Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: وجز

ضِلَع

ضِلَع:
بكسر أوّله، وفتح ثانيه، وآخره عين مهملة، ضلع الرّجام: موضع، بالكسر والجيم، جمع رجم جمع رجمة، بالضم، وهي حجارة ضخام ربما جمعت على القبر يسنم بها، قال أوس بن غلفاء الهجيمي:
جلبنا الخيل من جنبي رويك ... إلى لجإ إلى ضلع الرّجام
بكلّ منفّق الجرذان مجر ... شديد الأسر للأعداء حام
أصبنا من أصبنا ثمّ فتنا ... إلى أهل الشّريف إلى شمام
وضلع القتلى: من أيّام العرب، وضلع بني مالك وضلع بني الشيصبان: في بلاد غني بن أعصر، قال أبو زياد في نوادره: وكانت ضلعان وهما جبلان من جانب الحمى حمى ضرية الذي يلي مهبّ الجنوب واحدهما يسمّى ضلع بني مالك، وبنو مالك بطن من الجنّ وهم مسلمون، والآخر ضلع بني شيصبان، وهم بطن من الجن كفار، وبينهما مسيرة يوم وبينهما واد يقال له التسرير، فأما ضلع بني مالك فيحلّ بها الناس ويصطادون صيدها ويحتلّ بها ويرعى كلؤها، وأما ضلع بني شيصبان فلا يصطاد صيدها ولا يحتلّ بها ولا يرعى كلؤها وربّما مرّ عليها الناس الذين لا يعرفونها فأصابوا من كلئها أو من صيدها فأصاب أنفسهم ومالهم شرّ، ولم يزل الناس يذكرون كفر هؤلاء وإسلام هؤلاء، قال أبو زياد: وكان ما تبين لنا من ذلك أنّه أخبرنا رجل من غنيّ: ولغنيّ ماء إلى جنب ضلع بني مالك على قدر دعوة، قال:
بينما نحن بعد ما غابت الشمس مجتمعون في مسجد صلّينا فيه على الماء فإذا جماعة من رجال ثيابهم بيض قد انحدروا علينا من قبل ضلع بني مالك حتى أتونا وسلّموا علينا، قال: والله ما ننكر من حال الإنس شيئا فيهم كهول قد خضبوا لحاهم بالحنّاء وشباب وبين ذلك، قال: فتقدموا فجلسوا فنسبناهم وما نشكّ أنّهم سائرة من الناس، قال: فقالوا حين نسبناهم لا منكر عليكم نحن جيرانكم بنو مالك أهل هذا الضلع، قال: فقلنا مرحبا بكم وأهلا! قال: فقالوا إنا فزعنا إليكم وأردنا أن تدخلوا معنا في هذا الجهاد، إن هؤلاء الكفار من بني شيصبان لم نزل نغزوهم منذ كان الإسلام ثمّ قد بلغنا أنّهم قد جمعوا لنا وأنّهم يريدون أن يغزونا في بلادنا ونحن نبادرهم قبل أن يقعوا ببلادنا ويقعوا فينا وقد أتيناكم لتعينونا وتشاركونا في الجهاد والأجر، قال: فقال رجلنا وهو محجن، قال أبو زياد: وقد رأيته وأنا غلام، قال: استعينونا على ما أحببتم وعلى ما تعرفون أنّنا مغنون فيه عنكم شيئا فنحن معكم، فقالوا: أعينونا بسلاحكم فلا نريد غيره، قال محجن: نعم وكرامة، قال: فأخذ كلّ رجل منّا كأنّه يأمر ليؤتى بسيفه أو رمحه أو نبله،
قال: فقالوا ألا ائذنوا لنا في سلاحكم ثمّ دعوها على حالها، فأما الرمح فمركوز على قدّام البيت وأما النبل وجفيرها وقوسها فمعلّق بالعمود الواسط من البيت وأمّا كلّ سيف فمحجوز في العكم، فقال لهم محجن: أين ترجوهم أن تلقوهم غدا؟ قالوا: قد أخبرنا أن جيوشهم قد أمست بالصحراء بين ضلع بني الشيصبان وبين الحرامية، والحرامية: ماء، قال أبو زياد: وقد رأيت تلك الصحراء التي بين ضلع بني الشيصبان وبين الحرامية وهي صحراء كبيرة، فقال المالكيون: نحن مدلجون إن شاء الله فمبادروهم فادعوا الله لنا، ثم انصرف القوم بأجمعهم ما أعطيناهم شيئا أكثر من أنا قد أذنّا لهم فيها، قال: فلا والله ما أصبح فينا سيف ولا نبل ولا رمح إلّا قد أخذ كلّه، فقال محجن: لأركبنّ اليوم عسى أن أرى من هذا الأمر أثرا يتحدّثه الناس بعدي، قال: فركب جملا له نجيبا ثمّ مضى حتى أتانا بعد العصر فأخبرنا أنّه بلغ الصحراء التي بين الحرامية وضلع بني الشيصبان حين امتدّ النهار قبل القائلة في نهار الصيف ولم يدخل القيظ، قال: فلمّا كنت بها رأيت غبارا كثيرا وإنما صيّر من ورائي ومن قدّامي في ساعة ليس فيها ريح، قال: قلت اليوم وربّ الكعبة يصطدمون، قال:
فوقفت وتلك الأعاصير تجيء من قبل ضلع بني شيصبان، قال: فإذا دخلت في جماعة الغبار الذي أرى الكثير فلا أدري ما يصنع، قال: وتخرج تلك الأعاصير من ذلك الغبار وترجع فيه، قال: فوقفت قدر فواق ناقة، قال: والفواق ما بين صلاة الظهر إلى صلاة العصر، قال: وأنا أرى تلك الأعاصير تنقلب بعضها في بعض ثمّ انكشف الغبار والأعاصير تقصد ضلع بني شيصبان، فقلت: هزم أعداء الله، قال: فو الله ما زال ذلك حتى سندت الأعاصير في ضلع بني شيصبان ثمّ رجعت أعاصير كثيرة من عن شمال ويمين ذاهبة قبل ضلع بني مالك، قال: فلم أشكّ أنهم أصحابي، قال: فسرت قصدا حيث كنت أرى الغبار وحيث كنت أرى مستدار الأعاصير فرأيت من الحيّات القتلى أكثر من الكثير، قال:
ثمّ تبعت مجرى الغبار حيث رأيته يعلو نحو ضلع بني شيصبان، قال: فو الله ما زلت أرى الحيّات من مقتول وآخر به حياة حتى انتهيت ورجعت ثمّ انصرفت ولحقت بأصحابي قبل أن تغيب الشمس، قال: فلمّا كانت الساعة التي أتونا فيها البارحة إذ القوم منحدرون من حيث كانوا أتونا البارحة حتى جاءوا فسلّموا ثمّ قالوا: أبشروا فقد أظفرنا الله على أعدائه، لا والله ما قتلناهم منذ كان الإسلام أشدّ من قتل قتلناهم اليوم وانفلت شرذمة قليلة منهم إلى جبلهم وقد ردّ الله عليكم سلاحكم ما زاغ منه شيء، وجزونا خيرا ودعوا لنا ثمّ انصرفوا وما أتونا بسلاح ولا رأيناه معهم، قال: فأصبح والله كلّ شيء من السلاح على حاله الذي كان كالبارحة، ثمّ ذكر أبو زياد أخبارا أخر لبني الشيصبان، اقتنعت بما ذكرته، والله أعلم بصحته وسقمه.

طَرْطُوشَةُ

طَرْطُوشَةُ:
بالفتح ثم السكون ثم طاء أخرى مضمومة، وواو ساكنة، وشين معجمة: مدينة بالأندلس تتصل بكورة بلنسية وهي شرقي بلنسية وقرطبة قريبة من البحر متقنة العمارة مبنية على نهر ابره ولها ولاية واسعة وبلاد كثيرة تعدّ في جملتها تحلّها التجار وتسافر منها إلى سائر الأمصار، واستولى الأفرنج عليها في سنة 543 وكذلك على جميع حصونها، وهي في أيديهم إلى الآن، وينسب إليها أحمد بن سعيد بن ميسرة الغفاري الأندلسي الطرطوشي، كتب الحديث الكثير عن علي بن عبد العزيز ومحمد بن إسماعيل الصائغ وغيرهما، وحدث ورحل في طلب العلم، ومات بالأندلس سنة 322، وأبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف الفهري الطرطوشي الفقيه المالكي، مات في الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة 520 ويعرف بابن أبي رندقة هذا الذي نشر العلم بالإسكندرية وعليه تفقّه أهلها، قاله أبو الحسن المقدسي في كتاب الرّقّيّات له وذكره القاضي عياض في مشيخة أبي علي الصّدفي فقال: محمد بن الوليد الفهري الإمام الورع أبو بكر الطرطوشي المالكي يعرف ببلده بابن أبي رندقة، براء ونون ساكنة ودال مهملة وقاف مفتوحتين، نشأ بالأندلس وصحب القاضي أبا الوليد الباجي وأخذ عنه مسائل الخلاف وكان تمسك إليها وسمع منه وأخذ ثم رحل إلى الشرق ودخل بغداد والبصرة فتفقه عند أبي بكر الشاشي وأبي سعد بن المتولي وأبي أحمد الجرجاني أئمة الشافعية ولقي القاضي أبا عبد الله الدامغاني وسمع بالبصرة من أبي علي التّستري والسعيداني وسمع ببغداد من أبي محمد التميمي الحنبلي وغيرهم، وسكن الشام مدة ودرّس بها وبعد صيته وأخذ عنه الناس هناك علما كثيرا ثم نزل الإسكندرية واستوطنها، قال القاضي أبو علي الحسين بن محمد بن فرو الصدفي: صحبته بالأندلس عند الباجي ولقيته بمكة وأخذت عنه أكثر السنن لأبي داود عن التستري ثم دخل بغداد وأنا بها فكان يقنع بشظف من العيش وكانت له نفس أبيّة، أخبرت أنه كان ببيت المقدس يطبخ في شقف، وكان مجانبا للسلطان استدعاه فلم يجبه، وراموا النقص من حاله فلم ينقصوه قلامة ظفر، وله تآليف وشعر، فمن شعره في برّ الوالدين:
لو كان يدري الابن أيّة غصّة ... يتجرّع الأبوان عند فراقه
أمّ تهيج بوجده حيرانة، ... وأب يسحّ الدمع من آماقه
يتجرّعان لبينه غصص الرّدى، ... ويبوح ما كتماه من أشواقه
لرثى لأمّ سلّ من أحشائها، ... وبكى لشيخ هام في آفاقه
ولبدّل الخلق الأبيّ بعطفه، ... وجزاهما بالعذب من أخلاقه
وطلبه الأفضل صاحب مصر فأقدمه من الإسكندرية
إلى مصر وألزمه الإقامة بها وأذكى عليه أن لا يفارقها إلى أن قيّد الأفضل فصرف إلى الإسكندرية فرجع بحالته إلى أن توفي بها سنة 520.

طَرْماجُ

طَرْماجُ:
موضع في قول أبي وجزة السعدي حيث قال:
كأنّ صوت حداها والقرين بها ... ترجيع مغترب نشوان لجلاج
نعب الأشاهيب في الأخبار يجمعها، ... والليل ساقطة أوراقه داج
حتى إذا ما إيالات جرت برحا، ... وقد ربعن الشّوى عن ماء طرماج

العَقِيقُ

العَقِيقُ:
بفتح أوله، وكسر ثانيه، وقافين بينهما ياء مثناة من تحت، قال أبو منصور: والعرب تقول لكل مسيل ماء شقه السيل في الأرض فأنهره ووسعه عقيق، قال: وفي بلاد العرب أربعة أعقّة وهي أودية عاديّة شقّتها السيول، وقال الأصمعي: الأعقّة
الأودية، قال: فمنها عقيق عارض اليمامة: وهو واد واسع مما يلي العرمة يتدفّق فيه شعاب العارض وفيه عيون عذبة الماء، قال السكوني: عقيق اليمامة لبني عقيل فيه قرى ونخل كثير ويقال له عقيق تمرة، وهو عن يمين الفرط منقطع عارض اليمامة في رمل الجزء، وهو منبر من منابر اليمامة عن يمين من يخرج من اليمامة يريد اليمن عليه أمير، وفيه يقول الشاعر:
تربّع ليلى بالمضيّح فالحمى، ... وتحفر من بطن العقيق السواقيا
ومنها عقيق بناحية المدينة وفيه عيون ونخل، وقال غيره: هما عقيقان: الأكبر وهو مما يلي الحرّة ما بين أرض عروة بن الزبير إلى قصر المراجل ومما يلي الحمى ما بين قصور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى قصر المراجل ثم اذهب بالعقيق صعدا إلى منتهى البقيع، والعقيق الأصغر ما سفل عن قصر المراجل إلى منتهى العرصة، وفي عقيق المدينة يقول الشاعر:
إني مررت على العقيق، وأهله ... يشكون من مطر الربيع نزورا
ما ضرّكم إن كان جعفر جاركم ... أن لا يكون عقيقكم ممطورا؟
وإلى عقيق المدينة ينسب محمد بن جعفر بن عبد الله ابن الحسين الأصغر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالعقيقي، له عقب وفي ولده رياسة، ومن ولده أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد العقيقي أبو القاسم، كان من وجوه الأشراف بدمشق، ومدحه أبو الفرج الواوا، ومات بدمشق لأربع خلون من جمادى الأولى سنة 378 ودفن بالباب الصغير، وفي هذا العقيق قصور ودور ومنازل وقرى قد ذكرت بأسمائها في مواضعها من هذا الكتاب، وقال القاضي عياض: العقيق واد عليه أموال أهل المدينة، وهو على ثلاثة أميال أو ميلين، وقيل ستة، وقيل سبعة، وهي أعقّة أحدها عقيق المدينة عقّ عن حرّتها أي قطع، وهذا العقيق الأصغر وفيه بئر رومة، والعقيق الأكبر بعد هذا وفيه بئر عروة، وعقيق آخر أكبر من هذين وفيه بئر على مقربة منه:
وهو من بلاد مزينة، وهو الذي أقطعه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بلال بن الحارث المزني ثم أقطعه عمر الناس، فعلى هذا يحمل الخلاف في المسافات، ومنها العقيق الذي جاء فيه: إنك بواد مبارك، هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة وهو الأقرب منها، وهو الذي جاء فيه أنه مهلّ أهل العراق من ذات عرق، ومنها العقيق الذي في بلاد بني عقيل، قال أبو زياد الكلابي: عقيق بني عقيل فيه منبر من منابر اليمامة ذكره القحيف بن حميّر العقيلي حيث قال:
أأمّ ابن إدريس ألم يأتك الذي ... صبحنا ابن إدريس به فتقطّرا؟
فليتك تحت الخافقين ترينه ... وقد جعلت درعا عليها ومغفرا
يريد العقيق ابن المهير ورهطه، ... ودون العقيق الموت وردا وأحمرا
وكيف تريدون العقيق ودونه ... بنو المحصنات اللابسات السّنّورا؟
ومنها عقيق، ولا يدخلون عليه الألف واللام: قرية قرب سواكن من ساحل البحر في بلاد البجاه يجلب منها التمر هندي وغيره، ومنها العقيق: ماء لبني جعدة وجرم تخاصموا فيه إلى النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فقضى به لبني جرم، فقال معاوية بن عبد
العزّى بن ذراع الجرمي أبياتا ذكرناها في الأقيصر، ومنها عقيق البصرة: وهو واد مما يلي سفوان، قال يموت بن المزرع أنشدنا محمد بن حميد قال أنشدتني صبية من هذيل بعقيق البصرة ترثي خالها فقالت:
أسائل عن خالي مذ اليوم راكبا، ... إلى الله أشكو ما تبوح الركائب
فلو كان قرنا يا خليلي غلبته، ... ولكنه لم يلف للموت غالب
قال يموت: رأيت هذه الجارية تغنيها بالعقيق عقيق البصرة، ومنها عقيق آخر يدفع سيله في غوري تهامة، وإياه عنى فيما أحسب أبو وجزة السعدي بقوله:
يا صاحبيّ انظرا هل تؤنسان لنا ... بين العقيق وأوطاس بأحداج
وهو الذي ذكره الشافعي، رضي الله عنه، فقال:
لو أهلّوا من العقيق كان أحبّ إليّ، ومنها عقيق القنان تجري فيه سيول قلل نجد وجباله، ومنها عقيق تمرة: قرب تبالة وبيشة، وقد مرّ وصفه في زبية، وقيل: عقيق تمرة هو عقيق اليمامة، وقد ذكر، وذكر عرّام: ما حوالي تبالة زبيّة، بتقديم الباء، ثم قال: وعقيق تمرة لعقيل ومياهها بثور، والبثر يشبه الأحساء، تجري تحت الحصى مقدار ذراع وذراعين ودون ذلك وربما أثارته الدوابّ بحوافرها، وقال السكري في قول جرير:
إذا ما جعلت السّيّ بيني وبينها ... وحرّة ليلى والعقيق اليمانيا
العقيق: واد لبني كلاب نسبه إلى اليمن لأن أرض هوازن في نجد مما يلي اليمن وأرض غطفان في نجد مما يلي الشام، وإياه أيضا عنى الفرزدق بقوله:
ألم تر أني يوم جوّ سويقة ... بكيت فنادتني هنيدة ما ليا
فقلت لها: إنّ البكاء لراحة، ... به يشتفي من ظنّ أن لا تلاقيا
قفي ودّعينا يا هنيد فانني ... أرى الركب قد ساموا العقيق اليمانيا
وقال أعرابيّ:
ألا أيها الركب المحثون عرّجوا ... بأهل العقيق والمنازل من علم
فقالوا: نعم! تلك الطلول كعهدها ... تلوح، وما معنى سؤالك عن علم؟
فقلت: بلى! إنّ الفؤاد يهيجه ... تذكّر أوطان الأحبّة والخدم
وقال أعرابيّ:
أيا سروتي وادي العقيق سقيتما ... حيا غضّة الأنفاس طيّبة الورد
تروّيتما محّ الثرى وتغلغلت ... عروقكما تحت الذي في ثرى جعد
ولا تهنن ظلّاكما إن تباعدت، ... وفي الدار من يرجو ظلالكما بعدي
وقال سعيد بن سليمان المساحقي يتشوّق عقيق المدينة وهو في بغداد ويذكر غلاما له اسمه زاهر وأنه ابتلي بمحادثته بعد أحبّته فقال:
أرى زاهرا لما رآني مسهّدا، ... وأن ليس لي من اهل بغداد زائر
أقام يعاطيني الحديث، وإننا ... لمختلفان يوم تبلى السرائر
يحدّثني مما يجمّع عقله ... أحاديث منها مستقيم وحائر
وما كنت أخشى أن أراني راضيا يعلّلني بعد الأحبّة زاهر وبعد المصلّى والعقيق وأهله، وبعد البلاط حيث يحلو التزاور إذا أعشبت قريانه وتزيّنت عراض بها نبت أنيق وزاهر وغنّى بها الذّبّان تغزو نباتها كما واقعت أيدي القيان المزاهر
وقد أكثر الشعراء من ذكر العقيق وذكروه مطلقا، ويصعب تمييز كل ما قيل في العقيق فنذكر مما قيل فيه مطلقا، قال أعرابيّ:
أيا نخلتي بطن العقيق أمانعي ... جنى النّخل والتين انتظاري جناكما؟
لقد خفت أن لا تنفعاني بطائل، ... وأن تمنعاني مجتنى ما سواكما
لو انّ أمير المؤمنين على الغنى ... يحدّث عن ظلّيكما لاصطفاكما
وزوّجت أعرابيّة ممن يسكن عقيق المدينة وحملت إلى نجد فقالت:
إذا الريح من نحو العقيق تنسّمت ... تجدّد لي شوق يضاعف من وجدي
إذا رحلوا بي نحو نجد وأهله ... فحسبي من الدنيا رجوعي إلى نجدي

كَابُلُ

كَابُلُ:
بضم الباء الموحدة، ولام، وكابل في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب مائة درجة، وعرضها من جهة الجنوب ثمان وعشرون درجة، وقال الإصطخري: الخلج صنف من الأتراك وقعوا في قديم الزمان إلى أرض كابل التي بين الهند ونواحي سجستان في ظهر الغور وهم أصحاب نعم على خلق الأتراك في زيّهم ولسانهم، وكابل: اسم يشمل الناحية ومدينتها العظمى او هند، واجتمعت برجل من عقلاء سجستان ممن دوّخ تلك البلاد وطرقها فذكر لي بالمشاهدة أن كابل ولاية ذات مروج كبيرة بين هند وغزنة، قال: ونسبتها إلى الهند أولى فصحّ عندي، وأما قول ابن الفقيه إنه من ثغور طخارستان فليس ببعيد من الصواب، ولعلّ طخارستان تكون في المثلثة الشرقية منها، قال ابن الفقيه: كابل من ثغور طخارستان، ولها من المدن: وأذان وخواش وخشّك وجزه، قال: وبكابل عود ونارجيل وزعفران وإهليلج لأنها متاخمة للهند، وكان خراجها ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم ومن الوصائف ألفا رأس قيمتها ستمائة ألف درهم، غزاها المسلمون في أيام بني مروان وافتتحوها وأهلها مسلمون، قلت: فإن كانت غير الساحلية فجائز، وقال عبيد الله بن قيس الرقيّات:
ولقد غالني شبيب وكانت ... في شبيب مغيلة ومغاله
غلبت أمّه عليه أباه، ... فهو كالكابليّ أشبه خاله
وقال فرعون بن عبد الرحمن يعرف بابن سلكة من بني تميم بن مرّ:
وددت، مخافة الحجاج، أني ... بكابل في اسّت شيطان رجيم
وقال الأعشى وسمّى أهل كابل كابلا:
ولقد شربت الخمر تر ... كض حولنا ترك وكابل
كدم الذبيح غريبة ... مما يعتّق أهل بابل
باكرتها حولي ذوو ال ... آكال من بكر بن وائل
ونسب إليها أبو مجاهد علي بن مجاهد الكابلي الرازي، قال البخاري: هو من سبي كابل، حدث عن موسى بن عبيدة الرّبذي ومحمد بن إسحاق وعنبسة، حدث عنه أحمد بن حنبل والصّلت بن مسعود الجحدري وزياد بن أيوب وغيرهم، وأبو الحسن محمد بن الحسين الكابلي، روى عن يزيد بن هارون وابن عيينة وغيرهما، ومات في حدود سنة 205، وأبو عبد الله محمد بن العباس الكابلي، حدث عن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن المعقب وأحمد بن حنبل، روى عنه أبو عبد الله محمد بن مخلد الدّوري وقال: توفي في رجب سنة 271.

العَلّاقِي

العَلّاقِي:
حصن في بلاد البجة في جنوبي أرض مصر به معدن التّبر بينه وبين مدينة أسوان في أرض فيّاحة، يحتفر الإنسان فيها فإن وجد فيها شيئا فجزء منه للمحتفر وجزء منه لسلطان العلاقي، وهو رجل من بني حنيفة من ربيعة، وبينه وبين عيذاب ثماني رحلات.

الغَبِيطُ

الغَبِيطُ:
بفتح أوله، وكسر ثانيه، كأنه فعيل من الغبطة وهو حسن الحال، أو من الغبط وهو قريب من الحسد عند بعضهم، وبعضهم فرّق فقال: الحسد أن يتمنى المرء انتقال نعمة المحسود إليه والغبط أن يتمنى أن يكون له مثلها، والغبيط: من مراكب النساء الحرائر، والغبيط: اسم واد، ومنه صحراء الغبيط في كتاب ابن السكيت في قول امرئ القيس:
وألقى بصحراء الغبيط بعاعه: ... نزول اليماني ذي العياب المحمّل
قال: الغبيط أرض لبني يربوع، وسميت الغبيط لأن وسطها منخفض وطرفها مرتفع كهيئة الغبيط وهو الرحل اللطيف، وفي كتاب نصر: وفي حزن بني يربوع وهو قف غليظ مسيرة ثلاث في مثلها وهو بين الكوفة وفيد أودية منها الغبيط وإياد وذو طلوح وذو كريت، ويوم الغبيط من أفضل أيامهم ويقال له يوم غبيط المدرة وغبيط الفردوس:
وهو في ديار بني يربوع يوم لبني يربوع دون مجاشع، قال جرير:
ولا شهدت يوم الغبيط مجاشع ولا نقلان الخيل من قلّتي نسر وهذا اليوم الذي أسر فيه عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي بسطام بن قيس ففدى نفسه بأربعمائة ناقة ثم أطلقه وجزّ ناصيته، فقال الشاعر:
رجعن بهانىء وأصبن بشرا ... وبسطام يعضّ به القيود
وقد ذكر في يوم العظالى، وقال لبيد بن ربيعة:
فإنّ امرأ يرجو الفلاح، وقد رأى ... سواما وحيّا بالأفاقة، جاهل
غداة غدوا منها وآزر سربهم ... مواكب، تحدى بالغبيط، وجامل

الغَرّاء

الغَرّاء:
بالفتح، والمد، وهو تأنيث الأغرّ، وفرس أغرّ إذا كان ذا غرّة: وهو بياض في مقدم وجهه، والغر: طيور سود بيض الرؤوس من طير الماء، الواحدة غرّاء، ذكرا كان أو أنثى، والأغرّ:
الأبيض، وقد يستعار لكل ممدوح، وقال الأصمعي: الغرّاء موضع في ديار بني أسد بنجد وهي جريعة في ديار ناصفة، وناصفة قويرة هناك، وأنشد:
كأنهم ما بين ألية غدوة ... وناصفة الغرّاء هدي محلّل
في أبيات، وذكر ابن الفقيه في عقيق المدينة قال: ثم ذو الضروبة ثم ذو الغرّاء، وقال أبو وجزة:
كأنهم يوم ذي الغرّاء حين غدت ... نكبا جمالهم للبين فاندفعوا
لم يصبح القوم جيرانا، فكلّ نوى ... بالناس لا صدع فيها سوف تنصدع

الغَنَاء

الغَنَاء:
بالفتح، والمدّ، قال أبو منصور: الغناء، بفتح الغين والمد، الإجزاء والكفاية، يقال: رجل مغن أي مجز كاف، وأما الغناء، بالكسر والمد:
فهو الصوت المطرب، وأما الغنى من المال فهو بالكسر والقصر، ورمل الغناء، مفتوح الأول ممدود، في شعر الراعي رواية ثعلب مقروءة عليه:
لها غضون وأرداف ينوء بها ... رمل الغناء وأعلى متنها رود
وبكسر الغين قال ذو الرمة:
تنطّقن من رمل الغناء وعلّقت ... بأعناق أدمان الظباء القلائد
أي اتخذن من رمل الغناء أعجازا كالكثبان وكأن أعناقهن أعناق الظباء، وقال أبو وجزة:
وما أنت امّا أمّ عثمان بعد ما ... حبا لك من رمل الغناء خدود

فِلاجٌ

فِلاجٌ:
بكسر أوله، وآخره جيم، ويجوز أن يكون جمع فلج مثل قدح وقداح أو جمع فلج مثل زند وزناد، وكلّ واحد من مفرده اسم لموضع يذكر تفسيره فيه، إن شاء الله تعالى، بعد هذا، قال الزّبير: هي الفلجة فتجمع بما حولها فيقال فلاج، قال أبو الأشعث الكندي: بأعلى وادي رولان، وهي من ناحية المدينة، رياض تسمّى الفلاج جامعة للناس أيام الربيع وبها مساك كبير لماء السماء يكتفون به صيفهم وربيعهم إذا مطروا، وليس بها آبار ولا عيون، منها غدير يقال له المختبىء لأنه بين عضاه وسدر وسلم وخلاف وإنما يؤتى من طرفيه دون جنبيه لأن له جرفين لا يقدر عليه من جهتهما، وإياها عنى أبو وجزة بقوله:
إذا تربّعت ما بين الشّريق إلى ... روض الفلاج ألات السّرح والعبب
واحتلّت الجوّ فالأجزاع من مرخ ... فما لها من ملاقاة ولا طلب

فَلْجَةُ

فَلْجَةُ:
بالفتح ثم السكون، والجيم: وهو والذي قبله من واد واحد، قال أبو عبيد الله السّكوني:
فلجة منزل على طريق مكة من البصرة بعد أبرقي حجر وهو لبني البكّاء، وقال أبو الفتح: فلجة منزل لحاجّ البصرة بعد الزّجيج وماؤه ملح، وفي منازل عقيق المدينة بعد الصّوير فلجة، وفي شعر لأبي وجزة الفلاج.

فَيْحَانُ

فَيْحَانُ:
فعلان من فاحت رائحة الطيب تفيح فيحا، ويجوز أن يكون من الفيح وهو سطوع الحرّ، وفي الحديث: شدة الحر من فيح جهنم، ويجوز أن يكون من قولهم أفيح للواسع وفيّاح وفيحاء، وفيحان:
موضع في بلاد بني سعد، وقيل: واد، قال الراعي:
أو رعلة من قطا فيحان حلّأها ... من ماء يثربة الشّبّاك والرّصد
وقال أبو وجزة الحسين بن مطير الأسدي:
من كلّ بيضاء مخماص لها بشر ... كأنه بذكيّ المسك مغسول
فالخدّ من ذهب والثّغر من برد ... مفلّج واضح الأنياب مصقول
كأنه حين يستسقي الضجيع به ... بعد الكرى بمدام الراح مشمول
ونشرها مثل ريّا روضة أنف ... لها بفيحان أنوار أكاليل

قَوْصَرَةُ

قَوْصَرَةُ:
بالفتح ثم السكون، والصاد مهملة، قال الليث: القوصرّة وعاء التمر، ومنهم من يخففها:
وهي جزيرة في بحر الروم بين المهدية وجزيرة صقليّة، وأثبتها ابن القطاع بالألف فقال: قوصرا جزيرة في البحر فتحها المسلمون في أيام معاوية وبقيت في أيديهم إلى أيام عبد الملك بن مروان ثم خربت، وقيل: إن في أيامنا هذه فيها قوم من الخوارج الوهبيّة.

التَّوْفِيق

(التَّوْفِيق) من الله للْعَبد سد طَرِيق الشَّرّ وتسهيل طَرِيق الْخَيْر وَيُقَال أَتَيْتُك لتوفيق الْهلَال أَي حِين أهل و (فِي القانون الدولي) محاولة إِحْدَى الدول الْإِصْلَاح بَين دولتين متنازعتين (مج)
التَّوْفِيق: جعل الله تَعَالَى قَول العَبْد وَفعله مُوَافقا لأَمره وَنَهْيه. وَالْمَشْهُور أَنه جعل الْأَسْبَاب نَحْو الْمَطْلُوب الْخَيْر.
اعْلَم أَن الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على التَّهْذِيب جعل الْخَيْر ذاتيا للتوفيق دَاخِلا فِي مَفْهُومه. والفاضل المدقق ملا مرزاجان رَحمَه الله جعله من لَوَازِم ذَات التَّوْفِيق. وَهَذَا هُوَ الْحق فَمَعْنَى كَون الْخَيْر ذاتيا للتوفيق أَنه لَا يَنْفَكّ عَنهُ لَا بِمَعْنى أَنه جُزْء من مَفْهُومه كَمَا يتَبَادَر إِلَى الْفَهم فَالْمُرَاد من الذاتي فِي قَول الزَّاهِد لِامْتِنَاع تخلله بَين الشَّيْء وذاتياته للشَّيْء الْمَنْسُوب إِلَى الذَّات سَوَاء كَانَ عين الذَّات أَو جزءه أَو لَازِما غير منفك عَنهُ أَي مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي. وعَلى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا احْتِيَاج إِلَى التكلفات فِي جعل الْخَيْر ذاتيا لَهُ والانصاف أَن قَوْله لِأَن الْخَيْر مُعْتَبر فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق يَأْبَى عَن هَذَا التَّوْجِيه وينادى على أَنه ذاتي وجزء لَهُ. وَقيل فِي تَوْجِيه الذاتية أَن مَفْهُوم التَّوْفِيق تَوْجِيه الْأَسْبَاب نَحْو الْمَطْلُوب الْخَيْر فالخير ذاتي وداخل فِي مَفْهُومه.
وَلَا يخفى على سالك مسالك التَّحْقِيق وشارع مشارع التدقيق إِن أَخذ شَيْء فِي تَعْرِيف أَمر لَا يسْتَلْزم كَونه ذاتيا لَهُ وداخلا فِيهِ مُطلقًا.
أَلا ترى أَن الْإِنْسَان مَأْخُوذ وَفِي تَعْرِيف اللَّفْظ بِمَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان والغير مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الأَصْل بِمَا يبتني عَلَيْهِ غَيره مَعَ أَنَّهُمَا خارجان عَن اللَّفْظ وَالْأَصْل فَلَيْسَ كل مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف شَيْء ذاتيا لَهُ دَاخِلا فِيهِ نعم إِذا أُرِيد بالمأخوذ الْمَأْخُوذ بطرِيق حمله على الْمُعَرّف أَو وَصفه للمحمول على الْمُعَرّف فالكلية حِينَئِذٍ صَادِقَة لَكِن الْخَيْر فِي تَعْرِيف التَّوْفِيق لَيْسَ كَذَلِك. وَقيل إِن التَّوْفِيق لَا يسْتَعْمل فِي الشَّرْع وَالْعرْف إِلَّا فِي الْخَيْر. فَمن هَذَا يعلم أَن الْخَبَر ذاتي لَهُ دَاخل فِي مَفْهُومه وَأَنت تعلم أَن تَخْصِيص الِاسْتِعْمَال لَا يسْتَلْزم الدُّخُول.
وَقيل اخْتلف المتكلمون فِي التَّوْفِيق فَقَالَ الْبَعْض التَّوْفِيق الدعْوَة إِلَى الطَّاعَة. وَقَالَ الْبَعْض خلق الطَّاعَة. وَقَالَ الْبَعْض خلق الْقُدْرَة على الطَّاعَة وَكلهَا خير فالخير دَاخل فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق. وَلَا يخفى أَنه لَا يفهم مِنْهُ كَون الْخَيْر دَاخِلا فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق وذاتيا لَهُ لِأَن صدق الْخَيْر على مَعَاني التَّوْفِيق لَا يسْتَلْزم دُخُوله فِيهَا. نعم يعلم من الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ أَن الْخَيْر لَازم للتوفيق لَا يَنْفَكّ عَنهُ وَلذَا قَالَ الْفَاضِل المدقق بلزومه وَمَال عَن دُخُوله فِي التَّوْفِيق وَكَونه ذاتيا لَهُ.
فَاعْلَم أَن غَرَض الزَّاهِد الْمُحَقق والفاضل المدقق أَنه لَو جعل قَوْله لنا مُتَعَلقا بِجعْل يلْزم تخَلّل الْجعل بَين التَّوْفِيق وذاته وَهُوَ الْخَيْر إِن ثَبت أَنه ذاتي لَهُ. أَو بَين التَّوْفِيق ولازمه كَمَا هُوَ الظَّاهِر. وتخلله بَين الشَّيْء وذاتياته وَكَذَا بَينه وَبَين لَازمه مُمْتَنع فاللازم وَهُوَ التخلل بَاطِل فَكَذَا الْمَلْزُوم وَهُوَ جعل قَوْله لنا مُتَعَلقا بِجعْل. وَإِمَّا إِذا جعل لنا مُتَعَلقا برفيق فَلَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لِأَن الْخَيْر بعد تعلقه برفيق يصير مُقَيّدا وَهُوَ لَيْسَ بذاتي أَو لَازم للتوفيق فَإِن ذاتيه أَو لَازمه هُوَ الْخَيْرِيَّة الْمُطلقَة. فَأَقُول إِن الْخَيْر مُضَاف إِلَى النكرَة وَهِي رَفِيق وَهَذِه الْإِضَافَة تفِيد التَّخْصِيص كَمَا تقرر فِي النَّحْو فالخير الْمُضَاف إِلَى الرفيق مُقَيّد لَا مُطلق من غير احْتِيَاج إِلَى أَن تقيد بلنا قُلْنَا سَوَاء كَانَ مُتَعَلقا بِجعْل أَو برفيق لَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور بل الْأَنْسَب تعلقه بِجعْل لقُرْبه وفعليته دون رَفِيق لبعده واسميته إِلَّا أَن يُقَال إِن الذاتي أَو اللَّازِم هُوَ الْخَيْر الْمُضَاف إِلَى الرفيق أَي خيرية الرفاقة الْمُطلقَة الشاملة لتوفيق هُوَ رَفِيق لنا أَي لكل وَاحِد والتوفيق هُوَ رَفِيق لبَعض دون بعض مَعَ انْتِفَاء كل وَاحِد مِنْهُ إِمَّا بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة فَإِذا قيد الرفيق بلنا تكون خيرية الرفاقة مُقَيّدَة وَهِي لَيست بذاتية وَلَا لَازم فَلَا يلْزم حِينَئِذٍ المحذوران الْمَذْكُورَان جَمِيعًا وَيُؤَيّد هَذَا أَنهم يَقُولُونَ إِنَّا لنا مُتَعَلق برفيق وَإِلَّا يلْزم الْمَحْذُور فَلَو كَانَ الذاتي أَو اللَّازِم هُوَ الْخَيْر فَقَط لاحتاجوا إِلَى تَقْيِيده وتخصيصه دون رَفِيق هَذَا كُله مَا حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الزَّاهِد وَقَوْلنَا وَكَذَا بَين لَازمه مُمْتَنع.
اعْلَم أَنه يفهم هَذَا الِامْتِنَاع من كَلَام الْفَاضِل المدقق حَيْثُ قَالَ قَوْله فركيك لِأَنَّهُ إِذا جعل لنا مُتَعَلقا بِجعْل صَار المجعول إِلَيْهِ خير رَفِيق بِلَا اعْتِبَار تَقْيِيده بِأَمْر فَظَاهر أَن الْخَيْرِيَّة من لَوَازِم ذَات التَّوْفِيق. وَلَا يتَعَلَّق الْجعل فِي الْمُتَعَارف باللوازم. فَلَا يُقَال إِن الْفَاعِل جعل الْأَرْبَعَة زوجا انْتهى قيل مُرَاده أَن لَوَازِم الْمَاهِيّة لَا يتَعَلَّق بهَا الْجعل ابْتِدَاء بل هِيَ مجعولة بِمَعْنى كَونهَا تَابِعَة لملزومه فِي الْجعل والمتبادر من الْجعل هُوَ الابتدائي. فَيعلم من هَا هُنَا أَن الْجعل يتَعَلَّق باللوازم أَيْضا ثَانِيًا وَفِي غير الْمُتَعَارف. أما سَمِعت أَن الباقر قَالَ فِي الْأُفق الْمُبين ثمَّ الْجعل الْمُؤلف لَا يتوسط بَين الشَّيْء وَبَين نَفسه كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان إِنْسَان وَلَا بَينه وَبَين شَيْء من ذاتياته كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان حَيَوَان لانحفاظ الْخَلْط فِي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ الدُّخُول فِي أصُول قوامها بل يخْتَص بالعرضيات سَوَاء كَانَت لَوَازِم الْمَاهِيّة كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج أَو الْعَوَارِض الممكنة الانسلاخ كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان مَوْجُود والجسم أَبيض لتعري الذَّات عَنْهَا فِي مرتبَة التقرر وَصِحَّة سلبها عَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ولحوقها فِي مرتبَة مُتَأَخِّرَة.

التَّصَوُّر والتصديق

التَّصَوُّر والتصديق: وَإِنَّمَا قدمنَا التَّصَوُّر على التَّصْدِيق لِأَن التَّصَوُّر إِمَّا شَرط التَّصْدِيق أَو شطره أَي جزءه. وَالشّرط والشطر مقدمان طبعا على الْمَشْرُوط وَالْكل بِالضَّرُورَةِ فقدمنا التَّصَوُّر على التَّصْدِيق وَصفا ليُوَافق الْوَضع الطَّبْع.
ثمَّ اعْلَم أَن التَّصَوُّر يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على أَمريْن. أَحدهمَا: الْحُضُور الذهْنِي مُطلقًا والتصور بِهَذَا الْمَعْنى مرادف للْعلم المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق وَيُقَال لَهُ التَّصَوُّر الْمُطلق والتصور لَا بِشَرْط شَيْء. وَثَانِيهمَا: الْحُضُور الذهْنِي مَعَ اعْتِبَار عدم الإذعان وَهَذَا التَّصَوُّر قسم الْعلم فَيكون قسما للتصور بِالْمَعْنَى الأول أَيْضا وقسيما للتصديق وَيُقَال لَهُ التَّصَوُّر الساذج وتصور فَقَط والتصور بِشَرْط لَا شَيْء. وَقد علم من هَذَا الْبَيَان أَن مورد الْقِسْمَة هُوَ التَّصَوُّر بِالْمَعْنَى الأول. وَقَالَ الْمُحَقق الرَّازِيّ فِي الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق فسر التَّصَوُّر بِأُمُور. أَحدهَا: بِأَنَّهُ عبارَة عَن حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى مرادف للْعلم. وَثَانِيها: بِأَنَّهُ عبارَة عَن حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل فَقَط وَهُوَ مُحْتَمل لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: حُصُول صُورَة الشَّيْء مَعَ اعْتِبَار عدم الحكم. وَثَانِيهمَا: حُصُول صُورَة الشَّيْء مَعَ عدم اعْتِبَار الحكم. وَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِير أَعم مِنْهُ بالتفسير الثَّانِي لِأَنَّهُ جَازَ أَن يكون مَعَ الحكم. وأخص مِنْهُ بالتفسير الأول لِأَن الأول جَازَ أَن يكون مَعَ اعْتِبَار الحكم انْتهى. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْحَوَاشِي الجلالية على التَّهْذِيب التَّصَوُّر عبارَة عَن الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء فِي الْعقل فَقَط وَهُوَ مُحْتَمل لوَجْهَيْنِ: الأول: مَعَ عدم اعْتِبَار الإذعان وَالثَّانِي: مَعَ اعْتِبَار عدم الإذعان وَالْأول أَعم من الثَّانِي بِحَسب الْمَفْهُوم دون التحقق لِأَن الْعلم التصديقي هُوَ الْعلم المتكيف بالكيفية الإذعانية لَا يُمكن فِيهِ عدم اعْتِبَار الإذعان وَلَا اعْتِبَار عدم الإذعان. وَغير الْعلم التصديقي يُمكن فِيهِ كل مِنْهُمَا انْتهى.

وللتصديق فِي اللُّغَة ثَلَاثَة معَان: الأول: هُوَ الإذعان بِصدق الْقَضِيَّة أَي التَّصْدِيق بِأَن معنى الْقَضِيَّة مُطَابق للْوَاقِع ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (براست دانستن وصادق دانستن) ، وَالثَّانِي: الإذعان بِمَعْنى الْقَضِيَّة أَي التَّصْدِيق بِأَن الْمَحْمُول ثَابت للموضوع فِي الْوَاقِع أَو مسلوب عَنهُ كَذَلِك ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بكرويدن وباوركردن) وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ التَّصْدِيق المنطقي. من هَا هُنَا قد اشْتهر فِيمَا بَينهم أَن التَّصْدِيق المنطقي هُوَ بِعَيْنِه هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ، وَالثَّالِث: عبارَة عَن التَّصْدِيق بِأَن الْقَائِل مخبر عَن كَلَام مُطَابق للْوَاقِع ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (براست كو داشتن وَحقّ كو دانستن) .
وَقد علم من هَذَا الْبَيَان أَن الْمَعْنى الأول مَأْخُوذ من الصدْق الَّذِي وصف الْقَضِيَّة وَالثَّالِث مَأْخُوذ من الصدْق الَّذِي وصف الْقَائِل فَإِن قيل بَين هذَيْن الْقَوْلَيْنِ أَي قَوْلهم التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ وَبَين قَوْلهم التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق الأول والتصديق اللّغَوِيّ تَصْدِيق ثَان مُنَافَاة لِأَن القَوْل الأول يدل على العينية وَالْقَوْل الثَّانِي على الْمُغَايرَة والأولوية والثانوية لَا يتصوران إِلَّا فِي المتغايرين قُلْنَا تنْدَفع الْمُنَافَاة مِمَّا ذكرنَا من الْمعَانِي الثَّلَاثَة للتصديق فَإِن المُرَاد بالتصديق اللّغَوِيّ فِي القَوْل الأول هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَقد عرفت أَنه هُوَ التَّصْدِيق المنطقي وعينه. وَهَذَا التَّصْدِيق أَي التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مقدم على التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الأول أَي يحصل قبل حُصُوله كَمَا لَا يخفى. فَالْحَاصِل أَن التَّصْدِيق اللّغَوِيّ الَّذِي هُوَ عين التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق بِالْمَعْنَى الثَّانِي والتصديق الَّذِي مَحْكُوم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَان أَي مُتَأَخّر هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الأول.
ثمَّ اعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي بساطة التَّصْدِيق وتركبه. والحكماء ذَهَبُوا إِلَى بساطته وفسروه بالحكم أَي الاذعان بِالنِّسْبَةِ التَّامَّة الخبرية كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. أَو الإذعان بِأَن الْمَحْمُول ثَابت للموضوع أَو مسلوب عَنهُ فِي الْوَاقِع كَمَا هُوَ تَحْقِيق الزَّاهِد. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الحكم بِاعْتِبَار حُصُوله فِي الذِّهْن تصور بِالْمَعْنَى الأول ولخصوصية كَونه حكما يُسمى تَصْدِيقًا وَسَيَجِيءُ توضيح هَذَا الْإِجْمَال فِي ذيل هَذَا الْمقَال أَو الاذعان بِنِسْبَة الِاتِّصَال واللااتصال وبنسبة الِانْفِصَال واللاانفصال. وَالْإِمَام الرَّازِيّ رَحمَه الله ذهب إِلَى أَنه مركب عبارَة عَن مَجْمُوع تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه وَالْحكم لما صرح بِهِ فِي الملخص. وَقيل إِن أول من نسب تركيب التَّصْدِيق إِلَى الإِمَام هُوَ الكاتبي فِي شرح الملخص حَيْثُ حمل عبارَة الملخص على ظَاهرهَا فَصَارَ كسخاوة حَاتِم وشجاعة رستم وَإِلَّا فعبارات الإِمَام فِي سَائِر كتبه نَص على أَن التَّصْدِيق نفس الحكم على مَا عَلَيْهِ الْحُكَمَاء. وَقَالَ القَاضِي سراج الدّين الأرموي فِي الْمطَالع الْعلم إِمَّا تصور إِن كَانَ إدراكا ساذجا وَإِمَّا تَصْدِيق إِن كَانَ مَعَ حكم بِنَفْي أَو إِثْبَات وَقَالَ صَاحب الْكَشْف فِي كتاب الْبَيَان التَّصَوُّر إِدْرَاك الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ مَقْطُوع النّظر عَن كَونه خَالِيا عَن الحكم بِهِ أَو عَلَيْهِ بِإِيجَاب أَو سلب والمنظور إِلَيْهِ مَعَ أَحدهمَا هُوَ التَّصْدِيق. وَفِي ميزَان الْمنطق الْعلم إِمَّا تصور فَقَط وَهُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل. وَإِمَّا تَصْدِيق وَهُوَ تصور مَعَه حكم. وَفِي الشمسية الْعلم إِمَّا تصور فَقَط وَهُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل وَإِمَّا تصور مَعَه حكم وَيُقَال للمجموع تَصْدِيق. وَهَكَذَا قسمه الطوسي فِي تَجْرِيد الْمِيزَان.
وَلَا يخفى أَن هَذِه التفاسير للتصديق لَا تنطبق على شَيْء من مذهبي الْحُكَمَاء وَالْإِمَام. أما الأول: فلامتناع معية الشَّيْء بِنَفسِهِ. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الحكم لما كَانَ سَابِقًا على الْمَجْمُوع بِحكم الْجُزْئِيَّة لم يكن مَعَه للتضاد بَين التَّقَدُّم والمعية.
وَأَنت خَبِير بِمَا فِيهِ من منع التضاد لجَوَاز أَن تكون معية زمانية وَهِي لَا تنَافِي التَّقَدُّم الذاتي كَمَا هُوَ شَأْن الْجُزْء مَعَ الْكل. نعم مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَاشِيَته على شرح الشمسية يُسْتَفَاد مِنْهُ دَلِيل قَاطع على عدم انطباق هَذِه التفاسير على مَذْهَب الإِمَام وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَيْهِ. وَيفهم مِمَّا قَالَ الْعَلامَة الْأَصْفَهَانِي فِي شرح الْمطَالع والطوالع أَن هَذِه التفاسير مَبْنِيَّة على مَذْهَب ثَالِث مستحدث مِنْهُم فِي التَّصْدِيق وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح. ومحصل كَلَامه أَن حَقِيقَة التَّصْدِيق هِيَ مَا يكون الحكم لاحقا بِهِ عارضا لَهُ وَهُوَ مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة من حَيْثُ إِنَّه ملحوق ومعروض للْحكم المرادف للتصديق فتسمية المعروض بالتصديق من بَاب إِجْرَاء الْعَارِض على المعروض وَمَا عدا ذَلِك تصور ساذج وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم أَن يكون تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَحده أَو تصور الْمَحْكُوم بِهِ وَحده وَلَا مجموعهما مَعًا وَحدهمَا تَصْدِيقًا لَكِن يلْزم أَن يكون إِدْرَاك النِّسْبَة وَحده تَصْدِيقًا لِأَن الحكم عَارض لَهُ حَقِيقَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَإِن قلت إِن المُرَاد من التَّصَوُّر المعروض للْحكم مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة كَمَا مر وَالْحكم وَإِن كَانَ عارضا للنسبة حَقِيقَة لكنه بِوَاسِطَة قِيَامهَا بالطرفين عَارض للمجموع فَإِن عرُوض أَمر بِجُزْء يسْتَلْزم عروضه للْكُلّ قُلْنَا لَا دلَالَة للتصور على التَّعَدُّد فضلا عَن أَن يكون دَالا على مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة. وَأما تَقْسِيم صَاحب الشمسية فَلَا ينطبق على مَذْهَب الْحُكَمَاء بِالضَّرُورَةِ وَلَا على مَذْهَب الإِمَام لما ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي تِلْكَ الْحَاشِيَة.
وَاعْلَم أَن السَّيِّد السَّنَد قدس سره قَالَ فِي تِلْكَ الْحَاشِيَة وَإِن كَانَ أَي التَّصْدِيق عبارَة عَن الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُمَا كَمَا صرح بِهِ أَي بقوله وَيُقَال للمجموع تَصْدِيق لم يكن التَّصْدِيق قسما من الْعلم بل مركبا من أحد قسميه مَعَ أَمر آخر مُقَارن لَهُ أَعنِي الحكم وَذَلِكَ بَاطِل انْتهى قَوْله لم يكن التَّصْدِيق قسما من الْعلم لِأَن الحكم على هَذَا التَّقْسِيم فعل فَلَا يكون التَّصْدِيق الْمركب مِنْهُ وَمن الْعلم علما وَذَلِكَ بَاطِل لاتفاقهم على أَن التَّصْدِيق قسم من الْعلم وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي حَقِيقَته فَلَا يَصح التَّقْسِيم فضلا عَن الانطباق كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية - أَقُول إِن الحكم عِنْد الإِمَام علم وَإِدْرَاك لَا فعل كَمَا سَيَجِيءُ فتقسيم صَاحب الشمسية منطبق على مَذْهَب الإِمَام. فَإِن قلت أَي مَذْهَب من مذهبي الْحُكَمَاء وَالْإِمَام حق قُلْنَا الْمَذْهَب الْحق هُوَ مَذْهَب الْحُكَمَاء كَمَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره هَذَا هُوَ الْحق لِأَن تَقْسِيم الْعلم إِلَى هذَيْن الْقسمَيْنِ إِنَّمَا هُوَ لامتياز كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بطرِيق خَاص يستحصل بِهِ.
ثمَّ إِن الْإِدْرَاك الْمُسَمّى بالحكم ينْفَرد بطرِيق خَاص يُوصل إِلَيْهِ وَهُوَ الْحجَّة المنقسمة إِلَى أقسامها. وَمَا عدا هَذَا الْإِدْرَاك لَهُ طَرِيق وَاحِد وَهُوَ القَوْل الشَّارِح فتصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وتصور الْمَحْكُوم بِهِ وتصور النِّسْبَة الْحكمِيَّة يُشَارك سَائِر التصورات فِي الاستحصال بالْقَوْل الشَّارِح فَلَا فَائِدَة فِي ضمهَا إِلَى الحكم وَجعل الْمَجْمُوع قسما وَاحِدًا من الْعلم مُسَمّى بالتصديق. لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَيْسَ لَهُ طَرِيق خَاص فَمن لاحظ مَقْصُود الْفَنّ أَعنِي بَيَان الطّرق الموصلة إِلَى الْعلم لم يلتبس عَلَيْهِ أَن الْوَاجِب فِي تقسيمه مُلَاحظَة الامتياز فِي الطّرق فَيكون الحكم أحد قسميه الْمُسَمّى بالتصديق لكنه مَشْرُوط فِي وجوده ضمه إِلَى أُمُور مُتعَدِّدَة من أَفْرَاد الْقسم الآخر انْتهى. فَإِن قيل إِن الحكم عِنْد الإِمَام فعل من أَفعَال النَّفس لَا علم وَإِدْرَاك فَكيف يكون الْمَجْمُوع الْمركب من التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم قسما من الْعلم فَإِن تركيب التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ قسم الْعلم من الْعلم وَغَيره محَال قُلْنَا الحكم عِنْد الإِمَام إِدْرَاك قطعا وَمَا اشْتهر أَنه فعل عِنْده غلط نَشأ من اشْتِرَاك لفظ الحكم بَين الْمَعْنى الاصطلاحي وَهُوَ الإذعان وَبَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَهُوَ ضم أحد المفهومين إِلَى الآخر وَالضَّم فعل من أَفعَال النَّفس فَمن قَالَ إِن الحكم عِنْده فعل والتصديق عبارَة عَن مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم فقد افترى عَلَيْهِ بهتانا عَظِيما.
نعم يرد على الإِمَام اعْتِرَاض من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يلْزم قلب الْمَوْضُوع لاستلزامه أَن يكون التَّصْدِيق مكتسبا من القَوْل الشَّارِح والتصور من الْحجَّة وَالْأَمر بِالْعَكْسِ أما الأول فَلِأَن التَّصْدِيق عِنْده هُوَ الْمَجْمُوع من التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم فَلَو كَانَ الحكم الَّذِي هُوَ جزؤه بديهيا غَنِيا عَن الِاكْتِسَاب وَيكون تصور أحد طَرفَيْهِ كسبيا كَانَ ذَلِك الْمَجْمُوع كسبيا. فَإِن احْتِيَاج الْجُزْء إِلَى الشَّيْء يسْتَلْزم احْتِيَاج الْكل إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يكون اكتسابه من القَوْل الشَّارِح. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن التصورات كلهَا عِنْده بديهية فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون تصور أحد الطَّرفَيْنِ عِنْده كسبيا حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الحكم عِنْده إِدْرَاك وَلَيْسَ هُوَ وَحده تَصْدِيقًا عِنْده بل الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُ وَمن التصورات الثَّلَاثَة فَلَا بُد أَن يكون تصورا فَإِذا كَانَ كسبيان يكون اكتسابه من الْحجَّة فَيلْزم اكْتِسَاب التَّصَوُّر من الْحجَّة وَهُوَ مُمْتَنع لما سَيَجِيءُ فِي مَوْضُوع الْمنطق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. إِلَّا أَن يُقَال إِن الإِمَام جَازَ أَن يكون مُلْتَزما أَن يكون بعض التصورات أَعنِي الحكم مكتسبا من الْحجَّة فَهُوَ لَيْسَ بمعتقد بِمَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن التَّصَوُّر مكتسب من القَوْل الشَّارِح فَقَط والتصديق من الْحجَّة فَحسب. والاعتراض بِالْوَجْهِ الثَّانِي أَن الْوحدَة مُعْتَبرَة فِي الْمقسم كَمَا ذكرنَا فِي جَامع الغموض شرح الكافية فِي شرح اللَّفْظ كَيفَ لَا وَإِن لم يُقيد بهَا لم ينْحَصر كل مقسم فِي أقسامه فَإِن مَجْمُوع الْقسمَيْنِ قسم ثَالِث للمطلق. فالتصديق الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الادراكات الَّتِي هِيَ عُلُوم مُتعَدِّدَة لَا ينْدَرج تَحت الْعلم الْوَاحِد الَّذِي جعل مقسمًا. وَالْجَوَاب أَن التَّصْدِيق الْمَذْكُور فِي نَفسه وَإِن كَانَت علوما مُتعَدِّدَة لَكِن لَهَا نوع وحدة فَلَا بَأْس باندراجها بِحَسب تِلْكَ الْوحدَة تَحت الْعلم مَعَ أَن التَّرْكِيب بِدُونِ اعْتِبَار الْوحدَة مُمْتَنع وَمن سوى الْحُكَمَاء قَائِل بتركيب التَّصْدِيق فَلهُ وحدة بحسبها مندرج تَحت الْعلم فَلَا إِشْكَال. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَاشِيَة الرسَالَة أَقُول يرد على الإِمَام أَن أَجزَاء التَّصْدِيق يجب أَن تكون علوما تصورية لِأَن الْعلم منحصر فِي التَّصَوُّر والتصديق وجزء التَّصْدِيق لَا يُمكن أَن يكون شَيْئا غير الْعلم أَو علما تصديقيا غير التصوري وَلَا شكّ أَن التصورات كلهَا بديهيات عِنْده وَمن الضروريات أَنه إِذا حصل جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء بالبداهة يحصل ذَلِك الشَّيْء بالبداهة فَيلْزم أَن يكون التصديقات أَيْضا كلهَا بديهية مَعَ أَنه لَا يَقُول بذلك انْتهى. وَقَالَ فِي الْهَامِش المُرَاد بِالْجَمِيعِ الْكل الإفرادي فَلَا يرد أَن جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء هُوَ بِعَيْنِه ذَلِك الشَّيْء فَيرجع الْكَلَام إِلَى أَنه إِذا حصل ذَلِك الشَّيْء يحصل ذَلِك الشَّيْء. ثمَّ حُصُول كل وَاحِد من الْأَجْزَاء بِأَيّ نَحْو كَانَ مُسْتَلْزم لحُصُول الْكل كَذَلِك إِذا لم يعْتَبر مَعَه الْهَيْئَة الاجتماعية وحصوله بطرِيق البداهة لَيْسَ بمستلزم لحُصُول الْكل كَذَلِك إِذا اعْتبر مَعَه تِلْكَ الْهَيْئَة انْتهى.
وَاعْلَم أَن الْحُكَمَاء قاطبة بعد اتِّفَاقهم على أَن التَّصْدِيق بسيط عبارَة عَن الاذعان وَالْحكم فَقَط اخْتلفُوا فِي أَن مُتَعَلق الاذعان إِمَّا النِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية. أَو مُتَعَلقَة وُقُوع النِّسْبَة الثبوتية التقييدية أَولا وُقُوعهَا يَعْنِي أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة فَاخْتَارَ المتقدمون مِنْهُم الأول وَقَالُوا بِتَثْلِيث أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية وَهَذَا هُوَ الْحق إِذْ لَا يفهم من زيد قَائِم مثلا إِلَّا نِسْبَة وَاحِدَة وَلَا يحْتَاج فِي عقده إِلَى نِسْبَة أُخْرَى. والتصديق عِنْدهم نوع آخر من الْإِدْرَاك مغائر للتصور مُغَايرَة ذاتية لَا بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق. وَذهب الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم إِلَى الثَّانِي وَقَالُوا بتربيع أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة التقييدية ثبوتية أَو سلبية الَّتِي سَموهَا بِالنِّسْبَةِ الْحكمِيَّة. وَالرَّابِع النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية وَهِي أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وَالَّذِي حملهمْ على ذَلِك أَنهم ظنُّوا أَنه لَو جعلُوا مُتَعَلق الْإِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة لَا أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة لدخل الشَّك وَالوهم والتخييل فِي التَّصْدِيق لِأَنَّهَا أَيْضا إِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة ففرقوا بَين التَّصَوُّر والتصديق بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق وازدادوا جُزْءا رَابِعا وجعلوه مُتَعَلق الْإِدْرَاك. وَزَعَمُوا أَن الشَّك وَكَذَا الْوَهم والتخييل لَيْسَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة وَلَكِن لم يتنبهوا أَن الشَّك أَيْضا إِدْرَاك الْوُقُوع أَو اللاوقوع لَكِن لَا على سَبِيل التَّسْلِيم والإذعان فَلم يَنْفَعهُمْ الازدياد بل زَاد الْفساد بِخُرُوج التصديقات الشّرطِيَّة فَإِن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة نِسْبَة حملية وَالنِّسْبَة فِي الشرطيات هِيَ نِسْبَة الِاتِّصَال واللاتصال والانفصال واللاانفصال. وَأَيْضًا يتَوَهَّم مِنْهُ أَن مَفْهُوم أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة مُعْتَبر فِي معنى الْقَضِيَّة وَالْأَمر لَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ نِسْبَة بسيطة يصدق عَلَيْهَا هَذِه الْعبارَة المفصلة إِلَّا أَن يُقَال لَيْسَ مقصودهم إِثْبَات النسبتين المتغائرتين حَقِيقَة بل أَن النِّسْبَة الْوَاحِدَة الَّتِي هِيَ النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية إِذا أخذت من حَيْثُ إِنَّهَا نِسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول يتَعَلَّق بِهِ الشَّك وأخواه. وَإِذا أخذت من حَيْثُ إِنَّهَا نِسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة يتَعَلَّق بهَا التَّصْدِيق وَيُشِير إِلَى هَذَا مَا فِي شرح الْمطَالع من أَن أَجزَاء الْقَضِيَّة عِنْد التَّفْصِيل أَرْبَعَة فَافْهَم. وَمَا ذكرنَا من أَن مُتَعَلق الإذعان وَالْحكم هُوَ النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية هُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور وَأما الزَّاهِد فَلَا يَقُول بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِن التَّصْدِيق أَي الاذعان وَالْحكم يتَعَلَّق أَولا وبالذات بالموضوع والمحمول حَال كَون النِّسْبَة رابطة بَينهمَا وَثَانِيا وبالعرض بِالنِّسْبَةِ لِأَن النِّسْبَة معنى حرفي لَا يَصح أَن يتَعَلَّق التَّصْدِيق بهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ. أَقُول نعم إِن النِّسْبَة من حَيْثُ إِنَّهَا رابطة فِي الْقَضِيَّة لَا يُمكن أَن تلاحظ قصدا وبالذات لِأَنَّهَا معنى حرفي فَلَا يُمكن تعلق الاذعان والتصديق بهَا بجعلها مَوْضُوعا ومحكوما عَلَيْهَا أَو بهَا بالاذعان والتصديق لَكِن لَا نسلم أَن تعلقهما بهَا مُطلقًا مَوْقُوف على ملاحظتها قصدا وبالذات فَقَوله لَا يَصح أَن يتَعَلَّق التَّصْدِيق بهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا يَصح.
وتوضيحه أَن الْمَعْنى مَا لم يُلَاحظ قصدا وبالذات لَا يُمكن جعله مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَو بِهِ بِنَاء على أَن النَّفس مجبولة على أَنَّهَا مَا لم تلاحظ الشَّيْء كَذَلِك لَا تقدر على أَن تحكم عَلَيْهِ أَو بِهِ كَمَا يشْهد بِهِ الوجدان وَالْمعْنَى الْحر فِي لَا يُمكن أَن يُلَاحظ كَذَلِك فَلَا يُمكن الحكم عَلَيْهِ أَو بِهِ فَتعلق الاذعان وَالْحكم بِهِ مُمْتَنع.
وَأما عرُوض الْعَوَارِض بِحَسب الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر للمعنى الْحرفِي الملحوظ تبعا وَمن حَيْثُ إِنَّه آلَة لملاحظة الطَّرفَيْنِ فَلَيْسَ بممتنع. أَلا ترى أَن الِابْتِدَاء الَّذِي هُوَ مَدْلُول كلمة من إِذا لوحظ فِي أَي تركيب يعرض لَهُ الْوُجُود والإمكان والاحتياج إِلَى الطَّرفَيْنِ وَالْقِيَام بهما وَنَحْوهَا لَا على وَجه الحكم بل على وَجه مُجَرّد الْقيام وَالْعرُوض وَهَذَا لَيْسَ بممتنع والإذعان من هَذَا الْقَبِيل فَيجوز أَن يتَعَلَّق بِالنِّسْبَةِ الملحوظة فِي الْقَضِيَّة تبعا على وَجه الْعرُوض لَكِن أَيهَا القَاضِي العَاصِي لَا تبطل حق القَاضِي الزَّاهِد وَلَا تتْرك الانصاف وَإِن امْتَلَأَ أَحْمد نكر من الْجور والاعتساف وَلَا تقس عرُوض الاذعان للنسبة على عرُوض الْوُجُود والإمكان فَإِنَّهُ قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَإِن الاذعان لكَونه أمرا اختياريا مُكَلّفا بِهِ قصديا بِدَلِيل التَّكْلِيف بِالْإِيمَان لَا يُمكن عروضه وتعلقه بالمذعن بِهِ إِلَّا بعد تعلقه وملاحظته قصدا وبالذات بِخِلَاف الْوُجُود والإمكان وَنَحْوهمَا فَإِن عروضها لشَيْء لَيْسَ بموقوف على قصد قَاصد كَمَا لَا يخفى.
وَاعْلَم أَن الزَّاهِد قَالَ فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة الثَّالِث مَا هُوَ يَبْدُو فِي أول النّظر وَيظْهر فِي بادئ الرَّأْي من أَن التَّصْدِيق هُوَ الْكَيْفِيَّة الإدراكية. وَمَا يَقْتَضِيهِ النّظر الدَّقِيق. ويلوح مِمَّا أَفَادَهُ أهل التَّحْقِيق. هُوَ أَن الْكَيْفِيَّة الاذعانية وَرَاء الْكَيْفِيَّة الإدراكية أَلَيْسَ إِنَّا إِذا سمعنَا قَضِيَّة وأدركناها بِتمَام أَجْزَائِهَا ثمَّ أَقَمْنَا الْبُرْهَان عَلَيْهَا لَا يحصل لنا إِدْرَاك آخر بل تقترن بالإدراك السَّابِق حَالَة أُخْرَى تسمى الإذعان وَالْقَبُول وَإِلَّا يلْزم أَن تكون لشَيْء وَاحِد صُورَتَانِ فِي الذِّهْن. وَلَا يخفى على من يرجع إِلَى وجدانه أَن الْعلم صفة يحصل مِنْهُ الانكشاف والإذعان صفة لَيْسَ كَذَلِك بل تحصل مِنْهُ بعد الانكشاف كَيْفيَّة أُخْرَى للنَّفس وَبِذَلِك يَصح تَقْسِيم الْعلم إِلَى التَّصَوُّر الساذج والتصور مَعَه التَّصْدِيق كَمَا وَقع عَن كثير من الْمُحَقِّقين انْتهى. أَقُول قَوْله: (صُورَتَانِ فِي الذِّهْن) أَي صُورَتَانِ مساويتان وَهُوَ محَال فَلَا يرد أَنه قَالَ فِي حَوَاشِيه على شرح المواقف للوجود صُورَة وللعدم صُورَتَانِ فَإِن للعدم صُورَتَيْنِ إجمالية وتفصيله كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَاعْلَم أَنه يعلم من هَذَا الْمقَال أَن من قسم الْعلم إِلَى التَّصَوُّر فَقَط وَإِلَى تصور مَعَه حكم أَو إِلَى تصور مَعَه تَصْدِيق مَبْنِيّ على أُمُور. أَحدهَا: أَن التَّصْدِيق وَالْحكم والإذعان أَلْفَاظ مترادفة. وَثَانِيها: أَن الْعلم منقسم إِلَى تصورين أَحدهمَا تصور ساذج أَي غير مقرون بالحكم. وَثَانِيهمَا تصور مقرون بِهِ. وَثَالِثهَا: أَن التَّصْدِيق لَيْسَ بِعلم بِنَاء على أَنه كَيْفيَّة إذعانية لَا كَيْفيَّة إدراكية حَتَّى يكون علما. وَرَابِعهَا: أَن الْقسم الثَّانِي لما لم يَنْفَكّ عَن التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ الحكم سمي بالتصديق مجَازًا من قبيل تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَا يقارنه وَلَا يَنْفَكّ عَنهُ. ثمَّ المُرَاد بالتصور الْمُقَارن بالحكم إِمَّا الإدراكات الثَّلَاثَة فَقَط أَو إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة أَيْضا على الِاخْتِلَاف كَمَا مر. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن كَون التَّصْدِيق علما كنار على علم. وانقسام الْعلم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق من ضروريات مَذْهَب الْحُكَمَاء وَحمل إِطْلَاق التَّصْدِيق على الْقسم الثَّانِي على الْمجَاز لَا يعلم من إطلاقاتهم وَقَوله: (إِن الْكَيْفِيَّة الإذعانية وَرَاء الْكَيْفِيَّة الإدراكية) إِن أَرَادَ بِهِ أَنه لَيْسَ الأولى عين الثَّانِيَة فَمُسلم لَكِن لَا يجدي نفعا مَا لم يثبت بَينهمَا مباينة. وَإِن أَرَادَ بِهِ أَن بَينهمَا مباينة بالنوع فَمَمْنُوع لِأَن الثَّانِيَة أَعم من الأولى فَإِن الأولى من أَنْوَاع الثَّانِيَة فَإِن للنَّفس من واهب الصُّور قبُول وَإِدْرَاك لَهَا قطعا تصورية أَو تصديقية. نعم إِن فِي التصورات إِدْرَاك وَقبُول لَا على وَجه الإذعان وَفِي التصديقات إِدْرَاك وَقبُول على وَجه الإذعان بِمَعْنى أَن ذَلِك الْإِدْرَاك نفس الإذعان إِذْ لَا نعني بالإذعان إِلَّا إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وقبولها كَذَلِك فَكَانَ نِسْبَة الْإِدْرَاك وَالْقَبُول المطلقين مَعَ الإذعان نِسْبَة الْعَام مَعَ الْخَاص بل نِسْبَة الْمُطلق إِلَى الْمُقَيد وَنسبَة الْجِنْس إِلَى النَّوْع وَقَوله: (لَا يحصل لنا إِدْرَاك آخر) مَمْنُوع إِذْ لَو أَرَادَ بالإدراك الْحَالة الإدراكية فَمَنعه ظَاهر ضَرُورَة أَن الْحَالة الإدراكية قبل إِقَامَة الْبُرْهَان كَانَت مترتبة على مَحْض تعلق التَّصَوُّر بمضمون الْقَضِيَّة شكا أَو غَيره وَبعدهَا حصلت حَالَة إدراكية أُخْرَى وَهِي إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وَهِي عين الْحَالة الَّتِي يسميها حَالَة إذعانية وإذعانا وَكَذَا إِذا أَرَادَ بِهِ الصُّورَة الذهنية ضَرُورَة أَن الْمَعْلُوم كَانَ محفوفا بالعوارض الإدراكية الْغَيْر الإذعانية فَكَانَ صُورَة ثمَّ حف بعد إِقَامَة الدَّلِيل بالحالة الإدراكية الإذعانية فَكَانَ صُورَة أُخْرَى فَإِن تغاير الْعَارِض يدل على تغاير المعروض من حَيْثُ إِنَّه معروض. نعم ذَات الْمَعْلُوم من حَيْثُ هُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمر وَاحِد لم يَتَجَدَّد واستحالة أَن يكون لشَيْء وَاحِد صُورَتَانِ فِي الذِّهْن من جِهَتَيْنِ مَمْنُوع بل هُوَ وَاقع وَقَوله: (والإذعان صفة لَيْسَ كَذَلِك) أَيْضا مَمْنُوع لِأَن الإذعان سَوَاء أُرِيد بِهِ صُورَة إذعانية أَو حَالَة إدراكية نوع من صُورَة إدراكية أَو حَالَة إدراكية فَإِنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا من الانكشاف وَلَو ترَتّب قبل ذَلِك هُنَاكَ انكشافات عددية تصورية.
اعْلَم أَن هَا هُنَا ثَلَاث مُقَدمَات أجمع عَلَيْهَا الْمُحَقِّقُونَ وتلقوها بِالْقبُولِ والإذعان. وَلم يُنكر عَنْهَا أحد إِلَى الْآن. الأولى: أَن الْعلم والمعلوم متحدان بِالذَّاتِ. وَالثَّانيَِة: أَن التَّصَوُّر والتصديق نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ. وَالثَّالِثَة: أَنه لَا حجر فِي التصورات فَيتَعَلَّق بِكُل شَيْء حَتَّى يتَعَلَّق بِنَفسِهِ بل بنقيضه وبالتصديق أَيْضا فَيتَوَجَّه اعتراضان.

الِاعْتِرَاض الأول: أَن التَّصَوُّر والتصديق إِذا تعلقا بِشَيْء وَاحِد وَلَا امْتنَاع فِي هَذَا التَّعَلُّق بِحكم الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَيلْزم اتحادهما نوعا بِحكم الْمُقدمَة الأولى وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن صيرورة الشَّيْء الْوَاحِد نَوْعَيْنِ مُخْتَلفين بِالذَّاتِ محَال بِالضَّرُورَةِ. وَجَوَابه أَنا لَا نسلم أَن التَّصْدِيق علم لما مر من أَنه كَيْفيَّة إذعانية لَا كَيْفيَّة إدراكية حَتَّى يكون علما فضلا عَن أَن يكون عين الْمَعْلُوم فَيتَعَلَّق التَّصَوُّر والتصديق بِشَيْء وَاحِد وَلَا يلْزم اتحادهما لتوقفه على كَون التَّصْدِيق عين ذَلِك الشَّيْء وَهَذِه العينية مَوْقُوفَة على كَون التَّصْدِيق علما. وَإِن سلمنَا أَن التَّصْدِيق علم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فَنَقُول إِن الْمُقدمَة الأولى مَخْصُوصَة بِالْعلمِ التصوري فالعلم التصديقي لَيْسَ عين الْمُصدق بِهِ الْمَعْلُوم.

والاعتراض الثَّانِي: أَن التَّصَوُّر إِذا تعلق بالتصديق يلْزم اتحادهما فِي الْمَاهِيّة النوعية بِحكم الْمُقدمَة الأولى. وَأجِيب عَنهُ بِأَن التَّصَوُّر الْمُتَعَلّق بالتصديق تصور خَاص فاللازم هَا هُنَا هُوَ الِاتِّحَاد بَينه وَبَين التَّصْدِيق والتباين النوعي إِنَّمَا هُوَ بَين التَّصَوُّر والتصديق المطلقين. وَيُمكن الْجَواب عَنهُ بِأَن تعلق التَّصَوُّر بِكُل شَيْء لَا يسْتَلْزم تعلقه بِكُل وَجه فَيجوز أَن يمْتَنع تعلقه بِحَقِيقَة التَّصْدِيق وكنهه وَيجوز التَّعَلُّق بِاعْتِبَار وَجهه ورسمه فَإِن حَقِيقَة الْوَاجِب تَعَالَى مُمْتَنع تصَوره بالكنه وَإِنَّمَا يجوز بِالْوَجْهِ وَأَن الْمعَانِي الحرفية يمْتَنع تصورها وَحدهَا وَإِنَّمَا يجوز بعد ضم ضميمة إِلَيْهَا. وَأجَاب عَنهُ الزَّاهِد فِي حَاشِيَته على الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق بقوله وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر الصائب. والفكر الثاقب. هُوَ أَن الْحَقِيقَة الإدراكية زَائِدَة على مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن كإطلاق الْكَاتِب على الْإِنْسَان كَمَا مرت إِلَيْهِ الْإِشَارَة فالتصور والتصديق قِسْمَانِ لما هُوَ علم حَقِيقَة وَالْعلم الَّذِي هُوَ عين الْمَعْلُوم هُوَ مَا يصدق عَلَيْهِ الْعلم أَي مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن انْتهى. وَهَا هُنَا جوابات أخر تركتهَا لتردد الخاطر الفاتر بعداوة الْعدوان. وفقدان الأعوان. 

رَدَسَ

رَدَسَ القومَ: رَماهُم بحَجَرٍ،
وـ الحائطَ والأرضَ: دَكَّهُ بشيءٍ صُلْبٍ عَريضٍ، يقالُ له المِرْدَسُ والمِرْداسُ،
وـ الحَجَرَ بالحَجَرِ يَرْدُسُهُ ويَرْدِسُه: كَسَرَهُ،
وـ بالشيءِ: ذَهَبَ به.
والمِرْداسُ: الرأسُ. وعَبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ السُّلَمِيُّ: صحابيٌّ شاعِرٌ شُجاعٌ سَخِيٌّ.
ورجُلٌ رِدِّيسٌ، كسِكِّيتٍ وكصَبُورٍ: دَفُوعٌ.
والمُرادَسَةُ: المُراماةُ.
وتَرَدَّسَ من مكانِهِ: تَرَدَّى.
وجَزيرةُ رُودِسَ، بضم الراءِ وكسر الدالِ: بِبَحْرِ الرُّومِ حِيَالَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ.

الطَّعامُ

الطَّعامُ: البُرُّ، وما يُؤْكَلُ
ج: أطْعِمَةٌ
جج: أطْعِماتٌ، وطَعِمَه، كَسَمِعَه، طَعْماً وطَعاماً، وأطْعَمَ غَيرَهُ.
ورجل طاعِمٌ وطَعِمٌ، ككَتِفٍ: حَسَنُ الحالِ في المَطْعَمِ. وكمِنْبَرٍ: شَديدُ الأكْلِ، وهي: بهاءٍ. وكمُكْرَمٍ: مَرْزوقٌ.
ومِطْعامٌ: كثيرُ الأضْيافِ والقِرَى.
والطُّعْمَةُ، بالضم: المأْكَلَةُ
ج: كصُرَدٍ، والدّعْوَةُ إلى الطَّعامِ، ووجْهُ المَكْسَبِ. وطُعْمَةُ بنُ أشْرَفَ: صَحابِيٌّ، وابنُ عَمْرٍو الكوفِيُّ: مُحدِّثٌ، وبالكسر: السيرَةُ في الأكْلِ.
وطَعْمُ الشيءِ: حَلاوَتُه ومَرَارَتُهُ وما بينَهُما، يكونُ في الطَّعامِ والشَّرابِ
ج: طُعومٌ.
وطَعِمَ، كَعَلِمَ،
طُعْماً، بالضم: ذاقَ،
كتَطَعَّمَ،
وـ عليه: قَدَرَ.
والطُّعْمُ، بالضم: الطَّعامُ، والقُدْرَةُ، وبالفتح: ما يُشْتَهَى منه.
وجَزورٌ طَعومٌ وطَعيمٌ: بين الغَثَّةِ والسَّمينةِ.
وأطْعَمَ النَّخْلُ: أدْرَكَ ثَمَرُها،
وـ الغُصْنَ: وصَلَ به غُصْناً من غيرِ شَجَرِهِ،
كطَعَّمَه.
وطَعِمَ، كسَمِعَ، أي: قَبِلَ الوَصْلَ.
واطَّعَمَ البُسْرُ، كافْتَعَلَ: صارَ له طَعْمٌ.
وبَعيرٌ وناقةٌ مُطَعِّمٌ، كمُحَدِّثٍ وصَبورٍ ومُفْتَعِلٍ: لها نِقْيٌ.
ومُسْتَطْعَمُ الفَرَسِ، بفتح العين: جَحافِلُه.
والمُطْعَمَةُ، كمُكْرَمةٍ ومُحْسِنَةٍ: القَوْسُ.
وقولُ عَلِيٍّ كَرَّمَ الله تعالى وجْهَهُ: "إذا اسْتَطعَمَكُمُ الإِمامُ، فأَطْعمُوهُ" أي: إذا اسْتَفْتَحَ، فافْتَحوا عليه.
وتَطَعَّمْ تَطْعَمْ، أي: ذُقْ حتى تَشْتَهِيَ فتأْكُلَ.
وأنا طاعِمٌ عن طَعامِكُمْ: مُسْتَغْنٍ.
وما يَطْعَمُ آكِلُ هذا، كيَمْنَعُ: ما يَشْبَعُ.
وطَعامُ طُعْمٍ، بالضم: يُشْبعُ مَن أكَلَه.
وهو لا يَطَّعِمُ، كيَفْتَعِلُ: لا يَتَأدَّبُ، ولا يَنْجَعُ فيه ما يُصْلِحُه.
والحمامُ إذا أدْخَلَ فَمَهُ في فَمِ أُنْثاهُ فقد تَطَاعَمَا وطاعَمَا. وكمُحْسِنٍ: ابنُ عَدِيٍّ، من أشْرافِ قُرَيْشٍ.
ولَبَنٌ مُطَعِّمٌ، كمُحَدِّثٍ: أخَذَ في السِّقاءِ طَعْماً وطِيباً.
والمُطْعِمَةُ، كمُحْسِنةٍ: الغَلْصَمَةُ.
والمُطْعِمَتانِ: الإِصْبِعانِ المُتَقَدِّمتانِ المُتَقابِلَتانِ في رِجْلِ الطائِرِ.
وطَعَّمَ العَظْمُ: أمَخَّ.
والطَّعومَةُ: الشَّاةُ تُحْبَسُ لتُؤْكَلَ. وكزُبيرٍ: اسمٌ.

الإطناب

الإطناب:
[في الانكليزية] Prolixity
[ في الفرنسية] Prolixite

بالنون قال أهل البلاغة: الإطناب والإيجاز من أعظم أنواع البلاغة، حتى نقل عن البعض أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب.

قال صاحب الكشاف: كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويــوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل، كما إذا كان الكلام مع المحبوب فيؤتى بكلام طويل لأن كثرة الكلام توجب طول الصحبة معه، وكثرة الالتفات منه، كما قال الله تعالى حكاية عن قول موسى عليه السلام في جواب قوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى، كذا في الجرجاني.
واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز؟
فالسكّاكي وجماعة على الأول، لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسّروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة، وفسّروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من المتعارف، والإطناب بأدائه بأكثر منه.

وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا:
الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ ازيد.
وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إمّا بلفظ مساو لأصل المراد، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة، والأول المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب. واحترز بقوله واف عن الإخلال، وبقوله لفائدة عن الحشو والتطويل فعنده تثبت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول، كذا في الإتقان. لكن قال الچلپي في حاشية المطول إنّ الإطناب في اصطلاح السكّاكي يعم المساواة فتعريفه بأداء المقصود بأكثر منه لا يلائم مذهبه انتهى. قال صاحب الأطول: أمّا أنّ هذا التعميم المذكور اصطلاح السكّاكي فغير ثابت انتهى؛ فقول صاحب الإتقان أولى. ثم قال صاحب الأطول:
المساواة عند السكّاكي هي متعارف الأوساط الذين يكتفون بأداء أصل المعنى على ما ينبغي، أي كلامهم في مجرى عرفهم في تأدية المعاني وربما يشتمل متعارفهم على الحذف ومع ذلك لا يسمّى اختصارا وإيجازا لأنه متعارفهم فإن عرفهم في طلب الإقبال يا زيد وهو مشتمل على الحذف وفي التحذير إياك والأسد وامرأ ونفسه وحمدا وسقيا، وهي لا تحمد في باب البلاغة من الأوساط ولا تحمد أيضا من البليغ معهم، لأنه لا يقصد معهم بكلامه مزية سوى التجريد عن المزايا، وبذلك يرتقي عن أصوات الحيوانات، ولا تذم أيضا لا منهم ولا من البليغ. وأمّا التكلّم بمتعارفهم إذا عرى عن المزية فلا يحمد من البليغ معهم ويذم منه مع البليغ، وإذا اشتمل على المزايا التي هم غافلون عنها كما في إيّاك والأسد فمعهم لا يحمد من البليغ ولا يذمّ ومع البليغ يحمد لأن البليغ قصد به مزايا تتعلّق بالإيجازات التي فيها، فالإيجاز عنده أداء المقصود بأقل من المتعارف، والإطناب أداؤه بأكثر منه، لكن يرد على السكّاكي أمران: أحدهما أنهم جعلوا نحو: نعم الرجل زيد من الإطناب ولا عبارة للأوساط غيره. وثانيهما أنه لم يحفظ تعريف الإيجاز عن دخول الإخلال وتعريف الإطناب عن دخول الحشو والتطويل، ولذا عدل عنه القزويني وقال الأقرب الخ.

وفيما ذكر القزويني أيضا أنظار: الأول أنه إن أراد بالمقبول المقبول مطلقا سواء كان من البليغ أو من الأوساط فالزائد والناقص غير مقبولين من الأوساط لأنهما خروج عن طريقهم لا لداع، وإن أراد المقبول من البليغ فليس المساوي والناقص الوافيان مقبولين مطلقا، بل إذا كانا لداع. والثاني إنّ قولنا جاءني إنسان وقولنا جاءني حيوان ناطق كلاهما مساو بأنه أصل المراد بلفظ مساو فينبغي أن لا يكون أحدهما إطنابا والآخر إيجازا. وبالجملة لا يشتمل تعريف الإيجاز إيجاز القصر. والثالث إن قولنا حمدا لك ونظائره مساواة بتعريف السكّاكي وإيجاز بتعريف القزويني، فنزاعه مع السكّاكي في نقل اصطلاح القوم في مثله لا يسمع بدون سند قوي. ولو قيل المراد المساوي بحسب الأوساط فتعريفه يؤول إلى ما ذكره السكّاكي.
والرابع الإيجاز والإطناب والمساواة مختصّة بالكلام البليغ كما عرف، فلا يتمّ تعريف الإيجاز والإطناب ما لم يقيّد بالبلاغة لجواز أن يكون الناقص الوافي غير فصيح، وكذا الزائد لفائدة انتهى ما قال صاحب الأطول.

اعلم أنه قال السكّاكي: قد يوصف الكلام بالاختصار لكونه أقل من عبارة المتعارف كما سبق، وقد يوصف به لكونه أقل من العبارة اللائقة بالمقام بحسب مقتضى الظاهر نحو:
قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً فإنه إطناب بالنسبة إلى المتعارف، وهو قولنا يا ربي شخت، لكنه إيجاز بالنسبة إلى ما يقتضيه المقام لأنه مقام بيان انقراض الشباب ونزول المشيب، فينبغي أن يبسط الكلام فيه غاية البسط، فعلم أنّ للإيجاز معنيين: أحدهما كون الكلام أقل من عبارة المتعارف والثاني كونه أقل مما هو مقتضى ظاهر المقام، وأنه لا فرق بين الإيجاز والاختصار وإن توهّمه البعض كما ورد في لفظ الإجازة. ثم إنّ بين الإيجازين عموما من وجه لتصادقهما فيما هو أقلّ من عبارة المتعارف، ويقتضي المقام جميعا كما إذا قيل ربّ شخت بحذف حرف النداء وياء الإضافة، وصدق الأوّل بدون الثاني كما في قوله إذا قال: الخميس نعم بحذف المبتدأ فإنه أقل من المتعارف، وهو هذا نعم، وليس أقل من مقتضى المقام لأنّ المقام لضيقه يقتضي حذف المسند إليه وصدق الثاني بدون الأول كما في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ويمكن اعتبار هذين المعنيين في الإطناب أيضا.
والنسبة بين الإطنابين أيضا عموم من وجه لأنّ الإطناب بالمعنى الأول دون الثاني يوجد في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، وبالمعنى الثاني دون الأول يوجد في ما إذا قيل: هذا نعم بذكر المبتدأ بناء على مناسبة خفية مع ذلك المقام، ويوجد بالمعنيين فيما إذا زيد في هذا المثال نظرا إلى ما ذكر من المناسبة الخفية، فقيل مثلا: هذا نعم فاغتنموه؛ وكذا بين الإيجاز بالمعنى الثاني وبين الإطناب بالمعنى الأول عموم من وجه لوجودهما في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ووجود الإطناب بالمعنى الأول دون الإيجاز بالمعنى الثاني فيما إذا قال هذا نعم فسوقوه إذا طابق المقام على ما مرّ، وبالعكس فيما إذا قال يا ربي قد شخت، وكذا بين الإيجاز بالمعنى الأول والإطناب بالمعنى الثاني لوجودهما في غزال فاصطادوه إذا طابق المقام عند كون الأمر بالاصطياد مقصودا أصليا للمتكلّم، فإن متعارف الأوساط هذا غزال فاصطادوه. ومقتضى ظاهر المقام غزال ووجود الإيجاز بالمعنى الأول دون الإطناب بالمعنى الثاني في قوله قد شخت، وبالعكس في قوله هذا نعم عند مناسبة خفية.
واعلم أيضا أنه كما يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كونه ناقصا عمّا يساوي أصل المراد أو زائدا عليه وهو الأكثر كذلك قد يوصف الكلام بهما باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له، أي لذلك الكلام، في أصل المعنى. وإنما قيد المعنى بالأصل لعدم إمكان المساواة في تمام المراد فإن للإيجاز مقاما ليس للإطناب، وبالعكس، ولا يوصف بالمساواة بهذا الاعتبار إذ ليس المساواة بهذا الاعتبار مما يدعو إليه المقام بخلاف الإيجاز والإطناب، هكذا يستفاد من الأطول والمطول وأبي القاسم.
واعلم أيضا أنّ البعض على أن الإطناب بمعنى الإسهاب. والحق أنه أخصّ من الإسهاب، فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره.
التقسيم

الإطناب قسمان: إطناب بسط وإطناب زيادة. فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية في سورة البقرة أطنب فيها أبلغ إطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل، والمؤمن منهم والكافر والمنافق. والثاني يكون بأنواع: الأول دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد. والثاني الأحرف الزائدة. والثالث التأكيد. والرابع التكرير.
والخامس الصفة. والسادس البدل. والسابع عطف البيان. والثامن عطف أحد المترادفين على الآخر. والتاسع عطف الخاصّ على العام وعكسه. والعاشر الإيضاح بعد الإبهام.
والحادي عشر التفسير. والثاني عشر وضع الظاهر موضع المضمر. والثالث عشر الإيغال.
والرابع عشر التّذييل. والخامس عشر الطّرد والعكس. والسادس عشر التّكميل المسمّى بالاحتراس أيضا. والسابع عشر التّتميم. والثامن عشر الاستقصاء. والتاسع عشر الاعتراض.
والعشرون التعليل وفائدته التقرير، فإنّ النفوس أبعث على قبول الأحكام المعلّلة من غيرها، كذا في الإتقان وتفصيل كل في موضعه.
الإطناب: أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة، من أطنب الرجل إذا بالغ في قوله بمدح أو ذم. 
(الإطناب) (فِي علم الْمعَانِي) أَن يزِيد اللَّفْظ على الْمَعْنى لفائدة وَهُوَ يُقَابل الإيجاز وتتوسطهما الْمُسَاوَاة

الاشتقاق

الاشتقاق: نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتها معنى وتركيبا ومغايرتهما صيغة.
الاشتقاق:
[في الانكليزية] Derivation
[ في الفرنسية] Derivation
عند أهل العربية يحدّ تارة باعتبار العلم، كما قال الميداني: هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب، فتردّ أحدهما إلى الآخر؛ فالمردود مشتق والمردود إليه مشتق منه. وتارة باعتبار العمل كما يقال: هو أن تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه؛ فالمأخوذ مشتق والمأخوذ منه مشتق منه، كذا في التلويح في التقسيم الأول. مثلا الضارب يناسب الضرب في الحروف والمعنى، وقد أخذ منه بناء على أن الواضع لما وجد في المعاني ما هو أصل تتفرع منه معان كثيرة بانضمام زيادات إليه عيّن بإزائه حروفا وفرّع منها ألفاظا كثيرة بإزاء المعاني المتفرعة على ما تقتضيه رعاية المناسبة بين الألفاظ والمعاني، فالاشتقاق هو هذا الأخذ والتفريع، لا المناسبة المذكورة، وإن كانت ملازمة له فالاشتقاق عمل مخصوص، فإن اعتبرناه من حيث أنّه صادر عن الواضع احتجنا إلى العلم به لا إلى عمله، فاحتجنا إلى تحديده بحسب العلم كما قال الميداني، والحاصل منه العلم بالاشتقاق، فكأنّه قيل: العلم بالاشتقاق هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب فتعرف ارتداد أحدهما إلى الآخر وأخذه منه، وإن اعتبرناه من حيث أنه يحتاج أخذنا إلى عمله عرّفناه باعتبار العمل، فنقول هو أن تأخذ الخ هذا حاصل ما حققه السيّد الشريف في حاشية العضدي في المبادئ اللغوية.
اعلم أنّه لا بدّ في المشتق اسما كان أو فعلا من أمور: أحدها أن يكون له أصل، فإنّ المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر، ولو كان أصلا في الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقا. وثانيها أن يناسب المشتق الأصل في الحروف إذ الأصالة والفرعية باعتبار الأخذ لا تتحققان بدون التناسب بينهما والمعتبر المناسبة في جميع الحروف الأصلية، فإنّ الاستسباق من السبق مثلا يناسب الاستعجال من العجل في حروفه الزائدة والمعنى، وليس بمشتق منه بل من السبق. وثالثها المناسبة في المعنى سواء لم يتفقا فيه أو اتفقا فيه، وذلك الاتفاق بأن يكون في المشتق معنى الأصل إمّا مع زيادة كالضرب فإنه للحدث المخصوص، والضارب فإنه لذات ما له ذلك الحدث، وإمّا بدون زيادة سواء كان هناك نقصان كما في اشتقاق الضرب من ضرب على مذهب الكوفيين أو لا، بل يتحدان في المعنى كالمقتل مصدر من القتل، والبعض يمنع نقصان أصل المعنى في المشتق وهذا هو المذهب الصحيح. وقال البعض لا بدّ في التناسب من التغاير من وجه فلا يجعل المقتل مصدرا مشتقا من القتل لعدم التغاير بين المعنيين. وتعريف الاشتقاق يمكن حمله على جميع هذه المذاهب.
التقسيم
الاشتقاق أي مطلقا إن جعل مشتركا معنويا أو ما يسمّى به إن جعل مشتركا لفظيا ثلاثة أقسام، لأنه إن اعتبرت فيه الموافقة في الحروف الأصول مع الترتيب بينها يسمّى بالاشتقاق الأصغر، وإن اعتبرت فيه الموافقة فيها بدون الترتيب يسمّى بالاشتقاق الصغير، وإن اعتبرت فيه المناسبة في الحروف الأصول في النوعية أو المخرج للقطع بعدم الاشتقاق في مثل: الحبس مع المنع والقعود مع الجلوس يسمّى بالأكبر. مثال الأصغر الضارب والضرب، ومثال الصغير كنى وناك، ومثال الأكبر ثلم وثلب، فالمعتبر في الأصغر الترتيب، وفي الصغير عدم الترتيب، وفي الأكبر عدم الموافقة في جميع الحروف الأصول، بل المناسبة فيها، فتكون الثلاثة أقساما متباينة. وأيضا المعتبر في الأصغر موافقة المشتق للأصل في معناه وفي الصغير والأكبر مناسبة فيه بأن يكون المعنيان متناسبين في الجملة، هكذا ذكر صاحب مختصر الأصول. والمشهور تسمية الأول بالصغير والثاني بالكبير والثالث بالأكبر: والاشتقاق عند الاطلاق يراد به الأصغر. وتعريف الاشتقاق المذكور سابقا كما يمكن أن يكون تعريفا لمطلق الاشتقاق كما هو الظاهر، لكون المناسبة أعمّ من الموافقة كذلك يمكن حمله على تعريف الاشتقاق الأصغر بأن يراد بالتناسب التوافق.
وفي تعريفات الجرجاني والاشتقاق نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة. الاشتقاق الصغير وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في الحروف والترتيب نحو ضرب من الضرب. والاشتقاق الكبير وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في اللفظ والمعنى دون الترتيب نحو جبذ من الجذب. والاشتقاق الأكبر وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في المخرج نحو نعق من النهق انتهى. اعلم أنّ من اشترط التغير في المعنى نظر إلى أنّ المقاصد الأصلية من الألفاظ معانيها، وإذا اتحد المعنى لم يكن هناك تفرّع وأخذ بحسبه، وإن أمكن بحسب اللفظ فالمناسب أن يكون كل واحد أصلا في الوضع وعرّف المشتق بما ناسب أصلا بحروفه الأصول ومعناه بتغير ما، أي في المعنى. ومن لم يشترط اكتفى بالتفرّع والأخذ من حيث اللفظ، فحذف قيد التغير من هذا التعريف. فإن قلت نحو أسد مع أسد يندرج في التعريفين فما تقول في ذلك جمعا ومفردا. قلت يحتمل القول بالاشتراك فلا اشتقاق، ويمكن أن يعتبر التغير تقديرا فيندرج فيهما ويكون من نقصان حركة وزيادة مثلها، وإمّا الحلب والحلب بمعنى واحد فيمكن أن يقال باشتقاق أحدهما عن الآخر كالمقتل مع القتل وأن يجعل كل واحد أصلا في لوضع لعدم الاعتداد بهذا التغير القليل. فإن قلت ما الفرق بين الاشتقاق والعدل المعتبر في منع الصرف؟ قلت المشهور أنّ العدل يعتبر فيه الاتحاد في المعنى والاشتقاق إن اشترط فيه الاختلاف في المعنى كانا متباينين وإلّا فالاشتقاق أعمّ، إلّا أن الشيخ ابن الحاجب قد صرّح في بعض مصنفاته بمغايرة المعنى في العدل، فالأولى أن يقال إنه صيغة من صيغة أخرى، مع أنّ الأصل البقاء عليها والاشتقاق أعمّ من ذلك، فالعدل قسم منه. ولذلك قال في شرحه للكافية عن الصيغة المشتقة: هي منها، فجعل ثلاث مشتقة من ثلاثة ثلاثة، هذا كله خلاصة ما ذكره السيد الشريف في حاشية العضدي.
اعلم أنّ المشتق قد يطّرد كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة وأفعل التفضيل وظرفي الزمان والمكان والآلة، وقد لا يطّرد كالقارورة، فإنها مشتقة من القرار لأنها لا تطلق على كل مستقرّ للمائع، وكالدّبران مشتق من الدبر ولا يطلق مما يتصف به إلّا على خمسة كواكب في الثور، وكالخمر مشتق من المخامرة مختص بماء العنب إذا غلى واشتدّ وقذف بالزبد، ولا يطلق على كلّ ما توجد فيه المخامرة ونحو ذلك، وتحقيقه أنّ وجود معنى الأصل في المشتق قد يعتبر بحيث يكون داخلا في التسمية وجزأ من المسمّى، والمراد ذات ما باعتبار نسبة معنى الأصل إليها بالصدور عنها أو الوقوع عليها أو فيها أو نحو ذلك، فهذا المشتق يطّرد في كلّ ذات كذلك كالأحمر فإنه لذات ما لها حمرة، فاعتبرت في المسمّى خصوصية صفة أعنى الحمرة مع ذات ما [فاطّرد] في جميع محاله، وقد يعتبر وجود معنى الأصل من حيث أن ذلك المعنى مصحّح للتسمية بالمشتق، مرجّح لها من بين سائر الأسماء، من غير دخول المعنى في التسمية، وكونه جزأ من المسمّى والمراد بالمشتق حينئذ ذات مخصوصة فيها المعنى لا من حيث هو، أي ذلك المعنى في تلك الذات، بل باعتبار خصوصها، فهذا المشتق لا يطّرد في جميع الذوات المخصوصة التي يوجد فيها ذلك المعنى، إذ مسمّاه تلك الذات المخصوصة التي لا توجد في غيرها كلفظ الأحمر إذا جعل علما لولد له حمرة. وحاصل التحقيق الفرق بين تسمية الغير بالمشتق لوجود المعنى فيه فيكون المسمّى هو ذلك الغير والمعنى سببا للتسمية به، كما في القسم الثاني، فلا يطّرد في مواضع وجود المعنى، وبين تسميته لوجوده أي مع وجود المعنى فيه فيكون المعنى داخلا في المسمّى كما في القسم الأول، فيطّرد في جميعها، فاعتبار الصفة في أحدهما مصحّح للاطلاق وفي الآخر موضّح للتسمية.

فائدة:
المشتق عند وجود معنى المشتق منه حقيقة اتفاقا كالضارب لمباشر الضرب وقبل وجوده مجاز اتفاقا كالضارب لمن لم يضرب وسيضرب، وبعد وجوده منه وانقضائه كالضارب لمن قد ضرب [قبل] وهو الآن لا يضرب، فقد اختلف فيه على [ثلاثة] أقوال: أولها مجاز مطلقا، وثانيها حقيقة مطلقا، وثالثها أنه إن كان مما يمكن بقاؤه كالقيام والقعود فمجاز، وإن لم يكن مما يمكن بقاؤه كالمصادر السيّالة نحو التكلم والأخبار فحقيقة، ودلائل الفرق الثلاث تطلب من العضدي وحواشيه.

فائدة:
قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف في مبحث الماهية: اعلم أنّ في معنى المشتق أقوالا: الأول أنه مركب من الذات والصفة والنسبة وهو القول المشهور. الثاني أنه مركب من النسبة والمشتق منه فقط واختاره السيّد السّند، واستدل عليه بأن مفهوم الشيء غير معتبر في الناطق، وإلّا لكان العرض العام داخلا في الفصل ولا ما يصدق هو عليه وإلّا انقلب الإمكان بالوجوب في ثبوت الضاحك للإنسان مثلا، فإنّ الشيء الذي له الضحك هو الإنسان وثبوت الشيء لنفسه ضروري. وأنت تعلم أنّ مفهوم المشتق ليس فصلا بل يعبّر عن الفصل، وما ذكر من لزوم الانقلاب ففيه ذهول عن القيد مع أنّ دخول النسبة التي هي معنى غير مستقل بالمفهومية في حقيقة من غير دخول أحد المنتسبين فيها مما لا يعقل. والثالث ما ذهب إليه المحقق الدّواني من أنه أمر بسيط لا يشتمل على النسبة، فإنه يعبّر عن الأسود والأبيض ونحوهما بالفارسية «بسياه وسفيد» ونظائرهما، ولا يدخل فيه الموصوف لا عاما ولا خاصا، وإلّا كان معنى قولك الثوب الأبيض الثوب الشيء الأبيض، أو الثوب الثوب الأبيض وكلاهما معلوم الانتفاء، بل معناه أي معنى المشتق هو القدر الناعت المحمول بالعرض مواطأة وحده، أي من غير أن يعتبر في الموصوف ولا النسبة، بل الأمر البسيط الذي هو مفهوم المبدأ، أي المشتق منه بحيث يصحّ كونه نعتا لشيء، هكذا في شرح السّلّم للمولوي مبين. وليس بينه وبين المشتق منه تغاير حقيقة فالأبيض إذا أخذ لا بشرط شيء فهو عرضي ومشتق، وإذا أخذ لا بشرط شيء فهو عرض ومشتق منه، وإذا أخذ بشرط شيء فهو ثوب أبيض مثلا.
فحاصل كلام المحقق أنه لا فرق بين العرض والعرضي والحمل حقيقة، وإنما الفرق بالاعتبار كما بين الجنس والمادة، فالأبيض إذا أخذ من حيث هو هو أي لا بشرط شيء فهو يحمل على الجسم ويتّحد معه ويحمل على البياض ويتّحد معه أيضا، لكنه فرّق بين الاتحادين فإنّ اتحاده مع الجسم اتحاد عرضي بأنّ مبدأه كان قائما به، فبهذه الجهة يتّحد معه ويحمل عليه، واتحاده مع البياض اتحاد ذاتي لأن الشيء لا يكون خارجا عن نفسه بل اتحاده معه ذاتي بأنه لو كان البياض موجودا بنفسه بحيث لا يكون قائما بالجسم لكان أبيض بالذات، فالأبيض عند هذا المحقق معنى بسيط لا تركيب فيه أصلا ولا مدخل فيه للموصوف لا عاما ولا خاصا، ولهذا قال ذلك المحقق: إنّ المشتق بجميع أقسامه لا يدل على النسبة ولا على الموصوف لا عاما ولا خاصا، هكذا في شرح السلّم للمولوي مبين. وأنت تعلم أنّ الأمر لو كان كذلك لكان حمل الأبيض على البياض القائم بالثوب صحيحا وذلك باطل بالضرورة، مع أنه مستبعد جدا، كيف ويعبر بالفارسية عن البياض «بسفيدي وعن الأبيض بسفيد». والحق أن حقيقة معنى المشتق أمر بسيط ينتزعه العقل عن الموصوف نظرا إلى الوصف القائم به.
فالموصوف والوصف والنسبة كلّ منها ليس علّة ولا داخلا فيه، بل منشأ لانتزاعه وهو يصدق عليه، وربما يصدق على الوصف والنسبة فتدبّر.

فائدة:
قال في الإحكام؛ هل يشترط قيام الصفة المشتق منها بما له الاشتقاق فذلك مما أوجبه أصحابنا، ونفاه المعتزلة وكأنه اعتبر الصفة احترازا عن مثل: لابن وتامر مما اشتق من الذوات، فإنّ المشتق منه ليس قائما بما له الاشتقاق، فإنّ المعتزلة جعلوا المتكلّم [الله تعالى] لا باعتبار كلام هو له، بل باعتبار كلام حاصل بجسم كاللّوح المحفوظ وغيره، ويقولون لا معنى لكونه متكلّما، إلّا أنه يخلق الكلام في الجسم. وتوضيح ذلك يطلب من العضدي وحواشيه.
اعلم أنّ الاشتقاق كما يطلق على ما عرفت كذلك يطلق على قسم من التجنيس عند أهل البديع، وقد سبق. ويقول بعضهم: الاشتقاق هو جمع كلمات في النظم أو النثر بحيث تكون حروفها متقاربة ومتجانسة بعضها مع بعض، وأفضله ما كان مشتقا من كلمة واحدة نحو قوله تعالى: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وفي الحديث: «الظلم ظلمات يوم القيامة». ومثل:

«البدعة شرك الشرك». وفي النثر: الإكبار الوافر للخالق الذي أكرمني بأنواع عوارف العرفان أنا العبد العديم الشكر المنكر للحق. وفي الشعر:
إذا وصل إلى من عطف قبولك ذرة فإنها تنقلني في الثروة من الثّرى إلى الثريا كما ورد في الشعر العربي قول القائل:
إنما الدنيا الدّواهي والدّواهي قط لا تنجو بلاهي والبلاهي وقال في جامع الصنائع: هذا خاص بالكلمات العربية، ومثاله: الحكيم هو الذي يعلم أن الحكم المحكم لا يكون حقا لشخص ما.

الاختلاف

الاختلاف: افتعال من الخلاف، وهو تقابل بين رأيين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه، ذكره الحرالي.
الاختلاف:
[في الانكليزية] Parallax
[ في الفرنسية] Parallaxe ،desaccord
لغة ضدّ الاتفاق. قال بعض العلماء إنّ الاختلاف يستعمل في قول بني على دليل، والخلاف فيما لا دليل عليه كما في بعض حواشي الإرشاد، ويؤيّده ما في غاية التحقيق منه أنّ القول المرجوح في مقابلة الراجح يقال له خلاف لا إختلاف. وعلى هذا قال المولوي عصام الدين في حاشية الفوائد الضّيائية في آخر بحث الأفعال النّاقصة: المراد بالخلاف عدم اجتماع المخالفين وتأخّر المخالف، والمراد بالاختلاف كون المخالفين معاصرين منازعين. والحاصل منه ثبوت الضعف في جانب المخالف في الخلاف، فإنه كمخالفة الإجماع وعدم ضعف جانب في الاختلاف لأنه ليس فيه خلاف ما تقرر، انتهى.
وعند الأطباء هو الإسهال الكائن بالأدوار. وإختلاف الدّم عندهم يطلق تارة على السّحج وتارة على الإسهال الكبدي، كذا في حدود الأمراض.
وعند أهل الحق من المتكلّمين كون الموجودين غير متماثلين أي غير متشاركين في جميع الصفات النفسيّة وغير متضادّين أي غير متقابلين ويسمّى بالتخالف أيضا. فالمختلفان والمتخالفان موجودان غير متضادين ولا متماثلين، فالأمور الاعتبارية خارجة عن المتخالفين إذ هي غير موجودة، وكذا الجواهر الغير المتماثلة لامتناع اجتماعها في محلّ واحد إذ لا محلّ لها، وكذا الواجب مع الممكن.
وأما ما قالوا الاثنان ثلاثة أقسام لأنهما إن اشتركا في الصفات النفسية أي في جميعها فالمثلان، وإلّا فإن امتنع اجتماعهما لذاتيهما في محلّ واحد من جهة واحدة فالضّدّان، وإلّا فالمتخالفان، فلم يريدوا به حصر الاثنين في الأقسام الثلاثة فخرج الأمور الاعتبارية لأخذ قيد الوجود فيها. وأيضا تخرج الجواهر الغير المتماثلة والواجب مع الممكن، أمّا خروجها عن المثلين فظاهر، وأمّا خروجها عن المتخالفين فلما مرّ، وأما خروجها عن الضدّين فلأخذ قيد المعنى فيهما. بل يريدون به أن الاثنين توجد فيه الأقسام الثلاثة.
وقيل التخالف غير التماثل فالمتخالفان عنده موجودان لا يشتركان في جميع الصفات النفسية، ويكون الضدّان قسما من المتخالفين فتكون قسمة الاثنين ثنائية بأن يقال الاثنان إن اشتركا في أوصاف النفس فمثلان وإلّا فمختلفان. والمختلفان إمّا متضادان أو غيره.
ولا يضرّ في التخالف الاشتراك في بعض صفات النفس كالوجود فإنه صفة نفسية مشتركة بين جميع الموجودات، وكالقيام بالمحل فإنه صفة نفسية مشتركة بين الأعراض كلها وكالعرضية والجوهرية. وهل يسمّى المتخالفان المتشاركان في بعض أوصاف النفس أو غيرها مثلين باعتبار ما اشتركا فيه؟ لهم فيه تردّد وخلاف، ويرجع إلى مجرد الاصطلاح لأن المماثلة في ذلك المشترك ثابتة بحسب المعنى، والمنازعة في إطلاق الاسم ويجيء في لفظ التماثل.
واعلم أنّ الاختلاف في مفهوم الغيرين عائد هاهنا أي في التماثل والاختلاف فإنه لا بدّ في الاتصاف بهما من الاثنينية فإن كان كل اثنين غيرين تكون صفاته تعالى متصفة بأحدهما، وإن خصّا بما يجوّز الانفكاك بينهما لا تكون متصفة بشيء منهما. ثم اعلم أنه قال الشيخ الأشعري كلّ متماثلين فإنهما لا يجتمعان. وقد يتوهّم من هذا أنه يجب عليه أن يجعلهما قسما من المتضادين لدخولهما في حدّهما، وحينئذ ينقسم اثنان قسمة ثنائية بأن يقال:
الاثنان إن امتنع اجتماعهما فهما متضادّان وإلّا فمتخالفان. ثم يقسم المتخالفان إلى المتماثلين وغيرهما. والحق عدم وجوب ذلك ولا دخولهما في حدّ المتضادين. أمّا الأوّل فلأنّ امتناع اجتماعهما عنده ليس لتضادّهما وتخالفهما كما في المتضادين، بل للزوم الاتّحاد ورفع الاثنينيّة، فهما نوعان متباينان وإن اشتركا في امتناع الاجتماع. وأمّا الثاني فلأن المثلين قد يكونان جوهرين فلا يندرجان تحت معنيين. فإن قلت إذا كانا معنيين كسوادين مثلا كانا مندرجين في الحدّ قطعا، قلت لا اندراج [أيضا] إذ ليس امتناع اجتماعهما لذاتيهما بل للمحلّ مدخل في ذلك، فإنّ وحدته رافعة للاثنينية منهما، حتى لو فرض عدم استلزامهما لرفع الاثنينية لم يستحل اجتماعهما. ولذا جوّز بعضهم اجتماعهما بناء على عدم ذلك الاستلزام. وأيضا المراد بالمعنيين في حدّ الضدّين معنيان لا يشتركان في الصفات النفسية. هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.
وعند الحكماء كون الاثنين بحيث لا يشتركان في تمام الماهية. وفي شرح المواقف قالت الحكماء كلّ اثنين إن اشتركا في تمام الماهية فهما مثلان، وإن لم يشتركا فهما متخالفان. وقسّموا المتخالفين إلى المتقابلين وغيرهما، انتهى. والفرق بين هذا وبين ما ذهب إليه أهل الحق واضح. وأما الفرق بينه وبين ما ذهب إليه بعض المتكلمين من أنّ التخالف غير التماثل فغير واضح، فإنّ عدم الاشتراك في تمام الماهية وعدم الاشتراك في الصفات النفسية متلازمان، ويؤيده ما في الطوالع وشرحه من أنّ كل شيئين متغايران. وقال مشايخنا أي مشايخ أهل السنة الشيئان إن استقلّ كلّ منهما بالذات والحقيقة بحيث يمكن انفكاك أحدهما من الآخر فهما غيران وإلّا فصفة وموصوف أو كلّ وجزء على الاصطلاح الأول، وهو أنّ كل شيئين متغايرين إن اشتركا في تمام الماهية فهما المثلان كزيد وعمر فإنهما قد اشتركا في تمام الماهية التي هي الإنسان وإلّا فهما مختلفان، وهما إمّا متلاقيان إن اشتركا في موضوع كالسواد والحركة العارضين للجسم أو متساويان إن صدق كل منهما على كل ما يصدق عليه الآخر كالإنسان والناطق، أو متداخلان إن صدق أحدهما على بعض ما يصدق عليه الآخر، فإن صدق الآخر على جميع أفراده فهو الأعمّ مطلقا وإلّا فهو الأعمّ من وجه أو متباينان إن لم يشتركا في الموضوع والمتباينان متقابلان وغير متقابلين، انتهى. وقال السيّد السند في حاشيته إن اعتبر في الاشتراك في الموضوع إمكان الاجتماع فيه في زمان واحد لم يكن مثل النائم والمستيقظ من الأمور المتّحدة الموضوع الممتنعة الاجتماع فيه داخلا في التساوي لخروجه عن مقسمه، وإن لم يعتبر ذلك يكون السواد والبياض مع كونهما متضادين مندرجين في المتلاقيين لا في المتباينين، فلا تكون القسمة حقيقية، فالأولى أن يجعل اعتبار النسب الأربع قسمة برأسها واعتبار التقابل وعدمه قسمة أخرى كما هو المشهور.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.