Current Dictionary: All Dictionaries

Search results for: كسب

أقعد

(أقعد) بِالْمَكَانِ أَقَامَ وَيُقَال أقعد فلَان أَصَابَهُ دَاء فِي جسده يقعده وَكَذَلِكَ الْجمل أَصَابَهُ القعاد وَفُلَانًا أجسله والهرم فلَانا مَنعه الْمَشْي وَفُلَانًا آباؤه لم يكن لَهُ شرف لخستهم ولؤمهم وَفُلَان أَبَاهُ كَفاهُ مؤونة الْــكسْب

القرفة

(القرفة) قشر شجر من الفصيلة الغارية أشهره القرفة السيلانية والقرفة الصينية وَهِي تسْتَعْمل لعطرية فِيهَا وَاسم قشور الرُّمَّان يدبغ بهَا وَالْــكَسْب والهجنة والتهمة وَمن تتهمه بِشَيْء يُقَال فلَان قرفني وَيُقَال بَنو فلَان قرفتي هم الَّذين أَظن عِنْدهم طلبتي

قِرْش

قِرْش
من (ق ر ش) جنس من الأسماك المتوحشة كبيرة الحجم، ونوع من العملة المعدنية.
(قِرْش) بَين الْقَوْم حرش وأغرى ووشى ولعياله اكْتسب وَفُلَانًا عده من قُرَيْش
(قِرْش)
الشَّيْء قرشا جمعه من هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَضم بعضه إِلَى بعض وَيُقَال قِرْش لِعِيَالِهِ كسب وَمن الطَّعَام أصَاب مِنْهُ قَلِيلا وَيُقَال قِرْش فِي معيشته ضيق

(قِرْش) قرشا وقرشة تسلخ وَجهه من شدَّة شقرته

التقديم والتأخير

التقديم والتأخير
إذا كانت الواو لمطلق الجمع، ولا تقتضى ترتيبا، ولا تعقيبا، فليس معنى ذلك أن الآية القرآنية، تجمع بها معطوفات على غير ترتيب ولا نظام، وإذا كان من الجائز أن يتقدم بعض أجزاء الجملة على بعض، فقد حرصت الجملة في القرآن، على أن يكون هذا التقديم، مشيرا إلى مغزى، دالا على هدف، حتى تصبح الآية بتكوينها، تابعة لمنهج نفسى، يتقدم عندها فيها ما تجد النفس تقديمه أفضل من التأخير، فيتقدم مثلا بعض أجزاء الجملة حين يكون المحور الذى يدور عليه الحديث وحده، فيكون هو المقصود والمعنى، والنفس يتقدم عندها من يكون هذا شأنه، فلا جرم أن يتقدم في الجملة، كما تقدم في النفس، ويدعو البلاغيون هذا التقديم بالاختصاص، ومن أمثلته قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فالله هنا وحده أهل العبادة، ومنه وحده نستمد المعونة، وقوله: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (الحاقة 30 - 32). أولا ترى أن الجحيم وهذه السلسلة، لن يفلت منهما أبدا هذا العاصى الأثيم، وقوله تعالى: اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا فتقديم شاخصة على أبصار، يصورها لك كأن كل صفة أخرى لها قد انمحت، ولم يبق لها سوى الانفتاح الذى يؤذن بالخوف، والذهول معا. ولذلك كان نفى الغول مقصورا على خمر الآخرة، دون خمر هذه الحياة الدنيا، دل على ذلك قوله تعالى: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (الصافات 45 - 47). وكان الإنكار منصبا على عبادة غير الله في قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (الزمر 64). قال عبد القاهر «ومن أجل ذلك قدم غَيْرَ فى قوله تعالى: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (الأنعام 40). وكان له من الحسن والمزية والفخامة ما تعلم أنه لا يكون لو أخر فقيل: قل أأتخذ غير الله وليّا، وأ تدعون غير الله، وذلك لأنه قد حصل بالتقديم معنى قولك أيكون غير الله بمثابة أن يتخذ وليّا، وأ يرضى عاقل من نفسه أن يفعل ذلك، أو يكون جهل أجهل، وعمى أعمى من ذلك؟! ولا يكون شىء من ذلك إذا قيل: أأتخذ غير الله وليّا، وذلك لأنه حينئذ يتناول الفعل أن يكون فقط، ولا يزيد على ذلك فاعرفه. وكذلك الحكم في قوله تعالى: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ (القمر 24). وذلك لأنهم بنوا كفرهم على أن من كان مثلهم بشرا، لم يكن بمثابة أن يتبع ويطاع، وينتهى إلى أن يأمر ويصدق أنه مبعوث من الله تعالى، وأنهم مأمورون بطاعته».
وقلّ في القرآن أن يأتى التقديم للاحتفاظ بالموسيقى في الآية القرآنية، ولزيادة التناسق اللفظى فحسب، ومن ذلك قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (طه 67، 68). فالتقديم والتأخير لهذه الصياغة التى يعنى بها القرآن، وهى إحدى وسائل تأثيره في النفس، وأصل الجملة «فأوجس موسى في نفسه خيفة» وإذا أنت قرنت هذا التعبير بالآية السابقة واللاحقة، وجدت خروجا على النسق، ونفرة لا تلتئم. وللمحافظة على هذه الموسيقى كذلك ورد قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (الضحى 9، 10)، وعد ابن الأثير منها قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
(يس 37 - 39). قال : فقوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، ليس تقديم المفعول به على الفعل من باب الاختصاص، وإنما هو من باب مراعاة نظم الكلام، فإنه قال: اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ، ثم قال: وَالشَّمْسُ تَجْرِي، فاقتضى حسن النظم أن يقول: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، ليكون الجميع على نسق واحد في النظم أى أن تبدأ الجمل كلها بالأسماء المتناسبة.
وبتقديم بعض المعطوفات والصفات على بعض، كما يتقدم السبب على المسبب، فى قوله سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة 5). فتقديمهم العبادة على الاستعانة، تقديم للوسيلة، قبل طلب الحاجة، وذلك أنجح في توقع حصولها، وقوله سبحانه: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (الفرقان 48، 49). فتقدم ذكر البلدة الميتة؛ لأن في حياتها حياة الأنعام، فمن نباتها تأكل وتنمو، وتقدم الأنعام على الأناس، لأن في حياة تلك حياة هؤلاء؛ ولهذا قدمت التوبة، على الطهارة، فى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة 222). وقدم الإفك على الإثم في قوله سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الجاثية 7). والاعتداء عليه، فى قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (القلم 10 - 12). ويرد الحكيم بعد العليم، فى معظم الآيات التى ورد فيها الوصفان، فإن ورد الوصف بالحكمة أولا كان ذلك لاتجاهات أخرى، اقتضاها سياق الآية.
وتتقدم الكلمة لتقدمها في الزمن، أو العمل، كما في الآيات التى ورد فيها ذكر الأنبياء وكتبهم، فإن بعضهم يتقدم على بعض، يسبق زمنه، كقوله تعالى:
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ (آل عمران 3، 4). وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (الحج 77). وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (المائدة 6).
وللترقى من العدد القليل إلى الكثير، كما في قوله سبحانه: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء 3). وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (المجادلة 7). وأما قوله سبحانه: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (سبأ 46). فقد سيقت في مقام دعوتهم إلى التفكير في شأن محمد ورسالته، وربما كان اجتماعهم مثنى، أسرع في وصولهم إلى الحق، فقد تعترض أحدهم شبهة، فيبددها صاحبه، ولهذا قدم مثنى على فرادى.
ولتقديم الكثير على ما دونه، ولهذا قدم السارق على السارقة في قوله تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبــا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة 38). لأن السرقة في الذكور أكثر. والأزواج على الأولاد، فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التغابن 14)؛ لأن العداوة في الأزواج أكثر منها في الأولاد.
وقدمت الأموال على الأولاد، فى قوله سبحانه: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التغابن 15). لأن الأموال أكثر فتنة من الأولاد، كما قدمت في الآية الكريمة: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا (الكهف 46). ولكنه عند ذكر الشهوات، قدم النساء والبنين عليها، فقال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (آل عمران 14).
ولشرف المقدم وعلو رتبته، ولهذا قدم اسمه تعالى في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء 59). وقوله تعالى:
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً (المؤمنون 50). أما قوله تعالى: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء 91). فلأن الكلام السابق كان حديثا عنها.
ولأنه أدل على القدرة، كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (النور 45). ومما يحتاج إلى تدبر لإدراك سر تقدمه قوله سبحانه: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (البقرة 255). فقد يبدو أن نفى النوم بعد السنة لا محل له، فنفى السنة يدل من باب أولى على نفى النوم، ولكن نسق الآية يريد أن ينفى الشبه بين الله والإنسان، فهو قيوم، مدبر لشئون السموات والأرض، لا يدركه ما يدرك الناس، من سنة، يعقبها نوم، فيترك شئون العالم، ولا يديرها، فالترتيب هنا ترتيب زمنى، لا ترتيب يتجه إلى نفى الأدنى فالأكثر. وتقدم ضمير المخاطبين على الضمير العائد على الأولاد في قوله سبحانه:
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام 151). وفي موضع آخر، تقدّم الضمير العائد على الأولاد، وتأخر ضمير المخاطبين في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الإسراء 31). ولعل السّر في ذلك أنه في الآية الأولى يخاطب آباء مملقين، بدليل قوله من إملاق، فكان من البلاغة أن يسرع فيعد هؤلاء الآباء بما يغنيهم من الرّزق، وأن يكمل ذلك بعدتهم برزق أبنائهم، حتى تسكن نفوسهم، ولا يجد القلق سبيلا إليها. أما في الآية الثانية فالخطاب للأغنياء، بدليل قوله خشية
إملاق، فإنه لا يخشى الفقر إلا من كان غنيّا، إذ الفقير منغمس في الفقر، فكان من البلاغة أن يقدم وعد الأبناء بالرزق، حتى يسرع بإزالة ما يتوهمون من أنهم بإنفاقهم على أبنائهم، صائرون إلى الفقر بعد الغنى، ثم مضى يكمل طمأنينتهم فوعدهم بالرزق بعد عدة أبنائهم به.
وهكذا نرى القرآن الكريم، لا ينهج في ترتيب كلماته سوى هذا المنهج الفنّى الذى يقدم ما يقدم، لمعنى نفهمه وراء رصف الألفاظ، وحكمة ندركها من هذا النسج المحكم المتين.

المسكنة

(المسكنة) الْفقر والضعف
المسكنة
مَفْعَلَةٌ من السكون، وتستعمل للعجز وسقوط الهمة وبؤس العيش. ومنها المسكين، أي الذي سُدّ عنه طرق الــكسب. ودلّ على هذا المعنى ما جاء في الحديث:
"ليس المسكين من تردّه اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يَسأل، ولا يُفطَن له فَيُعطَى" .
فالمسكنة شدة العجز وسوء العيش.

رمصت

(رمصت)
الدَّجَاجَة رمصا ذرفت وَفُلَان لأَهله كسب وَبَين الْقَوْم أصلح وَالله مصيبته جبرها وَالشَّيْء طلبه ولمسه

(رمصت) الْعين رمصا اجْتمع فِي موقها وسخ أَبيض وَيُقَال رمص فلَان فَهُوَ أرمص وَهِي رمصاء (ج) رمص

أركست

(أركست) الْجَارِيَة برز ثدياها وَفُلَان الشَّيْء ركسه يُقَال أركسه فِي الشَّرّ وأركس الله الْعَدو وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز {وَالله أركسهم بِمَا كسبــوا} ردهم إِلَى الْكفْر وَالثَّوْب وَنَحْوه فِي الصَّبْغ أَعَادَهُ فِيهِ

أحمدنكر

الأحمد: قد ذكر فِي أول الْكتاب تيمنا وتبركا، قيل إِن عَلَاء الدّين سُلْطَان دلهي كتب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد سُلْطَان الكجرات يَقُول:
(أَنا الْعَلَاء وعَلى حرف جر ... فَهَل يُمكن أَن يجر عَليّ)
لما وصل الْمَكْتُوب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد كتب فِي الْجَواب:
(اسْم أَحْمد مَمْنُوع من الصّرْف ... وَلَيْسَ مُمكنا أَن يجر عَليّ)
أَحْمد نكر بَلْدَة طيبَة فِي (الدكن) من مضافات (اورنك) عامرة الْبُنيان حفظهما الله تَعَالَى عَن الْآفَات وَالشَّر وعمرهما مدى الْأَيَّام والشهور، وَبِمَا أَن الْبَلدة الْمَذْكُورَة هِيَ مَوضِع ولادَة العَبْد الْفَقِير، وَبِمَا أنني فِي قَضَائهَا وعشت فِيهَا مُدَّة الْعُمر فِي رخاء وَيسر ونشأة وترعرعت فِيهَا فَكَانَ من حَقّهَا عَليّ أَن أسرد بَعْضًا أَو نفحات من تاريخها الَّذِي استنبطه أَو وصل لي من خلال الرِّوَايَات المتواترة المحققة.
هَذِه الْبَلدة بناها أَحْمد نظام شاه البحري عَلَيْهِ شآبيب سَحَاب الرَّحْمَة والغفران وَأحمد نظام شاه البحري هُوَ ابْن ملك نَائِب بحري، وَهُوَ من أَوْلَاد برهمنان بيجانكر واسْمه الْأَصْلِيّ تيمابهت وَاسم وَالِده بهريون، زمن سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني من أَوْلَاد بهمن بن اسفنديار الَّذِي كَانَ يحكم منْطقَة (مُحَمَّد آباد بيدر) وَقع أَسِيرًا أَيَّام ملك بيجانكر وَعرف بِملك حسن وَدخل فِي سلك غلْمَان المملكة، وعندما رأى السُّلْطَان أَحْمد مَا لَدَى ملك حسن من علم وَمَعْرِفَة واطلاع وعقل ورأي أهداه إِلَى وَلَده الْأَكْبَر مُحَمَّد شاه بهمني وأرسله إِلَى الْكتاب لتعلم الْخط والعلوم الفارسية الَّتِي برع فِيهَا ملك حسن بِسُرْعَة وَفِي مُدَّة قَصِيرَة واشتهر بعْدهَا ب (ملك حسن بهريور) فأغدق عَلَيْهِ العطايا والمراكز الْعَالِيَة والممتازة وَتَوَلَّى قيادة الحرس الْخَاص للقصر واصطفاه وقربه مِنْهُ واستبدل كلمة (بهريور) بِكَلِمَة (بحري) وخلع عَلَيْهِ لقب (نظام أشرف هايون الْملك بحري) بِمُوجب فرمان همايوني شرِيف مِمَّا عَاد على أَوْلَاده بالشرف الرفيع وعلو الْقيمَة وَالْقدر، وَبعد وَفَاة أَحْمد شاه بهمني، تحول الْملك إِلَى أكبر أَوْلَاده مُحَمَّد شاه بهمني، فَأصْبح (أشرف همايون نظام الْملك بحري) وَكيلا للسلطنة بِنَاء لوَصِيَّة أَحْمد شاه بهمني، فعين وَلَده (ملك أَحْمد) قائدا للجيش وأقطعه (ويركنات) مِمَّا يَلِي قلعة (دولت آباد) وفوضه أمرهَا.
ووصلت سلطة ملك أَحْمد إِلَى حُدُود (جنير) واهتم بإدارتها وضبطها غير أَن قلعة (سنير) الْوَاقِعَة على بعد ميل من (جنير) لجِهَة الغرب وقلعة (جوند) و (هرسل) وَغَيرهَا من القلاع وَالَّتِي كَانَت أَيَّام سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني تَحت سيطرة (مرهته هاي) ، لم تدخل تَحت نُفُوذه على الرغم من الفرمانات والقرارات الَّتِي اصدرها وَكيل السلطنة وَالَّتِي تقضي بِوُجُوب تَسْلِيم القلاع إِلَى ملك أَحْمد، لَكِن (مرهته هاي) اعتذر عَن ذَلِك مَا دَامَ مُحَمَّد شاه بهمني لم يبلغ سنّ الرشد والتمييز وَيُصْبِح صاحبا لملكه وقادرا على ادارته، عِنْد ذَلِك يُطِيع الْأَوَامِر وَيسلم القلاع. غير أَن ملك أَحْمد كَانَ صَاحب قَرَار وعزم فقرر الِاسْتِيلَاء على قلعة (سنير) فَعمد إِلَى محاصرتها لمُدَّة سِتَّة أشهر بعْدهَا خرج آمُر القلعة وَسلم مَفَاتِيح القلعة إِلَى ملك أَحْمد، فاستولى على جَمِيع الْأَمْوَال والأشياء الَّتِي كَانَت تحويها القلعة وَالَّتِي كَانَت كَثِيرَة وَلَا تحصى وافتخر بذلك أَيّمَا افتخار وطارت أخباره بذلك، مِمَّا دفع القلاع الْأُخْرَى (جوند) و (هرسل) و (جيودهن) وَغَيرهَا إِلَى التَّسْلِيم لَهُ قهرا فسيطر بذلك على ملك (كوكن) وَعَن قلعة (سنير) يَقُول مُحَمَّد قَاسم فرشته واصفا، أَنَّهَا تقع على رَأس قمة جبل شَاهِق تعانق السَّحَاب وَلَا يصلها النسْر فِي تحليقه.
وَقد زار الْكَاتِب قلعة ((سنير)) فِي الفترة الَّتِي كَانَ حَاكما عَلَيْهَا ابْن عبد الْعَزِيز الَّذِي كَانَ يتحلى بِصِفَات الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْوَفَاء. وَالَّذِي أصبح قائدا لقلعة ((سنير)) بعد وَفَاة مَحْمُود عَالم خَان، وَفِي عهد مُحَمَّد فرخ سير قَائِد دلهي عقد اتِّفَاق بَينه وَبَين أَمِير الْأُمَرَاء سيد حُسَيْن عَليّ خَان المشرف على (دكن) بعد تدخل من سنكراجي ملها رزناردار 1129 وَكَانَ من شُرُوطه عدم الانقلاب والثورة على الْملك وَعدم التَّعَرُّض إِلَى سبل النَّقْل (الطّرق) والاحتفاظ بِخَمْسَة عشر ألف رَاكب تَحت إمرة المسؤول عَن (الدكن) وَأسْندَ إِلَيْهِ أَو جوتهه وسرد بسمكى النواحي السِّتَّة من (الدكن) وَتفرد غنيم بِملك (كوكن) وَمَا حولهَا من الْمَوَاشِي والأبقار وقصبات وأمصار وبلاد وبقاع. وَأصْبح كَذَلِك مسيطرا على ملك كجرات ومالوة وفنديس وَمَا وَرَاء الدكن وأغلب أَرَاضِي الْهِنْد والبنغال. وبسبب ضعف جيوش الْإِسْلَام بلغ الْأَمر إِزَالَة الشعارات والعلامات الإسلامية من الْقرى والامصار الَّتِي سيطر عَلَيْهَا وهدمت الْمَسَاجِد وَمنع ذبح الأبقار. وَبلغ الْأَمر أَنهم قطعُوا أَيدي القصابين فِي بَلْدَة برهَان بوركو وأخرجوهم مِنْهَا ... وَبعد انتصار غنيم حاصر قلعة ((سنير)) الَّتِي كَانَت لمحمود عَالم خَان الَّذِي رأى أَن الْأَصْحَاب والأتباع وَمن يُؤَيّد مُحَمَّد حُسَيْن نويته الَّذِي كَانَ صَاحب الرَّأْي لَدَى مَحْمُود عَالم خَان قد تفَرقُوا بعد أَن وصلوا إِلَى الْهَلَاك وَلم تصلهم امدادات جيوش الْإِسْلَام قرر وبشكل مزاجي أَن يفضل الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة على الشَّهَادَة والحياة الأبدية فَاخْتَارَ مَا يلطخ الجبين إِلَى الْأَبَد فقرر فِي السَّادِس عشر من شهر جُمَادَى الأولى سنة 1170 تَسْلِيم القلعة إِلَى غنيم فَخرجت السيطرة عَن القلعة بذلك من يَد الْمُسلمين وَمَات بعْدهَا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
وصلنا إِلَى أصل الْمَوْضُوع ذَلِك أَن أشرف همايون نظام الْملك بحري قد توفّي فتسمى ابْنه الْملك أَحْمد بِأَحْمَد نظام الْملك شاه بحري وَبسط لِوَاء سلطته، وعندما وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى مسامع السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بهمني وَجه إِلَيْهِ جَيْشًا جرارا بقيادة جهانكير خَان، الَّذِي وصل إِلَى قَصَبَة (بهنكار) عابرا من ((تلِي كانون)) فَتوجه أَحْمد نظام الْملك شاه بحري من قَصَبَة (جيور) إِلَى ملاقاته، فَنزل الجيشان تفصل بَينهمَا مَسَافَة سِتَّة فراسخ لمُدَّة شهر تَقْرِيبًا، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء علم جهانكير خَان أَن جَيش أَحْمد نظام شاه بحري لَا يملك التنظيم وَلَيْسَ لَهُ قدرَة على المواجهة، وَكَانَت الْأَيَّام تِلْكَ مُنَاسبَة لإِقَامَة الملذات ومجالس الطَّرب وَالشرَاب فَعمد إِلَى إِقَامَتهَا. وصلت أَخْبَار هَذِه الْمجَالِس الَّتِي يقيمها جهانكير خَان إِلَى مسامع أَحْمد نظام شاه بحري الَّذِي اغتنم الفرصة وتحرك بجيشه الَّذِي يَقُودهُ أعظم خَان لَيْلَة الثَّالِث من رَجَب المرجب سنة 895 عبر جبال قَصَبَة (جيور) فوصل مَعَ الصُّبْح إِلَى قَصَبَة (بهنكار) وَنزل كالصواعق على جَيش جهانكير خَان فَقَتلهُمْ وَأسر من بَقِي مِنْهُم فأركبهم أَحْمد نظام شاه بحري على ظُهُور الأبقار وأطلقهم وسط عسكره مشهرا بهم، وَأعْطى الْأمان لمن بَقِي بِالْقربِ من (مُحَمَّد آباد بيدر) ، وَأما الْمَكَان الَّذِي جرت فِيهِ المعركة وَفتح الله لَهُ فِيهَا فقد أَقَامَ حديقة وسماها حديقة نظام وَلذَلِك فَإِن هَذِه المعركة عرفت بمعركة (الحديقة) . وحول هَذِه الحديقة زرعت الغابات والأزهار وبنيت العمارات الشاهقة وَسميت ((نكينه مَحل)) و ((سون مَحل)) وجر إِلَيْهَا نَهرا من السوَاد فِي محلّة (كافور باري) تنبع من بِئْر مَشْهُور باسم (ناكابائين) وَمَعَ الْوَقْت أَصبَحت هَذِه الحديقة تعرف ((بروضة الرضْوَان)) .
بعد ذَلِك وَمن بَاب الشُّكْر لله على فتح قَصَبَة (جيور) وَمَعَهَا قَرْيَة (إِمَام بور) عمد أَحْمد نظام الشاه بحري إِلَى جعل هَذِه النَّاحِيَة وَقفا على الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء، وغادر بعْدهَا منصورا مظفرا إِلَى (بجنير) . ثمَّ أَزَال اسْم السُّلْطَان مَحْمُود شاه بهمن من الْخطْبَة بعد أَن أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك يُوسُف عَادل خَان واستبدله باسمه وَركب جملا أَبيض وَهَذَا الرَّسْم كَانَ من خصوصيات سُلْطَان دلهي وكجرات، بعد ذَلِك راوده حلم السيطرة على قلعة (دولت آباد) ، وأرقه وجود أَفْوَاج السلاطين فِي (بيجابور) و (حيدر آباد) و (بيدر) فَخرج من (جنير) لمواجهتهم ولصعوبة هَذِه المهمة ومقتضيات الْأُمُور عمد إِلَى بِنَاء مَدِينَة فِي الْوسط مَا بَين (دولت آباد) و (جنير) وسماها (دَار السلطنة) والعاصمة وَذَلِكَ فِي شهور سنة (900) فِي الْمُقَابل من (حديقة نظام) إِلَى الْجَانِب الغربي على نهر (السِّين) . وَكَانَ يُرِيد أَن يُطلق عَلَيْهَا اسْم (أَحْمد آباد) وَلكنه بعد أَن علم أَن عَاصِمَة ملك كجرات سُلْطَان أَحْمد شاه كجرات كَائِن على هَذَا الِاسْم نَفسه، وَهِي مستمدة من اسْمه وَهُوَ اسْم يُوَافق اسْم وزيره الْقَدِير وقاضيه الْعَادِل، فَعدل عَن ذَلِك، إِلَى اسْم (أَحْمد نكر) الَّذِي يتوافق مَعَ اسْمه وَالِاسْم الْأَصْلِيّ لنصير الْملك ووزير الممالك وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر، وأصدر أوامره إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء وَالْأَصْحَاب والقادة الْكِبَار وَأَصْحَاب الخدمات بِبِنَاء العمائر الْكَبِيرَة والضخمة، فبنوها على النمط الْمصْرِيّ والبغدادي وارفقوها بالعديد من الْمَسَاجِد والحمامات وجروا إِلَيْهَا عدَّة أنهر وزرعوا عدَّة حدائق جميلَة ورائعة تخلب الأنظار والقلوب مَعًا فَأَصْبَحت (أَحْمد نكر) خضراء أَكثر وَأفضل من (كشمير) وهواها ألطف وأرق من سَائِر الْبِلَاد.
وَبعد وَفَاة ملك أشرف صَاحب قلعة (دولت آباد) ضم أَحْمد نظام شاه بحري هَذِه القلعة إِلَى سلطته فَبنى مَا تهدم مِنْهَا وترفق بِالنَّاسِ ثمَّ قفل إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) منصورا مظفرا. فِي هَذِه الفترة مَاتَ وزيره نصير الْملك كجراتي فعين مَكَانَهُ كَمَال خَان دكهني، بعْدهَا مرض أَحْمد نظام شاه بحري وَاسْتمرّ مَرضه مُدَّة ثَلَاثَة أشهر، فَجمع أَرْكَان دولته إِلَيْهِ وأعلن ابْنه الْأَمِير وليا لعهده الْبَالِغ من الْعُمر سبع سنوات. حكم أَحْمد نظام شاه مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَتُوفِّي سنة (904) . فارتعدت السَّمَاء وَالْأَرْض عِنْد مَوته وَحمل نعشه الطَّاهِر السَّادة والفضلاء والأمراء بِجلَال ووقار السلطنة إِلَى الْقرب من نهر (السِّين) حَيْثُ دفن هُنَاكَ:
(أَيهَا الْمَوْت لقد دمرت آلَاف الْبيُوت ... وخطفت الْأَرْوَاح من عَالم الْوُجُود)
(وكل درة نفيسة أَتَت إِلَى هَذِه الدُّنْيَا ... أَخَذتهَا ووضعتها تَحت التُّرَاب)
بني على قبر أَحْمد نظام شاه بحري قبَّة عالية وأحيط بسور كَبِير ووسيع أطلق عَلَيْهِ اسْم (حديقة الرَّوْضَة) وَفِي دَاخل هَذَا السُّور هُنَاكَ قُبُور عديدة وعدة قبب صَغِيرَة، أما الأَرْض خَارج السُّور فَهِيَ مليئة بالقبور لمساحة رمية سَهْمَيْنِ أَو أَكثر لجِهَة الْجنُوب حَتَّى يُمكن القَوْل أَن لَيْسَ فِيهَا وجبا وَاحِدًا خَالِيا من قبر.
لقد تحولت هَذِه الْمقْبرَة إِلَى مقصد للْعُلَمَاء لطلاب الْعلم الَّذين يَجْلِسُونَ تَحت قبَّة قبر أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى الْمِحْرَاب الْوَاقِع لجِهَة الشمَال حَيْثُ يعقدون الحلقات، وأبرز هَؤُلَاءِ الْعلمَاء المرحوم مير عنايت الله ولد مير طَاهِر جنيري الَّذِي قبل الانتساب إِلَى بيُوت الْفقر من أجل تَحْصِيل الْعلم فَقضى مُعظم أوقاته فِي تِلْكَ الْمقْبرَة.
وَلَقَد اسميت هَذَا الْمُحب السعيد بالشهيد لِأَنَّهُ فِي شهر رَمَضَان الْمُبَارك من هَذِه السّنة جَاءَ إِلَى منزلي وَقَالَ إِنَّه إِذا ربح بطيخة فَأولى لَهُ أَن يربح أَو يــكْسب الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فَقبلت مَعَه فَقضيت مَعَه شهر رَمَضَان فِي تكْرَار درس ((شرح الْوِقَايَة)) بحاشية ((الْجبلي)) فِي ذَلِك الْمِحْرَاب.
وَكنت فِي بعض الأحيان اذْهَبْ إِلَى ((حديقة الرَّوْضَة)) لزيارة الْقُبُور وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة على العظماء المدفونين فِيهَا وأجلس إِلَى قبر حَافظ مُحَمَّد عبد الله التلميذ النجيب لوالد المرحوم المدفونين دَاخل سور الحديقة. الَّذِي كَانَ لَهُ الِاطِّلَاع الْوَاسِع والمعرفة الْحجَّة والبصيرة الواسعة والفكر الصائب، وَقَالَ كلَاما مجيدا وَوَجهه إِلَى الْمُلُوك الْمُخْتَلِفين وَكَانَ لَهُ اطلَاع وَاسع على علم الْقِرَاءَة وصنف رِسَالَة فِي التجويد شعرًا ونثرا. وَقد اسْتَفَدْت مِنْهُ فِي دراسة ((شرح الملا)) وَبَعض أَبْوَاب ((كنز الْفَوَائِد)) اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وَأَنت الْغفار الرَّحِيم.
وَظهر يَوْم الْأَحَد من سنة 1164 اسْتشْهد محبي لله مير عنايت الله فِي المعركة الَّتِي نشبت بَين هدايت محيي الدّين خَان ((وفاغنة)) والقصة أَن مكمل خَان انفق جهدا كَبِيرا فِي تربية وَتَعْلِيم وتأديب برهَان نظام شاه ولمدة عشرَة سنوات الَّتِي كَانَت كَافِيَة وجيدة لاتقان الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة بِخَط جميل بشكل جيد.
وَكتب ((مُحَمَّد قَاسم)) يَقُول إِن برهَان نظام شاه كتب رِسَالَة فِي علم الْأَخْلَاق وسلوك الْمُلُوك ووصلت إِلَيْهِ وَقد كتب فِي آخرهَا هَذِه الْجُمْلَة ((كَاتبه الشَّيْخ برهَان بن أَحْمد الملقب بنظام الْملك بحري)) . وَقد كَانَ برهَان نظام شاه مَعْرُوفا بالشجاعة وَالتَّقوى وَالصَّلَاح وَالْكَرم وفريدا فِي عصره. وَيُقَال إِنَّه كَانَ عِنْدَمَا يركب فرسه وَيخرج إِلَى السُّوق فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَعَ أَصْحَابه، فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا يسارا، وعندما سَأَلَهُ أحد المقربين عَن عدم التفاتة إِلَى الْأَطْرَاف والجوانب قَالَ لَهُ: عِنْدَمَا أعبر فَإِن كثيرا من الرِّجَال وَالنِّسَاء يقفون لمشاهدة هَذَا الفاني، وَأَنا أَخَاف. أَن تلفت أَن تقع عَيْني على شَيْء حرَام فَينزل عَليّ وبال ذَلِك. وَلما كَانَ هَذَا الْملك الْعَظِيم شَابًّا ومغامرا فِي أَوَائِل سلطنته أَرَادَ أَن يسيطر على قلعة (كاويل) ، فَخرج من أجل ذَلِك من دَار السلطنة فِي (أَحْمد نكر) باتجاه تِلْكَ القلعة وسيطر عَلَيْهَا، وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين وَقَعُوا فِي يَد قَائِد جَيْشه جَارِيَة بَالِغَة الْحسن وَالْجمال تشابه الْقَمَر أَو المُشْتَرِي، فَلَمَّا وَقع نظره على وَجه الْملاك هَذَا فشاهد الْمُسْتَقْبل فِي مرْآة وَجههَا تملكه الوله والحيرة وَلم يملك سَبِيلا إِلَّا أَن يحملهَا إِلَى السُّلْطَان وَيرى أَثَرهَا عَلَيْهِ، وَفِي خلْوَة بَينهمَا قَالَ نصير الْملك للسُّلْطَان دَامَ ضله أَنه قد حجب عَن بَاقِي الْعَسْكَر وَالنَّاس فاتنه من بَين الأسرى لَا مثيل لَهَا وَلَا تلِيق إِلَّا بالسلطان فَإِذا أَمر السُّلْطَان فَإِنَّهُ يبْعَث بهَا إِلَى الْجنَاح الليلي، فتملك شهريار حَالَة من الانشراح والفرح فَاسْتحْسن نصير الْملك ذَلِك وَلما ذهبت هَذِه الْجَارِيَة إِلَى الْجنَاح الليلي كَانَت تضع على رَأسهَا شادورا كحليا مقصبا بِالذَّهَب وَكَأَنَّهَا ملاك يسير باتجاه برهَان نظام شاه، وَلما تمّ اللِّقَاء بَينهمَا، شرفها الشاه بِالْحَدِيثِ مَعهَا فَسَأَلَهَا من أَي قوم هِيَ وَإِلَى من تنْسب وَمن يتَّصل بهَا بِالْقَرَابَةِ أيتها الوردة الجميلة الخالية من الشوك. فأجابت، روحي فدَاء للعلي الْقَدِير أَنا من قَبيلَة (فلَان) وَأبي وَأمي وَزَوْجي هم فعلا فِي قَبْضَة السُّلْطَان. فَلَمَّا سمع الْملك اسْم زَوجهَا سيطرت عَلَيْهِ الحمية وَاجْتنَاب الْمعاصِي فذوت شَهْوَته وَقَالَ لَهَا مطيبا خاطرها سَوف أطلق سراح والدك ووالدتك وزوجك وأهبك إيَّاهُم. عِنْدهَا ركعت الْجَارِيَة وَقبلت الأَرْض بَين يَدَيْهِ وشرعت بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ. وَفِي الصَّباح عِنْدَمَا دخل عَلَيْهِ نصير الْملك يُرِيد تهنئته بِهَذِهِ اللَّيْلَة الجميلة، فَضَحِك ((يُوسُف زَمَانه)) وَقَالَ: لقد سترنا عَورَة هَذَا الشّرف الْكَرِيم وأعطيتها وَعدا أَن أعيدها إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أحضر لي والدها ووالدتها وَزوجهَا إِلَى هَذَا الْمجْلس فأنعم عَلَيْهِم وأغدق ووهبهم لَهَا.
وَفِي عهد برهَان نظام شاه ازدهرت مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَأخذت رونقا جَدِيدا فَاجْتمع فِيهَا الْعلمَاء والسادات والأكابر وَالشعرَاء أَصْحَاب الْفُنُون والحرف والفقراء.
التقى الملا بير مُحَمَّد الشيرواني من كبار عُلَمَاء الْمَذْهَب السّني وأستاذ الْملك الْمُعظم عَن طَرِيق الِاتِّفَاق بالشاه طَاهِر دكنهي عِنْد جهان كاوان الَّذِي كَانَ ركن السلطنة لَدَى مُحَمَّد شاه بهمني فِي قلعة (بريندا) ، ودرس عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) فِي علم الْهَيْئَة لمُدَّة سنة وعندما عَاد إِلَى (أَحْمد نكر) سَأَلَهُ برهَان نظام شاه عَن سَبَب توقفه هُنَاكَ. فَقَالَ لَهُ الملا بير مُحَمَّد ظَاهر أَنه كَانَ طول هَذِه الْمدَّة برفقة عَالم محلق فِي الْفَهم الإنساني، وَلَيْسَ من طَرِيق إِلَى إِدْرَاك سر كَمَاله وعقله يزن عقول أهل زَمَانه وَلَا أحد يبلغ شرف مرتبَة علمه، فاعتبرت ذَلِك فوزا عَظِيما أَن أَقرَأ عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) الَّذِي يعْتَبر محك امتحان الْفُضَلَاء لَا بل ميزَان معركة حكماء اليونان وَالْعراق وَأنْشد فِي وصف شاه طَاهِر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: (لقد حَار الْعُقَلَاء فِي وصف كَمَاله ... فَلَا يُدْرِكهُ لَا بقراط الْحَكِيم وَلَا أَبُو عَليّ)
(مَعَ علمهمْ وحكمتهم وفضلهم وكمالهم ... فَإِنَّهُم جَمِيعًا يدرسون علم الْألف فِي صفه)
لقد رغب برهَان نظام شاه بمصاحبة الْعلمَاء والفضلاء، وخصوصا صُحْبَة شاه طَاهِر فَأرْسل لَهُ رِسَالَة حملهَا شوقه وحبه واحترام مَعَ الملا بير مُحَمَّد، وعندما وصلت الرسَالَة إِلَى شاه طَاهِر فِي (بريندا) فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن اطلع (خواجه جهان) على الرسَالَة الَّذِي لم ير بدا من مركب السّفر لشاه طَاهِر وَيبْعَث بِهِ إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) ، فَخرج أَعْيَان وأمراء وأقرباء الْملك من الْمَدِينَة لمسافة أَرْبَعَة فراسخ لاستقباله بِكُل اعزاز وإكرام وأدخلوه الْمَدِينَة. وَبعد أَن التقاه برهَان نظام شاه وَكَرمه وعظمه اعترافا بِقَدرِهِ ومنزلته، الَّتِي ادركها شاه طَاهِر من بَين جَمِيع المقربين، وَبعد أَن فرغ من مراسم الِاسْتِقْبَال والمهمات مَعَ السُّلْطَان (بهادر الكجراتي) ، اتخذ لَهُ مَكَانا فِي أَسْفَل قلعة (أَحْمد نكر) للدرس الَّذِي تحول فِيمَا بعد إِلَى مَسْجِد جَامع فَجَلَسَ للدرس يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع يدرس الْعلمَاء الْكِبَار ويطلعهم على الْكتب الدراسية. وَقد حضر دروسه كل من السَّيِّد جَعْفَر أَخ الشاه طَاهِر، وشاه حسن الْجواد، والملا مُحَمَّد النيشابوري، والملا حيدر الاسترآبادي، وَالسَّيِّد حسن المشهدي، والملا عَليّ كلمش الاسترآبادي، والملا ولي مُحَمَّد، والملا رستم الْجِرْجَانِيّ، والملا عَليّ المازندراني، وَأَبُو الْبركَة والملا عَزِيز الله الكيلاني، والملا مُحَمَّد الأسترآبادي، وَالْقَاضِي زين العابدين وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر وَالسَّيِّد عبد الْحق (كَاتب بركنه ((انبر)) ) وَالشَّيْخ جَعْفَر، ومولانا عبد الأول وَالْقَاضِي مُحَمَّد نور الْمُخَاطب بِأَفْضَل خَان وَالشَّيْخ عبد الله القَاضِي، وَآخَرين من الْفُضَلَاء وطلاب الْعلم وَقد جلس إِلَيْهِ فِي درسه كَذَلِك كل من برهَان نظام شاه واستاذه الملا بير مُحَمَّد الشرواني فَكَانَ يجلس من أول الدَّرْس إِلَى آخِره وَيسْأل ويجيب ويناقش ويعارض.
وَلما كَانَ شاه طَاهِر على مَذْهَب الإمامية، فَإِن برهَان نظام شاه قد اخْتَار مَذْهَب الإمامية هُوَ وَجَمِيع أَهله وَعِيَاله والمقربين لَهُ، وَبعد النقاش الَّذِي دَار بَين شاه طَاهِر وَجمع من الْفُضَلَاء حول هَذَا الْمَذْهَب عمد برهَان نظام شاه إِلَى قتل قَاضِي (انبر) ، وَلَيْسَ هُنَا مقَام الْكَلَام على هَذَا الْمَوْضُوع.
لقد توفّي الشاه طَاهِر فِي زمن سلطنة برهَان نظام شاه سنة 956 وَدفن دَاخل سور حديقة الرَّوْضَة خَارج قبَّة نظام شاه بحري إِلَى الْجَانِب الشمالي. وَقد عمد هاني نظام شاه بعد مُدَّة إِلَى نقل رفاة شاه طَاهِر إِلَى كربلاء المعظمة. وَخلف شاه طَاهِر وَرَاءه أَرْبَعَة أَبنَاء هم: شاه حيدر وشاه رفيع الدّين حُسَيْن وشاه أَبُو الْحسن وشاه أَبُو طَالب وَثَلَاثَة بَنَات بقيت اسماميهن مستورة كَمَا كن هن مستورات. وَبَقِي أَوْلَاد شاه طَاهِر حَتَّى زمن كِتَابَة هَذِه الْكَلِمَات يسكنون فِي عمارات عامرة فِي مَكَان اقامة شاه طَاهِر فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) ويتولون تصريفها وادارتها، وَالْحَال أَن الْكَاتِب قد اشْترى منزلا من وَرَثَة شاه طَاهِر فِي منطقته، وَقد عمد برهَان نظام شاه بعد جُلُوسه على عرش السلطة سنة (908) إِلَى بِنَاء قلعة من الْحجر الْمَطْبُوخ فِي أَرَاضِي (حديقة نظام) وَبنى فِيهَا أَرْبَعَة أبراج وَأعْطى كل برج وتوابعه إِلَى أحد الْأُمَرَاء المرموقين، وَمَعَ مُرُور وَقت قصير أَصبَحت قلعة (أَحْمد نكر) من القلاع النادرة وَبلا نَظِير وشيرازة (نِسْبَة إِلَى شيراز) ملك الدكن، فَكَانَت فِي بنائها وصقل أحجارها وتدويرها وأسلوب أَحْكَامهَا فريدة بَين قلاع الأَرْض وأصبحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَدِينَة مَشْهُورَة بِطيب هوائها ومائها ومناخها بَين جَمِيع الْخلق من الْخَاصَّة والعامة فِي جَمِيع الْبِلَاد والأمصار.
وَقد بنى أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى جَانب الشمالي من مَدِينَة (أَحْمد نكر) حديقة سميت بحديقة (فيض نجش) والمشهورة بحديقة (الْجنَّة) وَبنى دَاخل الحديقة حوضا ضخما مثمن الاضلاع، وَفِي دَاخل الْحَوْض بنى عمَارَة كمنزل لَهُ مثمن الاضلاع، وَإِلَى جَانب الْحَوْض بنى إيوانه وحماما جميلا ومترفا. وَفِي أَيَّام التعطيل نَذْهَب مَعَ الطّلبَة الرفقاء إِلَى تِلْكَ الحديقة لصيد السّمك والتفرج والنزهة، لَكِن النَّهر خرب هَذَا الْحَوْض وأصبحت الحديقة تعاني من قلَّة المَاء فآلت إِلَى الخراب، فأصبحنا عِنْدَمَا نعبر هَذِه الحديقة تتملكنا الْحَسْرَة والندم عَلَيْهَا.
أما برهَان نظام شاه فقد بنى حديقة إِلَى الْجَانِب الجنوبي من (أَحْمد نكر) وأسماها حديقة (فَرح نجش) وَبنى دَاخل الحديقة (حوضا) مربع وَبنى وسط هَذَا الْحَوْض (جبوتره) مثمنة وواسعة، وَبنى فَوق (جبوتره) بِنَاء عَالِيا ومثمن من طبقتين بطراز غَرِيب وَعَجِيب يعجز الْقَلَم وَاللِّسَان عَن وَصفه ويحتار بِهِ، وَلَا يَسْتَطِيع عقل المهندسين ادراك عَظمَة تصميمه، وَكم حاول وسعى شاه طَاهِر لوصفه وتكلف الْمَشَقَّة غير أَنه لم يصل إِلَى إيفائه حَقه، وَمِمَّا قَالَه قصيدة طَوِيلَة فِي سِتَّة وَعشْرين بَيْتا يصف فِيهَا عَظمَة الْبناء وعظمة الْبَانِي وَالْقُدْرَة على تصميمه وَأَن لَا أحد من الْمُلُوك العظماء من سبق يَسْتَطِيع انجاز مَا أنْجز فِي هَذَا الْبناء حَتَّى أَن ديوَان كسْرَى وكلستان خسرو لَا يُمكن لَهما أَن يصلا إِلَى مستوى هَذَا الْبناء.
وَفِي حديقة (فَرح نجش) نهر عَظِيم يصل إِلَيْهَا من السوَاد من مَوضِع يُقَال لَهُ (كافور باري) ويدخلها من تَحت السُّور ويصل إِلَى خزان للمياه عَظِيم، وَقد خطّ تأريخ لهَذِهِ الحديقة على لوح رُخَام قرب خزان المَاء كتب عَلَيْهِ مَا مَعْنَاهُ. اسْمهَا (فَرح نجش) اشتق من طيب هوائها ومائها فاشتهرت بذلك:
(لتكن النِّعْمَة مرافقة للساعي ببنائها ... فَجَمِيع سَعْيه مشكور)
(أردْت أَن أأرخ لهَذَا الْكَبِير والحكيم ... فَقلت يَا رب لتكن عامرة إِلَى الْأَبَد) وَبِمَا أَن شاه طَاهِر كَانَ مَعَ نعمت خَان كدورتي فقد أنْشد حول الحديقة بَيْتَيْنِ من الشّعْر قَالَ فِيمَا مَعْنَاهُ:
(مر على حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه ... وَانْظُر إِلَى أصل النشاط)
(فقد بنى نعمت خَان وَمن فضل التَّارِيخ ... فَخَرجُوا أقمارا من حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه)
وَبعدهَا أنْشد شاه نور المتخلص بنزهت من قَصَبَة (جمار كونده قلندرانه) شعرًا بِوَصْف هَذِه الحديقة، وشاه نور كَانَ على علاقَة بشاه مُسَافر النقشبندي وَصَاحب بَاعَ فِي الخطابة وخطب مرّة فِي حَضْرَة شاه مُسَافر خطْبَة تقَارب الاعجاز وشعره رفيع بمقام شعر ميرزا صائب رَحمَه الله صَاحب الدِّيوَان والقصائد الغراء. وَقد التقاه الْكَاتِب وتباحث مَعَه مطولا لمرتين، ولنزهت حَاجِب ديوَان للشعر يُقَلّد فِي كَثِيره نسق ميرزا صائب.
ونعمت خَان كَانَ فِي عهد برهَان نظام شاه ذَا سليقة شعرية وسلوك حسن ورفيع وَصَاحب حَسَنَات فريدة. ومكانة نعمت خَان فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) أظهر من الشَّمْس فَكَانَ صَاحب عمارات وَمَسْجِد وبركة مَاء خلف الْمَسْجِد ودكاكين رفيعة الشَّأْن ووقف دكاكين السُّوق وخراجها وَبنى خلف الْمَسْجِد حَماما لَا مثيل لَهُ فِي سَائِر الْبِلَاد وَقد كتب شاه ظَاهر فِي تَارِيخ بِنَاء هَذَا الْحمام (وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا) (سنة 925) .
وَكَانَ ل (نعمت خَان) ولد وَاحِد كَانَ اسْمه (الملا نادري) توفّي فِي حَيَاة وَالِده فدفنه تَحت دكان فِي شمال السُّوق، أما قبر نعمت خَان وزوجه فقد دفنا فِي دَاخل سرداب إِلَى جَانب الْمَسْجِد فِي الْجِهَة الشمالية، وَلَا ولد لَهُ. وَتلك الدكاكين والعمارات الَّتِي كَانَ يملكهَا وصلت إِلَى الخراب وَقد بيع ترابها وحجارتها، فَإِذا كَانَ تعاقب الْأَيَّام على هَذَا المنوال فَلَنْ يبْقى لَهُ بعد أَيَّام أَي ذكر أَو أَكثر فسبحان الله. لقد كَانَ يعرف بحاتم زَمَانه.
الْقِصَّة من زمن برهَان نظام شاه راج مَذْهَب الإمامية وحينها أَصبَحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) ذَات رونق جَدِيد بِفضل العمارات والدكاكين والحدائق والحمامات المتعددة والأنهر الْكَثِيرَة ... وَلما شرع برهَان نظام شاه بترويج هَذَا الْمَذْهَب مُعْتَمدًا على شاه طَاهِر فقد اسند المناصب والوظائف الَّتِي قررها أَحْمد نظام شاه بحري لأهل السّنة إِلَى أَتبَاع الْمَذْهَب الشيعي وَبنى لَهُم سورا ومسجدا عَظِيما وبركة وغرفا كَثِيرَة فِي الْجِهَة الْمُقَابلَة لقلعة (أَحْمد نكر) وأصبحت مدرسة لَهُم.
وَسمي هَذَا الْمَكَان ب (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) ووقف لَهُم قصبات (جيور) و (سيور) و (راسيابور) وَبَعض الْقرى الْأُخْرَى لنفقات السَّادة والطلبة والفضلاء من الشِّيعَة، جعل لَهُم طَعَاما يوزع عَلَيْهِم يوميا لمرتين.
أما أَسمَاء الْأُمَرَاء المعروفين فِي ذَلِك الْعَهْد فهم: مير أَحْمد الْمُخَاطب بمير مرتضى خَان تكتي، وجنكيز خَان، وشرزه خَان، واعتماد خَان، وفرهاد خَان يُوسُف، وزمرد فرهاد خَان، ونعمت خَان، ورومي خَان، وصلابت خَان كرجي، وَحَكِيم كاشي، وَصدر جهان، وَاخْتِيَار خَان، وابهنك خَان، وفولاد خَان حبشِي، وبساط خَان، وغالب خَان شَهِيد، وآتش خَان، وَسيد منتجب الدّين، وعالم خَان ميواتي، وشمشير خَان جبشي، وَسيد الهداد خَان، وَسُهيْل خَان، وَسيد جلال الدّين، وخواجه سُهَيْل، وقاسم خَان، وميرزا خَان سبزواري، وجمشيد خَان، وبهائي خَان، وجمال خَان، وبحري خَان، وَأسد خَان الرُّومِي، وبهادر خَان الكيلاني كور، وموثي خَان وَغَيرهم.
وَالِدَة برهَان نظام شاه ابْنة أحد أكَابِر استرآباد توفيت فِي (جنير) ودفنت هُنَاكَ، أما قبَّة غَالب خَان الشَّهِيد تقع على مَسَافَة رميتي سهم من مَقْبرَة قدوة الواصلين وزبدة السالكين وجامع الكمالات الصورية والمعنوية حَضْرَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الجشتي من أَتبَاع ومريدي حَضْرَة شاه نظام نارنولي، الَّتِي تتصل سلسلة بيعَته بالشيخ نصير الدّين مَحْمُود مَنَارَة دلهي قدس الله تَعَالَى أسرارهم.
وَقد توفّي برهَان نظام شاه سنة 961 وَدفن تَحت الْقبَّة فِي حديقة الرَّوْضَة إِلَى جَانب أَحْمد نظام شاه بحري، وَبعد مُدَّة نقلت رفاتهما إِلَى كربلاء ودفنت على مَسَافَة درع وَاحِدَة من الْقبَّة الْخَاص بآل الْعَبَّاس. وَكَانَ عمر برهَان نظام شاه 54 سنة حكم مِنْهَا 47 سنة. خَلفه على سَرِير الْملك وَلَده حُسَيْن نظام الْملك وَكَانَ شجاعا وكريما وحاتميا وَقَامَ بأعمال جلة وفتوحات عديدة. وَكَانَ فِي زَمَانه (رامراج) وَكَانَ لَدَيْهِ فرقة من الفرسان وتسع فرق من المشاة ويسيطر على (بيجانكر) ويتسلط على من فِيهَا وتحالف مَعَ الْكَفَرَة السامريين فِي قَصَبَة (بهنكار) وَفِي أحد الْأَيَّام فِي السُّوق وأثناء الازدحام أَخذ يتداخل بَين النَّاس ويستعطيهم، وَلما كَانَ (راجه ساهو) فِي يَد (عالمكير بادشاه) فقد نجاه من قَيده مُحَمَّد أعظم شاه ابْن عالمكير بادشاه بِالْقربِ من منْطقَة (فردابور) بِنَاء على توصية ذُو الفقار خَان ابْن وَزِير الممالك اسد خَان، وعندما رَجَعَ إِلَى الْقَوْم الْكَفَرَة اجْتَمعُوا حوله فوصل إِلَى (أَحْمد نكر) وأغار على قَصَبَة (بهنكار) وأحرق الْبيُوت، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء وَقعت على رَأسه صَاعِقَة حارقة فَاحْتَرَقَ.
أما حُسَيْن نظام الْملك فقد بنى مَسْجِدا عَظِيما سَمَّاهُ الْمَسْجِد الْجَامِع دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) فِي مَكَان مدرسة شاه طَاهِر الْمَوْقُوفَة لسَائِر الْعلمَاء وَقد حكم حُسَيْن نظام الْملك مُدَّة 13 سنة وَمَات، فخلفه وبحكم الْوَصِيَّة وَلَده مرتضى نظام الْملك بن حُسَيْن نظم الْملك وَبعد عدَّة أَيَّام أَصَابَهُ مس فِي دماغه فانزوى فِي (رَوْضَة الْجنَّة - بَاغ بهشت) فَعمد ميرزا خَان السبزواري إِلَى ربطه فِي حمام رَوْضَة الْجنَّة حَتَّى مَاتَ من حرارة الْحمام، استمرت حكومته مُدَّة سِتَّة سنوات وعدة أشهر، وَيُقَال إِن أفضل شَيْء فعله فِي حكمه هُوَ مَوته. وَفِي عَهده تولى الْخطْبَة الملا ملك القمي وَكَانَ إِلَى جَانب ذَلِك شَاعِرًا عالي الدرجَة، وَفِي عَهده كَذَلِك وصلت الخطابة إِلَى أقْصَى الدَّرَجَات فِي (أَحْمد نكر) وَكَانَ لنسق الملا ظهوري فِي النّظم والنثر طرز خَاص وَألف (ساقي نامه) (رِسَالَة الساقي) على اسْم النامي برهَان نظام شاه وَكَانَ لَهَا صفاء وطلاوة وحلاوة خَاصَّة بهَا تنم عَن ذائقة رفيعة، وعندما رأى الملا ملك القمي هَذَا التمايز وَهَذِه القابلية والكمال من الملا ظهوري زوجه ابْنَته لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَبعد سنة من وَفَاة الملا ملك القمي، انْتقل الملا ظهوري إِلَى رَحْمَة الله وَالدَّار الْبَاقِيَة فَأشْعلَ نَار فِي قُلُوب الخطباء. وعندما مَاتَ أفلاطون قَالَ هَذِه الْكَلِمَات (من الحيف أَن يَمُوت الْعلمَاءأُصِيب فِيهَا بِسَهْم الْهَلَاك وَمَات، فَأَرَادَ بعض الْأُمَرَاء تنصيب (أَحْمد) ابْن (خوابنده بكلاني) وَبَعْضهمْ أَرَادَ تنصيب (موتِي شاه) ابْن (قَاسم شاه بن برهَان نظام شاه) مِمَّا أصَاب مملكة (أَحْمد نكر) بالفتور الْعَظِيم فتحول الْأَمر وعصمة المآب وعفت الإياب إِلَى (ملكة زماني جاند بِي بِي) ابْنة حُسَيْن نظام شاه بن برهَان نظام شاه بن أَحْمد نظام شاه بن أشرف همايون نظام الْملك بحري الَّتِي فاقت أقرانها من الشجعان والمقدامين فِي قدرتها واستيعابها للمراحل الْمَاضِيَة من تواريخ السلاطين، وأصبحت سيدة على (أَحْمد نكر) واستعملت الْأُمَرَاء الأجلاء مثل عنبر جنكيز خاني الْمَعْرُوف بعدله وأمانته وتدينه وَقدرته على تَدْبِير أُمُور المملكة فَكَانَ بِلَا نَظِير وشبيه وَكَذَلِكَ استعانت ب (اعْتِمَاد خَان الثَّانِي) وَغَيره من الْأُمَرَاء. وَمَعَ تحين أول فرْصَة أصبح عنبر غُلَام جنكيز خَان وَكيلا للسلطنة وَتسَمى بِالْملكِ عنبر وَبسط سلطته مُعْلنا بَدْء دولة الْملك عنبر وَجلسَ على كرْسِي الحكم وَقد قَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك:
(لم يكن للرسول غير بِلَال ذَاك ... )
(وَبعد ألف سنة جَاءَ ملك عنبر ... )
وَلما مَاتَ الْملك عنبر دفن فِي رَوْضَة (خلد آباد) بِالْقربِ من (دولت آباد) بِالْقربِ من قبَّة قدوة الواصلين وزبدة العارفين السَّيِّد يُوسُف بن السَّيِّد عَليّ بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الدهلوي الدولت آبادي الْمَشْهُور ب (سدراجا) وَالْمَعْرُوف فِي هَذَا الْوَقْت ب (شاه راجو قتال) ، وَالِد الْمَاجِد حَضْرَة السَّيِّد مُحَمَّد كيسو دراز قدس الله تَعَالَى أسرارهم وَبني فَوق قَبره قبَّة عَظِيمَة الشَّأْن.
وعندما وصلت أَخْبَار الإفراط والتفريط بسلطنة (أَحْمد نكر) إِلَى أكبر شاه، جرد الْأَمِير الشاه مُرَاد عسكرا جرارا يرافقه الْأُمَرَاء المعروفين قَاصِدا السيطرة على (أَحْمد نكر) ، وعندما علمت (جاند بِي بِي) بِهَذَا الْخَبَر سارعت إِلَى تنصيب بهادر نظام شاه ابْن إِبْرَاهِيم نظام شاه بن برهَان نظام شاه على عرش (أَحْمد نكر) وتفرغت للاستعداد إِلَى الْحَرْب والقتال وإدارة الدولة، وَبعد عدَّة أشهر حاصر شاه مُرَاد قلعة (أَحْمد نكر) وَهزمَ فَعَاد إِلَى دلهي فَتوفي فِي أثْنَاء عودته، فَأَرَادَ الْأَمِير دانيال معاودة فتح (أَحْمد نكر) والسيطرة على ملك (الدكن) فَاسْتَأْذن لذَلِك الْخَانَات وكل من ميرزا شاه رخ وميرزا يُوسُف خَان، فحاصر الشاه دانيال (أَحْمد نكر) لمُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَفتحهَا فِي النِّهَايَة بِوَاسِطَة حِيلَة مُحرمَة سنة (1008) وَقبض على بهادر نظام الْملك، أما (جاند بِي بِي) الَّتِي كَانَت رائعة الْجمال بحسنها وشديدة العفاف فخافت أَن تقع فِي يَد عَسَاكِر دلهي الَّتِي سَمِعت عَنْهُم أَنهم سَوف يهتكون سترهَا، فرمت بِنَفسِهَا فِي حَوْض من (مَاء النَّار) فتحولت فِي طرفَة عين إِلَى أثر بعد عين فَكَانَ مَوتهَا سترا لَهَا من يَد الْعَسْكَر والمحارم عَنْهَا. و (جاند بِي بِي) هَذِه كَانَت مخطوبة لأحد أَبنَاء سلاطين (بيجابور) وَكَانَ والدها قد أرسلها بوفير التَّجْهِيز وَركب عَظِيم إِلَى زَوجهَا فِي (بيجابور) فَكَانَ برفقة الْأُمَرَاء وَأَصْحَاب السلطة فِي استقبالها، وَلكنهَا وَفِي لَيْلَة الزفاف رَأَتْ من زَوجهَا مَا كدرها، وَأَنه لَا يَلِيق بهَا فاعتزلته، حَتَّى آخر اللَّيْل وَفِي الصَّباح خرجت من (بيجابور) راكبة حصانها عَائِدَة إِلَى (أَحْمد نكر) . فلحقتها أَفْوَاج عديدة من (بيجابور) ولمسافة أَرْبَعِينَ فرسخا ساعين إِلَى اعادتها لكِنهمْ لم يوفقوا إِلَى ذَلِك فَعَادَت ظافرة غانمة إِلَى دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) أما اعْتِمَاد خَان الثَّانِي وبسبب من وسواس كَانَ فِي باله فَإِنَّهُ ذهب إِلَى (بجنير) وعندما حوصرت (جاند بِي بِي) من قبل الْأَمِير دانيال ارسلت لَهُ رِسَالَة تعهد مختومة بخاتمها الْخَاص ونقشت عَلَيْهَا كف يَدهَا المضمخة بالزعفران والصندل ورسالة التعهد هَذِه مَوْجُود لَدَى أَوْلَاد اعْتِمَاد خَان، وبرأي الْكَاتِب فَإِن أَصَابِع تِلْكَ الْيَد العفيفة طَوِيلَة وضعيفة وراحة يَدهَا صَغِيرَة وَكَانَت تلبس خَاتمًا فِي خنصرها، وَقد تملك كل من كَانَ حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَشَاهد هَذَا التعهد وَنقش الْيَد عَلَيْهِ وانتبه إِلَى البلاغة والفصاحة والعبارة الَّتِي يتحلى بهَا هَذَا التعهد ومعانيه المتنوعة والمتينة تغلب عَلَيْهِ الْحَسْرَة ويسيل الدمع أسفا عَلَيْهَا وَيضْرب أَخْمَاسًا بأسداس.
إِن بَلْدَة (أَحْمد نكر) وَحَتَّى كِتَابَة هَذِه السطور قد تعرضت ثَلَاثَة مَرَّات للغارات:
الْمرة الأولى: عِنْدَمَا هاجمها الْكَافِر الشقي (رامراج) حَاكم (بيجانكرد) فِي عهد حُسَيْن نظام شاه بأفواجه الجرارة من الفرسان والمشاة الكثر واحتل (أَحْمد نكر) وذبحوا الْخَنَازِير فِي مَسْجِد (لنكرد) الْأَئِمَّة الاثنا عشر عَلَيْهِم وعَلى جدهم الأمجد الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَقِي فِي الْمَدِينَة مُدَّة تِسْعَة أشهر محاصرا قلعتها غير أَنه انهزم فِي النِّهَايَة وهرب مهزوما خائبا وخاسرا.
الْمرة الثَّانِيَة: حِين استغل (بابونا) ابْن الْملك عنبر جنكيز خَان اضْطِرَاب العلاقة بَين السلطة النظامية والأمراء فَأَغَارَ على (أَحْمد نكر) واحرق عمارات الْأُمَرَاء المبنية من الْخشب، وَكَذَلِكَ الْبيُوت الْوَاقِعَة فِي أَعلَى بوابة (كلان) فِي محلّة شاه طَاهِر وَأبقى على أبنية أهل الْحَرْف والغرباء وَالَّذين عاونوه.
الْمرة الثَّالِثَة: كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة فِي عهد مُحَمَّد فرخ سير حَاكم (دلهي) فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي زمن أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان الْمُتَوَلِي على (الدكن) وَكَانَ يتَوَلَّى امرة القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان (كهندو دبهارية) من طرف عَسَاكِر (غنيم) الْبَالِغَة أَرْبَعِينَ ألف خيال وراجل الَّذين انحدروا إِلَيْهَا من نَاحيَة (كنجاله) و (نيبه دهيره) وحاصروها (أَي أَحْمد نَكِير) ، وَلم يسْتَطع مُحَمَّد إِبْرَاهِيم مُتَوَلِّي القلعة من قبل آمرها الصمود بِوَجْهِهِ هَؤُلَاءِ لقلَّة الْعدَد الَّذِي كَانَ مَعَه فَخرج من القلعة فَارًّا مِنْهَا قبل سُقُوطهَا بساعات فَدَخلَهَا المغيرون وَعمِلُوا بالنهب وَالسَّلب طوال اللَّيْل وَبَعض النَّهَار التَّالِي واحرقوا كثيرا من الْأَبْنِيَة والدكاكين، وَلما سمع المغيرون أَن سيف الدّين عَليّ خَان شَقِيق أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان قد وصل إِلَى مشارف (كنجاله) وَمَعَهُ خَمْسُونَ ألف فَارس قَاصِدا النّيل من (غنيم) عَمدُوا إِلَى الْفِرَار. حينها لم يسْتَطع أَكثر السَّادة والفقراء الْوُصُول إِلَى القلعة فلجأوا بأهلهم وعيالهم إِلَى (تاراجى) وَالْكَاتِب حينها لم يكن قد بلغ سنّ الْبلُوغ بعد فَذهب مَعَ وَالِده الْمَاجِد المرحوم بعد صَلَاة الظّهْر إِلَى القلعة وَقَالَ للشَّيْخ فتح مُحَمَّد الملا من قَصَبَة (جيور) وَكَانَ من الْفُقَهَاء القدماء لَدَى وَالِده طَالبا مِنْهُ أَن يُوصل الْأَشْيَاء المهمة والمستورات إِلَى القلعة وَكَذَلِكَ إِيصَال مَا تحويه المكتبات من كتب الَّتِي كَانَ يعدها هَذَا الشَّيْخ أهم من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْجَامِع. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أَمر بتحميل جَمِيع الْكتب الَّتِي كَانَت فِي (بالكي وبهل) وأرسلها إِلَى القلعة أما مَا بَقِي من أثاث الْبَيْت والماشية فقد نهب وسرق، وَيَقُول الشَّيْخ عصمت الله ابْن الشَّيْخ تَاج مُحَمَّد أَنه قضى اللَّيْل كُله على سطح منزله الْوَاقِع فِي محلّة شاه طَاهِر دكهني خوفًا من أَن يَنَالهُ أَذَى جمَاعَة غنيم، وَأَنه شَاهد هَؤُلَاءِ المغيرين يخرجُون من منزل (شعريعت بناه) اثْنَا عشر جملا محملًا بالفرش والأواني وَغَيرهَا من الْمَتَاع وَأَن كثيرا من أرزاق وَأَسْبَاب معاش الْفُقَرَاء وَأهل الْحَرْف والشرف والغرباء ذهب نهبا وأحرقت مَنَازِلهمْ وَتَفَرَّقُوا فِي جَمِيع الأنحاء. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي كَانَت (أَحْمد نكر) تحترق فِيهَا، كَانَت النَّار ترى على مَسَافَة سِتَّة فراسخ من جَمِيع الْجِهَات، ويحضر فِي بالي أنني فِي حينها شَكَوْت إِلَى والدتي الماجدة المرحومة الْجُوع فَلم يكن لَدَيْهَا شَيْء، وَفِي منتصف الْيَوْم الثَّانِي أرسل صَاحب القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان طَعَاما، فَمَا كَانَ من وَالِدي إِلَّا أَن قسمه على التَّابِعين والأقرباء. وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاء جَاءَ الشَّيْخ عبد الْملك قريب وَالِدي بِخَبَر مفاده أَن جَمِيع دكاكين السُّوق ومنازل النَّاس، وَمَا أخرجناه من غلَّة قد احْتَرَقَ، كَمَا احْتَرَقَ منزلنا ومحلنا وديوانيتنا، وَمَا بَقِي لنا هُوَ السَّلامَة، فَشكر وَالِدي الله على هَذِه النِّعْمَة.
وَقَالَ راجي مُحَمَّد وَهُوَ شخص ورع وشريف وكهاران بالكي أَنه يجب إرْسَال بعض الْغلَّة إِلَى القلعة وتوزيعها على أَتبَاع شاه أَبُو تُرَاب وشاه قَاسم وَغَيرهم من أَبنَاء شاه طَاهِر دكهني وَكَذَلِكَ الأتباع من السَّادة الْأَشْرَاف وَأهل الْمعرفَة والحقيقة فالسيد بخش الْكرْمَانِي الخيرآبادي قدس سره الَّذِي حزت شرف خدمته وقرأت عَلَيْهِ بعض
رسائل الْمنطق وكل من يسْتَحق من الْجِيرَان فَمَا كَانَ مِنْهُم إِلَّا أَن أوصلوا ذَلِك إِلَى القلعة ووزعوه من سَاعَته على الْجَمِيع وَهَذَا مَا يشْهد لوالدي بِتِلْكَ الهمة الْعَالِيَة فِي فعل الْخَيْر وخدمة الْفُقَرَاء والسادة وَهِي صِحَة أظهر من الشَّمْس وَأبين من الأمس. فقد كَانَ يوزع الطَّعَام على الْفُقَرَاء مطبوخا ونيئا، وَقد وضع عدَّة قطع من الأَرْض فِي تصرف الْقَضَاء من جُمْلَتهَا (يكجاور وبنجاه بيكه) من الأَرْض من أجل سد حاجات الْكِبَار وَهِي بَاقِيَة حَتَّى الْآن وَقد أضفت عَلَيْهَا بعض الْأَرَاضِي وفقا على حاجات السَّادة. وَقد تلقى وَالِدي المرحوم هَذِه الْخِصَال الحميدة والعقيدة والتربية من الْعَارِف بِاللَّه الغواص فِي بحار معرفَة الله حَضْرَة الشاه عبد الْمَاجِد نبيره قدوة الواصلين وزبدة السالكين حَضْرَة الشاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله تَعَالَى أسرارهما، وَكَذَلِكَ من حَضْرَة الشاه نصير الدّين خلف الصدْق شاه عبد الْمَاجِد وَكَذَلِكَ الملا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مشاهير عُلَمَاء (أَحْمد آباد) صَاحب التصانيف أنار الله برهانهم ودرس عَلَيْهِ الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة المطولة ودرس التجويد على فريد الْعَصْر الشَّيْخ فريد رَحْمَة الله عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ الْحَوَاشِي والمعروفة عَليّ الْمولى زَاده وَكتب دراسية أُخْرَى مَشْهُورَة ومعروفة، واتصل فِي (بيران بتن) بِخِدْمَة الفاضلي العارفي الَّذِي كَانَ يجلس مُنْفَردا فِي مَسْجِد (آدينه) ونال مَعَه الْبركَة والسعادة والتوفيق، وبأمر مِنْهُ ذهب إِلَى (شاه جهان آياد) وَتَوَلَّى قَضَاء (دهولقه) من تَوَابِع (أَحْمد آباد) فَقضى فِيهَا خمس سِنِين ثمَّ استعفى من ذَلِك وَعَاد إِلَى (أَحْمد آباد) واتصل بِخِدْمَة المرشد لعدة سنوات حظي فِيهَا بالتوفيق وَلما كَانَ المرشد يُرِيد الالتحاق بِجَيْش مُحَمَّد اورنك زيب عالمكير المعسكر فِي قَرْيَة (كلكله) ، فقد عزم الْأَمر على الرحيل، وَلما صَادف مُرُور الْعَسْكَر بِجَانِب (أَحْمد نكر) وَكَانَ فِيهَا آنذاك شاه عَسْكَر قدس سره الَّذِي وصلت إِلَيْهِ شهرة الْوَاحِد فَأَرَادَ الِاتِّصَال بِهِ وَكَانَ حينها يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشرَة) ، وَبِمَا أَن المرحوم وَالِدي كَانَ قد سمع عَن كمالاته فَأحب أَن يلازمه، وَلكنه وَهُوَ فِي الطَّرِيق أَخذ يفكر فِي مَاهِيَّة مَذْهَب شاه عَسْكَر فِي حِين أَنه يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) وَهُوَ مَعْرُوف أَنه لأتباع الْمَذْهَب الإمامية، ولكنهما عِنْدَمَا التقيا وتباحثا فِي الْمسَائِل والقضايا، وَبَان الِاتِّفَاق بَينهمَا، فَقَامَ وَالِدي بتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، فَأَجَازَهُ، فالتحق وَالِدي بالعسكر وَأمره بِقَضَاء (أَحْمد نكر) ، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء زَارَهُ طَائِر الْمَوْت فَتوفي وَجعل قَبره مَا بَين (أَحْمد نكر) و (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) خَارج بوابة (شاه كنج) ، بعد ذَلِك وبسبب من ظلم مُتَوَلِّي (أَحْمد نكر) الَّذِي كَانَ يحمي الْكفَّار وَيظْلم النَّاس قرر المرحوم وَالِدي السكن فِي قلعة (أَحْمد نكر) ، فَلم يبْق أحد من أكَابِر والسادات وَجَمَاعَة الْمُسلمين إِلَّا وأتى إِلَى قلعة (أَحْمد نكر) طَالبا مِنْهُ أَن يعود للسكن فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَلكنه لم يقبل. وَفِي سنة (1130) وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس التَّاسِع عشر من شهر شَوَّال فِي الهزيع الْأَخير من اللَّيْل فَارق الدُّنْيَا إِلَى الدَّار الْآخِرَة، وَدفن فِي مَقْبرَة حَضْرَة شاه
بنكالي قدس سره الْوَاقِعَة فِي مُقَابل القلعة وَقد كَانَ عثماني النّسَب يَعْنِي أَنه من أَوْلَاد جَامع الْقُرْآن كَامِل الْحَيَاة وَالْإِيمَان حَضْرَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجده الْأَعْلَى صَاحب الْفَضَائِل والكمالات الْوَاصِل إِلَى منزلَة الْحَقَائِق والمعارف قدوة العارفين حَضْرَة مَوْلَانَا حسام الدّين قدس سره وَنور مرقده. وينتسب إِلَيْهِ عَن طَرِيق الشَّيْخ عبد الرَّسُول ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْوَارِث ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْملك ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ حسام الدّين العثماني قدس الله تَعَالَى أسرارهم ومرقده الشريف يَقع فِي (كلكشت) من نَاحيَة (كبيرنبج) الْوَاقِع على بعد سِتَّة فراسخ من (أَحْمد آباد) إِلَى الْجِهَة الغربية وَهُوَ مقصد للزائرين. والناحية الْمَذْكُورَة تعْتَبر موطن وَمَكَان ولادَة المرحوم وَالِدي وأجداده. وَقد توَلّوا فِيهَا الْقَضَاء والخطابة مُنْذُ الْقَدِيم، أما جده لأمه فَهُوَ الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فِي بحار معرفَة الله (مخدوم شيخو) قدس الله سره الْعَزِيز وَهُوَ فيض من جناب قدوة الواصلين وزبدة العارفين أستاذ الْجَمِيع حَضْرَة شاه (وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين) الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله سرهما وَنور مرقدهما. وَقد أنْشد الشَّاعِر (بزركي) قصيدة فِي شمائل هَذَا الشَّيْخ تقع فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بَيْتا تحدث فِيهَا عَن فَضَائِل وأخلاق وَعلم ودرجة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل ومكانته العلمية والأدبية والاجتماعية وموقعه الديني فِي زَمَانه.

الدّليل

الدّليل:
[في الانكليزية] Proof ،demonstration ،sign
[ في الفرنسية] Preuve ،demonstration ،indice ،signe
لغة المرشد وهو الناصب والذاكر وما به الإرشاد. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع لأنّه نصب العالم دليلا على نفسه أو العالم بكسر اللام لأنّه الذي يذكر للمستدلّين كون العالم دليلا على الصانع أو العالم بفتح اللام لأنّه الذي به الإرشاد كما في العضدي. وعند الأطباء هو العلامة كما يستدلّ من حمرة القارورة على غلبة الدم، ومن صفرته النارنجية على الصفراء، كذا في السديدي شرح المؤجز. وفي بحر الجواهر الدليل هو علامة يهتدي بها الطبيب إلى المرض. وقد يطلق على القارورة لأنّه يهتدي بها إليه. وإنّما خصّ الأطباء البول بالدليل تنبيها على أنّ له مدخلا عظيما في الاستدلال على أحوال البدن انتهى.
وعند المنجّمين هو المزاعم كما سيجيء. وعند الأصوليين له معنيان، أحدهما أعمّ من الثاني مطلقا. فالأول الأعمّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وهو يشتمل القطعي والظنّي، وهذا المعنى هو المعتبر عند الأكثر. والثاني الأخصّ هو ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري وهذا يخصّ بالقطعي وهو القطعي المسمّى بالبرهان. والعلم بمعنى اليقين على اصطلاح المتكلّمين والأصوليين والظنّي يسمّى أمارة، هكذا ذكر السيد الشريف في حاشية العضدية، وهكذا اصطلاح المتكلّمين كما في المواقف وشرحه. إلّا أنّه ذكر له معان ثلاثة، حيث قال:
الطريق ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب فإن كان المطلوب تصورا سمّي طريقه معرّفا وإن كان تصديقا سمّي طريقه دليلا. وهو أي الدليل بالمعنى المذكور يشتمل الظنّي الموصل إل الظنّ كالغيم الرطب الموصل إلى الظنّ بالمطر، والقطعي الموصل إلى القطع كالعالم الموصل إلى العلم بوجود الصانع. وقد يخصّ الدليل بالقطعي ويسمّى الظنّي أمارة، وقد يخصّ الدليل أيضا مع التخصيص الأول بما يكون الاستدلال فيه من المعلول على العلّة ويسمّى برهانا إنّيا ويسمّى عكسه، وهو ما يستدل فيه من العلة على المعلول تعليلا وبرهانا لمّيا. والدليل عند الميزانيين منقسم إلى القياس والاستقراء والتمثيل لأنّ الدليل لا يخلو إمّا أن يكون على طريق الانتقال من الكلّي إلى الكلّي أو إلى الجزئي فيسمّى برهانا وقياسا، أو من الجزئي إلى الكلّي فيسمّى استقراء، أو من الجزئي إلى الجزئي فيسمّى تمثيلا، هكذا في حواشي السلم.
وذكر المحقق التفتازاني في حاشية العضدي أنّه قال الآمدي: أمّا الدليل فقد يطلق في اللغة بمعنى الدال وهو الناصب للدليل.
وقيل الذاكر له، وقد يطلق على ما فيه دلالة وإرشاد وهو المسمّى دليلا في عرف الفقهاء سواء أوصل إلى علم أو ظن. والأصوليون يفرّقون فيخصّون الدليل بما يوصل إلى علم والامارة بما يوصل إلى ظن، فحدّه عند الفقهاء ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وعند الأصوليين ما يمكن التوصّل به إلى العلم بمطلوب خبري. ثم قال المحقّق التفتازاني والأقرب أنّ اصطلاح الأصول ما ذكره الشارح أي شارح مختصر الأصول وهو عضد الملّة والدين. وبعد هذا فنشرع في شرح التعريف للدليل بالمعنى الأول فإنّه يكفيك.
فنقول اعتبر إمكان التوصّل إذ الدّليل من حيث هو دليل لا يعتبر فيه التوصّل بالفعل فإنّه لا يخرج عن كونه دليلا بأن لا ينظر فيه أصلا، ولو اعتبر وجود التوصّل يخرج عن التعريف ما لم ينظر فيه أحد أبدا، والإمكان إن أريد به الإمكان الخاص يختص التعريف بمذهب الأشعري، وإن أريد به الإمكان الجامع للوجوب والفعل فيشتمل التوصّل عادة كما هو مذهب أهل السّنة. والتوصّل توليدا كما هو مذهب المعتزلة. والتوصل اعدادا كما هو مذهب الحكماء. والتوصّل لزوما كما هو مذهب الرازي يصحّ التعريف على جميع المذاهب المذكورة. وحيث كان التوصل أعمّ من أن يكون إلى علم أو ظنّ يتناول التعريف القطعي والظنّي. والمراد بالنظر فيه ما يتناول النظر في نفسه والنظر في أحواله وصفاته بأن يطلب من أحواله ما هو وسط مستلزم للحال المطلوب إثباته للمحكوم عليه. وترتب مقدمتان إحداهما من الوسط والمحكوم عليه وثانيتهما من الوسط، والحال المطلوب إثباته ويحصل منهما المطلوب الخبري، كالعالم فإنّه دليل على وجود الصانع إذا نظر في أحواله كالحدوث بأن يقال العالم حادث وكلّ حادث فله صانع، والمقدّمات المتفرّقة والمترتبة الغير المأخوذة مع الترتيب إذا نظر في أنفسها بأن ترتب ترتيبا صحيحا مستجمعا لشرائط الإنتاج يتوصّل بها إلى المطلوب الخبري. وبالجملة فقوله النظر في نفسه يتناول التصوّرات المتعدّدة متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدّمات متفرّقة أو مترتّبة كذلك. وقوله والنظر في أحواله يتناول المفرد فقط، فعلم من هذا أنّ الدليل عندهم قسمان: مفرد ومركّب وهو المقدّمات الغير المأخوذة مع الترتيب. وأمّا المقدمات المأخوذة مع الترتيب فهي خارجة عن تعريف الدليل عندهم، وأمّا عند المنطقيين فهي الدليل لا غير.
فأقول إذا تناول النظر ما يتناول النظر في نفسه والنّظر في أحواله فيتناول التعريف التصوّرات المتعدّدة متفرّقة كانت أو مترتبة لم تؤخذ مع الترتيب، والمقدمات متفرقة أو مترتبة كذلك. أمّا إذا أخذت مع الترتيب فهي خارجة عن التعريف لاستحالة النّظر فيها، إذا النظر هو الترتيب. وكذا يتناول المفرد الذي من شأنه إذا نظر في أحواله يوصل إلى المطلوب كالعالم مثلا فإنه أيضا يسمّى عندهم دليلا رعاية لظاهر ما ورد به النصوص فإنّها ناطقة بكون السموات والأرض وما فيها أدلة. وبالجملة لو لم يرد العموم فإن خصّ بالنظر في نفسه خرج المفرد مع أنّه دليل عندهم، وإن خصّ بالنظر في أحواله خرج المعرّف مطلقا بهذا القيد إذ لا يقع الترتيب في أحواله فيلزم استدراك قيد الخبري فلا بد من التعميم فإذا عمّم النظر ظهر تناوله للجميع وقيد النظر بالصحيح وهو المشتمل على شرائطه مادّة وصورة إذ الفاسد ليس في نفسه سببا للتوصل ولا آلة له، وإن كان قد يفضي إليه فذلك إفضاء اتفاقي، فلو لم يقيد وأريد العموم خرجت الدلائل بأسرها إذ لا يمكن التوصّل بكل نظر فيها، وإن اقتصر على الإطلاق لم يكن هناك تنبيه على افتراق الصحيح والفاسد في ذلك. والحكم بكون الإفضاء في الفاسد اتفاقيا إنّما يصحّ إذا لم يكن بين الكواذب ارتباط عقلي يصير به بعضها وسيلة إلى بعض أو يخصّ بفساد الصورة أو بوضع ما ليس بدليل مكانه. وتقييد المطلوب بالخبري لإخراج المعرّف. ولو قيد المطلوب بالتصوّر يصير تعريفا للمعرّف، وإن جرّد عن القيدين يصير حدّا للمشترك بينهما أعني الموصل إلى المجهول المسمّى بالطريق عندهم.
وعند المنطقيين له معنيان أيضا أحدهما أعمّ من الثاني كما ذكر السيّد الشّريف في حاشية العضدي. الأول الموصل إلى التصديق قياسا كان أو تمثيلا أو استقراء، والثاني القياس البرهاني. وعلى الأول عرّف بأنّه قولان فصاعدا يكون عنه قول آخر. والمراد بالقولين قضيتان معقولتان أو ملفوظتان، فإنّ الدليل كالقول والقضية يطلق على المعقول والمسموع اشتراكا أو حقيقة ومجازا. وقيل أي مركّبان ويخرج بقوله يكون عنه قول آخر قولان فصاعدا من المركبات التقييدية أو منها ومن التّامة كما يخرج قولان من التامة إذا لم يشتركا في حدّ أوسط.
وإنّما قال فصاعدا ليشتمل القياس المركّب.
وفي توحيد الضمير وتذكيره في عنه تنبيه على أنّ الهيئة لها مدخل في ذلك. قيل إنّما وصف القول بالآخر ليخرج عنه مجموع أيّة قضيتين اتفقتا فإنّه يستلزم إحداهما. وهذا لا يصحّ هاهنا إذ لا تكون عنه إحداهما. ولمّا اعتبر حصول القول الآخر سواء كان لازما بيّنا أو غير بيّن أو لا يكون لازما يتناول الحدّ الأمارة وغيرها لأنّه يجمع التمثيل والاستقراء والقياس البرهاني والجدلي والخطابي والشعري والمغالطي. وعلى الثاني عرّف بأنّه قولان فصاعدا يستلزم لذاته قولا آخر إذ هذا يختص بالقياس البرهاني، إذ غير البرهان لا يستلزم لذاته شيئا آخر لأنّه لا علاقة بين الظنّ وبين شيء يستفاد هو منه لانتفائه مع بقاء سببه الذي يوصل منه إليه كالغيم الرّطب يكون أمارة للمطر ثم يزول ظنّ المطر بسبب من الأسباب مع بقاء الغيم بحاله. فإن قيل قد أطبق جمهور المنطقيين على اعتبار قيد الاستلزام في تعريف القياس وجعلوه مع ذلك شاملا للصناعات الخمس. أجيب بأنّهم زادوا قيدا آخر هو تقدير تسليم مقدماته. فالاستلزام في الكلّ إنّما هو على ذلك التقدير وأمّا بدونه فلا استلزام إلّا في البرهان، وفساده ظاهر لأنّ التسليم لا مدخل له في الاستلزام، فإنّ تحقّق اللزوم لا يتوقف على تحقّق الملزوم ولا اللازم، ويجيء أيضا في لفظ القياس مع بيان فائدة قيد تقدير التسليم، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي. والظاهر أنّ هذا التعريف شامل للصناعات الخمس مرادف للقياس، ويؤيده ما ذكر الهداد- الهادية- في حاشية الكافية في تقسيم الكلمة إلى الاسم وأخويه من أنّ الدليل والقياس في اصطلاح المنطقيين بمعنى واحد، وهو قول مؤلّف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر انتهى.
نعم قد يطلق الدليل عندهم على معنى أخصّ أيضا وهو البرهان كما عرفت، ولكن هذا التعريف ليس تعريفا له وإن ذكروه في تعريفه.
قيل وفي هذا التعريف الثاني بحث وهو أنّ فيضان النتيجة بطريق العادة عند الأشاعرة ولا استلزام ذاتيا هناك، إذ لا مؤثّر إلّا الله سبحانه.
فإن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا كما هو المتبادر صحّ التعريف الثاني على رأي أصحابه دون الواقع بخلاف الأول فإنّه صحيح مطلقا، إذ لم يذكر فيه الاستلزام الذاتي، وإن حمل على الدوام والامتناع العادي فقد عدل به عن ظاهره انتهى. يعني أنّ هذا التعريف صحيح عند من عرّفه به غير صحيح بحسب الواقع ونفس الأمر إن أريد بالاستلزام الذاتي ما هو المتبادر منه، أو معدول به عن ظاهره إن حمل الاستلزام الذاتي على الدوام فلا يخلو عن الاضطراب. أقول صحة التعريف يكفي فيها انطباقه على مذهب من يقول به، وكونه غير مطابق للواقع لا يضرّه في صحته كما لا يخفى. ولذا قال المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي: إن أريد بالاستلزام الذاتي امتناع الانفكاك عنه لذاته عقلا لا يصح التعريف إلّا على مذهب الحكماء والمعتزلة، وإن أريد به امتناع الانفكاك في الجملة عقليا كان أو عاديا يصحّ على رأي الأشاعرة أيضا انتهى. لكن بقي هاهنا شيء وهو أنّ الدليل باصطلاح المنطقيين والحكماء يباين الدليل باصطلاح المتكلّمين والأصوليين. فما عرّفه به أحد الفريقين كيف ينطبق على مذهب الفريق الآخر.
أقول أمّا وجه تطبيق هذين التعريفين المذكورين للدليل على مذهب المتكلّمين والأصوليين فبأن يراد بالقولين الغير المرتّبين، ويراد بالتكوّن والاستلزام ما يكون بالنظر الصحيح في أنفسهما، فيكون هذان التعريفان تعريفين لأحد قسمي الدليل عندهم وهو المركّب. وأمّا وجه تطبيق تعريف الدليل بأنّه ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى آخره فبأن يراد بلفظ ما المقدمات المأخوذة مع الترتيب؛ كأنّه قيل الدليل مقدمات مترتّبة يتوصّل بها بسبب النظر الصحيح فيها أي بسبب ترتيبها إلى المطلوب الخبري، هذا ما عندي.
وعرف الدليل أيضا بما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والمراد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني بقرينة أنّ الدليل لا يطلق اصطلاحا إلّا على الموصل إلى التصديق المقابل للمعرّف، فخرج المعرّف بالنسبة إلى المعرّف والملزوم بالنسبة إلى اللازم، فإنّ تصوّر الملزوم يستلزم تصوّر اللازم لا التصديق به. والمراد بلزومه من آخر كونه حاصلا منه بأن يكون علّة له بطريق جري العادة أو التوليد أو الإعداد بقرينة كلمة من، فإنّه فرّق بين اللازم للشيء وبين اللازم من الشيء فتخرج القضية المستلزمة لقضية أخرى كالعلم بالنتيجة فإنّه يستلزم العلم بالمقدمات المستنتجة منها سواء كانت بديهية أو كسبــية. لكن يرد عليه ما عدا الشكل الأول لعدم اللزوم بين علم المقدّمات على هيئة غير الشكل الأول وبين علم النتيجة لا بيّنا وهو ظاهر، ولا غير بيّن لأنّ معناه خفاء اللزوم وحيث لا لزوم لا خفاء، إذ الخفاء إنّما يتصوّر بعد وجود اللزوم. وأجيب بأنّ تفطن كيفية الاندراج شرط الإنتاج في كل شكل، فالمراد ما يلزم من العلم به بعد تفطن كيفية الاندراج. ولا شكّ في تحقق اللزوم في جميع الأشكال. ويمكن أن يقال إطلاق الدليل على الأشكال الباقية باعتبار اشتمالها على ما هو دليل حقيقة وهو الشكل الأول. وأيضا يرد عليه المقدمات التي تحدس منها النتيجة وهي بعينها واردة على تعريفه السابق وهو قولان فصاعدا، يستلزم عنه قول آخر، اللهم إلّا أن يراد بالاستلزام واللزوم ما يكون بطريق النظر بقرينة أنّ التعريف للدليل، فحينئذ لا انتقاض لفقدان النظر لأنّه عبارة عن الحركتين، والحركة الثانية مفقودة في الحدس.
ثم هذا التعريف أوفق باصطلاح المنطقيين سواء أريد بالعلم التصديق مطلقا أو اليقيني لأنّ لزوم العلم بشيء آخر من غير أن يتوقّف على أمر إنّما هو في المقدّمات مع الترتيب دون المفرد، والمقدمات الغير المأخوذة مع الترتيب. ويمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين والأصوليين أيضا بأن يقال المراد باللزوم اللزوم بشرط النظر، والدليل المفرد بشرط النظر في أحواله يستلزم المطلوب الخبري، فإنّ العلم بالعالم من حيث الحدوث بأن يتوسّط بين طرفي المطلوب، فيقال العالم حادث وكل حادث فله صانع يستلزم العلم بأنّ العالم له صانع، هذا خلاصة ما في الخيالي وحاشيته للمولوي عبد الحكيم.
تنبيه
قد علم مما سبق أنّ الدليل عند الأصوليين والمتكلّمين سواء أخذ بحيث يعمّ القطعي والظني أو بحيث يخصّ بالقطعي أو بحيث يخصّ بالبرهان الإنّي ينقسم إلى قسمين:
مقدمات متفرقة أو مترتّبة لم تؤخذ مع الترتيب والمفردات. وأنّ الدليل عند المنطقيين سواء أخذ بحيث يعمّ القياس وغيره أو بحيث يختصّ بالقياس أو بحيث يختصّ بالقياس البرهاني هو القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما لا غير فالمعنيان المصطلحان متباينان صدقا. ومن زعم تساويهما في الوجود بشرط النّظر في المعنى الأصولي لزمه القول بوجوده أي بوجود المعنى الأصولي في الكواذب. والحاصل أنّ الدليل عند الأصوليين على إثبات الصانع العالم مثلا؛ وكذا قولنا العالم حادث وقولنا وكلّ حادث فله صانع. وعند المنطقيين مجموع قولنا العالم حادث وكل حادث فله صانع، هكذا ذكر السيّد السّند في حاشية العضدي.
اعلم أنّه ذكر في بعض شروح هداية النحو في الخطبة الدليل في اللغة الهادي والمرشد وفي الاصطلاح هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. وعند الفلاسفة عبارة عن مجموع الأقوال التي يؤدّي تصديقها إلى تصديق قول وراء تلك المجموع. وعند الأصوليين عبارة عما يستدل بوقوعه وبشيء آخر من حالاته على وقوع غيره وعلى شيء من أوصافه على ما صرّحوا في موضعه. وعند المتكلّمين هو الذي يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري. وعند المنطقيين قول مؤلّف من قضايا يستلزم لذاته قولا آخر وهو قياس واستقراء وتمثيل، ويرادفه الحجّة انتهى.
أقول وفيما ذكره نظر فإنّ قوله وفي الاصطلاح إن أراد به اصطلاح النحاة بقرينة أنّ الكتاب في علم النحو فلا نسلم أنّ للنحاة اصطلاحا منفردا في هذا اللفظ مع أنّك قد عرفت أنّ مرجع ذلك التعريف إمّا إلى اصطلاح أهل الميزان أو إلى اصطلاح المتكلّمين أو أهل الأصول. وإن أراد به اصطلاح العلماء بمعنى أنهم جميعا يعرفون بهذا التعريف وإن اختلف وجهه فلا يفيد كثير فائدة. وأيضا لا خفاء في أنّ محصّل التعريف المنقول عن الفلاسفة هو أنّ الدليل بمعنى الموصل إلى التصديق قياسا كان أو غيره، وقد عرفت أنّ هذا المعنى من مصطلحات أهل الميزان، فلا يعرف للفلاسفة اصطلاحا منفردا، بل الظاهر أنهم يوافقون في هذا لأهل الميزان. وأيضا محصّل التعريف المنقول عن الأصوليين هو أنّ الدليل ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وقد عرفت أنّه لا فرق في الاصطلاح بينهم وبين المتكلّمين لا في هذا التعريف الأعمّ ولا في التعريف الأخصّ الذي نسبه ذلك الشارح إلى المتكلمين، فالتعويل على ما ذكرناه سابقا.
التقسيم

قال المتكلّمون: الدليل إمّا عقلي بجميع مقدماته قريبة أو بعيدة، أو نقلي بجميعها، أو مركّب منهما. والأول هو الدليل العقلي المخصوص الذي لا يتوقّف على السمع أصلا. والثاني النقلي المحض وهذا لا يتصوّر إذ صدق المخبر لا بد منه حتى يفيد العلم وأنّه لا يثبت إلّا بالعقل. والثالث أي المركّب منهما هو الذي يسمّيه معاشر المتكلّمين بالنقلي لتوقفه على النقل في الجملة، فانحصر الدليل في قسمين العقلي المحض والمركّب من العقلي والنقلي، هذا هو التحقيق. ولا يخفى أنّ هذا التقسيم إذا أريد بالدليل المقدمات المترتبة فلا غبار عليه، لكن لا يمكن تطبيقه على مذهب المتكلّمين. أمّا إذا أريد به مأخذها كالعالم للصانع وكالكتاب والسنة والإجماع للأحكام فلا معنى له. فطريق القسمة أنّ استلزامه للمطلوب إن كان بحكم العقل فعقلي وإلّا فنقلي، كذا في شرح المقاصد. ووقع في عبارة بعضهم تثليث القسمة بطور صحيح، فقيل مقدمات الدليل القريبة قد تكون عقلية محضة كقولنا العالم متغيّر وكل متغيّر حادث. وقد تكون نقلية محضة كقولنا تارك المأمور به عاص بقوله تعالى أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي وكلّ عاص يستحق النار لقوله تعالى وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ وقد يكون بعضها مأخوذا من النقل وبعضها مأخوذا من العقل لا من النقل فيشتمل المأخوذة من الحس كقولنا هذا تارك المأمور به وكل تارك المأمور به عاص، فإنّ المقدمة الأولى يحكم بها العقل ولو بواسطة الحسّ ولا يتوقف على النقل، فلا بأس أن يسمّى هذا القسم الأخير بالمركّب.
ثم المطالب التي تطلب بالدليل ثلاثة أقسام. احدها ما يمكن عند العقل أي لا يمتنع عقلا إثباته ولا نفيه نحو جلوس الغراب الآن على المنارة فهذا المطلب لا يمكن إثباته إلّا بالنقل لأنّه لمّا كان غائبا عن العقل والحسّ معا استحال العلم بوجوده أو بعدمه إلّا من قول الصادق، ومن هذا القبيل تفاصيل أحوال المعاد. وثانيها ما يتوقّف عليه النقل مثل وجود الصانع تعالى ونبوّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم فهذا المطلب لا يثبت إلّا بالعقل لأنّه لو ثبت بالنقل لزم الدور، لأنّ كلّ واحد منهما يتوقف على الآخر. وثالثها ما عداهما كالحدوث إذ يمكن إثبات الصانع بدونه بأن يستدلّ على وجوده بإمكان العالم ثم يثبت كونه عالما مرسلا للرسل ثم يثبت بأخبار الرسل حدوث العالم. وهذا المطلب يمكن إثباته بالعقل وكذا بالنقل. ثم اعلم أنّهم اختلفوا في إفادة النقلية اليقين. فقيل لا يفيد وهو مذهب المعتزلة، وجمهور الأشاعرة. وقيل قد يفيد بقرائن مشاهدة من المنقول عنه أو متواترة تدلّ على انتفاء الاحتمالات وهو الحق، وتفصيله في شرح المواقف.

التّوكّل

التّوكّل:
[في الانكليزية] Confidence in God ،handing in everything to God
[ في الفرنسية] Remise a Dieu ،confiance en Dieu

قال في خلاصة السلوك: قال بعض أهل المعرفة: التوكّل أن يصبر على الجوع اسبوعا من غير تشويش خاطر. وقيل التوكل أن لا تقضى الله من أجل رزقك باشتغال الأسباب ورؤية الرزق من الله تعالى فريضة. ومن ترك الــكسب وطمع في المخلوقين فهو متأكل وليس بمتوكّل. وقال في مجمع السلوك: قال الصوفيّة في بيان حدود التوكّل كلاما كثيرا، وكلّ شخص تكلّم بما يناسب مقامه، ولذا اختلفت عباراتهم.

فقال بعضهم: التوكّل هو الثقة بالله في العهود يعني: أن تؤمن بأنّ ما كان مقدّرا لك فهو واصل إليك ولو عارضك العالم. وكلّ ما لم يقسم لك فلن تحصل عليه بجدّك واجتهادك.

وقال بعضهم: التوكّل هو أن يتساوى عندك الكثير والقليل والموجود والمفقود. وقال بعضهم: الاسترسال بين يدي الله تعالى استرسالا بحيث تمضي حيث يريد. وقال بعضهم: التوكّل هو أن لا ترجو غير الله، وألّا تخاف سواه. فالمتوكل هو ذلك الواثق بحقّ بأنّ الحقّ كل ما يفعله ترضى به ولا تتشكّى. وبعبارة أخرى: التسليم ظاهرا وباطنا. يقول أبو موسى:
إذا أحاطت بك الوحوش والأفاعي من يسار ويمين فلا تحرّك رأسك خوفا منها. ولهذا قيل: التوكّل الاعتماد على الله تعالى في الوعد والوعيد بإزالة الطّمع عمّن سواه. ويقول ذو النون المصري: التوكّل خلع الأرباب وقطع الأسباب.
فائدة:
المتوكّل يترك التداوي من باب العزيمة، وأخذ الدواء الذي يصفه الأطبّاء رخصة وهو لا ينافي العزيمة لقوله صلى الله عليه وسلم «تداووا عباد الله»، وقال: (ما من داء إلّا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلّا السام- وهو الموت-).
اعلم أنّ أسباب إزالة الضّرر ثلاثة أقسام؛ قطعي ووهمي وظنّي.
أما القطعي فكالماء لدفع العطش والخبز لسدّ الجوع. وترك مثلهما ليس من التوكّل بالكليّة. بل إنّ تركهما في وقت يخشى فيه الموت حرام.
والوهمي كالكي والرّقى، ومن شروط التوكّل ترك ذلك. لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين وصف المتوكلين قال: «ولا يكتوون ولا يسترقون».
وأمّا الظنيّ فكالفصد والحجامة والأدوية المسهّلة وبقية أبواب الطبّ المعروفة لدى الأطباء. والأخذ بذلك ليس مناقضا للتوكّل.

وقد قال في «قوت القلوب»: فالتداوي رخصة وسعة وتركه ضيق وعزيمة، والله يحب أن يؤخذ برخصته كما يحب أن يؤتى عزائمه. لكن كمال التوكّل أن لا يدور حول الدواء. وهذا أمر ميسّر فقط لأهل المكاشفة أو أهل الصّبر على المرض لينال بصبره الثواب الجزيل أو الخائف من ذنوبه فينسى وجعه ومرضه. انتهى ما في مجمع السلوك.

التّعريف

التّعريف:
[في الانكليزية] Definite article ،definition
[ في الفرنسية] Article defini ،definition
عند أهل العربية هو جعل الذات مشارا بها إلى خارج إشارة وضعية ويقابلها التنكير وسيأتي في لفظ المعرفة. وعند المنطقيين والمتكلّمين هو الطريق الموصل إلى المطلوب التصوّري ويسمّى معرّفا بكسر الراء المشددة وقولا شارحا أيضا، ويسمّى حدّا أيضا عند الأصوليين وأهل العربية، كما سيأتي في لفظ الحد. وذلك المطلوب التصوّري يسمّى معرّفا بفتح الراء المشددة ومحدودا، والطريق ما يمكن التوصل فيه بصحيح النظر إلى المطلوب كما سيأتي أيضا. وبالجملة فالمعرّف ما يكتسب به التصوّر فخرج ما يحصل بطريق الحدس وما يحصل من الملزومات البيّنة من العلم باللوازم، فإنّ الاكتساب إنّما هو بالنظر. قال المنطقيون لا بد في المعرّف من مميّز فإن كان المميز ذاتيا سمّي المعرف حدّا، وإن كان عرضيا سمّي المعرّف رسما، وإذا اجتمع المميزان سمّي رسما أكمل من الحدّ، وكل من الحدّ والرسم إن ذكر فيه تمام الذاتي المشترك بينه وبين غيره المسمّى بالجنس القريب فتام، وإلّا فناقص.
فالمركّب من الجنس والفصل القريبين حدّ تام كالحيوان الناطق في تعريف الإنسان، والمركّب من الخاصة والجنس القريب رسم تام كالحيوان الضاحك في تعريف الإنسان، والتعريف بالفصل وحده، أو مع الجنس البعيد أو العرض العام عند من يجوز أخذه في الحد حد ناقص، والتعريف بالخاصة وحدها أو مع الجنس البعيد أو العرض العام عند من يجوز أخذه في الرسم رسم ناقص.
أعلم أنّ التعريف بالمثال سواء كان جزئيا للمعرّف كقولك الاسم كزيد والفعل كضرب أو لا يكون جزئيا له كقولك العلم كالنور والجهل كالظلمة، هو بالحقيقة تعريف بالمشابهة التي بين ذلك المعرّف وبين المثال، فإن كانت تلك المشابهة مفيدة للتمييز فهي خاصة لذلك المعرّف فيكون التعريف بها رسما ناقصا داخلا في أقسام المعرّف الحقيقي، وإلّا لم يصح التعريف بها، فليس التعريف بالمثال قسما على حدة. ولما كان استئناس العقول القاصرة بالأمثلة أكثر لكون الجزئي أوّل المدركات شاع في مخاطبات المتعلّمين التعريف به.
واعلم أيضا أنّ التعريف يطلق بالاشتراك على معنيين: أحدهما التعريف الحقيقي وهو الذي يقصد به تحصيل ما ليس بحاصل من التصوّرات وهو الذي ذكر سابقا وهو ينقسم إلى قسمين. الأول ما يقصد به تصوّر مفهومات غير معلومة الوجود في الخارج سواء كانت موجودة أو لا ويسمّى تعريفا بحسب الاسم وتعريفا اسميا، فإذا علم مفهوم الجنس مثلا إجمالا وأريد تصوّره بوجه أكمل فإن قصد نفس مفهومه بأجزائه كان ذلك حدا له اسميا، وإن ذكر في تعريفه عوارضه كان ذلك رسما له اسميا.
والثاني ما يقصد به تصوّر حقائق موجودة أي معلومة الوجود في الخارج بقرينة المقابلة ويسمّى تعريفا بحسب الحقيقة، إمّا حدا أو رسما. ثم الظاهر من عباراتهم أنّ المعتبر في كونه تعريفا بحسب الاسم أو بحسب الحقيقة الوجود الخارجي، فالأمور الاعتبارية التي لها حقائق في نفس الأمر، كالوجود والوجوب والإمكان يكون لها تعريفات بحسب الاسم فقط، لكن لا شبهة في أن لها حقائق في نفس الأمر، وألفاظها يجوز أن تكون موضوعة بإزائها وأن تكون موضوعة بإزاء لوازمها، فيكون لها تعريفات بحسب الاسم وبحسب الحقيقة إمّا حدودا أو رسوما كالحقائق الخارجية، فالصواب عدم التخصيص بالموجودات الخارجية وأن يراد بالوجود في الخارج الوجود في نفس الأمر، وبه صرّح المحقّق التفتازاني في التلويح. فعلى هذا، الماهيات الحقيقية أي الثابتة في نفس الأمر لها تعريفات بحسب الاسم وبحسب الحقيقة بخلاف الماهيات الاعتبارية أي الكائنة بحسب اعتبار العقل كالمعدومات والمفهومات المصطلحة، فإنّها تعرف بحسب الاسم لا بحسب الحقيقة.
وثانيهما التعريف اللفظي وهو الذي يقصد به الإشارة إلى صورة حاصلة وتعيينها من بين الصور الحاصلة ليعلم أنّ اللفظ المذكور موضوع بإزاء الصورة المشار إليها. فمعنى قولنا الغضنفر الأسد إنّ ما وضع له الغضنفر هو ما وضع له الأسد، فالمستفاد منه تعيين ما وضع له لفظ الغضنفر من بين سائر المعاني والعلم بوضعه له، فمآله إلى التصديق أي التصديق بالوضع فهو في الحقيقة من مطالب هل المركّبة، وإن كان يسأل عنه بما نظرا إلى استلزامه لإحضار المعنى بعد العلم بالوضع، فيقال ما الغضنفر؟ وهو طريقة أهل اللغة وخارج عن المعرّف الحقيقي وأقسامه المذكورة. فإن التعريف الحقيقي ما يكون تصوّره سببا لتصور شيء آخر. ولمّا لم يكن في التعريف اللفظي المغايرة إلّا من حيث اللفظ لا يتحقق هاهنا تصوّران متغايران بالذات أو بالاعتبار، فضلا عن كون أحدهما سببا للآخر. وما قيل من أنّ المفهوم من حيث إنه مدلول اللفظ الأول مغاير لنفسه من حيث إنّه مدلول اللفظ الثاني فبالحيثية الثانية سبب، وبالحيثية الأولى مسبب، ففيه أنّ المفاد من التعريف اللفظي إحضار ذات مفهوم اللفظ الأول بتوسّط اللفظ الثاني لا إحضاره مقيدا بكونه مدلول اللفظ الأول بتوسّط إحضاره مقيدا بكونه مدلول اللفظ الثاني، فظهر من هذا فساد ما ذهب إليه المحقق التفتازاني، من أنّ التعريف اللفظي من المطالب التصوّرية، وبالنظر إلى هذا ذهب صاحب السلم إلى أنّ الاشتراك بين المعنيين معنوي حيث قال: معرّف الشيء ما يحمل عليه تصويرا وتحصيلا أو تفسيرا، والثاني اللفظي والأول الحقيقي، ففيه تحصيل صورة غير حاصلة. فإن علم وجودها فهو بحسب الحقيقة، وإلّا فبحسب الاسم. ثم قال:
التعريف اللفظي من المطالب التصوّرية فإنه جواب ما، وكلّما هو جواب ما فهو تصوّر. ألا ترى إذا قلنا الغضنفر موجود فقال المخاطب ما الغضنفر؟ ففسّره بالأسد، فليس هناك حكم.

وهكذا ذكر المحقق الدواني حيث قال: وأنت خبير بأنه إذا كان الغرض منه معرفة حال اللفظ وأنه موضوع لذلك المعنى كان بحثا لغويا خارجا عن المطالب التصوّرية، وأمّا إذا كان الغرض منه تصوير معنى اللفظ أي إحضاره فليس كذلك كما إذا قلنا الغضنفر موجود، فلم يفهم السامع منه معنى، ففسرناه بالأسد فيحصل له تصوّر معناه فذلك من المطالب التصورية انتهى. وفيه أنّ هذا التفسير لإحضار صورة حاصلة للحكم عليه بموجود وليس كل ما يفيد إحضار صورة حاصلة تعريفا لفظيا وإلّا لكان جميع الألفاظ المعلومة أوضاعها تعريفات لفظية لكونها مفيدة لإحضار صورة حاصلة بل هو أي التعريف اللفظي ما يفيد إحضار صورة حاصلة، ويعلم بأنّ اللفظ موضوع بإزائها كقولنا الغضنفر الأسد، على أنه يرد على قوله ففسرناه بالأسد ليحصل معناه أنه إن أراد به أنّ التفسير يفيد حصول المعنى ابتداء فممنوع. وإن أراد أنه يفيده بتوسط إفادته العلم بأنه موضوع فمسلّم.
لكن حينئذ يكون التفسير المذكور للعلم بالوضع وحصول المعنى بتبعه فتدبر.
فائدة:
من حق التعريف اللفظي أن يكون بألفاظ مفردة مرادفة فإن لم توجد ذكر مركّب يقصد به تعيين المعنى لا تفصيله ويجري في الحروف والأفعال أيضا.
فائدة:
يجب معرفة المعرّف قبل معرفة المعرّف قبلية زمانية وذاتية، فإنّ كونه طريقا لتلك المعرفة يثبت القبلية الزمانية، وكونه سببا لها يثبت القبلية الذاتية، فيكون غير المعرّف ويكون أيضا أجلى منه، ولا بدّ أن يساويه في العموم والخصوص ليحصل به التمييز إذ لولاه لدخل فيه غير المعرّف على تقدير كونه أعمّ مطلقا أو من وجه، فلم يكن مانعا مطردا أو خرج عنه بعض أفراده على تقدير كونه أخص، إمّا مطلقا أو من وجه فلم يكن جامعا ومنعكسا. وهذا مذهب المتأخرين. وأمّا المتقدمون فقد قالوا الرّسم منه تام يميز المرسوم عن كل ما يغايره ومنه، وناقص يميزه عن بعض ما يغايره. وصرّحوا بأنّ المساواة شرط لجودة الرسم وجوّزوا الرسم بالأعم والأخص، وأيّد ذلك بأنّ المعرّف لا بدّ أنّ يفيد التمييز عن بعض الأغيار كما يقتضيه تعريفهم للمعرّف بما يستلزم معرفته معرفته، فإن المعرفة تقتضي التمييز في الجملة. وأمّا التمييز عن جميعها فليس بشرط أنّ التصورات المكتسبة كما قد تكون بوجه خاص بالشيء إمّا ذاتي أو عرضي، كذاك يكون بوجه عام ذاتي أو عرضي، فيجب أن يكون كاسب كل منهما معرفا.
فالمساواة شرط للمعرّف التام دون غيره حدا كان أو رسما.
فائدة:
كلّ من قسمي التعريف الحقيقي لا يتجه عليه منع لأنّ المتصدّي لهما بمنزلة نقاش ينقش لك في ذهنك صورة مفهوم أو موجود، فإنّه إذا قال الإنسان حيوان ناطق لم يقصد به أن يحكم عليه بكونه حيوانا ناطقا وإلّا لكان مصدقا لا مصوّرا، بل أراد بذكر الإنسان أن يتوجه ذهنك إلى ما عرفته بوجه ما، ثم شرع في تصويره بوجه أكمل. فليس بين الحدّ والمحدود حكم حتى يمنع، فلا يصح أن يقال للكاتب: لا أسلم كتابتك. نعم يصح أن يقال لا نسلم أنّ هذا حدّ للإنسان أو أنّ الحيوان جنس له ونحو ذلك، فإنّ هذه الدعاوي صادرة عنه ضمنا وقابلة للمنع، فإذا أريد دفعه صعب جدا في المفهومات الحقيقية وإن سهل في المفهومات الاعتبارية. وكذا لا يتجه على الحدّ النقض والمعارضة. أمّا إذا قيل الإنسان حيوان ناطق وأريد أنّ هذا مدلوله لغة أو اصطلاحا كان هذا تعريفا لفظيا قابلا للمنع الذي يدفع بمجرد نقل أو وجه استعمال. هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته لمولانا عبد الحكيم.
فائدة:
يحترز في التعريف عن الألفاظ الغريبة الوحشية وعن المشترك والمجاز بلا قرينة ظاهرة. وبالجملة فعن كلّ لفظ غير ظاهر الدلالة على المقصود.
فائدة:
المركب إذا لم يكن بديهي التصوّر يحدّ بأجزائه حدا تاما أو ناقصا دون البسيط فإنه لا يمكن تحديده أصلا، إذ لا جزء له. فإن تركّب عنهما أي عن المركّب والبسيط غيرهما ولا يكون ذلك الغير بديهي التصوّر حدّ بهما، وإلّا فلا، إذ لم يقعا جزأ للشيء. وكل متصوّر كسبــي مركّب أو بسيط له خاصة شاملة لازمة بيّنة بحيث يكون تصورها مستلزما لتصوره يرسم، وإلّا فلا. فإن كان ذلك الــكسبــي الذي له تلك الخاصة مركّبا أمكن رسمه التام بتركيب جنسه القريب مع خاصته وإلّا فالناقص. ثم إنّه يقدم في التعريف الاسم. ثم المشهور أنّ الشخص لا يحدّ بل طريق إدراكه الحواس إنما الحدّ لكليّات المرتسمة في العقل دون الجزئيات المنطبعة في الآلات لأنّ معرفة الشخص لا تحصل إلا بتعيين مشخصاته بالإشارة ونحوها، والحدّ لا يفيد ذلك لأن غايته الحدّ التام وهو إنما يشتمل على مقومات الشيء دون مشخصاته. ولقائل أن يقول إنّ الشخص مركّب اعتباري هو مجموع الماهية والتشخّص، فلم لا يجوز أن يحدّ بما يفيد معرفة الأمرين؟
والحقّ أنّ الشخص يمكن أن يحدّ بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه، بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين في العقل، فإنّ ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير. هكذا في العضدي وحواشيه.
Learn Quranic Arabic from scratch with our innovative book! (written by the creator of this website)
Available in both paperback and Kindle formats.