Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: هارون

طاقاتُ الغِطْرِيفِ

طاقاتُ الغِطْرِيفِ:
في بغداد بالجانب الغربي، هو الغطريف بن عطاء وكان أخا الخيزران خال موسى الهادي وهارون الرشيد، وقد ولي اليمن وكان يدّعي نسبا في بني الحارث بن كعب، وكانت الخيزران جارية مولدة لسلمة بن سعيد اشتراها من قوم قدموا من جرش.

صِقِلِّيَّةُ

صِقِلِّيَّةُ:
بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء أيضا مشددة، وبعض يقول بالسين، وأكثر أهل صقلّيّة يفتحون الصاد واللام: من جزائر بحر المغرب مقابلة إفريقية، وهي مثلثة الشكل بين كلّ زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيّام، وقيل: دورها مسيرة خمسة عشر يوما، وإفريقية منها بين المغرب والقبلة، وبينها وبين ريو، وهي مدينة في البر الشمالي الشرقي الذي عليه مدينة قسطنطينيّة، مجاز يسمى الفارو في أطول جهة منها اتّساعه عرض ميلين وعليه من جهتها مدينة تسمى المسيني التي يقول فيها ابن قلاقس الإسكندري:
من ذا يمسّيني على مسّيني
وهي مقابلة ريو، وبين الجزيرة وبرّ إفريقية مائة وأربعون ميلا إلى أقرب مواضع إفريقية وهو الموضع المسمّى إقليبية وهو يومان بالريح الطيبة أو أقلّ،
وإن طولها من طرابنش إلى مسيني إحدى عشرة مرحلة وعرضها ثلاثة أيّام، وهي جزيرة خصيبة كثيرة البلدان والقرى والأمصار، وقرأت بخط ابن القطّاع اللغوي على ظهر كتاب تاريخ صقلية: وجدت في بعض نسخ سيرة صقلية تعليقا على حاشية أن بصقلية ثلاثا وعشرين مدينة وثلاثة عشر حصنا ومن الضياع ما لا يعرف، وذكر أبو علي الحسن بن يحيى الفقيه في تاريخ صقلية حاكيا عن القاضي أبي الفضل أن بصقلية ثماني عشرة مدينة إحداها بلرم، وأن فيها ثلاثمائة ونيفا وعشرين قلعة، ولم تزل في قديم وحديث بيد متملّك لا يطيع من حوله من الملوك وإن جلّ قدرهم لحصانتها وسعة دخلها، وبها عيون غزيرة وأنهار جارية ونزه عجيبة، ولذلك يقول ابن حمديس:
ذكرت صقلّيّة والهوى ... يهيّج للنّفس تذكارها
فإن كنت أخرجت من جنّة ... فإنّي أحدّث أخبارها
وفي وسطها جبل يسمى قصر يانه، هكذا يقولونه بكسر النون، وهي أعجوبة من عجائب الدّهر، عليه مدينة عظيمة شامخة وحولها من الحرث والبساتين شيء كثير، وكلّ ذلك يحويه باب المدينة، وهي شاهقة في الهواء والأنهار تتفجّر من أعلاها وحولها وكذلك جميع جبال الجزيرة، وفيها جبل النار لا تزال تشتعل فيه أبدا ظاهرة لا يستطيع أحد الدّنوّ منها فإن اقتبس منها مقتبس طفئت في يده إذا فارق موضعها، وهي كثيرة المواشي جدّا من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوان الوحشيّ وليس فيها سبع ولا حيّة ولا عقرب، وفيها معدن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق وجميع الفواكه على اختلاف أنواعها، وكلأها لا ينقطع صيفا ولا شتاء، وفي أرضها ينبت الزعفران، وكانت قليلة العمارة خاملة قبل الإسلام، فلمّا فتح المسلمون بلاد إفريقية هرب أهل إفريقية إليها فأقاموا بها فعمّروها فأحسنوا عمارتها ولم تزل على قربها من بلاد الإسلام حتى فتحت في أيام بني الأغلب على يد القاضي أسد بن الفرات، وكان صاحب صقلية رجلا يسمى البطريق قسطنطين، فقتله لأمر بلغه عنه فتغلّب فيمي على ناحية من الجزيرة ثمّ دبّ حتى استولى على أكثرها ثمّ أنفذ صاحب القسطنطينيّة جيشا عظيما فأخرج فيمي عنها فخرج في مراكبه حتى لحق بإفريقية ثمّ بالقيروان منها مستجيرا بزيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، وهو يومئذ الوالي عليها من جهة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد، وهوّن عليه أمرها وأغراه بها فندب زيادة الله الناس لذلك فابتدروا إليه ورغبوا في الجهاد فأمّر عليهم أسد ابن الفرات، وهو يومئذ قاضي القيروان، وجمعت المراكب من جميع السواحل وتوجّه نحو صقلية في سنة 212 في أيّام المأمون في تسعمائة فارس وعشرة آلاف راجل فوصل إلى الجزيرة وجمع الروم جمعا عظيما فأمر أسد بن الفرات فيمي وأصحابه أن يعتزلوهم وقالوا لا حاجة لنا إلى الانتصار بالكفار، ثمّ كبّر المسلمون وحملوا على الروم حملة صادقة فانهزم الروم وقتل منهم قتلا ذريعا وملك أسد بن الفرات بالتنقّل جميع الجزيرة، ثمّ توفي في سنة 213، وكان رجلا صالحا فقيها عالما، أدرك حياة مالك بن أنس، رضي الله عنه، ورحل إلى الشرق، وبقيت بأيدي المسلمين مدّة وصار أكثر أهلها مسلمين وبنوا بها الجوامع والمساجد ثمّ ظهر عليها الكفار فملكوها فهي اليوم في أيديهم، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة صقلية طولها أربعون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة، طالعها السنبلة، عاشرها ذراع الكلب ولها
شركة في الفرع المؤخر تحت عشر درجات من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، رابعها مثلها من الميزان، بيت ملكها مثلها من الحمل، ومن فضل جزيرة صقلية أن ليس بها سبع ضار ولا نمر ولا ضبع ولا عقرب ولا أفاع ولا ثعابين، وفيها معادن الذهب موجودة في كلّ مكان ومعادن الشّبّ والكحل والفضة ومعدن الزاج والحديد والرصاص وجبال تنعش، وكثيرا ما يوجد النوشادر في جبل النار ويحمل منه إلى الأندلس، وغيرها كثير، وقال أبو علي الحسن بن يحيى الفقيه مصنف تاريخ صقلية: وأما جبل النار الذي في جزيرة صقلية فهو جبل مطلّ على البحر المتصل بالمجاز، وهو فيما بين قطانية ومصقلة وبقرب طبرمين، ودوره ثلاثة أيّام، وفيه أشجار وشعارى عظيمة أكثرها القسطل وهو البندق والصنوبر والأرزن، وحوله أبنية كثيرة وآثار عظيمة للماضين ومقاسم تدلّ على كثرة ساكنيه، وقيل إنّه يبلغ من كان يسكنه من المقاتلة في زمن الطّورة ملك طبرمين ستين ألف مقاتل، وفيه أصناف الثمار، وفي أعلاه منافس يخرج منها النار والدخان وربما سالت النار منه إلى بعض جهاته فتحرق كلّ ما تمرّ به ويصير كخبث الحديد ولم ينبت ذلك المحترق شيئا، ولا تمشي اليوم فيه دابة، وهو اليوم ظاهر يسميه الناس الأخباث، وفي أعلى هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار دائمة لا تكاد تنقطع عنه في صيف ولا شتاء، وفي أعلاه الثلج لا يفارقه في الصيف فأمّا في الشتاء فيعم أوّله وآخره، وزعمت الروم أن كثيرا من الحكماء الأولين كانوا يرحلون إلى جزيرة صقلية ينظرون إلى عجائب هذا الجبل واجتماع هذه النار والثلج فيه، وقيل إنّه كان في هذا الجبل معدن الذهب ولذلك سمّته الروم جبل الذهب، وفي بعض السنين سالت النار من هذا الجبل إلى البحر وأقام أهل طبرمين وغيرهم أيّاما كثيرة يستضيئون بضوئه، وقرأت لابن حوقل التاجر فصلا في صفة صقلية ذكرته على وجهه ففيه مستمتع للناظر في هذا الكتاب، قال: جزيرة صقلية على شكل مثلث متساوي الساقين، زاويته الحادة من غربي الجزيرة طولها سبعة أيّام في أربعة أيّام، وفي شرقي الأندلس في لجّ البحر وتحاذيها من بلاد الغرب بلاد إفريقية وباجة وطبرقة إلى مرسى الخزر، وغربيها في البحر جزيرة قرشف وجزيرة سردانية من جهة جنوب قرشف، ومن جنوب صقلية جزيرة قوصرة، وعلى ساحل البحر شرقيها من البر الأعظم الذي عليه قسطنطينية مدينة ريو ثمّ نواحي قلورية، والغالب على صقلية الجبال والحصون، وأكثر أرضها مزرعة، ومدينتها المشهورة بلرم وهي قصبة صقلية على نحر البحر، والمدينة خمس نواح محدودة غير متباينة ببعد مسافة، وحدود كل واحدة ظاهرة، وهي: بلرم وقد ذكرت في بابها، وخالصة وهي دونها وقد ذكرت أيضا، وحارة الصقالبة وهي عامرة وأعمر من المدينتين المذكورتين وأجلّ، ومرسى البحر بها، وبها عيون جارية وهي فاصلة بينها وبين بلرم ولا سور لها، والمدينة الرابعة حارة المسجد وتعرف بابن صقلاب، وهي مدينة كبيرة أيضا وشرب أهلها من الآبار ليس لهم مياه جارية، وعلى طريقها الوادي المعروف بوادي العباس، وهو واد عظيم وعليه مطاحنهم ولا انتفاع لبساتينهم به ولا للمدينة، والخامسة يقال لها الحارة الجديدة، وهي تقارب حارة ابن صقلاب في العظم والشبه وليس عليها سور، وأكثر الأسواق فيها بين مسجد ابن صقلاب والحارة الجديدة، وفي بلرم والخالصة والحارات المحيطة بها ومن ورائها من المساجد نيف وثلاثمائة مسجد، وفي محالّ تلاصقها وتتصل بوادي العباس
مجاورة المكان المعروف بالعسكر وهو في ضمن البلد إلى البلد المعروف بالبيضاء قرية تشرف على المدينة من نحو فرسخ مائتا مسجد، قال: ولقد رأيت في بعض الشوارع في بلرم على مقدار رمية سهم عشرة مساجد، وقد ذكرتها في بلرم، قال: وأهل صقلية أقل الناس عقلا وأكثرهم حمقا وأقلهم رغبة في الفضائل وأحرصهم على اقتناء الرذائل، قال: وحدثني غير إنسان منهم أن عثمان بن الخزّاز ولي قضاءهم وكان ورعا فلمّا جرّبهم لم يقبل شهادة واحد منهم لا في قليل ولا في كثير، وكان يفصل بين الناس بالمصالحات، إلى أن حضرته الوفاة فطلب منه الخليفة بعده فقال:
ليس في جميع البلد من يوصى إليه، فلمّا توفي تولى قضاءهم رجل من أهلها يعرف بأبي إبراهيم إسحاق بن الماحلي، ثمّ ذكر شيئا من سخيف عقله، قال:
والغالب على أهل المدينة المعلّمون، فكان في بلرم ثلاثمائة معلّم، فسألت عن ذلك فقالوا: إن المعلم لا يكلّف الخروج إلى الجهاد عند صدمة العدو، وقال ابن حوقل: وكنت بها في سنة 362، ووصف شيئا من تخلّقهم ثم قال: وقد استوفيت وصف هؤلاء وحكاياتهم ووصف صقلية وأهلها بما هم عليه من هذا الجنس من الفضائل في كتاب وسمته بمحاسن أهل صقلية ثمّ ذكرت ما هم عليه من سوء الخلق والمأكل والمطعم المنتن والأعراض القذرة وطول المراء مع أنّهم لا يتطهّرون ولا يصلّون ولا يحجّون ولا يزكون، وربّما صاموا رمضان واغتسلوا من الجنابة، ومع هذا فالقمح لا يحول عندهم وربّما ساس في البيدر لفساد هوائها، وليس يشبه وسخهم وقذرهم وسخ اليهود، ولا ظلمة بيوتهم سواد الأتاتين، وأجلّهم منزلة تسرح الدجاج على موضعه وتذرق على مخدته وهو لا يتأثر، ثمّ قال: ولقد عررت كتابي بذكرهم، والله أعلم.

صَغَانِيَانُ

صَغَانِيَانُ:
بالفتح، وبعد الألف نون ثمّ ياء مثناة من تحت، وآخره نون، والعجم يبدلون الصاد جيما فيقولون جغانيان: ولاية عظيمة بما وراء النهر متصلة
الأعمال بترمذ، قال أبو عبد الله محمد بن أحمد البنّاء البشّاري: صغانيان ناحية شديدة العمارة كثيرة الخيرات، والقصبة أيضا على هذا الاسم تكون مثل الرملة إلّا أن تلك أطيب والناحية مثل فلسطين إلّا أن تلك أرحب، مشاربهم من أنهار تمد إلى جيحون غير أن موادّها تنقطع عنه في بعض السنة، والناحية تتصل بأراضي ترمذ فيها جبال وسهول، قال: وبها ستة عشر ألف قرية، كذا قال، وقال: يخرج منه عشرة آلاف مقاتل بنفقاتهم ودوابهم إذا خرج على السلطان خارج، وبها رخص وسعة في العيش، وجامعها في وسط السوق، وفي كلّ دار من دورهم ماء جار قد أحدقت به الأشجار، وبها أجناس الطيور كثيرة الصيد، وفيها من المراعي ما يغيب فيه الفارس، وهم أهل سنّة وجماعة، يحبّون الغريب والصالحين، إلّا أنّها قليلة العلماء خالية من الفقهاء، وهي كانت معقل أبي عليّ بن محتاج لما خالف على نوح وكان يقاومه بها وذلك ممّا يدلّ على عظمها، وقد نسبوا إليها على لفظين صغانيّ وصاغانيّ، منهم: أبو بكر محمد بن إسحاق بن جعفر الصغاني نزيل بغداد أحد الثقات، يروي عن أبي القاسم النبيل وأبي مسهر وعبد الله بن موسى ويزيد بن هارون وغيرهم، روى عنه مسلم ابن الحجّاج القشيري وأبو عيسى الترمذي، ومات سنة 270، وعرف بالصاغاني أبو العباس الفضل بن العباس بن يحيى بن الحسين الصاغاني، له تصانيف في كلّ فن وتصنيفه في الحديث أحسن منها، سمع السيد أبا الحسن محمد بن الحسين العلوي ومحمد بن محمد بن عبدوس الحيري. قدم بغداد سنة 420 حاجّا، وسمع منه أبو بكر الخطيب.

سِيزَجُ

سِيزَجُ:
بالزاي، والجيم: من قرى سجستان، ينسب إليها أبو الحسن علي بن محمد السيزجي روى عن محمد بن مسلمة الداريجي صاحب يزيد بن هارون، روى عنه أبو الخير محمد بن إسماعيل بن أحمد العنبري الفقيه السجزي.

قَزْوِينُ

قَزْوِينُ:
بالفتح ثم السكون، وكسر الواو، وياء مثناة من تحت ساكنة، ونون: مدينة مشهورة بينها وبين الرّيّ سبعة وعشرون فرسخا وإلى أبهر اثنا عشر فرسخا، وهي في الإقليم الرابع، طولها خمس وسبعون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة، قال ابن الفقيه: أول من استحدثها سابور ذو الأكتاف واستحدث أبهر أيضا، قال: وحصن قزوين يسمّى كشرين بالفارسية وبينه وبين الديلم جبل كانت ملوك الأرض تجعل فيه رابطة من الأساورة يدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من اللصوص، وكان عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ولّى البراء بن عازب الرّيّ في سنة 24 فسار منها إلى أبهر ففتحها، كما ذكرنا، ورحل عنها إلى قزوين فأناخ عليها وطلب
أهلها الصلح فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر من الشرائط فقبلوا جميع ذلك إلا الجزية فإنهم نفروا منها، فقال: لا بدّ منها، فلما رأوا ذلك أسلموا وأقاموا مكانهم فصارت أرضهم عشريّة ثم رتب البراء فيهم خمسمائة رجل من المسلمين فيهم طليحة بن خويلد الأسدي وميسرة العائذي وجماعة من بني تغلب وأقطعهم أرضين وضياعا لا حقّ فيها لأحد فعمروا وأجروا أنهارها وحفروا آبارها فسمّوا تنّاءها، وكان نزولهم على ما نزل عليه أساورة البصرة على أن يكونوا مع من شاءوا فصار جماعة منهم إلى الكوفة وحالفوا زهرة بن حويّة فسموا حمراء الديلم وأقام أكثرهم مكانهم، وقال رجل ممن قدم مع البراء:
قد يعلم الدّيلم إذ تحارب ... لما أتى في جيشه ابن عازب
بأنّ ظنّ المشركين كاذب ... فكم قطعنا في دجى الغياهب
من جبل وعر ومن سباسب
قالوا: ولما ولي سعيد بن العاصي بن أميّة الكوفة بعد الوليد بن عقبة غزا الديلم فأوقع بهم وقدم قزوين فمصّرها وجعلها مغزى أهل الكوفة إلى الديلم، وكان موسى الهادي لما سار إلى الرّي قدم قزوين وأمر ببناء مدينة بإزائها فهي تعرف بمدينة موسى وابتاع أرضا يقال لها رستماباذ ووقفها على مصالح المدينة وكان عمرو الرومي تولّاها ثم تولّاها بعده ابنه محمد بن عمرو، وكان المبارك التركي بنى بها حصنا سماه المباركية وبه قوم من مواليه، وحدث محمد ابن هارون الأصبهاني قال: اجتاز الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان فاعترضه أهل قزوين وأخبروه بمكانهم من بلد العدوّ وعنائهم في مجاهدتهم وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القصبة فسار إلى قزوين ودخلها وبنى جامعها وكتب اسمه على بابه في لوح حجر وابتاع بها حوانيت ومستغلات ووقفها على مصالح المدينة وعمارة قبّتها وسورها، قال: وصعد في بعض الأيام القبّة التي على باب المدينة وكانت عالية جدّا فأشرف على الأسواق ووقع النفير في ذلك الوقت فنظر إلى أهلها وقد غلّقوا حوانيتهم وأخذوا سيوفهم وتراسهم وجميع أسلحتهم وخرجوا على راياتهم، فأشفق عليهم وقال:
هؤلاء قوم مجاهدون يجب أن ننظر لهم، واستشار خواصّه في ذلك فأشار كلّ برأي، فقال: أصلح ما يعمل بهؤلاء أن يحطّ عنهم الخراج ويجعل عليهم وظيفة القصبة فقط، فجعلها عشرة آلاف درهم في كل سنة مقاطعة، وقد روى المحدّثون في فضائل قزوين أخبارا لا تصحّ عند الحفّاظ النّقّاد تتضمّن الحثّ على المقام بها لكونها من الثغور وما أشبه ذلك، وقد تركتها كراهة للإطالة إلا أن منها ما روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: مثل قزوين في الأرض مثل جنّة عدن في الجنان، وروي عنه أنه قال: ليقاتلن بقزوين قوم لو أقسموا على الله لأبرّ أقسامهم، وكان الحجاج بن يوسف قد أغزى ابنه محمدا الديلم فنزل قزوين وبنى بها مسجدا وكتب اسمه عليه، وهو المسجد الذي على باب دار بني الجنيد ويسمّى مسجد الثور، فلم يزل قائما حتى بنى الرشيد المسجد الجامع، وكان الحوليّ بن الجون غزا قزوين فقال:
وبكر سوانا عراقيّة ... بمنحازها أو بذي قارها
وتغلب حيّ بشطّ الفرات ... جزائرها حول ثرثارها
وأنت بقزوين في عصبة، ... فهيهات دارك من دارها
وقال بعض أهل قزوين يذكرها ويفضلها على أبهر:
نداماي من قزوين طوعا لأمركم،
فإني فيكم قد عصيت نهاتي ... فأحيوا أخاكم من ثراكم بشربة
تندّي عظامي أو تبلّ لهاتي ... أساقيتي من صفو أبهر هاكه،
وإن يك رفق من هناك فهاتي
وقد التزم ما لا يلزمه من الهاء قبل ألف الردف،
وقال الطّرمّاح بن حكيم: ... خليلي مدّ طرفك هل ترى لي
ظعائن باللوى من عوكلان؟ ... ألم تر أنّ عرفان الثّريّا
يهيّج لي بقزوين احتزاني؟
وينسب إلى قزوين خلق لا يحصون، منهم الخليل ابن عبد الله بن الخليل أبو يعلى القزويني، روى عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن صالح المقري وغيره، روى عنه الإمام أبو بكر بن لال الفقيه الهمذاني حكاية في معجمه وسمع هو من ابن لال الكبير، قال شيرويه: قال حدّثنا عنه ابنه أبو زيد الواقد بن الخليل الخطيب وأبو الفتح بن لال وغيرهما من القزوينيّين وكان فهما حافظا ذكيّا فريد عصره في الفهم والذكاء، قال شيرويه في تاريخ همذان: ومن أعيان الأئمة من أهل قزوين محمد بن يزيد بن ماجة أبو عبد الله القزويني الحافظ صاحب كتاب السنن، سمع بدمشق هشام بن عمّار ودحيما والعباس بن الوليد الخلّال وعبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان ومحمود بن خالد والعباس بن عثمان وعثمان بن إسماعيل بن عمران الذّهلي وهشام بن خالد وأحمد بن أبي الحواري، وبمصر أبا طاهر بن سرح ومحمد بن رويح ويونس بن عبد الأعلى، وبحمص محمد بن مصفّى وهشام بن عبد الملك اليزني وعمرا ويحيى ابني عثمان، وبالعراق أبا بكر بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة وإسماعيل بن أبي موسى الفزاري وأبا خيثمة زهر بن حرب وسويد بن سعيد وعبد الله ابن معاوية الجمحي وخلقا سواهم، روى عنه أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن سلمة القطّان وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم وأبو الطيب أحمد ابن روح البغدادي، قال ابن ماجة، رحمه الله:
عرضت هذه النسخة، يعني كتابه في السنن، على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظنّ هذه إن وقعت في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع كلها، أو قال أكثرها، ثم قال: لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف، أو قال عشرين أو نحو هذا من الكلام، قال جعفر بن إدريس في تاريخه:
مات أبو عبد الله بن ماجة يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان سنة 273، وسمعته يقول ولدت في سنة 209.

قَهَنْدَز

قَهَنْدَز:
بفتح أوله وثانيه، وسكون النون، وفتح الدال، وزاي، وهو في الأصل اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة، وهي لغة كأنها لأهل خراسان وما وراء النهر خاصة، وأكثر الرّواة يسمونه قهندز وهو تعريب كهندز معناه القلعة العتيقة، وفيه تقديم وتأخير لأن كهن هو العتيق ودز قلعة ثم كثر حتى اختصّ بقلاع المدن، ولا يقال في القلعة إذا كانت مفردة في غير مدينة مشهورة، وهو في مواضع كثيرة، منها: قهندز سمرقند، وقهندز بخارى، وقهندز بلخ، وقهندز مرو، وقهندز نيسابور، وفي مواضع كثيرة، وقد نسب إلى بعضها قوم، فممن نسب إلى قهندز نيسابور الحسن بن عبد الصمد بن عبد الله بن رزين أبو سعيد القهندزي النيسابوري، وعمر وقيس ومسعود بنو عبد الله بن رزين القهندزي، وأحمد بن عمرو أبو سعيد القهندزي النيسابوري، سمع الفضل بن دكين وغيره، وعبد الله بن حمّاد أبو حمّام القهندزي، سمع نهشل بن سعيد وغيره، وقهندز هراة، نسب إليه أبو سهل الواسطي، ونسب إلى قهندز سمرقند أحمد بن عبد الله القهندزي السمرقندي أبو محمد ذكره أبو سعيد الإدريسي في تاريخ سمرقند، يروي عن عمّار بن نصر، روى عنه سهل بن خلف وغيره، وممن ينسب إلى قهندز بخارى أبو عبد الرحمن محمد بن هارون الأنصاري القهندزي البخاري، سمع ابن المبارك وابن عيينة والفضيل بن عياض، روى عنه أسباط بن اليسع البخاري وغيره، وممن ينسب إلى قهندز هراة أبو بشر القهندزي، روى عنه أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الإمام وغيره، وقد ضبطه بعضهم بالضم والأصل ما أثبتناه.

سُنْبُلان

سُنْبُلان:
بلفظ تثنية سنبل الزرع: محلّة بأصبهان، منها أحمد بن يحيى أبو بكر السنبلاني الأصبهاني، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق وحدث بها عن أبي عبد الرحمن هارون بن سعيد الراعي وإبراهيم بن عيسى الأصبهاني، روى عنه إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عبد الملك بن مروان.

مَطِيرَةُ

مَطِيرَةُ:
بالفتح ثم الكسر، فعيلة من المطر، ويجوز أن يكون مفعلة اسم المفعولة من طار يطير: هي قرية من نواحي سامرّاء وكانت من متنزّهات بغداد وسامرّاء، قال البلاذري: وبيعة مطيرة محدثة بنيت في خلافة المأمون ونسبت إلى مطر بن فزارة الشيباني وكان يرى رأي الخوارج وإنما هي المطريّة فغيّرت وقيل المطيرة، وقد ذكرها الشعراء في أشعارهم فمن ذلك قول بعضهم:
سقيا ورعيا للمطيرة موضع ... أنواره الحيريّ والمنثور
وترى البهار معانقا لبنفسج، ... فكأنّ ذلك زائر ومزور
وكأنّ نرجسها عيون كحّلت ... بالزعفران جفونها الكافور
تحيا النفوس بطيبها فكأنها ... طعم الرضاب يناله المهجور
ينسب إليها جماعة من المحدّثين، منهم: أبو بكر محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد الصيرفي المطيري، حدّث عن الحسن بن عرفة وعلي بن حرب وعباس الترتقي وغيرهم، روى عنه أبو الحسن الدارقطني وأبو حفص بن شاهين وأبو الحسين بن جميع وغيرهم، كان
ثقة، وتوفي سنة 335، والخطيب أبو الفتح محمد بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد القزّاز المطيري، توفي في سنة 463، جمع جزءا رواه عن أبي الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن مرده بن ناجية بن مالك التميمي الكوفي يعرف بابن النجار، سمعه سلبة أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي.

الهَارُونِيّةُ

الــهَارُونِــيّةُ:
مدينة صغيرة قرب مرعش بالثغور الشامية في طرف جبل اللّكّام، استحدثها هارون الرشيد وعليها سوران وأبواب حديد ثم خرّبها الروم فأرسل سيف الدولة غلامه غرقويه فأعاد عمارتها، وهي اليوم من بلاد بني ليون الأرمني، قال أحمد ابن يحيى: لما كانت سنة 183 أمر الرشيد ببناء الــهارونــية بالثغر فبنيت وشحنت بالمقاتلة ومن نزع إليها من المطّوّعة ونسبت إليه، ويقال إنه بناها في خلافة أبيه المهدي وتمت في أيام ابنه، ثم استولى عليها العدوّ لسبع بقين من شوال سنة 348 وسبي من أهلها ألف وخمسمائة مسلم ما بين امرأة ورجل وصبيّ. والــهارونــيّة أيضا: من قرى بغداد قرب شهرابان في طريق خراسان بها القنطرة العجيبة البناء لها ذكر تعرف بقنطرة الــهارونــية.

ولاشْجِرْد

ولاشْجِرْد:
بسكون الشين المعجمة، وكسر الجيم، وراء ساكنة، ودال مهملة، كذا ذكره السمعاني في قصر كنكور: مدينة بين همذان وكرمان شاهان، منها أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عمر ابن هارون الولاشجردي الفقيه، سمع أبا الحسين بن الغريق الهاشمي وأبا محمد بن هزار مرد الصريفيني وابن المسلم وأبا الفضل محمد بن عثمان القومساني وغيرهم، ومات سنة 502، ومولده سنة 440 بتبريز، قال السلفي: بولاية ولاشجرد من همذان.
وولاشجرد: موضع بنواحي بلخ كانت فيه غزوة للمسلمين وهي ثغر. وولاشجرد وربما قالوا ولاشكرد: من نواحي كرمان. وولاشجرد: من نواحي أخلاط.

نِيَازَى

نِيَازَى:
بكسر النون، وبعد الألف زاي مفتوحة:
قرية كبيرة بين كسّ ونسف، ينسب إليها نيازكي، وربما قيل نيازه، وربما ينسب إليها نيازوي، ينسب إليها أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسن بن حامد بن هارون بن المنذر بن عبد الجبار النيازكي الكرميني من كرمينية، يروي عن أبي الحسن أحمد بن محمد ابن عبد الجليل النسفي والهيثم بن كليب الشاشي وغيرهما، روى عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غنجة وأبو العباس المستغفري، ومات سنة 399 بكرمينية.

نَشَوَى

نَشَوَى:
بفتح أوله وثانيه وثالثه، والنسبة إليه نشويّ:
مدينة بأذربيجان، ويقال هي من أرّان تلاصق أرمينية وهي المعروفة بين العامة بنخجوان ويقال نقجوان، قال البلاذري: النشوى قصبة كورة بسفرجان فتحها حبيب بن مسلمة الفهري في أيام عثمان
ابن عفان، رضي الله عنه، وصالح أهلها على الجزية وأداء الخراج على مثل صلح أهل دبيل، ينسب إليها جماعة، منهم: حداد بن عاصم بن بكران أبو الفضل النشويّ خازن دار الكتب بجنزة، روى عن أبي نصر عبد الواحد بن مسرة القزويني وشعيب بن صالح التبريزي، سمع منه ابن ماكولا، والمفرّج بن أبي عبد الله النشوي، روى السلفي عن أبيه أبي عبد الله الحافظ النشوي المعروف بالمشكاني، وكان أبو عبد الله أبو المفرج من حفاظ الحديث وأعيان الفقهاء يروي عن أبي العباس النبهاني النشوي ونظرائه من شيوخ بلده، وأحمد بن الحجاف أبو بكر الآذري النشوي، سمع بدمشق وغيرها أبا الدحداح وأبا السري محمد بن داود ابن نبوس ببعلبك، وأبا جعفر محمد بن حسين بن يزيد وأبا عبيد الله محمد بن علي بن يزيد بن هارون بكفرتوثا، وأبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي شيخ الواقفي بحرّان، وأبا العباس بن وشا بتنيس وغيرهم، روى عنه أبو العباس أحمد بن الحسين بن نبهان النشوي الصّفّار وعليّ ومحمد ابنا الحاج المريدان وأبو الحسن عبد الله وأبو صالح شعيب ابنا صالح ومحمد بن أحمد ابن كردان وأبو الفتح صالح بن أحمد المقري وأبو عبد الله محمد بن موسى المقري الآذريون.

المَنْصُورَةُ

المَنْصُورَةُ:
مفعولة من النصر في عدة مواضع، منها:
المنصورة بأرض السند وهي قصبتها مدينة كبيرة كثيرة الخيرات ذات جامع كبير سواريه ساج ولهم خليج من نهر مهران، قال حمزة: وهمناباذ اسم مدينة من مدن السند سموها الآن منصورة، وقال المسعودي: سميت المنصورة بمنصور بن جمهور عامل بني أمية، وهي في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب ثلاث وتسعون درجة، وعرضها من جهة الجنوب اثنتان وعشرون درجة، وقال هشام: سميت المنصورة لأن منصور بن جمهور الكلبي بناها فسميت به وكان خرج مخالفا لــهارون وأقام بالسند، وقال الحسن بن أحمد المهلبي: سميت المنصورة لأن عمرو بن حفص الهزارمرد المهلبي بناها في أيام المنصور من بني العباس فسميت به، وللمنصورة خليج من نهر مهران يحيط بالبلد فهي منه في شبه الجزيرة، وفي أهلها مروّة وصلاح ودين وتجارات، وشربهم من نهر يقال له مهران، وهي شديدة الحرّ كثيرة البقّ، بينها وبين الدّيبل ست مراحل، وبينها وبين الملتان اثنتا عشرة مرحلة، وإلى طوران خمس عشرة مرحلة، ومن المنصورة إلى أول حد البدهة خمس مراحل، وأهلها مسلمون وملكهم قرشيّ يقال إنه من ولد هبّار بن الأسود تغلّب عليها هو وأجداده يتوارثون بها الملك إلا أن الخطبة فيها للخليفة من بني العباس، وليس لهم من الفواكه لا عنب ولا تفاح ولا كمثرى ولا جوز، ولهم قصب السكر وثمرة على قدر التفاح يسمونها البهلوية شديدة الحموضة، ولهم فاكهة تشبه الخوخ تسمى الأنبج يقارب طعمه طعم الخوخ، وأسعارهم رخيصة، وكان لهم دراهم يسمونها القاهريات ودراهم يقال لها الطاطري في الدرهم درهم وثلث، ومنها:
المنصورة مدينة كانت بالبطيحة عمّرها فيما أحسب مهذّب الدولة في أيام بهاء الدولة بن عضد الدولة وأيام القادر بالله وقد خربت ورسومها باقية، ومنها: المنصورة وهي مدينة خوارزم القديمة كانت على شرقي جيحون مقابل الجرجانية مدينة خوارزم اليوم أخذها الماء حتى انتقل أهلها بحيث هم اليوم، ويروى أن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، رآها ليلة الإسراء من مكة إلى المسجد الأقصى في خبر لم يحضرني الآن، ومنها: المنصورة مدينة بقرب القيروان من نواحي إفريقية استحدثها المنصور بن القائم بن المهدي الخارج بالمغرب سنة 337 وعمّر أسواقها واستوطنها ثم صارت منزلا للملوك الذين لهم والذين زعموا أنهم علويّون وملكوا
مصر ولم تزل منزلا لملوك إفريقية من بني باديس حتى خربتها العرب لما دخلت إفريقية وخربت بلادها بعيد سنة 442 فكانت هي فيما خربت في ذلك الوقت، وقيل: سميت المنصوريّة بالمنصور بن يوسف بن زيري ابن مناد جدّ بني باديس، وأكثر ما يسمون هذه التي بإفريقية خاصّة المنصوريّة بالنسبة، ومنها: المنصورة بلدة أنشأها الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب بين دمياط والقاهرة ورابط بها في وجه الأفرنج لما ملكوا دمياط وذلك في سنة 616 ولم يزل بها في عساكر وأعانه أخواه الأشرف والمعظم حتى استنقذ دمياط في رجب سنة 618، ومنها: المنصورة بلدة باليمن بين الجند وبقيل الحمراء كان أول من أسسها سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وأقام بها إلى أن مات، فقال شاعره الأبيّ:
أحسنت في فعالها المنصوره، ... وأقامت لنا من العدل صوره
رام تشييدها العزيز فأعطت ... هـ إلى وسط قبره دستوره

المُطَهِّرُ

المُطَهِّرُ:
بالضم ثم الفتح، وتشديد الهاء: قرية من أعمال سارية بطبرستان، ينسب إليها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن موسى بن هارون بن الفضل بن زيد السّروي المطهّري الفقيه الشافعي، تفقّه ببلده على أبي محمد بن أبي يحيى، وببغداد على أبي حامد الأسفراييني وصار مفتي بلده وولي التدريس والقضاء، سمع أبا طاهر المخلص وأبا نصر الإسماعيلي، ومات سنة 458 عن مائة سنة.

كَابُلُ

كَابُلُ:
بضم الباء الموحدة، ولام، وكابل في الإقليم الثالث، طولها من جهة المغرب مائة درجة، وعرضها من جهة الجنوب ثمان وعشرون درجة، وقال الإصطخري: الخلج صنف من الأتراك وقعوا في قديم الزمان إلى أرض كابل التي بين الهند ونواحي سجستان في ظهر الغور وهم أصحاب نعم على خلق الأتراك في زيّهم ولسانهم، وكابل: اسم يشمل الناحية ومدينتها العظمى او هند، واجتمعت برجل من عقلاء سجستان ممن دوّخ تلك البلاد وطرقها فذكر لي بالمشاهدة أن كابل ولاية ذات مروج كبيرة بين هند وغزنة، قال: ونسبتها إلى الهند أولى فصحّ عندي، وأما قول ابن الفقيه إنه من ثغور طخارستان فليس ببعيد من الصواب، ولعلّ طخارستان تكون في المثلثة الشرقية منها، قال ابن الفقيه: كابل من ثغور طخارستان، ولها من المدن: وأذان وخواش وخشّك وجزه، قال: وبكابل عود ونارجيل وزعفران وإهليلج لأنها متاخمة للهند، وكان خراجها ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم ومن الوصائف ألفا رأس قيمتها ستمائة ألف درهم، غزاها المسلمون في أيام بني مروان وافتتحوها وأهلها مسلمون، قلت: فإن كانت غير الساحلية فجائز، وقال عبيد الله بن قيس الرقيّات:
ولقد غالني شبيب وكانت ... في شبيب مغيلة ومغاله
غلبت أمّه عليه أباه، ... فهو كالكابليّ أشبه خاله
وقال فرعون بن عبد الرحمن يعرف بابن سلكة من بني تميم بن مرّ:
وددت، مخافة الحجاج، أني ... بكابل في اسّت شيطان رجيم
وقال الأعشى وسمّى أهل كابل كابلا:
ولقد شربت الخمر تر ... كض حولنا ترك وكابل
كدم الذبيح غريبة ... مما يعتّق أهل بابل
باكرتها حولي ذوو ال ... آكال من بكر بن وائل
ونسب إليها أبو مجاهد علي بن مجاهد الكابلي الرازي، قال البخاري: هو من سبي كابل، حدث عن موسى بن عبيدة الرّبذي ومحمد بن إسحاق وعنبسة، حدث عنه أحمد بن حنبل والصّلت بن مسعود الجحدري وزياد بن أيوب وغيرهم، وأبو الحسن محمد بن الحسين الكابلي، روى عن يزيد بن هارون وابن عيينة وغيرهما، ومات في حدود سنة 205، وأبو عبد الله محمد بن العباس الكابلي، حدث عن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن المعقب وأحمد بن حنبل، روى عنه أبو عبد الله محمد بن مخلد الدّوري وقال: توفي في رجب سنة 271.

مِصْرُ

مِصْرُ:
سمّيت مصر بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السّلام، وهي من فتوح عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد استقصينا ذلك في الفسطاط، قال صاحب الزيج:
طول مصر أربع وخمسون درجة وثلثان، وعرضها تسع وعشرون درجة وربع، في الإقليم الثالث، وذكر ابن ما شاء الله المنجم أن مصر من إقليمين: من الإقليم الثالث مدينة الفسطاط، والإسكندرية، ومدن إخميم، وقوص، واهناس، والمقس، وكورة الفيوم، ومدينة القلزم، ومدن أتريب، وبنى، وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عرض مدينة الإسكندرية وأتريب وبنى وما والى ذلك ثلاثون درجة، وإن عرض مصر وكورة الفيوم وما والى ذلك تسع وعشرون درجة، وإن عرض مدينة اهناس والقلزم ثمان وعشرون درجة، وإن عرض إخميم ست وعشرون درجة، ومن الإقليم الرابع تنيس ودمياط وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عروضهنّ إحدى وثلاثون درجة، قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال: يعني مصر، وإن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها، ألا ترى إلى قول يوسف، عليه السّلام، لملك مصر: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، ففعل فأغاث الله الناس بمصر وخزائنها، ولم يذكر، عز وجل، في كتابه مدينة بعينها بمدح غير مكة ومصر فإنه قال: أليس لي ملك مصر، وهذا تعظيم ومدح، وقال: اهبطوا مصرا، فمن لم يصرف فهو علم لهذا الموضع، وقوله تعالى: فإن لكم ما سألتم، تعظيم لها فإن موضعا يوجد فيه ما يسألون لا يكون إلا عظيما، وقوله تعالى: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته، وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، وقال: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّا لقومكما بمصر بيوتا، وسمّى الله تعالى ملك مصر العزيز بقوله تعالى: وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وقالوا ليوسف حين ملك مصر: يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، فكانت هذه تحيّة عظمائهم، وأرض مصر أربعون ليلة في مثلها، طولها من الشجرتين اللتين كانتا بين رفح والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة، وكانت منازل الفراعنة، واسمها باليونانية مقدونية، والمسافة ما بين بغداد إلى مصر خمسمائة وسبعون فرسخا، وروى أبو ميل أن عبد الله بن عمر الأشعري قدم من دمشق إلى مصر وبها عبد الرحمن بن عمرو ابن العاص فقال: ما أقدمك إلى بلدنا؟ قال: أنت أقدمتني، كنت حدثتنا أن مصر أسرع الأرض خرابا ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع واطمأننت، فقال:
إن مصر قد وقع خرابها، دخلها بختنصر فلم يدع فيها حائطا قائما، فهذا هو الخراب الذي كان يتوقع لها، وهي اليوم أطيب الأرضين ترابا وأبعدها خرابا لن تزال فيها بركة ما دام في الأرض إنسان، قوله تعالى:
فإن لم يصبها وابل فطلّ، هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها أضعف زكاها، وقالوا:
مثلت الأرض على صورة طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا خربتا خربت الدنيا، وقرأت بخط أبي
عبد الله المرزباني حدثني أبو حازم القاضي قال: قال لي أحمد بن المدبّر أبو الحسن لو عمّرت مصر كلها لوفت بالدنيا، وقال لي: مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدّان، وقال لي: كنت أتقلّد الدواوين لا أبيت ليلة من الليالي وعليّ شيء من العمل، وتقلّدت مصر فكنت ربما بتّ وعليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت، قال: وقال لي أبو حازم القاضي: جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اثني عشر ألف ألف دينار فصرفه عثمان وقلّدها عبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو:
يا أبا عبد الله أعلمت أن اللّقحة بعدك درّت؟ فقال:
نعم ولكنها أجاعت أولادها، وقال لنا أبو حازم:
إن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصّة دون الخراج وغيره، ومن مفاخر مصر مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ولم يرزق من امرأة ولدا ذكرا غيرها وهاجر أم إسماعيل، عليه السّلام، وإذا كانت أمّ إسماعيل فهي أم محمد، صلّى الله عليه وسلّم، وقال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم صهرا، وقرأت بخط محمد بن عبد الملك النارنجي حدثني محمد بن إسماعيل السلمي قال: قال إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وهو ابن عم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي قال:
كتبت إلى أبي عبد الله عند قدومه مصر أسأله عن أهله في فصل من كتابي إليه فكتب إليّ: وسألت عن أهل البلد الذي أنا به وهم كما قال عباس بن مرداس السّلمي:
إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة ... له بوجوه كالدنانير: مرحبا
وأهلا ولا ممنوع خير تريده، ... ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا
وفي رسالة لمحمد بن زياد الحارثي إلى الرشيد يشير عليه في أمر مصر لما قتلوا موسى بن مصعب يصف مصر وجلالتها: ومصر خزانة أمير المؤمنين التي يحمل عليها حمل مؤنة ثغوره وأطرافه ويقوّت بها عامّة جنده ورعيته مع اتصالها بالمغرب ومجاورتها أجناد الشام وبقية من بقايا العرب ومجمع عدد الناس فيما يجمع من ضروب المنافع والصناعات فليس أمرها بالصغير ولا فسادها بالهين ولا ما يلتمس به صلاحها بالأمر الذي يصير له على المشقة ويأتي بالرفق، وقد هاجر إلى مصر جماعة من الأنبياء وولدوا ودفنوا بها، منهم: يوسف الصدّيق، عليه السّلام، والأسباط وموسى وهارون، وزعموا أن المسيح، عليه السّلام، ولد بأهناس، وبها نخلة مريم، وقد وردها جماعة كثيرة من الصحابة الكرام، ومات بها طائفة أخرى، منهم: عمرو بن العاص وعبد الله بن الحارث الزبيدي وعبد الله بن حذافة السهمي وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم، قال أمية:
يكتنف مصر من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين متقاربان جدّا في وضعهما أحدهما في ضفّة النيل الشرقية وهو جبل المقطّم والآخر في الضّفّة الغربية منه والنيل منسرب فيما بينهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط فثمّ تتّسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلا ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرف على فسطاط مصر ويغرب الآخر على وراب من مسلكيهما وتعريج مسليكهما فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط ورشيد والإسكندرية،
ولذلك مهبّ الشمال يهب إلى القبلة شيئا مّا، فإذا بلغت آخر مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب وتسير في الرمل وأنت متوجّه إلى القبلة فيكون الرمل من مصبّه عن يمينك إلى إفريقية وعن يسارك من أرض مصر الفيوم منها وأرض الواحات الأربع وذلك بغربي مصر وهو ما استقبلته منه، ثم تعرّج من آخر الواحات وتستقبل المشرق سائرا إلى النيل تسير ثماني مراحل إلى النيل ثم على النيل صاعدا وهي آخر أرض الإسلام هناك وتليها بلاد النوبة ثم تقطع النيل وتأخذ من أرض أسوان في الشرق منكّبا على بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازي، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبليّ أرض مصر ومهبّ الجنوب منها، ثمّ تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء أول أرض مصر وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهذا البحر المذكور هو بحر القلزم وهو داخل في أرض مصر بشرقيّه وغربيّه، فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطبة فالنبك وأرض مدين وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربي منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم، والبحري مدينة القلزم وجبل الطور، وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز بين البحرين بحر الحجاز وبحر الروم، وهذا كله شرقي مصر من الحوراء إلى العريش، وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الدواوين أنه وقف على جريدة عتيقة بخط أبي عيسى المعروف بالنّويس متولي خراج مصر يتضمن أن قرى مصر والصعيد وأسفل الأرض ألفان وثلاثمائة وخمس وتسعون قرية، منها: الصعيد تسعمائة وسبع وخمسون قرية، وأسفل أرض مصر ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية، والآن فقد تغيّر ذلك وخرب كثير منه فلا تبلغ هذه العدّة، وقال القضاعي: أرض مصر تنقسم قسمين فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها وأسفل أرضها وهو يليّ مهبّ الشمال منها، فقسم الصعيد عشرون كورة وقسم أسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة، فأما كور الصعيد: فأولاها كورة الفيوم، وكورة منف، وكورة وسيم، وكورة الشرقية، وكورة دلاص، وكورة بوصير، وكورة أهناس، وكورة الفشن، وكورة البهنسا، وكورة طحا، وكورة جيّر، وكورة السّمنّودية، وكورة بويط، وكورة الأشمونين، وكورة أسفل أنصنا وأعلاها، وكورة قوص وقاو، وكورة شطب، وكورة أسيوط، وكورة قهقوه، وكورة إخميم، وكورة دير أبشيا، وكورة هو، وكورة إقنا، وكورة فاو، وكورة دندرا، وكورة قفط، وكورة الأقصر، وكورة إسنا، وكورة أرمنت، وكورة أسوان ... ثم ملك مصر بعد وفاة أبيه بيصر ابنه مصر ثم قفط بن مصر، وذكر ابن عبد الحكم بعد قفط اشمن أخاه ثم أخوه أتريب ثم أخوه صا ثم ابنه تدراس بن صا ثم ابنه ماليق بن تدراس ثم ابنه حربتا بن ماليق ثم ابنه ملكي بن حربتا فملكه نحو مائة سنة ثم مات ولا ولد له فملك أخوه ماليا إن حربتا ثم ابنه طوطيس بن ماليا وهو الذي وهب هاجر لسارة زوجة إبراهيم الخليل، عليه السّلام، عند قدومه عليه، ثم مات طوطيس وليس له إلّا ابنة اسمها حوريا فملكت مصر، فهي أول امرأة ملكت مصر من ولد نوح، عليه السّلام، ثم ابنة عمها زالفا وعمّرت دهرا طويلا فطمع فيهم العمالقة وهم الفراعنة وكانوا يومئذ أقوى أهل الأرض وأعظمهم ملكا وجسوما وهم ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، فغزاهم الوليد بن دوموز وهو أكبر
الفراعنة وظهر عليهم ورضوا بأن يملّكوه فملكهم خمسة من ملوك العمالقة: أولهم الوليد بن دوموز هذا ملكه نحوا من مائة سنة ثم افترسه سبع فأكل لحمه، ثم ملك ولده الريان صاحب يوسف، عليه السلام، ثم دارم بن الريان وفي زمانه توفي يوسف، عليه السّلام، ثم غرّق الله دارما في النيل فيما بين طرا وحلوان، ثم ملك بعده كاتم بن معدان فلما هلك صار بعده فرعون موسى، عليه السّلام، وقيل:
كان من العرب من بليّ وكان أبرش قصيرا يطأ في لحيته، ملكها خمسمائة عام ثم غرّقه الله وأهلكه وهو الوليد بن مصعب، وزعم قوم أنه كان من قبط مصر ولم يكن من العمالقة، وخلت مصر بعد غرق فرعون من أكابر الرجال ولم يكن إلا العبيد والإماء والنساء والذراري فولوا عليهم دلوكة، كما ذكرناه في حائط العجوز، فملكتهم عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم من قوي على تدبير الملك فملّكوه وهو دركون بن بلوطس، وفي رواية بلطوس، وهو الذي خاف الروم فشق من بحر الظلمات شقّا ليكون حاظرا بينه وبين الروم، ولم يزل الملك في أشراف القبط من أهل مصر من ولد دركون هذا وغيره وهي ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة إلى أن قدم بختنصر إلى بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل وخرّب بلادهم فلحقت طائفة من بني إسرائيل بقومس بن نقناس ملك مصر يومئذ لما يعلمون من منعته فأرسل إليه بختنصر يأمره أن يردّهم إليه وإلا غزاه، فامتنع من ردّهم وشتمه فغزاه بختنصر فأقام يقاتله سنة فظهر عليه بختنصر فقتله وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدا وبقيت مصر خرابا أربعين سنة ليس بها أحد يجري نيلها في كل عام ولا ينتفع به حتى خرّبها وخرّب قناطرها والجسور والشروع وجميع مصالحها إلى أن دخلها ارميا النبي، عليه السّلام، فملكها وعمّرها وأعاد أهلها إليها، وقيل: بل الذي ردّهم إليها بختنصر بعد أربعين سنة فعمّروها وملّك عليها رجلا منهم فلم تزل مصر منذ ذلك الوقت مقهورة، ثم ظهرت الروم وفارس على جميع الممالك والملوك الذين في وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاثين سنة وحاصروهم برّا وبحرا إلى أن صالحوهم على شيء يدفعونه إليهم في كل عام على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والروم في كل عام وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام وصار صلح مصر. كله خالصا للروم وذلك في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في أيام الحديبية وظهور الإسلام، وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم حصنا سموه قصر اليون وقصر الشام وقصر الشمع، ولما غزا الروم عمرو بن العاص تحصّنوا بهذا الحصن وجرت لهم حروب إلى أن فتحوا البلاد، كما نذكره إن شاء الله تعالى في الفسطاط، وجميع ما ذكرته ههنا إلا بعض اشتقاق مصر من كتاب الخطط الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقال أميّة: ومصر كلها بأسرها واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث معظمها في الثالث، وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفو الأصناف من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وأرمن وحبشان وغير ذلك من الأصناف والأجناس إلا أن جمهورهم قبط، والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها والمتغلّبين عليها من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم فلهذا اختلطت أنسابهم واقتصروا من
الانتساب على ذكر مساقط رؤوسهم، وكانوا قديما عبّاد أصنام ومدبّري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية بمصر فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأسلم بعضهم وبقي البعض على دين النصرانية، وغالب مذهبهم يعاقبة، قال: أما أخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالتنزهات والتصديق بالمحالات وضعف المرائر والعزمات، قالوا:
ومن عجائب مصر النّمس وليس يرى في غيرها وهو دويبة كأنها قديدة فإذا رأت الثعبان دنت منه فيتطوّى عليها ليأكلها فإذا صارت في فمه زفرت زفرة وانتفخت انتفاخا عظيما فينقدّ الثعبان من شدّته قطعتين، ولولا هذا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر وهي أنفع لأهل مصر من القنافذ لأهل سجستان، قال الجاحظ: من عيوب مصر أن المطر مكروه بها، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57، يعني المطر وهم لرحمة الله كارهون وهو لهم غير موافق ولا تزكو عليه زروعهم، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
يقولون مصر أخصب الأرض كلها، ... فقلت لهم: بغداد أخصب من مصر
وما خصب قوم تجدب الأرض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر
إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر
قالوا: وكان المقوقس قد تضمّن مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار وكان يجبيها عشرين ألف ألف دينار وجعلها عمرو بن العاص عشرة آلاف ألف دينار أول عام وفي العام الثاني اثني عشر ألف ألف، ولما وليها في أيام معاوية جباها تسعة آلاف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، وقال صاحب الخراج: إن نيل مصر إذا رقي ستة عشر ذراعا وافى خراجها كما جرت عادته، فإن زاد ذراعا آخر زاد في خراجها مائة ألف دينار لما يروي من الأعالي، فإن زاد ذراعا آخر نقص من الخراج الأول مائة ألف دينار لما يستبحر من البطون، قال كشاجم يصف مصر:
أما ترى مصر كيف قد جمعت ... بها صنوف الرياح في مجلس
السوسن الغضّ والبنفسج وال ... ورد وصنف البهار والنرجس
كأنها الجنّة التي جمعت ... ما تشتهيه العيون والأنفس
كأنما الأرض ألبست حللا ... من فاخر العبقريّ والسّندس
وقال شاعر آخر يهجو مصر:
مصر دار الفاسقينا ... تستفزّ السامعينا
فإذا شاهدت شاهد ... ت جنونا ومجونا
وصفاعا وضراطا ... وبغاء وقرونا
وشيوخا ونساء ... قد جعلن الفسق دينا
فهي موت الناسكينا ... وحياة النائكينا
وقال كاتب من أهل البندنيجين يذمّ مصر:
هل غاية من بعد مصر أجيئها ... للرزق من قذف المحل سحيق
لم يأل من حطّت بمصر ركابه ... للرزق من سبب لديه وثيق
نادته من أقصى البلاد بذكرها، ... وتغشّه من بعد بالتعويق
كم قد جشمت على المكاره دونها ... من كل مشتبه الفجاج عميق
وقطعت من عافي الصّوى متخرّقا ... ما بين هيت إلى مخارم فيق
فعريش مصر هناك فالفرما إلى ... تنّيسها ودميرة ودبيق
برّا وبحرا قد سلكتهما إلى ... فسطاطها ومحلّ أيّ فريق
ورأيت أدنى خيرها من طالب ... أدنى لطالبها من العيّوق
قلّت منافعها فضجّ ولاتها، ... وشكا التّجار بها كساد السوق
ما إن يرى فيها الغريب إذا رأى ... شيئا سوى الخيلاء والتبريق
قد فضّلوا جهلا مقطّمهم على ... بيت بمكة للإله عتيق
لمصارع لم يبق في أجداثهم ... منهم صدى برّ ولا صدّيق
إن همّ فاعلهم فغير موفّق، ... أو قال قائلهم فغير صدوق
شيع الضلال وحزب كل منافق ... ومضارع للبغي والتّنفيق
أخلاق فرعون اللعينة فيهم، ... والقول بالتشبيه والمخلوق
لولا اعتزال فيهم وترفّض ... من عصبة لدعوت بالتّغريق
وبعد هذا أبيات ذكرتها في رحا البطريق، وما زالت مصر منازل العرب من قضاعة وبليّ واليمن، ألا ترى إلى جميل حيث يقول:
إذا حلّت بمصر وحلّ أهلي ... بيثرب بين آطام ولوب
مجاورة بمسكنها تجيبا، ... وما هي حين تسأل من مجيب
وأهوى الأرض عندي حيث حلّت ... بجدب في المنازل أو خصيب
وبمصر من المشاهد والمزارات: بالقاهرة مشهد به رأس الحسين بن علي، رضي الله عنه، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان وهو خلف دار المملكة يزار، وبظاهر القاهرة مشهد صخرة موسى ابن عمران، عليه السّلام، به أثر أصابع يقال إنها أصابعه فيه اختفى من فرعون لما خافه، وبين مصر والقاهرة قبّة يقال إنها قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومشهد يقال إن فيه قبر فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت محمد الباقر، ومشهد فيه قبر رقيّة بنت علي بن أبي طالب، ومشهد فيه قبر آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والله أعلم، وبالقرافة الصغرى قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعنده في القبة قبر علي بن الحسين بن علي زين العابدين وقبر الشيخ أبي عبد الله الكيراني وقبور أولاد عبد الحكم من أصحاب الشافعي، وبالقرب منها مشهد يقال إن فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم ابن محمد بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت موسى الكاظم في مشهد، ومشهد فيه قبر يحيى بن الحسين بن
زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقبر أمّ عبد الله بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، ومشهد فيه قبر كلثم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل إلى مصر فدفن هناك، وعلى باب درب معالي قبة لحمزة بن سلعة القرشي، وعلى باب درب الشعارين المسجد الذي باعوا فيه يوسف الصديق، عليه السلام، وبها غير ذلك مما يطول شرحه، منهم بالقرافة يحيى ابن عثمان الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف، والصحيح أنه بالمدينة، وقبر صاحب انكلوته وقبر عبد الله بن حذيفة بن اليمان وقبر عبد الله مولى عائشة وقبر عروة وأولاده وقبر دحية الكلبي وقبر عبد الله بن سعيد الأنصاري وقبر سارية وأصحابه وقبر معاذ بن جبل، والمشهور أنه بالأردنّ، وقبر معن بن زائدة، والمشهور أنه بسجستان، وقبر ابنين لأبي هريرة ولا أعرف اسميهما وقبر روبيل بن يعقوب وقبر اليسع وقبر يهوذا بن يعقوب وقبر ذي النون المصري وقبر خال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو أخو حليمة السعدية، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق وقبر أبي مسلم الخولاني وهو بغباغب من أعمال دمشق، ويقال الخولاني عند داريا، وقبر عبد الله بن عبد الرحمن الزهري، وبالقرافة أيضا قبر أشهب وعبد الرحمن بن القاسم وورش المدني وقبر أبي الثريا وعبد الكريم بن الحسن ومقام ذي النون النبيّ وقبر شقران وقبر الكر وأحمد الروذباري وقبر الزيدي وقبر العبشاء وقبر علي السقطي وقبر الناطق والصامت وقبر زعارة وقبر الشيخ بكّار وقبر أبي الحسن الدينوري وقبر الحميري وقبر ابن طباطبا وقبور كثير من الأنبياء والأولياء والصدّيقين والشهداء، ولو أردنا حصرهم لطال الشرح.

المُزْدَلِفَةُ

المُزْدَلِفَةُ:
بالضم ثم السكون، ودال مفتوحة مهملة، ولام مكسورة، وفاء، اختلف فيها لم سميت بذلك فقيل مزدلفة منقولة من الازدلاف وهو الاجتماع، وفي التنزيل: وأزلفنا ثمّ الآخرين، وقيل:
الازدلاف الاقتراب لأنها مقربة من الله، وقيل:
لازدلاف الناس في منى بعد الافاضة، وقيل:
لاجتماع الناس بها، وقيل: لازدلاف آدم وحواء بها أي لاجتماعهما، وقيل: لنزول الناس بها في زلف الليل وهو جمع أيضا، وقيل: الزلفة القربة فسمّيت مزدلفة لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم، وقيل: إن آدم لما هبط إلى الأرض لم يزدلف إلى حوّاء أو تزدلف إليه حتى تعارفا بعرفة واجتمعا بالمزدلفة فسمّيت جمعا ومزدلفة، وهو مبيت للحاجّ ومجمع الصلاة إذا صدروا من عرفات، وهو مكان بين بطن محسّر والمأزمين، والمزدلفة:
المشعر الحرام ومصلّى الإمام يصلي فيه العشاء والمغرب والصبح، وقيل: لأن الناس يدفعون منها زلفة واحدة أي جميعا، وحدّه إذا أفضت من عرفات تريده فأنت فيه حتى تبلغ القرن الأحمر دون محسّر وقزح الجبل الذي عند الموقف، وهي فرسخ من منى بها مصلى وسقاية ومنارة وبرك عدّة إلى جنب جبل ثبير، قال ابن حجّاج:
اسقني بالرّطل في مزدلفة ... قهوة قد جاوزت حدّ الصّفه
ودع الأخبار في تحريمها، ... تلك أخبار أتت مختلفة
يا أبا القاسم باكرني بها، ... لا تكن شيخا قليل المعرفة
إنما الحجّ لمن حلّ منى، ... ولمن قد بات بالمزدلفة
وهي منقولة من أبيات نسبها المبرّد إلى محمد بن هارون بن مخلد بن أبان الكاتب:
باكر الصهباء يوم عرفه، ... وكميتا جاوزت حدّ الصّفه
إنما النسك لمن حلّ منى، ... ولمن أصبح بالمزدلفة
واشرب الراح ودع صوّامها، ... لا تكوننّ رديّ المعرفة

مَجْرِيطُ

مَجْرِيطُ:
بفتح أوله، وسكون ثانيه، وكسر الراء، وياء ساكنة، وطاء: بلدة بالأندلس، ينسب إليها هارون بن موسى بن صالح بن جندل القيسي الأديب القرطبي أصله من مجريط يكنى أبا نصر، سمع من أبي عيسى الليثي وأبي علي القالي، روى عنه الخولاني، وكان رجلا صالحا صحيح الأدب وله قصة مع القالي ذكرتها في أخباره من كتاب الأدباء، ومات المجريطي لأربع بقين من ذي القعدة سنة 401، قاله ابن بشكوال.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.