نبذ
: (النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشيْءَ) مِن يدِك (أَمامَك أَو وَرَاءَك، أَو عَامٌّ) ، يُقَال: نَبَذَ الشيْءَ، إِذا رَمَاه وأَبْعَدَه، وَمِنْه الحَدِيث (فَنَبَذ خَاتَمَه) أَي أَلقاه مِن يَده، وكلُّ طَرْحٍ نَبْذٌ. ونَبَذَ الكِتَابَ وَرَاءَ ظَهْرِه: أَلقَاه. وَفِي التَّنْزِيل: {فَنَبَذُوهُ وَرَآء ظُهُورِهِمْ} (سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 187) وكذالك نَبَذَ إِليه القَوْلَ. وَفِي مُفْرَدَات الرَّاغِب: أَصْلُ النَّبْذِ طَرْحُ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وغالِبُ النَّبْذِ الَّذِي فِي القرآنِ على هاذا الوَجْهِ. (والفِعْلُ كضَرَبَ) ، نَبَذَه يَنْبِذُه نَبْذاً. (و) النَّبْذُ (: ضَرَبَانُ العِرْقِ) لُغَةٌ فِي النَّبْضِ، (كالنَّبَذَان، مُحَرَّكَةً) ، وهاذا من الصّحاح، فإِنه قَالَ: نَبَذَ يَنْبِذُ نَبَذَاناً لُغَةٌ فِي نَبَضَ. (و) من المَجاز: النَّبْذُ (: الشيءُ القَليلُ اليَسِير، ج أَنْبَاذٌ) ، يُقَال: فِي هاذا العِذْقِ نَبْذٌ قَلِيلٌ من الرُّطَبِ، ووَخْزٌ قليلٌ، وَيُقَال: ذَهَبَ مَالُه وبَقِيَ نَبْذٌ مِنه ونُبْذَةٌ، أَي شيءٌ يَسِيرٌ. وبأَرْضِ كَذَا نَبْذٌ مِن مَالٍ، ومِن كَلإٍ، وَفِي رَأْسِه نَبْذٌ مِن شَيْبٍ، وأَصابَ الأَرْضَ نَبْذٌ مِن مَطَرٍ، أَي شيءٌ يَسيرٌ، وَفِي حَدِيث أَنَسٍ (إِنما كَانَ البياضُ فِي عَنْفَقَتِه وَفِي الرأْسِ نَبْذٌ) ، أَي يَسِيرٌ من شَيْبٍ، يَعْنِي بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي حديثِ أُمِّ عَطِيَّه (نُبْذَةُ قُسْطٍ وأَظْفَارٍ) أَي قِطْعَةٌ، ورأَيت فِي العِذْقِ نَبْذاً مِن خُضْرَةٍ، أَي قَلِيلا، وَكَذَلِكَ القَليلُ من الناسِ والكَلإِ، قَالَ الزمخشرِيُّ: لأَن الْقَلِيل يُنْبَذُ وَلَا يُبَالَى بِهِ (و) من المَجَاز: (جَلَسَ نَبْذَةً) ، بالتفح (يُضَمّ) ، أَي (نَاحِيَةً) .
(والنَّبِيذُ) ، فعيل بمعنَى المَنْبُوذِ وَهُوَ (المُلْقَى، و) مِنْهُ (مَا نُبِذَ مِن عَصِيرٍ ونَحْوِه) ، كتَمْرٍ وزَبِيبٍ وحْنِطَةٍ وشَعِيرٍ وعَسَلٍ، وَهُوَ مَجازٌ. (وَقد نَبَذَه وأَنْبَذَه وانْتَبَذَه ونَبَّذَه) ، شُدِّد للكثْرَة، قَالَ شيخُنَا: وَظَاهر المُصَنّف بل صَرِيحه أَهنه كَكَتب، لأَنه لم يَذكر آتِيَه، فاقْتَضعى أَنه بالضَّمِّ، وَالْمَعْرُوف الَّذِي نصّ عَلَيْهِ الجماهيرُ أَنه نَبَذَ كضَرَب، بل لَا تُعْرَف فِيهِ لُغَةٌ غَيْرُها، فَلَا يُعْتَدُّ بأَطلاق المُصَنِّف، ثمّ هاذه الْعبارَة الَّتِي سَاقهَا المُصَنِّف هِيَ بعينِهَا نَصُّ عِبَارَة المُحْكَم، وَفِيه أَن أَنْبَذَ رُبَاعِيًّا كنَبَذَ ثُلاثِيًّا فِي الاستهمال، وَقد أَنكرَهَا ثعلبٌ ومَن وافَقَه، وقَال ابنُ رُورُسْتَوَيْهِ: إِنها عَامِّيَّة، وَحكى اللِّحْيَانِيُّ: نَبَذَ تَمْراً: جَعَلَه نَبِيذاً، وحَكَى أَيضاً أَنْبَذَ فُلانٌ تَمْراً، وَهِي قَلِيلَةٌ، وكذالك قَالَ كُرَاع فِي المُجَرَّد وابنُ السِّكّيت فِي الإِصلاح، وقُطْرُب فِي فَعَلْت وأَفعتل، وأَبو الفَتح المَرَاغِيّ فِي لحْنِ، وَقَالَ القَزَّاز: أَكثرُ الناسِ يَقولُون نَبَذْتُ النَّبِيذَ، بغيرِ أَلفٍ، وحكَّى الفَرَّاءُ عَن الرُّؤَاسِيّ: أَنْبَذْتُ النبِيذَ، بالأَلِف، قَالَ الفَرَّاءُ: أَنَا لم أَسمعْهَا مِن العَرَبِ، ولاكن الرُّؤَاسِيَّ ثِقَةٌ. وَفِي ديوَان الأَدب للفارَابِيّ: أَنْبَذَ الرّبَاعِيُّ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. وَفِي النهايَة: يُقَال: نَبَذْتُ التَّمْرَ والعِنَبَ، إِذا تَركْتَ عَلَيْهِ الماءَ لِيَصِيرَ نَبِيذاً، فصُرِف مِن مَفْعُولٍ إِلى فَعِيلٍ، وحَقَّقه شيخُنا فَقَالَ نَقْلاً عَن بعضِهِم: إِن النّبيذَ وإِن كَانَ فِي الأَصلِ فَعِيلاً بمعنَى مَفْعُولٍ، ولاكنه تُنُوسِيَ فِيهِ ذالك وصارَ اسْماً للشَّرَابِ، كأَنَّه من الجَوَامِد، بدلِيل جَمْعِه على أَنْبَذَةٍ، ككثِيبٍ وأَكْثِبَةٍ، وفَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ لَا يُجْمَع هاذا الجَمْعَ، وَالله أَعلمُ. وَفِي الْمُحكم: وإِنما سُمِّيَ نَبيهذاً لأَن الَّذِي يَتَّخِذُ يَأْخُذُ تَمْراً أَوْ زَبِيباً فَيَنْبِذُه فِي وِعَاءٍ أَو سِقَاءٍ عَلَيْهِ الماءُ ويَتْرُكه حَتَّى يَفُور فيَصِير مُسْكِراً، والنَّبْذُ: الطَّرْحُ، وَهُوَ مَا لم يُسْكِرْ حَلاَلٌ، فإِذا أَسْكَرَ حَرُمَ، وَقد تَكَرَّر ذِكْرُه فِي الحَدِيث. وانْتَبَذْتُهُ: اتَّخَذْتُه نَبِيذاً، وسواءُ كَانَ مُسْكِراً أَو غَيْرَ مُسْكِرٍ فإِنه يُقَال لَهُ نَبِيذٌ، وَيُقَال للخَمْر المُعْتَصَرِ مِن العِنَبِ: نَبِيذٌ، كَمَا يُقَال للنَّبِيذ: خَمْر.
(والمَنْبُوذُ: وَلَدُ الزِّنَا) ، لأَنجه يُنْبَذ على الطَّرِيق، وهم المَنَابِذَة، والأُنثَى مَنْبُوذَة ونَبِيذَةٌ، هم المَنْبُوذُون، لأَنَّهُم يُطْرَحُون.
تَابع كتاب (و) المَنْبُوذَة (: الَّتِي لَا تُؤْكَل مِن هَزالٍ) ، شَاة كانَتْ أَو غَيْرَهَا، وذالك لأَنها تُنْبَذُ، (كالنَّبِيذَةِ) ، وهاذه عَن الصاغانيّ، (و) قَالَ أَبو مَنْصُور: المَنْبُوذ (: الصَّبِيُّ تَلْقِيه أُمُّه فِي الطَّرِيق) حِينَ تَلِدُه فيَلْتَقِطُه رَجُلٌ من المُسْلمين ويقومُ بِأَمْرِه، وسواءٌ حَمَلَتْه أُمُّه مِنْ زِناً أَو نِكاحٍ، لَا يَجُوز أَن يُقَال لَهُ وَلَدُ الزِّنَا، لِمَا أَمْكَنِ فِي نَسَبِه مِن الثَّبَاتِ.
(و) من المَجاز: (الانْتِبَاذ: التَّنَحِّي) والاعْتِزَالُ، يُقَال: انْتَبَذَ عَن قَوْمِه إِذَا تَنَحَّى، وانْتَبَذَ فُلانٌ إِلى ناحِيَةٍ، أَي تَنَحَّى نَاحِيَةٌ، قَالَ الله تَعَالَى فِي قِصَّة مَرْيمَ {إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} (سُورَة مَرْيَم، الْآيَة: 16) (و) الانتباذ (: تَحَيُّزُ كُلّ) واحدٍ (من الفَريقينِ فِي الحَرْبِ، كالمُنَابَذَةِ) ، وَقد نَابَذَهم الحَرْبَ، ونَبَذَ إِليهم عَلَى سَوَاءٍ، يَنْبِذُ، أَي نَابَذَهُم الحَرْبَ. وَفِي التَّنْزِيل: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآء} (سُورَة الْأَنْفَال، الْآيَة: 58) قَالَ اللِّحيانيّ، أَي على الحَقِّ والعَدْلِ.
ونابَذَه الحَرْبَ: كاشَفَه: والمُنَابَذَةُ: انْتِبَاذُ الفَرِيقَيْنِ للحَقِّ. وَقَالَ أَبو مَنْصُور: المُنَابَذَة: أَن يَكُون بَيْنَ فَريقَيْنه مُخْتَلِفَيْنِ عَهْدٌ وهُدْنَةٌ بَعْدَ القِتَالِ ثمَّ أَرَادَا نَقْضَ ذالك العَهْدِ فَيَنْبِذُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا إِلى صاحِبِه العَهْدَ الَّذِي تَهَادَنَا عَلَيْهِ، وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآء} المعنَى: إِن كَانَ بَيْنَكَ وبينَ قَوْمٍ هُدْنَةٌ فَخِفْتَ مِنْهم نَقْصاً للعَهْدِ فَلَا تُبَادِرْ إِلى النَّقْضِ حتَّى تُلْقِيَ إِليهم أَنّكَ قَدْ نَقَضْتَ مَا بينَكَ وبينَهم، فيَكُونُوا مَعَك فِي عِلْمِ النَّقْضِ والعَوْدِ إِلى الحَرْبِ مُسْتَوِينَ. وَفِي حَدِيث سَلْمَانَ (وإِن أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُم عَلَى سَواءٍ) أَي كاشَفْنَاكُم وقاتَلْنَاكم على طَرِيقٍ مُسْتقِيمٍ مُسْتَوفِي العِلْمِ بِالمُنَابَذَةِ منَّا ومنكم، بأَن نُظْهِرَ لَهُمُ العَزْمَ عَلى قِتَالِهِم، ونُخْبِرَهُم بِهِ إِخْبَاراً مَكْشُوفاً. والنَّبْذُ يكون بالفِعْل والقَوْلِ فِي الأَجْسَام والمَعَانِي، وَمِنْه نَبَذَ العَهْدَ، إِذا نَقَضَه وأَلْقَاه إِلى مَن كَانَ بَينَه وبَينَه، (و) فِي الحَدِيث أَن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمنهَى عَن المُنَابَذَة فِي البَيْعِ والمُلاَمَسة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: (المُنَابَذَةُ) هُوَ (: أَن تَقُول) لصاحبك (انْبِذْ إِلَيَّ الثَّوْبَ) أَو غَيْرَه من المَتَاعِ (أَو أَنْبِذُهُ إِليك، وَقد وَجَبَ البيْعُ بِكَذَا وكذَا) ، وَيُقَال لَهُ بَيْعُ الإِلْقَاءِ، كَمَا فِي الأَسَاسِ، (أَو) هُوَ (: أَن تَرْمِيَ إِليه بالثَّوْبِ ويَرْمِيَ إِليك بمِثْلِهِ) . وهاذا عَن اللِّحْيَانِّي (أَو: أَن تَقولَ: إِذَا نَبَذْتُ الحَصَاةَ) إِليك فقد (وَجَبَ البَيْعُ) ، وَمِمَّا يُحَقِّقُهُ الحَديثُ الآخَرُ أَنّه نَهَى عَن بَيْعِ الحَصَاةِ، فَيكون البَيْعُ مُعْاطَاةً من غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا يصِحُّ.
(والمِنْبَذَةُ، كمِكْنَسةٍ: الوِسَادَةُ) المُتَّكَأُ عَلَيْهَا، هاذه عَن اللحيانيّ، وَفِي حَدِيث عَدِيّ بنِ حَاتمٍ (أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمأَمَر لَهُ، لَمَّا أَتاهُ، بِمِنْبَذَة، وَقَالَ: إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فأَكْرِمُوه) وسُمِّيَتِ الوِسَادَةُ مِنْبذَةً لأَنها تُنْبَذُ بالأَرْضِ أَي تُطْرَحُ للجُلُوسِ عَلَيْهَا، وَمِنْه الحَدِيث (فأَمَر بالسِّتْرِ أَن يُقْطَعَ ويُجْعَلَ لِه مِنه وِسَادَتَانه مَنْبُوذَتَانِ) ، ومِن سَجَعَاتِ الأَساس: تَعَمَّمُوا بِالمَشَاوِذِ وَتَرَبَّعُوا على المَنَابِذ.
(و) من الْمجَاز: (الأَنْباذُ) من النَّاس (: الأَوْبَاشُ) وهم المَطْرُوحُونَ المَتْرُوكُونَ (وصَلَّى رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمعلى قَبْرِ مَنْبُوذٍ) وَلَفظ الحَدِيث (انْتَهَى إِلى قَبْرِ مَنْبُوذٍ فصَلَّى عَلَيْهِ) وروى ابنُ عبَّاسٍ (أَنَّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلممَرَّ على قَبْرِ مَنْبُوذٍ فأَمَّهُمْ وصَلَّوْا خَلْفَه) (أَي لَقيطٍ) رَمَتْه أُمُّه عَلى الطريقِ. وَفِي حَدِيث الدَّجَّالِ (تَلِدُه أُمُّه وَهِي مَنْبُوذَةٌ فِي قَبْرِهَا) ، أَي مُلْقَاة (ويُرْوَى: (قَبْرٍ مَنْبُوذٍ) مُنَوَّنةً) على الصِّفة (أَي قَبْرٍ بَعِيدٍ) مُنْفَرِد (عَن القُبور) ويَعْضُده مَا رُوِيَ من طريقٍ آخَرَ (أَنَّه مَرَّ بِقَبْرٍ مُنْتَبِذٍ عَن القُبُورِ فصَلَّى عَلَيْهِ) . وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
يُقَال لما يُنْبَثُ مِن تُرَابِ الحَفِيرَة نَبِيثَةٌ ونَبِيذَةٌ، والجَمعُ النَّبائثُ والنَّبائِذُ، وَزعم يَعقوبُ أَنّ الذَال بَدَلٌ من الثاءِ.
والمُتَنَبِّذُ: المُتَنَحِّي نَاحِيَةً، قَالَ لَبِيدٌ:
يَجْتَابُ أَصْلاً قَالِصاً مُتَنَبِّذاً
بِعُجُوبِ أَنْقَاءٍ يَمِيلُ هَيَامُهَا
وَفِي الأَساس: وَمن المَجاز: نَبَذَ أَمْرِي ورَاءَ ظَهْره: لم يَعْمَلْ بِهِ.
وَهُوَ فِي مُنْتَبَذِ الدَّارِ: فِي مُنْتَزَحِها.
وفُلانٌ يَنْبِذُ عَلَيَّ، أَي يَغْلِي كالنَّبِيذ. ونَبَذَتْ فُلانةُ قَوْلاً مَلِيحاً: رَمَتْ بِهِ. ونَبَذْتُ إِليه السَّلامَ والتَّحِيَّة. وَنُبِذْتَ بِكَذَا ورُمِيتَ بِهِ، إِذا رُفِعَ لَك وأُتِيحَ لِقَاؤه. وَللَّه أُمٌّ نَبَذَتْ بك.
ونَبَثَ التُّرَابَ وَنَبَذَه بمعنَى رَمَى بِه، وَهِي النَّيثَةُ والنَّبِيذَة، وَقد تَقَدَّم.
ونَوْبَذُ، بِالْفَتْح، سِكَّةٌ بِنَيْسَابُورَ.
ونُوبَاذَانُ: من قُرَى هَرَاةَ.
: (النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشيْءَ) مِن يدِك (أَمامَك أَو وَرَاءَك، أَو عَامٌّ) ، يُقَال: نَبَذَ الشيْءَ، إِذا رَمَاه وأَبْعَدَه، وَمِنْه الحَدِيث (فَنَبَذ خَاتَمَه) أَي أَلقاه مِن يَده، وكلُّ طَرْحٍ نَبْذٌ. ونَبَذَ الكِتَابَ وَرَاءَ ظَهْرِه: أَلقَاه. وَفِي التَّنْزِيل: {فَنَبَذُوهُ وَرَآء ظُهُورِهِمْ} (سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 187) وكذالك نَبَذَ إِليه القَوْلَ. وَفِي مُفْرَدَات الرَّاغِب: أَصْلُ النَّبْذِ طَرْحُ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وغالِبُ النَّبْذِ الَّذِي فِي القرآنِ على هاذا الوَجْهِ. (والفِعْلُ كضَرَبَ) ، نَبَذَه يَنْبِذُه نَبْذاً. (و) النَّبْذُ (: ضَرَبَانُ العِرْقِ) لُغَةٌ فِي النَّبْضِ، (كالنَّبَذَان، مُحَرَّكَةً) ، وهاذا من الصّحاح، فإِنه قَالَ: نَبَذَ يَنْبِذُ نَبَذَاناً لُغَةٌ فِي نَبَضَ. (و) من المَجاز: النَّبْذُ (: الشيءُ القَليلُ اليَسِير، ج أَنْبَاذٌ) ، يُقَال: فِي هاذا العِذْقِ نَبْذٌ قَلِيلٌ من الرُّطَبِ، ووَخْزٌ قليلٌ، وَيُقَال: ذَهَبَ مَالُه وبَقِيَ نَبْذٌ مِنه ونُبْذَةٌ، أَي شيءٌ يَسِيرٌ. وبأَرْضِ كَذَا نَبْذٌ مِن مَالٍ، ومِن كَلإٍ، وَفِي رَأْسِه نَبْذٌ مِن شَيْبٍ، وأَصابَ الأَرْضَ نَبْذٌ مِن مَطَرٍ، أَي شيءٌ يَسيرٌ، وَفِي حَدِيث أَنَسٍ (إِنما كَانَ البياضُ فِي عَنْفَقَتِه وَفِي الرأْسِ نَبْذٌ) ، أَي يَسِيرٌ من شَيْبٍ، يَعْنِي بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي حديثِ أُمِّ عَطِيَّه (نُبْذَةُ قُسْطٍ وأَظْفَارٍ) أَي قِطْعَةٌ، ورأَيت فِي العِذْقِ نَبْذاً مِن خُضْرَةٍ، أَي قَلِيلا، وَكَذَلِكَ القَليلُ من الناسِ والكَلإِ، قَالَ الزمخشرِيُّ: لأَن الْقَلِيل يُنْبَذُ وَلَا يُبَالَى بِهِ (و) من المَجَاز: (جَلَسَ نَبْذَةً) ، بالتفح (يُضَمّ) ، أَي (نَاحِيَةً) .
(والنَّبِيذُ) ، فعيل بمعنَى المَنْبُوذِ وَهُوَ (المُلْقَى، و) مِنْهُ (مَا نُبِذَ مِن عَصِيرٍ ونَحْوِه) ، كتَمْرٍ وزَبِيبٍ وحْنِطَةٍ وشَعِيرٍ وعَسَلٍ، وَهُوَ مَجازٌ. (وَقد نَبَذَه وأَنْبَذَه وانْتَبَذَه ونَبَّذَه) ، شُدِّد للكثْرَة، قَالَ شيخُنَا: وَظَاهر المُصَنّف بل صَرِيحه أَهنه كَكَتب، لأَنه لم يَذكر آتِيَه، فاقْتَضعى أَنه بالضَّمِّ، وَالْمَعْرُوف الَّذِي نصّ عَلَيْهِ الجماهيرُ أَنه نَبَذَ كضَرَب، بل لَا تُعْرَف فِيهِ لُغَةٌ غَيْرُها، فَلَا يُعْتَدُّ بأَطلاق المُصَنِّف، ثمّ هاذه الْعبارَة الَّتِي سَاقهَا المُصَنِّف هِيَ بعينِهَا نَصُّ عِبَارَة المُحْكَم، وَفِيه أَن أَنْبَذَ رُبَاعِيًّا كنَبَذَ ثُلاثِيًّا فِي الاستهمال، وَقد أَنكرَهَا ثعلبٌ ومَن وافَقَه، وقَال ابنُ رُورُسْتَوَيْهِ: إِنها عَامِّيَّة، وَحكى اللِّحْيَانِيُّ: نَبَذَ تَمْراً: جَعَلَه نَبِيذاً، وحَكَى أَيضاً أَنْبَذَ فُلانٌ تَمْراً، وَهِي قَلِيلَةٌ، وكذالك قَالَ كُرَاع فِي المُجَرَّد وابنُ السِّكّيت فِي الإِصلاح، وقُطْرُب فِي فَعَلْت وأَفعتل، وأَبو الفَتح المَرَاغِيّ فِي لحْنِ، وَقَالَ القَزَّاز: أَكثرُ الناسِ يَقولُون نَبَذْتُ النَّبِيذَ، بغيرِ أَلفٍ، وحكَّى الفَرَّاءُ عَن الرُّؤَاسِيّ: أَنْبَذْتُ النبِيذَ، بالأَلِف، قَالَ الفَرَّاءُ: أَنَا لم أَسمعْهَا مِن العَرَبِ، ولاكن الرُّؤَاسِيَّ ثِقَةٌ. وَفِي ديوَان الأَدب للفارَابِيّ: أَنْبَذَ الرّبَاعِيُّ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. وَفِي النهايَة: يُقَال: نَبَذْتُ التَّمْرَ والعِنَبَ، إِذا تَركْتَ عَلَيْهِ الماءَ لِيَصِيرَ نَبِيذاً، فصُرِف مِن مَفْعُولٍ إِلى فَعِيلٍ، وحَقَّقه شيخُنا فَقَالَ نَقْلاً عَن بعضِهِم: إِن النّبيذَ وإِن كَانَ فِي الأَصلِ فَعِيلاً بمعنَى مَفْعُولٍ، ولاكنه تُنُوسِيَ فِيهِ ذالك وصارَ اسْماً للشَّرَابِ، كأَنَّه من الجَوَامِد، بدلِيل جَمْعِه على أَنْبَذَةٍ، ككثِيبٍ وأَكْثِبَةٍ، وفَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ لَا يُجْمَع هاذا الجَمْعَ، وَالله أَعلمُ. وَفِي الْمُحكم: وإِنما سُمِّيَ نَبيهذاً لأَن الَّذِي يَتَّخِذُ يَأْخُذُ تَمْراً أَوْ زَبِيباً فَيَنْبِذُه فِي وِعَاءٍ أَو سِقَاءٍ عَلَيْهِ الماءُ ويَتْرُكه حَتَّى يَفُور فيَصِير مُسْكِراً، والنَّبْذُ: الطَّرْحُ، وَهُوَ مَا لم يُسْكِرْ حَلاَلٌ، فإِذا أَسْكَرَ حَرُمَ، وَقد تَكَرَّر ذِكْرُه فِي الحَدِيث. وانْتَبَذْتُهُ: اتَّخَذْتُه نَبِيذاً، وسواءُ كَانَ مُسْكِراً أَو غَيْرَ مُسْكِرٍ فإِنه يُقَال لَهُ نَبِيذٌ، وَيُقَال للخَمْر المُعْتَصَرِ مِن العِنَبِ: نَبِيذٌ، كَمَا يُقَال للنَّبِيذ: خَمْر.
(والمَنْبُوذُ: وَلَدُ الزِّنَا) ، لأَنجه يُنْبَذ على الطَّرِيق، وهم المَنَابِذَة، والأُنثَى مَنْبُوذَة ونَبِيذَةٌ، هم المَنْبُوذُون، لأَنَّهُم يُطْرَحُون.
تَابع كتاب (و) المَنْبُوذَة (: الَّتِي لَا تُؤْكَل مِن هَزالٍ) ، شَاة كانَتْ أَو غَيْرَهَا، وذالك لأَنها تُنْبَذُ، (كالنَّبِيذَةِ) ، وهاذه عَن الصاغانيّ، (و) قَالَ أَبو مَنْصُور: المَنْبُوذ (: الصَّبِيُّ تَلْقِيه أُمُّه فِي الطَّرِيق) حِينَ تَلِدُه فيَلْتَقِطُه رَجُلٌ من المُسْلمين ويقومُ بِأَمْرِه، وسواءٌ حَمَلَتْه أُمُّه مِنْ زِناً أَو نِكاحٍ، لَا يَجُوز أَن يُقَال لَهُ وَلَدُ الزِّنَا، لِمَا أَمْكَنِ فِي نَسَبِه مِن الثَّبَاتِ.
(و) من المَجاز: (الانْتِبَاذ: التَّنَحِّي) والاعْتِزَالُ، يُقَال: انْتَبَذَ عَن قَوْمِه إِذَا تَنَحَّى، وانْتَبَذَ فُلانٌ إِلى ناحِيَةٍ، أَي تَنَحَّى نَاحِيَةٌ، قَالَ الله تَعَالَى فِي قِصَّة مَرْيمَ {إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} (سُورَة مَرْيَم، الْآيَة: 16) (و) الانتباذ (: تَحَيُّزُ كُلّ) واحدٍ (من الفَريقينِ فِي الحَرْبِ، كالمُنَابَذَةِ) ، وَقد نَابَذَهم الحَرْبَ، ونَبَذَ إِليهم عَلَى سَوَاءٍ، يَنْبِذُ، أَي نَابَذَهُم الحَرْبَ. وَفِي التَّنْزِيل: {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآء} (سُورَة الْأَنْفَال، الْآيَة: 58) قَالَ اللِّحيانيّ، أَي على الحَقِّ والعَدْلِ.
ونابَذَه الحَرْبَ: كاشَفَه: والمُنَابَذَةُ: انْتِبَاذُ الفَرِيقَيْنِ للحَقِّ. وَقَالَ أَبو مَنْصُور: المُنَابَذَة: أَن يَكُون بَيْنَ فَريقَيْنه مُخْتَلِفَيْنِ عَهْدٌ وهُدْنَةٌ بَعْدَ القِتَالِ ثمَّ أَرَادَا نَقْضَ ذالك العَهْدِ فَيَنْبِذُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا إِلى صاحِبِه العَهْدَ الَّذِي تَهَادَنَا عَلَيْهِ، وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآء} المعنَى: إِن كَانَ بَيْنَكَ وبينَ قَوْمٍ هُدْنَةٌ فَخِفْتَ مِنْهم نَقْصاً للعَهْدِ فَلَا تُبَادِرْ إِلى النَّقْضِ حتَّى تُلْقِيَ إِليهم أَنّكَ قَدْ نَقَضْتَ مَا بينَكَ وبينَهم، فيَكُونُوا مَعَك فِي عِلْمِ النَّقْضِ والعَوْدِ إِلى الحَرْبِ مُسْتَوِينَ. وَفِي حَدِيث سَلْمَانَ (وإِن أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُم عَلَى سَواءٍ) أَي كاشَفْنَاكُم وقاتَلْنَاكم على طَرِيقٍ مُسْتقِيمٍ مُسْتَوفِي العِلْمِ بِالمُنَابَذَةِ منَّا ومنكم، بأَن نُظْهِرَ لَهُمُ العَزْمَ عَلى قِتَالِهِم، ونُخْبِرَهُم بِهِ إِخْبَاراً مَكْشُوفاً. والنَّبْذُ يكون بالفِعْل والقَوْلِ فِي الأَجْسَام والمَعَانِي، وَمِنْه نَبَذَ العَهْدَ، إِذا نَقَضَه وأَلْقَاه إِلى مَن كَانَ بَينَه وبَينَه، (و) فِي الحَدِيث أَن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمنهَى عَن المُنَابَذَة فِي البَيْعِ والمُلاَمَسة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: (المُنَابَذَةُ) هُوَ (: أَن تَقُول) لصاحبك (انْبِذْ إِلَيَّ الثَّوْبَ) أَو غَيْرَه من المَتَاعِ (أَو أَنْبِذُهُ إِليك، وَقد وَجَبَ البيْعُ بِكَذَا وكذَا) ، وَيُقَال لَهُ بَيْعُ الإِلْقَاءِ، كَمَا فِي الأَسَاسِ، (أَو) هُوَ (: أَن تَرْمِيَ إِليه بالثَّوْبِ ويَرْمِيَ إِليك بمِثْلِهِ) . وهاذا عَن اللِّحْيَانِّي (أَو: أَن تَقولَ: إِذَا نَبَذْتُ الحَصَاةَ) إِليك فقد (وَجَبَ البَيْعُ) ، وَمِمَّا يُحَقِّقُهُ الحَديثُ الآخَرُ أَنّه نَهَى عَن بَيْعِ الحَصَاةِ، فَيكون البَيْعُ مُعْاطَاةً من غَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا يصِحُّ.
(والمِنْبَذَةُ، كمِكْنَسةٍ: الوِسَادَةُ) المُتَّكَأُ عَلَيْهَا، هاذه عَن اللحيانيّ، وَفِي حَدِيث عَدِيّ بنِ حَاتمٍ (أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمأَمَر لَهُ، لَمَّا أَتاهُ، بِمِنْبَذَة، وَقَالَ: إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فأَكْرِمُوه) وسُمِّيَتِ الوِسَادَةُ مِنْبذَةً لأَنها تُنْبَذُ بالأَرْضِ أَي تُطْرَحُ للجُلُوسِ عَلَيْهَا، وَمِنْه الحَدِيث (فأَمَر بالسِّتْرِ أَن يُقْطَعَ ويُجْعَلَ لِه مِنه وِسَادَتَانه مَنْبُوذَتَانِ) ، ومِن سَجَعَاتِ الأَساس: تَعَمَّمُوا بِالمَشَاوِذِ وَتَرَبَّعُوا على المَنَابِذ.
(و) من الْمجَاز: (الأَنْباذُ) من النَّاس (: الأَوْبَاشُ) وهم المَطْرُوحُونَ المَتْرُوكُونَ (وصَلَّى رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمعلى قَبْرِ مَنْبُوذٍ) وَلَفظ الحَدِيث (انْتَهَى إِلى قَبْرِ مَنْبُوذٍ فصَلَّى عَلَيْهِ) وروى ابنُ عبَّاسٍ (أَنَّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلممَرَّ على قَبْرِ مَنْبُوذٍ فأَمَّهُمْ وصَلَّوْا خَلْفَه) (أَي لَقيطٍ) رَمَتْه أُمُّه عَلى الطريقِ. وَفِي حَدِيث الدَّجَّالِ (تَلِدُه أُمُّه وَهِي مَنْبُوذَةٌ فِي قَبْرِهَا) ، أَي مُلْقَاة (ويُرْوَى: (قَبْرٍ مَنْبُوذٍ) مُنَوَّنةً) على الصِّفة (أَي قَبْرٍ بَعِيدٍ) مُنْفَرِد (عَن القُبور) ويَعْضُده مَا رُوِيَ من طريقٍ آخَرَ (أَنَّه مَرَّ بِقَبْرٍ مُنْتَبِذٍ عَن القُبُورِ فصَلَّى عَلَيْهِ) . وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
يُقَال لما يُنْبَثُ مِن تُرَابِ الحَفِيرَة نَبِيثَةٌ ونَبِيذَةٌ، والجَمعُ النَّبائثُ والنَّبائِذُ، وَزعم يَعقوبُ أَنّ الذَال بَدَلٌ من الثاءِ.
والمُتَنَبِّذُ: المُتَنَحِّي نَاحِيَةً، قَالَ لَبِيدٌ:
يَجْتَابُ أَصْلاً قَالِصاً مُتَنَبِّذاً
بِعُجُوبِ أَنْقَاءٍ يَمِيلُ هَيَامُهَا
وَفِي الأَساس: وَمن المَجاز: نَبَذَ أَمْرِي ورَاءَ ظَهْره: لم يَعْمَلْ بِهِ.
وَهُوَ فِي مُنْتَبَذِ الدَّارِ: فِي مُنْتَزَحِها.
وفُلانٌ يَنْبِذُ عَلَيَّ، أَي يَغْلِي كالنَّبِيذ. ونَبَذَتْ فُلانةُ قَوْلاً مَلِيحاً: رَمَتْ بِهِ. ونَبَذْتُ إِليه السَّلامَ والتَّحِيَّة. وَنُبِذْتَ بِكَذَا ورُمِيتَ بِهِ، إِذا رُفِعَ لَك وأُتِيحَ لِقَاؤه. وَللَّه أُمٌّ نَبَذَتْ بك.
ونَبَثَ التُّرَابَ وَنَبَذَه بمعنَى رَمَى بِه، وَهِي النَّيثَةُ والنَّبِيذَة، وَقد تَقَدَّم.
ونَوْبَذُ، بِالْفَتْح، سِكَّةٌ بِنَيْسَابُورَ.
ونُوبَاذَانُ: من قُرَى هَرَاةَ.