من أخرى. وهذه الحقيقة أحدية جمع الحقيقتين، ولها مرتبة الأولية والآخرية، وذلك لأنّ الحقيقة الفعّالة المطلقة في مقابلة الحقيقة المنفعلة المقيّدة، وكل متفرقتين فلا بد لهما من أصل هما فيه واحد وهو فيهما متعدد مفصل.
وظاهرية هذه الحقيقة هي المسماة بالطبيعة الكلية الفعّالة من وجه والمنفعلة من آخر، فإنّها تتأثّر من الأسماء الإلهية وتؤثّر في موادها. وكلّ واحد من هذه الحقائق الثلاث حقيقة الحقائق التي تحتها انتهى. وللحقيقة بهذا المعنى تقسيمات أخر تجيء في لفظ الماهية. وبعض ما يتعلّق بهذا المقام يجيء في لفظ الذات أيضا.
ومنها الماهية باعتبار الوجود فعلى هذا لا تتناول المعدوم، وإطلاق الحقيقة بهذا المعنى أكثر من إطلاقها بمعنى الماهية مطلقا. قال شارح الطوالع وشارح التجريد إنّ الحقيقة والذات تطلقان غالبا على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي كلية كانت أو جزئية انتهى. فعلى هذا لا يقال ذات العنقاء وحقيقتها كذا بل ماهيتها كذا. ومنها ما هو مصطلح الصوفية في كشف اللغات الحقيقة: عند الصوفية ظهور ذات الحقّ بدون حجاب التعيّنات ومحو الكثرة الموهومة في نور الذات. انتهى كلامه. وفي مجمع السلوك أمّا الحق والحقيقة في اصطلاح مشايخ الصوفية فالحق هو الذات والحقيقة هي الصفات. فالحق اسم الذات والحقيقة اسم الصفات. ثم إنّهم إذا أطلقوا ذلك أرادوا به ذات الله تعالى وصفاته خاصة، وذلك لأنّ المريد إذا ترك الدنيا وتجاوز عن حدود النفس والهوى ودخل في عالم الإحسان يقولون دخل في عالم الحقيقة ووصل إلى مقام الحقائق، وإن كان بعد عن عالم الصفات والأسماء، فإذا وصل إلى نور الذات يقولون وصل إلى الحق وصار شيخا لائقا للاقتداء به، وقلّما يستعملون ذلك في ذوات أخر وفي صفاتهم لأن مقصودهم الكلّي هو التوحيد. وقال الديلمي الحقيقة عند مشايخ الصوفية عبارة عن صفات الله تعالى والحق ذات الله تعالى. وقد يريدون بالحقيقة كل ما عدا عالم الملكوت وهو عالم الجبروت. والملكوت عندهم عبارة من فوق العرش إلى تحت الثرى وما بين ذلك من الــأجسام والمعاني والأعراض.
والجبروت ما عدا الملكوت. وقال بعضهم الكبار وأما عالم الملكوت فالعبد له اختيار فيه ما دام في هذا العالم، فإذا دخل في عالم الجبروت صار مجبورا على أن يختار ما يختار الحق وأن يريد ما يريده، لا يمكنه مخالفته أصلا انتهى. وقيل الحقيقة هي التوحيد وقيل هي مشاهدة الربوبية ويجيء في لفظ الطريقة ما يزيد على هذا.
الحقيقة: اسم لما أريد به ما وضع له فعيلة في حق الشيء إذا ثبت، بمعنى فاعلة أي حقيق والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في العلامة لا للتأنيث. واصطلاحا: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له. حقيقة الشيء ما به الشيء هو هو كالحيوان الناطق للإنسان بخلاف نحو الضاحك والكاتب بما يتصور الإنسان بدونه. وقد يقال إن ما به الشيء هو هو باعتبار تحققه حقيقة، وباعتبار تشخصه هوية، ومع قطع النظر عن ذلك. ماهية الحقيقة العقلية جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو فاعل عند المتكلم كقول المؤمن: أنبت الله البقل، بخلاف نهاره صائم، فإن الصائم ليس النهار. الحقيقة الشرعية ما لم يستفد اسمه إلا من الشرع.

الحقيقة عند أهل الحق: سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه.

الظلمة

الظلمة: ما يطمس الباديات حسا أو معنى، والنور ما يظهرها كذلك ذكره الحرالي. وقال غيره: الظلمة عدم النور عما من شأنه أن يستنير. والظلمة: الظل المنشأ من الــأجسام الكثيفة، وقد يطلق على العلم بالذات الإلهية، فإن العلم لا يكشف معها غيرها إذ العلم بها يعطي ظلمة لا يدرك بها شيء كالبصر حين يغشاه بصره نور الشمس عند تعلقه بواسطة قرصها الذي ينبوعه، ذكره ابن الكمال. وقال الراغب: الظلمة عدم النور. ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق، كما يعبر بالنور عن ضد ذلك.

الطبيعة

(الطبيعة) السجية ومزاج الْإِنْسَان الْمركب من الأخلاط وَالْقُوَّة السارية فِي الْــأَجْسَام الَّتِي بهَا يصل الْجِسْم إِلَى كَمَاله الطبيعي وطبيعة النَّار أَو الدَّوَاء أَو نَحوه مَا سخر الله تَعَالَى من مزاجه (ج) طبائع
و (علم الطبيعة) علم يبْحَث عَن طبائع الْأَشْيَاء وَمَا اخْتصّت بِهِ من الْقُوَّة والطبائع الْأَرْبَع عِنْد الأقدمين الْحَرَارَة والبرودة والرطوبة واليبوسة
الطبيعة: القوة السارية في الــأجسام التي بها يصل الجسم إلى كماله الطبيعي، كذا قرره ابن الكمال. وفي المصباح: الطبع الجبلة التي خلق عليها الإنسان، والطبيعة مزاج الإنسان المركب من الأخلاط. وقال الراغب. الطبع تصور الشيء بصورة ما كطبع السكة الدرهم، وهو أعم من الختم وأخص من النقش، والطابع والخاتم: ما يطبع به ويختم، وبه اعتبر الطبع والطبيعة التي هي السجية، فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما من حيث الخلقة أو العادة، وهو فيما ينقش به من جهة الخلقة أغلب، ولذلك قيل: "وتأبى الطباع على الناقل". وطبيعة الدواء ما سخره الله له من مزاجه.

الاستعارة

الاستعارة: ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين، نحو لقيت أسدا يعني رجلا شجاعا، ثم إن ذكر المشبه به مع قرينه سمي استعارة تصريحية وتحقيقية كلقيت أسدا في الحمام.
الاستعارة:
[في الانكليزية] Metaphor
[ في الفرنسية] Metaphore

في اللغة: هو أخذ الشيء بالعارية أو عند الفرس: هو إضافة المشبّه به إلى المشبّه، وهذا خلاف اصطلاح أهل العربية. وهو على نوعين:

أحدها: استعارة حقيقية، والثاني: مجازية.
فالاستعارة الحقيقية هي أن يكون المستعار والمستعار منه ثابتين ومعلومين، وهما نوعان:
ترشيح وتجريد. فالترشيح هو أن يكون المستعار والمستعار منه ثابتين ومعلومين، وأن تراعى فيها لوازم الجانبين. ومثاله:
يا ملك البلغاء إن تجرّد سيف لسانك نلت وطرك وفتحت العالم فالسيف مستعار واللسان مستعار منه، وقد راعى اللوازم للسيف واللسان. وأمّا التجريد فهو أن يراعي جانبا واحدا من اللوازم وأن يكون أحد الموجودات من الأعيان والثاني من الأعراض. ومثاله: من ذلك السكّر الشفهي الذي هو غير مأكول، نأكل في كل لحظة سمّ الغصة.
فالسكر مستعار والشفه مستعار منه. فهنا راعى جانب السكر، والغصة ليست من الأعيان فتؤكل ولم يراع الغصة.
وأمّا المجاز فهو أن يكون كلّ من المشبّه والمشبّه به من الأعراض، يعني أن يكون محسوسا بأحد الحواسّ الظاهرة أو من المتصوّرة أي محسوسا بالحواس الباطنة. أو يكون أحدها عرضا والثاني متصوّرا. ومثاله: حيثما يوجد أحد في الدنيا سأقتله كي لا يرد كلام العشق على لسان أحد. فالكلام عرض والعشق هو من الأشياء التي تصوّر في الذهن. وكلاهما أي الكلام والعشق من المتصوّرات التي لا وجود مادي لها في الخارج.
واعلم أنّ كلّ ما ذكرناه هاهنا عن الحقيقة والمجاز هو على اصطلاح الفرس، وقد أورده مولانا فخر الدين قواس في كتابه. وهذا أيضا مخالف لأهل العربية. كذا في جامع الصنائع. والاستعارة عند الفقهاء والأصوليين عبارة عن مطلق المجاز بمعنى المرادف له. وفي اصطلاح علماء البيان عبارة عن نوع من المجاز، كذا في كشف البزدوي وچلپي المطول. وذكر الخفاجي في حاشية البيضاوي في تفسير قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ الآية الاستعارة تستعمل بمعنى المجاز مطلقا، وبمعنى مجاز علاقته المشابهة، مفردا كان أو مركّبا، وقد تخصّ بالمفرد منه وتقابل بالتمثيل حينئذ كما في مواضع كثيرة من الكشاف. والتمثيل وإن كان مطلق التشبيه غلب على الاستعارة المركّبة، ولا مشاحّة في الاصطلاح انتهى كلامه. والقول بتخصّص الاستعارة بالمفرد قول الشيخ عبد القاهر وجار الله. وأمّا على مذهب السكّاكي فالاستعارة تشتمل التمثيل ويقال للتمثيل استعارة تمثيلية، كذا ذكر مولانا عصام الدين في حاشية البيضاوي. وسيأتي في لفظ المجاز ما يتعلّق بذلك.

قال أهل البيان: المجاز إن كانت العلاقة فيه غير المشابهة فمجاز مرسل وإلّا فاستعارة.
فالاستعارة على هذا هو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي أي الحقيقي، ولما سبق في تعريف الحقيقة اللغوية أن استعمال اللفظ لا يكون إلّا بإرادة المعنى منه، فإذا أطلق نحو المشفر على شفة الإنسان وأريد تشبيهها بمشفر الإبل في الغلظ فهو استعارة، وإن أريد أنّه إطلاق المقيّد على المطلق كإطلاق المرسن على الأنف من غير قصد إلى التشبيه فمجاز مرسل، فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد يجوز أن يكون استعارة وأن يكون مجازا مرسلا باعتبارين، ولا يخفى أنك إذا قلت: رأيت مشفر زيد، وقصدت الاستعارة، وليس مشفره غليظا، فهو حكم كاذب، بخلاف ما إذا كان مجازا مرسلا. وكثيرا ما يطلق الاستعارة على فعل المتكلّم أعني استعمال اسم المشبّه به في المشبّه. والمراد بالاسم ما يقابل المسمّى أعني اللفظ لا ما يقابل الفعل والحرف. فالاستعارة تكون بمعنى المصدر فيصحّ منه الاشتقاق، فالمتكلّم مستعير واللفظ المشبّه به مستعار، والمعنى المشبّه به مستعار منه، والمعنى المشبّه مستعار له، هكذا في الأطول وأكثر كتب هذا الفن.
وزاد صاحب كشف البزدوي ما يقع به الاستعارة وهو الاتصال بين المحلّين لكن في الاتقان أركان الاستعارة ثلاثة: مستعار وهو اللفظ المشبّه به، ومستعار منه وهو اللفظ المشبّه، ومستعار له وهو المعنى الجامع. وفي بعض الرسائل المستعار منه في الاستعارة بالكناية هو المشبّه على مذهب السكاكي انتهى.
ثم قال صاحب الاتقان بعد تعريف الاستعارة بما سبق، قال بعضهم: حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها، وحكمة ذلك إظهار الخفي وإيضاح الظاهر الذي ليس بجليّ، أو حصول المبالغة أو المجموع. مثال إظهار الخفي: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ فإنّ حقيقته وإنّه في أصل الكتاب فاستعير لفظ الأم للأصل لأن الأولاد تنشأ من الأم كما تنشأ الفروع من الأصول، وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيا فينتقل السامع من حدّ السّماع إلى حدّ العيان، وذلك أبلغ في البيان. ومثال إيضاح ما ليس بجليّ ليصير جليّا: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ فإن المراد منه أمر الولد بالذلّ لوالديه رحمة فاستعير للذّلّ أولا جانب ثم للجانب جناح، أي اخفض جانب الذلّ أي اخفض جانبك ذلّا؛ وحكمة الاستعارة في هذا جعل ما ليس بمرئي مرئيا لأجل حسن البيان.
ولمّا كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقى الولد من الذلّ لهما والاستكانة متمكنا، احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب، لأن من يميل جانبه إلى جهة السّفل أدنى ميل صدق عليه أنّه خفض جانبه، والمراد خفض يلصق الجنب بالأرض ولا يحصل ذلك إلّا بذكر الجناح كالطائر. ومثال المبالغة: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً أي فجّرنا عيون الأرض، ولو عبّر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونا. انتهى.

فائدة:
اختلفوا في الاستعارة أهي مجاز لغوي أو عقلي، فالجمهور على أنها مجاز لغوي لكونها موضوعة للمشبّه به لا للمشبّه ولا لأعمّ منهما.
وقيل إنها مجاز عقلي لا بمعنى إسناد الفعل أو معناه إلى ما هو له بتأوّل، بل بمعنى أنّ التصرّف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لم تطلق على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به فكان استعمالها فيما وضعت له، لأن مجرد نقل الاسم لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر استعارة، وردّ بأن الادعاء لا يقتضي أن تكون مستعملة فيما وضعت له للعلم الضروري بأن الأسد مثلا موضوع للسبع المخصوص، وفي صورة الاستعارة مستعمل في الرجل الشجاع، وتحقيق ذلك أنّ ادعاء دخوله في جنس المشبّه به مبني على أنه جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسمين: أحدهما المتعارف وهو الذي له غاية الجرأة ونهاية القوّة في مثل تلك الجثة وتلك الأنياب والمخالب إلى غير ذلك. والثاني غير المتعارف وهو الذي له تلك الجرأة وتلك القوة، لكن لا في تلك الجثة والهيكل المخصوص، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وضع له، كذا في المطول.

وقال صاحب الأطول: ويمكن أن يقال: إذا قلت: رأيت أسدا وحكمت برؤية رجل شجاع يمكن فيه طريقان: أحدهما أن يجعل الأسد مستعارا لمفهوم الرجل الشجاع، والثاني أن يستعمل فيما وضع له الأسد ويجعل مفهوم الأسد آلة لملاحظة الرجل الشجاع، ويعتبر تجوّزا عقليا في التركيب التقييدي الحاصل من جعل مفهوم الأسد عنوانا للرجل الشجاع، فيكون التركيب بين الرجل الشجاع ومفهوم الأسد مبنيا على التجوّز العقلي، فلا يكون هناك مجاز لغوي. ألا ترى أنه لا تجوّز لغة في قولنا: لي نهار صائم فقد حقّ القول بأنه مجاز عقلي ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

فائدة:
الاستعارة تفارق الكذب بوجهين: بالبناء على التأويل، وبنصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر.
التقسيم
للاستعارة تقسيمات باعتبارات: الأول باعتبار الطرفين أي المستعار منه والمستعار له إلى وفاقية وعنادية، لأن اجتماع الطرفين في شيء إمّا ممكن وتسمّى وفاقية لما بين الطرفين من الموافقة نحو أحييناه في قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ أي ضالّا فهديناه، استعار الإحياء من معناه الحقيقي وهو جعل الشيء حيّا للهداية التي هي الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب؛ والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء. وإمّا ممتنع وتسمّى عنادية لتعاند الطرفين كاستعارة الميّت في الآية للضالّ إذ لا يجتمع الموت مع الضلال. ومنها أي من العنادية التهكّمية والتمليحية، وهما الاستعارة التي استعملت في ضدّ معناها الحقيقي أو نقيضه تنزيلا للتضادّ والتناقض منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكّم نحو: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي أنذرهم، استعيرت البشارة التي هي الإخبار بما يظهر سرورا في المخبر به للإنذار الذي هو ضدّها بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكّم، وكذا قولك: رأيت أسدا وأنت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة. والاستهزاء الثاني باعتبار الجامع إلى قسمين لأن الجامع إمّا غير داخل في مفهوم الطرفين كما في استعارة الأسد للرجل الشجاع، فإن الشجاعة خارجة عن مفهوم الطرفين، وإمّا داخل في مفهوم الطرفين نحو قوله عليه السلام:
«خير الناس رجل يمسك بعنان فرسه كلّما سمع هيعة طار إليها، أو رجل في شعفة في غنيمة له يعبد الله حتى يأتيه الموت». الهيعة الصوت المهيب، والشّعفة رأس الجبل. والمعنى خير الناس رجل أخذ بعنان فرسه واستعدّ للجهاد، أو رجل اعتزل الناس وسكن في رأس جبل في غنم له قليل يرعاها ويكتفي بها في أمر معاشه ويعبد الله حتى يأتيه الموت. استعار الطّيران للعدو والجامع وهو قطع المسافة بسرعة داخل في مفهومهما. وأيضا باعتبار الجامع إمّا عامّية وهي المبتذلة لظهور الجامع فيها نحو: رأيت أسدا يرمي، أو خاصيّة وهي الغريبة أي البعيدة عن العامة. والغرابة قد تحصل في نفس الشّبه كما في قول يزيد بن مسلمة يصف فرسا بأنّه مؤدّب وأنّه إذا نزل عنه صاحبه وألقى عنانه في قربوس سرجه أي مقدّم سرجه وقف على مكانه حتى يعود إليه. قال الشاعر:
واذا احتبى قربوسه بعنانه علك الشكيم إلى انصراف الزائر علك أي مضغ والشكيم اللّجام، وأراد بالزائر نفسه، فاستعار الاحتباء وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره لوقوع العنان في قربوس السّرج، فصارت الاستعارة غريبة لغرابة التشبيه. وقد تحصل الغرابة بتصرّف في العامّية نحو قوله:
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطيّ الأباطح والأباطح جمع أبطح وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى، أي أخذت المطايا في سرعة المضي. استعار سيلان السيول الواقعة في الأباطح لسير الإبل سيرا سريعا في غاية السرعة المشتملة على لين وسلاسة، والتشبيه فيها ظاهر عامي، وهو السرعة لكن قد تصرف فيه بما أفاده اللطف والغرابة، إذ أسند سالت إلى الأباطح دون المطيّ وأعناقها حتى أفاد أنه امتلأت الأباطح من الإبل، وأدخل الأعناق في السير حيث جعلت الأباطح سائلة مع الأعناق، فجعل الأعناق سائرة إشارة إلى أنّ سرعة سير الإبل وبطؤه إنما يظهران غالبا في الأعناق.
الثالث باعتبار الثلاثة، أي المستعار منه والمستعار له والجامع إلى خمسة أقسام:
الأول استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس نحو: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً فالمستعار منه هو النار، والمستعار له هو الشيب، والوجه أي الجامع هو الانبساط الذي هو في النار أقوى، والجميع حسّي، والقرينة هو الاشتعال الذي هو من خواص النار، وهو أبلغ مما لو قيل: اشتعل شيب الرأس لإفادته عموم الشيب لجميع الرأس.
والثاني استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي، نحو: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فالمستعار منه السّلخ الذي هو كشط الجلد عن نحو الشاة، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسّيان، والجامع ما يعقل من ترتّب أمر على آخر، كترتّب ظهور اللحم على الكسط وترتّب ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، والترتّب أمر عقلي؛ قال ابن أبي الإصبع: هي ألطف من الأولى.
والثالث استعارة معقول لمعقول بوجه عقلي؛ قال ابن ابي الإصبع: هي ألطف الاستعارات نحو: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا فإن المستعار منه الرقاد أي النوم والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل، والكلّ عقلي.
الرابع استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلي نحو: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ استعير المسّ وهو صفة في الــأجسام وهو محسوس لمقاساة الشّدّة، والجامع اللحوق، وهما عقليان.
الخامس استعارة معقول لمحسوس والجامع عقلي نحو: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ المستعار منه التكبّر وهو عقلي والمستعار له كثرة الماء وهو حسّي، والجامع الاستعلاء وهو عقلي أيضا. هذا هو الموافق لما ذكره السكاكي، وزاد الخطيب قسما سادسا وهو استعارة محسوس لمحسوس والجامع مختلف بعضه حسّي وبعضه عقلي، كقولك رأيت شمسا وأنت تريد إنسانا كالشمس في حسن الطلعة ونباهة الشأن، فحسن الطلعة حسّي ونباهة الشأن عقلية ومعنى الحسّي والعقلي قد مرّ في التشبيه الرابع باعتبار اللفظ إلى قسمين لأن اللفظ المستعار إن كان اسم جنس فاستعارة أصلية كأسد وقتل للشجاع والضرب الشديد، وإلّا فاستعارة تبعية كالفعل والمشتقّات وسائر الحروف.
والمراد باسم الجنس ما دلّ على نفس الذّات الصالحة لأن تصدق على كثيرين من غير اعتبار وصف من الأوصاف، والمراد بالذات ما يستقلّ بالمفهومية. وقولنا من غير اعتبار وصف أي من غير اعتبار وصف متعلّق بهذا الذات فلا يتوهّم الإشكال بأنّ الفعل وصف وهو ملحوظ فدخل علم الجنس في حدّ اسم الجنس، وخرج العلم الشخصي والصفات وأسماء الزمان والمكان والآلة. ثم المراد باسم الجنس أعمّ من الحقيقي، والحكمي أي المتأوّل باسم الجنس نحو حاتم فإن الاستعارة فيه أصلية، وفيه نظر لأن الحاتم مأوّل بالمتناهي في الجود فيكون متأوّلا بصفة، وقد استعير من مفهوم المتناهي في الجود لمن له كمال جود فيكون ملحقا بالتبعية دون الأصلية. وأجيب بأنّ مفهوم الحاتم وإن تضمّن نوع وصفية لكنه لم يصر به كليّا بل اشتهر ذاته المشخصة بوصف من الأوصاف خارج عن مدلوله كاشتهار الأجناس بأوصافها الخارجة عن مفهوماتها بخلاف الأسماء المشتقّة فإن المعاني المصدرية المعتبرة فيها داخلة في مفهوماتها الأصلية فلذلك كانت الأعلام المشتهرة بنوع وصفية ملحقة بأسماء الأجناس دون الصفات.
والحاصل أنّ اسم الجنس يدلّ على ذات صالحة للموصوفية مشتهرة بمعنى يصلح أن يكون وجه الشبه، وكذا العلم إذا اشتهر بمعنى، فالاستعارة فيهما أصلية والأفعال والحروف لا تصلح للموصوفية وكذا المشتقات.
وإنما كانت استعارة الفعل وما يشتق منه والحرف تبعية لأنّ الفعل والمشتقات موضوعة بوضعين: وضع المادة والهيئة فإذا كان في استعاراتها لا تتغير معاني الهيئات فلا وجه لاستعارة الهيئة، فالاستعارة فيها إنما هي باعتبار موادّها، فيستعار مصدرها ليستعار موادّها تبعية استعارة المصدر، وكذا إذا استعير الفعل باعتبار الزمان كما يعبر عن المستقبل بالماضي تكون تبعية لتشبيه الضّرب في المستقبل مثلا بالضرب في الماضي في تحقق الوقوع، فيستعار له ضرب، فاستعارة الهيئة ليست بتبعية استعارة المصدر، بل اللفظ بتمامه مستعار بتبعية استعارة الجزء، وكذا الحروف، فإن الاستعارة فيها تجري أولا في متعلق معناها وهو هاهنا ما يعبّر عنها به عند تفسير معانيها، كقولنا: من معناه الابتداء وإلى معناه الانتهاء نحو: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً شبّه ترتّب العداوة والحزن على الالتقاط بترتّب علته الغائية عليه، ثم استعير في المشبه اللّام الموضوعة للمشبّه به فيكون الاستعارة في اللّام تبعا للاستعارة في المجرور.
ثم اعلم أنّ الاستعارة في الفعل على قسمين: أحدهما أن يشبّه الضرب الشديد مثلا بالقتل ويستعار له اسمه ثم يشتق منه قتل بمعنى ضرب ضربا شديدا، والثاني أن يشبّه الضرب في المستقبل بالضرب في الماضي مثلا في تحقق الوقوع فيستعمل فيه ضرب فيكون المعنى المصدري أعني الضرب موجودا في كلّ من المشبّه والمشبّه به، لكنه قيّد في كل واحد منهما بقيد مغاير للآخر فصحّ التشبيه لذلك، كذا أفاده المحقق الشريف. لكن ذكر العلامة عضد الملة والدين في الفوائد الغياثية أنّ الفعل يدلّ على النسبة ويستدعي حدثا وزمانا، والاستعارة متصوّرة في كلّ واحد من الثلاثة، ففي النسبة كهزم الأمير الجند، وفي الزمان كنادى أصحاب الجنّة، وفي الحدث نحو فبشّرهم بعذاب أليم، انتهى؛ وذلك لأن الفعل قد يوضع للنسبة الإنشائية نحو اضرب وهي مشتهرة بصفات تصلح لأن يشبه بها كالوجوب، وقد يوضع للنسبة الإخبارية وهي مشتهرة بالمطابقة واللامطابقة، ويستعار الفعل من أحدهما للآخر كاستعارة رحمه الله لا رحمه، واستعارة فليتبوّأ في قوله عليه السلام «من تبوّأ عليّ الكذب فليتبوّأ مقعده على النار» للنسبة الاستقبالية الخبرية فإنه بمعنى يتبوّأ مقعده من النار، صرّح به في شرح الحديث، وردّه صاحب الأطول بأنّ النسبة جزء معنى الفعل فلا يستعار عنها، بخلاف المصدر فإنه لا يستعار من معناه الفعل بل يستعار من معناه نفس المصدر ويشتق منه الفعل، ولا يمكن مثله في النسبة، فالحقّ عدم جريانها في النسبة كما قاله السيد السّند.

فائدة:
قال الفاضل الچلپي: القوم إنما تعرّضوا للاستعارة التبعية المصرّحة، والظاهر تحقق الاستعارة التبعية المكنيّة كما في قولك: أعجبني الضارب دم زيد، ولعلهم لم يتعرضوا لها لعدم وجدانهم إياها في كلام البلغاء.

فائدة:
لم يقسموا المجاز المرسل إلى الأصلي والتبعي على قياس الاستعارة لكن ربما يشعر بذلك كلامهم. قال في المفتاح: ومن أمثلة المجاز قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ استعمل قرأت مكان أردت القراءة لكون القراءة مسبّبة من إرادتها استعمالا مجازيا، يعني استعمال المشتقّ بتبعية المشتقّ منه، كذا في شرح بعض رسائل الاستعارة.
الخامس باعتبار المقارنة بما يلائم شيئا من الطرفين وعدمها إلى ثلاثة أقسام: أحدها المطلقة وهي ما لم يقترن بصفة ولا تفريع مما يلائم المستعار له أو المستعار منه، نحو عندي أسد، والمراد بالاقتران بما يلائم الاقتران بما يلائم مما سوى القرينة، وإلّا فالقرينة مما يلائم المستعار له، فلا يوجد استعارة مطلقة، والمراد بالصفة المعنويّة لا النعت النحوي، والمراد بالتفريع ما يكون إيراده فرع الاستعارة سواء ذكر على صورة التفريع وهو تصديره بالفاء أو لا، وثانيها المجرّدة وهي ما قرن بما يلائم المستعار له، وينبغي أن يقيّد ما يلائم المستعار له بأن لا يكون فيه تبعيد الكلام عن الاستعارة وتزييف لدعوى الاتحاد إذ ذكروا أنّ في التجريد كثرة المبالغة في التشبيه كقوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ فإنّ الإذاقة تجريد اللباس المستعار لشدائد الجوع والخوف بعلاقة العموم لجميع البدن عموم اللباس، ولذا اختاره على طعم الجوع الذي هو أنسب بالإذاقة. وإنما كانت الإذاقة من ملائمات المستعار له مع أنه ليس الجوع والخوف من المطعومات لأنه شاعت الإذاقة في البلايا والشدائد وجرت مجرى الحقيقة في إصابتها، فيقولون ذاق فلان البؤس والضرّ، وأذاقه العذاب، شبّه ما يدرك من أثر الضرّ والألم بما يدرك من طعم المرّ والبشع، واختار التجريد على الترشيح، ولم يقل فكساها الله لباس الجوع والخوف لأن الإدراك بالذوق يستلزم الإدراك باللمس من غير عكس، فكان في الإذاقة إشعار بشدة الإصابة ليست في الكسوة. وثالثها المرشّحة وتسمّى الترشيحية أيضا وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه نحو:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ فإنه استعار الاشتراء للاستبدال والاختيار، ثم فرّع عليها ما يلائم الاشتراء من فوت الرّبح واعتبار التجارة. ثم أنهم لم يلتفتوا إلى ما يقرن بما يلائم المستعار له في الاستعارة بالكناية مع أنه أيضا ترشيح لأنه ليس هناك لفظ يسمّى استعارة، بل تشبيه محض، وكلامهم في الاستعارة المرشّحة التي هي قسم من المجاز لا في ترشيح يشتمل ترشيح الاستعارة والتشبيه المضمر في النفس. وأما عدم التفات السكّاكي فيوهم ما ليس عنده وهو أنّ المرشّحة من أقسام الاستعارة المصرّحة، إذ التحقيق أنّ الاستعارة بالكناية إذا زيد فيها على المكنيّة ما يلائمها تصير مرشّحة عنده، كذا في الاطول.

فائدة:
قال أبو القاسم: تقسيمهم الاستعارة المصرّحة إلى المجردة والمرشحة يشعر بأنّ الترشيح والتجريد إنما يجريان في الاستعارة المصرّح بها دون المكنيّ عنها، والصواب أنّ ما زاد في المكنية على قرينتها أعني إثبات لازم واحد يعدّ ترشيحا لها؛ ثم التجريد والترشيح إنما يكونا بعد تمام الاستعارة، فلا يعدّ قرينة المصرح بها تجريدا ولا قرينة المكني عنها ترشيحا، انتهى.

فائدة:
قال صاحب الأطول: إذا اجتمع ملائمان للمستعار له فهل يتعيّن أحد للقرينة أو الاختيار إلى السامع يجعل أيهما شاء قرينة والآخر تجريدا؟ قال بعض الأفاضل: ما هو أقوى دلالة على الإرادة للقرينة والآخر للتجريد. ونحن نقول أيهما سبق في الدلالة على المراد قرينة والآخر تجريد، كيف لا والقرينة ما نصب للدّلالة على المراد، وقد سبق أحد الأمرين في الدلالة، فلا معنى لنصب اللاحق، والاوجه أنّ كلّا من الملائمين المجتمعين إن صلح قرينة فقرينة، ومع ذلك الاستعارة مجرّدة، ولا تقابل بين المجرّدة ومتعددة القرينة، بل كل متعددة القرينة مجرّدة.

فائدة:
قد يجتمع التجريد والترشيح كقول زهير:
لدى أسد شاكي السلاح مقذّف له لبد أظفاره لم تقلّم ووجه اجتماعهما صرف دعوى الاتحاد إلى المشبّه المقارن بالصفة والتفريع والمشبّه به حتى يستدعى الدعوى ثبوت الملائم للمشبه به أيضا.

فائدة:
الترشيح أبلغ من التجريد والإطلاق ومن جمع الترشيح والتجريد لاشتماله على تحقيق المبالغة في ظهور العينية التي هي توجب كمال المبالغة في التشبيه، فيكون أكثر مبالغة وأتمّ مناسبة بالاستعارة، وكذا الإطلاق أبلغ من التجريد. ومبنى الترشيحية على أن المستعار له عين المستعار منه لا شيء شبيه به.

فائدة:
في شرح بعض رسائل الاستعارة الترشيح يجوز أن يكون باقيا على حقيقته تابعا في الذّكر للتعبير عن الشيء بلفظ الاستعارة ولا يقصد به إلّا تقويتها، كأنّه نقل لفظ المشبه به مع رديفه إلى المشبّه، ويجوز أن يكون مستعارا من ملائم المستعار منه لملائم المستعار له، ويكون ترشيح الاستعارة بمجرد أنه عبّر عن ملائم المستعار له بلفظ موضوع لملائم المستعار منه. هذا ولا يخفى أنّ هذا لا يخصّ بكون لفظ ملائم المستعار منه مستعارا، بل يتحقّق الترشيح بذلك التعبير على وجه الاستعارة كان أو على وجه المجاز المرسل، إمّا للملائم المذكور أو للقدر المشترك بين المشبّه والمشبّه به، وأنّه يحتمل مثل ذلك في التجريد أيضا، ويحتمل تلك الوجوه قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ حيث استعير الحبل للعهد في أن يكون وسيلة لربط شيء لشيء، وذكر الاعتصام وهو التمسك بالحبل ترشيحا إما باقيا على معناه للوثوق بالعهد أو مجازا مرسلا في الوثوق بالعهد، لعلاقة الإطلاق والتقييد فيكون مجازا مرسلا بمرتبتين، أو في الوثوق، كأنه قيل ثقوا بعهد الله، وحينئذ كلّ من الترشيح والاستعارة ترشيح للآخر.
السادس باعتبار أمر آخر إلى أربعة أقسام:
تصريحية ومكنية وتحقيقية وتخييلية. فالتصريحية وتسمّى بالمصرّحة أيضا هي التي ذكر فيها المشبّه به. والمكنية ما يقابلها وتسمّى الاستعارة بالكناية أيضا. اعلم أنه اتفقت كلمة القوم على أنه إذا لم يذكر من أركان تشبيه شيء بشيء سوى المشبّه وذكر معه ما يخصّ المشبّه به كان هناك استعارة بالكناية واستعارة تخييلية، كقولنا:
أظفار المنيّة أي الموت نشبت بفلان، لكن اضطربت أقوالهم في تشخيص المعنيين اللذين يطلق عليهما هذان اللفظان. ومحصّل ذلك يرجع إلى ثلاثة أقوال: أحدها ما ذهب إليه القدماء وهو أنّ المستعار بالكناية لفظ المشبه به المستعار للمشبه في النفس المرموز إليه بذكر لازمه من غير تقدير في نظم الكلام، وذكر اللازم قرينة على قصده من غرض وإثبات ذلك اللازم للمشبّه استعارة تخييلية. ففي المثال المذكور الاستعارة بالكناية السبع المستعار للمنيّة الذي لم يذكر اعتمادا على أنّ إضافة الأظفار إلى المنيّة تدل على أن السبع مستعار لها.
والاستعارة التخييلية إثبات الأظفار للمنية، فحينئذ وجه تسميتها بالمكنية وبالاستعارة بالكناية ظاهر لأنها استعارة بالمعنى المصطلح ومتلبسة بالكناية بالمعنى اللغوي، أي الخفاء، وكذا تسميتها بالتخييلية لاستلزامها استعارة لازم المشبه به للمشبّه، وتخييل أنّ المشبّه من جنس المشبّه به. وثانيها ما ذهب إليه السكّاكي صريحا حيث قال: الاستعارة بالكناية لفظ المشبّه المستعمل في المشبّه به ادعاء أي بادعاء أنه عينه بقرينة استعارة لفظ هو من لوازم المشبّه به بصورة متوهّمة متخيّلة شبيهة به أثبتت للمشبّه، فالمراد بالمنيّة عنده هو السبع بادعاء السبعية لها وإنكار أن تكون شيئا غير السبع بقرينة إضافة الأظفار التي من خواص السبع إليها. ولا خفاء في أن تسميتها بالاستعارة بالكناية أو المكنية غير ظاهر حينئذ، وفي جعله إياها قسما من الاستعارة التي هي قسم من المجاز، وجعل إضافة الأظفار قرينة الاستعارة نظرا لأنّ لفظ المشبه فيها هو المستعمل في ما وضع له تحقيقا، والاستعارة ليست كذلك. واختار السكّاكي ردّ التبعية إلى المكني عنها بجعل قرينتها استعارة بالكناية وجعلها أي التبعية قرينة لها، على عكس ما ذكره القوم في مثل نطقت الحال من أنّ نطقت استعارة لدلّت والحال قرينة لها. هذا ولكن في كون ذلك مختار السكاكي نظرا لأنه قال في آخر بحث الاستعارة التبعية:
هذا ما أمكن من تلخيص كلام الأصحاب في هذا الفصل، ولو أنهم جعلوا قسم الاستعارة التبعية من قسم الاستعارة بالكناية بأن قلبوا، فجعلوا في قولهم نطقت الحال هكذا الحال التي ذكرها عندهم قرينة الاستعارة بالتصريح استعارة بالكناية عن المتكلّم بواسطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام، وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة، كما تراهم في قولهم: وإذا المنيّة انشبت أظفارها، يجعلون المنيّة استعارة بالكناية عن السبع ويجعلون إثبات الأظفار لها قرينة الاستعارة لكان أقرب إلى الضبط فتدبر، انتهى كلامه. وهو صريح في أنه ردّ التبعية إلى المكْنية على قاعدة القوم، فحينئذ لا حاجة له إلى استعارة قرينة المكنية لشيء حتى تبقى التبعية مع ذلك بحالها، ولا يتقلّل الأقسام بهذا أيضا.
فإن قلت لم يجعل السلف المكنية المشبّه المستعمل في المشبّه به كما اعتبره في هذا الرّدّ، فكيف يتأتى لك توجيه كلامه بأنّ ردّه على قاعدة السلف من غير أن يكون مختارا له؟

قلت: لا شبهة فيما ذكرنا والعهدة عليه في قوله، كما تراهم في قولهم: وإذا المنية أنشبت أظفارها، يجعلون المنية استعارة بالكناية، ولا يضرّنا فيما ذكرنا من توجيه كلامه.
وأما التخييلية عند السكاكي فما سيأتي.
وثالثها ما ذهب إليه الخطيب وهي التشبيه المضمر في النفس الذي لم يذكر شيء من أركانه سوى المشبّه ودل عليه أي على ذلك التشبيه بأن يثبت للمشبه أمر مختصّ بالمشبه به من غير أن يكون هناك أمر متحقق حسّا وعقلا يجري عليه اسم ذلك الأمر، ويسمّى إثبات ذلك الأمر استعارة تخييلية، والمراد بالتشبيه التشبيه اللغوي لا الاصطلاحي، فلا يردّ أن ذكر المشبّه به واجب البتة في التشبيه، وإنما قيل: ودلّ عليه الخ ليشتمل زيدا في جواب من يشبه الأسد؛ وعلى هذا التسمية بالاستعارة غير ظاهر وإن كان كونها كناية غير مخفي. وبالجملة ففي المكنية ثلاثة أقوال، وفي التخييلية قولان: أحدهما قول السكاكي كما يجيء، والآخر قول غيره. وعلى هذا المذهب الثالث كلّ من لفظي الأظفار والمنيّة في المثال المذكور حقيقتان مستعملتان في المعنى الموضوع له، وليس في الكلام مجاز لغوي، وإنما المجاز هو إثبات شيء لشيء ليس هو له، وعلى هذا هو عقلي كإثبات الإنبات للربيع. والاستعارة بالكناية والتخييلية أمران معنويان، وهما فعلا المتكلم، ويتلازمان في الكلام لأن التخييلية يجب أن تكون قرينة للمكنية البتة، وهي يجب أن تكون قرينة للتخيلية البتة.

فائدة:
قال صاحب الأطول: ومن غرائب السوانح وعجائب اللوائح أن الاستعارة بالكناية فيما بين الاستعارات معلومة مبنية على التشبيه المقلوب لكمال المبالغة في التشبيه، فهو أبلغ من المصرّحة، فكما أنّ قولنا السبع كالمنيّة تشبيه مقلوب يعود الغرض منه إلى المشبّه به، كذلك أنشبت المنية أظفارها استعارة مقلوبة استعير بعد تشبيه السبع بالمنية المنية للسبع الادعائي، وأريد بالمنية معناها بعد جعلها سبعا تنبيها على أنّ المنيّة بلغت في الاغتيال مرتبة ينبغي أن يستعار للسبع عنها اسمها دون العكس، فالمنية وضعت موضع السبع، لكن هذا على ما جرى عليه السكاكي.
والتحقيقية هي ما يكون المشبّه متحققا حسّا أو عقلا نحو: رأيت أسدا يرمي، فإنّ الأسد مستعار للرجل الشجاع وهو أمر متحقق حسّا، ونحو: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي الدين الحقّ وهو أمر متحقق عقلا لا حسّا. أما التخييلية فعند غير السكّاكي ما مرّ، وأما عند السكّاكي فهي استعارة لا تحقّق لمعناها حسّا ولا عقلا، بل معناها صورة وهمية محضة.
ولما كان عدم تحقّق المعنى لا حسّا ولا عقلا شاملا لما لم يتعلّق به توهّم أيضا أضرب عنه بقوله بل معناها إلخ، والمراد بالصورة ذو الصورة فإن الصورة جاءت بهذا المعنى أيضا.
والمراد بالوهمية ما يخترعه المتخيلة بأعمال الوهم إياه فإن للإنسان قوة لها تركيب المتفرّقات وتفريق المركّبات إذا استعملها العقل تسمّى مفكرة وإذا استعملها الوهم تسمّى متخيّلة. ولما كان حصول هذا المعنى المستعار له بأعمال الوهم سمّيت استعارة تخييلية، ومن لم يعرفه قال المناسب حينئذ أن تسمّى توهمية، وعدّ التسمية بتخييلية من أمارات تعسّف السكّاكي وتفسيره، وإنما وصف الوهمية بقوله محضة أي لا يشوبها شيء من التحقق الحسّي والعقليّ للفرق بينه وبين اعتبار السلف، فإن أظفار المنية عندهم أمر متحقق شابه توهّم الثبوت للمنية، وهناك اختلاط توهّم وتحقق بخلاف ما اعتبره فإنه أمر وهميّ محض لا تحقّق له لا باعتبار ذاته ولا باعتبار ثبوته، فتعريفه هذا صادق على لفظ مستعمل في صورة وهمية محضة من غير أن تجعل قرينة الاستعارة، بخلاف تفسير السلف والخطيب فإنها لا تنفك عندهم عن الاستعارة بالكناية. وقد صرّح به حيث مثّل للتخييلية بأظفار المنية الشبيهة بالسبع أهلكت فلانا، والسلف والخطيب إمّا أن ينكروا المثال ويجعلوه مصنوعا أو يجعلوا الأظفار ترشيحا لتشبيه لا استعارة تخييلية. وردّ ما ذكره بأنه يقتضي أن يكون الترشيح استعارة تخييلية للزوم مثل ما ذكره فيه مع أنّ الترشيح ليس من المجاز والاستعارة، وأجيب بأن الأمر الذي هو من خواصّ المشبّه به لمّا قرن في التخييلية بالمشبّه كالمنيّة مثلا حملناه على المجاز وجعلناه عبارة عن أمر متوهّم يمكن إثباته للمشبّه، وفي الترشيح لمّا قرن بلفظ المشبّه به لم يحتج إلى ذلك لأنه جعل المشبّه به هو هذا المعنى مع لوازمه. فإذا قلنا: رأيت أسدا يفترس أقرانه ورأيت بحرا يتلاطم أمواجه، فالمشبه به هو الأسد الموصوف بالافتراس الحقيقي والبحر الموصوف بالتلاطم الحقيقي، بخلاف أظفار المنيّة فإنها مجاز عن الصورة الوهمية ليصحّ إضافتها إلى الوهمية ليصح إضافتها إلى المنيّة.
ومحصّله أنّ حفظ ظاهر إثبات لوازم المشبه به للمشبه يدعو إلى جعل الدالّ على اللازم استعارة لما يصحّ إثباته للمشبّه ولا يحتاج إلى تجوّز في ذلك الإثبات، وليس هذا الداعي في الترشيح لأنه أثبت للمشبّه به فلا وجه لجعله مجازا، ولا يلزم عدم خروج الترشيح عن الاستعارة وعدم زيادته عليها لأنه فرّق بين المقيد والمجموع والمشبّه به هو الموصوف والصفة خارجة عنه لا المجموع المركب منهما، وأيضا معنى زيادته أن الاستعارة تامة بدونه.
ويردّ على هذا أنّ الترشيح كما يكون في المصرّحة يكون في المكنية أيضا ففي المكنية لم يقرن المشبّه به فلا تفرقة هناك، ويمكن أن يفرّق بأن التخييلية لو حملت على حقيقتها لا يثبت الحكم المقصود في الكلام للمكني عنها كما عرفت بخلاف المصرّحة فإن قولنا جاءني أسد له لبد، لو أثبت فيه اللبد الحقيقي للأسد المستعمل في الرجل الشجاع مجازا لم يمنع عن إثبات المجيء للأسد، فإن مآله جاءني رجل شجاع لما شبّهه به لبد، لكنه لا يتم في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً فإنه لو أريد الأمر بالاعتصام الحقيقي لفات ما قصد بيانه للعهد، فلا بدّ من جعل الاعتصام استعارة لما يثبت العهد.

فائدة:
التصريحية تعمّ التحقيقية والتخييلية، والكلّ مجاز لغوي ومتباين، هذا عند السكّاكي.
والمكنية داخلة في التحقيقية عند السلف لأنّ اللفظ المستعار المضمر في النفس وهو محقق المعنى. والتصريحية عند الخطيب ترادف التحقيقية وتباين التخييلية لأنها عنده ليست لفظا، فلا تكون محقق المعنى، وكذا تباين المكنية لأنها عنده نفس التشبيه المضمر في النفس فلا تكون محقق المعنى.

فائدة:
في تحقيق قرينة الاستعارة بالكناية ذهب السلف سوى صاحب الكشاف إلى أنّ الأمر الذي أثبت للمشبه من خواصّ المشبه به مستعمل في معناه الحقيقي، وإنما المجاز في الإثبات ويحكمون بعدم انفكاك المكني عنده عنها، وإليه ذهب الخطيب أيضا، وجوّز صاحب الكشاف كون قرينتها استعارة تحقيقية وكذا السكاكي، ووجه الفرق بين ما يجعل قرينة للمكنية ويجعل نفسه تخييلا أو استعارة تحقيقية أو إثباته تخييلا وبين ما يجعل زائدا عليها وترشيحا قوّة الاختصاص بالمشبه به، فأيّهما أقوى اختصاصا وتعلّقا به فهو القرينة وما سواه ترشيح، وكذا الحال بين القرينة والترشيح في الاستعارة المصرّحة، والأظهر أنّ ما يحضر السامع أولا فهو القرينة وما سواه ترشيح، ذلك أن تجعل الجميع قرينة في مقام شدة الاهتمام بالإيضاح، هكذا في شرح بعض رسائل الاستعارة.

فائدة:
في الإتقان أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز، وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهاما للحاجة، ولأنه لم يرد في ذلك إذن الشارع، وعليه القاضي عبد الوهاب المالكي، انتهى. خاتمة
إذا جرى في الكلام لفظة ذات قرينة دالّة على تشبيه شيء بمعناه فهو على وجهين:
أحدهما أن لا يكون المشبّه مذكورا ولا مقدّرا كقولك: لقيت في الحمام أسدا أي رجلا شجاعا، ولا خلاف في أنّ هذا استعارة لا تشبيه. وثانيهما أن يكون المشبّه مذكورا أو مقدّرا وحينئذ فاسم المشبّه به إن كان خبرا عن المشبّه أو في حكم الخبر كخبر باب كان وإنّ والمفعول الثاني لباب علمت والحال والنعت، فالأصح أنه يسمّى تشبيها لا استعارة، لأن اسم المشبّه به إذا وقع هذه المواقع كان الكلام مصوغا لإثبات معناه لما أجري عليه أو نفيه عنه، فإذا قلت زيد أسد فصوغ الكلام لاثبات الأسدية لزيد وهو ممتنع حقيقة، فيحمل على أنه لإثبات شبه من الأسد له، فيكون الإتيان بالأسد لإثبات التشبيه فيكون خليقا بأن يسمّى تشبيها لأن المشبه به إنما جيء به لإفادة التشبيه بخلاف نحو لقيت أسدا، فإنّ الإتيان بالمشبه به ليس لإثبات معناه لشيء بل صوغ الكلام لإثبات الفعل واقعا على الأسد، فلا يكون لإثبات التشبيه، فيكون قصد التشبيه مكنونا في الضمير لا يعرف إلّا بعد نظر وتأمّل.
هذا خلاصة كلام الشيخ في أسرار البلاغة، وعليه جميع المحققين. ومن الناس من ذهب إلى أن الثاني أيضا أعني زيد أسد استعارة لإجرائه على المشبّه مع حذف كلمة التشبيه، والخلاف لفظي مبني على جعل الاستعارة اسما لذكر المشبّه به مع خلوّ الكلام عن المشبّه على وجه ينبئ عن التشبيه أو اسما لذكر المشبّه به لإجرائه على المشبّه مع حذف كلمة التشبيه.
ثم إنه نقل عن أسرار البلاغة أنّ إطلاق الاستعارة في زيد الأسد لا يحسن لأنه يحسن دخول أدوات التشبيه من تغيير بصورة الكلام، فيقال: زيد كالأسد، بخلاف ما إذا كان المشبّه به نكرة نحو زيد أسد، فإنه لا يحسن زيد كأسد، وإلّا لكان من قبيل قياس حال زيد إلى المجهول وهو أسد ما؛ ولهذا يحسن كأنّ زيدا أسد لأن المراد بالخبر العموم فالتشبيه بالنوع لا بفرد، فليس كالتشبيه بالمجهول، وإنما يحسن دخول الكاف بتغيير صورته وجعله معرفة بأن يقال زيد كالأسد، فإطلاق اسم الاستعارة هاهنا لا يبعد، ويقرب الإطلاق مزيد قرب أن يكون النكرة موصوفة بصفة لا تلائم المشبه به نحو فلان بدر يسكن الأرض فإن تقدير أداة التشبيه فيه يحتاج إلى كثرة التغيير، كأن يقال هو كالبدر إلّا أنه يسكن الأرض، وقد يكون في الصلات والصفات التي تجيء في هذا القبيل ما يحول تقدير أداة التشبيه فيه فيشتد استحقاقه لاسم الاستعارة ويزيد قربه منها، كقوله أسد دم الأسد الهزبر خضابه، فإنه لا سبيل إلى أن يقال المعنى إنه كالأسد للتناقض لأن تشبيه بجنس السبع المعروف دليل على أنه دونه أو مثله، وجعل دم الهزبر الذي هو أقوى الجنس خضاب يده دليل على أنه فوقه فليس الكلام مصوغا لإثبات التشبيه بينهما، بل لإثبات تلك الصفة، فالكلام فيه مبني على أنّ كون الممدوح أسدا أمر تقرّر وثبت، وإنما العمل في إثبات الصفة الغريبة. فمحصول هذا النوع من الكلام أنك تدعي حدوث شيء هو من الجنس المذكور إلّا أنه اختص بصفة عجيبة لم يتوهّم جوازها، فلم يكن لتقدير التشبيه فيه معنى. ولقد ضعّف هذا الكلام صاحب الأطول والمطول وقالا الحقّ أن امثال زيد أسد تشبيه مطلقا، هذا إذا كان اسم المشبّه به خبرا عن اسم المشبّه أو في حكم الخبر وإن لم يكن كذلك نحو لقيت من زيد أسدا ولقيني منه أسد فلا يسمّى استعارة بالاتفاق، لأنه لم يجر اسم المشبه به على المشبه لا باستعماله فيه كما في لقيت أسدا ولا بإثبات معناه له كما في زيد أسد على اختلاف المذهبين، ولا يسمّى تشبيها أيضا لأن الإتيان باسم المشبّه به ليس لإثبات التشبيه إذ لم يقصد الدلالة على المشاركة، وإنما التشبيه مكنون في الضمير، لا يظهر إلّا بعد تأمّل خلافا للسكّاكي فإنه يسمّي مثل ذلك تشبيها، وهذا النزاع أيضا لفظي راجع إلى تفسير التشبيه؛ فمن أطلق الدلالة المذكورة في تعريف التشبيه عن كونها لا على وجه التجريد والاستعارة وعن كونها على وجه التصريح سمّاه تشبيها، ومن قيّده لا. قال صاحب الأطول ونحن نقول في لقيت من زيد أسدا تجريد أسد من زيد بجعل زيد أسدا وهذا الجعل يتضمّن تشبيه زيد بالأسد حتى صار أسدا بالغا غاية الجنس حتى تجرّد عنه أسد، لكن هذا التشبيه مكنون في الضمير خفيّ لأن دعوى أسديته مفروغ عنها منزلة منزلة أمر متقرّر لا يشوبه شائبة خفاء، ولا يجعل السكّاكي هذا من التشبيه المصطلح، وكذلك يتضمّن التشبيه تجريد الأسد الحقيقي عنه إذ لا يخفى أن المجرد عنه لا يكون إلّا شبه أسد، فينصرف الكلام إلى تجريد الشّبه فهو في إفادة التشبيه بحكم ردّ العقل إلى التشبيه بمنزلة حمل الأسد على المشبّه فهو الذي سمّاه السكّاكي تشبيها، ولا ينبغي أن ينازع فيه معه؛ وكيف لا وهو أيضا في تقدير المشبّه والأداة كأنه قيل لقيت من زيد رجلا كالأسد، ولا تفاوت في ذلك بينه وبين زيد أسد، انتهى. وهاهنا أبحاث تركناها خوفا من الإطناب.

الحرارة

الحرارة: كيفية شأنها تفريق المؤتلفات وجمع المتشكلات. والحرارة ضربان: حرارة عارضة في الهواء من الــأجسام المحمية كحرارة النار والشمس، وحرارة عارضة في البدن من الطبيعة كحرارة المحموم.
الحرارة:
[في الانكليزية] Heat
[ في الفرنسية] Chaleur
بالفتح بمعنى گرمى ضد البرودة بمعنى سردى وماهيتهما من البديهات، وما ذكر في حقيقتهما فهي من جملة الأحكام. وبعض الحكماء جعل البرودة عبارة عن عدم الحرارة عمّا من شأنه أن يكون حارا. وقيد من شأنه للاحتراز عن الفلك فإنّ عدم حرارته لا يسمّى برودة إذ ليس من شأنه أن يكون حارا، فعلى هذا التقابل بينهما تقابل العدم والملكة وهو باطل لأنّها محسوسة ولا شيء من العدم بمحسوس. واعترض عليه بأنّ الانفصال عدم الاتصال مع أنّه محسوس. وأجيب بأنّ المحسوس هو المنفصل وعوارضه كاللون، والانفصال يدرك بالوهم التابع للحسّ الظاهر لا بالحسّ الظاهر، فإنّ الحكم بأنّ العدم غير محسوس بالحواس الظاهرة بديهية، فالحق أنها كيفية موجودة مضادة للحرارة من شأنها أن تجمع المتشاكلات وغيرها. وهاهنا أبحاث.
الأول كما يقال الحار لما تحسّ حرارته بالفعل كالنار مثلا يقال أيضا لما لا تحسّ حرارته بالفعل، ولكن تحسّ بها بعد مماسّة البدن الحيواني والتأثر منه كالأدوية والأغذية الحارّة ويسمّى حارا بالقوة، وكذا البارد يطلق على البارد بالفعل والبارد بالقوة. ولهم في معرفة الحار والبارد بالقوة طريقان، التجربة والقياس من الاستدلال باللون والطعم والرائحة وسرعة الانفعال مع استواء القوام أو قوته.
والثاني الأشبه بالصواب أنّ الحرارة الغريزية أي الطبيعية الملائمة للحياة الموجودة في أبدان الحيوانات، ويسمّيها أفلاطون بالنار الإلهية والحرارة الكوكبية، والنارية أنواع متخالفة الماهية لاختلاف آثارها الدالة على اختلاف ملزوماتها في الحقيقة، فإنّه يفعل حرّ الشمس في عين الأغشى من المضرّة ما لا يفعل حرّ النار.
والحرارة الغريزية أشدّ الأشياء مقاومة للحرارة النارية التي ليست غريزية بل غريبة فإنّ الحرارة النارية إذا حاولت إبطال اعتدال المزاج الحيواني قاومتها الغريزية أشدّ مقاومة حتى أنّ السموم الحارة والباردة لا يدافعها إلّا الغريزية، وهذا مذهب أرسطو. وقال جالينوس الغريزية والنارية من نوع واحد. فالغريزية هي النارية واستفادت بالمزاج مزاجا معتدلا حصل به التيام، فإذا أرادت الحرارة أو البرودة تفريقها عسر عليها ذلك التفريق. والفرق بين الحار الغريزي والغريب أنّ أحدهما جزء المركب والآخر خارج عنه، مع كونهما متوافقين في الماهية.
الثالث قال ابن سينا الحرارة تفرّق المختلفات وتجمع المتماثلات والبرودة بالعكس، أي تجمّع بين المتشاكلات وغيرها أيضا لأنّ الحرارة فيها قوة مصعّدة فإذا أثرت في جسم مركب من أجزاء مختلفة في رقة القوام وغلظه ينفعل الجزء اللطيف الرقيق منه انفعالا أسرع من الكثيف الغليظ فيتبادر الألطف فالألطف إلى الصعود دون الكثيف، فإنّه لا ينفعل إلّا ببطء وربّما لم تفد الحرارة فيه خفة تقوي على تصعّده، فيلزم بهذا السبب تفريق المختلفات. ثم تلك الأجزاء تجتمع بالطبع إلى ما يجانسها، فإنّ الجنسية علّة الضم كما اشتهر، والحرارة معدّة للاجتماع الصادر عن طبائعها بعد زوال المانع الذي هو الالتئام، فنسب الاجتماع إليها كما نسبت الأفعال إلى معدّاتها، هذا إذا لم يكن الالتئام بين بسائط ذلك المركّب شديدا. وأما إذا اشتد وقوي التركيب لا تفرقها لوجود المانع، فإن كانت الأجزاء اللطيفة والكثيفة في الجسم متقاربة في الكمية كما في الذهب أفادته الحرارة سيلانا وذوبانا، وكلّما حاول اللطيف صعودا منعه الكثيف، فحدث بينهما تمانع وتجاذب، فيحدث من ذلك حركة دوران كما نشاهد في الذهب من حركته السريعة العجيبة في البوتقة. ولولا هذا العائق لفرّقه النار. وإن غلب اللطيف جدا فيصعد ويستصحب معه الكثيف لقلته كالنوشادر فإنّه إذا أشرفته النار تفرقه النار. وإن غلب الكثيف جدا لم يتأثر فلا يذوب ولا يلين كالطلق فإنّه يحتاج في تليينه إلى حيل. ولذا قيل من حل الطلق فقد استغنى عن الخلق.
تنبيه
الفعل الأوليّ للحرارة هو التصعيد، والجمع والتفريق لا زمان له. ولذا قال ابن سينا في كتاب الحدود إنّها كيفية فعلية أي تجعل محلها فاعلا لمثلها فيما يجاوره، فإنّ النار تسخن ما جاورها محركة لما تكون تلك الكيفية فيه إلى فوق لإحداثها الخفة، فيحدث عن هذا التحريك أن تفرق الحرارة المختلفات وتجمع التماثلات وتحدث تخلخلا من باب الكيف وتكاثفا من باب الوضع لتحليله الكثيف وتصعيده اللطيف. وفعلها في الماء إحالته إلى الهواء لا تفريق بين أجزاء المتماثلات. وفعلها في البيض إحالتها في القوام لا جمع للأجزاء المختلفة فإنّ النار بحرارتها توجب غلظا في قوام الصفرة والبياض، وأمّا الانضمام بينهما فقد كان حاصلا قبل تأثير الحرارة فيهما.
الرابع الحركة تحدث الحرارة والتجربة تشهده، وأنكره أبو البركات مستدلا بأنه حينئذ يجب أن تسخّن الأفلاك سخونة شديدة، وتسخّن بمجاورتها العناصر الثلاثة، فتصير كلها بالتدريج نارا. والجواب أنّ مواد الأفلاك لا تقبل السخونة أصلا ولا بدّ في وجود الحرارة مع المقتضي الذي هو الحركة من وجود القابل، ولا تسخّن العناصر، فإنّ النار متحركة بمشايعة الفلك دون باقي العناصر، وليس سخونة النار توجب سخونة الباقي لأنّ برودة الطبقة الزمهريرية تقاومها، هذا كلّه خلاصة ما في شرح المواقف وشرح التجريد.

الجوهر

الجوهر:
[في الانكليزية] Substance ،essence
[ في الفرنسية] Substance ،essence

يطلق على معان: منها الموجود القائم بنفسه حادثا كان أو قديما ويقابله العرض بمعنى ما ليس كذلك. ومنها الحقيقة والذات، وبهذا المعنى يقال أي شيء هو في جوهره أي ذاته وحقيقته، ويقابله العرض بمعنى الخارج من الحقيقة. والجوهر بهذين المعنيين لا شكّ في جوازه في حقّ الله تعالى وإن لم يرد الإذن بالإطلاق. ومنها ما هو من أقسام الموجود الممكن، فهو عند المتكلمين لا يكون إلّا حادثا إذ كل ممكن حادث عندهم. وأما عند الحكماء فقد يكون قديما كالجوهر المجرّد وقد يكون حادثا كالجوهر المادي. وعند كلا الفريقين لا يجوز إطلاقه بهذا المعنى على الله تعالى بناء على أنّه قسم من الممكن. فتعريفه عند المتكلّمين الحادث المتحيز بالذات، والمتحيز بالذات هو القابل للإشارة الحسّية بالذات بأنه هنا أو هناك، ويقابله العرض. فقال الأشاعرة:
العرض هو الحادث القائم بالمتحيّز بالذات فخرج الإعدام والسّلوب لعدم حدوثها لأنّ الحادث من أقسام الموجود. وخرج أيضا ذات الربّ وصفاته لعدم كونها حادثة ولا قائمة بالمتحيّز بالذات، فإنّ الربّ تعالى ليس بمتحيّز أصلا. وبالجملة فذات الربّ تعالى وصفاته ليست بأعراض ولا جواهر. وقال بعض الأشاعرة العرض ما كان صفة لغيره وينبغي أن يراد بما الحادث بناء على أنّ العرض من أقسام الحادث وألّا ينتقض بالصفات السلبية وبصفات الله تعالى إذا قيل بالتغاير بين الذات والصفات كما هو مذهب بعض المتكلمين، وإن لم يكن بالتغاير بينهما فصفات الله تعالى تخرج بقيد الغيرية. وقال المعتزلة العرض هو ما لو وجد لقام بالمتحيّز. وإنما اختاروا هذا لأنّ العرض ثابت عندهم في العدم منفكا عن الوجود الذي هو زائد على الماهية ولا يقوم بالمتحيّز حال العدم، بل إذا وجد العرض قام به. وهذا بناء على قولهم بأنّ الثابت في العدم ذوات المعدومات من غير قيام بعضها ببعض، فإنّ القيام من خواص الوجود إلّا عند بعضهم، فإنّهم قالوا باتصاف المعدومات بالصفات المعدومة الثابتة. ويردّ عليهم فناء الجواهر فإنه عرض عندهم وليس على تقدير وجوده قائما بالمتحيّز الذي هو الجوهر عندهم لكونه منافيا للجواهر، ولا ينعكس أيضا على من أثبت منهم عرضا لا في محل كأبي هذيل العلّاف، فإنه قال: إنّ بعض أنواع كلام الله لا في محل، وكبعض البصريين القائلين بإرادة قائمة لا في محل. وأما ما قيل من أنّ خروجها لا يضرّ لأنه لا يطلق العرض على كلام وإرادة حادثين فمما لا يلتفت إليه، إذ عدم الإطلاق تأدّبا لا يوجب عدم دخولهما فيه. ومعنى القيام بالمتحيّز إمّا الطبيعة في المتحيّز أو اختصاص الناعت كما يجئ في لفظ الوصف، ويجئ أيضا في لفظ القيام ولفظ الحلول.
واعلم أنه ذكر صاحب العقائد النسفية أنّ العالم إمّا عين أو عرض لأنّه إن قام بذاته فعين وإلّا فعرض، والعين إمّا جوهر أو جسم لأنه إمّا متركّب من جزءين فصاعدا وهو الجسم أو غير متركّب وهو الجوهر، ويسمّى الجزء الذي لا يتجزأ أيضا. قال أحمد جند في حاشيته هذا مبني على ما ذهب إليه المشايخ من أنّ معنى العرض بحسب اللغة ما يمتنع بقاؤه ومعنى الجوهر ما يتركّب منه غيره، ومعنى الجسم ما يتركّب من غيره انتهى. فالجوهر على هذا مرادف للجزء الذي لا يتجزأ وقسم من العين وقسم للجسم. وقيل هذا على اصطلاح القدماء. والمتأخرون يجعلون الجوهر مرادفا للعين ويسمّون الجزء الذي لا يتجزأ بالجوهر الفرد، ويؤيده ما وقع في شرح المواقف من أنه قال المتكلمون لا جوهر إلّا المتحيّز بالذات، فهو إمّا يقبل القسمة في جهة واحدة أو أكثر وهو الجسم عند الأشاعرة، أو لا يقبلها أصلا وهو الجوهر الفرد وقد سبق تحقيق تعريف الجوهر الفرد في لفظ الجزء. ثم لا يخفى أنّ هذا التقسيم إنّما يصح حاصرا عند من قال بامتناع وجود المجرّد أو بعدم ثبوت وجوده وعدمه. وأمّا عند من ثبت وجود المجرّد عنده كالإمام الغزالي والراغب القائلين. بأنّ الإنسان موجود ليس بجسم ولا جسماني كما عرفت فلا يكون حاصرا. وأعمّ من هذا ما وقع في المواقف من أنّه قال المتكلمون الموجود في الخارج إمّا أن لا يكون له أول وهو القديم أو يكون له أول وهو الحادث. والحادث إمّا متحيّز بالذات وهو الجوهر أو حال في المتحيّز بالذات وهو العرض أو لا يكون متحيّزا ولا حالا فيه وهو المجرد انتهى. وهذا التقسيم أيضا ليس حاصرا بالنسبة إلى من ثبت عنده وجود المجرّد فإنّ صفات المجرّد خارجة عن التقسيم. ثم الظاهر أنّ القائل بوجود المجرّد يعرّف العرض بما كان صفة لغيره فإنّ الغير أعمّ من المتحيّز وغيره، ويقسّم الحادث إلى ما كان قائما بنفسه وهو الجوهر، فإن لم يكن متحيّزا فهو المجرّد.
والمتحيّز إمّا جسم أو جوهر فرد، وإلى ما لا يكون قائما بنفسه بل يكون صفة لغيره وهو العرض. ويؤيده ما في الچلپي حاشية شرح المواقف من أنّ الراغب والغزالي قالا النفس الناطقة جوهر مجرد عن المادة انتهى. فإنهما وصفا الجوهر بالمجرّد. فالمجرّد يكون قسما من الجوهر بلا واسطة لا من الحادث والله أعلم بحقيقة الحال.
فائدة: الجوهر الفرد لا شكل له باتفاق المتكلّمين لأنّ الشكل هيئة أحاطها حدّ أو حدود، والحدّ أي النهاية لا يعقل إلّا بالنسبة إلى ذي النهاية فيكون هناك لا محالة جزءان. ثم قال القاضي ولا يشبه الجوهر الفرد شيئا من الأشكال لأنّ المشاكلة الاتحاد في الشكل، فما لا شكل له كيف يشاكل غيره. وأمّا غير القاضي فلهم فيه اختلاف. فقيل يشبه الكرة في عدم اختلاف الجوانب ولو كان مشابها للمضلع لاختلف جوانبه فكان منقسما. وقيل يشبه المربّع إذ يتركب الجسم بلا انفراج إذ الشكل الكروي وسائر المضلعات وما يشبهها لا يتأتى فيها ذلك الانفراج. وقيل يشبه المثلّث لأنه أبسط الأشكال.
فائدة: الجواهر يمتنع عليها التداخل وإلّا يكون هذا الجسم المعيّن أجسامــا كثيرة وهذا خلف. وقال النّظّام بجوازه. والظاهر أنه لزمه ذلك فيما قال من أنّ الجسم المتناهي المقدار مركّب من أجزاء غير متناهية العدد إذ لا بدّ حينئذ من وقوع التداخل فيما بينها. وأمّا أنه التزمه وقال به صريحا فلم يعلم كيف وهو جحد للضرورة وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى شرح المواقف في موقف الجوهر.
وتعريف الجوهر عند الحكماء الممكن الموجود لا في موضوع ويقابله العرض بمعنى الممكن الموجود في موضوع أي محل مقوّم لما حلّ فيه. ومعنى وجود العرض في الموضوع أنّ وجوده هو وجوده في الموضوع بحيث لا يتمايزان في الإشارة الحسّية كما في تفسير الحلول. وقال المحقق التفتازاني إنّ معناه أنّ وجوده في نفسه هو وجوده في الموضوع، ولذا يمتنع الانتقال عنه. فوجود السّواد مثلا هو وجوده في الجسم وقيامه به بخلاف وجود الجسم في الحيّز فإنّ وجوده في نفسه أمر ووجوده في الحيّز أمر آخر ولهذا ينتقل عنه.
وردّ بأنّه يصح أن يقال وجد في نفسه فقام بالجسم فالقيام متأخّر بالذات من وجوده في نفسه. وأجيب بأنّا لا نسلّم صحة هذا القول.
كيف وقد قالوا إنّ الموضوع شرط لوجود العرض ولو سلّم فيكفي للترتيب بالفاء التغاير الاعتباري كما في قولهم رماه فقتله. إن قيل على هذا يلزم أن لا تكون الجواهر الحاصلة في الذهن جواهر لكونها موجودة في موضوع مع أنّ الجوهر جوهر سواء نسب إلى الإدراك العقلي أو إلى الوجود الخارجي. قلت المراد بقولهم الموجود لا في موضوع ماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع، فلا نعني به الشيء المحصّل في الخارج الذي ليس في موضوع، بل لو وجد لم يكن في موضوع، سواء وجد في الخارج أو لا، فالتعريف شامل لهما. ثم إنها أعراض أيضا لكونها موجودة بالفعل في موضوع ولا منافاة بين كون الشيء جوهرا وعرضا، بناء على أنّ العرض هو الموجود في موضوع لا ما يكون في موضوع إذا وجدت فلا يشترط الوجود بالفعل في الجوهر ويشترط في العرض. فالمركّب الخيالي كجبل من ياقوت وبحر من زيبق لا شكّ في جوهريته، إنّما الشكّ في وجوده. وفيه بحث لأنّ هذا مخالف لتصريحهم بأنّ الجوهر والعرض قسما الممكن الموجود، وأنّ الممكن الموجود منحصر فيهما، فإذا اشترط في العرض الوجود بالفعل ولم يشترط في الجوهر يبطل الحصر إذ تصير القسمة هكذا الموجود الممكن إمّا أن يكون بحيث إذا وجد في الخارج كان لا في موضوع، أو يكون موجودا في الخارج في موضوع فيخرج ما لا يكون بالفعل في موضوع، ويكون فيه إذا وجد كالسواد المعدوم. والحقّ أنّ الوجود بالفعل معتبر في الجوهر أيضا كما هو المتبادر من قولهم الموجود لا في موضوع.
وتفسيره بماهية إذا وجدت الخ ليس لأجل أنّ الوجود بالفعل ليس بمعتبر فيه بل الإشارة إلى أنّ الوجود الذي به موجوديته في الخارج زائد على ماهية الجوهر والعرض كما هو المتبادر إلى الفهم. ولذا لم يصدق حدّ الجوهر على ذات الباري تعالى لأنّ موجوديته تعالى بوجود هو نفس ماهيته، وإن كان الوجود المطلق زائدا عليها. وإلى أنّ المعتبر في الجوهرية كونه بهذه الصفة في الوجود الخارجي، لا في العقل، أي أنه ماهية إذا قيست إلى وجودها الخارجي ولوحظت بالنسبة إليه كانت لا في موضوع. ولا شكّ أن تلك الجواهر حال قيامها بالذهن يصدق عليها أنها موجودة في الخارج لا في موضوع وإن كانت باعتبار قيامها بالذهن في موضوع فهي جواهر وأعراض باعتبار القيام بالذهن وعدمه وكذا الحال في العرض.
وبالجملة فالممتنع أن يكون ماهية شيء توجد في الأعيان مرة عرضا ومرة جوهرا حتى تكون في الأعيان تحتاج إلى موضوع ما وفيها لا تحتاج إلى موضوع، ولا يمتنع أن يكون معقول تلك الماهية عرضا. وظهر بما ذكرنا أنّ معنى الموجود لا في موضوع وماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع واحد، كما أنّ معنى الموجود في موضوع وماهية إذا وجدت كانت في موضوع واحد لا فرق بينهما إلّا بالإجمال والتفصيل. وهذا على مذهب من يقول إنّ الحاصل في الذهن هو ماهيات الأشياء. وأما عند من يقول إن الحاصل في الذهن هو صور الأشياء وأشباهها المخالفة لها في الماهية، فلا تكون صور الجواهر عنده إلّا أعراضا موجودة بوجود خارجي قائمة بالنفس كسائر الأعراض القائمة بها، هكذا حقّق المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف.
التقسيم

قال الحكماء: الجوهر إن كان حالّا في جوهر آخر فصورة إمّا جسمية أو نوعية. وإن كان محلا لجوهر آخر فهيولى، وإن كان مركّبا منهما فجسم، وإن لم يكن كذلك أي لا حالا ولا محلا ولا مركّبا منهما، فإن كان متعلقا بالجسم تعلّق التدبير والتصرّف والتحريك فنفس وإلّا فعقل. وإنما قيد التعلّق بالتدبير والتصرّف والتحريك لأنّ للعقل عندهم تعلّقا بالجسم على سبيل التأثير، وهذا كلّه بناء على نفي الجوهر الفرد إذ على تقدير ثبوته لا صورة ولا هيولى ولا المركّب منهما بل هناك جسم مركّب من جواهر فردة كذا في شرح المواقف.
الجوهر: ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضع وهو منحصر في خمسة: هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو لا، والأول إما أن لا يتعلق بالبدن تعلق تدبير وتصرف أو يتعلق. والأول العقل والثاني النفس، وغير المجرد إما مركب أولا، والأول الجسم والثاني إما حال أو محل، الأول الصورة والثاني الهيولى وتسمى الحقيقة.
فالجوهر ينقسم إلى بسيط روحاني كالعقول، والنفوس المجردة، وإلى بسيط جسماني كالعناصر، وإلى مركب في العقل دون الخارج كالماهيات الجوهرية المركبة من الجنس والفصل، وإلى مركب منهما كالمولدات الثلاثة. 

الجزء

الجزء: ما يتركب الشيء عنه وعن غيره، ذكره ابن الكمال. وقال الحرالي: الجزء بعض من كل يشابهه. وقال الراغب: جزء الشيء من يتقوم به جملته كأجزاء السفينة والبيت وأجزاء الجملة من الحساب. الجزء الذي لا يتجزأ: جوهر ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا، لا بحسب الخارج ولا بحسب الوهم أو الغرض العقلي يتألف الــأجسام من أفراده بانضمام بعضها لبعض.
الجزء:
[في الانكليزية] Cutting a part ،(prosodic modification)
[ في الفرنسية] Coupure d'une partie (modification prosodique)
بالفتح وسكون الزاء المعجمة في اللغة بريدن. وعند أهل العروض حذف الضرب والعروض من البيت، وذلك البيت الذي وقع فيه الجزء يسمّى مجزوءا، وأصل البحر المقتضب مستفعلن مفعولات أربع مرات، وهو لا يستعمل في شعر العرب إلّا مجزوءا كذا في عروض سيفي. وفي بعض رسائل العروض العربية المجزوء بيت ذهب منه جزءان سداسيا كان أو رباعيا انتهى. ومآل العبارتين واحد كما لا يخفى. ويؤيد هذا ما وقع في عنوان الشرف من أنّ المجزوء هو البيت الذي حذف عروضه وضربه. لكن في رسالة قطب الدين السرخسي الجزء نقص الثلث من أجزاء البيت انتهى. فعلى هذا لا يتصور الجزء إلّا في البحر المسدّس.
الجزء:
[في الانكليزية] Part ،atom ،section ،fraction
[ في الفرنسية] Partie ،atome ،section ،fraction
بالضم والسكون في اللغة پاره، الأجزاء الجمع كما في الصّراح. وفي اصطلاح العلماء يطلق على معان، منها ما يتركّب منه ومن غيره شيء سواء كان موجودا في الخارج أو في العقل كالأجناس والفصول فإنهما من الأجزاء العقلية، إلّا أنّ المتكلم لا يسمّى الجزء الأعمّ المحمول ولا المساوي المحمول جزء، بل وضعا نفسيا على ما في العضدي وحاشيته للتفتازاني في تقسيم العلّة إلى المتعدّية والقاصرة في مبحث القياس. ومن الأجزاء الخارجية ما يسمّى جزءا شائعا كالثلث والربع. ومنها ما يعبّر به عن الكل كالروح والرأس والوجه والرقبة من الإنسان كما في جامع الرموز في كتاب الكفالة.
ومنها الجزء الذي لا يتجزأ المسمّى بالجوهر الفرد وعرّف بأنه جوهر ذو وضع لا يقبل القسمة أصلا لا قطعا ولا كسرا ولا وهما ولا فرضا، أثبته المتكلّمون ونفاه بعض الحكماء. فالجوهر بمنزلة الجنس فلا يدخل فيه النقطة لأنها عرض. وقولهم ذو وضع أي قابل للإشارة الحسّية. وقيل أي متحيّز بالذات يخرج المجردات عند من أثبتها لعدم قبولها الإشارة الحسّية ولا التحيّز. وقولهم لا يقبل القسمة يخرج الجسم. وقولهم أصلا يخرج الخط والسطح الجوهريين لقبولهما القسمة في بعض الجهات. والقسمة الوهمية ما هو بحسب التوهّم جزئيا. والفرضية ما هو بحسب فرض العقل كليا على ما سيجيء.
وفائدة إيراد الفرض أنّ الوهم ربما لا يقدر على استحضار ما يقسمه لصغره أو لأنّه لا يقدر على إحاطة ما لا يتناهى. والفرض العقلي لا يقف لتعقّله الكلّيات المشتملة على الصغير والكبير والمتناهي وغير المتناهي، كذا في شرح الإشارات. فإن قلت: لا يمكن أن يتصور وجود شيء لا يمكن للعقل فرض قسمته. قلت:
المراد من عدم قبول القسمة الفرضية أنّ العقل لا يجوز القسمة فيه، لا أنّه لا يقدر على تقدير قسمته أي على ملاحظة قسمته وتصوّرها، فإنّ ذلك ليس بممتنع، وللعقل فرض كل شيء وتصوّره حتى وجود المستحيلات وعدم نفسه.
وبالجملة فالمراد بالفرض الفرض الانتزاعي لا الفرض الاختراعي ولا الأعمّ الشامل لهما. وإن شئت الزيادة على هذا فارجع إلى العلمي حاشية شرح هداية الحكمة. ويجئ ما يتعلق بهذا في لفظ الجوهر أيضا. ثم هذا المعنى للجزء أعمّ من أكثر المعاني الآتية، ومنها الكتاب الذي جمع فيه أحاديث شخص واحد.
وفي شرح شرح النخبة في بيان حدّ الاعتبار الأجزاء عند المحدّثين هي الكتب التي جمع فيها أحاديث شخص واحد. ومنها علّة الماهية ويسمّى ركنا أيضا. ومنها سدس عشر المقياس ويسمّى درجة أيضا تجوّزا، ويجئ في لفظ الظل. ومنها الدرجة كما سيجيء. ومنها جزء من ثلاثمائة وستين جزءا من أجزاء الدائرة التي على وجه حجرة الأسطرلاب ويسمّى درجة أيضا، وهي بمثابة درجات معدل النهار المسمّاة بالأجزاء. والمراد بالجزء الواقع في قول المنجمين جزء الاجتماع وجزء الاستقبال هو الدرجة. ويقول الملّا عبد العلي البرجندي في شرحه على زيج «الغ بيكي». المراد بجزء الاجتماع هو الذي يكون فيه الاجتماع. وبجزء الاستقبال موضع القمر في وقت الاستقبال إذا كان الاستقبال في الليل. وموضع الشمس إذا كان الوقت نهارا. وإذا كان في أحد الطرفين ليل فذلك الجزء الذي هو أقرب إلى أفق الشرق هو المعتبر. ومنها العدد الأقل الذي يعد الأكثر أي يفنيه كالإثنين من العشرة، فإنّه يعد العشرة أي يفنيه بخلاف الأربعة من العشرة فإنّها لا تعد العشرة فليست جزءا منها، بل هي جزءان منها، ولذا يعبّر عنهما بالخمسين.
وبالجملة فالعدد الأقل إن عدّ الأكثر فهو جزء له وإن لم يعده فأجزاء له، وهذا المعنى يستعمله المحاسبون، هكذا يستفاد من الشريفي في بيان النسب. ويفهم من هذا أنّ الجزء هو مرادف الكسر ويؤيّده أنّهم يعبّرون من الكسر الأصم بجزء من كذا. وأيضا يقولون إذا جزّئ الواحد الصحيح بأجزاء معينة سميت تلك الأجزاء مخرجا وبعض منها كسرا. ومنها ما هو مصطلح أهل العروض وهو ما يتركّب من الأصول ويسمّى ركنا أيضا. والأصول هي السبب والوتد والفاصلة. ويجمع الكلّ قولهم:
لم أر على رأس جبل سمكة، هكذا في عروض سيفي. وهكذا في بعض رسائل العروض العربية، حيث قال: ويتركّب مما ذكرنا من السبب والوتد والفاصلة أجزاء تسمّى الأفاعيل والتفاعيل. والأصول من تلك الأجزاء ثمانية في اللفظ وعشرة في الحكم، وتسمّى فواصل وأركانا وأجزاء. وفي رسالة قطب الدين السرخسي وتسمّى بأصول الأفاعيل أيضا. ثم قال فإثنان من تلك الأصول خماسيان مركّبان من سبب خفيف ووتد مجموع، فإن تقدّم الوتد فهو فعولن، وإن تأخّر ففاعلن، وستة سباعية، وهي على قسمين: الأول ما هو مركّب من وتد وسببين خفيفين. فإن كان وتده مجموعا فإن تقدّم على سببيه فهو مفاعيلن وإن توسّط بينهما فهو فاعلاتن في غير المضارع، وإن تأخّر عنهما فهو مستفعلن في البسيط والرجز والسريع والمنسرح. وإن كان وتده مفروقا فإن تقدّم على سببيه فهو فاع لاتن في المضارع خاصة، وإن توسّط بينهما فهو مس تفع لن في الخفيف والمجتثّ، وإن تأخّر عنهما فهو مفعولات.
والثاني ما هو مركّب من وتد مجموع وفاصلة صغرى. فإن تقدّم الوتد فهو مفاعلتن. وإن تأخّر فهو متفاعلن. فإن لم يعرض لهذه الأجزاء تغيّر يخرجها من هذا الوزن فهي سالمة. وإن عرض فمزاحفة انتهى كلامه. وتطلق الأجزاء على هذه الثلاثة أيضا، أي السبب والوتد والفاصلة كما يقول في جامع الصّنائع، والعرب هكذا يوردون نظائر أجزاء: لم أر على رأس جبل سمگتن.
والفرس يسمّون الكلمات المتضمّنة لهذه الحركات والسكنات أجزاء. ومتى تركّبت بعض هذه الأجزاء مع بعضها الآخر أو تكرّرت فيسمّون ذلك قالبا. يعني: يسمونه جزء بيت.
والعرب يسمّون القالب جزءا وجمعه أجزاء.
ومنها ما هو مصطلح الصّوفية في كشف اللّغات حيث يقول: الجزء في اصطلاح المتصوّفة هو الكثرات والتعينات.

الجرم

(الجرم) الْجَسَد (ج) أجرام وجروم وجرم وجرم الصَّوْت جهارته

(الجرم) الذَّنب (ج) أجرام وجروم
الجرم: بِالضَّمِّ الْقطع وَالْجِنَايَة وبالكسر الْجَسَد مُطلقًا والجسد الصافي وَلِهَذَا يُطلق على الْفلك وَمَا فِيهَا من الْكَوَاكِب دون العناصر والمواليد الثَّلَاثَة وَجمعه إجرام وجروم وجرم بالضمتين (وَلَا جرم) بِالضَّمِّ لَا بُد.
الجرم:
[في الانكليزية] Body
[ في الفرنسية] Corps
بالكسر وسكون الراء المهملة هو الجسم، إلّا أنّ أكثر استعماله في الــأجسام الفلكية. وقال السيّد السّند في شرح الملخّص الجرم هو الجسم وقد يخص بالفلكيات انتهى. والأجرام الجمع.
الجرم: أصله قطع الثمر عن الشجر. وأجرم صار ذا جرم كأتمر وألبن، ثم استعير ذلك لكل اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكسب المحمود، ذكره الراغب. وقال الفيومي: الجرم بالضم والجريمة اكتساب الإثم، وبالكسر الجسد واللون ومنه قولهم نجاسة لا جرم لها.
وقولهم لا جرم بالتحريك أصله لا بد ولا محالة، ثم كثر فحول إلى معنى القسم وصار بمعنى حقا ولهذا يجاب باللام نحو: لا جرم لأفعلن، ذكره الفراء.

الجحمة

(الجحمة) النَّار الشَّدِيدَة التأجج

(الجحمة) الجحمة (ج) جحم
الجحمة: شدة تأجج النار ومنه الجحيم. وجحم وجهه من شدة الغضب استعارة من جحمه النار وذلك من ثوران حرارة القلب، ذكره الراغب. وقال الحرالي: الجحم انضمام الشيء وعظم كبره، ومن معنى حروفه الحجم وهو التضام وظهور المقدار إلا أن الحجم فيما يظهر كالــأجسام. والجحم بتقديم الجيم فيما لطف كالصوت والنار. 

الجبروت

(الجبروت) الْقَهْر
الجبروت: عند أبي طالب المكي. عالم العظمة أي عالم الأسماء والصفات الإلهية. وعند الأكثر العالم الأوسط وهو البرزخ المحيط بالآيات الجمة.
الجبروت:
[في الانكليزية] The all -mighty ،constraint
[ في الفرنسية] La Toute -puissance ،contrainte
عند الصوفية عبارة عن الذات القديمة وهي صيغة المبالغة بمعنى الجبر. والجبر إمّا بمعنى الإجبار من قولهم جبرته على الأمر جبرا أو أجبرته أكرهته عليه، أو بمعنى الاستعلاء من قولهم نخلة جبارة إذا فاتتها الأيدي. والجبّار الملك تعالى كبرياؤه متفرّد بالجبروت لأنه يجري الأمور مجاري أحكامه، ويجبر الخلق على مقتضيات إلزامه، أو لأنّه يستعلي عن درك العقول كذا في شرح القصيدة الفارضية.
والصفات القديمة تسمّى بالملكوت كما وقع في هذا الشرح أيضا، ويجئ في محله. وفي مجمع السلوك الملكوت عندهم عبارة من فوق العرش إلى تحت الثرى وما بين ذلك من الــأجسام والمعاني والأعراض. والجبروت ما عدا الملكوت كذا قال الديلمي.
وقال بعض الكبار وأمّا عالم الملكوت فالعبد له فيه اختيار ما دام في هذا العالم، فإذا دخل في عالم الملكوت صار مجبورا على أن يختار ما يختار الحق وأن يريد ما يريد، لا يمكنه مخالفته أصلا انتهى.
وفي بعض حواشي شرح العقائد النسفية في الخطبة في اصطلاح المشايخ عالم الجبروت عالم الكروبيين وهو عالم المقربين من الملائكة وتحته عالم الأجساد وهو عالم الملك.
والمراد من الجبروت الجبارية وهي عبارة من قهر الغير على وفق إرادته. والجبروت والعظمة بمعنى واحد لغة غير أنّ فيه معنى المبالغة لزيادة اللفظ. وفي اصطلاح أهل الكلام عبارة عن الصفات كما أنّ اللاهوت عبارة عن الذات، فالإضافة في نعوت الجبروت على هذا الاصطلاح إضافة المسمّى إلى اسمه انتهى كلامه. ويقول في كشف اللغات: الجبروت هو مرتبة الوحدة باصطلاح السّالكين، التي هي الحقيقة المحمديّة، ولها علاقة بمرتبة الصّفات.

انتهى. ويقول في موضع آخر: وتدعى مرتبة الصّفات الجبروت، ومرتبة الأسماء الملكوت.

وفي مرآة الأسرار يقول: اعلم بأنّ لأهل الفردانيّة مقام اللّاهوت، يعني تجلّي الذات. ولاهوت في الأصل تعني: لا هو إلّا هو. وحرف التاء زائد على قانون العربية، ومن عادة هؤلاء القوم (الصوفية) إذا تكلّموا بكلام مخالط أن يضيفوا إليه شيئا أو يحذفوا منه شيئا، لكي لا يصل إلى فهم مقصودهم من ليسوا بأهل لذلك. إذن لا هي نفي، أي لا يكون تجلّي الصفات لهؤلاء الأفراد. وهو اسم ذات يعني إلّا هو ما عدا تجلّي الذات. ولاهوت نفسها يعني أنّه ليس للفردانيّة مقام خارج عن الحدود السّتّة، وإذا أضيف لفظ مقام إليه أي حين يقال مقام اللاهوت فهو مجازي. ولا مقام له. وأسفل من هذا المقام الجبروت يعني: مقام جبر الخلائق وكسرهم، وهذا مقام هو مقام قطب العالم الذي يتصرّف من العرش إلى الفرش (الثرى)، ويتضمّن الجبر والكسر في الجهات السّتّ.
ولقطب العالم فيض من العرش المجيد وله تعلّق بالعزل والتعيين. ومن هنا يقال بأنّ لهذا المقام التصرّف بالجبر والكسر، فإنّ كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء هي من هذا العالم. ومتى حصل الترقّي من مقام الجبر والكسر فإلى مقام الفردانيّة الذي هو اللّاهوت يكون الوصول. وفي عالم الفردانيّة يعتبر الاشتغال بعالم الجبروت من جبر وكسر كفرا. والأفراد القادرون فوق عالم الجبروت إذا تشاغلوا بالجبر والكسر فإنّهم يخطّون عن مقام الفردانية أي مقام تجلّي الذات، ولهذا السبب يبقون أفرادا مستورين. انتهى.
ويقرب من هذا ما ورد نظما في مجمع السلوك في أحد المواضع: بأنّ منازل الخلائق أربعة:
1 - 
الأول: هو منزل يسمّى الناسوت وتنطبق عليه جميع الأوصاف الحيوانية 2 -
وبواسطة عناية الشيوخ بشّرت ببيان المنازل الأربعة.
3 - إذا عبر الآن من منزل الناسوت يصل إلى المنزل الثاني وهو منزل الملاك 4 -
فمتى صار معروفا في ذلك العالم كشف له عن الملائكة حتى يعاينهم.
5 - فإذا ارتقى من عالم الملكوت يصل إلى المنزل الثالث أي الجبروت وفي مقام الروح غلبت عليّ الحيرة فجاءتني الإشارة منه بالغيرة وفي ذلك المنزل كان الكشف والكرامات ولكن يجب تجاوز تلك المقامات فلو تعرضت له الدنيا والآخرة فلا ينبغي له أبدا النظر إليهما.
وبنور الذّكر يجب العبور ويجب غسل القلب بدموع التّوبة.
ومن تلك الحال يكون مقام النور فينأى عن صفات الماء والطين فمتى تنزّهت الروح والقلب عن التعلّق بالغير (بالسويّ) صعد إلى عالم اللّاهوت بدون خوف وفي ذلك المنزل الرابع البحث لا يكون إلّا مع الله.
ومقام القرب منزل لا يحتاج إلى علامة سوى أنّه في عالم آخر غير الكون الذي نعرفه وإلى هناك يصل السّالك بعون الحق متى صار مالكا لجملة الأشياء. 

الجاحظية

(الجاحظية) فرقة من الْمُتَكَلِّمين الْمُعْتَزلَة ينسبون إِلَى الجاحظ
الجاحظية: أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ. قالوا يمتنع انعدام الجوهر، والخير والشر من فعل العبد.
الجاحظية: طَائِفَة عمر بن سجر الجاحظ قَالُوا انعدام الْجَوْهَر مُمْتَنع وَالْخَيْر وَالشَّر من فعل العَبْد. وَالْقُرْآن جَسَد يَنْقَلِب تَارَة رجلا وَتارَة امْرَأَة.
الجاحظية:
[في الانكليزية] Al -Jaheziyya (sect)
[ في الفرنسية] Al -Jaheziyya (secte)
بالحاء المهملة هي فرقة من المعتزلة أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ، قالوا:
المعارف كلّها ضرورية ولا إرادة في الشاهد أي في الواحد منّا، إنّما هي إرادته لفعله عدم السهو، أي كونه عالما به غير ساه عنه، وإرادته لفعل الغير هي ميل النفس إليه. وقالوا إنّ الــأجسام ذوات طبائع مختلفة لها آثار مخصوصة، كما هو مذهب الطبعيين من الفلاسفة ويمتنع انعدام الجواهر، إنّما تتبدّل الأعراض والجواهر باقية على حالها، كما قيل في الهيولى، والنار تجذب إلى نفسها أهلها لا أنّ الله يدخلهم فيها. والخير والشّرّ من فعل العبد، والقرآن جسد ينقلب تارة رجلا وتارة امرأة، كذا في شرح المواقف.

البصر

البصر: قوة مودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تلتقيان ثم تفترقان تتأدى إلى العين بها الأضواء والألوان والأشكال.
البصر:
[في الانكليزية] The vision
[ في الفرنسية] La vue
بفتح الموحدة والصاد المهملة بينائى.
وهو عند الحكماء قوّة مودعة في ملتقى العصبتين المجوّفتين النابتتين من غور البطنين المقدّمين من الدماغ، يتيامن النابت منهما يسارا، ويتياسر النابت منهما يمينا حتى يلتقيا ويتقاطعا ويصير تجويفهما واحدا ثم يتفرقا، وينفذ النابت يمينا إلى الحدقة اليمنى والنابت يسارا إلى الحدقة اليسرى، فذلك الملتقى هو الذي أودع فيه القوّة الباصرة، ويسمّى بمجمع النور. وسبب تجويفهما الاحتياج إلى كثرة الروح الحاملة للقوّة الباصرة، بخلاف باقي الحواس الظاهرة. ومدركاتها تسمّى مبصرات والمبصر بالذات هو الضوء واللون. وأمّا ما سواهما من الأشكال والصغر والكبر والقرب والبعد ونحوها فبواسطتهما. واختلفوا في الأطراف أي النقطة والخطّ والسطح فقيل هي أيضا مبصرة بالذات. وقيل بالواسطة وليس المراد بالمبصر بالذات ما لا يتوقف إبصاره على إبصار غيره وبالمبصر بالواسطة ما يتوقّف إبصاره على إبصار غيره حتى يرد أنّ المدرك بالذات هو الضوء لا غير، إذ اللّون مرئي بواسطة الضوء، بل المراد بالمرئي بالذات وبالعرض أن يكون هناك رؤية واحدة متعلّقة بشيء، ثم تلك الرؤية بعينها متعلّقة بشيء آخر فيكون الشيء الآخر مرئيا ثانيا وبالعرض، والأوّل مرئيا أولا، وبالذات على قياس قيام الحركة بالسفينة وراكبها.
ونحن إذا رأينا لونا مضيئا فهناك رؤيتان.
أحدهما متعلّقة بالضوء أولا وبالذات. والأخرى متعلّقة باللّون كذلك، وإن كانت هذه الأخرى مشروطة بالرؤية الأولى. ولهذا انكشف كلّ منهما عند الحسّ انكشافا تاما، بخلاف ما عداهما فإنها لا تتعلق بشيء منها رؤية ابتداء، بل الرؤية المتعلّقة بلون الجسم ابتداء متعلّق هي بعينها ثانيا بمقداره وشكله وغيرهما فهي مرئية بتلك الرؤية لا برؤية أخرى؛ ولهذا لم تنكشف انكشاف الضوء واللون عند الحسّ.
ومن زعم أنّ الأطراف مرئية بالذات جعلها مرئية برؤية أخرى مغايرة لرؤية اللون.
فائدة:
اختلف الحكماء في كيفية الإبصار.
والمذاهب المشهورة فيه ثلاثة. المذهب الأول وهو مذهب الرياضيين أنه يخرج من العين جسم شعاعي على هيئة مخروط متحقّق رأسه يلي العين وقاعدته يلي المبصر، والإدراك التّام إنما يحصل من الموضع الذي هو موضع سهم المخروط. ثم إنهم اختلفوا فيما بينهم على وجوه ثلاثة. الأول أن ذلك المخروط مصمت.
الثاني أنه ملتئم من خطوط شعاعية مستقيمة هي أجسام دقاق قد اجتمع أطرافها عند مركز البصر وامتدت متفرّقة إلى المبصر، فما وقع عليه أطراف تلك الخطوط أدركه البصر وما وقع بينها لا يدركه. ولذلك تخفى على البصر الأجزاء التي في غاية الصغر كالمسامات. الثالث أنه يخرج من العين جسم شعاعي دقيق كأنه خطّ مستقيم ينتهي إلى المبصر ثم يتحرك على سطحه حركة سريعة جدا في طول المرئي وعرضه فيحصل الإدراك. واحتجوا بأن الإنسان إذا رأى وجهه في المرآة فليس ذلك لانطباع صورته فيها، وإلّا كانت منطبعة في موضع منها ولم تختلف باختلاف أمكنة الرائي من الجوانب، بل لأن الشعاع خرج من العين إلى المرآة ثم انعكس بصقالتها إلى الوجه. ألا يرى أنه إذا قرّب الوجه إليها يخيل أن صورته مرتسمة في سطحها وإذا بعد عنها توهّم أنها غائرة فيها مع علمنا بأنّ المرآة ليس فيها غور بذلك المقدار.
والمذهب الثاني هو مذهب أرسطو وأتباعه من الطبعيين أنه إنما يحصل بانعكاس صورة المرئي بتوسّط الهواء المشفّ إلى الرطوبة الجليدية التي في العين وانطباعها في جزء منها، وذلك الجزء زاوية رأس مخروط متوهّم لا وجود له أصلا، وقاعدته سطح المرئي ورأسه عند الباصرة. ولذلك يرى القريب أعظم من البعيد لأنّ الوتر الواحد كلّما قرب من النقطة التي خرج منها إليه خطان مستقيمان محيطان بزاوية كان أقصر ساقا فأوتر عند تلك النقطة زاوية أعظم، وكلّما بعد عنها كان أطول ساقا فأوتر عندها زاوية أصغر. والنفس إنّما تدرك الصّغر والكبر في المرئي باعتبار تلك الزاوية، فإنها إذا كانت صغيرة كان الجزء الواقع من الجليدية فيها صغيرا فيرتسم فيه صورة المرئي فيرى صغيرا، وإذا كانت كبيرة كان الجزء الواقع فيها كبيرا فيرتسم صورته فيه فيرى كبيرا.
وهذا إنما يستقيم إذا جعل الزاوية موضعا للإبصار كما ذهبنا. وأما إذا جعل موضعه قاعدة المخروط كما يقتضيه القول بخروج الشّعاع فيجب أن يرى كما هو سواء خرجت الخطوط الشعاعية من زاوية ضيّقة أو غير ضيّقة، هكذا قالوا، وفيه بحث إذ ليس الإبصار حاصلا بمجرّد القاعدة، بل لرأس المخروط فيه مدخل أيضا، فجاز أن يتفاوت حاصل المرئي صغرا وكبرا بتفاوت رأسه دقّة وغلظا.
ثم إنهم لا يريدون بالانطباع المذكور أنّ الصورة منفعلة من البصر إلى الرطوبة الجليدية، بل المراد به أنّ الصورة إنما تحصل فيها عند المقابلة عن واهب الصّور لاستعداد يحصل بالمقابلة، وليس في قوّة البشر تعليل هذا.
وذلك لأنّ الإبصار ليس بمجرد الانطباع المذكور، وإلّا لزم رؤية الشيء شيئين بسبب انطباعه في جليدتي العينين بل لا بدّ مع ذلك من تأدّي الشبح في العصبتين المجوّفتين إلى ملتقاهما بواسطة الروح التي فيهما ومنه إلى الحسّ المشترك. والمراد من التأدية أنّ انطباعها في الجليدة معدّ لفيضان الصّورة من واهب الصّور على الملتقى، وفيضانها عليه معدّ لفيضانها على الحسّ المشترك.
والمذهب الثالث هو مذهب طائفة من الحكماء وهو أنّ الإبصار ليس بخروج الشعاع ولا بالانطباع بل بأنّ الهواء المشفّ الذي بين البصر والمرئي يتكيّف بكيفية الشعاع الذي في البصر ويصير بذلك آلة للإبصار. وهذا المذهب في حكم المذهب الأول لأنّه مبني على الشعاع. قال الإمام الرازي: إنّا نعلم بالضرورة أنّ العين على صغرها لا يمكن أن يخيل نصف كرة العالم إلى كيفيتها، ولا أن يخرج منها ما يتّصل بنصف كرته ولا أن يدخل فيها صورة نصفه. فالمذاهب الثلاثة باطلة ظاهرة الفساد بتأمّل قليل. ومن المحتمل أن يقال الإبصار شعور مخصوص وذلك الشعور حالة إضافية، فمتى كانت الحاسّة سليمة وسائر الشروط حاصلة والموانع مرتفعة حصلت للمبصر هذه الإضافة من غير أن يخرج عن عينه جسم أو ينطبع فيها صورة؛ فليس يلزم من إبطال الشعاع أو الانطباع صحة الآخر، إذ ليسا على طرفي النقيض، انتهى. وملخّصه على ما قيل إنه إذا قابل المرئي على الرائي على وجه مخصوص خلق الله الرؤية من غير اتصال شعاع ولا انطباع صورة.
فائدة:
قال الفلاسفة وتبعهم المعتزلة إنّ الإبصار يتوقّف على شرائط ممتنع حصوله بدونها ويجب حصوله معها وهي سبعة. الأول المقابلة.
والثاني عدم البعد المفرط. والثالث عدم القرب المفرط فإنّ المبصر إذا قرّب البصر جدا بطل الإبصار. والرابع عدم الصغر المفرط.
والخامس عدم الحجاب بالكثيف بين الرائي والمرئي. والسادس كون المرئي مضيئا إمّا من ذاته أو من غيره. والسابع كونه كثيفا أي مانعا للشعاع من النفوذ فيه. وما قيل من أنه قد يضاف إلى هذه السبعة ثلاثة أخرى هي سلامة الحاسّة والقصد إلى الإحساس وتوسّط الشفاف بين الرائي والمرئي ففيه أنّ هذا الأخير يغني عنه اشتراط عدم الحجاب؛ لكنّ الأوّلين لا بدّ أن يعدّا من الشروط، فالحقّ أنّ الشروط تسعة.
والأشاعرة ينكرونها ويقولون لا نسلّم وجوب الرؤية عند اجتماع تلك الشرائط، فإنّا نرى الجسم الكبير من البعيد صغيرا وما ذلك إلّا لأنّا نرى بعض أجزائه دون البعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط.
فائدة:
أجمعت الأئمة من الأشاعرة على أنّ رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة على ما هو عليه جائزة عقلا، واختلفوا في جوازها سمعا في الدنيا، فأثبته البعض ونفاه آخرون. وهل يجوز أن يرى في المنام؟ فقيل لا، وقيل نعم. والحقّ أنّه لا مانع من هذه الرؤيا وإن لم تكن رؤية حقيقة. ولا خلاف بيننا وبين معاشر الأشاعرة في أنّه تعالى يري ذاته. والمعتزلة حكموا بامتناع رؤيته عقلا لذوي الحواسّ واختلفوا في رؤيته لذاته. قال الإمام الرازي: الأمة في وقوع الرؤية على قولين: الأول يصحّ ويرى والثاني لا يصحّ ولا يرى.

الْحَواس الْبَاطِنَة

الْحَواس الْبَاطِنَة: فَهِيَ الْحس الْمُشْتَرك - والخيال - وَالوهم - والحافظة - والمتصرفة - وَوجه الضَّبْط أَن الحاسة إِمَّا مدركة أَو مُعينَة على الْإِدْرَاك. والمدركة إِمَّا مدركة للصور أَعنِي مَا يُمكن أَن يدْرك بالحواس الظَّاهِرَة وَهِي الْحس الْمُشْتَرك. وَإِمَّا مدركة للمعاني أَعنِي مَا لَا يُمكن أَن يدْرك بهَا وَهِي الْوَهم. والمعينة إِمَّا مُعينَة بِالتَّصَرُّفِ وَهِي المتصرفة. وَإِمَّا مُعينَة بِالْحِفْظِ. فإمَّا أَن يحفظ الصُّور وَهِي الخيال. وَإِمَّا أَن يحفظ الْمعَانِي وَهِي الحافظة وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا وَجه الضَّبْط لَا دَلِيل الْحصْر إِذْ لَا شكّ فِي أَنَّهَا غير منحصرة فِيمَا ذكر عقلا. وَاعْلَم أَن الْحَواس كلهَا فِي الْإِنْسَان عِنْد الْمُحَقِّقين آلَة للإدراك إِمَّا لحدوثه أَو لحفظه والمدرك فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْعقل.
الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ فِي الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الْحَادِث اسْم فَاعل من الْحُدُوث فَعَلَيْك كشف الغطاء عَن الْحُدُوث حَتَّى يجلو لَك الْحَادِث. فَاعْلَم أَن الْحُدُوث يُطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: وجود الشَّيْء بعد عَدمه بعدية زمانية. وَبِعِبَارَة أُخْرَى كَون الشي مَسْبُوقا بِالْعدمِ سبقا زمانيا وَهُوَ الْمُسَمّى بالحدوث الزماني ويقابله الْقدَم الزماني. فالحادث حِينَئِذٍ هُوَ الْمَوْجُود الْمَسْبُوق بِالْعدمِ سبقا زمانيا. والمتكلمون قَائِلُونَ بِأَن الْعَالم حَادث بِهَذَا الْحُدُوث. وَثَانِيهمَا: كَون الشَّيْء مفتقرا مُحْتَاجا فِي وجوده إِلَى غَيره أَي علته تَامَّة أَو نَاقِصَة. والحكماء يَقُولُونَ بِهِ فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية والأجرام الفلكية بموادها وصورها الجسمية والنوعية بأشخاصها وأشكالها وأضواءها والــأجسام العنصرية بموادها وَمُطلق صورها الجسمية لَا أشخاصها وَأما صورها النوعية فَقيل بجنسها فَإِن أطوار خُصُوصِيَّة أَنْوَاعهَا لَا تجب أَن تكون قديمَة وَالظَّاهِر من كَلَامهم قدمهَا بأنواعها.
وَنقل عَن أفلاطون أَنه قَالَ بحدوث الْعَامِل حدوثا زمانيا فالحادث على هَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُحْتَاج فِي وجوده إِلَى غَيره. وَبَين الْمَعْنيين عُمُوم وخصوص مُطلقًا تحققا. فَإِن الْمَعْنى الأول أخص مُطلقًا من حَيْثُ التحقق من الْمَعْنى الثَّانِي لِأَن كل شَيْء وجد فِيهِ الْحُدُوث الزماني وجد هُنَاكَ الْحُدُوث الذاتي بِلَا عكس كلي وَأما بِحَسب الصدْق فبينهما مبائنة كُلية كَمَا لَا يخفى. وَبَين الْحَادِث بِالْمَعْنَى الأول والحادث بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَيْضا عُمُوم وخصوص مُطلقًا كَذَلِك لَكِن بِحَسب الصدْق فَإِن كل شَيْء يكون مَوْجُودا بعد عَدمه كَانَ مفتقرا فِي وجوده إِلَى الْغَيْر وَلَيْسَ كل مَا كَانَ مفتقرا فِي وجوده إِلَى الْغَيْر يكون مَسْبُوقا بِعَدَمِهِ. فَإِن الْحُكَمَاء قَائِلُونَ بِأَن الْعُقُول وَغَيرهَا كَمَا مر حَادِثَة بِالذَّاتِ مُمكنَة محتاجة فِي وجودهَا إِلَى الْغَيْر وَهُوَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى وَمَعَ هَذَا قديمَة بِالزَّمَانِ لقدم علتها الْوَاجِبَة بِالذَّاتِ تَعَالَى شَأْنهَا. وَقدم الْعلَّة مُسْتَلْزم لقدم معلولها بِالضَّرُورَةِ.
وَقَالَ الباقر فِي الإيماضات إِن تخصص التقرر بآن أَو بِزَمَان مَا مَقْطُوع من جِهَة الْبِدَايَة يُقَال لَهُ الْحُدُوث الزماني. وموضوعه وَهُوَ الْحَادِث الزماني يكون لَا محَالة مَسْبُوق الْوُجُود فِي أفق التقضي والتجدد بِالزَّمَانِ الْقبل وباستمرار عَدمه الْوَاقِع فِيهِ سبقا زمانيا ويقابله الْقدَم الزماني وَهُوَ أَن يستوعب اسْتِمْرَار الْوُجُود قطرا فِي التقضي والتجدد. فَيتَحَقَّق فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة والآنات وَلَيْسَ الاتصاف بهما إِلَّا للزمانيات. وَوُقُوع التقرر رغب الْعَدَم الصَّرِيح فِي وعَاء الدَّهْر يُقَال لَهُ الْحُدُوث الدهري. وموضوعه وَهُوَ الْحَادِث الدهري مَسْبُوق الْوُجُود فِي الدَّهْر سبقا دهريا بِعَدَمِ صرف فِي الْأَعْيَان لَا بِزَمَان أَو آن. وَلَا باستمرار الْعَدَم أَو لَا اسْتِمْرَار ويتصف بِهِ الْحَادِث الزماني بِمَا هُوَ مَوْجُود متقرر فِي وعَاء الدَّهْر لَا بِمَا هُوَ زماني وَاقع فِي أفق الزَّمَان ويقابله الْقدَم الدهري وَهُوَ السرمدية أَي تسرمد الْوُجُود فِي وعَاء الدَّهْر لَا فِي أفق الزَّمَان. وفعلية التقرر بعد بطلَان الْحَقِيقَة. وهلاك الذَّات فِي لحاظ الْعقل يُقَال لَهَا الْحُدُوث الذاتي. وموضوعه وَهُوَ الْحَادِث الذاتي فِي حد نَفسه مَسْبُوق الذَّات والوجود وَهُوَ مَوْجُود مَا دَامَ مَوْجُودا بِالْبُطْلَانِ والعدم أبدا. وَلَكِن سبقا بِالذَّاتِ وَفِي لحاظ الْعقل لَا سبقا دهريا. وَفِي الْأَعْيَان وَهُوَ يستوعب عَمُود عَالم الْإِمْكَان على الِاسْتِغْرَاق ويقابله الْقدَم الذاتي المساوق للْوُجُوب بِالذَّاتِ انْتهى.
وَقَالَ أهل الْحق إِن الْعَالم وَهُوَ مَا سوى ذَاته تَعَالَى وَصِفَاته حَادث بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ حدوثا زمانيا أَي وجد بعد عَدمه بعدية زمانية كَمَا حقق فِي الْكتب الكلامية الإسلامية. وَهَا هُنَا بحث وَهُوَ أَن الْحُدُوث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الْعَدَم على الْوُجُود فِي الزَّمَان السَّابِق فَلَا بُد لَهُ من سبق الزَّمَان. وَالزَّمَان إِمَّا من جملَة الْعَالم أَو خَارج عَنهُ لَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي فَإِن وَرَاء الْعَالم لَيْسَ إِلَّا ذَاته تَعَالَى وَصِفَاته فَيكون الزَّمَان من جملَة الْعَالم بِالضَّرُورَةِ. فَأَقُول إِنَّه حَادث بالحدوث الزماني أَو الذاتي لَا سَبِيل إِلَى الأول لِأَنَّهُ على الأول يلْزم وجود الزَّمَان حِين عَدمه لما مر من أَن الْحُدُوث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الْعَدَم فِي الزَّمَان السَّابِق وَهُوَ محَال بالبداهة لَا طَرِيق إِلَى الثَّانِي أَيْضا لِأَنَّهُ لَو كَانَ حُدُوثه ذاتيا لزم بطلَان قَوْلهم الْمَذْكُور أَعنِي أَن الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ حَادث بالحدوث الزماني مَعَ أَنهم لَا يَقُولُونَ بالحدوث الذاتي.
وَالْجَوَاب أَن الزَّمَان من جملَة الْعَالم. والمتكلمون قَائِلُونَ بِأَن تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على الْبَعْض وتأخره عَنهُ وَكَذَا تقدم عدم الزَّمَان على وجوده وَتَأَخر وجوده عَن عَدمه تقدم وَتَأَخر بِالذَّاتِ أَي بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان. وَهَذَا التَّقَدُّم والتأخر قسم سادس أحدثه المتكلمون كَمَا حققنا فِي التَّقَدُّم. لَكِن التَّقَدُّم الذاتي الَّذِي أثْبته المتكلمون غير التَّقَدُّم الذاتي الَّذِي أثْبته الْحُكَمَاء. والبعدية الذاتية أَيْضا كَذَلِك لِأَن التَّقَدُّم الذاتي عِنْد الْمُتَكَلِّمين هُوَ الْقبلية الَّتِي لَا يُجَامع مَعهَا الْقبل الْبعد وَكَذَا البعدية الذاتية. والتقدم الذاتي عِنْد الْحُكَمَاء هُوَ تقدم الْمُحْتَاج إِلَيْهِ على الْمُحْتَاج. فمراد الْمُتَكَلِّمين بقَوْلهمْ الْمَشْهُور الْمَذْكُور أَن الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مَوْجُود بعد الْعَدَم بعدية لَا يُجَامع مَعهَا الْبعد الْقبل بعدية وجودية الزَّمَان عَن عَدمه كَذَلِك وَإِنَّمَا عبروا عَن هَذِه البعدية بالبعدية الزمانية المشعرة بوساطة الزَّمَان جَريا على اصْطِلَاح الْحُكَمَاء فَلَا يلْزم وجود الزَّمَان عِنْد عَدمه
وَإِن أردْت توضيح هَذَا المرام فاستمع لما قَالَه الْفَاضِل المدقق القمقام ملا يُوسُف رَحمَه الله ولعلهم أَرَادوا بالبعدية الزمانية هَا هُنَا بعدية لَا يُجَامع مَعهَا الْقبل الْبعد وَلما كَانَ هَذَا الْمَعْنى عِنْد الْحُكَمَاء منحصرا فِي الزَّمَان وأجزائه عرضا أوليا لأجزاء الزَّمَان وعروضه لغير الزَّمَان وأجزائه ثَانِيًا وبالعرض وَكَانَ التَّقَدُّم الزماني هُوَ هَذَا وَكَأن أَقسَام التَّقَدُّم منحصرا فِي الْخمس كَمَا بينوا فِي مَوْضِعه وَإِن لم ينْحَصر عِنْد الْمُتَكَلِّمين كَمَا مر سموهُ بعدية زمانية على اصْطِلَاح الْحُكَمَاء انْتهى. وَلَك أَن تَقول إِن انْتِقَاض مَا تقرر أَن الْحَادِث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الزَّمَان بَاقٍ على حَاله لأنكم تَقولُونَ إِن الزَّمَان حَادث بالحدوث الزماني وتقولون إِن تقدم عَدمه على وجوده وبعدية وجوده عَن عَدمه ذاتيان بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان وَإِن سميته بعدية زمانية. وَيُمكن أَن يُقَال إِن ذَلِك الاستدعاء إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْحُكَمَاء. وَأما عِنْد الْمُتَكَلِّمين فَلَا. نعم إِنَّهُم أَيْضا قَائِلُونَ بِأَن الْحَادِث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الزَّمَان لَكِن لَا مُطلقًا بل إِذا كَانَ الْحَادِث زمانيا - وَأما إِذا كَانَ زَمَانا أَو أجزاءه فَلَا. وَمن طلعت عَلَيْهِ شموس حقائق الزَّمَان والدهر والسرمد فقد انْكَشَفَ عَنهُ ظلام أَمْثَال هَذِه المزالق الَّتِي زلت فِيهَا أَقْدَام القاصرين.

الطلسم

(الطلسم) (فِي علم السحر) خطوط وأعداد يزْعم كاتبها أَنه يرْبط بهَا روحانيات الْكَوَاكِب العلوية بالطبائع السفلية لجلب مَحْبُوب أَو دفع أَذَى وَهُوَ لفظ يوناني لكل مَا هُوَ غامض مُبْهَم كالألغاز والأحاجي والشائع على الْأَلْسِنَة طلسم كجعفر وَيُقَال فك طلسمه أَو طلاسمه وضحه وَفَسرهُ (ج) طلاسم

(الطلسم) الطلسم
الطلسم: علم يتعرف مِنْهُ كَيْفيَّة تمزيج القوى الْعَالِيَة الفعالة بالسافلة المنفعلة ليحدث عَنْهَا أَمر غَرِيب فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد وَاخْتلف فِي معنى الطلسم وَالْمَشْهُور أَقْوَال ثَلَاثَة الأول أَن الطل بِمَعْنى الْأَثر فَالْمَعْنى أثر اسْم الثَّانِي أَنه لفظ يوناني مَعْنَاهُ عقد لَا ينْحل الثَّالِث أَنه كِنَايَة عَن مسلط وَعلم الطلسمات أسْرع تناولا من علم السحر وَأقرب مسلكا وللسكاكي فِي هَذَا الْفَنّ كتاب جليل الْقدر عَظِيم الْخطر. وَأَيْضًا قَالُوا إِن الطلسم عبارَة بتمزيج القوى الفعالة السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية ليظْهر من ذَلِك آثَار غَرِيبَة وأفعال عَجِيبَة وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد الْحُكَمَاء بالليمياء كَمَا أَن الْعلم بتبديل قوى الْــأَجْسَام المعدنية بَعْضهَا بِبَعْض ليحصل مِنْهُ الذَّهَب وَالْفِضَّة يسمونه بالكيمياء وَلَهُم عُلُوم أخر من هَذَا الْبَاب من الْعُلُوم الغريبة مثل السيمياء وَهُوَ الْعلم الَّذِي يتَصَرَّف بِهِ فِي خيال الْإِنْسَان ليحدث مِنْهُ مثالات خيالية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج ويلتذ بهَا ويفزع عَنْهَا كَمَا يلتذ يفزع بالصور الخارجية والهيمياء وَهُوَ الْعلم بأحوال السيارات السَّبْعَة من حَيْثُ إِنَّهَا تتصرف فِي السفليات ودعوتها وتسخيرها وَمَا يتَعَلَّق بذلك وَمِنْه تسخير الجنيات والريمياء وَهُوَ الْعلم بتمزيج القوى الأرضية بَعْضهَا بِبَعْض ليحدث مِنْهُ فعل غَرِيب وَمِنْه الشعبذة وَقد عبروا عَن هَذِه الْعُلُوم الْخَمْسَة وأشاروا إِلَيْهَا بحروف (كُله سر) الْحَاصِل من جمع الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل أَسمَاء فِي الْعُلُوم.

الْحِكْمَة

(الْحِكْمَة) معرفَة أفضل الْأَشْيَاء بِأَفْضَل الْعُلُوم وَالْعلم والتفقه وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} وَالْعدْل وَالْعلَّة يُقَال حِكْمَة التشريع وَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك وَالْكَلَام الَّذِي يقل لَفظه ويجل مَعْنَاهُ (ج) حكم
و (علم الْحِكْمَة) الكيمياء والطب

(الْحِكْمَة) حِكْمَة اللجام حديدته الَّتِي تكون فِي فَم الْفرس ويتصل بهَا العذاران وَمن الشَّاة وَنَحْوهَا ذقنها وَمن الْإِنْسَان أَسْفَل وَجهه أَو مقدمه وَيُقَال رفع الله حكمته رفع شَأْنه وَقدره (ج) حكم
الْحِكْمَة: يَقُول شمس الدّين الشهرزوري فِي (تَارِيخ الْحُكَمَاء) أَنه ظهر وباء فِي زمن أفلاطون وَكَانَ هُنَاكَ مذبح على شكل مكعب، فجَاء الْوَحْي على أحد أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل أَن يُضَاعف هَذَا المذبح حَتَّى ينْتَفع بِهِ، فعمدوا إِلَى بِنَاء مذبح مشابه إِلَى جَانب المذبح السَّابِق وَزَادُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا ذَلِك للنَّبِي فجَاء الْوَحْي أَنهم يبنوا إِلَى جَانب المذبح مذبحا ويجعلوه تِسْعَة أَضْعَاف المكعب. فاستعانوا عِنْدهَا بأفلاطون فَقَالَ لَهُم إِنَّكُم نفرتم من الهندسة وَالْحق تَعَالَى قد نبهكم بِهَذِهِ الطَّرِيقَة كلما اسْتَطَعْتُم اسْتِخْرَاج خطين وسط خطين على نِسْبَة وَاحِدَة فَإِنَّكُم ستحصلون على الْمَطْلُوب. وتحقيقه فِي كتب الهندسة وَعَلَيْك أَن لَا تكون تَابعا للحكماء فِي الآلهيات فَإِنَّهُم فِيهَا على الْبطلَان والخذلان.
الْحِكْمَة: فِي اللُّغَة دانائي. وَعند أَرْبَاب الْمَعْقُول فِي تَعْرِيفهَا اخْتِلَاف. وَالْمَشْهُور أَن الْحِكْمَة علم بأحوال أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِقدر الطَّاقَة البشرية. وَالْمرَاد (بأعيان الموجودات) الموجودات العينية إِلَى الخارجية (بالبشر) الْبشر الَّذِي يكون من أوساط النَّاس لَا فِي غَايَة الْعُلُوّ وَلَا فِي غَايَة السّفل و (بعلى مَا هِيَ عَلَيْهِ) على وَجه يكون أَحْوَال الْأَعْيَان على ذَلِك الْوَجْه من الْوُجُوب والإمكان والامتناع والتحيز والجسمية وَغَيرهَا من الْقدَم والحدوث. قيل إِن بعض الْحُكَمَاء قَائِلُونَ بِأَن الْعَالم قديم وَبَعْضهمْ بِأَنَّهُ حَادث وَكِلَاهُمَا حَكِيم وَلَيْسَ كلا مِنْهُمَا مطابقا لما فِي نفس الْأَمر بل وَاحِد مِنْهُمَا مُطَابق لَهُ فَيلْزم أَن لَا يكون أَحدهمَا حكيما وَكِلَاهُمَا حَكِيم. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد علم بأحوال أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِزَعْمِهِ بِقدر الطَّاقَة البشرية وموضوعها على هَذَا التَّعْرِيف الموجودات الخارجية فَيخرج الْمنطق حِينَئِذٍ عَن الْحِكْمَة لِأَنَّهُ باحث عَن أَحْوَال الموجودات الذهنية لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن المنقولات الثَّانِيَة وَهِي الَّتِي لَا يحاذيها شَيْء فِي الْخَارِج.
وَمن عرف الْحِكْمَة بِمَا بِهِ خُرُوج النَّفس إِلَى كمالها الْمُمكن فِي جَانِبي الْعلم وَالْعَمَل. أما فِي جَانب الْعلم فبأن يكون متصورا للموجودات كَمَا هِيَ ومصدقا للقضايا كَمَا هِيَ. وَأما فِي جَانب الْعَمَل فَإِن يحصل لَهُ الملكة التَّامَّة على الْأَفْعَال المتوسطة بَين الإفراط والتفريط جعل الْمنطق من الْحِكْمَة بل جعل الْعَمَل أَيْضا مِنْهَا. وَكَذَا من ترك الْأَعْيَان فِي تَعْرِيفهَا جعله من أَقسَام الْحِكْمَة النظرية إِذْ لَا يبْحَث فِيهِ إِلَّا من المعقولات الثَّانِيَة الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَأَيْضًا الْحِكْمَة هِيَ هَيْئَة الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة العملية المتوسطة بَين الجزيرة الَّتِي هِيَ إفراط هَذِه الْقُوَّة والبلادة الَّتِي هِيَ تفريطها وتفصيلها فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَاعْلَم: أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْمنطق من الْحِكْمَة أم لَا فَمن قَالَ إِنَّه لَيْسَ بِعلم فَعنده لَيْسَ بحكمة إِذْ الْحِكْمَة علم بأحوال أَعْيَان الموجودات كَمَا مر. والقائلون بِأَنَّهُ علم يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه مِنْهَا أم لَا. والقائلون بِأَنَّهُ مِنْهَا يُمكن الِاخْتِلَاف بَينهم بِأَنَّهُ من الْحِكْمَة النظرية جَمِيعًا أم لَا بل بعضه مِنْهَا وَبَعض من العملية إِذا الْمَوْجُود الذهْنِي قد يكون بقدرتنا واختيارنا وَقد لَا يكون كَذَلِك والقائلون بِأَنَّهُ من الْحِكْمَة النظرية يُمكن الِاخْتِلَاف بَينهم بِأَنَّهُ من أقسامها الثَّلَاثَة أم قسم آخر.

وَقَالَ: صَاحب المحاكمات من جعل الْمنطق من أَقسَام الْحِكْمَة النظرية جعل أقسامها أَرْبَعَة. وَقَالَ الْحِكْمَة النظرية إِمَّا أَن تكون مَطْلُوبَة لتَحْصِيل سَائِر الْعُلُوم وَهُوَ الْمنطق - أَو مَطْلُوبَة لذاتها وَهِي إِمَّا أَن تكون علما بأحوال مَا لَا يفْتَقر فِي الوجودين إِلَى الْمَادَّة إِلَى آخر الْأَقْسَام وَاسْتدلَّ على أَنه لَيْسَ من الْعُلُوم بِأَنَّهُ آلَة لَهَا فَلَا يكون مِنْهَا لِاسْتِحَالَة كَون الشَّيْء آلَة لنَفسِهِ. ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ آلَة لكلها بل لما عداهُ من أقسامها إِذْ الْعقل يخصص لفظ الْعُلُوم بِمَا عدا عُلُوم الْمنطق كَمَا يخصص لفظ كل شَيْء بِغَيْر الله سُبْحَانَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {الله خَالق كل شَيْء} .
وَأَيْضًا يُمكن رده بِمَنْع لُزُوم كَون الشَّيْء آلَة لنَفسِهِ لَا مَكَان كَون بعضه آلَة بعض آخر وَيمْنَع الاستحالة إِذْ يَكْفِي الِاخْتِلَاف الاعتباري. قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره النزاع لَفْظِي فِي اندراج الْمنطق تَحت الْحِكْمَة كالنزاع فِي اندراجه تَحت الْعلم. وَبَيَانه أَنه أرخص لفظ الْعلم بِمَا يبْحَث فِيهِ عَن المعقولات الأولى لم يكن متناولا لَهُ إِذْ يبْحَث فِيهِ عَن المعقولات الثَّانِيَة وَإِن لم يخص بالمعقولات الأولى كَانَ متناولا لَهُ وَإِن لم يخص بالأعيان كَانَت شَامِلَة.
وَاعْلَم أَن بعض أَصْحَابنَا أَعرضُوا عَن الْحِكْمَة أعراضا تَاما وَبَعْضهمْ جعلوها مقصدا أقْصَى وَالْحق أَن تكون جَامعا لأقسام الْحِكْمَة العملية أَعنِي تَهْذِيب الْأَخْلَاق - وتدبير الْمنزل - والسياسة المدنية. ولأقسام الْحِكْمَة الرياضية أَعنِي الْهَيْئَة - والهندسة - والحساب - والموسيقى -. ولأكثر مسَائِل الْحِكْمَة الطبيعية وموافق للحكماء وَفِي الألهيات وَبَعض من الطبيعيات مُوَافق للطائفة الْعلية الصُّوفِيَّة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَهَذَا الطّور مشابه بطور أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فِي حَرْب صفّين الصَّلَاة خلف عَليّ أتم وَطَعَام مُعَاوِيَة أدسم والتل أسلم.
ف (34) :
وَعَلَيْك أَن لَا تكون تَابعا للحكماء فِي الألهيات فَإِنَّهُم فِيهَا على الْبطلَان والخذلان. ثمَّ إِن الْحِكْمَة على قسمَيْنِ - الْحِكْمَة العملية - وَالْحكمَة النظرية. لِأَن تِلْكَ الْأَعْيَان الْمَأْخُوذَة فِي تَعْرِيف الْحِكْمَة. أما الْأَفْعَال والأعمال الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَسَائِر الْأَفْعَال الْحَسَنَة والسيئة. أَولا كالسماء وَالْأَرْض. فالعلم بأحوال الأول من حَيْثُ إِنَّه يُؤَدِّي إِلَى صَلَاح المعاش والمعاد يُسمى حِكْمَة عملية. وَالْعلم بأحوال الثَّانِي يُسمى حِكْمَة نظرية.

الحكمة العملية: علم بأحوال الْأَشْيَاء الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة آنِفا. وَقَالَ بَعضهم هِيَ الْعلم بالموجودات الَّتِي يتَوَقَّف وجودهَا على الحركات الاختيارية أَي الإرادية كالأعمال الْوَاجِبَة والأعمال المرضية وَلَا يخفى على الرِّجَال أَن هَذَا التَّعْرِيف يصدق على الْعلم بأحوال الابْن مثلا فَإِن وجوده مَوْقُوف على الحركات الاختيارية وَقت الْجِمَاع. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن المُرَاد هِيَ الْعلم بالموجودات الَّتِي يتَوَقَّف وجود نوعها أَولا على الحركات الاختيارية. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم لهَذَا الِاسْم لِأَن غَايَة ابْتِدَاء الْأَعْمَال الَّتِي بقدرتنا دخل فِيهَا فنسب إِلَى الْغَايَة الابتدائية وَسمي بالحكمة العملية. وَإِنَّمَا قيدنَا الْغَايَة بالابتدائية لِأَن غَايَة الْحَقِيقَة السَّعَادَة وَهِي غَايَة الْغَايَة.

الْحكمَة النظرية: علم بأحوال الْأَشْيَاء الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا كَالْعلمِ بأحوال الْإِنْسَان وَسَائِر الموجودات العينية الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم بالحكمة النظرية لِأَن الْمَقْصُود فِيهِ تَكْمِيل الْقُوَّة النظرية. أَو لِأَن النظريات فِيهِ أَكثر وَأقوى من العميلة. وَالْأولَى أَن يُقَال إِن غَايَة الابتدائية مَا حصل بِالنّظرِ وَهُوَ الإدراكات التصورية والتصديقية الْمُتَعَلّقَة بالأمور الَّتِي لَا مدْخل لقدرتنا واختيارنا فِيهِ فنسب إِلَى الْغَايَة الابتدائية وَيُسمى بالحكمة النظرية. وكل من الْحِكْمَة العملية وَالْحكمَة النظرية على ثَلَاثَة أَقسَام: (تَهْذِيب الْأَخْلَاق) و (تَدْبِير الْمنزل) و (السياسة المدنية) وَهَذِه الثَّلَاثَة أَقسَام الْحِكْمَة العملية. وَأما أَقسَام الْحِكْمَة النظرية. فأحدها: الْعلم الْأَعْلَى وَيُسمى بالإلهي والفلسفة الأولى وَالْعلم الْكُلِّي وَمَا بعد الطبيعية وَمَا قبل الطبيعية أَيْضا. وَالثَّانِي: الْعلم الْأَوْسَط وَيُسمى بالرياضي والتعليمي أَيْضا. وَالثَّالِث: الْعلم الْأَدْنَى وَيُسمى بالطبيعي أَيْضا واطلب تَعْرِيف كل من هَذِه الْأَقْسَام فِي مَوْضِعه من الْأَبْوَاب.
وَاعْلَم أَن أَقسَام الْحِكْمَة أصولا وفروعا مَعَ أَقسَام الْمنطق على مَا يفهم من رِسَالَة تَقْسِيم الْحِكْمَة للشَّيْخ الرئيس أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ. وَبِدُون أَقسَام الْمنطق خَمْسَة وَثَلَاثُونَ.

أصول الإلهي: خَمْسَة. الأول: الْأُمُور الْعَامَّة. الثَّانِي: إِثْبَات الْوَاجِب وَمَا يَلِيق بِهِ. الثَّالِث: إِثْبَات الْجَوَاهِر الروحانية. الرَّابِع: بَيَان ارتباطات الْأُمُور الأرضية بِالْقُوَّةِ السمائية. الْخَامِس: بَيَان نظام الممكنات وفروعه قِسْمَانِ. الْقسم الأول: مِنْهُمَا الْبَحْث عَن كَيْفيَّة الْوَحْي - وَمِنْه صيرورة الْمَعْقُول محسوسا وَمِنْه تَعْرِيف الإلهيات وَمِنْه: الرّوح الْأمين. الْقسم الثَّانِي: الْعلم بالمعاد الروحاني.

أصول الرياضي: أَرْبَعَة: الأول: علم الْعدَد. وَالثَّانِي: علم الهندسة. وَالثَّالِث: علم الْهَيْئَة. الرَّابِع: علم التَّأْلِيف الباحث عَن أَحْوَال النغمات وَيُسمى بالموسيقى أَيْضا وفروعه سِتَّة: الأول: علم الْجمع والتفريق. وَالثَّانِي: علم الْجَبْر والمقابلة. وَالثَّالِث: علم المساحة. الرَّابِع: علم جر الأثقال. وَالْخَامِس: علم الزيجات والتقاويم. وَالسَّادِس: علم الأغنون وَهُوَ اتِّحَاد الْآلَات.

أصول الطبيعي: ثَمَانِيَة: الاول: الْعلم بأحوال الْأُمُور الْعَامَّة للــأجسام. الثَّانِي: الْعلم بتكون الْأَركان وفسادها. الرَّابِع: الْعلم بالمركبات الْغَيْر التَّامَّة ككائنات الجو. الْخَامِس: الْعلم بأحوال الْمَعَادِن. السَّادِس: الْعلم بِالنَّفسِ الإنسانية. السَّابِع: الْعلم بِالنَّفسِ الحيوانية. الثَّامِن: الْعلم بِالنَّفسِ الناطقة. وفروعه سَبْعَة: الأول: الطِّبّ. الثَّانِي: النُّجُوم. الثَّالِث: علم الفراسة. الرَّابِع: علم التَّعْبِير. الْخَامِس: علم الطلسمات وَهُوَ مزج القوى السماوية بالقوى الأرضية. السَّادِس: علم النيرنجات وَهُوَ مزج قوى الْجَوَاهِر الأرضية. السَّابِع: علم الكيمياء وَهُوَ علم تَبْدِيل قوى الأجرام المعدنية بَعْضهَا بِبَعْض.

إِذَا

إِذَا
... أُكْرِمُكَ
الجذر: ك ر م

مثال: إِذَا جئتني أُكْرِمُكَ
الرأي: مرفوضة
السبب: لأن جواب «إذا» لا يكون مضارعًا.

الصواب والرتبة: -إذا جئتني أَكْرمْتُكَ [فصيحة]-إذا جئتني أُكْرِمُكَ [فصيحة]
التعليق: جاء جواب «إذا» على غير صيغة الماضي في فصيح الكلام، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُــهُمْ} المنافقون/4.

علم السماء والعالم

علم السماء والعالم
هو من أصول الطبعي وهو: علم يبحث فيه عن أحوال الــأجسام التي هي أركان العالم وهي السموات وما فيها والعناصر الأربعة من حيث طبائعها وحركاتها ومواضعها وتعرف الحكمة في صنعها وترتيبها وموضوعه: الجسم المحسوس ومن حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها ويبحث فيه عما يعرض له من حيث هو كذلك كذا في التلويح وقيد الحيثية احترازا عن علم الهيئة.

إستاتيكا

إستاتيكا
إستاتيكا [مفرد]: (فز) فرع من الميكانيكا يبحث في توازن القوى التي تؤثِّر في الــأجسام وهي في حالة سكون. 

إستاتيكيَّة [مفرد]: سكون وجُمود أو عدم تطوّر، بخلاف الديناميكيَّة "تتميَّز بعض القوانين واللوائح بإستاتيكيَّة مُعرقلة". 

مَجِيء المضارع في جواب «إذا» الشرطية

مَجِيء المضارع في جواب «إذا» الشرطية

مثال: إِذَا جئتني أُكْرِمُكَ
الرأي: مرفوضة
السبب: لأن جواب «إذا» لا يكون مضارعًا.

الصواب والرتبة: -إذا جئتني أَكْرمْتُكَ [فصيحة]-إذا جئتني أُكْرِمُكَ [فصيحة]
التعليق: جاء جواب «إذا» على غير صيغة الماضي في فصيح الكلام، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُــهُمْ} المنافقون/ 4.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.