Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: نفر

سَبْرَةُ

سَبْرَةُ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه، بلفظ المرّة الواحدة من سبرت الجرح إذا قسته لتعرف غوره: وهو اسم مدينة بإفريقية فتحها عمرو بن العاص بن أطرابلس في سنة 23 وطرقها على غفلة وقد سرّحوا سرحهم فلم ينج منهم أحد، قلت:
وأنا أخاف أن يكون هذا غلطا من الناقل وإنّما هي سبرت التي تقدّم ذكرها أنها كانت سوق أطرابلس، والله أعلم، وسياق حديث الفتوح يدلّ على أنّهما واحد إلّا أنّه كذا ضبطها أوّلا مثل ما تقدّم في الموضعين ثمّ مثل ما ههنا، وكانت النسخة معتبرة جدّا وأنا أسوق الحديث، قال: إن عمرو بن العاص نزل على أطرابلس شهرا فحاصرها فلم يقدر منهم على شيء فخرج رجل من بني مدلج في سبعة نفر فرأى فرجة بين المدينة والبحر فدخل بها هو وأصحابه حتى أتوا ناحية الكنيسة فكبّروا فلم يبق للروم مفزع إلّا سفنهم، وسمع عمرو وأصحابه التكبير في جوف المدينة فأقبل بجيشه حتى دخل عليهم فلم يفلت الروم إلّا بما خفّ لهم في مراكبهم وغنم عمرو ما كان في المدينة، وكان من بسبرة متحصنين، فلمّا بلغهم محاصرة عمرو أطرابلس، واسمها نبارة وسبرة السوق القديم وإنّما نقله إلى نبارة عبد الرحمن بن حبيب سنة 31، وأنه لم يصنع فيهم شيئا ولا طاقة له بهم أمنوا، فلمّا ظفر عمرو بن العاص بمدينة أطرابلس جرّد خيلا كثيفة من ليلته وأمرهم بسرعة السير، فصبحت خيله مدينة سبرة وكانوا قد غفلوا وفتحوا أبوابهم لتسرح ماشيتهم، فدخلوها فلم ينج منهم أحد واحتوى عمرو على ما فيها، هكذا هذا الخبر وما أظنهما إلّا واحدا.
سبرينة: بكسر أوّله، وسكون ثانيه، ثمّ راء مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ونون:
مدينة بمصر، ويقال سبريمنة، عن العمراني.

السَّرَاةُ

السَّرَاةُ:
بلفظ جمع السريّ، وهو جمع جاء على غير قياس أن يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره، وكذا قاله اللغويون، وأمّا سيبويه فالسراة في السري هو عنده اسم مفرد موضوع للجمع كــنفر ورهط وليس بجمع مكسر، وسراة الفرس وغيره: أعلى متنه، والجمع سروات، وكذا يجمع هذا الجبل بما يتوصل به، وسراة النهار: وقت ارتفاع الشمس، وسراة الطريق: متنه ومعظمه، وقال الأصمعي:
الطود جبل مشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال له السراة، وإنّما سمّي بذلك لعلوّه، وسراة كل شيء:
ظهره، يقال: سراة ثقيف ثمّ سراة فهم وعدوان ثم سراة الأزد، وقال الأصمعي: السراة الجبل الذي فيه طرف الطائف إلى بلاد أرمينية، وفي كتاب الحازمي: السراة الجبال والأرض الحاجزة بين تهامة واليمن ولها سعة، وهي باليمن أخص، وقال أبو الأشعث الكندي عن عرّام: وادي تربة لبني هلال وحواليه بين الجبال السراة ويسوم وفرقد ومعدن البرم وجبلان يقال لهما شوانان واحدهما شوان، وهذه الجبال تنبت القرظ، وهي جبال متقاودة وبينها فتوق، وفي جبال السراة الأعناب وقصب السكر والقرظ والإسحل، قال شاعر يصف غيثا:
أنجد غوريّ وحنّ متهمة ... واستنّ بين ريّقيه حنتمه
وقلت أطراف السراة مطعمه
وقال قوم: الحجاز هو جبال تحجز بين تهامة ونجد يقال لأعلاها السراة كما يقال لظهر الدابّة السراة، وهو أحسن القول، وقال الفضل بن العبّاس اللهبي:
وقافية عقام قلت بكرا ... تقلّ رعان نجد محكمات
يؤبن مع الركاب بكل مصر، ... ويأتين الأقاول بالسراة
غوائر لا سواقط مكفئات ... بإسناد ولا متنخّلات
وأمّا الشراة، بالمعجمة، فتذكر في موضعها، إن شاء الله تعالى، وقال سعيد بن المسيب: إن الله تعالى لما خلق الأرض مادت فضربها بهذا الجبل السراة وهو أعظم جبال العرب وأذكرها، أقبل من ثغرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام، فسمته العرب حجازا لأنّه حجز بين الغور وهو هابط وبين نجد وهو ظاهر، وقال الحسن بن عليّ بن أحمد بن يعقوب اليمني الهمداني: أمّا جبل السراة الذي يصل ما بين أقصى اليمن والشام فإنّه ليس بجبل واحد وإنّما هي جبال متصلة على شقّ واحد من أقصى اليمن إلى الشام في عرض أربعة أيّام في جميع طول السراة يزيد كسر يوم في بعض المواضع وقد ينقص مثله في بعضها، فمبدأ هذه السراة من أرض اليمن أرض المعافر فحيق بني مجيد ثغر عدن وهو جبيل يحيط البحر به، وهي تجمع مخلاف ديحان والجوّة وجبأ وصبر وذخر ويزداد وغير ذلك حتى بلغ الشام فقطعته الأودية حتى بلغ إلى النخلة فكان منها حيض ويسوم، وهما جبلان بنخلة ويسميان يسومين، ثمّ طلعت منه الجبال بعد فكان منها الأبيض جبل العرج وقدس وآرة، وهما جبلان لمزينة، والأسود والأجرد أيضا جبلان لجهينة، وحيض قد سمّاه عمر بن أبي ربيعة خيشا في قوله:
تركوا خيشا على أيمانهم ... ويسوما عن يسار المنجد
قالوا: والسروات ثلاث: سراة بين تهامة ونجد أدناها الطائف وأقصاها قرب صنعاء، والطائف من سراة بني ثقيف، وهو أدنى السروات إلى مكّة، ومعدن البرم هو السراة الثانية، وهو في بلاد عدوان، والسراة الثالثة أرض عالية وجبال مشرفة على البحر من المغرب وعلى نجد من المشرق. وسراة بني شبابة نسب إليها بعض الرواة ذكر في شبابة لأنّه نسب الشبابي، وبأسفل السروات أودية تصبّ إلى البحر، منها: اللّيث، وقد ذكر، وقنونى والحسبة وضنكان وعشم وبيش ومركوب ونعما، وهو أقربها إلى مكة، وهو وادي عرفات، وعليب من هذه الأودية، وقال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الناس أهل السروات، وهي ثلاث، وهي الجبال المطلّة على تهامة ممّا يلي اليمن، أوّلها هذيل وهي تلي السهل من تهامة ثمّ بجيلة وهي السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها ثمّ سراة الأزد أزد شنوءة وهم بنو كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.

عَبّادانُ

عَبّادانُ:
بتشديد ثانيه، وفتح أوله، قال بطليموس:
عبّادان في الإقليم الثالث، طولها خمس وسبعون درجة وربع، وعرضها إحدى وثلاثون درجة، قال البلاذري: كانت عبادان قطيعة لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قطيعة من عبد الملك بن مروان وبعضها فيما يقال من زياد، وكان حمران من سبي عين التمر يدّعي أنه من النمر بن قاسط، فقال الحجاج يوما وعنده عبّاد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران؟
لئن انتمى إلى العرب ولم يقل إنه مولى لعثمان لأضربنّ عنقه! فخرج عبّاد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران بقوله فوهب له غربيّ النهر وحبس الشرقيّ فنسب إلى عبّاد بن الحصين، وقال ابن الكلبي:
أول من رابط بعبّادان عبّاد بن الحصين، قال:
وكان الربيع بن صبح الفقيه مولى بني سعد جمع مالا من أهل البصرة فحصّن به عبّادان ورابط فيها، والربيع يروي عن الحسن البصري: وكان خرج غازيا إلى الهند في البحر فمات فدفن في جزيرة من الجزائر سنة 160، والعبّاد: الرجل الكثير العبادة، وأما إلحاق الألف والنون فهو لغة مستعملة في البصرة ونواحيها، إنهم إذا سمّوا موضعا أو نسبوه إلى رجل أو صفة يزيدون في آخره ألفا ونونا كقولهم في قرية عندهم منسوبة إلى زياد ابن أبيه زيادان وأخرى إلى عبد الله عبد الليان وأخرى إلى بلال بن أبي بردة بلالان، وهذا الموضع فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع، وكانوا قديما في وجه ثغر، يسمّى الموضع بذلك، والله أعلم، وهو تحت البصرة قرب البحر الملح، فان دجلة إذا قاربت البحر انفرقت فرقتين عند قرية تسمّى المحرزي، ففرقة يركب فيها إلى ناحية البحرين نحو برّ العرب وهي اليمنى فأما اليسرى فيركب فيها إلى سيراف وجنّابة فارس فهي مثلثة الشكل، وعبّادان في هذه الجزيرة التي بين النهرين فيها مشاهد ورباطات، وهي موضع رديء سبخ لا خير فيه وماؤه ملح، فيه قوم منقطعون عليهم وقف في تلك الجزيرة يعطون بعضه، وأكثر موادّهم من النذور، وفيه مشهد لعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، وغير ذلك، وأكثر أكلهم السمك الذي يصطادونه من البحر، ويقصدهم المجاورون في المواسم للزيارة، ويروى في فضائلها أحاديث غير ثابتة، وينسب إليها نفر من رواة الحديث، والعجم يسمّونها ميان روذان لما ذكرنا من أنها بين نهرين، ومعنى ميان وسط وروذان الأنهر، وقد نسبوا إلى عبّادان جماعة من الزّهّاد والمحدّثين، منهم: أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب بن إسحاق بن عبدة بن الربيع العبّاداني، سكن بغداد وروى عن عليّ بن حرب الطائي وأحمد بن منصور الزيادي وهلال بن العلاء الرّقّيّ، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو عليّ ابن شاذان، ومولده في أول يوم من رجب سنة 248، والقاضي أبو شجاع أحمد بن الحسن بن أحمد الشافعي العبّاداني، روى عنه السلفي وقال: هو من أولاد الدهر، درّس بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب الشافعي، رضي الله عنه، قال: ذكر لي في سنة 500 وعاش بعد ذلك ما لا أتحقّقه، وسألته عن مولده فقال: سنة 434 بالبصرة، قال: ووالدي مولده عبّادان وجدّي الأعلى أصبهان، والحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل أبو العباس العبّاداني المقرئ رحّال، سمع عليّ بن عبد الله بن عليّ بن السّقّاء ببيروت، وحدث عنه وعن أبي خليفة والحسن بن
المثنّى ومغفر الفرّياني وأبي مسلم الكجّي وزكرياء ابن يحيى الساجي، روى عنه أبو نعيم الحافظ وجماعة وافرة، قال أبو نعيم: ومات بإصطخر وكان رأسا في القرآن وحفظه عن جدّته ورأسه في لين.

سَعْدٌ

سَعْدٌ:
بفتح أوّله، وسكون ثانيه: وهو موضع معروف قريب من المدينة، بينهما ثلاثة أميال، كانت غزاة ذات الرقاع قريبة منه، قال نصر: سعد جبل بالحجاز بينه وبين الكيد ثلاثون ميلا وعنده قصر ومنازل وسوق وماء عذب على جادّة طريق كان يسلك من فيد إلى المدينة، قال: والكديد على ثلاثة أميال من المدينة، قال نصيب:
وهل مثل أيّام بنعف سويقة ... عوائد أيّام كما كنّ بالسّعد؟
تمنّيت أنّا من أولئك والمنى ... على عهد عاد ما نعيد ولا نبدي
ودير سعد: بين بلاد غطفان والشام. وحمّام سعد:
في طريق حاجّ الكوفة. ومسجد سعد: على ستة أميال من الزّبيدية بين القرعاء والمغيثة في طريق حاج الكوفة فيه بركة وبئر رشاؤها خمس وثمانون قامة ماؤها غليظ تشربه الإبل والمضطر، ينسب إلى سعد ابن أبي وقّاص، قال ابن الكلبي: وكان لمالك وملكان ابني كنانة بساحل جدّة وبتلك الناحية صنم يقال له سعد، وكان صخرة طويلة، فأقبل رجل منهم بإبل له ليقفها عليه يتبرك بذلك فيها، فلمّا أدناها منه نفرت منه فذهبت في كلّ وجه وتفرّقت عنه، فأسف وتناول حجرا فرماه به وقال: لا بارك الله فيك إلها أنفرت عليّ إبلي! ثمّ انصرف عنه وهو يقول:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا، ... فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
وهل سعد إلّا سخرة بتنوفة ... من الأرض لا تدعو لغيّ ولا رشد؟

سُعَيرٌ

سُعَيرٌ:
بلفظ التصغير، وآخره راء، قال أبو المنذر:
وكان لعنزة صنم يقال له سعير فخرج جعفر بن خلّاس الكلبي على ناقته فمرّت به وقد عترت عتيرة عنده فــنفرت ناقته منه، فأنشأ يقول:
نفرت قلوصي من عتائر صرّعت ... حول السّعير يزوره ابنا يقدم
وجموع يذكر مهطعين جنابة، ... ما إن يجيز إليهم بتكلّم
ويقدم ويذكر: ابنا عنزة، فرأى بني هؤلاء يطوفون حول السعير.

السَّوَادُ

السَّوَادُ:
موضعان: أحدهما نواحي قرب البلقاء سميت بذلك لسواد حجارتها فيما أحسب، والثاني يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنّه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت ما ذلك السواد، وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر، كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب وكان أسود فقال:
وأنا الأخضر من يعرفني؟ ... أخضر الجلدة من نسل العرب
فسموه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار، وحدّ السواد من حديثة الموصل طولا إلى عبّادان ومن العذيب بالقادسيّة إلى حلوان عرضا فيكون طوله مائة وستين فرسخا، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد وعرضه مستوعب لعرض السواد لأنّ أوّل العراق في شرقي دجلة العلث على حدّ طسوج بزرجسابور، وهي قرية تناوح حربى موقوفة على العلوية، وفي غربي دجلة حربى ثمّ تمتد إلى آخر أعمال البصرة من جزيرة عبّادان، وكانت تعرف بميان روذان معناه بين الأنهر، وهي من كورة بهمن أردشير، فيكون طوله مائة وخمسة وعشرين فرسخا، يقصر عن طول السواد بخمسة وثلاثين فرسخا، وعرضه كالسواد ثمانون فرسخا، قال قدامة: يكون ذلك منكسرا عشرة آلاف فرسخ وطول الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ويكون بذراع المسافة وهي الذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع، فيكون الفرسخ إذا ضرب في مثله اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة جريب، فإذا ضربت في عشرة آلاف بلغت مائتي ألف ألف وعشرين ألف جريب يسقط منها بالتخمين آكامها وآجامها وسباخها ومجاري أنهارها ومواضع مدنها وقراها ومدى ما بين طرقها الثلث فيبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف جريب، يراح منها النصف على ما فيها من الكرم والنخل والشجر والعمارة الدائمة المتصلة مع التخمين بالتقريب على كلّ جريب قيمة ما يلزمه للخراج درهمان وذلك أقلّ من العشر على أن
يضرب بعض ما يؤخذ منها من أصناف الغلّات ببعض فيبلغ ذلك مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، هذا سوى خراج أهل الذمّة وسوى الصدقة، فإن ذلك لا مدخل له في الخراج، وكانت غلّات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك فارس إلى ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وقال الأصمعي: السواد سوادان: سواد البصرة دستميسان والأهواز وفارس، وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب وحلوان إلى القادسية، وقال أبو معشر: إن الكلدانيين هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأوّل، ويقال: إن أوّل من سكنها وعمّرها نوح، عليه السلام، حين نزلها عقيب الطوفان طلبا للرفاء فأقام بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح وملّكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر ومن الفرات إلى ما وراء الكوفة، وموضعهم هذا هو الذي يقال له السواد، وكانت ملوكهم تنزل بابل، وكان الكلدانيّون جنودهم، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا، وهو آخر ملوكهم، ثمّ قتل منهم خلق كثير فذلوا وانقطع ملكهم، وقد ذكرت بابل في موضعها، وقال يزيد بن عمر الفارسي: كانت ملوك فارس تعدّ السواد اثني عشر استانا وتحسبه ستين طسوجا، وتفسير الاستان اجارة، وترجمة الطسوج ناحية، وكان الملك منهم إذا عني بناحية من الأرض عمّرها وسمّاها باسمه، وكانوا ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش وخصب المحلّ وطيب المستقرّ وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها، وكانوا يشبهون السواد بالقلب وسائر الدنيا بالبدن، وكذلك سموه دل إيرانشهر أي قلب إيرانشهر، وإيرانشهر: الإقليم المتوسط لجميع الأقاليم، قال:
وإنّما شبهوه بذلك لأن الآراء تشعّبت عن أهله بصحة الفكر والرويّة كما تتشعّب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام، فأمّا من حولها فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج، وخصب بلاد إيرانشهر بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشينها ولا مفاوز موحشة ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة والأنهار المطردة من رساتيقها وبين قراها مع قلّة جبالها وآكامها وتكاثف عمارتها وكثرة أنواع غلّاتها وثمارها والتفاف أشجارها وعذوبة مائها وصفاء هوائها وطيب تربتها مع اعتدال طينتها وتوسط مزاجها وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال شجرها من طائر بجناح وماش على ظلف وسابح في بحر، قد أمنت ممّا تخافه البلدان من غارات الأعداء وبواثق المخالفين مع ما خصّت به من الرافدين دجلة والفرات إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاء ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنّه لا ينتفع منهما بكثر فائدة حتى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها وتنبطح في رساتيقها فيأخذون صفوه هنيئا ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر لأنّهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمرّان بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلّا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء، وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك الفرس والأكاسرة وغيرهم إلى أن ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وكان السبب في ذلك أنّه خرج يوما متصيّدا فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتفّ وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره فقصد رابية يتشوّفه فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمّان
وغير ذلك من أصناف الشجر وإذا امرأة واقفة على تنّور تخبز ومعها صبيّ لها كلّما غفلت عنه مضى الصبي إلى شجرة رمّان مثمرة ليتناول من رمّانها فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكّنه من أخذ شيء منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها والملك يشاهد ذلك كلّه، فلمّا لحق به أتباعه قصّ عليهم ما شاهده من المرأة والصبيّ ووجّه إليها من سألها عن السبب الذي من أجله منعت ولدها من أن يتناول شيئا من الرّمّان فقالت: للملك فيه حصّة ولم يأتنا المأذون بقبضها وهي أمانة في أعناقنا ولا يجوز أن نخونها ولا أن نتناول ممّا بأيدينا شيئا حتى يستوفي الملك حقّه، فلمّا سمع قباذ ذلك أدركته الرّقّة عليها وعلى الرعيّة وقال لوزرائه: إن الرعية معنا لفي بليّة وشدّة وسوء حال بما في أيديهم من غلاتهم لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشيء من ذلك حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم، فهل عندكم حيلة نفرّــج بها عنهم؟
فقال بعض وزرائه: نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كلّ جريب من كل صنف بقدر ما يحصّ الملك من الغلّة فيؤدّى ذلك إليه وتطلق أيديهم في غلاتهم ويكون ذلك على قرب مخارج المير وبعدها من الممتارين، فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة والمؤونة على العمارة والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البريدات وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ خراج السواد في السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، فحسنت أحوال الناس ودعوا للملك بطول البقاء لما نالهم من العدل والرفاهية، وقد ذكرنا المشهور من كور السواد في المواضع التي قضى بها الترتيب حسب وضع الكتاب، وقد وقع اختلاف مفرط بين مساحة قباذ ومساحة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ذكرته كما وجدته من غير أن أحقّق العلة في هذا التفاوت الكبير: أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بمسح السواد الذي تقدّم حدّه لم يختلف صاحب هذه الرواية فيه فكان بعد أن أخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم وحتم الجزية على ستمائة ألف إنسان وجعلها طبقات، الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهما والوسطى أربعة وعشرون درهما والسّفلى اثنا عشر درهما، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وقال عمر بن عبد العزيز: لعن الله الحجّاج! فإنّه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة، فإن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وجباه زياد مائة ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم، وجباه ابنه عبيد الله أكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم، ثمّ جباه الحجاج مع عسفه وظلمه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط وأسلف الفلاحين للعمارة ألفي ألف فحصل له ستة عشر ألف ألف، قال عمر بن عبد العزيز: وها أنا قد رجع إليّ على خرابه فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة وإن عشت له لأزيدنّ على جباية عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وكان أهل السواد قد شكوا إلى الحجاج خراب بلدهم فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة، فقال شاعر:
شكونا إليه خراب السّواد، ... فحرّم جهلا لحوم البقر
وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان: مال السواد ألف ألف ألف درهم، فما نقص ممّا في يد السلطان منه فهو في يد الرعية، وما نقص من يد الرعية فهو في بيت مال السلطان، قالوا: وليس لأهل السواد عهد إلّا الحيرة وأليس وبانقيا فلذلك يقال لا يصحّ بيع أرض السواد دون الجبل لأنّها فيء للمسلمين عامّة إلّا أراضي بني صلوبا وأرض الحيرة، قالوا: وكتب عمر بن الخطّاب إلى سعد بن أبي وقّاص حين افتتح السواد: أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس قد سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم، وإن أتاك كتابي فانظر ما أجلب عليه العسكر بخيلهم وركابهم من مال وكراع فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الأنهار والأرض بحالها ليكون ذلك في عطيات المسلمين فإنّك إذا قسمتها بين من حضر لم يبق لمن بعدهم شيء، وسئل مجاهد عن أرض السواد فقال: لا تباع ولا تشترى لأنّها فتحت عنوة ولم تقسم فهي فيء للمسلمين عامة، وقيل: أراد عمر قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجدوا الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين فشاور أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في ذلك فقال عليّ، رضي الله عنه:
دعهم يكونوا مادّة للمسلمين، فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فمسح الأرض ووضع الخراج ووضع على رؤوسهم ما بين ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين درهما واثني عشر درهما، وشرط عليهم ضيافة المسلمين وشيئا من برّ وعسل، ووجد السواد ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا، قال أبو عبيد: بلغني أن ذلك القفيز كان مكوّكا لهم يدعى السابرقان، وقال يحيى بن آدم: وهو المحتوم الحجاجيّ، وقال محمد ابن عبد الله الثقفي: وضع عمر، رضي الله عنه، على كلّ جريب من السواد، عامرا كان أو غامرا يبلغه الماء، درهما وقفيزا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر درهما، وحتم عثمان بن حنيف على رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج بأخذ الجزية، وبلغ الخراج في ولايته مائة ألف ألف درهم، ومسح حذيفة بن اليمان سقي الفرات، ومات بالمدائن، والقناطر المعروفة بقناطر حذيفة منسوبة إليه، وذلك لأنّه نزل عندها، وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة.

شِعبُ جَبَلَةَ

شِعبُ جَبَلَةَ:
قد ذكرت جبلة في موضعها، وكان فيه يوم من أيّام العرب اجتمع عليه أكثر قبائل العرب، وكان النصر فيه لبني عامر، فقال لبيد:
منّا حماة الشعب يوم تواعدت أسد وذبيان الصّفا وتميم فارتثّ جرحاهم عشيّة هزمهم حتى بمنعرج المسيل مقيم قومي أولئك إن سألت بخيمهم، ولكلّ قوم في النّوائب خيم وإذا تواكلت المقانب لم يزل بالــنّفر منّا منسر وعظيم

الصَّوْرَين

الصَّوْرَين:
موضع قرب المدينة، قال ابن إسحاق:
لما توجه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إلى بني قريظة مرّ بــنفر من أصحابه بالصّورين قبل أن يصل إلى بني قريظة.

طَرَابُلُسُ

طَرَابُلُسُ:
بفتح أوله، وبعد الألف باء موحدة مضمومة، ولام أيضا مضمومة، وسين مهملة، ويقال أطرابلس، وقال ابن بشير البكري، طرابلس بالرومية والإغريقية ثلاث مدن، وسماها اليونانيون طرابليطة وذلك بلغتهم أيضا ثلاث مدن، لأن طرا معناه ثلاث وبليطة مدينة، وقد ذكر أن أشباروس قيصر أول من بناها، وتسمى أيضا مدينة إياس، وعلى مدينة طرابلس سور صخر جليل البنيان، وهي على شاطئ البحر، ومبنى جامعها أحسن مبنى، وبها أسواق حافلة جامعة وبها مسجد يعرف بمسجد الشعاب مقصود وحولها أنباط، وفي بربرها من كلامه بالنبطية، في قرارات في شرقيها وغربيها مسيرة ثلاثة أيام إلى موضع يعرف ببني السابري وفي القبلة مسيرة يومين إلى حدّ هوارة، وفيها رباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون أعمرها وأشهرها مسجد الشعاب، ومرساها مأمون من أكثر الرياح، وهي كثيرة الثمار والخيرات، ولها بساتين جليلة في شرقيها وتتصل بالمدينة سبخة كبيرة يرفع منها الملح الكثير، وداخل مدينتها بئر تعرف ببئر أبي الكنود يعيّرون بها ويحمق من شرب منها فيقال للرجل منهم إذا أتى بما يلام: لا يعتب عليك لأنك شربت من بئر أبي الكنود، وأعذب آبارها بئر القبّة، نذكرها في طرابلس فانه لم تكتب الألف وقد ذكر في باب الألف ما فيه كفاية، وذكر الليث بن سعد قال: غزا عمرو بن العاص طرابلس سنة 23 حتى نزل القبة التي على الشرف من شرقيها فحاصرها شهرين لا يقدر منهم على شيء فخرج رجل من بني مدلج ذات يوم من عسكر عمرو بن العاص متصيّدا مع سبعة نفر فجمعوا غربي المدينة واشتدّ عليهم الحرّ فأخذوا راجعين على ضفة البحر وكان البحر لاصقا بالمدينة ولم يكن في ما بين المدينة والبحر سور وكانت سفن البحر شارعة في مرساها إلى بيوتهم ففطن المدلجي وأصحابه وإذا البحر قد غاض من ناحية المدينة فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة وكبّروا فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم وأقبل عمرو بجيشه حتى دخل عليهم فلم تفلت الروم إلا بما خفّ في مراكبهم وغنم عمرو ما كان في المدينة، وإنما بنى سورها مما يلي البحر هرثمة بن أعين حين ولايته على القيروان، ومن طرابلس إلى نفوسة مسيرة ثلاثة أيام، وفي كتاب ابن عبد الحكم: أن عمرو ابن العاص نزل على مدينة طرابلس في سنة 23 من الهجرة فملكها عنوة واستولى على ما فيها، قال:
وكان من بسبرت متحصنين فلما بلغتهم محاصرة عمرو طرابلس واسمها نبارة، وسبرت السوق القديم وإنما نقله إلى نبارة عبد الرحمن بن حبيب سنة 31 فهذا يدلّ على أن طرابلس اسم الكورة وأن نبارة قصبتها، وقد ذكرنا أن طرابلس معناه الثلاث مدن وهذا يدل على أنها ليست بمدينة بعينها وأنها كورة، وينسب إلى طرابلس الغرب عمر بن عبد العزيز بن عبيد بن يوسف الطرابلسي المالكي، لقيه السلفي وأثنى عليه، وهو القائل في كتب الغزّالي:
هذّب المذهب حبر ... أحسن الله خلاصة
ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه
وسافر إلى بغداد ومات بها في سنة 510، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن مخلوف الطرابلسي، كان له اهتمام بالتواريخ وصنّف تاريخا لطرابلس، وكان فاضلا في فنون شتى، أخذ عنه السلفي وسافر إلى الحج فأدركته المنية بمكة في ذي الحجة سنة 522، وقال أبو الطيب يمدح عبيد الله بن خراسان الطرابلسي:
لو كان فيض يديه ماء غادية عزّ القطا في الفيافي موضع اليبس أكارم حسد الأرض السماء بهم، وقصّرت كلّ مصر عن طرابلس أيّ الملوك، وهم قصدي، أحاذره، وأيّ قرن وهم سيفي وهم ترسي وقال أحمد بن الحسين بن حيدرة يعرف بابن خراسان الطرابلسي:
أحبابنا! غير زهد في محبتكم ... كوني بمصر وأنتم في طرابلس
إن زرتكم فالمنايا في زيارتكم، ... وإن هجرتكم فالهجر مفترسي
ولست أرجو نجاحا في زيارتكم ... إلا إذا خاض بحرا من دم فرسي
وأنثني ورماح الخط قد حطمت ... في كل أروع لا وان ولا نكس
حتى يظلّ عميد الجيش ينشدنا ... نظما يضيء كضوء الفجر في الغلس
يفدي بنيك عبيد الله حاسدكم، ... بجبهة العير يفدى حافر الفرس

طَرَسُوسُ

طَرَسُوسُ:
بفتح أوله وثانيه، وسينين مهملتين بينهما واو ساكنة، بوزن قربوس، كلمة عجمية رومية، ولا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر لأن فعلول ليس من أبنيتهم، قال صاحب الزيج: طول طرسوس ثمان وخمسون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة وربع، وهي في الإقليم الرابع، وقالوا: سميت بطرسوس بن الروم بن اليفز بن سام ابن نوح، عليه السلام، وقيل: إن مدينة طرسوس أحدثها سليمان كان خادما للرشيد في سنة نيف وتسعين ومائة، قاله أحمد بن محمد الهمذاني، وهي مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم، قال أحمد بن الطيّب السّرخسي: رحلنا من المصيصة نريد العراق إلى أذنة ومن أذنة إلى طرسوس، وبينها وبين أذنة ستة فرسخ، وبين أذنة وطرسوس فندق بغا والفندق الجديد، وعلى طرسوس سوران وخندق واسع ولها ستة أبواب ويشقها نهر البردان وبها قبر المأمون عبد الله بن الرشيد جاءها غازيا فأدركته منيته فمات، فقال الشاعر:
هل رأيت النجوم أغنت عن المأ ... مون في عزّ ملكه المأسوس؟
غادروه بعرصتي طرسوس ... مثل ما غادروا أباه بطوس
وما زالت موطنا للصالحين والزهّاد يقصدونها لأنها من ثغور المسلمين ثم لم تزل مع المسلمين في أحسن حال وخرج منها جماعة من أهل الفضل إلى أن كان سنة 354 فان نقفور ملك الروم استولى على الثغور وفتح المصيصة، كما نذكره في موضعه، ثم رحل عنها ونزل على طرسوس وكان بها من قبل سيف الدولة رجل يقال له ابن الزّيّات ورشيق النسيمي مولاه فسلّما إليه المدينة على الأمان والصلح على أن من خرج منها من المسلمين وهو يحمل من ماله مهما قدر عليه لا يعترض من عين وورق أو خرثيّ وما لم يطق حمله فهو لهم مع الدور والضياع، واشترط تخريب الجامع والمساجد، وأنه من أراد المقام في البلد على الذمّة وأداء الجزية فعل وإن تنصّر فله الحباء والكرامة وتقرّ عليه نعمته، قال: فتنصّر خلق فأقرّت نعمهم عليهم وأقام نفر يسير على الجزية وخرج أكثر الناس يقصدون بلاد الإسلام وتفرّقوا فيها، وملك نقفور البلد فأحرق المصاحف وخرّب المساجد وأخذ من خزائن السلاح ما لم يسمع بمثله مما كان جمع من أيام بني أميّة إلى هذه الغاية، وحدث أبو القاسم التنوخي قال: أخبرني جماعة ممن جلا عن ذلك الثغر أن نقفور لما فتح طرسوس نصب في ظاهرها علمين ونادى مناديه: من أراد بلاد الملك الرحيم وأحبّ العدل والنّصفة والأمن على المال والأهل والنفس والولد وأمن السبل وصحة الأحكام والإحسان في المعاملة وحفظ الفروج وكذا وكذا، وعد أشياء جميلة، فليصر تحت هذا العلم ليقفل مع الملك إلى بلاد الروم، ومن أراد الزنا واللواط والجور في الأحكام والأعمال وأخذ الضرائب وتملّك الضياع عليه وغصب الأموال، وعد أشياء من هذا النوع غير جميلة، فليحصل تحت هذا العلم إلى بلاد
الإسلام، فصار تحت علم الروم خلق من المسلمين ممن تنصّر وممن صبر على الجزية، ودخل الروم إلى طرسوس فأخذ كلّ واحد من الروم دار رجل من المسلمين بما فيها ثم يتوكل ببابها ولا يطلق لصاحبها إلا حمل الخفّ فان رآه قد تجاوز منعه حتى إذا خرج منها صاحبها دخلها النصراني فاحتوى على ما فيها، وتقاعد بالمسلمين أمهات أولادهم لما رأين أهاليهنّ وقالت: أنا الآن حرّة لا حاجة لي في صحبتك، فمنهنّ من رمت بولدها على أبيه ومنهنّ من منعت الأب من ولده فنشأ نصرانيّا، فكان الإنسان يجيء إلى عسكر الروم فيودع ولده ويبكي ويصرخ وينصرف على أقبح صورة حتى بكى الروم رقّة لهم وطلبوا من يحملهم فلم يجدوا غير الروم فلم يكروهم إلا بثلث ما أخذوه على أكتافهم أجرة حتى سيروهم إلى أنطاكية، هذا وسيف الدولة حيّ يرزق بميّافارقين والملوك كلّ واحد مشغول بمحاربة جاره من المسلمين وعطّلوا هذا الفرض، ونعوذ بالله من الخيبة والخذلان ونسأله الكفاية من عنده، ولم تزل طرسوس وتلك البلاد بيد الروم والأرمن إلى هذه الغاية، وقد نسب إليها جماعة يفوت حصرهم، وأما أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم الطرسوسي فانه بغداديّ أقام بها إلى أن مات سنة 273 فنسب إليها، وممن نسب إليها من الحفّاظ محمد بن عيسى ابن يزيد الطرسوسي التميمي ثم السعدي، رحّال من أهل المعرفة، سمع بدمشق سليمان بن عبد الرحمن وصفوان بن صالح وسمع بحمص ومكة، وسمع عيسى بن قالون المقري بالمدينة، وبالكوفة أبا نعيم، وبالبصرة سليمان بن حرب، وبميافارقين مسلما ومحمد ابن حميد الرازي، روى عنه أبو بكر بن خزيمة وأبو العباس الدّغولي وأبو عوانة الأسفراييني وهو غير متهم، قال الحافظ أبو عبد الله: وكان من المشهورين بالطلب في الرحلة والكثرة والفهم والثبت، ورد خراسان بعد 250 ونزل نيسابور وأقام بها وكتب عنه من كان في عصره ثم خرج إلى مرو فأقام بها مدة وأكثر أهل مرو عنه بعد الستين ثم دخل بلخ فتوفي بها سنة 276.

أُجَيْرَةُ

أُجَيْرَةُ:
كأنه تصغير أجرة. روي عن أعشى همدان أنه قال: خرج مالك بن حريم الهمداني في الجاهلية ومعه نفر من قومه، يريد عكاظ، فاصطادوا ظبيا في طريقهم، وكان قد أصابهم عطش كثير، فانتهوا إلى مكان يقال له أجيرة، فجعلوا يفصدون دم الظبي ويشربونه من العطش، حتى أنفد دمه، فذبحوه، ثم تفرّقوا في طلب الحطب، ونام مالك في الخباء، فأثار أصحابه شجاعا، فانساب حتى دخل خباء مالك، فأقبلوا فقالوا: يا مالك، عندك الشجاع فاقتله، فاستيقظ مالك وقال: أقسمت عليكم إلّا كففتم عنه! فكفّوا. فانساب الشجاع فذهب، فأنشأ مالك يقول:
وأوصاني الحريم بعزّ جاري، ... وأمنعه، وليس به امتناع
وأدفع ضيمه، وأذود عنه ... وأمنعه، إذا امتنع المناع
فدى لكم أبي، عنه تنحّوا ... لأمر ما استجار بي الشّجاع
ولا تتحمّلوا دم مستجير ... تضمّنه أجيرة، فالتّلاع
فإنّ لما ترون خفيّ أمر ... له، من دون أمركم، قناع
ثم ارتحلوا، وقد أجهدهم العطش، فإذا هاتف يهتف بهم، يقول:
يا أيّها القوم! لا ماء أمامكم، ... حتى تسوموا المطايا يومها التّعبا
ثم اعدلوا شامة، فالماء عن كثب، ... عين رواء، وماء يذهب اللّغبا
حتى إذا ما أصبتم منه ريّكم، ... فاسقوا المطايا، ومنه فاملأوا القربا
قال: فعدلوا شامة فإذا هم بعين خرّارة، فشربوا وسقوا إبلهم، وحملوا منه في قربهم. ثم أتوا عكاظا، فقضوا إربهم، ورجعوا فانتهوا إلى موضع العين، فلم يروا شيئا، وإذا بهاتف يقول:
يا مال عنّي، جزاك الله صالحة، ... هذا وداع لكم منّي، وتسليم
لا تزهدن في اصطناع العرف عن أحد، ... إن الذي يحرم المعروف محروم
أنا الشجاع، الذي أنجيت من رهق ... شكرت ذلك، إنّ الشّكر مقسوم
من يفعل الخير لا يعدم مغبّته ... ما عاش، والكفر بعد العرف مذموم

الرّسالة

الرّسالة:
[في الانكليزية] Missive ،epistle ،essay ،message
[ في الفرنسية] Missive ،epitre ،essai ،message
في الأصل الكلام الذي أرسل إلى الغير.
وخصّت في اصطلاح العلماء بالكلام المشتمل على قواعد علمية. والفرق بينها وبين الكتاب على ما هو المشهور إنّما هو بحسب الكمال والنقصان والزيادة والنقصان. فالكتاب هو الكامل في الفن والرسالة غير الكامل فيه، كذا ذكر الچلپي في حاشية الخيالي. ويستعمل في الشريعة بمعنى بعث الله تعالى إنسانا إلى الخلق بشريعة سواء أمر بتبليغها أو لا، ويساوقها النّبوّة. وقد تخصّ الرّسالة بالتبليغ أو بنزول جبرئيل عليه السلام أو بكتاب أو بشريعة جديدة أو بعدم كونه مأمورا بمتابعة شريعة من قبله من الأنبياء. وبالجملة فالرّسول بالفتح إمّا مرادف للنبي وهو إنسان بعثه الله تعالى بشريعة سواء أمر بتبليغها أم لا، وإليه ذهب جماعة. وإمّا أخصّ منه كما ذهب إليه جماعة أخرى. واختلفوا في وجه كونه أخصّ. فقيل لأنّ الرّسول مختصّ بالمأمور بالتبليغ إلى الخلق بخلاف النبي. وقيل لأنه مختصّ بنزول جبرئيل عليه السلام بالوحي.
وقيل لأنّه مختصّ بشريعة خاصة بمعنى أنّه ليس مأمورا بمتابعة شريعة من قبله. وقيل لأنّه مختصّ بكتاب هكذا يستفاد من العلمي حاشية شرح هداية الحكمة وبعض شروح مختصر الأصول. وقال بعضهم إنّ الرّسول أعمّ وفسّره بأنّ الرّسول إنسان أو ملك مبعوث بخلاف النبي فإنّه مختص بالإنسان، كذا ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في بحث خبر الرسول. وفي أسرار الفاتحة: النبي هو الذي يرى في المنام والرّسول هو الذي يسمع صوت جبرئيل عليه السلام ولا يراه، والمرسل هو الذي يسمع صوته ويراه انتهى. والمفهوم من مجمع السلوك عدم الفرق بين الرّسول والمرسل حيث قال: المرسل عند البعض ثلاثمائة وثلاثة عشر وعند البعض ثمانية عشر وأولو العزم منهم ستة نفر: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين انتهى. ولا شك في إطلاق الرسل عليهم أيضا.
والفرق بين الرسول والمرسل عند الكرّامية يذكر في لفظ المشبهة. وفي فتح المبين شرح الأربعين للنووي: الرسول إنسان حرّ ذكر من بني آدم يوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه، سواء كان له كتاب أنزل عليه ليبلغه ناسخا لشرع من قبله أو غير ناسخ له، أو أنزل على من قبله وأمر بدعوة الناس إليه أم لم يكن له ذلك، بأن أمر بتبليغ الموحى إليه من غير كتاب. ولذلك كثرت الرسل إذ هم ثلاثمائة وثلاثة عشر وقلّت الكتب إذ هي التوراة والإنجيل والزّبور وصحف آدم وشيث وإدريس وإبراهيم. وهو أخص من النبي فإنّه إنسان حر ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه.
وقال ابن عبد السلام بتفضيل النّبوّة لتعلّقها بالحقّ على الرّسالة لتعلّقها بالخلق. وردّ بأنّ الرّسالة فيها التعلّقان كما هو ظاهر، والكلام في نبوّة الرّسول مع رسالته، وإلّا فالرسول أفضل من النبي قطعا. وليس من الجنّ رسول عن الله عند جماهير العلماء انتهى. وكذا من غير الحرّ، وكذا من النساء على ما يشعر به قوله حرّ ذكر، وكذا الحال في النبي في الكل. وبعضهم على أنّ من الجنّ رسلا كما مرّ في لفظ الجن.
وبعضهم على أنّ مريم أمّ عيسى عليه السلام من الأنبياء كما ذكر المولوي عبد الحكيم في حاشية الفوائد الضيائية. وفي اصطلاح الفقه وهو الذي أمره المرسل بأداء الرّسالة في عقد من العقود أو في أمر آخر كتسليم المبيع وقبض الثمن في البيع أو أخذ المبيع وأداء الثّمن في الشراء.
وصورة الإرسال في البيع أن يرسل البائع شخصا فيقول: بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم فاذهب إليه فقل مني له هذا. فهو لا يضيف العقد إلى نفسه ولا يرجع حقوق العقد إليه، بل إذا جاء إلى المرسل إليه يقول: قال لك فلان بعت هذا منك الخ فإذا قال المرسل إليه في مجلس البلوغ اشتريته منه تمّ البيع فلا يملك القبض والتسليم إذا كان رسولا في البيع، ولا يكون خصما حتى لا يردّ بالعيب، إذا كان رسولا في الشراء، ولا يردّ عليه إذا كان رسولا في البيع، ولا يقبل بينة الأداء أو الإبراء إذا كان رسولا في قبض الثّمن أو في الدين لأنّ الرسول معبر وسفير لنقل كلامه إليه، فلا يملك شيئا. وإنّما إليه تبليغ الرسالة لا غير، بخلاف الوكيل في البيع والشراء وأمثالهما فإنّه لا يجب عليه إضافة العقد إلى موكله، بل لو أضاف العقد إلى نفسه وقال: بعت منك هذا الشيء بكذا يجوز ويرجع حقوق العقد إليه، ويكون خصما فيما للموكّل وفيما عليه من الأمور التي تتعلّق بالفعل المأمور به، هكذا في العناية والكفاية.

أَجأ

أَجأ:
بوزن فعل، بالتحريك، مهموز مقصور، والنسب إليه أجئيّ بوزن أجعيّ: وهو علم مرتجل لاسم رجل سمّي الجبل به، كما نذكره، ويجوز أن يكون منقولا.
ومعناه الفرار، كما حكاه ابن الأعرابي، يقال: أجأ الرجل إذا فرّ، وقال الزمخشري: أجأ وسلمى جبلان عن يسار سميراء، وقد رأيتهما، شاهقان. ولم يقل عن يسار القاصد إلى مكة أو المنصرف عنها، وقال أبو عبيد السكوني: أجأ أحد جبلي طيّء وهو غربي فيد، وبينهما مسير ليلتين وفيه قرى كثيرة، قال:
ومنازل طيّء في الجبلين عشر ليال من دون فيد إلى أقصى أجإ، إلى القريّات من ناحية الشام، وبين المدينة والجبلين، على غير الجادّة: ثلاث مراحل. وبين الجبلين وتيماء جبال ذكرت في مواضعها من هذا الكتاب، منها دبر وغريّان وغسل. وبين كل جبلين يوم. وبين الجبلين وفدك ليلة. وبينهما وبين خيبر خمس ليال. وذكر العلماء بأخبار العرب أن أجأ سمّي باسم رجل وسمّي سلمى باسم امرأة. وكان من خبرهما أن رجلا من العماليق يقال له أجأ بن عبد الحيّ، عشق امرأة من قومه، يقال لها سلمى. وكانت لها حاضنة يقال لها العوجاء. وكانا يجتمعان في منزلها
حتى نذر بهما إخوة سلمى، وهم الغميم والمضلّ وفدك وفائد والحدثان وزوجها. فخافت سلمى وهربت هي وأجأ والعوجاء، وتبعهم زوجها وإخوتها فلحقوا سلمى على الجبل المسمى سلمى، فقتلوها هناك، فسمّي الجبل باسمها. ولحقوا العوجاء على هضبة بين الجبلين، فقتلوها هناك، فسمّي المكان بها. ولحقوا أجأ بالجبل المسمّى بأجإ، فقتلوه فيه، فسمّي به.
وأنفوا أن يرجعوا إلى قومهم، فسار كل واحد إلى مكان فأقام به فسمي ذلك المكان باسمه، قال عبيد الله الفقير إليه: وهذا أحد ما استدللنا به على بطلان ما ذكره النحويّون من أن أجأ مؤنثة غير مصروفة، لأنه جبل مذكّر، سمّي باسم رجل، وهو مذكر.
وكأنّ غاية ما التزموا به قول امرئ القيس:
أبت أجأ أن تسلم العام جارها، ... فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
وهذا لا حجّة لهم فيه، لأن الجبل بنفسه لا يسلم أحدا، إنما يمنع من فيه من الرجال. فالمراد: أبت قبائل أجإ، أو سكّان أجإ، وما أشبهه، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، يدلّ على ذلك عجز البيت، وهو قوله:
فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
والجبل نفسه لا يقاتل، والمقاتلة مفاعلة ولا تكون من واحد، ووقف على هذا من كلامنا نحويّ من أصدقائنا وأراد الاحتجاج والانتصار لقولهم، فكان غاية ما قاله: أن المقاتلة في التذكير والتأنيث مع الظاهر وأنت تراه قال: أبت أجأ. فالتأنيث لهذا الظاهر ولا يجوز أن يكون للقبائل المحذوفة بزعمك، فقلت له: هذا خلاف لكلام العرب، ألا ترى إلى قول حسان بن ثابت:
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى، يصفّق بالرحيق السّلسل
لم يرو أحد قط يصفّق إلا بالياء آخر الحروف لأنه يريد يصفّق ماء بردى، فرده إلى المحذوف وهو الماء، ولم يردّه إلى الظاهر، وهو بردى. ولو كان الأمر على ما ذكرت، لقال: تصفّق، لأن بردى مؤنث لم يجيء على وزنه مذكّر قط. وقد جاء الردّ على المحذوف تارة، وعلى الظاهر أخرى، في قول الله، عز وجل: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون، ألا تراه قال: فجاءها فردّ على الظاهر، وهو القرية، ثم قال: أو هم قائلون فردّ على أهل القرية وهو محذوف، وهذا ظاهر، لا إشكال فيه. وبعد فليس هنا ما يتأوّل به التأنيث، إلا أن يقال: إنه أراد البقعة فيصير من باب التّحكّم، لأن تأويله بالمذكّر ضروريّ، لأنه جبل، والجبل مذكّر، وإنه سمي باسم رجل بإجماع كما ذكرنا، وكما نذكره بعد في رواية أخرى، وهو مكان وموضع ومنزل وموطن ومحلّ ومسكن. ولو سألت كل عربيّ عن أجإ لم يقل إلا أنه جبل، ولم يقل بقعة. ولا مستند إذا للقائل بتأنيثه البتة. ومع هذا فإنني إلى هذه الغاية لم أقف للعرب على شعر جاء فيه ذكر أجإ غير مصروف، مع كثرة استعمالهم لترك صرف ما ينصرف في الشعر، حتى إن أكثر النحويين قد رجّحوا أقوال الكوفيّين في هذه المسألة، وأنا أورد في ذلك من أشعارهم ما بلغني منها، البيت الذي احتجّوا به وقد مرّ، وهو قول امرئ القيس: أبت أجأ، ومنها قول عارق الطائي:
ومن مبلغ عمرو بن هند رسالة، ... إذا استحقبتها العيس تنضى من البعد
أيوعدني، والرمل بيني وبينه! تأمّل رويدا ما أمامة من هند ومن أجإ حولي رعان، كأنها قنابل خيل من كميت ومن ورد
قال العيزار بن الأخفش الطائي، وكان خارجيا:
ألا حيّ رسم الدّار أصبح باليا، ... وحيّ، وإن شاب القذال، الغوانيا
تحمّلن من سلمى فوجّهن بالضّحى ... إلى أجإ، يقطعن بيدا مهاويا
وقال زيد بن مهلهل الطائي:
جلبنا الخيل من أجإ وسلمى، ... تخبّ نزائعا خبب الرّكاب
جلبنا كلّ طرف أعوجيّ، ... وسلهبة كخافية الغراب
نسوف للحزام بمرفقيها، ... شنون الصّلب صمّاء الكعاب
وقال لبيد يصف كتيبة النّعمان:
أوت للشباح، واهتدت بصليلها ... كتائب خضر ليس فيهنّ ناكل
كأركان سلمى، إذ بدت أو كأنّها ... ذرى أجإ، إذ لاح فيه مواسل
فقال فيه ولم يقل فيها، ومواسل قنّة في أجإ، وأنشد قاسم بن ثابت لبعض الأعراب:
إلى نضد من عبد شمس، كأنهم ... هضاب أجا أركانه لم تقصّف
قلامسة ساسوا الأمور، فأحكموا ... سياستها حتى أقرّت لمردف
وهذا، كما تراه، مذكّر مصروف، لا تأويل فيه لتأنيثه.
فإنه لو أنّث لقال: أركانها، فإن قيل هذا لا حجّة فيه لأن الوزن يقوم بالتأنيث، قيل قول امرئ القيس أيضا، لا يجوز لكم الاحتجاج به لأن الوزن يقوم بالتذكير، فيقول: أبى أجأ لكنّا صدّقناكم فاحتججنا، ولا تأويل فيها، وقول الحيص بيص:
أجأ وسلمى أم بلاد الزاب، ... وأبو المظفّر أم غضــنفر غاب
ثم إني وقفت بعد ما سطرته آنفا، على جامع شعر امرئ القيس، وقد نصّ الأصمعي على ما قلته، وهو: أن اجأ موضع، وهو أحد جبلي طيّء، والآخر سلمى. وإنما أراد أهل أجإ، كقول الله، عزّ وجل:
واسأل القرية، يريد أهل القرية، هذا لفظه بعينه. ثم وقفت على نسخة أخرى من جامع شعره، قيل فيه:
أرى أجأ لن يسلم العام جاره
ثم قال في تفسير الرواية الأولى: والمعنى أصحاب الجبل لم يسلموا جارهم. وقال أبو العرماس: حدثني أبو محمد أنّ أجأ سمّي برجل كان يقال له أجأ، وسمّيت سلمى بامرأة كان يقال لها سلمى، وكانا يلتقيان عند العوجاء، وهو جبل بين أجإ وسلمى، فسمّيت هذه الجبال بأسمائهم. ألا تراه قال: سمي أجأ برجل وسميت سلمى بامرأة، فأنّث المؤنث وذكّر المذكّر. وهذا إن شاء الله كاف في قطع حجاج من خالف وأراد الانتصار بالتقليد. وقد جاء أجا مقصورا غير مهموز في الشعر، وقد تقدّم له شاهد في البيتين اللذين على الفاء، قال العجّاج:
والأمر ما رامقته ملهوجا ... يضويك ما لم يج منه منضجا
فإن تصر ليلى بسلمى أو أجا، ... أو باللوى أو ذي حسا أو يأججا
وأما سبب نزول طيّء الجبلين، واختصاصهم بسكناهما دون غيرهم من العرب، فقد اختلفت الرّواة فيه. قال ابن الكلبي، وجماعة سواه: لما تفرق بنو سبا أيام سيل العرم سار جابر وحرملة ابنا أدد بن زيد بن الهميسع قلت: لا أعرف جابرا وحرملة وفوق كل ذي علم عليم، وتبعهما ابن أخيهما طيّء، واسمه جلهمة، قلت: وهذا أيضا لا أعرفه، لأن طيّئا عند ابن الكلبي، هو جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. والحكاية عنه، وكان أبو عبيدة، قال زيد بن الهميسع: فساروا نحو تهامة وكانوا فيما بينها وبين اليمن، ثم وقع بين طيّء وعمومته ملاحاة ففارقهم وسار نحو الحجاز بأهله وماله وتتبّع مواقع القطر، فسمّي طيّئا لطيّه المنازل، وقيل إنه سمّي طيّئا لغير ذلك، وأوغل طيّء بأرض الحجاز، وكان له بعير يشرد في كل سنة عن إبله، ويغيب ثلاثة أشهر، ثم يعود إليه وقد عبل وسمن وآثار الخضرة بادية في شدقيه، فقال لابنه عمرو: تفقّد يا بنيّ هذا البعير فإذا شرد فاتبع أثره حتى تنظر إلى أين ينتهي. فلما كانت أيام الربيع وشرد البعير تبعه على ناقة له فلم يزل يقفر أثره حتى صار إلى جبل طيء، فأقام هنالك ونظر عمرو إلى بلاد واسعة كثيرة المياه والشجر والنخيل والريف، فرجع إلى أبيه وأخبره بذلك فسار طيء بإبله وولده حتى نزل الجبلين فرآهما أرضا لها شأن، ورأى فيها شيخا عظيما، جسيما، مديد القامة، على خلق العاديّين ومعه امرأة على خلقه يقال لها سلمى، وهي امرأته وقد اقتسما الجبلين بينهما بنصفين، فأجأ في أحد النصفين وسلمى في الآخر، فسألهما طيء عن أمرهما، فقال الشيخ: نحن من بقايا صحار غنينا بهذين الجبلين عصرا بعد عصر، أفنانا كرّ الليل والنهار، فقال له طيء:
هل لك في مشاركتي إياك في هذا المكان فأكون لك مؤنسا وخلّا؟ فقال الشيخ: إنّ لي في ذلك رأيا فأقم فإن المكان واسع، والشجر يانع، والماء طاهر، والكلأ غامر. فأقام معه طيء بإبله وولده بالجبلين، فلم يلبث الشيخ والعجوز إلا قليلا حتى هلكا وخلص المكان لطي فولده به إلى هذه الغاية.
قالوا: وسألت العجوز طيّئا ممّن هو، فقال طيء:
إنّا من القوم اليمانيّينا ... إن كنت عن ذلك تسألينا
وقد ضربنا في البلاد حينا ... ثمّت أقبلنا مهاجرينا
إذ سامنا الضّيم بنو أبينا ... وقد وقعنا اليوم فيما شينا
ريفا وماء واسعا معينا
ويقال إن لغة طيء هي لغة هذا الشيخ الصّحاري والعجوز امرأته. وقال أبو المنذر هشام بن محمد في كتاب افتراق العرب: لما خرجت طيء من أرضهم من الشحر ونزلوا بالجبلين، أجإ وسلمى، ولم يكن بهما أحد وإذا التمر قد غطّى كرانيف النخل، فزعموا أن الجنّ كانت تلقّح لهم النخل في ذلك الزمان، وكان في ذلك التمر خنافس، فأقبلوا يأكلون التمر والخنافس، فجعل بعضهم يقول: ويلكم الميّث أطيب من الحيّ. وقال أبو محمد الأعرابي أكتبنا أبو الندى قال: بينما طيء ذات يوم جالس مع ولده بالجبلين إذ أقبل رجل من بقايا جديس، ممتدّ القامة، عاري الجبلّة، كاد يسدّ الأفق طولا، ويفرعهم باعا، وإذا هو الأسود بن غفار بن الصّبور الجديسي،
وكان قد نجا من حسّان تبّع اليمامة ولحق بالجبلين، فقال لطي: من أدخلكم بلادي وإرثي عن آبائي؟
اخرجوا عنها وإلا فعلت وفعلت. فقال طيء:
البلاد بلادنا وملكنا وفي أيدينا، وإنما ادّعيتها حيث وجدتها خلاء. فقال الأسود: اضربوا بيننا وبينكم وقتا نقتتل فيه فأيّنا غلب استحقّ البلد. فاتّعدا لوقت، فقال طيء لجندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيء وأمّه جديلة بنت سبيع بن عمرو ابن حمير وبها يعرفون، وهم جديلة طيء، وكان طيء لها مؤثرا، فقال لجندب: قاتل عن مكرمتك.
فقالت أمه: والله لتتركنّ بنيك وتعرضنّ ابني للقتل! فقال طيء: ويحك إنما خصصته بذلك.
فأبت، فقال طيء لعمرو بن الغوث بن طيء:
فعليك يا عمرو الرجل فقاتله. فقال عمرو: لا أفعل، وأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر في طيء بعد طيء:
يا طيء أخبرني، ولست بكاذب، ... وأخوك صادقك الذي لا يكذب
أمن القضيّة أن، إذا استغنيتم ... وأمنتم، فأنا البعيد الأجنب
وإذا الشدائد بالشدائد مرّة، ... أشجتكم، فأنا الحبيب الأقرب
عجبا لتلك قضيّتي، وإقامتي ... فيكم، على تلك القضيّة، أعجب
ألكم معا طيب البلاد ورعيها، ... ولي الثّماد ورعيهنّ المجدب
وإذا تكون كريهة أدعى لها، ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هذا لعمركم الصّغار بعينه، ... لا أمّ لي، إن كان ذاك، ولا أب
فقال طيء: يا بنيّ إنها أكرم دار في العرب. فقال عمرو: لن أفعل إلا على شرط أن لا يكون لبني جديلة في الجبلين نصيب. فقال له طيء: لك شرطك.
فأقبل الأسود بن غفار الجديسي للميعاد ومعه قوس من حديد ونشّاب من حديد فقال: يا عمرو إن شئت صارعتك وإن شئت ناضلتك وإلا سايفتك.
فقال عمرو: الصّراع أحبّ إليّ فاكسر قوسك لأكسرها أيضا ونصطرع. وكانت لعمرو بن الغوث ابن طيء قوس موصولة بزرافين إذا شاء شدّها وإذا شاء خلعها، فأهوى بها عمرو فانفتحت عن الزرافين واعترض الأسود بقوسه ونشّابه فكسرها، فلما رأى عمرو ذلك أخذ قوسه فركّبها وأوترها وناداه: يا أسود استعن بقوسك فالرمي أحبّ إليّ. فقال الأسود: خدعتني. فقال عمرو: الحرب خدعة، فصارت مثلا، فرماه عمرو ففلق قلبه وخلص الجبلان لطي، فنزلهما بنو الغوث، ونزلت جديلة السهل منهما لذلك. قال عبيد الله الفقير إليه:
في هذا الخبر نظر من وجوه، منها أن جندبا هو الرابع من ولد طيء فكيف يكون رجلا يصلح لمثل هذا الأمر؟ ثم الشعر الذي أنشده وزعم أنه لعمرو ابن الغوث، وقد رواه أبو اليقظان وأحمد بن يحيى ثعلب وغيرهما من الرّواة الثقات لهانىء بن أحمر الكناني شاعر جاهليّ. ثم كيف تكون القوس حديدا وهي لا تنفذ السّهم إلّا برجوعها؟ والحديد إذا اعوجّ لا يرجع البتّة. ثم كيف يصحّ في العقل أن قوسا بزرافين؟
هذا بعيد في العقل إلى غير ذلك من النظر. وقد روى بعض أهل السير من خبر الأسود بن غفار ما هو أقرب إلى القبول من هذا، وهو أنّ الأسود لما أفلت
من حسّان تبّع، كما نذكره إن شاء الله تعالى في خبر اليمامة، أفضى به الهرب حتى لحق بالجبلين قبل أن ينزلهما طيء، وكانت طيء تنزل الجوف من أرض اليمن، وهي اليوم محلّة همدان ومراد، وكان سيّدهم يومئذ أسامة بن لؤي بن الغوث بن طيء وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم فجعل ينتابهم بعير في زمن الخريف يضرب في إبلهم، ولا يدرون أين يذهب، إلا أنهم لا يرونه إلى قابل، وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام سيل العرم فاستوحشت طيء لذلك وقالت: قد ظعن إخواننا وساروا إلى الأرياف، فلما همّوا بالظعن، قالوا لأسامة: إن هذا البعير الذي يأتينا إنما يأتينا من بلد ريف وخصب وإنا لنرى في بعره النّوى، فلو إنا نتعهده عند انصرافه فشخصنا معه لعلنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا. فلما كان الخريف جاء البعير فضرب في إبلهم، فلما انصرف تبعه أسامة بن لؤي بن الغوث وحبّة بن الحارث بن فطرة بن طيء فجعلا يسيران بسير الجمل وينزلان بنزوله، حتى أدخلهما باب أجإ، فوقفا من الخصب والخير على ما أعجبهما، فرجعا إلى قومهما فأخبراهم به فارتحلت طيء بجملتها إلى الجبلين، وجعل أسامة بن لؤي يقول:
اجعل ظريبا كحبيب ينسى، ... لكلّ قوم مصبح وممسى
وظريب اسم الموضع الذي كانوا ينزلون فيه قبل الجبلين، قال فهجمت طيء على النخل بالشّعاب على مواش كثيرة، وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب وهو الأسود بن غفار، فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوّفوه، فنزلوا ناحية من الأرض فاستبرؤوها فلم يروا بها أحدا غيره. فقال أسامة بن لؤي لابن له يقال له الغوث: يا بنيّ إن قومك قد عرفوا فضلك في الجلد والبأس والرّمي، فاكفنا أمر هذا الرجل، فإن كفيتنا أمره فقد سدت قومك آخر الدهر، وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد. فانطلق الغوث حتى أتى الرجل، فسأله، فعجب الأسود من صغر خلق الغوث، فقال له:
من أين أقبلتم؟ فقال له: من اليمن. وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه، وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه وصغرهم عنه، فأخبرهم باسمه ونسبه. ثم شغله الغوث ورماه بسهم فقتله، وأقامت طيء بالجبلين وهم بهما إلى الآن. وأما أسامة بن لؤي وابنه الغوث هذا فدرجا ولا عقب لهما.

المخيّلات

المخيّلات:
[في الانكليزية] Imaginated propositions ،suggestions
[ في الفرنسية] Propositions imaginees ،suggestions
بفتح الياء المشدّدة عند المنطقيين هي القضايا التي يخيل بها فتتأثّر النفس قبضا أو بسطا فتــنفر أو ترغب، سواء كانت مسلّمة أو غير مسلّمة، صادقة أو كاذبة. وأسباب التخييل كثيرة، بعضها يتعلّق باللفظ وبعضها بالمعنى وبعضها بغير ذلك، كما إذا قيل الخمر ياقوتية سيّالة انبسطت النفس ورغبت في شربها. وإذا قيل العسل مرة مهوعة انقبضت وتــنفرت عنه كذا في شرح الشمسية. 

بلجر

بلجر
: (بَلَنْجَرُ، كغَضَــنْفَر) ، أَهملَه الجوهريُّ، وَقَالَ الصغانِيُّ: هُوَ (د، بالخَزَرِ خَلْفَ بابِ الأَبوابِ) ، أَي داخِلَه، قيل: نُسِبَ إِلى بَلَنْجَرَ بنِ يافِث.
(وأَحمدُ بن عُبَيْدِ بنِ ناصِحِ بنِ بَلَنْجَرَ: محدِّثٌ نحويٌّ) لَهُ ذِكْرٌ فِي شَرْح ديوانِ المفضَّل الضَّبِّيِّ.

اليمامة

اليمامة:
منقول عن اسم طائر يقال له اليمام واحدته يمامة، واختلف فيه فقال الكسائيّ: اليمام من الحمام التي تكون في البيوت والحمام البري، وقال الأصمعي:
اليمام ضرب من الحمام بريّ، وأما الحمام فكل ما كان ذا طوق مثل القمري والفاختة، ويجوز أن يكون من أمّ يؤمّ إذا قصد ثم غيّر لأن الحمام يقصد مساكنه في جميع حالاته، والله أعلم، وقال المرّار الفقعسي:
إذا خفّ ماء المزن فيها تيمّمت ... يمامتها أيّ العداد تروم
وقال بعضهم: يمامة كلّ شيء قطنه، يقال: الحق بيمامتك، وهذا مبلغ اجتهادنا في اشتقاقه ثم وجدت ابن الأنباري قال: هو مأخوذ من اليمم واليمم طائر، قال: ويجوز أن يكون فعالة من يمّمت الشيء إذا
تعمدته، ويجوز أن يكون من الأمام من قولك:
زيد أمامك أي قدامك فأبدلت الهمزة ياء وأدخلت الهاء لأن العرب تقول: أمامة وأمام، قال أبو القاسم الزجاجي: هذا الوجه الأخير غير مستقيم أن يكون يمامة من أمام وأبدلت الهمزة ياء لأنه ليس بمعروف إبدال الهمزة إذا كانت أولا ياء، وأما الذي حكي أن اليمم طائر فإنما هو اليمام، حكى الأصمعي أن العرب تسمي هذه الدواجن التي في البيوت التي يسميها الناس حماما اليمام واحدتها يمامة، قال: والحمام عند العرب ذات أطواق كالقماريّ والقطا والفواخت، واليمامة في الإقليم الثاني، طولها من جهة المغرب إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها من جهة الجنوب إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، وفي كتاب العزيزي: إنها في الإقليم الثالث، وعرضها خمس وثلاثون درجة، وكان فتحها وقتل مسيلمة الكذاب في أيام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، سنة 12 للهجرة وفتحها أمير المسلمين خالد ابن الوليد عنوة ثم صولحوا، وبين اليمامة والبحرين عشرة أيام، وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر، وتسمى اليمامة جوّا والعروض، بفتح العين، وكان اسمها قديما جوّا فسميت اليمامة باليمامة بنت سهم بن طسم، قال أهل السير: كانت منازل طسم وجديس اليمامة وكانت تدعى جوّا وما حولها إلى البحرين ومنازل عاد الأولى الأحقاف، وهو الرمل ما بين عمان إلى الشحر إلى حضرموت إلى عدن أبين، وكانت منازل عبيل يثرب ومساكن أميم برمل عالج، وهي أرض وبار، ومساكن جرهم بتهائم اليمن ثم لحقوا بمكة ونزلوا على إسماعيل، عليه السّلام، فنشأ معهم وتزوج منهم كما ذكرنا في مكة، وكانت منازل العماليق موضع صنعاء اليوم ثم خرجوا فنزلوا حول مكة ولحقت طائفة منهم بالشام وبمصر وتفرقت طائفة منهم في جزيرة العرب إلى العراق والبحرين إلى عمان، وقيل: إن فراعنة مصر كانوا من العماليق كان منهم فرعون إبراهيم، عليه السّلام، واسمه سنان ابن علوان، وفرعون يوسف، عليه السّلام، واسمه الريّان بن الوليد، وفرعون موسى، عليه السّلام، واسمه الوليد بن مصعب، وكان ملك الحجاز رجلا من العماليق يقال له الأرقم، وكان الضحاك المعروف عند العجم ببيوراسف من العماليق غلب على ملك العجم بالعراق وهو فيما بين موسى وداود، عليه السّلام، وكان منزله بقرية يقال لها ترس، ويقال إنه من الأزد، ويقال إن طسما وجديسا هما من ولد الأزد ابن إرم بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السّلام، أقاموا باليمامة وهي كانت تسمى جوّا والقرية وكثروا بها وربلوا حتى ملك عليهم ملك من طسم يقال له عمليق ابن هباش بن هيلس بن ملادس بن هركوس بن طسم وكان جبارا ظلوما غشوما، وكانت اليمامة أحسن بلاد الله أرضا وأكثرها خيرا وشجرا ونخلا، قالوا:
وتنازع رجل يقال له قابس وامرأته هزيلة جديسيّان في مولود لهما أراد أبوه أخذه فأبت أمه فارتفعا إلى الملك عمليق فقالت المرأة: أيها الملك هذا ابني حملته تسعا، ووضعته رفعا، وأرضعته شبعا، ولم أنل منه نفعا، حتى إذا تمت أوصاله، واستوفى فصاله، أراد بعلي أن يأخذه كرها، ويتركني ولهى، فقال الرجل: أيها الملك أعطيتها المهر كاملا، ولم أصب منها طائلا، إلا ولدا خاملا، فافعل ما كنت فاعلا، على أنني حملته قبل أن تحمله، وكفلت أمه قبل أن تكفله، فقالت: أيها الملك حمله خفّا وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها! فلما رأى عمليق متانة حجتهما تحير فلم يدر بم يحكم فأمر بالغلام أن
يقبض منهما وأن يجعل في غلمانه وقال للمرأة:
أبغيه ولدا، وأجزيه صفدا، ولا تنكحي بعد أحدا، فقالت: أما النكاح فبالمهر، وأما السفاح فبالقهر، وما لي فيهما من أمر، فأمر عمليق بالزوج والمرأة أن يباعا ويردّ على زوجها خمس ثمنها ويرد على المرأة عشر ثمن زوجها، فاسترقّا، فقالت هزيلة:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا، ... فأظهر حكما في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورّعا، ... ولا كنت فيما يلزم الحكم حاكما
ندمت ولم أندم، وأنّى بعترتي، ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فبلغت أبياتها إلى عمليق فأمر أن لا تزوج بكر من جديس حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يفترعها قبل زوجها، فلقوا من ذلك ذلّا حتى تزوجت امرأة من جديس يقال لها عفيرة بنت غفار أخت سيد جديس أي الأسود بن غفار وكان جلدا فاتكا، فلما كانت ليلة الإهداء خرجت والبنات حولها لتحمل إلى عمليق وهنّ يضربن بمعازفهنّ ويقلن:
ابدي بعمليق وقومي فاركبي، ... وبادري الصبح بأمر معجب
فسوف تلقين الذي لم تطلبي، ... وما لبكر دونه من مهرب
ثم أدخلت على عمليق فافترعها، وقيل: انها امتنعت عليه وكانت أيّدة فخاف العار فوجأها بحديدة في قبلها فأدماها فخرجت وقد تقاصرت عليها نفسها فشقت ثوبها من خلفها ودماؤها تسيل على قدميها فمرّت بأخيها وهو في جمع من قومه وهي تبكي وتقول:
لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس؟
يرضى بهذا الفعل قطّ الحرّ ... هذا وقد أعطى وسيق المهر
لأخذه الموت كذا لنفسه ... خير من أن يفعل ذا بعرسه
فأغضب ذلك أخاها فأخذ بيدها ورفعها إلى نادي قومها وهي تقول:
أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد الرمل؟
أيجمل تمشي في الدماء فتاتكم ... صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل؟
فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تغبّ من الكحل
ودونكم ثوب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل
فلو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنّا لا نقرّ على الذلّ
فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم، ... وكونوا كنار شبّ بالحطب الجزل
وإلّا فخلّوا بطنها وتحمّلوا ... إلى بلد قفر وهزل من الهزل
فللموت خير من مقام على أذى، ... وللهزل خير من مقام على ثكل
فدبّوا إليهم بالصوارم والقنا ... وكلّ حسام محدث العهد بالصقل
ولا تجزعوا للحرب قومي فإنما ... يقوم رجال للرجال على رجل
فيهلك فيها كل وغل مواكل، ... ويسلم فيها ذو الجلادة والفضل
فلما سمعت جديس منها ذلك امتلأوا غضبا ونكّسوا حياء وخجلا فقال أخوها الأسود: يا قوم أطيعوني فإنه عز الدهر فليس القوم بأعز منكم ولا أجلد ولولا تواكلنا لما أطعناهم وإن فينا لمنعة، فقال له قومه:
أشر بما ترى فنحن لك تابعون ولما تدعونا إليه مسارعون إلا أنك تعلم أن القوم أكثر منا عددا ونخاف أن لا نقوم لهم عند المنابذة، فقال لهم: قد رأيت أن أصنع للملك طعاما ثم أدعوه وقومه فإذا جاءونا قمت أنا إلى الملك وقتلته وقام كل واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم يفرغ منه فإذا فرغنا من الأعيان لم يبق للباقين قوة، فنهتهم أخت الأسود بن غفار عن الغدر وقالت: نافروهم فلعل الله أن ينصركم عليهم لظلمهم بكم، فعصوها، فقالت:
لا تغدرنّ فإن الغدر منقصة، ... وكل عيب يرى عيبا وإن صغرا
إني أخاف عليكم مثل تلك غدا، ... وفي الأمور تدابير لمن نظرا
حشّوا شعيرا لهم فينا مناهدة، ... فكلكم باسل أرجو له الظفرا
شتّان باغ علينا غير موتئد ... يغشى الظّلامة لن تبقي ولن تذرا
فأجابها أخوها الأسود وقال:
إنّا لعمرك لا نبدي مناهدة ... نخاف منها صروف الدهر إن ظفرا
اني زعيم لطسم حين تحضرنا ... عند الطعام بضرب يهتك القصرا
وصنع الأسود الطعام وأكثر وأمر قومه أن يدفن كل واحد منهم سيفه تحته في الرمل مشهورا، وجاء الملك في قومه فلما جلسوا للأكل وثب الأسود على الملك فقتله ووثب قومه على رجال طسم حتى أبادوا أشرافهم ثم قتلوا باقيهم، وقال الأسود بن غفار عند ذلك:
ذوقي ببغيك يا طسم مجلّلة، ... فقد أتيت لعمري أعجب العجب
إنا أنفنا فلم ننفكّ نقتلهم، ... والبغي هيّج منا سورة الغضب
فلن تعودوا لبغي بعدها أبدا، ... لكن تكونوا بلا أنف ولا ذنب
فلو رعيتم لنا قربى مؤكّدة ... كنّا الأقارب في الأرحام والنسب
وقال جديلة بن المشمخرّ الجديسي وكان من سادات جديس:
لقد نهيت أخا طسم وقلت له: ... لا يذهبنّ بك الأهواء والمرح
واخش العواقب، إنّ الظلم مهلكة، ... وكلّ فرحة ظلم عندها ترح
فما أطاع لنا أمرا فنعذره، ... وذو النصيحة عند الأمر ينتصح
فلم يزل ذاك ينمي من فعالهم ... حتى استعادوا لأمر الغي فافتضحوا
فباد آخرهم من عند أولهم، ... ولم يكن لهم رشد ولا فلح
فنحن بعدهم في الحقّ نفعله ... نسقي الغبوق إذا شئنا ونصطبح
فليت طسما على ما كان إذ فسدوا ... كانوا بعافية من بعد ذا صلحوا
إذا لكنّا لهم عزّا وممنعة ... فينا مقاول تسمو للعلى رجح
وهرب رجل من طسم يقال له رياح بن مرة حتى لحق بتبّع قيل أسعد تبان بن كليكرب بن تبع الأكبر ابن الأقرن بن شمر يرعش بن أفريقس، وقيل: بل لحق بحسان بن تبع الحميري وكان بنجران، وقيل:
بالحرم من مكة، فاستغاث به وقال: نحن عبيدك ورعيتك وقد اعتدى علينا جديس، ثم رفع عقيرته ينشده:
أجبني إلى قوم دعوك لغدرهم ... إلى قتلهم فيها عليهم لك العذر
دعونا وكنّا آمنين لغدرهم، ... فأهلكنا غدر يشاب به مكر
وقالوا: اشهدونا مؤنسين لتنعموا ... ونقضي حقوقا من جوار له حجر
فلما انتهينا للمجالس كلّلوا ... كما كللت أسد مجوّعة خزر
فإنك لم تسمع بيوم ولن ترى ... كيوم أباد الحيّ طسما به المكر
أتيناهم في أزرنا ونعالنا، ... علينا الملاء الخضر والحلل الحمر
فصرنا لحوما بالعراء وطعمة ... تنازعنا ذئب الرّثيمة والنّمر
فدونك قوم ليس لله منهم ... ولا لهم منه حجاب ولا ستر
فأجابه إلى سواله ووعده بنصره ثم رأى منه تباطؤا فقال:
إني طلبت لأوتاري ومظلمتي ... يا آل حسّان يال العزّ والكرم
المنعمين إذا ما نعمة ذكرت، ... الواصلين بلا قربى ولا رحم
وعند حسّان نصر إن ظفرت به ... منه يمين ورأي غير مقتسم
إني أتيتك كيما أن تكون لنا ... حصنا حصينا ووردا غير مزدحم
فارحم أيامى وأيتاما بمهلكة، ... يا خير ماش على ساق وذي قدم
إني رأيت جديسا ليس يمنعها ... من المحارم ما يخشى من النّقم
فسر بخيلك تظفر إن قتلتهم ... تشفي الصدور من الأضرار والسقم
لا تزهدنّ فإنّ القوم عندهم ... مثل النعاج تراعي زاهر السّلم
ومقربات خناذيذ مسوّمة ... تعشي العيون وأصناف من النعم
قال: فسار تبع في جيوشه حتى قرب من جوّ، فلما
كان على مقدار ليلة منها عند جبل هناك قال رياح الطسمي: توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوّجة في جديس يقال لها يمامة وهي أبصر خلق الله على بعد فإنها ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة وإني أخاف أن ترانا وتنذر بنا القوم، فأقام تبع في ذلك الجبل وأمر رجلا أن يصعد الجبل فينظر ماذا يرى، فلما صعد الجبل دخل في رجله شوكة فأكبّ على رجله يستخرجها فأبصرته اليمامة وكانت زرقاء العين فقالت:
يا قوم إني أرى على الجبل الفلاني رجلا وما أظنه إلّا عينا فاحذروه! فقالوا لها: ما يصنع؟ فقالت: إما يخصف نعلا أو ينهش كتفا، فكذّبوها، ثمّ إنّ رياحا قال للملك: مر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ويستتروا بها ليشبهوا على اليمامة وليسيروا كذلك ليلا، فقال تبع: أوفي الليل تبصر مثل النهار؟ قال: نعم أيها الملك بصرها بالليل أنفذ، فأمر تبع أصحابه بذلك فقطعوا الشجر وأخذ كل رجل بيده غصنا حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا نظرت اليمامة فقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشّجراء أو جاءتكم أوائل خيل حمير، فكذبوها فصبحتهم حمير فهرب الأسود بن غفار في نفر من قومه ومعه أخته فلحق بجبلي طيّء فنزل هناك، فيقال إن له هناك بقية، وفي شرح هذه القصة يقول الأعشى:
إذا أبصرت نظرة ليست بفاحشة ... إذا رفّع الآل رأس الكلب فارتفعا
قالت: أرى رجلا في كفه كتف، ... أو يخصف النعل، لهفا أيّة صنعا!
فكذّبوها بما قالت فصبّحهم ... ذو آل حسّان يزجي السّمر والسّلعا
فاستنزلوا آل جوّ من منازلهم، ... وهدّموا شاخص البنيان فاتضعا
ولما نزل بجديس ما نزل قالت لهم زرقاء اليمامة:
كيف رأيتم قولي؟ وأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم، ... فليس ما قد أرى م الأمر يحتقر
إني أرى شجرا من خلفها بشر، ... لأمر اجتمع الأقوام والشجر
وهي من أبيات ركيكة، وفتح تبّع حصون اليمامة وامتنع عليه الحصن الذي كانت فيه زرقاء اليمامة فصابره تبّع حتى افتتحه وقبض على زرقاء اليمامة وعلى صاحب الحصن وكان اسمه لا يكلم ثم قال لليمامة: ماذا رأيت وكيف أنذرت قومك بنا؟ فقالت: رأيت رجلا عليه مسح أسود وهو ينكبّ على شيء فأخبرتهم أنه ينهش كتفا أو يخصف نعلا، فقال تبّع للرجل: ماذا صنعت حين صعدت الجبل؟ فقال: انقطع شراك نعلي ودخلت شوكة في رجلي فعالجت إصلاحها بفمي وعالجت نعلي بيدي، قال: فأمر تبّع بقلع عينيها وقال: أحب أن أرى الذي أرى لها هذا النظر، فلما قلع عينيها وجد عروقهما كلها محشوة بالإثمد، قالوا:
وكان قال لها أنّى لك حدّة البصر هذه؟ قالت: إني كنت آخذ حجرا أسود فأدقّه وأكتحل به فكان يقوّي بصري، فيقال إنها أول من اكتحل بالإثمد من العرب، قالوا: ولما قلع عينيها أمر بصلبها على باب جوّ وأن تسمى باسمها فسميت باسمها إلى الآن، وقال تبع يذكر ذلك:
وسمّيت جوّا باليمامة بعد ما ... تركت عيونا باليمامة همّلا
نزعت بها عيني فتاة بصيرة ... رغاما ولم أحفل بذلك محفلا
تركت جديسا كالحصيد مطرّحا، ... وسقت نساء القوم سوقا معجّلا
أدنت جديسا دين طسم بفعلها، ... ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا
وقلت: خذيها يا جديس بأختها، ... وأنت لعمري كنت للظلم أولا!
فلا تدع جوّ ما بقيت باسمها، ... ولكنها تدعى اليمامة مقبلا
قالوا: وخربت اليمامة من يومئذ لأن تبّعا قتل أهلها وسار عنها ولم يخلّف بها أحدا فلم تزل على ذلك حتى كان من حديث عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدّؤل بن حنيفة ما ذكرته في حجر، وممن ينسب إلى اليمامة جبير بن الحسن من أهل اليمامة قدم الشام ورأى عمر بن عبد العزيز وسمع رجاء بن حيوة ويعلى بن شدّاد بن أوس وعطاء ونافعا وعون بن عبد الله بن عتبة والحسن البصري، وروى عنه الأوزاعي وأبو إسحاق الفزاري ويحيى بن حمزة وعبد الصمد بن عبد الأعلى السلامي وعكرمة بن عمّار وخالد بن عبد الرحمن الخراساني وعلي بن الجعد، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين عن جبير فقال: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: لا أرى بحديثه بأسا، قال النسائي: هو ضعيف.

أَبد

أَبد
: ( {الأَبَدُ، محرَّكَةً: الدَّهْرُ) مُطلقاً، وقِيل: هُوَ الدَّهرُ الطَّويلُ الّذي لَيْسَ بمحدودٍ. (ج} آبَادٌ {وأُبُودٌ) ، ونقلَ الشِّهاب عَن الرَّاغب أَنّ (آباد) مُوَلَّد لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب.
(و) الأَبَدُ (: الدَّائم) . يُقَال} أَبَدٌ {آبِدٌ} وأَبِيدً، أَي دائمٌ. (و) الأَبَدُ (: القَدِيمُ الأَزَليُّ) . وَقَالُوا فِي المثَل: (طَالَ الأَبَدُ على لُبَد) يُضْرَبُ لكلّ مَا قَدُمَ. قَالَ الرَّاغب فِي الْمُفْردَات: الأَبَدُ، بِالتَّحْرِيكِ، عبارةٌ عَن مدّة الزّمانِ الممتَدّ الّذي لَا يَتجزّأُ كَمَا يتجزَّأُ الزَّمَان، وذالك أَنّه يُقَال زَمانُ كَذَا، وَلَا يُقَال أَبدُ كَذَا. وَكَانَ حقُّه أَن لَا يُثنَّى وَلَا يِجْمَع، إِذْ لَا يُتَصوّر حُصولُ أَبد آخر يُضَمّ إِليه فيُثنَّى، ولاكن قدْ قيل: آبادٌ، وذالك على حَسبِ تَخصيصِه ببعْصِ مَا يَتناولُه، كتَخصِيص اسْم الجِنْسِ فِي بعْضِه ثمّ يثنى ويُجمع، على أَنّه ذَكَرَ بعضُ النّاس أَن (آباد) مُولّد وَلَيْسَ من كَلَام العربِ العَرْباءِ.
(و) الأَبَدُ: (الوَلَد الّذي أَتَتْ عَلَيْهِ سَنَةٌ) .
(و) قَوْلهم: (لَا آتِيهِ أَبَدَ {الأَبَدِيَّةِ وأَبَدَ} الآبِدِينَ) ، بالمدّ، (وأَبَدَ الأَبَدِينَ، كأَرضِينَ) وهاذه عَن الصّاغانيّ، وَلَيْسَ على النَّسب، لأَنّه لَو كَانَ كذالك لكانُوا خُلَقَاءَ أَن يَقُولُوا الأَبَدِيِّينَ. قَالَ ابْن سِيده: وَلم نَسمعه. قَالَ: وَعِنْدِي أَنّه جمْع الأَبَدِ، بِالْوَاو وَالنُّون على التَّشنيع والتَّعظيم، كَمَا قَالُوا أَرَضونَ ( {وأَبَدَ} الأَبَدِ، محرّكةً، {وأَبَدَ} الأَبِيدِ، وأَبَدَ الآبادِ) ، وَفِي شرْح شَيخنَا: قَالُوا: وَقد يضافُ المُفرد لجمْعه للمبالغَة، كأَنّه ثابتٌ فِي غَيره بالنِّسبة إِليه، كأَبَدِ الآبادِ وأَزَلِ الآزالِ، كَذَا نقلَ من خطّ السَّيف الأَبهريّ. وَفِي شرْح الخلاطيّ أَنَّ ذِكْر الآبادِ تأْكيد، كَذَا بخطّ الشِّهَاب. (وأَبَدَ الدَّهْرِ، {وأَبِيدَ الأَبِيدِ، بِمَعْنى) ، أَي هاذه التَّراكيبُ كلُّهَا بمعنَى تأَكيد دَوامِ الأَمرِ الَّذِي أَتَى بِهِ.
وَفِي حَدِيث الحَجِّ: (قَالَ سُرَاقةُ بن مالكٍ: أَرأَيْت مُتْهَتنا هاذه أَلِعامِنَا أَمْ} للأَبَدِ، فَقَالَ: بل هِيَ للأَبَد) وَفِي رِوَايَة (أَمْ لأَبَدٍ؟ فَقَالَ: بل هِيَ لأَبد {أَبدٍ) وَفِي أُخرَى (بلْ} لأَبدِ الأَبَدِ) أَي هِيَ لآخرِ الدّهر.
وأَبَدٌ أَبيدٌ كَقَوْلِهِم: دَهرٌ دَهيرٌ.
( {والأَوابِدُ: الوُحُوشُ) ، الذَّكرُ} آبِدٌ والأُنثَى {آبِدةٌ، سُمِّيَت بذالك لبقائها على الأَبد. وَقَالَ الآصمعيّ (لأَنَّها لم تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) قطّ، إِنّمَا مَوتُها عَن آفَةٍ، وكذالك الحَيّةُ، فِيمَا زَعَمُوا، (} كالأُبَّدِ) ، بضمّ فتشديد، {والأُبُودُ كالأَوابِد. قَالَ سَاعِدَة بن جؤية:
أَرَى الدّهْرَ لَا يَبقَى على حَدَثَانِه
} أُبُودٌ بأَطْرَافِ المَنَاعَة جَلْعَدُ
(و) من الْمجَاز: جاءَ فُلانٌ! بآبِدةٍ، أَي داهِيَة يَبقَى ذِكْرُهَا على الأَبَد، وَجَمعهَا الأَوابِد، وَهِي (الدَّوَاهِي، و) الأَوابِد أَيضاً (القَوَافِي الشُّرَّدُ) ، مَجاز. قَالَ الفرزدق:
لن تُدرِكُوا كَرَمِي بلُؤْمِ أَبيكمُ
{- وأَوابدِي بتَنحُّلِ الأَشعارِ
(وأَبِدَ) عَلَيْهِ، (كفَرِحَ: غَضِبَ) كعَبِدَ وأَمِدَ، ووَمِدَ، ووَبِدَ، أَبَداً وعَبَداً وأَمَداً ووَمَداً ووَبَداً.
(و) } أَبِدَ البَهِيمُ {يَأَبَد} أُبُوداً، {وتأَبّدَ} تأَبُّداً: (تَوَحَّشَ) . والتّأَبُّد: التّوحُّشُ، وَكَذَلِكَ أَبِدَ الرّجلُ، بِالْكَسْرِ: تَوحّشَ، فَهُوَ أَبِدٌ.
(وأَتَانٌ) {أَبِدٌ. فِي كلِّ عامٍ تلِد، عَن ابْن شُميل. (و) قَالَ أَبو مَنْصُور: (أَمَةٌ} إِبدٌ، كإِبلٍ) ، مسموعان. (و) عَن أَبي مالِكٍ. ناقةٌ {أَبِدُ مثْل (كَتِفٍ. و) رُوِيَ إِبْدٌ مثْل (قِنْوٍ) قَالَ، الأَزهريّ: وأَحسبهما لُغتين، أَي (وَلُودٌ) ، قَالَ ابنُ شُميل. وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب فِعِلٌ إِلاَّ إِبِدٌ وإِبِلٌ ونِكِحٌ وخِطِبٌ، إِلأ أَن يَتكلَّف متكلِّف فيَبنِيَ على هاذه الأَحْرف مالم يُسمعْ عَن الْعَرَب. قَالَ أَبو مَنْصُور: إِبِدٌ وإِبِلٌ ممسوعانِ، وأَمّا نِكِحٌ خِطِبٌ فَمَا سَمِعتُهمَا وَلَا حَفظتهما من ثقةٍ، ولاكن يُقَال: نِكْحٌ وخِطْب.
(} والإِبِدُ، بكسرتين) الجَوارِح من المَال. وَهِي (والأَمَةُ) والفرسُ الأُثنَى (والأَتَانُ المتَوحِّشَة) يَسكُنَّ البيداءَ يِنْتَجْن فِي كلّ عامٍ. وَقَالُوا: لن يَبلغَ الجَدّ النَّكِد، إِلاّ الإِبِد، فِي كلِّ عامٍ تَلِد.
( {والإِبِدَانِ: الأَمَةُ والفَرَسُ) الأُنثَى، لأَنَّهما تأْتِيانِ كلَّ عامٍ بولَدٍ (و) . قَالَ أَبو مَالك: (ناقةٌ} إِبِدَةٌ: وَلُودٌ) وَقد رُويَ بفتْح الهمزةِ أَيضاً.
(! والأَبْيَدُ) كحَيْدَرٍ: (نَبَاتٌ) مثْل زَرْع الشَّعير سوَاءً، وَله سُنْبلة كسُنْبُلة الدُّخْنَةِ، فِيهَا حَبٌّ صِغارٌ أَصغَرُ من الخَرْدَل أُصيْفِرُ، وهِي مَسمَنَةٌ لِلْمَالِ جِدًّا، عَن أَبي حنيفَة.
( {وأُبَّدَةُ، كقُبَّرةٍ: د، بالأَندلُس) وصَرَّح الْحَافِظ ابنُ حَجر كالحافظ الذَّهبيّ وَغَيرهمَا بأَنّ دَال أُبَّدة مُعْجمَة، وصَرَّحَ بِهِ البدْر الدّمامينيّ فِي حَواشِي المغنِى. قلت: وَفِي لُبّ اللُّباب والتكملة إِهمال الدَّال كَمَا للمصنّف.
(} ومَأَبِدٌ كمَسجدٍ: ع) بالسَّرَاة، وَهُوَ جَبَلٌ، (وغلِطَ الجَوهريُّ فَذكره فِي ميد) ، وَقد سَبقَه فِي هاذا التغليط الصّاغانيّ فِي التكملة، وَقد ضبط بالتحتيّة على مَا ذَهبَ إِليه الجوهريّ فِي (المعجم) وَفِي (المراصد) ، فَلَا غلطَ كَمَا هُوَ ظاهرٌ، (وتَصحَّفَ عَلَيْهِ فِي الشِّعر الَّذِي أَنشَدَع أَيضاً) ، كَمَا سيأْتي إِنشاده فِي ميد، إِنْ شاءَ الله تَعَالَى، لأَبِي ذُؤَيب الهُذليّ. وَقد يُقَال: قد رُوِيَ بهما، فَلَا غَلَطَ وَلَا وَهَمَ.
(و) أَبِدَ الرَّجلُ و (تَأَبَّدَ: تَوحَّشَ. و) {تأَبَّد (المَنْزِلُ: أَقْفَرَ) وأَلِفَتْه الُحُوشُ. (و) تأَبَّدَ (الوَجْهُ: كَلِفَ) ونَمِشَ. (و) تأَبَّدَ (الرَّجلُ: طالتْ غُرْبَتُه) ، وَفِي نُسخة: عُزْبَته، بالعَيْن الْمُهْملَة والزّاي، وَهُوَ الصَّوَاب، (وقَلَّ أَرَبُهُ) ، أَي حاجتُه (فِي النِّساءِ) ، وَلَيْسَ بتصحيف تأَبَّلَ، قَالَه الصّاغانيّ.
(} وأَبَدَت البَهيمةُ {تَأْبِدُ) ، بِالْكَسْرِ، (} وتَأْبُدُ) ، بالضّمّ (: تَوَحَّشَت) ، وَكَذَا {تأَبَّدَتْ. (و) } أَبَدَ (بالمَكَانِ {يَأْبِدُ) ، بِالْكَسْرِ، (} أُبُوداً) ، بالضّمّ (: أَقامَ) بِهِ وَلم يَبرَحْهُ. {وأَبَدْت بِهِ} آبُدُ {أُبُوداً، كَذَلِك (و) من المَجاز: أَبَدَ (الشَّاعرُ) يأْبِدُ أُبُوداً، إِذا (أَتَى بالعَويصِ فِي شِعرِه) وَهِي الأَوابدُ والغرائبُ (وَمَا لَا يُعرَف مَعناهُ) على بادِىءِ الرَّأَي.
و (نَاقَةٌ} مُؤبَّدة، إِذا كَانَتْ وَحْشِيَّةً مُعتاصَةً) ، من {التأَبُّد وَهُوَ التّوحُّش.
(} والتَّأَبِيد: التَّخْلِيد) ، وَيُقَال وَقَفَ فُلانٌ أَرضَه وَقْفاً {مُؤبَّداً، إِذا جعَلَها حَبيساً لاتباعُ وَلَا تُورَث.
(و) من المَجاز: جاءَ فُلانٌ} بآبِدة، أَي بأْمْر عظيمٍ تَــنفِر مِنْهُ وتَستوْحِش.
( {والآَبِدَة) : الْكَلِمَة أَو الفَعْلَةُ الغريبةُ، (والدَّاهِيَةُ يَبْقَى ذِكرُهَا} أَبداً) ، أَي على الأَبدِ.
وَمِمَّا يسْتَدرك عَلَيْهِ:
{الأَوابِدُ، للطَّيْر المقِيمةِ بِأَرْضٍ شِتَاءَهَا وَصَيْفَهَا، من أَبَدَ بِالْمَكَانِ} يأَبِد فَهُوَ آبِدٌ. فإِذا كَانَت تَقْطَع فِي أَوْقاتها فَهِيَ قَوَاطِعُ. والايوابِدُ ضِدُّ القواطِعِ من الطّيْر.
وَقَالَ عُبَيْد بن عُمير: الدُّنيَا أَمَد، والآخرةُ أَبَد.
{وأَبِيدَةُ: كسَفينة: مَوضعٌ بَين تِهامةَ واليمنِ. قَالَ:
فمَا} أَبِيدةُ من أَرْض فأَسكْنَهَا
وإِنْ تَجَاوَرَ فِيهَا الماءُ والشَّجَرُ

سسب

سسب



سَاسَبٌ and ↓ سَيْسَبٌ, (M, K,) i. q. سَبْسَبٌ, with two ب s, (L, TA,) the second of which is commonly pronounced سِيسب, and by some سيسم, (TA,) A kind of tree, (M, K,) a kind of lofty tree, (TA,) of which arrows are made, (M, K, TA,) and bows. (TA.) In the saying of Rubeh, ↓ رَاحَتْ وَرَاحَ كَعِصِىِّ السَّيْسَابٌ [She went, and he went, like the rods of the seysáb, (of which see another reading voce سَبْسَبٌ, in art. سب,) meaning, like arrows], it may be that السيساب is a dial. var. of السَّيْسَب, or it may be that the ا is added for the sake of the rhyme like as it is in العَقْرَاب in a verse cited in art. عقرب. (M. [Accord. to the K and TA, ↓ السَّيْسَاب is used by Ru-beh for السَّيْسَبَان: but this is evidently a mistake.]) سَيْسَبٌ: see the preceding paragraph: b2: and see also سَيْسَبَانٌ.

سَيْسَبَا, and سَيْسَبَى, and سَيْسَبًى, and سَيْسَبَآءُ: see the paragraph that next follows.

سَيْسَبَانٌ and ↓ سَيْسَبَى, (K,) or the former and ↓ سَيْسَبَآءُ, which is mentioned by Th, (M,) A kind of tree; (M, K;) accord. to AHn, it grows from its seeds, and becomes tall, but does not endure the winter; it has leaves like those of the دِفْلَى [q. v.], beautiful; people sow it in the gardens, desiring its beauty; and it has a produce like the oblong pericarps (خَرَائِط) of sesame, but thinner: (M, TA:) AHn adds that, when its pericarps dry, it makes a rustling sound (a sound such as is termed خَشْخَشَة) [in the wind], like the [species of cassia called] عِشْرِق: (TA:) [the sesbania Aegytiaca of Persoon; æschynomene sesban of Linn.; (Delile, Flor. Aegypt. Illustr., no. 682;) dolichos sesban of Forskål (in his Flora Aegypt. Arab, p. lxx., no. 362):] AHn further says, وَحَكَى الفَرَّآءُ فِيهِ سَيْسَبًا: (M, TA:) [this may perhaps mean that Fr has mentioned, as a var. of this word, ↓ سَيْسَبٌ, as it is in the accus. case: but I think that the right reading is ↓ سَيْسَبًى, and also سَيْسَبَى, (which last has been mentioned above on the authority of the K,) for it is immediately added in the TA, “it is masc. and fem.,” app. indicating that it is with, and without, tenween: then it is there further and strangely added, “it is brought from India: ”] a rájiz uses the form ↓ السَّيْسَبَا, at the end of a verse, for السَّيْسَبَانَ, necessarily eliding [the ن for the sake of the rhyme]. (M, TA.) سَيْسَابٌ: see the first paragraph, in two places.
سسب
: ( {السَّيْسَبَان) أَهمله الجوهريّ. وَقَالَ أَبو حنيفَة فِي كِتَابِ النَّبَاتِ: هُوَ (شَجَر) يَنْبُتُ من حَبِّه ويَطُولُ وَلَا يَبْقَى عَلَى الشِّتاءِ، لَهُ وَرَقٌ نَحْوُ وَرَقِ الدِّفْلَى حَسَن، والنَّاسُ يَزْرَعُونَه فِي الْبَسَاتِين يُرِيدُون حُسنَه، وَله ثَمرٌ نحوُ خَرَائِطِ السِّمْسِم إِلَّا أَنَّها أَدَقُّ. وَذكره سِيبَوَيْهِ فِي الأَبْنِيَة، وأَنْشَد أَبُو حَنِيفَة يَصِفُ أَنَّه إِذَا جَفَّت خَرَائِط ثَمَره خَشْخَش كالعِشْرِقِ قَالَ:
كَأَنَّ صَوْتَ رَأْلِهَا إِذَا جَفَلْ
ضَرْبُ الرِّياحِ} سَيْسَبَاناً قَدْ ذَبَلْ
( {كالسَّيْسَبَى) عَن ثَعْلَب، وعَزَاه الصَّاغَانِيّ للفَرَّاء، ومنْه قَوْلُ الرَّاجِزِ:
وَقد أُنَاغِي الرَّشَأَ المُرَبَّبَا
يَهْتَزُّ مَتْنَاهَا إِذَا مَا اضْطَرَبَا
كَهَز نَشْوَانٍ قَضيِبَ} السَّيْسَبَا
إِنا أَرَادَ السَّيْسَبَان فحذَفَ. إِمَّا أَنَّه لُغَةٌ أَو للِضَّرورَةِ. (وَجعله رؤبَةُ) بْن العَجَّاج (فِي الشِّعْر {سَيْسَاباً) وَهُو قَوْلُه:
رَاحَت وَرَاحَ كَعِصِيِّ} السَّيْسَابُ
مُسْحَــنْفِرَ الوِرْد عَنِيفَ الأَقْرَابُ
يُحْتَمل أَن يَكُونَ لُغَةً فِيهِ أَو زَادَ الأَلِف للقَافِيَة، كَمَا قَالَ الآخر:
أَعُوذُ بِاللَّه مِن العَقْرَابِ
الشَّائِلَاتِ عَقَدَ الأْذْنَابِ
قَالَ: الشائلات، فوصف بِهِ العَقْرَب وهُوَ وَاحِدٌ لأَنَّه على الجِنْسِ. وَذكره ابْن مَنْظُور فِي سَبَب بالبَاءَين المُوَحَّدَتَيْن وَهُوَ وَهَم. ( {والسَّاسَبُ) : شجر تتَّخذ مِنْهُ السِّهَامُ، يُذكَّر يُؤَنَّث يُؤْتَى بِهِ من بِلَاد الهِنْد. (و) رُبمَا قَالُوا (} السَّيْسَبُ) أَي بالفَتْح، والمَشْهُور على أَلْسِنَة من سَمِعْتُ مِنْهم بالكَسْر. وَمِنْهُم من يقلب الباءَ مِيماً، وَهُوَ (شَجَرٌ) شَاهِقٌ (يُتَّخَذُ مِنْهَا) القِسِيّ و (السِّهَام) وأَنشد) . طَلْقٌ عِتْقٌ مِثْلُ عُودِ السَّيْسَبِ

النّفس

النّفس:
[في الانكليزية] Blood ،diversion
[ في الفرنسية] Sang ،divertissement
بفتحتين في اللغة الفارسية دم. وفي اصطلاح الصّوفية هو التّرويح عن القلب بمطالب الغيوب النّازلة من حضرة المحبوب تبارك وتعالى. كذا في لطائف اللغات.
النّفس:
[في الانكليزية] Soul ،spirit ،water
[ في الفرنسية] Ame ،eau ،espri
بالفتح وسكون الفاء عند أهل الرمل اسم للجماعة وأهل الرّمل يسمّون النفس والنفس الكلّية: الجماعة. ويطلقون النفس على عنصر الماء. والماء الأول هو النفس الأولى كما يقولون. والماء الثاني هو النفس الثانية. إذا فالماء هو عتبة داخل النفس السّابقة. وقد مرّ ذلك في جدول أدوار الطالب والمطلوب بالتفصيل من دائرة أبدح وسكن. والنفس يطلق عند الحكماء بالاشتراك اللفظي على الجوهر المفارق عن المادة في ذاته دون فعله، وهو على قسمين: نفس فلكية ونفس إنسانية، وعلى ما ليس بمجرّد بل قوة مادية وهو على قسمين أيضا نفس نباتية ونفس حيوانية، هكذا يستفاد من تهذيب الكلام ويجعل النفس الأرضية اسما للنفس النباتية والحيوانية والإنسانية، والنفس الفلكية تسمّى بالنفس السماوية أيضا.
فالنفس النباتية كمال أول لجسم طبيعي آليّ من حيث يتولّد ويتغذّى وينمو، فالكمال جنس بمعنى ما يتمّ به الشيء وقد سبق في محلّه، وبقيد أول خرج الكمالات الثانية كالعلم والقدرة وغيرها من توابع الكمال الأول، وبقيد الجسم خرج كمالات المجرّدات وبقيد طبيعي خرج صور الجسم الصناعي كصور السرير والكرسي وبقيد آليّ خرج صور العناصر إذ لا يصدر عنها أفعال بواسطة الآلات، وكذا الصور المعدنية.
فالآلي صفة الكمال أي كمال أول آليّ، أي ذو آلة. ويجوز جرّه على أنّه صفة لجسم أي جسم مشتمل على الآلة بأن يكون له آلات مختلفة يصدر عنها هذه الأفعال من التغذية والتنمية وتوليد المثل وهذا أظهر لعدم الفصل بين الصفة والموصوف على التقديرين، فليس المراد بالآلي أنّ الجسم ذو أجزاء متخالفة فقط بل يكون أيضا ذا قوى مختلفة كالغاذية والنامية، فإنّ آلات النفس بالذات هي القوى وبتوسطها الأعضاء. وقيل الأولى أن لا يراد بالطبيعي ما يقابل الصناعي فقط بل يراد به ما يقابل الجسم التعليمي والصناعي معا لئلّا يفتقر إلى إخراج الكمال الأول للجسم التعليمي إلى قيد آخر.
ومنهم من رفع طبيعيا صفة للكمال احترازا عن الكمال الصناعي فإنّ الكمال الأول قد يكون صناعيا يحصل بصنع الحيوان كما في السرير والصندوق ووكر الطير وقد يكون طبيعيا لا مدخل لصنعه فيه، لكن الظاهر حينئذ أن يقال كمال أول طبيعي لجسم آليّ الخ. وبقيد الحيثية خرج كلّ كمال لا يلحق من هاتين الحيثيتين كالنفس الحيوانية والانسانية والفلكية. اعلم أنّهم اختلفوا فذهب بعضهم إلى أنّ الشيء إذا صار حيوانا تكون نفسه النباتية باقية فيه وتلك الأفعال صادرة عنها لا عن النفس الحيوانية والأفعال الحيوانية من الحسّ والحركة الإرادية صادرة عن النفس الحيوانية. والمحقّقون على أنّ الأفعال المذكورة في النفس النباتية صادرة في الحيوان عن النفس الحيوانية وتبطل النفس النباتية عند فيضان النفس الحيوانية، فعلى هذا بعض أفعال النفس الحيوانية بالاختيار وبعضها بلا اختيار، ولا يخفى ما فيه من التأمّل. فعلى المذهب الأول لا حاجة إلى زيادة قيد فقط وعلى المذهب الثاني لا بد من زيادته. ولذا قال البعض هي كمال أول لجسم طبيعي آليّ من جهة ما يتولّد ويزيد ويغتذي فقط، والحصر إضافي بالنسبة إلى ما يحسّ ويتحرّك بالإرادة، فلا يرد أنّ أفعال النفس النباتية غير منحصرة فيما ذكر، بل لا بد مع ذلك أيضا من جهة ما يتصوّر ويجذب ويضم ويمسك ويدفع. لكن بقي هاهنا بحث من وجوه: الأول أنّ التعريف صادق على صورة النطفة التي بها تصير سببا للتغذية والتنمية، وكذا على الصورة اللحمية والعظمية وغيرها مع أنه لا يقال لها نفس نباتية وإلّا يلزم أن تكون هذه الأشياء نباتا. والجواب أنّ عدم إطلاق النفس النباتية عليها إنّما هو في عرف العام وأمّا في عرف الخاص فيجوز إطلاقها عليها وإطلاق النبات على تلك الأجسام أيضا جائز اصطلاحا. الثاني أنّه صادق على الصور النوعية للبسائط الموجودة في المركّبات النباتية.
والجواب أنّ تلك الصور ليست كمالات أولية بالنسبة إلى المركّبات إذ الكمال الأول ما يتمّ به النوع في ذاته بأن يكون سببا قريبا لحصول النوع وجزءا أخيرا له، وما هو بمنزلته، وتلك الصور ليست كذلك بالنسبة إلى المركّبات.
الثالث أنّه يكفي أن يقال كمال أول من حيث يتغذّى وينمو ويتولّد بل يكفي أن يقال كمال من حيث ينمو وباقي القيود مستدرك إذ الكمال الثاني وكمال الجسم الصناعي وغير الآلي ليس من جهة ما ينمو. والجواب أنّ قيود التعريف قد تكون للاحتراز وقد تكون للتحقيق وبعض هذه القيود للاحتراز وبعضها للتحقيق. والنفس الحيوانية كمال أول لجسم طبيعي آليّ من جهة ما يدرك الجزئيات الجسمانية ويتحرّك بالإرادة والقيد الأخير لإخراج النفس النباتية والإنسانية والفلكية. أقول والمراد أن يكون منشأ تمييز ذلك الكمال عن الكمالات الأخر هو هذين الأمرين أعني إدراك الجزئيات الجسمانية والحركة الإرادية لا غير فينطبق التعريف على المذهبين المذكورين. ولا يرد ما قيل من أنّه إن أريد الآلي من جهة هذين الأمرين فقط فلا يصدق التعريف على النفس الحيوانية على مذهب المحقّقين لأنّها آليّة من جهة الأفعال النباتية أيضا، وإن أريد الآلي من جهتهما مطلقا فينتقض التعريف بالنفس الناطقة. وأورد عليه أنّه غير جامع لعدم صدقه على النفس الحيوانية في الإنسان لأنّها ليست مدركة عند المحقّقين بل المدرك للكلّيات والجزئيات مطلقا هو النفس الناطقة. وأجيب بأنّ المراد بالمدرك أعمّ من أن يكون مدركا بالحقيقة أو يكون وسيلة للإدراك والنفس الحيوانية وسيلة لإدراك النفس الناطقة للجزئيات الجسمانية، ولا يرد القوى المدركة الظاهرة والباطنة لأنّ هذه القوى ليست من قبيل الكمال الأول لأنّها كما مرّ عبارة عن الجزء الأخير للنوع أو ما هو بمنزلته. والنفس الإنسانية وتسمّى بالنفس الناطقة والروح أيضا كمال أول لجسم طبيعي آليّ من جهة ما يدرك الأمور الكلّية والجزئية المجرّدة ويفعل الأفعال الفكرية والحدسية، وقد سبق أنّ المراد بالكمال الأول ما يتمّ به النوع في ذاته بأن يكون سببا قريبا لتحقّقه وجزءا أخيرا له وما هو بمنزلته، والنفس الناطقة بالنسبة إلى بدن الإنسان من قبيل الثاني. ثم قولهم كمال أول لجسم طبيعي آليّ مشترك بين النفوس الثلاثة وباقي القيود في التعريفات لإخراج بعضها عن بعض. وأمّا النفوس الفلكية فخارجة عن هذا لأنّ السماويات لا تفعل بواسطة الآلات على ما هو المشهور من أنّ لكلّ فلك من الخارج المركز والحوامل والتداوير والممثلات نفسا على حدة على سبيل الاستقلال، وأمّا على رأي من يقول إنّ الكواكب والتداوير والخارج المركز هي الأعضاء والآلات للنفس المدبّرة للفلك الكلّي فالنفوس للأفلاك الكلّية فقط فداخلة فيه، إلّا أنّه لا يشتمل القدر المذكور لنفس الفلك الأعظم عندهم أيضا. فاخراجها عن تعريف النفس النباتية على رأيهم بقيد الحيثية المذكورة في تعريف النفس النباتية، وعن تعريف النفس الناطقة بقيد وبفعل الأفعال الفكرية. وأمّا إخراجها عن تعريف النفس الحيوانية فبقيد ما يدرك الجزئيات الجسمانية لأنّ النفوس الفلكية مجرّدة والمجرّد لا يدرك الجزئي المادي.
والنفس الفلكية كمال أول لجسم طبيعي ذي إدراك وحركة دائمين يتبعان تعقلا كلّيا حاصلا بالفعل وهذا مبني على المذهب المشهور، وعليك بالتأمّل فيما سبق حتى يحصل تعريف النفس الفلكية على المذهب الغير المشهور أيضا. اعلم أنّهم قالوا إنّ النفس الفلكية مجرّدة عن المادة وتوابعها مدركة للكلّيات والجزئيات المجرّدة، وقالوا حركات الأفلاك إرادية، وكلّ ما يصدر عنه الحركة الجزئية الإرادية فيرتسم فيه الصغير والكبير، ولا شيء من المجرّدات كذلك، فليس المباشر القريب لتحريك الفلك جوهرا مجرّدا، بل لا بدّ هاهنا من قوة جسمانية أخرى فائضة عن المحرّكات العاقلة المجرّدة على أجرام الأفلاك وتسمّى تلك القوة الفائضة نفسا منطبعة ونسبتها إلى الفلك كنسبة الخيال إلينا في أنّ كلا منهما محلّ ارتسام الصورة الجزئية، إلّا أنّ الخيال مختصّ بالدماغ والنفس المنطبعة سارية في الفلك كلّه لبساطته وعدم رجحان بعض أجزائه على بعض في المحلية.
وإلى هذا ذهب الإمام الرازي. وقال المحقّق الطوسي: ذلك شيء لم يذهب إليه أحد قبله فإنّ الجسم الواحد يمتنع أن يكون ذا نفسين أعني ذا ذاتين هو آله لهما. والحقّ أنّ له نفسا مجرّدة وقوة خيالية وهذا مراد الإمام. غاية ما في الباب أنّه عبّر عن القوة الخيالية بالنفس المنطبعة، والمشّاءون على أنّ للفلك نفسا منطبعة لا غير، فإنّ الظاهر من مذهبهم أنّ المباشر لتحريك الفلك قوة جسمانية هي صورته المنطبعة في مادته وأنّ الجوهر المجرّد الذي يستكمل به نفسه عقل غير مباشر للتحريك.
والشيخ الرئيس على أنّ له نفسا مجرّدة لا غير.
وقال إنّ النفس الكلّي هي ذات إرادة عقلية وذات إرادة جزئية. وقال إنّ لكل فلك نفسا مجرّدة يفيض عنها صورة جسمانية على مادة الفلك فتقوم بها، وهي تدرك المعقولات بالذات وتدرك الجزئيات بجسم الفلك، وتحريك الفلك بواسطة تلك الصورة التي هي باعتبار تحريكاته كالخيال بالنسبة إلى نفوسنا وأبداننا، فإنّ المدرك حقيقة هو النفس والخيال آلة وواسطة لإدراكه، فالمباشر على هذا هو النفس إلّا أنّها بواسطة الآلة وتحقيقه في شرح الإشارات. ثم اعلم أنّ عدد النفوس الفلكية المحرّكة للأفلاك على المذهب المشهور هو عدد الأفلاك والكواكب جميعا، وعلى المذهب الغير المشهور تسعة بعدد الأفلاك الكلّية فإنّهم قالوا: كلّ كوكب منها ينزّل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة تتعلّق تلك النفس بالكوكب أولا وبأفلاكه ثانيا كما تتعلّق نفس الحيوان بقلبه أولا وبأعضائه بعد ذلك بتوسطه. وقيل لجميع الأفلاك نفس واحدة تتعلّق بالمحيط وبالباقية بالواسطة.
فائدة:
في المباحث المشرقية الشيء قد يكون له في ذاته وجوهره اسم يخصه وباعتبار إضافته إلى غيره اسم آخر كالفاعل والمنفعل والأب والابن وقد لا يكون له اسم إلّا باعتبار الإضافة كالرأس واليد والجناح، فمتى أردنا أن نعطيها حدودها من جهة أسمائها بما هي مضافة أخذنا الأشياء الخارجة عن جواهرها في حدودها لأنّها ذاتيات لها بحسب الأسماء التي لها تلك الحدود والنفس في بعض الأشياء كالإنسان قد تتجرّد عن البدن ولا تتعلّق به لكن لا يتناوله اسم النفس إلّا باعتبار تعلّقها به حتى إذا انقطع ذلك التعلّق أو قطع النظر عنه لم يتناوله اسم النفس إلّا باشتراك اللفظ، بل الاسم الخاص بها حينئذ هو العقل. فما ذكر في تعريف النفس ليس تعريفا لها من حيث ماهيتها وجوهرها بل من حيث إضافتها إلى الجسم الذي هي نفس، له إذ لفظ النفس إنّما يطلق عليها من جهة تلك الإضافة فوجب أن يؤخذ الجسم في تعريفها كما يؤخذ البناء في تعريف الباني من حيث إنّه بان وإن لم يجز أخذه في حدّه من حيث إنّه إنسان.
فائدة:
قيل إطلاق النفس على النفوس الأرضية والسماوية ليس بحسب اشتراك اللفظ فإنّ الأفعال الصادرة عن صور أنواع الأجسام منها ما يصدر من إرادة وإدراك وينقسم إلى ما يكون الفعل الصادر عنه على وتيرة واحدة كما للأفلاك، وإلى ما لا يكون على وتيرة واحدة بل على جهات مختلفة كما للإنسان والحيوانات.
ومنها ما لا يصدر عن إرادة وإدراك وينقسم إلى ما يكون على وتيرة واحدة وهي القوة السخرية كما يكون للبسائط العنصرية من الميل إلى المركز أو المحيط وإلى ما لا يكون على وتيرة واحدة بل على جهات مختلفة كما يكون للنبات والحيوان من أفاعيل القوة التي توجب الزيادة في الأقطار المختلفة والقوة السخرية خصّت باسم الطبيعة والبواقي باسم النفس وإطلاق اسم النفس عليها لا يمكن إلّا بالاشتراك لأنّه لو اقتصر على أنّها مبدأ فعل ما أو قوة يصدر منها أمر ما يصير كلّ قوة طبيعية نفسانية وليس كذلك، وإن فسرناها بأنّها التي تكون مع ذلك فاعلة بالقصد خرجت النفس النباتية وأن نفرض وقوع الأفعال على جهات مختلفة فيخرج النفس الفلكية، وكذا لا يشتمل للجميع قولهم النفس كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي ما يمكن أن يصدر عن الأحياء ولا يكون الصدور عنهم دائما بل قد يكون بالقوة لأنّه يخرج بقيد آلي النفوس الفلكية لأنّ أفعالها لا تصدر بواسطة الآلة على المذهب المشهور، وعلى المذهب الغير المشهور بالقيد الأخير لأنّ النفوس الفلكية وإن كانت كمالات أولية لأجسام طبيعية آلية على هذا المذهب لكنها ليس يصدر عنها أفاعيل الحياة بالقوة أصلا، بل يصدر منها أفاعيل الحياة كالحركة الإرادية مثلا دائما.
واعترض عليه أيضا بأنّه إن أريد بما يصدر عن الأحياء ما يتوقّف على الحياة فيخرج النفس النباتية. وإن أريد أعمّ من ذلك فإن أريد جميعها خرج النفس النباتية والحيوانية. وإن أريد بعضها دخل فيه صور البسائط والمعدنيات إذ يصدر عنها بعض ما يصدر عن الأحياء.
وأجيب بأنّ المراد البعض وصور المعدنيات والبسائط خارجة بقيد الآلي فإنّها تفعل أفعالها بلا توسّط آلة بينها وبين آثارها. هذا لكن الشيخ ذكر في الشفاء أنّ النفس اسم لمبدإ صدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة ولا خفاء في أنّه معنى شامل للنفوس كلّها على المذهبين لأنّ ما يكون مبدأ لأفاعيل موصوفة بما ذكر، إمّا أن يكون مبدأ لأفاعيل مختلفة وهو النفس الأرضية أو يكون مبدأ لأفاعيل لا على وتيرة واحدة عادمة للإرادة، بل يكون مختلفة ومع الإرادة على رأي وعلى وتيرة واحدة ومع الإرادة على الصحيح.
فائدة:
النفس لها اعتبارات ثلاثة وأسماء بحسبها، فإنّها من حيث هي مبدأ الآثار قوة وبالقياس إلى المادة التي تحملها صورة وبالقياس إلى طبيعة الجنس التي بها تتحصّل وتتكمل كمال، وتعريف النفس بالكمال أولى من الصورة إذ الصورة هي الحالة في المادة والنفس الناطقة ليست كذلك لأنّها مجرّدة فلا يتناولها اسم الصورة إلّا مجازا من حيث إنّها متعلّقة بالبدن لكنها مع تجرّدها كمال للبدن كما أنّ الملك كمال للمدينة باعتبار التدبير والتصرّف وإن لم يكن فيها وكذا تعريفها بالكمال أولى من القوة لأن القوة اسم لها من حيث هي مبدأ الآثار وهو بعض جهات المعرّف والكمال اسم لها من حيث يتمّ بها الحقيقة النوعية المستتبعة لآثارها، فتعريفها به تعريف من جميع جهاتها.
فائدة:
للنفس النباتية قوى منها مخدومة ومنها خادمة وتسمّى بالقوى الطبيعية، وكذا للنفس الحيوانية قوى وتسمّى قواها التي لا توجد في النبات نفسانية ومنها مدركة وغير مدركة، وكذا للنفس الناطقة وتسمّى قواها المختصة بها قوة عقلية. فباعتبار إدراكها للكلّيات تسمّى قوة نظرية وعقلا نظريا، وباعتبار استنباطها لها تسمّى قوة عملية وعقلا عمليا، ولكلّ من القوة النظرية والعملية مراتب سبق ذكرها في لفظ العقل.
فائدة:
النفوس الإنسانية مجرّدة أي ليست قوة جسمانية حالة في المادة ولا جسما بل هي لإمكانية لا تقبل الإشارة الحسّية وإنّما تعلّقها بالبدن تعلّق التدبير والتصرّف من غير أن تكون داخلة فيه بالجزئية أو الحلول، وهذا مذهب الفلاسفة المشهورين من المتقدمين والمتأخّرين، ووافقهم على ذلك من المسلمين الغزالي والراغب وجمع من الصوفية المكاشفة، وتعلّقها بالبدن تعلّق العاشق بالمعشوق عشقا جبلّيا لا يتمكّن العاشق بسببه من مفارقة معشوقه ما دامت مصاحبته ممكنة. ألا ترى أنّها تحبه ولا تكرهه مع طول الصحبة وتكره مفارقته، وسبب التعلّق توقّف كمالاتها ولذّاتها الحسّيتين والعقليتين على البدن، فإنّ النفس في مبدأ الفطرة عارية عن العلوم قابلة لها متمكّنة من تحصيلها بالآلات والقوى البدنية. قال تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ وهي تتعلّق بالروح الحيواني أولا أي بالجسم اللطيف البخاري المنبعث عن القلب المتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية، فيفيض من النفس على الروح قوة تسري بسريان الروح إلى أجزاء البدن وأعماقه فتثير تلك القوة في كلّ عضو من أعضاء البدن ظاهرة وباطنة قوى تليق بذلك العضو ويكمل بالقوى المثارة في ذلك العضو نفعه كل ذلك بإرادة العليم الحكيم، وخالفهم فيه جمهور المتكلمين بناء على ما تقرّر عندهم من نفي المجرّدات على الإطلاق عقولا كانت أو نفوسا.
واحتج المثبتون للتجرّد عقلا بوجوه منها أنّها تعقل المفهوم الكلّي فتكون مجرّدة لأنّ النفس إذا كانت ذا وضع كان المعنى الكلّي حالا في ذي وضع، والحال في ذي الوضع يختص بمقدار مخصوص ووضع معيّن ثابتين لمحلّه فلا يكون ذلك الحال مطابقا لكثيرين مختلفين بالمقدار والوضع، بل لا يكون مطابقا إلّا لما له ذلك المقدار والوضع فلا يكون كلّيّا، هذا خلف وردّ بأنّا لا نسلّم أنّ عاقل الكلّي محلّ له لابتنائه على الوجود الذهني، وأيضا الحال فيما له مقدار وشكل ووضع معيّن لا يلزم أن يكون متصفا به لجواز أن لا يكون الحلول سريانيا.
وأمّا نقلا فمن وجوه أيضا. الأول قوله تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ الآية، ولا شكّ أنّ البدن ميت فالحيّ شيء آخر مغاير له هو النفس. والثاني قوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا والمعروض عليها ليس البدن الميّت فإنّ تعذيب الجماد محال. والثالث قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ الآية، والبدن الميت غير راجع ولا مخاطب. والرابع قوله عليه السلام: (إذا حمل الميت على نعشه يرفرف روحه فوق النعش ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حلّه ومن غير حلّه ثم تركته لغيري) الحديث، فالمرفرف غير المرفرف فوقه. والجواب أنّ الأدلة تدلّ على المغايرة بينها وبين البدن لا على تجرّدها. واحتج النافون للتجرّد أيضا بوجوه. منها أنّ المشار إليه بأنا وهو معنى النفس يوصف بأوصاف الجسم فكيف تكون مجرّدة. وإن شئت التوضيح فارجع إلى شرح المواقف وشرح التجريد وغيرهما. ثم المنكرون للتجرّد اختلفوا في النفس الناطقة على أقوال سبقت في لفظ الروح ولفظ الإنسان ولفظ السّر.

اعلم أنّ صاحب الإنسان الكامل قال:
النفس في اصطلاح الصوفية خمسة أضرب حيوانية وأمّارة وملهمة ولوّامة ومطمئنّة وكلّها أسماء الروح إذ ليس حقيقة النفس إلّا الروح وليس حقيقة الروح إلّا الحق فافهم. فالنفس الحيوانية تسمّى بالروح باعتبار تدبيرها للبدن فقط. وأمّا الفلسفيون فالنفس الحيوانية عندهم هو الدم الجاري في العروق وليس هذا بمذهبنا.
ثم النفس الأمّارة تسمّى بها باعتبار ما يأتيها من المقتضيات الطبيعية الشهوانية للانهماك في اللذات الحيوانية وعدم المبالاة بالأوامر والنواهي. ثم النفس الملهمة تسمّى بها لاعتبار ما يلهمها الله من الخير، فكلّ ما تفعله من الخير هو بالإلهام الإلهي، وكلّ ما تفعله من الشّر هو بالاقتضاء الطبيعي وذلك الاقتضاء منها بمثابة الأمر لها بالفعل، فكأنّها هي الأمّارة لنفسها يفعل تلك المقتضيات فلذا سمّيت أمّارة، وللإلهام الإلهي سمّيت ملهمة. ثم النفس اللّوّامة سمّيت بها لاعتبار أخذها في الرجوع والإقلاع فكأنّها تلوم نفسها عن الخوض في تلك المهالك ولذا سمّيت لوّامة. ثم النفس المطمئنّة سمّيت بها لاعتبار سكونها إلى الحقّ واطمئنانها به وذلك إذا قطع الأفعال المذمومة والخواطر المذمومة مطلقا، فإنّه متى لم ينقطع عنها الخواطر المذمومة لا تسمّى مطمئنّة بل هي لوّامة، ثم إذا ظهر على جسدها الآثار الروحية من طيّ الأرض وعلم الغيب وأمثال ذلك فليس لها إلّا اسم الروح. ثم إذا انقطعت الخواطر المحمودة كما انقطعت المذمومة واتصفت بالأوصاف الإلهية وتحقّقت بالحقائق الذاتية فاسم العارف اسم معروفه وصفاته صفاته وذاته ذاته انتهى. وقال في مجمع السّلوك: النفس اللّوّامة عند بعضهم هي الكافرة التي تلوم ذاتها وتقول: يا ليتني قدّمت لحياتي. ويقول بعضهم:
هي نفس الكافر والمؤمن، لأنّه ورد في الحديث: في يوم القيامة كلّ نفس تكون لوّامة لذاتها، فالفسّاق يقولون: لماذا ارتكبنا أعمال الفسوق، والصّالحون يقولون: لماذا لم نزد من أعمال الصّلاح. انتهى. وقد سبق أيضا في لفظ الخلق.
معنى النفس الأمّارة واللّوّامة والمطمئنّة ناقلا من التلويح.
فائدة:
النفس الناطقة حادثة اتفق عليه الملّيّون إذ لا قديم عندهم إلّا الله وصفاته عند من أثبتها زائدة على ذاته، لكنهم اختلفوا في أنّها هل تحدث مع حدوث البدن أو قبله؟ فذهب بعضهم إلى أنّها تحدث معه لقوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ والمراد بالإنشاء إفاضة النفس على البدن. وقال بعضهم بل قبله لقوله عليه الصلاة والسلام: (خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام)، وغاية هذه الأدلة الظّنّ أما الآية فلجواز أن يكون المراد بالإنشاء جعل النفس متعلّقة به فيلزم حدوث تعلّقها لا حدوث ذاتها.
وأمّا الحديث فلأنّه خبر واحد فيعارضه الآية وهي مقطوعة المتن مظنونة الدلالة والحديث بالعكس، فلكلّ رجحان فيتقاومان. وأمّا الحكماء فإنّهم قد اختلفوا في حدوثها فقال به أرسطو ومن تبعه، وقال شرط حدوثها حدوث البدن، ومنعه من قبله وقالوا بقدمها. ثم القائلون بحدوثها يقولون إنّ عدد النفوس مساو لعدد الأبدان لا يزيد أحدهما على الآخر فلا تتعلّق نفس واحدة إلّا ببدن واحد وهذا بخلاف مذهب القائلين بالتناسخ.
فائدة:
اتفق القائلون بمغايرة النفس للبدن على أنّها لا تفنى بفناء البدن، أمّا عند أهل الشرع فبدلالات النصوص، وأمّا عند الحكماء فبناء على استنادها إلى القديم استقلالا أو بشرط حادث في الحدوث دون البقاء وعلى أنّها غير مادية، وكلّ ما يقبل العدم فهو مادي فالنفس لا تقبل العدم.
فائدة:
مدرك الجزئيات عند الأشاعرة هو النفس لأنها الحاكمة بها وعليها ولها السمع والإبصار، وعند الفلاسفة الحواس للقطع بأنّ الإبصار للباصرة وآفتها آفة له، والقول بأنّها لا تدرك الجزئيات إلّا بالآلات يرفع النزاع، إلّا أنّه يقتضي أن لا يبقى إدراك الجزئيات عند فقد الآلات، والشريعة بخلافه وقد سبق في لفظ الإدراك.
فائدة:
ذهب جمع من الحكماء كأرسطو وأتباعه إلى أنّ النفوس البشرية متّحدة بالنوع وإنّما تختلف بالصفات والملكات لاختلاف الأمزجة والأدوات. وذهب بعضهم إلى أنّها مختلفة بالماهية بمعنى أنّها جنس تحته أنواع مختلفة، تحت كلّ نوع أفراد متحدة بالماهية. قيل يشبه أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) وقوله (الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) إشارة إلى هذا. قال الإمام: إنّ هذا المذهب هو المختار عندنا.
وأما بمعنى أن يكون كلّ فرد منها مخالفا بالماهية لسائر الأفراد حتى لا يشترك منهم اثنان في الماهية فالظاهر أنّه لم يقل به أحد، كذا في شرح التجريد وأكثر هذه موضّحة فيه.

المصنوع

المصنوع:
[في الانكليزية] Created
[ في الفرنسية] Cree
وهو الشيء المسبوق بالعدم. وعند البلغاء هو النّظم المحلّى بالصنائع اللّفظية، التي يميل الطبع إليها إذا كانت وفقا للقواعد المقرّرة مثل التّصريع والتجنيس والإيهام والخيال، وبعضها يــنفر الطّبع منها كالتّجنيس المطرّف والمقلوب.
كذا في جامع الصنائع.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.