الْكُلِّي: عِنْد المنطقيين مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ كالحيوان. وَإِنَّمَا سمي كليا لِأَن كُلية الشَّيْء إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي. والكلي يكون جُزْء الجزئي غَالِبا فَيكون ذَلِك الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى الْكل والمنسوب إِلَى الْكل كلي كَمَا فصلنا هَذَا المرام فِي الجزئي. وَمعنى اشْتِرَاك الْمَاهِيّة بَين كثيرين أَن صورتهَا الْعَقْلِيَّة مُطَابقَة لكل وَاحِد من جزئياتها. وَمعنى الْمُطَابقَة مُنَاسبَة مَخْصُوصَة لَا تكون لسَائِر الصُّور الْعَقْلِيَّة. فَإنَّا إِذا تعقلنا زيدا حصل فِي عقلنا أثر لَيْسَ ذَلِك الْأَثر هُوَ بِعَيْنِه الْأَثر الَّذِي يحصل فِي الْعقل عِنْد تعقلنا فرسا معينا. وَمعنى الْمُطَابقَة لكثيرين أَنه لَا يحصل من تعقل كل وَاحِد مِنْهَا أثر متجدد بل يكون الْحَاصِل فِي الْعقل من تعقل كل هُوَ الصُّورَة الْوَاحِدَة على تِلْكَ النِّسْبَة الْمَخْصُوصَة. فَإنَّا إِذا رَأينَا زيدا حصل مِنْهُ فِي أذهاننا الصُّورَة الإنسانية المعراة عَن المشخصات واللواحق. وَإِذا أبصرنا بعد ذَلِك خَالِدا لم تقع مِنْهُ صُورَة أُخْرَى بل الصُّورَة الْحَاصِلَة الأولى بِعَينهَا. بِخِلَاف مَا إِذا رَأينَا فرسا معينا فَافْهَم.
فَإِن قيل تَعْرِيف الْكُلِّي لَيْسَ بمانع لصدقه على الصُّورَة الخيالية من الْبَيْضَة الْمعينَة تنطبق على كل من البيضات بِحَيْثُ يجوز الْعقل أَن يكون هِيَ هِيَ. وَأَن ضَعِيف الْبَصَر يرى شبحا من بعيد وَيجوز عقله أَن يكون زيدا وعمرا إِلَى غير ذَلِك. وَأَن الطِّفْل فِي مبدأ الْولادَة لنُقْصَان الْحس الْمُشْتَرك لَا يَأْخُذ الصُّورَة عَمَّا هُوَ فِي الْخَارِج بِخُصُوصِهِ. وَلَا يفرق بَين أمه عَن غَيرهَا وَأَبِيهِ عَن غَيره بل يدْرك شبحا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز فِيهِ أَبَاهُ وَأمه عَن الْغَيْر. فَيلْزم أَن تكون هَذِه الصُّور كُلية مَعَ أَنهم عدوها من الجزئيات.
قُلْنَا المُرَاد وُقُوع الشّركَة على سَبِيل الِاجْتِمَاع لَا على الْبَدَلِيَّة والترديد وَصدق تِلْكَ الصُّور على الْكَثْرَة واشتراكها فِيهَا لَيْسَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع بل على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا لَا يخفى. فَإِن قيل إِن الصُّورَة الخارجية لزيد مثلا جزئي حَقِيقِيّ وَيصدق عَلَيْهَا تَعْرِيف الْكُلِّي لِأَنَّهَا تصدق وتطابق على سَبِيل الِاجْتِمَاع على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا كَمَا أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الأذهان تطابق لتِلْك الصُّورَة الخارجية. فَإِن الْمُطَابقَة من الْجَانِبَيْنِ - وَالْعقل يجوز الْمُطَابقَة فِيمَا بَينهمَا على سَبِيل الِاجْتِمَاع. فَإِن التَّحْقِيق أَن حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وإظلالها. فَإِن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الْوُجُود الذهْنِي للأشياء إِنَّمَا تدل على وجودهَا حَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار الشبح والمثال الَّذِي هُوَ وجودهَا مجَازًا. وَأَيْضًا أَن الصُّورَة الذهنية لزيد جزئي حَقِيقِيّ وَتصدق على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا وتطابقها.
قُلْنَا لَا نسلم صدق الجزئي الْحَقِيقِيّ على شَيْء فضلا عَن أَن تصدق الصُّورَة الخارجية الْجُزْئِيَّة على الذهنية كَيفَ فَإِن الْحمل الْمُعْتَبر فِي حمل الْكُلِّي على جزئياته هُوَ الْحمل بالمواطأة - وَهُوَ أَن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا. وَهَذَا الْحمل بَين الصُّورَة الخارجية والذهنية مُنْتَفٍ. وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن الْكُلِّي والجزئي قِسْمَانِ للمفهوم الْعقلِيّ لأَنهم قَالُوا إِن الْمَفْهُوم أَي مَا حصل فِي الْعقل إِمَّا كلي وَإِمَّا جزئي. فالكلي على هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة فِيهِ وَالْمرَاد بِالشّركَةِ لَيست هِيَ الْمُطَابقَة مُطلقًا بل مُطَابقَة الْحَاصِل فِي الْعقل لكثيرين بِحَسب الْخَارِج بِأَن
فَإِن قيل تَعْرِيف الْكُلِّي لَيْسَ بمانع لصدقه على الصُّورَة الخيالية من الْبَيْضَة الْمعينَة تنطبق على كل من البيضات بِحَيْثُ يجوز الْعقل أَن يكون هِيَ هِيَ. وَأَن ضَعِيف الْبَصَر يرى شبحا من بعيد وَيجوز عقله أَن يكون زيدا وعمرا إِلَى غير ذَلِك. وَأَن الطِّفْل فِي مبدأ الْولادَة لنُقْصَان الْحس الْمُشْتَرك لَا يَأْخُذ الصُّورَة عَمَّا هُوَ فِي الْخَارِج بِخُصُوصِهِ. وَلَا يفرق بَين أمه عَن غَيرهَا وَأَبِيهِ عَن غَيره بل يدْرك شبحا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز فِيهِ أَبَاهُ وَأمه عَن الْغَيْر. فَيلْزم أَن تكون هَذِه الصُّور كُلية مَعَ أَنهم عدوها من الجزئيات.
قُلْنَا المُرَاد وُقُوع الشّركَة على سَبِيل الِاجْتِمَاع لَا على الْبَدَلِيَّة والترديد وَصدق تِلْكَ الصُّور على الْكَثْرَة واشتراكها فِيهَا لَيْسَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع بل على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا لَا يخفى. فَإِن قيل إِن الصُّورَة الخارجية لزيد مثلا جزئي حَقِيقِيّ وَيصدق عَلَيْهَا تَعْرِيف الْكُلِّي لِأَنَّهَا تصدق وتطابق على سَبِيل الِاجْتِمَاع على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا كَمَا أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الأذهان تطابق لتِلْك الصُّورَة الخارجية. فَإِن الْمُطَابقَة من الْجَانِبَيْنِ - وَالْعقل يجوز الْمُطَابقَة فِيمَا بَينهمَا على سَبِيل الِاجْتِمَاع. فَإِن التَّحْقِيق أَن حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وإظلالها. فَإِن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الْوُجُود الذهْنِي للأشياء إِنَّمَا تدل على وجودهَا حَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار الشبح والمثال الَّذِي هُوَ وجودهَا مجَازًا. وَأَيْضًا أَن الصُّورَة الذهنية لزيد جزئي حَقِيقِيّ وَتصدق على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا وتطابقها.
قُلْنَا لَا نسلم صدق الجزئي الْحَقِيقِيّ على شَيْء فضلا عَن أَن تصدق الصُّورَة الخارجية الْجُزْئِيَّة على الذهنية كَيفَ فَإِن الْحمل الْمُعْتَبر فِي حمل الْكُلِّي على جزئياته هُوَ الْحمل بالمواطأة - وَهُوَ أَن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا. وَهَذَا الْحمل بَين الصُّورَة الخارجية والذهنية مُنْتَفٍ. وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن الْكُلِّي والجزئي قِسْمَانِ للمفهوم الْعقلِيّ لأَنهم قَالُوا إِن الْمَفْهُوم أَي مَا حصل فِي الْعقل إِمَّا كلي وَإِمَّا جزئي. فالكلي على هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة فِيهِ وَالْمرَاد بِالشّركَةِ لَيست هِيَ الْمُطَابقَة مُطلقًا بل مُطَابقَة الْحَاصِل فِي الْعقل لكثيرين بِحَسب الْخَارِج بِأَن
يتكثر ذَلِك الْمَفْهُوم بِحَسب خَارج الذِّهْن بِمُجَرَّد النّظر إِلَيْهِ من حَيْثُ تصَوره فَقَط مَعَ الإغماض عَمَّا وَرَاه من برهَان التَّوْحِيد والخصوصيات الْمَانِعَة من التكثير فِي الْخَارِج وَالصُّورَة المتكثرة الْحَاصِلَة من زيد بِاعْتِبَار تكْثر الأذهان تستحيل أَن تتكثر فِي الْخَارِج عَن الذِّهْن بل كلهَا هوية زيد بِنَاء على أَنَّهَا لَو وجدت فِي الْخَارِج لكَانَتْ عين زيد. وَهَذَا معنى قَوْلهم حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها وبأعيانها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وأمثالها. فَإِن قيل فعلى هَذَا يخرج الكليات الْفَرْضِيَّة الَّتِي لَا تكْثر فِيهَا أصلا. والمعقولات الثَّانِيَة الَّتِي لَا يُحَاذِي لَهَا أَمر فِي الْخَارِج. وَالْحَاصِل أَنكُمْ اعتبرتم فِي الْكُلية تكْثر الْمَفْهُوم بِحَسب الْخَارِج وَهُوَ إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الكليات الْحَقِيقِيَّة الَّتِي لَهَا أشخاص مَوْجُودَة فِي الْخَارِج فَيخرج مَا سوى هَذِه الكليات عَن تَعْرِيف الْكُلِّي. قُلْنَا إِن الْعقل بِمُجَرَّد تصور تِلْكَ الْأُمُور وَالنَّظَر إِلَيْهَا مَعَ الإغماض عَن الخصوصيات الْخَارِجَة عَنْهَا يجوز تكثرها بِحَسب الْخَارِج. لِأَن الْمَانِع من هَذَا التجويز لَيْسَ إِلَّا اشْتِمَال الْمَفْهُوم على الهذية وَهُوَ مَفْقُود هَا هُنَا. فَتكون تِلْكَ الْأُمُور المنقوضة بهَا كليات لَا جزئيات. فَإِن قيل لَا نسلم أَن ارْتِفَاع ذَلِك الْمَانِع كَاف فِي ذَلِك التجويز. لم لَا يجوز أَن يكون هُنَاكَ مَانع آخر كَيفَ فَإِن خُصُوصِيَّة عنوان اللاشيء مثلا وَكَون الصُّورَة الذهنية من المعقولات الثَّانِيَة عِلّة مُسْتَقلَّة لِامْتِنَاع وجود أفرادهما فِي الْخَارِج ومانعة من ذَلِك التجويز. . نعم لَو لم يكن هُنَاكَ مَانع عَن ذَلِك التجويز سوى الهذية للَزِمَ من انتفاءها انْتِفَاء امْتنَاع تَجْوِيز التكثر بِحَسب الْخَارِج. قُلْنَا إِن الْكُلية من الْأُمُور الإضافية الْمَحْضَة يَعْنِي لَيْسَ فِي نفس الْمَوْصُوف بهَا أَمر متقرر يكون منشأ لانتزاعها بل إِذا نسب شَيْء إِلَى جزئياته الْمَوْجُودَة أَو الموهومة بصدقه عَلَيْهَا وتطابقه لَهَا يكون موصوفاتها وَحكم عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ. فالكلي مَا جوز الْعقل تكثره من حَيْثُ خُصُوص عنوانه مَعَ عزل النّظر عَمَّا هُوَ خَارج عَنهُ بِحَسب الْوَاقِع. والأفراد الَّتِي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا كُلية ذَلِك الْكُلِّي مَا لَا يَأْبَى هُوَ نفس مَفْهُومه وخصوص عنوانه عَن الِاتِّحَاد مَعهَا مَوْجُودَة كَانَت أَو مَعْدُومَة وَهِي الْأَفْرَاد النَّفس الأمرية. وَأما الْفَرْضِيَّة الْمَحْضَة الَّتِي يَأْبَى هُوَ بِخُصُوص عنوانه عَن الِاتِّحَاد عَنْهَا فَلَيْسَتْ لَهَا حَظّ من الفردية بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْفَرْضِ البحت. وَتلك الكليات المنقوضة بهَا بِخُصُوص عنواناتها لَا تمنع الْعقل عَن تَجْوِيز كثرتها بِحَسب الْحمل على أفرادها فِي نفس الْأَمر وَإِن كَانَت متوهمة أَو ممتنعة. هَذَا مَا ذكره بعض الْفُضَلَاء. قيل فِي اندراج الكليات الْفَرْضِيَّة تَحت الْكُلِّي خَفَاء إِذْ الْكُلِّي مَا لَا يمْنَع تصَوره عَن الشّركَة. والتصور هُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل فَلَو كَانَت كليات لكَانَتْ أَشْيَاء قبل الشَّيْء الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيف التَّصَوُّر بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ الشَّامِل للموجود والمعدوم واللاشيء واللاممكن. فَإِن قيل يلْزم فِي الْكُلِّي سلب الشَّيْء عَن نَفسه لِأَن مَفْهُوم الْكُلِّي يصدق على نَفسه صدقا عرضيا لِأَن مَفْهُوم الْكُلِّي أَيْضا كلي كَمَا لَا يخفى. فَهُوَ فَرد من نَفسه ومعروض لَهُ فَهُوَ غير نَفسه لِأَن المعروض لَيْسَ نفس الْعَارِض فَهُوَ لَيْسَ نَفسه فَلَزِمَ سلب الشَّيْء عَن نَفسه
وَهُوَ محَال. قُلْنَا كُلية الْكُلِّي وَكَونه صَادِقا على نَفسه وعارضا لَهَا بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق. وَكَونه فَردا لنَفسِهِ ومعروضا لَهَا بِاعْتِبَار الخصوصية. وَاعْتِبَار المعروضية غير اعْتِبَار العارضية ويتفاوت الِاعْتِبَار بتفاوت الْأَحْكَام. أما سَمِعت لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة لِأَن أَكثر مسائلها مَبْنِيّ على الْأُمُور الاعتبارية فَافْهَم.